المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة في الذاكرة


بقـا ألم يا
2009-02-14, 17:39
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
يقول ريبو( ان الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالماهية وظاهرة بسيكولوجيةبالعرض)


المقدمة : تتأثر أفعالنا اتجاه المشكلات التي تعترضنا بمكتسباتتجاربنا السابقة وليس انقطاع الإدراك في الحاضر معناه زوال الصورة الذهنية المدركة،بل ان الإنسان يتميز بقدرته اختزان تلك الصورة مما يجعله يعيش الحاضر والماضي معاوهذا ما يسمى الذاكرة وهي القدرة على استعادة الماضي مع معرفتنا أنه ماضي وقد اختلفالفلاسفة في تفسير طبيعة الذاكرة وحفظ الذكريات هل هي عضوية لها مكان معين فيالدماغ أم هي قدرة عقلية نفسية ؟ هل يمكن تفسير الذاكرة بالإعتماد على النشاطالعصبي ؟ هل تعتمد الذاكرة على الدماغ فقط أم تحتاج الى غير ذلك ؟


الموقف1/ يحاول الماديون تفسير الذاكرة تفسيرا ماديا وربطها بخلاياالدماغ إن ملاحظات ريبو على حالات معينة مقترنة بضعف الذاكرة أو بفقدانها كحالة [ الفتاة التي أوصيبت برصاصة في المنطقة اليسرى من الدماغ فوجد أنها فقدت قدرة التعرفعل المشط الذي كانت تضعه في يدها اليمنى إلا أنها بقيت تستطيع الإحساس به فتأكد لهأن اتلاف بعض الخلايا في الجملة العصبية نتيجة حادث ما يؤدي مباشرة الى فقدان جزئيأوكلي للذاكرة وجعلته يستنتج أن الذاكرة هي وظيفة عامة لللجهاز العصبي أساسهاالخاصية التي تمتلكها العناصر المادية في الإحتفاظ بالتغيرات الواردة عليها كالثنيفي الورقة لقد تأثرت النظرية المادية بالكرة الديكارتية القائلة بأن الذاكرة تكمنفي ثنايا الجسم وأن الذكريات تترك أثر في المخ كما تترك الذبذبات الصوتية علىأسطوانات التسجيل ، وكأن المخ وعاء يستقبل ويختزن مختلف الذكريات ، لذا يرى ريبو أنالذكريات مسجلة في خلايا القشرة الدماغية نتيجة الآثار التي تتركها المدركات في هذهالخلايا و الذكريات الراسخة هي تلك التي استفادت من تكرار طويل لذا فلا عجب إذاأبدا تلاشيها من الذكريات الحديثة الى القديمة بل ومن العقلية إلى الحركية بحيثأننا ننسى الألقاب ثم الأوصاف فالأفعال والحركات ، ولقد استطاع ريبو أن يحدد مناطقمعينة لكل نوع من الذكريات بل ويعد 600مليون خلية متخصصة لتسجيل كل الإنطباعات التيتأتينا من الخارج مستفيدا مما أثبتته بعض تجارب بروكامن أن نزيفا دمويا في قاعدةالتلفيف من ناحية الجهة الشمالية يولد مرض الحبسة وأن فساد التلفيف الثاني من يسارالناحية الجدارية يولد العمى النفسي وغيرها ولكننا نجد ان هناك الكثير من حالاتفقدان الذاكرة تسببه صدمة نفسية وليس له علاقة بإتلاف خلايا الدماغ وأن الذكرياتالتي فقدت سرعان ما تعود بعد التعافي من تلك الصدمة كما أنه لو كان الأمر كما يرىريبو وأن الدماغ هو مكان تسجيل الذكريات لترتب على ذلك أت جميع المدركات والمؤثراتالتي يستقبلها يجب ان تحتفظ في الدماغ ولوجب تذكر كل شيء .... لذا جاءت النظريةالمادية الحديثة لتؤكد أن الذاكرة لا تحتفظ إلا بجزء من هذه المؤثرات وهذا يدل علأن عملية الاحتفاظ بالذكريات تخضع لنوع من الانتقاء ولكن هذا يطرح مشكلة فهل هووظيفة نفسية أم مادية عضوية في الدماغ ، وهل هذا الانتقاء إرادي أم لاإرادي ؟ ومنالبداية فإن كل النظريات المادية الحديثة تعترف بتعقد وصعوبة سير أغوار الدماغ لدىالإنسان مما يجعلها فرضيات تحتاج الى الكثير من الأدلة ... ولا مانع هنا أن نستعرضبعضها حيث تقوم الأولى على مفهوم الترميز الغائي أو الو ضيفي للدماغ التي تعتقد أنالتنظيم العالي للدماغ البشري يمكن أن يكون له دور في تثبيت الذكريات وذلك بتيسيرترابط بعض المعلومات الواردة ومنع ترابط بعضها الأخر أما الفرضية الثانية فتقوم علىمفهوم الترميز الكهربائي حيث هناك نوعان من النشاط الكهربائي للجملة العصبية أحدهماذو إيقاع سريع يحث النيترونات داخل الأعصاب وهو المسؤول التذكري واخر ذو إيقاع بطيءلاعلاقة له بالتذكر وثالثا مفهوم الترميز البيوكيميائي حيث انصب جهد علماء الوراثةعلى نوع من الجزئيات الموجودة في الدماغ الحامض الريبي النووي لإعتقادهم أنه لهعلاقة بالذاكرة حيث أجرو تجاربة على حيوان درب على أداء حركي معين ثم أخذت خلاصةدماغه وحقنت في حيوان أخر لم يتلقى أي تدريب فلوحظ أن أثار التعليم قد ظهرت فيسلوكه


