تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كلمات رمضانية °كل يوم كلمة *للشيخ الدكتور عبد الرزاق البدر أستاذ بالجامعة الاسلامية بالمدينة و المدرس بالمسجد النبوي


H1985
2012-07-20, 15:42
01 - اسْتِقْـبَالُ شَهْرِ رَمَضَان

إن من نِعَمِ الله العظيمة على عباده أن جعل لهم مواسم متعددة للعبادات ؛ تكثُر فيها الطاعات ، وتُقال فيها العثرات ، وتُغفر فيها الذنوب والسيئات ، وتُضاعف فيها الحسنات ، وتَـتَنزَّل فيها الرّحمات ، وتعظم فيها الهبات ، وإن من أجلِّ هذه المواسم وأكرمها على الله شهر رمضان المبارك ، قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة:185] ، فيا له من شهر كريم وموسم عظيم !! شهر البركات والخيرات ، شهر الصيام والقيام ، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، شهر الجود والكرم والبذل والعطاء والمعروف والإحسان .

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشـِّر أصحابه بمقدم هذا الشهر العظيم ويستحثهم فيه على الاجتهاد بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل من صلواتٍ وصدقات ، وبذل معروفٍ وإحسان ، وصبرٍ على طاعة الله ، وعمارة نهاره بالصيام وليله بالقيام ، وشَغْلِ أوقاته المباركة بالذكر والشكر والتسبيح والتهليل وتلاوة القرآن .

روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هَذَا رَمَضَانُ قَدْ جَاءَ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَتُسَلْسَلُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ))(1).

وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ ))(2).

وروى أحمد عن أبي هريرة قال : ((لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا قَدْ حُرِمَ))(3). ؛ لقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بأنه شهر مبارك ، فهو شهر مبارك حقاً ، كل لحظة من لحظات هذا الشهر تتصف بالبركة ؛ بركةٍ في الوقت ، وبركة في العمل ، وبركة في الجزاء والثواب ، وفيه ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر ، وإن من بركة هذا الشهر كما تقدم أن الحسنات فيه تضاعف ، وأبواب الجنان تفتح ، وأبواب النيران تغلق ، والشياطينَ ومردةَ الجنّ تصفد، ويكثر فيه عتقاء الله من النار.

وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))(4) ، وقال صلى الله عليه وسلم (( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))(5).

هذا ؛ وإن من أعظم الخسران وأكبر الحرمان أن يدرك المرء هذا الشهر الكريم المبارك شهر المغفرة فلا تُغفر له فيه ذنوبه ولا تحطّ عنه خطاياه لكثرة إسرافه وعدم توبته وتركه في هذه الأوقات العطرة والأيام الفاضلة الإقبال على الله بالإنابة والرجوع والخضوع والخشوع والتوبة والاستغفار ، بل يدخل عليه هذا الشهر الكريم ويخرج وهو باقٍ على ذنوبه مصرٌ على خطاياه سادر في غيِّه .

روى الطبراني في معجمه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ فَمَاتَ ، فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ؛ قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ آمِينَ ، قَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ ، فَمَاتَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأُدْخِلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ؛ قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ آمِينَ ، قَالَ : وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ؛ قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ آمِينَ ))(6).

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ ))(7) .

إن شهر رمضان شهر ربح وغنيمة ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه أكثر مما يجتهد في غيره ، وكان السلف - رضوانُ الله عليهم ورحمتهُ - يهتمون بهذا الشهر غاية الاهتمام ويتفرغون فيه للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وكانوا يجتهدون في قيام ليله وعمارة أوقاته بالطاعة ، قال الزهري - رحمه الله - : (( إذا دخل رمضان إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام)) هذا هو شأن رمضان عند السلف - رحمهم الله - : جدٌّ واجتهاد ، صيامٌ وقيام ، عبادةٌ وتلاوة قرآن ، تهليلٌ وتسبيحٌ وبرٌّ وإحسان ، عطفٌ ومواساةٌ وإطعام .

