abedalkader
2012-07-17, 14:21
الخطبة الاولى
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
إن المساجد أيها الناس بيوت اللهِ عز وجل لأنها محل ذِكره وعبادته وتعظيمه وتلاوة كتابه ونشر شريعته ومأوى عبادهِ الصالحين إن المساجد من أفضلِ ما بذلت الأموال فيه وأدومه أجراً وأعمه نفعاً فأجرها مستمر ونفعها متنوع ففيها المصلى القائم الراكع الساجد وفيها القارئ لكتاب الله وفيها المتعلم والمعلم لشريعة الله وفيها المستظل من الحر والمتقي من البرد فما أعظم أجرها وأكثر خيرها وهذا من بعض أسرار إضافتها إلى الله عز وجل وقد ثبت في الصحيحين من حديث أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة"(1) وفي لفظ: "بنى الله له مثله في الجنة"(2) ومن نعمة الله علينا في هذه البلاد أن الناس فيها حكومةً وشعباً يهتمون بالمساجد عمارةً وصيانة لأن فيها جمال البلاد وصلاح العباد فهذا مَلك هذه البلاد خالد بن عبد العزيز رحمه الله أمر بإعادة بناء مسجدكم الجامع الكبير الذي سيتم بحول الله تنفيذه في عهد الملك فهد أعزه الله بالإسلام وأعز الإسلام به وذلك لدعاء الحاجة إلى إعادة بنائه على وجهٍ يتسع للمصلين الذين كانوا يصلون في شدة الحر على سطحه وعلى الأرصفة حوله وإن إعادة هذا البناء سيكون بحول الله ساراً للجميع واسعاً للمصلين مريحاً لهم وقد قدر الخبراء بأنه بعد تمامه سوف يتسع لستة آلاف وخمسمائة مصلي وهذا عدد كبير ولله الحمد وكان اقتراح أكثر الناس الذين نجتمع بهم في مجالسنا أن تبقى المنارة الأولى على ما هي عليه ومن أجل أن هذا رغبةُ أكثر من جلسنا معه فإنه قُرِر أن تبقى هذه المنارة ونسأل الله تعالى أن يرفع صوت ذكره وتوحيده فوق منارات المسلمين في جميع أقطار الأرض.
أيها الناس إنه ربما يَرد على خواطر بعض الناس من أجل العاطفة لمسجدهم الأول إنه ربما يرد على بعض خواطرهم سؤالان حول إعادة بنائه السؤال الأول: كيف يسوغ هدمه وهو مازال عامراً ولم يمضِ على بنائه إلا نحو أربعين سنة في مقدمه وثلاثين سنة في مؤخره هذا السؤال قد يفرضه خاطر بعض الناس من أجل العاطفة للمسجد القديم وإن الجواب على ذلك أن الذي سوَّغ هدمه وإعادة بنائه هو الحاجة إلى توسعته لضيقه بالمصلين وإن الإنسان ليتألم وهو يرى الناس يصلون في أيام الحر تحت أشعة الشمس وفي أيام الشتاء تحت رذاذ المطر من أجل هذه الحاجة الملحة كان تقرير هدمه وإعادة بنائه وليس هذا ببدع في بلاد المسلمين فهذا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولُ مسجدٍ أسس في بلد قامت فيه الدولة الإسلامية ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن المسجد النبوي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه الجريد وعُمُدَهُ خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً وذلك لقِصَر مدة أبي بكر رضي الله عنه واشتغاله بحروب أهل الردة وزاد فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبناه على بنيانه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعادة عُمُدَهُ خشاباً ثم غيره أمير المؤمنين عثمان فزاد فيه زيادةً كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقسطه وهي الجص وجعل عُمُدَهُ من حجارة منقوشة وصففه بالساج"(3) فهذا أيها المسلمون أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أعاد بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه حين كثر الناس وهذا أمير المؤمنين عثمانُ بن عفان أعاد بناءه وزاده وغير مواده فجعل عُمده من الحجارة وسقفه من الساج فنعم الإمامان المقتدى بهما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأمير المؤمنين عثمان بن عفان ولم يزل المسلمون إلى وقتنا هذا سائرين على إتباع المصلحة في عمارة المساجد وتجديدها وقد نص الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه إذا كان المسجد يضيق بأهله فلا بأس أن يُحوَّل إلى موضع أوسع