اكوزيوم
2012-07-03, 23:38
بعد أن أتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر و المُستقبل ، يبدو أنه الآن قد التفت الى الماضي و ذلك حتى لا يجد الانسان العربي ما يسند ظهره اليه في مواجهة الأخطار المُحيطة به ...سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه ، بدليل هذا الحنو المفاجئ على لغتنا العربية ، و هذه المناحة اليومية في معظم الصحف و اذاعات المنطقة ، على ما أصاب قواعدها من تخريب و ما يتعرض له صرفها و نحوها من عبث و استهتار ، حتى لم يعد أحجنا يقرأ رسالة أو يُدون رقم هاتف .
و مع احترامنا لكل حرف في لغتنا ، و مع تقديرنا لجميع ظروف الزمان و المكان في كل جملة و مرحلة في الوطن العربي لا بد أن نسأل :
ما الفائدة من الإسم اذا كان صحيحا ...و الوطن نفسه معتلا ؟
أو اذا كانت هذه الجملة أو تلك مبنية على الضم أو الفتح ....و المُستوطنات الاسرائيلية مبنية أمام أعيننا على جُثث التلاميذ و المدرسين الفلسطنيين .
ثم لمَ وُجدتْ اللغة أصلا في تاريخ أي أُمة ؟أليس من أجل الحوار و التفاهم بين أفرادها و جماعاتها ؟
فأين مثل هذا الحوار الآن فيما بيننا ؟
هل هناك حوارمثلاً بين التاجر و الزبون ؟
بين العامل و رب العمل ؟
بين المالك و المستأجر ؟
بين الراكب و السائق ؟
بين المُحقق و المُتهم ؟
بين الإبن و الأب ؟
أو بين الزوج و الزوجة ؟
أيضا لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن شيئ ، أو تُجيب على أي شيئ ، فالأسعار مثلا في السينما مكتوبة في كل بطاقة ،و في المستشفى ، فوق السرير ، و في المطعم ، في كل فاتورة ، و كل ما حول المواطن العربي أصبح سعرهُ واضحا معروفا و مكتوبا على جميع جوانبه من الألبسة و الأحذية و الفاكهة و الخُضروات و البيوت و البارات و المزارع و العقارات الى الرياضيين و المُطربين و الكُتاب و الصُحفيين ، و لم يبق الاّ أن يكتُبَ على الشعوب سعرها و مدى صلاحيتها للإستعمال .
و الأهم من كل هذا و ذاك : هل هناك حوار بين السُلطة و الشعب في أي زمان و مكان في هذا الشرق ؟
فأي مسؤول انجليزي مثلاً عندما يختلف في الرأي مع أيٍ كان في محاضرة أو مناقشة في بلده يأتي بحجة من شكسبير لإقناع مُستمعيه.
و الإيطالي يأتي بحجة من دانتي .
و الفرنسي يأتي بحجه من فولتير.
و الألماني يأتي بحجة من نيتشة.
أما أي مسؤول عربي فلو إختلف معه حول عُنوان قصيدة لأتاك بدبابة فتفضل و ناقشها .
و لذا صار فمُ الانسان العربي مُجرد قن لإيواء اللسان و الأسنان لا أكثر، و في هذه الأحوال:
ماذا يفعل حرف الجر المسكين أمام حاملة الطائرات مثلاً؟
أو الفتحة و الضمة أمام مدفع مُرتد يتسع لمجمع لُغوي ؟
و ما دام الحوار الوحيد المسموح به في مُعظم أرجاء الوطن العربي هو حوار العين و المخرزفلا ترتفع الاّ الأسعار...
و لن تنصب الا المشانق
و لم تضم الاّ الأراضي المُحتلة.
و لن تجر الاّ الشعوب ...
لذلك كلما قرأت و سمعت هذا أو ذاك من الشعراء و الصحفيين أو المذيعيين العرب - يجعجع- عن الديمقراطية و العدالة و الحرية و ينتصر على الصهيونية ، و يقضي على التخلف ، و يتوعد هذا و يهدد ذاك ،و هو جالس في مقهاه ، وراء مذياعه ، لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط الى الخليج .و تكويمها في بيدر أو ساحة عامة في قلب الوطن العربي ، و تكليف موظف مُختص وراء أذنه قلم و أماه سجل بجميع الكُتاب و الشُعراء و الأدباء العرب و ينادي عليهم باسمائهم و يسألهم فرداً فردًا.
- أنتَ أيهها الشاعر التقليدي كم كلمة من أمثال : رماح ، جراح ، بطاح ، ، تُريد ؟ تفضل مع السلامة .
- و أنتَ أيها الشاعر الحديث ، كم كلمة من أمثال : تجاوز ، تخطى ابداع، تأنس ، تُريد ؟ تفضل مع السلامة .- و أنت أيها المُذيع العصبي : ، كم كلمة من أمثال :-في الواقع- ، - في الحقيقة - ، و -جدلية و - شمولية - ، و - نظرة موضوعية -و - قفزة نوعية - تُريد ؟ تفضل مع الف ألف سلامة .