إن شهر رمضان ضيف عزيز على المسلمين ووافد كريم عليهم ؛ فحريٌّ بهم أن يحسِنوا استقباله بما يستحقه من حفاوة وإكرام ، فإنه إذا نزل بالإنسان ضيفٌ كريم فإنه يفرح بمقدمه ويُسَرُّ بمجيئه ويبذل له كل غالٍ ونفيس، وشهر رمضان هو أكرم ضيف وأنبله وأزكاه وأطهره فلنفرح بإدراكه وبأن بلَّغنا الله إياه ، فكم من قريبٍ وصديقٍ وجارٍ شهد معنا رمضان الماضي ثم اخترمته المنية فلم يدرك هذا الشهر ، فلنشكر الله على ما أنعم به علينا من إدراك هذا الشهر وليكن ذلك باستغلال أوقاته المباركة فيما يُقرِّب إلى الله من طاعات نافعة وأعمال مبرورة وتوبة نصوح وإحسان . قال تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس:58] .

وصيام رمضان من دعائم الإسلام ومن مبانيه وأركانه العظام ، وفي هذا الشهر نزلت رحمة الله على عباده التي هي القرآن ؛ فحُقَّ لنا أن نفرح بهذا الشهر وأن نشكر الله عليه ونغتنمه فيما شرع الله وأراد من عمارة نهاره بالصيام والمنافسة في جميع أبواب الخيرات ، وليله بالصلاة وتلاوة القرآن والذكر والبر والإحسان .

اللهم وفِّقنا لطاعتك ، وأعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، ويسِّرنا لليسرى ، وأتِمَّ علينا النعمة بالقيام بحق هذا الضيف الكريم ، وأعنّا على صيامه وقيامه وحُسن الأدب فيه يا رب العالمين.

*****

----------------------------

(1) مسند الإمام أحمد (13408) ، قال محققه: إسناده صحيح .

(2) الترمذي (682)، وابن ماجه (1642)، واللفظ للترمذي .

(3) المسند: (9497)

(4) متفق عليه ؛ البخاري(2014) ، مسلم (760)

(5) متفق عليه ؛ البخاري(37) ، مسلم (759)

(6)المعجم الكبير للطبراني (2022)

(7) رواه الترمذي (3545) .
http://www.al-badr.net/web/index.php?page=page&action=view&pageid=9

H1985
2012-07-21, 16:20
02 - شَهْـرِ رَمَضَان مِنةٌ عُظْمَى

لقد أنعم الله على عباده بنعمٍ كثيرة لا تحصى ولا تعد { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم:34] ، نعَمٌ مطلقة ونعَمٌ مقيدة ، نعَمٌ دينية ونعَمٌ دنيوية ، دلَّ العباد عليها وهداهم إليها ودعاهم إلى دار السلام {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25] ، وعافاهم في عقولهم وأبدانهم ورزقهم من الطيبات ، وسخَّر لهم ما في السموات وما في الأرض ؛ وكل هذا الإنعام منه سبحانه ليشكره العباد ويعبدوه وحده لا شريك له ، لينالوا مرضاته ويفوزوا بمنَنِه ورحماته .

وإن من عظيم هباته وجزيل نعمائه على عباده المؤمنين أن شرع لهم صيام شهر رمضان المبارك وجعله أحد أركان الدين العظام ومبانيه التي عليها يقوم ، ولما كان صيام رمضان من النعم العظيمة التي منَّ الله بها على عباده ختم الله الآيات التي أمر فيها بصيام شهر رمضان بقوله تعالى : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185] ؛ لأن الشكر هو الغاية من خلقه للخلق وتنويعه للنعم .