منه فأجاز رحمه الله تحويل المسجد من موضع إلى موضع أوسع منه فكيف بزيادته وهدمه من أجل هذه الزيادة إن جوازها يكون من باب أولى وأقرب أما السؤال الثاني: الذي يفرطه خاطر بعض الناس فهو ما شأن الذين ساهموا في بناء المسجد الأول وقد هُدم ما بنوه وجوابه أن الذين بنوه يبتغون به وجه الله وما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم من الثواب فأجرهم تام بكل حال وإن هُدِم ما بنوه يقول الله تعالى في المهاجرين الذين حال الموت بينهم وبين مهاجرهم يقول جل ذكره: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 100] فقد جعل الله تعالى لهذا المهاجر أجر الهجرة وإن حيل بينه وبين الوصول إلى البلد التي هاجر إليها وذلك أن المؤمن إذا نوى الخير وسعى في الوصول إليه بقدر ما يستطيع كُتِب له الأجر كاملاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكلِ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"(4) وسائر الأعمال على هذا ففضل الله تعالى واسع والفضل إلى الله أحبُ من المنع فلا ينقص أجر البانين بهدم ما بنوه ثم إن كان الهدم سائغاً شرعاً كان لكل من السابقين واللاحقين أجرهم وإن كان الهدم غير سائغاً شرعاً كان الأجر للسابقين فقط وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تُصِدق الليلة على زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تُصِدق على غني فقال: اللهم لك الحمد على غني، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تُصِدق الليلة على سارق فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ولعل السارق يستعف بها عن سرقته"(5) فتأملوا أيها المسلمون هذا الحديث رجل خرج بصدقة يبتغي بها وجه الله ولكنها وقعت في غير موقعها ولكن من أجل نيته الطيبة صار يتوقع منها هذا الأثر الطيب أن تستعف الزانية بها عن الزنى وأن يعتبر الغني فيتصدق وأن يستعف السارق عن سرقته وبهذه النصوص نعلم أن كل من نوى خيراً وسعى في الوصول إليه كتب الله له ذلك الخير ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: 105] فانووا الخير أيها المسلمون واعملوا له ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المزمل: 20].
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
إن المساجد أيها الناس بيوت اللهِ عز وجل لأنها محل ذِكره وعبادته وتعظيمه وتلاوة كتابه ونشر شريعته ومأوى عبادهِ الصالحين إن المساجد من أفضلِ ما بذلت الأموال فيه وأدومه أجراً وأعمه نفعاً فأجرها مستمر ونفعها متنوع ففيها المصلى القائم الراكع الساجد وفيها القارئ لكتاب الله وفيها المتعلم والمعلم لشريعة الله وفيها المستظل من الحر والمتقي من البرد فما أعظم أجرها وأكثر خيرها وهذا من بعض أسرار إضافتها إلى الله عز وجل وقد ثبت في الصحيحين من حديث أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة"(1) وفي لفظ: "بنى الله له مثله في الجنة"(2) ومن نعمة الله علينا في هذه البلاد أن الناس فيها حكومةً وشعباً يهتمون بالمساجد عمارةً وصيانة لأن فيها جمال البلاد وصلاح العباد فهذا مَلك هذه البلاد خالد بن عبد العزيز رحمه الله أمر بإعادة بناء مسجدكم الجامع الكبير الذي سيتم بحول الله تنفيذه في عهد الملك فهد أعزه الله بالإسلام وأعز الإسلام به وذلك لدعاء الحاجة إلى إعادة بنائه على وجهٍ يتسع للمصلين الذين كانوا يصلون في شدة الحر على سطحه وعلى الأرصفة حوله وإن إعادة هذا البناء سيكون بحول الله ساراً للجميع واسعاً للمصلين مريحاً لهم وقد قدر الخبراء بأنه بعد تمامه سوف يتسع لستة آلاف وخمسمائة مصلي وهذا عدد كبير ولله الحمد وكان اقتراح أكثر الناس الذين نجتمع بهم في مجالسنا أن تبقى المنارة الأولى على ما هي عليه ومن أجل أن هذا رغبةُ أكثر من جلسنا معه فإنه قُرِر أن تبقى هذه المنارة ونسأل الله تعالى أن يرفع صوت ذكره وتوحيده فوق منارات المسلمين في جميع أقطار الأرض.
أيها الناس إنه ربما يَرد على خواطر بعض الناس من أجل العاطفة لمسجدهم الأول إنه ربما يرد على بعض خواطرهم سؤالان حول إعادة بنائه السؤال الأول: كيف يسوغ هدمه وهو مازال عامراً ولم يمضِ على بنائه إلا نحو أربعين سنة في مقدمه وثلاثين سنة في مؤخره هذا السؤال قد يفرضه خاطر بعض الناس من أجل العاطفة للمسجد القديم وإن الجواب على ذلك أن الذي سوَّغ هدمه وإعادة بنائه هو الحاجة إلى توسعته لضيقه بالمصلين وإن الإنسان ليتألم وهو يرى الناس يصلون في أيام الحر تحت أشعة الشمس وفي أيام الشتاء تحت رذاذ المطر من أجل هذه الحاجة الملحة كان تقرير هدمه وإعادة بنائه وليس هذا ببدع في بلاد المسلمين فهذا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولُ مسجدٍ أسس في بلد قامت فيه الدولة الإسلامية ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن المسجد النبوي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن وسقفه الجريد وعُمُدَهُ خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً وذلك لقِصَر مدة أبي بكر رضي الله عنه واشتغاله بحروب أهل الردة وزاد فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبناه على بنيانه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعادة عُمُدَهُ خشاباً ثم غيره أمير المؤمنين عثمان فزاد فيه زيادةً كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقسطه وهي الجص وجعل عُمُدَهُ من حجارة منقوشة وصففه بالساج"(3) فهذا أيها المسلمون أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أعاد بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه حين كثر الناس وهذا أمير المؤمنين عثمانُ بن عفان أعاد بناءه وزاده وغير مواده فجعل عُمده من الحجارة وسقفه من الساج فنعم الإمامان المقتدى بهما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأمير المؤمنين عثمان بن عفان ولم يزل المسلمون إلى وقتنا هذا سائرين على إتباع المصلحة في عمارة المساجد وتجديدها وقد نص الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه إذا كان المسجد يضيق بأهله فلا بأس أن يُحوَّل إلى موضع أوسع منه فأجاز رحمه الله تحويل المسجد من موضع إلى موضع أوسع منه فكيف بزيادته وهدمه من أجل هذه الزيادة إن جوازها يكون من باب أولى وأقرب أما السؤال الثاني: الذي يفرطه خاطر بعض الناس فهو ما شأن الذين ساهموا في بناء المسجد الأول وقد هُدم ما بنوه وجوابه أن الذين بنوه يبتغون به وجه الله وما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم من الثواب فأجرهم تام بكل حال وإن هُدِم ما بنوه يقول الله تعالى في المهاجرين الذين حال الموت بينهم وبين مهاجرهم يقول جل ذكره: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 100] فقد جعل الله تعالى لهذا المهاجر أجر الهجرة وإن حيل بينه وبين الوصول إلى البلد التي هاجر إليها وذلك أن المؤمن إذا نوى الخير وسعى في الوصول إليه بقدر ما يستطيع كُتِب له الأجر كاملاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكلِ امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"(4) وسائر الأعمال على هذا ففضل الله تعالى واسع والفضل إلى الله أحبُ من المنع فلا ينقص أجر البانين بهدم ما بنوه ثم إن كان الهدم سائغاً شرعاً كان لكل من السابقين واللاحقين أجرهم وإن كان الهدم غير سائغاً شرعاً كان الأجر للسابقين فقط وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تُصِدق الليلة على زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تُصِدق على غني فقال: اللهم لك الحمد على غني، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تُصِدق الليلة على سارق فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ولعل السارق يستعف بها عن سرقته"(5) فتأملوا أيها المسلمون هذا الحديث رجل خرج بصدقة يبتغي بها وجه الله ولكنها وقعت في غير موقعها ولكن من أجل نيته الطيبة صار يتوقع منها هذا الأثر الطيب أن تستعف الزانية بها عن الزنى وأن يعتبر الغني فيتصدق وأن يستعف السارق عن سرقته وبهذه النصوص نعلم أن كل من نوى خيراً وسعى في الوصول إليه كتب الله له ذلك الخير ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: 105] فانووا الخير أيها المسلمون واعملوا له ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المزمل: 20].