و أنتَ أيها المناضل و المُتطرف و المُتفرغ لكل مُحاضرة و ندوة و مناسبة ، كم كلمة من أمثال : دم ، دماء ، استعمار ، امبريالية ، شعوب ، و حدة الشعوب ، كوبا، نيكارغوا، وكم مُناقصة فوقها تريد ؟ و مع ألف سلامة .تفضل
فقبل احترام اللغة يجب احترام الإنسان الذي ينطقُ بها.
*************:
بقلم / محمد الماغوط
و مع احترامنا لكل حرف في لغتنا ، و مع تقديرنا لجميع ظروف الزمان و المكان في كل جملة و مرحلة في الوطن العربي لا بد أن نسأل :
ما الفائدة من الإسم اذا كان صحيحا ...و الوطن نفسه معتلا ؟
أو اذا كانت هذه الجملة أو تلك مبنية على الضم أو الفتح ....و المُستوطنات الاسرائيلية مبنية أمام أعيننا على جُثث التلاميذ و المدرسين الفلسطنيين .
ثم لمَ وُجدتْ اللغة أصلا في تاريخ أي أُمة ؟أليس من أجل الحوار و التفاهم بين أفرادها و جماعاتها ؟
فأين مثل هذا الحوار الآن فيما بيننا ؟
هل هناك حوارمثلاً بين التاجر و الزبون ؟
بين العامل و رب العمل ؟
بين المالك و المستأجر ؟
بين الراكب و السائق ؟
بين المُحقق و المُتهم ؟
بين الإبن و الأب ؟
أو بين الزوج و الزوجة ؟
أيضا لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن شيئ ، أو تُجيب على أي شيئ ، فالأسعار مثلا في السينما مكتوبة في كل بطاقة ،و في المستشفى ، فوق السرير ، و في المطعم ، في كل فاتورة ، و كل ما حول المواطن العربي أصبح سعرهُ واضحا معروفا و مكتوبا على جميع جوانبه من الألبسة و الأحذية و الفاكهة و الخُضروات و البيوت و البارات و المزارع و العقارات الى الرياضيين و المُطربين و الكُتاب و الصُحفيين ، و لم يبق الاّ أن يكتُبَ على الشعوب سعرها و مدى صلاحيتها للإستعمال .
و الأهم من كل هذا و ذاك : هل هناك حوار بين السُلطة و الشعب في أي زمان و مكان في هذا الشرق ؟
فأي مسؤول انجليزي مثلاً عندما يختلف في الرأي مع أيٍ كان في محاضرة أو مناقشة في بلده يأتي بحجة من شكسبير لإقناع مُستمعيه.
و الإيطالي يأتي بحجة من دانتي .
و الفرنسي يأتي بحجه من فولتير.
و الألماني يأتي بحجة من نيتشة.
أما أي مسؤول عربي فلو إختلف معه حول عُنوان قصيدة لأتاك بدبابة فتفضل و ناقشها .
و لذا صار فمُ الانسان العربي مُجرد قن لإيواء اللسان و الأسنان لا أكثر، و في هذه الأحوال:
ماذا يفعل حرف الجر المسكين أمام حاملة الطائرات مثلاً؟
أو الفتحة و الضمة أمام مدفع مُرتد يتسع لمجمع لُغوي ؟
و ما دام الحوار الوحيد المسموح به في مُعظم أرجاء الوطن العربي هو حوار العين و المخرزفلا ترتفع الاّ الأسعار...
و لن تنصب الا المشانق
و لم تضم الاّ الأراضي المُحتلة.
و لن تجر الاّ الشعوب ...
لذلك كلما قرأت و سمعت هذا أو ذاك من الشعراء و الصحفيين أو المذيعيين العرب - يجعجع- عن الديمقراطية و العدالة و الحرية و ينتصر على الصهيونية ، و يقضي على التخلف ، و يتوعد هذا و يهدد ذاك ،و هو جالس في مقهاه ، وراء مذياعه ، لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط الى الخليج .و تكويمها في بيدر أو ساحة عامة في قلب الوطن العربي ، و تكليف موظف مُختص وراء أذنه قلم و أماه سجل بجميع الكُتاب و الشُعراء و الأدباء العرب و ينادي عليهم باسمائهم و يسألهم فرداً فردًا.
- أنتَ أيهها الشاعر التقليدي كم كلمة من أمثال : رماح ، جراح ، بطاح ، ، تُريد ؟ تفضل مع السلامة .
- و أنتَ أيها الشاعر الحديث ، كم كلمة من أمثال : تجاوز ، تخطى ابداع، تأنس ، تُريد ؟ تفضل مع السلامة .- و أنت أيها المُذيع العصبي : ، كم كلمة من أمثال :-في الواقع- ، - في الحقيقة - ، و -جدلية و - شمولية - ، و - نظرة موضوعية -و - قفزة نوعية - تُريد ؟ تفضل مع الف ألف سلامة .
و أنتَ أيها المناضل و المُتطرف و المُتفرغ لكل مُحاضرة و ندوة و مناسبة ، كم كلمة من أمثال : دم ، دماء ، استعمار ، امبريالية ، شعوب ، و حدة الشعوب ، كوبا، نيكارغوا، وكم مُناقصة فوقها تريد ؟ و مع ألف سلامة .تفضل
فقبل احترام اللغة يجب احترام الإنسان الذي ينطقُ بها.
*************:
بقلم / محمد الماغوط