وأصلُ الشكر وحقيقته : " الاعتراف بإنعام المنعِم على وجه الخضوع له والذل والمحبة ، فمن لم يعرف النعمةَ بل كان جاهلاً بها لم يشكرها ، ومن عرفها ولم يعرف المنعِمَ بها لم يشكرها أيضاً ، ومن عرف النعمة والمنعِم لكن جحدها كما يجحد المنكرُ لنعمة المنعِم عليه بها فقد كفَرَها ، ومن عرف النعمة والمنعِم وأقرَّ بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرضَ به وعنه لم يشكرها أيضاً ، ومن عرفها وعرَف المنعِم بها وخضع له وأحبّه ورضي به وعنه واستعملها في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها "(1) اهـ .

وبهذا يتبين أن " الشكر مبنيٌّ على خمس قواعد : خضوع الشاكر للمشكور ، وحبّه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه بها ، وأن لا يستعملها فيما يكره ؛ فهذه القواعد الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها ، فمتى عدِم منها واحدةٌ اختل من قواعد الشكر قاعدة ، وكلُّ من تكلم في الشكر وحدّه فكلامه إليها يرجع وعليها يدور "(2).

والناس متفاوتون تفاوتاً عظيماً في تحقيق الشكر لتفاوتهم في العلم بموجباته بمعرفة الخالق الجليل والرب العظيم والمنعم الكريم ، فمنهم من عرف الله بتفاصيل أسمائه وصفاته وأفعاله وبديع مخلوقاته ومفعولاته وجميل آلائه وهباته؛ فامتلأ قلبه حباً له ، ولهج لسانه بالثناء عليه ، ولانت جوارحه قياماً بما يرضيه ، واعترف له بكل نعمه التي أنعم بها عليه وسخرها في ما يحبه ويرضاه ، ومنهم من دس نفسه بالغفلة عن الله والجهل به فلم يزدد من الله إلا بعداً بجحوده وإنكاره ، أو باعترافه به وعدم الانصياع لأمره والانقياد لشرعه .

وشهر رمضان المبارك منحةٌ إلهية وهبةٌ ربانية للعباد ليزداد الذين آمنوا إيماناً وليتوب من كان مفرِّطاً ومقصِّراً، ولقد اختص الله هذا الشهر بخصائص وميَّزه بمزايا انفرد بها عن سائر الشهور ، ولنقِف على بعضها لندرك عظمة هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا لنشكره حق الشكر ونعبده حق العبادة:

· إن لشهر رمضان الكريم - شهر الصوم - خصوصية بالقرآن ؛ فهو الشهر الذي أُنزِل فيه القرآن الكريم هدى للناس قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] ، فقد امتدح الله تعالى في هذه الآية الكريمة شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره لإنزال القرآن العظيم ، بل قد ورد في الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، ففي المسند للإمام أحمد والمعجم الكبير للطبراني من حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ )) (3) ؛ فهذا الحديث يدل على أن شهر رمضان هو الشهر الذي كانت تنزل فيه الكتب الإلهية على الرسل عليهم السلام، إلا أنها كانت تنزل على النبي الذي أنزلت عليه جملة واحدة ، وأما القرآن الكريم فلمزيد شرفه وعظيم فضله فإنما نزل جملةً واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، وكان ذلك في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] ، وقال سبحانه : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3] ، ثم بعد ذلك نزل مفرَّقاً على مواقع النجوم يتلو بعضه بعضاً . وفي هذا دلالةٌ على عِظَم شأن شهر الصوم - شهر رمضان المبارك - وأن له خصوصية بالقرآن الكريم ؛ إذ فيه حصل للأمة من الله هذا الفضلُ الكبير، نزولُ وحيه العظيم، وكلامه الكريم المشتمل على الهداية {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} الهداية لمصالح الدين والدنيا ، وفيه تبيان الحق بأوضح بيان ، وفيه الفرقان بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والظلمات والنور .

· ثم إن شهر رمضان فيه ليلة القدر التي قال الله عنها: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 2-3] ، أي العمل فيها خيرٌ من العمل في ألف شهرٍ سواها ، وكذا الأجر .