مناقشة : إن مجموع هذه الفرضيات لم تكشف بكيفية قاطعة عن نوعيةالعلاقة الموجودة بين الذاكرة والمعطيات المختلفة للدماغ نظرا للصعوبات الكبيرةالتي تواجه التخريب


الموقف2/ تؤكد النظرية النفسية عند برغسونأن وظيفة الدماغ لاتتجوز المحافظة على الآليات الحركية أما الذكريات فتبقى أحوالنفسية محضة لذا فهو يرى أن الذاكرة نوعان ـ ذاكرة حركية تتمثل في صور عادات آليةمرتبطة بالجسم وهي تشكل مختلف الأعمال الحركية التي تكتسب بالتكرار . ـ وذاكرةنفسية محضة مستقلة عن الدماغ ولا تتأثر باضطراباته وهي الذاكرة الحقة التي غاب علىالمادين إدراك طبيعتها لأنها مرتبطة بالجسم وهي ليست موجودة فيه .... إنها ديمومةنفسية أي روح ويعرف لالاند الذاكرة بأنها وظيفة نفسية تتمثل في بناء حالة شعوريةماضية .


مناقشة : إن التميز بين نوعين للذاكرة يغرينا بارجاع الذاكرةالحية الى علة مفارقة ( روح) فالذاكرة مهما كانت تبقى دائما وظيفة شعورية مرتبطةبالحاضر وتوضف الماضي من أجل الحاضر والمستقبل أيضا ويرى ميرلوبانتي أن برغسونلايقدم لنا أي حل للمشكل عندما استبدل الأثار الفيزيولوجية المخزنة في الدماغ بآثارنفسية أو صور عقلية مخزنة في اللاشعور وهو لم يفسر لنا كيف تعود الذكريات الى سطحاللاشعور عن طريق إثارتها كمعطيات ماضية ، إذا كان ريبو أعاد الذاكرة الى الدماغ ،وإذا كان برغسون أرجعها الى النفس فإن هالفاكس في النظرية الاجتماعية يرجعها الىمجتمع يقول : ( ليس هناك ما يدعو للبحث عن موضوع الذكريات وأين تحفظ إذ أننيأتذكرها من خارج....فالزمرة الاجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم إلي جميعالوسائل لإعادة بنائها) ويقول أيضا : ( انني عندما أتذكر فإن الغير هم الذينيدفعونني الى التذكر ونحن عندما نتذكر ننطلق من مفاهيم مشتركة بين الجماعة) إنذكرياتنا ليست استعادة لحوادث الماضي بل هي تجديد لبنائها وفقا لتجربة الجماعةواعتبر بيار أن الذاكرة اجتماعية تتمثل في اللغة وأن العقل ينشئ الذكريات تحت تأثيرالضغط الاجتماعي ولايوجد ماضي محفوظ في الذاكرة الفردية كما هو .... إن الماضي يعادبناؤه على ضوء المنطق الاجتماعي .لكن برادين يرد على أصحاب هذه النظرية يقول : انالمجتمع لايفكر في مكاننا ، ولهذا يجب أن نحذر من الخلط بين الذاكرة والقوالبالمساعدة على التذكر ، ان الذكريات أفكار وهي بناء الماضي بفضل العقل .


التركيب : إننا لن نستطيع أن نقف موقف إختيار بين النظرياتالمادية والنفسية والاجتماعية ولا يمكن قبولها على أنها صادقة ، فإذا كانت النظريةالمادية قد قامت في بعض التجارب فقد رأينا الصعوبة التي تواجه التجريب وإن حاولتالنظرية النفسية إقحام الحياة النفسية الواقعية في الحياة الروحية الغيبية فإنالإيمان يتجاوز العلم القائم على الإقناع ومهما ادعت النظرية الاجتماعية فلا يمكنناالقول بأن الفرد حين يتذكر فإنه يتذكر دائما ماضيه المشترك مع الجماعة .


الخاتمة : هكذا رأينا كيف أن كل معارفنا عجزت على اعطاء أيتفسير للذاكرة مقبول للجميع ، فلا الجسم ولا النفس ولا المجتمع كان كافيا لذلكولابد من استبعاد الفكرة التي تعتبر الذاكرة وعاء يستقبل آليا أي شيء إنها كما يقولدولاكروا (نشاط يقوم به الفكر ويمارسه الشخص فيبث فيه ماضيه تبعا لإهتماماته وأحواله ) .
م ن ق و ل
أسأل الله أن ينفع به ،ولا تنسوني من الدعاء بالنجاح والتوفيق ولجميع الطلب ان شاء الله

الأقحوان
2009-02-14, 23:11
عمل يدل على مدى اهتمامك بالفلسفة،نشكرك على مواظبتك ،كلل الله سعيك بالنجاح و سدد خطاك.