يزيد19
2012-07-14, 11:46
قال أمير المؤمنين الفاروق المحدث الملهم عمر بن الخطاب عليه رضوان الله
فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين بما ليس فيه شانه الله"
قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله
هذا شقيق كلام النبوة وهو جدير بأن يخرج من مشكاة المحدث الملهم وهاتان الكلمتان من كنوز العلم ومن أحسن الإنفاق منهما نفع غيره وانتفع غاية الانتفاع فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله والثانية أصل الشر وفصله فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى وكان قصده وهمه علمه لوجهه سبحانه كان الله معه فإنه سبحانه مع {الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق والله سبحانه لا غالب له فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء فإن كان الله مع العبد فمن يخاف وإن لم يكن معه فمن يرجو وبمن يثق ومن ينصره من بعده فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها وجعل له فرجا مخرجا وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة أو في اثنين منها أو في واحد فمن كان قيامه في باطل لم ينصر وإن نصر نصرا عارضا فلا عاقبة له وهو مذموم مخذول وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله وإنما قام لطلب المحمدة والشكور والجزاء من الخلق أو التوصل إلى غرض دنيوي كان هو المقصود أولا والقيام في الحق وسيلة إليه فهذا لم تضمن له النصرة فإن الله إنما ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا لا لمن كان قيامه لنفسه ولهواه فإنه ليس من المتقين ولا من المحسنين وإن نصر فبحسب ما معه من الحق فإن الله لا ينصر إلا الحق وإذا كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر والصبر منصور أبدا فإن كان صاحبه محقا كان منصورا له العاقبة وإن كان مبطلا
لم يكن له عاقبة وإذا قام العبد في الحق لله ولكن قام بنفسه وقوته ولم يقم بالله مستعينا به متوكلا عليه مفوضا إليه بريا من الحول والقوة إلا به فله من الخذلان وضعف النصرة بحسب ما قام به من ذلك ونكتة المسألة أن تجريد التوحيدين في أمر الله لا يقوم له شيء البتة وصاحبه مؤيد منصور ولو توالت عليه زمر الأعداء.
قال الإمام أحمد: حدثنا داود أنبأنا شعبة عن واقد بن محمد بن زيد عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: "من أسخط الناس برضاء الله عز وجل كفاه الله الناس ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إلى الناس".
الناس ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إلى الناس".
والعبد إذا عزم على فعل أمر فعليه أن يعلم أولا هل هو طاعة لله أم لا فإن لم يكن طاعة فلا يفعله إلا أن يكون مباحا يستعين به على الطاعة وحينئذ يصير طاعة فإذا بان له أنه طاعة فلا يقدم عليه حتى ينظر هل هو معان عليه أم لا فإن لم يكن معانا عليه فلا يقدم عليه فيذل نفسه وإن كان معانا عليه بقي عليه نظر آخر وهو أن يأتيه من بابه فإن أتاه من غير بابه أضاعه أو فرط فيه أو أفسد منه شيئا فهذه الأمور الثلاثة أصل سعادة العبد وفلاحه وهي معنى قول العبد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فأسعد الخلق أهل العبادة والاستعانة والهداية إلى المطلوب وأشقاهم من عدم الأمور الثلاثة ومنهم من يكون له نصيب من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ونصيبه من {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} معدوم أو ضعيف فهذا مخذول مهين محزون ومنهم من يكون نصيبه من {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قويا ونصيبه من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ضعيفا أو مفقودا فهذا له نفوذ وتسلط وقوة ولكن لا عاقبة له بل عاقبته أسوأ عاقبة ومنهم من يكون له نصيب من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولكن نصيبه من الهداية إلى المقصود ضعيف جدا كحال كثير من العباد
والزهاد الذين قل علمهم بحقائق ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق.
وقول عمر رضي الله عنه: "فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه" إشارة إلى أنه لا يكفي قيامه في الحق لله إذا كان على غيره حتى يكون أول قائم به على نفسه فحينئذ يقبل قيامه به على غيره وإلا فكيف يقبل الحق ممن أهمل القيام به على نفسه؟.
إعلام الموقعين لابن القيم (2\178)
فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين بما ليس فيه شانه الله"
قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله
هذا شقيق كلام النبوة وهو جدير بأن يخرج من مشكاة المحدث الملهم وهاتان الكلمتان من كنوز العلم ومن أحسن الإنفاق منهما نفع غيره وانتفع غاية الانتفاع فأما الكلمة الأولى فهي منبع الخير وأصله والثانية أصل الشر وفصله فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى وكان قصده وهمه علمه لوجهه سبحانه كان الله معه فإنه سبحانه مع {الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} ورأس التقوى والإحسان خلوص النية لله في إقامة الحق والله سبحانه لا غالب له فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء فإن كان الله مع العبد فمن يخاف وإن لم يكن معه فمن يرجو وبمن يثق ومن ينصره من بعده فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولا وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها وجعل له فرجا مخرجا وإنما يؤتى العبد من تفريطه وتقصيره في هذه الأمور الثلاثة أو في اثنين منها أو في واحد فمن كان قيامه في باطل لم ينصر وإن نصر نصرا عارضا فلا عاقبة له وهو مذموم مخذول وإن قام في حق لكن لم يقم فيه لله وإنما قام لطلب المحمدة والشكور والجزاء من الخلق أو التوصل إلى غرض دنيوي كان هو المقصود أولا والقيام في الحق وسيلة إليه فهذا لم تضمن له النصرة فإن الله إنما ضمن النصرة لمن جاهد في سبيله وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا لا لمن كان قيامه لنفسه ولهواه فإنه ليس من المتقين ولا من المحسنين وإن نصر فبحسب ما معه من الحق فإن الله لا ينصر إلا الحق وإذا كانت الدولة لأهل الباطل فبحسب ما معهم من الصبر والصبر منصور أبدا فإن كان صاحبه محقا كان منصورا له العاقبة وإن كان مبطلا
لم يكن له عاقبة وإذا قام العبد في الحق لله ولكن قام بنفسه وقوته ولم يقم بالله مستعينا به متوكلا عليه مفوضا إليه بريا من الحول والقوة إلا به فله من الخذلان وضعف النصرة بحسب ما قام به من ذلك ونكتة المسألة أن تجريد التوحيدين في أمر الله لا يقوم له شيء البتة وصاحبه مؤيد منصور ولو توالت عليه زمر الأعداء.
قال الإمام أحمد: حدثنا داود أنبأنا شعبة عن واقد بن محمد بن زيد عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: "من أسخط الناس برضاء الله عز وجل كفاه الله الناس ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إلى الناس".
الناس ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إلى الناس".
والعبد إذا عزم على فعل أمر فعليه أن يعلم أولا هل هو طاعة لله أم لا فإن لم يكن طاعة فلا يفعله إلا أن يكون مباحا يستعين به على الطاعة وحينئذ يصير طاعة فإذا بان له أنه طاعة فلا يقدم عليه حتى ينظر هل هو معان عليه أم لا فإن لم يكن معانا عليه فلا يقدم عليه فيذل نفسه وإن كان معانا عليه بقي عليه نظر آخر وهو أن يأتيه من بابه فإن أتاه من غير بابه أضاعه أو فرط فيه أو أفسد منه شيئا فهذه الأمور الثلاثة أصل سعادة العبد وفلاحه وهي معنى قول العبد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فأسعد الخلق أهل العبادة والاستعانة والهداية إلى المطلوب وأشقاهم من عدم الأمور الثلاثة ومنهم من يكون له نصيب من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ونصيبه من {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} معدوم أو ضعيف فهذا مخذول مهين محزون ومنهم من يكون نصيبه من {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قويا ونصيبه من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ضعيفا أو مفقودا فهذا له نفوذ وتسلط وقوة ولكن لا عاقبة له بل عاقبته أسوأ عاقبة ومنهم من يكون له نصيب من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولكن نصيبه من الهداية إلى المقصود ضعيف جدا كحال كثير من العباد
والزهاد الذين قل علمهم بحقائق ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق.
وقول عمر رضي الله عنه: "فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه" إشارة إلى أنه لا يكفي قيامه في الحق لله إذا كان على غيره حتى يكون أول قائم به على نفسه فحينئذ يقبل قيامه به على غيره وإلا فكيف يقبل الحق ممن أهمل القيام به على نفسه؟.
إعلام الموقعين لابن القيم (2\178)