· وصيام هذا الشهر سببٌ لمغفرة الذنوب ؛ أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) (4) أي : إيماناً بالله ورضاً بفرضية الصوم عليه واحتساباً لثوابه وأجره ، ولم يكن كارهاً لفرضه ولا شاكاً في ثوابه وأجره ؛ فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه . وفي مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)) (5) .

· إضافةً إلى ما تقدم ذِكرُه ؛ فإن من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، وأنه تصفَّد فيه الشياطين ، وتُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار ، ولله في هذا الشهر عتقاء من النار وذلك كل ليلة .

· وفي هذا الشهر المبارك نصَرَ الله المسلمين على أعدائهم المشركين في غزوة بدر الكبرى ، وكان عدد المشركين في تلك الغزوة ثلاثة أضعاف المسلمين ، وفيه فتح الله مكة المكرمة البلد الآمن على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وطهَّرها من الأصنام ، وكان عدد الأصنام في البيت وحوله ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحطم هذه الأصنام ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81] ، فهو شهر الجدِّ والنشاطِ والعمل ، شهر العبادةِ والجهادِ في سبيل الله ؛ فحقيقٌ بشهرٍ هذا فضله وهذا إحسان الله على عباده فيه أن يعظِّمه العباد ، وأن يكون موسماً لهم للعبادة وزاداً ليوم المعاد .

اللهم اجعلنا ممن يعرِف لهذا الشهر مكانته وحُرْمَتَه ، ووفِّقنا للقيام فيه بما يرضيك إنك سميع الدعاء .

اللهم وفِّقنا لطاعتك ، وأعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، ويسِّرنا لليسرى ، وأتِمَّ علينا النعمة بالقيام بحق هذا الضيف الكريم ، وأعنّا على صيامه وقيامه وحُسن الأدب فيه يا رب العالمين.

*****

---------------------------------

(1) طريق الهجرتين لابن القيم (ص: 175).

(2) مدارج السالكين لابن القيم (2/244).

(3) مسند أحمد (4/107 رقم: 16921). والطبراني (17646) ، واللفظ للإمام أحمد.

(4) متفق عليه ؛ البخاري (2014) ، مسلم (760)

(5) مسلم (233).
http://www.al-badr.net/web/index.php?page=page&action=view&pageid=9

H1985
2012-07-22, 18:17
03 - فَـضْلُ الصِّيَام

إن الصوم من أفضل العبادات وأجل الطاعات ، جاءت بفضله وعظيم شأنه نصوص عديدة .
فمن فضائل الصوم: أن الله كتبه على جميع الأمم وفرضه عليهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] ، ولولا أنه عبادة عظيمة لا غنى للخلق عن التعبد بها لله وعمّا يترتب عليها من ثواب ما فرضه الله على جميع الأمم ، والغاية المرجوة من الصيام تحقق التقوى التي أمر الله ووصَّى بها جميع الأمم قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] .
ومن فضائل الصوم : أن ثوابه لا يتقيد بعدد معيَّن بل يعطى الصائم أجره بغير حساب ، أخرج الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ))(1) ، وفي رواية لمسلم : ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ؛ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي))(2) .
وهذا الحديث الجليل يدل على فضيلة الصوم من وجوه عديدة فصَّلها العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
الأول : أن الله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال وذلك لشرفه عنده ومحبته له وظهور الإخلاص له سبحانه فيه ؛ لأنه سِرٌّ بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلاَّ الله ، فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من الناس متمكِّناً من تناول ما حرَّم الله عليه بالصيام فلا يتناوله لأنه يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلوته ، وقد حرَّم عليه ذلك فيتركه لله خوفاً من عقابه ورغبة في ثوابه ؛ فمن أجل ذلك شَكَرَ الله له هذا الإخلاص واختص صيامه لنفسه من بين سائر أعماله ، ولهذا قال : ((يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)) ، وتظهر فائدة هذا الاختصاص يوم القيامة كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلِيهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ حَتَّى لاَ يَبْقَى إِلاَّ الصَّوْم ، فَيَتَحَمَّلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ))(2).
الثاني : أن الله قال في الصوم : (( وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )) ؛ فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد ، وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، والعطية بقدر معطيها فيكون أجر الصائم عظيماً كثيراً بلا حساب ، وفي الصيام اجتمع الصبر بأنواعه كلها فهو صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف البدن والنفس، فاجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين ، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] .
الثالث: أن الصوم جُنَّة ؛ أي وقاية وستر يقي الصائم من اللغو والرفث ، ولذلك قال: ((وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ)) ، ويقيه أيضاً من النار ، أخرج الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ النَّارِ))(4).
الرابع : أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك لأنها من آثار الصيام ، فكانت طيِّبة عند الله سبحانه ومحبوبة له ، وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله حتى إن الشيء المكروه المستخبث عند الناس يكون محبوباً عند الله وطيِّباً لكونه نشأ عن طاعته بالصيام.
الخامس : أن للصائم فرحتين : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ؛ أما فرحه عند فطره : فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام الذي هو من أفضل الأعمال الصالحة ، وكم من أناس حرموه فلم يصوموا ، ويفرح بما أباح الله له من الطعام والشراب والنكاح الذي كان محرماً عليه حال الصوم . وأما فرحه عند لقاء ربه : فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله تعالى موفوراً كاملاً في وقت هو أحوج ما يكون إليه حين يقال : أين الصائمون ليدخلوا الجنة من باب الريان الذي لا يدخله أحد غيرهم .
ومن فضائل الصيام : أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة ، روى أحمد والطبراني والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ فَيُشَفَّعَانِ))(5).
ومنها : أن للصائمين باباً في الجنة يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ))(6).
ومن فضائل الصيام أن العبد إذا قام به على الوجه المشروع وأدّاه متحرياً فيه الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يؤتي كثيراً من الثمرات اليانعة ؛ من الثبات على الحق ، وزيادة الإيمان ، وقوة اليقين ، والتحلي بالأخلاق الجميلة ، وانكسار الشهوة ، وانبعاث الأعمال القلبية من خوف ورجاء ومحبة ونحو ذلك . قال ابن القيم رحمه الله تعالى : "والمقصود : أن مصالحَ الصومِ لمَّا كانت مشهودةً بالعقول السليمةِ والفِطَرِ المستقيمة شرعه اللَّهُ لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم، وحِميةً لهم وجُنَّةً"(7) اهـ .
اللهم وفِّقنا لما تحب وترضى ، وخذ بنواصينا للبر والتقوى ، وعلِّمنا ما جهِلنا ، وانفعنا بما علمتنا ، واجعلنا من العالمين بفضل الصيام والعاملين بمقتضى ذلك من الإخلاص وإتقان الصيام وتكميله على الوجه الذي يرضيك .

*****

------------------------------
(1) متفق عليه ؛ البخاري(1904) ، مسلم (1150) ، واللفظ للبخاري.
(2) مسلم (1150).
(3) رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/274) .
(4) رواه الإمام أحمد في المسند (3/396، رقم: 15200).
(5) مسند الإمام أحمد (2/174، رقم 6626)، مستدرك الحاكم (1/740) .
(6) صحيح البخاري (1896) ، ومسلم (1152) واللفظ للبخاري .
(7) زاد المعاد لابن القيم (2/28).
http://www.al-badr.net/web/index.php?page=article&action=article&article=36

fatimazahra2011
2012-07-24, 17:55
http://noorfatema.com/images/b/noorfatema12.gif
http://i4.glitter-graphics.org/pub/120/120694amtl4adb8a.gif



http://www.ahlalsunna.com/f/uploads/images/sunna.362ffac404.gif


♪♫♪♪♫♪♪♫♪♪♫♪


http://www.noorfatema.net/up/uploads/13152434331.gif



█║▌│▌║║█│║▌║║▌│▌

H1985
2013-07-20, 16:06
يرفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع