تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أحكام شهر شعبان ( صيام شعبان ، ليلة النصف من شعبان ... ) ..


علي الجزائري
2012-07-01, 18:17
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين،


وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً .

أما بعد:
فهذه كلمات يسيرة في أمور تتعلق بشهر شعبان

الأمر الأول: في فضل صيامه

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استكمل صيام شهر
قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان» ، وفي البخاري في رواية: «كان يصوم شعبان
كله» . وفي مسلم في رواية: «كان يصوم شعبان إلا قليلاً» . وروى الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة
بن زيد رضي الله عنهما قال: «لم يكن (يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يصوم من الشهر ما يصوم من
شعبان» ، فقال له: لم أرك تصوم من الشهر ما تصوم من شعبان قال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب
ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» قال
في الفروع ص 021 ج 3 ط آل ثاني: والإسناد جيد.

الأمر الثاني: في صيام يوم النصف منه


فقد ذكر ابن رجب – رحمه الله تعالى – في كتاب اللطائف (ص 341 ط دار إحياء الكتب العربية) أن
في سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف عن علي رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا كان ليلة
نصف شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول:
ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر»
قلت: وهذا الحديث حكم عليه صاحب المنار بالوضع، حيث قال (ص 226 في المجلد الخامس من مجموع
فتاويه) : والصواب أنه موضوع، فإن في إسناده أبا بكر عبد الله بن محمد، المعروف بابن أبي بسرة، قال فيه
الإمام أحمد ويحيى بن معين: إنه كان يضع الحديث.

وبناء على ذلك فإن صيام يوم النصف من شعبان بخصوصه ليس بسنة، لأن الأحكام الشرعية لا تثبت
بأخبار دائرة بين الضعف والوضع باتفاق علماء الحديث، اللهم إلا أن يكون ضعفها مماينجبر بكثرة الطرق
والشواهد حتى يرتقي الخبر بها إلى درجة الحسن لغيره، فيعمل به إن لم يكن متنه منكراً أو شاذًّا
وإذا لم يكن صومه سنة كان بدعة، لأن الصوم عبادة فإذا لم تثبت مشروعيته كان بدعة، وقد قال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كل بدعة ضلالة» .

الأمر الثالث: في فضل ليلة النصف منه


في فضل ليلة النصف منه، وقد وردت فيه أخبار قال عنها ابن رجب في اللطائف بعد ذكر حديث علي
السابق: إنه قد اختلف فيها، فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها وخرجها في صحيحه.
ومن أمثلتها حديث عائشة رضي الله عنها وفيه: أن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا،
فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب، أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه، وذكر الترمذي أن البخاري
ضعفه، ثم ذكر ابن رجب أحاديث بهذا المعنى وقال: وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف. اهـ
وذكر الشوكاني أن في حديث عائشة المذكور ضعفاً وانقطاعاً.
وذكر الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى أنه ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها،
وقد حاول بعض المتأخرين أن يصححها لكثرة طرقها ولم يحصل على طائل، فإن الأحاديث الضعيفة إذا قدر
أن ينجبر بعضها ببعض فإن أعلى مراتبها أن تصل إلى درجة الحسن لغيره، ولا يمكن أن تصل إلى درجة
الصحيح كما هو معلوم من قواعد مصطلح الحديث

الأمر الرابع: في قيام ليلة النصف من شعبان وله ثلاث مراتب:


المرتبة الأولى: أن يصلي فيها ما يصليه في غيرها، مثل أن يكون له عادة في قيام الليل فيفعل في ليلة النصف
ما يفعله في غيرها من غير أن يخصها بزيادة، معتقداً أن لذلك مزية فيها على غيرها، فهذا أمر لا بأس به،
لأنه لم يحدث في دين الله ما ليس منه.
المرتبة الثانية: أن يصلي في هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان دون غيرها من الليالي، فهذا بدعة،
لأنه لم يرد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أمر به، ولا فعله هو ولا أصحابه. وأما حديث علي رضي الله
عنه الذي رواه ابن ماجه: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها» . فقد سبق
عن ابن رجب أنه ضعفه، وأن محمد رشيد رضا قال: إنه موضوع، ومثل هذا لا يجوز إثبات حكم شرعي
به، وما رخص فيه بعض أهل العلم من العمل بالخبر الضعيف في الفضائل، فإنه مشروط بشروط لا تتحقق
في هذه المسألة، فإن من شروطه أن لا يكون الضعف شديداً، وهذا الخبر ضعفه شديد، فإن فيه من
كان يضع الحديث، كما نقلناه عن محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى.
الشرط الثاني: أن يكون وارداً فيما ثبت أصله، وذلك أنه إذا ثبت أصله ووردت فيه أحاديث ضعفها
غير شديد كان في ذلك تنشيط للنفس على العمل به، رجاء للثواب المذكور دون القطع به، وهو إن ثبت
كان كسباً للعامل، وإن لم يثبت لم يكن قد ضره بشيء لثبوت أصل طلب الفعل. ومن المعلوم أن الأمر
بالصلاة ليلة النصف من شعبان لا يتحقق فيه هذا الشرط، إذ ليس لها أصل ثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما ذكره ابن رجب وغيره. قال ابن رجب في اللطائف ص 541: فكذلك قيام ليلة النصف
من شعبان لم يثبت فيها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أصحابه شيء. وقال الشيخ محمد رشيد
رضا (ص 857 في المجلد الخامس) : إن الله تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ولا على لسان رسوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا في سنته عملاً خاصًّا بهذه الليلة اه.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: ما ورد في فضل الصلاة في تلك الليله فكله موضوع. اهـ
وغاية ما جاء في هذه الصلاة ما فعله بعض التابعين، كما قال ابن رجب في اللطائف ص 441:
وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ
الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان
اختلف الناس في ذلك: فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز،
وقالوا: ذلك كله بدعة. اه
ولا ريب أن ما ذهب إليه علماء الحجاز هو الحق الذي لا ريب فيه، وذلك لأن الله تعالى يقول:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى
مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ولو كانت الصلاة في تلك الليلة من دين الله
تعالى لبينها الله تعالى في كتابه، أو بينها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله أو فعله، فلما لم يكن ذلك
علم أنها ليست من دين الله، وما لم يكن منه فهو بدعة، وقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه
قال: «كل بدعة ضلالة» .
المرتبة الثالثة: أن يصلى في تلك الليلة صلوات ذات عدد معلوم، يكرر كل عام، فهذه المرتبة أشد ابتداعاً
من المرتبة الثانية وأبعد عن السنة. والأحاديث الواردة فيها أحاديث موضوعة، قال الشوكاني في الفوائد
المجموعة (ص 15 ط ورثة الشيخ نصيف) : وقد رويت صلاة هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان
على أنحاء مختلفة كلها باطلة وموضوعة

الأمر الخامس:
أنه اشتهر عند كثير من الناس أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام وهذا باطل، فإن الليلة
التي يقدر فيها ما يكون في العام هي ليلة القدر، كما قال الله تعالى: {حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ *
إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ
إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وهذه الليلة التي أنزل فيها القرآن
هي ليلة القدر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وهي في رمضان، لأن الله تعالى أنزل القرآن
فيه، قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى” أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فمن زعم أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام، فقد خالف
ما دل عليه القرآن في هذه الآيات

الأمر السادس:

أن بعض الناس يصنعون أطعمة في يوم النصف يوزعونها على الفقراء ويسمونها عشيات الوالدين.
وهذا أيضاً لا أصل له عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيكون تخصيص هذا اليوم به من البدع التي
حذر منها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال فيها: «كل بدعة ضلالة».
وليعلم أن من ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه يقع في عدة محاذير منها
المحذور الأول: أن فعله يتضمن تكذيب ما دل عليه قول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ
لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، لأن هذا الذي أحدثه واعتقده ديناً لم يكن من الدين حين نزول الآية،
فيكون الدين لم يكمل على مقتضى بدعته.
المحذور الثاني: أن ابتداعه يتضمن التقدم بين يدي الله ورسوله، حيث أدخل في دين الله تعالى ما ليس منه.
والله سبحانه قد شرع الشرائع وحد الحدود وحذَّر من تعديها، ولا ريب أن من أحدث في الشريعة ما ليس
منها فقد تقدم بين يدي الله ورسوله، وتعدى حدود الله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.
المحذور الثالث: أن ابتداعه يستلزم جعل نفسه شريكاً مع الله تعالى في الحكم بين عباده، كما قال الله تعالى:
{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
المحذور الرابع: إن ابتداعه يستلزم واحداً من أمرين، وهما: إما أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاهلاً
بكون هذا العمل من الدين، وإما أن يكون عالماً بذلك ولكن كتمه، وكلاهما قدح في النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما الأول فقد رماه بالجهل بأحكام الشريعة، وأما الثاني فقد رماه بكتمان ما يعلمه من دين
الله تعالى.
المحذور الخامس: أن ابتداعه يؤدي إلى تطاول الناس على شريعة الله تعالى، وإدخالهم فيها ما ليس منها،
في العقيدة والقول والعمل، وهذا من أعظم العدوان الذي نهى الله عنه.
المحذور السادس: أن ابتداعه يؤدي إلى تفريق الأمة وتشتيتها واتخاذ كل واحد أو طائفة منهجاً يسلكه
ويتهم غيره بالقصور، أو التقصير، فتقع الأمة فيما نهى الله عنه بقوله:
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
وفيما حذر منه بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ
إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} .
المحذور السابع: أن ابتداعه يؤدي إلى انشغاله ببدعته عما هو مشروع، فإنه ما ابتدع قوم بدعة إلا هدموا
من الشرع ما يقابلها.
وإن فيما جاء في كتاب الله تعالى، أو صح عن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشريعة لكفاية لمن هداه
الله تعالى إليه واستغنى به عن غيره، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مَّن رَّبِّكُمْ
وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ
هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} . وقال الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ
وَلاَ يَشْقَى} .

أسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم، وأن يتولانا في الدنيا والآخرة
إنه جواد كريم،
والحمد لله رب العالمين.

انتهى بقلم كاتبه الفقير إلى الله محمد الصالح العثيمين في 21/8/1403هـ.


[المصدر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين، 20/ 25- 33]

علي الجزائري
2012-07-01, 18:31
محاضرات قيمة :


خرافات النصف من شعبان




عناصر المحاضرة :


صلاة الرغائب وكيف بدأت؟ وأين نشأت؟
ما ابتدعه الناس في النصف من شعبان.
ما يتوهمه الناس حول ليلة النصف من شعبان.
حقيقة الدعاء المنسوب إلى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
هل ثبت في صيام النصف من شعبان أو في قيام ليلته شيء؟
هل ورد في فضل ليلة النصف من شعبان شيء؟
السُّنَّة سفينة نوح.
عمل الرجال في ليلة النصف.
ما افتُرِي على ليلة النصف من شعبان.
العمل في ليلة النصف من شعبان كيف يكون؟
تحويل القبلة دروس وعبر.

للتحميل هنـــــــــا (http://www.rslan.info/mp3//554_01.mp3).




ما صح في ليلة النصف من شعبان


نبذة مختصرة عن المحاضرة : تكلم الشيخ - حفظه الله - عن بيان لما صح من الأحاديث وما ضعف منها في فضل ليلة النصف من شعبان وبيان لما يرتكبه البعض من البدع التي لم ترد في الكتاب والسنة.

المحاضرة صوتيا هنــــــــا (http://www.rslan.info/mp3//436_01.mp3).
المحاضرة مفرّغة هنـــــــا (http://www.rslan.com/tafre31/Ne9fSha3ban.php).

تصفية وتربية
2012-07-01, 18:47
بارك الله فيكم
هل لنا ببعض الإضافات؟

علي الجزائري
2012-07-01, 18:50
بارك الله فيكم
هل لنا ببعض الإضافات؟


و فيكم بارك الله ..
نعم تفضلوا و لكم الأجر بإذن الله ..

تصفية وتربية
2012-07-01, 19:10
شهر شعبان

ا لمبحث الأول : بعض الآثار الواردة فيه .

المبحث الثاني : بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان .

المبحث الثالث : بدعة الصلاة الألفية .


المبحث الأول

بعض الآثار الواردة فيه

1. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول
لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رايته أكثر صياماً منه فيشعبان) متفق عليه 829.

2. عن أبي سلمة أن عائشة -رضي الله عنها-حدثته قالت:((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله )) ، وكان يقول : (( خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دوام عليه وإن قلت ، وكان إذا صلى صلاة دوام عليها )) متفق عليه830 .

3. عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله – أو سأل رجلاً وعمران يسمع -فقال : (( يا فلان أما صمت من سرر هذا الشهر ؟)) . قال : أظنه يعني رمضان ، قال الرجال: لا يا رسول الله . قال : (( فإذا أفطرت فصم يومين )) متفق عليه832 .

4 . عن أبي سلمة قال : سمعت عائشة – رضي الله عنها – تقول : (( كان يكون علي الصوم من رمضان ، فما استطيع أن أقضيه إلا في شعبان )) متفق عليه833 .

5. عن عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة تقول : ((كان أحب الشهور إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان ))834.

6. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ))835 .

7. عن أبي هريرة – رضي الله عنه –عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم )) متفق عليه836 .

8. عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان))837

9. عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ))838.

10. عن أنس-رضي الله عنه- قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان ؟ قال : (( شعبان لتعظيم رمضان ، قال فأي الصدقة أفضل ؟ قال : الصدقة في رمضان ))839 .

11. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع ، فقال صلى الله عليه وسلم: (( أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ )) قلت : يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : (( إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب))841 .

12. عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن ))842.

13. عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذ كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا ، فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له! ألا مسترزق فأرزقه !ألا مبتلى فأعافيه! ألا كذا ألا كذا،حتى يطلع الفجر))843
وقد ورد في فضل شهر شعبان والصلاة فيه أحاديث حكم عليها الحفاظ بأنها موضوعة منها :
قوله صلى الله عليه وسلم : (( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي.......)).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و ((قل هو الله أحد )) عشر مرات . قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلوات إلا قضى عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة .......)) الحديث844. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة((قل هو الله أحد)) ثلاثين مرة ، لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة....))845 - والله أعلم .


بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان

روي عن عكرمة -رحمه الله- أنه قال في تفسير قوله تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}846 : أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان ، يبرم فيها أمر السنة ، وينسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلايزاد فيهم أحد ، ولا ينقص منهم أحد847 .

قال ابن كثير-رحمه الله- في تفسير قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}848:

يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة ، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}
، وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }850.

وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته851.

ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة852 ، فإن نص القرآن في رمضان853 ا.هـ .

فللعلماء في قوله تعالى :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} قولان :

أحدهما : أنها ليلة القدر وهو قول الجمهور .


الثاني : أنها ليلة النصف من شعبان ، قاله عكرمة .

والراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن هذه الليلة المبارك هي ليلة القدر ، لا ليلة النصف من شعبان ، لأن
الله سبحانه وتعالى أجملها في قوله :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. وبينها في سورة البقرة بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }، وبقوله تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} 854 .

فدعوى أنها ليلة النصف من شعبان لاشك أنها دعوى باطلة ، لمخالفتها النص القرآني الصريح ، ولاشك أن كل ما خالف الحق فهو باطل، والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنها من شعبان المخالفة لصريح القرآن لا أساس لها، ولا يصح سند شيء منها كما جزم به العربي وغير واحد من المحققين، فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح بلا مستند من كتاب ولا سنة صحيحة855.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في معرض كلامه عن الأوقات الفاضلة التي قد يحدث فيها ما يعتقد أنه له فضيلة وتوابع ذلك، ما
يصير منكراً ينهى عنه : ومن هذا الباب ليلة النصف من شعبان فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة ، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة .

ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها ، وطعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث: ((إن الله

يغفر لأكثر من عدد غنم كلب ))، وقال لا فرق بينها وبين غيرها .

لكن الذي عليه أكثر أهل العلم ، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة

فيها ، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن856وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر) 857 ا.هـ

وقال الحافظ ابن رجب : (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادات ، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية ، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة وغيرهم ، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة 858، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا ذلك كله بدعة .

واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :

أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ، ولقمان بن عامر ، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتمون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في
المساجد : ليس ذلك ببدعة . نقله عنه حرب الكرماني في مسائله .
والثاني : أنه قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى859 .ا.هـ .

فالحاصل أن جمهور العلماء اتفقوا على كراهة الاجتماع في المساجد ليلة النصف من شعبان للصلاة والدعاء ، فإحياء ليلة النصف من شعبان في المساجد على سبيل المداومة كل سنة ، أو كل فترة بدعة محدثة في الدين.

وأما صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة فللعلماء فيه قولان :

الأول : أن ذلك بدعة وهو قول أكثر علماء الحجاز ومنهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقل عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم860.

الثاني : أنه لا يكره صلاة الإنسان لنفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة ،- في ليلة النصف من شعبان - .

وهو قول الأوزاعي ، واختيار الحافظ ابن رجب ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية .

والذي يترجح عندي – والله أعلم – ما ذهب إليه أصحاب القول الأول – أن ذلك بدعة - .

ويمكن الجواب عن قول أصحاب الثاني – القول بعدم الكراهة – بعدة وجوه منها :

الوجه الأول : أنه ليس هناك دليل على فضل هذه الليلة ، ولم يثبت- حسب اطلاعي المحدود- عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه أحياها ،ولا عن أحد من أصحابه- رضوان الله عليهم -،ولا عن التابعين- رحمة الله عليهم- عدا من اشتهر عنهم
تفضيلها وأحياؤها وهم الثلاثة الذين ذكرهم ابن رجب – ولو فعلوه لاستشهد بفعلهم من فضلها وأحياها ، وإنما هو أمر محدث
بعدهم ، فهو أمر مبتدع ، وليس له أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع .

قال أبو شامة : ( وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية – في كتاب ما جاء في شهر شعبان : قال أهل التعديل والتجريح : ليس في
فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح )861.ا.هـ .

وذكر ابن رجب ( أن قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، وثبت
فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام )862.

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز : ( وقد ورد في فضلها -ليلة النصف من شعبان- أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، وأما

ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم)863.ا.هـ.

الوجه الثاني : أن الحافظ ابن رجب وهو الذي نقل تفضيل بعض التابعين لهذه الليلة864 وإحياءهم لها في المساجد ذكر أن

مستندهم في ذلك ما بلغهم من آثار إسرائيلية ، ومتى كانت الآثار الإسرائيلية مستنداً ؟!.

وذكر أيضاً أن الناس أخذوا عنهم فضلها وتعظيمها فمتى كان عمل التابعي حجة ؟! .

الوجه الثالث : أن العلماء المعاصرين للقائلين بفضل ليلة النصف من شعبان قد أنكروا عليهم ذلك ، ولو كان للمفضلين دليل

لاحتجوا به على المنكرين عليهم ، ولكن لم ينقل عنهم ذلك ، لاسيما وأن من المنكرين عليهم عطاء بن أبي رباح الذي كانت

إليه الفتيا في زمانه865 . والذي قال فيه ابن عمر -رضي الله عنهما - : تجمعون لي المسائل وفيكم ابن أبي رباح .

الوجه الرابع : أن قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن))866.

ليس فيه دليل على تخصيص ليلة النصف من شعبان بفضل من دون الليالي الأخرى، لأنه ثبت في الصحيحين أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني

فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له))867 . فاطلاعه سبحانه وتعالى على خلقه ، وغفرانه لهم ،

ليس متوقف على ليلة معينة في السنة ، أو ليالي معدودة .

الوجه الخامس : أن من اختار القول بأنه لا يكره صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه ، لم يدعم اختياره بالدليل ، ولو كان هناك

دليل لذكره ، ومن أنكر ذلك استدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وعموم

الأحاديث والآثار الدالة على النهي عن البدع والتحذير منها .

قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-: ( وأما ما اختاره الأوزاعي -رحمه الله- من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب

لهذا القول فهو غريب وضعيف،لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله،

سواء فعله مفرداً أو في جماعة ، وسواء أسره أو أعلنه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا
فهو رد)) . وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها )868 . ا.هـ .

وقال أيضاً بعد أن ذكر جملة من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم حول ما ورد في ليلة النصف من شعبان:

ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها،

وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، بل هو مما حدث في الإسلام

بعد عصر الصحابة – رضي الله عنهم - ، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}869

.وما جاء في معناها من الآيات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وما

جاء في معناه من الأحاديث ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا تختصموا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن تكون في صوم يصومه

أحدكم ))870 فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزا ، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها ، لأن يومها

هو خير يوم طلعت عليه الشمس871 بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فلما حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي ، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى لا

يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة ، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان
يشرع قيامها والاجتهاد فيها ، نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك وحث الأمة على قيامها ، وفعل ذلك بنفسه ،كما في

الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام

ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه))872فلو كانت ليلة النصف من شعبان، أو ليلة أول جمعة من رجب،

أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ولم يكتموه

عنهم ، وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله

عليه وسلم-وأرضاهم ، وقد عرفت آنفاً من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه –
رضي الله عنهم – شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب ، ولا في فضل ليلة النصف من شعبان ، فعلم أن الاحتفال بهما

بدعة محدثة في الإسلام ، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة بدعة منكرة .... ا.هـ873 .- والله أعلم – وصلى الله وسلم على

عبده ورسوله نبيناً محمد وآله وصحبه أجمعين .


الصلاة الألفية المبتدعة في شعبان
أول من أحدثها :
أول من أحدث الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان رجل يعرف بابن أبي الحمراء من أهل نابلس874، قدم على بيت المقدس سنة 448هـ وكان حسن التلاوة ، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع ، فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة .
ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة875.
صفتها :
هذه الصلاة المبتدعة تسمى بالألفية لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة، لأنها مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات .
وقد رويت صفة هذه الصلاة ، والأجر المترتب على أدائها ، من طرق عدة ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات ثم قال : ( هذا حديث لا نشك أنه موضوع ، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء بمرة ، والحديث محال قطعاً )876 .ا.هـ .

حكمها :
اتفق جمهور العلماء على أن الصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان بدعة .
فألفية النصف من شعبان لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ، ولا استحبها أحد من أئمة الدين الأعلام كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم – رحمة الله عليهم جميعاً –
وكذلك فإن الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث878.وأعلم أخي المسلم أن مثل هذه الاحتفالات كالاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وليلة الإسراء والمعراج المزعومة ، وليلة الرغائب، يكون فيها من الأمور المبتدعة والمحرمة الشيء الكثير ، والتي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وقد فصل العلامة ابن الحاج هذه البدع والمحرمات في هذه الاحتفالات فنلخص من كلامه ما يأتي :

1. تكلف النفقات الباهظة ، وهو إسراف يعملونه باسم الدين وهو بريء منه .

2. الحلاوات المحتوية على الصور المحرمة شرعاً .

3. زيادة وقود القناديل وغيرها ، وفي زيادة وقودها إضاعة المال ، لاسيما إذا كان الزيت من الوقف فيكون ذلك جرحاً في حق الناظر، لاسيما إذا كان الواقف لا يذكره ، وإن ذكره لم يعتبر شرعاً، وزيادة الوقود مع ما فيه من إضاعة المال كما تقدم سبب لاجتماع من لا خير فيه، ومن حضر من أرباب المناصب الدينية عالماً بذلك فهو جرحة في حقه إلا أن يتوب ، وأما إن حضر ليغير وهو قادر بشرط فيا حبذا .

4. حضور النساء وما فيه من المفاسد .

ا5. إتيانهم الجامع واجتماعهم فيه ، وذلك عبادة غير مشروعة .

6. ما يفرشونه من البسط والسجادات وغيرها .

7. أطباق النحاس فيها الكيزان والأباريق وغيرهما ، كأن بيت الله تعالى بيتهم ، والجامع إنما جعل للعبادة ، لا للفراش والرقاد والأكل والشرب .

8. ومن هذه البدع والمحرمات السقاؤون ، وفي ذلك من المفاسد جملة منها :البيع والشراء لأنهم يأخذون الدراهم ، وضرب الطاسات بما يشبه صوت النواقيس ، ورفع الصوت في المسجد وتلويثه ، وتخطي رقاب الناس ، وكلها منكرات .

9. اجتماعهم حلقات ، كل حلقة لها كبير، يقتدون به في الذكر والقراءة وليت ذلك لو كان ذكراً أو قراءة، لكنهم يلعبون في دين الله تعالى فالذاكر منهم في الغالب لا يقول : (لا إله إلا الله ) بل يقول : (لا يلاه يلله ) فيجعلون عوض الهمزة ياء وهي ألف قطع جعلوها وصلاً وإذا قالوا : ( سبحان الله ) يمططونها ويرجعونها حتى لا تكاد تفهم ، والقارئ يقرأ القرآن فيزيد فيه ما ليس منه ، وينقص منه ما هو فيه ، بحسب تلك النغمات والترجيعات التي تشبه الغناء والأصوات التي اصطلحوا عليها، على ما قد علم من أحوالهم الذميمة ، وهذا منكر يحف به عدة منكرات .

10. ومن الأمور العظيمة فيها أن القارئ يبتدئ بقراءة القرآن والآخر ينشد الشعر ، أو يريد أن ينشده ، فيسكتون القارئ أو يهمون بذلك ، أو يتركون هذا في شعره وهذا في قراءته ، لأجل تشوف بعضهم لسماع الشعر وتلك النغمات الموضوعة أكثر ، فهذه الأحوال من اللعب في الدين أن لو كانت خارج المسجد منعت ، فكيف بها في المسجد ؟ .

11. حضور الوالدان الصغار وما يتبع من لغطهم وتنجيسهم المسجد .

12 . خروج النساء في هذه الليلة-ليلة النصف من شعبان- إلى القبور-مع أن زيارة النساء للقبور محرمة شرعاً- ومع بعضهن الدف يضربن به ، وبعضهن يغنين بحضرة الرجال ورؤيتهم لهن متجاهرين بذلك، لقلة حيائهن ، وقلة من ينكر عليهن .

13. اختلاط النساء بالرجال عند القبور ، وقد رفع النساء جلبان الحياء والوقار عنهن ، فهن كاشفات الوجوه والأطراف .

14. أنهم أعظموا تلك المعاصي بفعلها عند القبور التي هي موضع الخشية والفزع والاعتبار ، والحث على العمل الصالح ، لهذا المصرع العظيم المهول أمره ، فردوا ذلك للنقيض ، وجعلوه موضع فرح ومعاصي كحال المستهزئين .

15. إهانة الأموات من المسلمين وأذيتهم بفعل المنكرات بجانب قبورهم .

16. أن بعضهم يقيمون خشبة عند رأس الميتة أو الميت ، ويكسون ذلك العمود من الثياب ما يليق به عندهم .
فإن كان الميت عالماً أو صالحاً صاروا يشكون له ما نزل بهم ويتوسلون به ، وإن كان من الأهل أو الأقارب صاروا يتحدثون معه ويذكرون له ما حدث لهم بعده ، وإن كان عروساً أو عروسة كسوا كل واحد منهما ما كان يلبسه في حال فرحة ، ويجلسون يتباكون ويبكون ويتأسفون . وكسوتهم لهذه الخشبة تشبه في الظاهر بالنصارى في كسوتهم لأصنامهم ، والصور التي يعظمونها في مواسمهم ، ومن تشبه بقوم فهو منهم .

17. أنهم اتصفوا بسبب ما ذكره بصفة النفاق ، لأن الفارق صفته قصد المعصية وإظهارها في الصورة أنها طاعة .

18. اللغو في المسجد وكثرة الكلام بالباطل وهو منكر شديد .

19. جعل المسجد كأنه دار شرطة لمجيء الوالي والمقدمين والأعوان ، وفرش البسط ، ونصب الكرسي للوالي ليجلس عليه في مكان معلوم ، وتوقد بين يديه المشاعل الكثيرة في صحن الجامع ، ويقع منها بعض الرماد ، وربما وقع الضرب بالعصا والبطح لمن يشتكي في الجامع ، أو تأتيه – الوالي – الخصوم من خارج الجامع وهو فيه ، هذا كله في ليلة النصف من شعبان ، وإذا وقعت هذه الأشياء في الجامع فلابد من رفع الأصوات من الخصوم والجند وغيرهم ، بل اللغط واقع لكثرة الخلق فيه ، فكيف به إذا انضم إلى الشكاوي وأحكام الوالي ؟! .

20. اعتقادهم أن فعل هذه المنكرات والبدع المحرمات إقامة حرمة لتلك الليلة ، ولبيت الله عز وجل ، وأنهم أتوه ليعظموه ، وبعضهم يرى أن ذلك من القرب وهذا أشد879 . وسبق وذكرت أن هذه البدع والمنكرات تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فالاحتفالات في الوقت الحاضر تكاد لا تخلو من كثير من هذه المنكرات وإن اختلف الشكل والهيئة .

21. ويضاف إلى هذه البدع أيضا :الدعاء المعروف الذي يطلب فيه من الله تعالى أن يمحو من أم الكتاب شقاوة من كتبه شقياً ...... الخ . ونصه ما يلي : اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطول والإنعام ، لا إله إلا أنت ، ظهر اللاجئين ، وجار المستجيرين ، وأمان الخائفين ، اللهم أن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً ، أو مطروداً أو مقتراً عليَّ في الرزق ، فامح اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني ، وطردي وإقتار رزقي ، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات ، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل ، على لسان نبيك المرسل : {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }880 . إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم ، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم أسألك أن تكشف عنا البلاء ما نعلم وما لا نعلم ، وما أنت به أعلم إنك أنت الأعز الأكرم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم ))881.
وهذا الدعاء ليس له أصل صحيح في السنة، كما هو الحال في صلاة النصف من شعبان ، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، ولا عن السلف-رضوان الله عليهم أجمعين- أنهم اجتمعوا في المساجد من أجل هذا
الدعاء في تلك الليلة ، ولا تصح نسبة هذا الدعاء إلى بعض الصحابة.882
وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة(يس)،وصلاة ركعتين قبله،يفعلون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات ، يصلون المرة الأولى بنية طول العمر ، والثانية بنية دفع البلايا ، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس ، واعتقدوا أن هذا العمل من الشعائر الدينية، ومن مزايا ليلة النصف من شعبان وما تختص به، حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات والسنن فتراهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة، وفيهم تاركوا الصلاة ، معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق عليه، وأنه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته883 .
فالاجتماع لقراءة هذا الدعاء بالطريقة المتبعة والمعروف عندهم ، وجعل ذلك شعيره من شعائر الدين ، من البدع التي تحدث في ليلة النصف من شعبان .
صحيح أن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى مطلوب في كل وقت ومكان ، لكن لا على هذا الوجه المخترع ، فلا يتقرب إلى الله بالبدع ، وإنما يتقرب إليه تعالى بما شرع .

22. ومن البدع المنكرة في الاحتفالات بليلة النصف من شعبان كثيرة الوقيد فالمحدث لهذه البدعة راغب في دين المجوسية ، لأن النار معبودة وأول ما حدث ذلك في زمن البرامكة884، فأدخلوا في دين الإسلام ما يموهون به على الطغام ، وهو جعلهم الإيقاد في شعبان كأنه من سنن الإيمان ، ومقصودهم عبادة النيران ، وإقامة دينهم وهو أخسر الأديان ، حتى إذا صلى المسلمون وركعوا وسجدوا كان ذلك إلى النار التي أوقدوها885 .
فزيادة الوقود فيه تشبه بعبدة النار في الظاهر – وإن لم يعتقدوا ذلك – لأنَّ عبدة النار يوقدونها حتى إذا كانت في قوتها وشعشعتها اجتمعوا إليها بنية عبادتها،ولا شك أن التشبه بأهل الأديان الباطلة منهي عنه886. والله أعلم .

كتاب البدع الحولية لعبدالله التويجري

تصفية وتربية
2012-07-01, 19:12
التحذيرُ والْبَيَان لبعضِ بِدَعِ شَهْرَي رَجَبٍ وشَعْبَان

إِنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا؛ مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاشَرِيْكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ مِنَ المقرّر عند أَهلِ السنَّة والجماعةِ أَنَّ العملَ الصالح لا يتقبَّلهُ اللهُ -جلَّ وعلا- إِلاَّ بشرطينِ اثنينِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنْ تكونَ النِّيَّةُ خالِصَةً لوجههِ الكريمِ؛ لقولِه -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعبُدوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}.
ثَانِيهمَا: أَن تَكون العبَادةُ وَفْقَ مَا شَرَعَ اللهُ -سبحانه- في كتابه، أو بيّنَهُ نبيُّهُ -صلى الله عليه وسلم- في سنَّتِهِ؛ لقَولِهِ -تعالى-: {فَمَن كانَ يرجُو لِقَاء رَبِّه فليعْمَلْ عمَلاً صَالِحًا ولا يُشْرِك بِعِبَادَةِ ربِّهِ أَحدًا}.

قالَ الحافِظُ ابنُ كثيرٍ: «وهذانِ ركنا العملِ المتقَبَّلِ، لا بُدَّ أن يكون خالصًا للهِ، صوابًا على شريعةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ورُوي مثل هذا عن الفُضيل بن عِيَاض -رحمه الله- وغيره».

وقال سماحةُ الشيخِ العلاَّمَةِ: عبدالعزيزِ بن بازٍ -رحمه الله- في رسالتهِ: «التحذير مِن البدع» (ص 13):

«... أكملَ اللهُ لهذه الأمة دينَها، وأتمَّ عليها نعمتَه، ولم يتوفَّ نبيَّه -عليه الصلاة والسلام- إلاَّ بعدما بلّغَ البلاغَ المبينَ، وبيَّنَ للأمة كلَّ ما شرَعَهُ اللهُ لها مِنْ أَقوالٍ وأعمالٍ، وأوضحَ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ كلَّ ما يُحدِثُهُ النَّاس بعدَهُ وينسِبونَهُ إلى دين الإسلامِ مِن أقوالٍ وأعمالٍ؛ فكلُّهُ بدعة مردودةٌ على مَن أَحدثَه، ولو حَسُنَ قصدُهُ.
وقد عَرَفَ أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمرَ، وهكذا علماءُ الإسلامِ بعدهم؛ فأَنكروا البدَعَ وحذَّروا منْها؛ كما ذكرَ ذلكَ كلُّ مَن صنَّفَ في تعظيمِ السنَّةِ، وإِنكارِ البدعَةِ -كابنِ وضَّاحٍ والطَّرطوشِيِّ وأبي شامة وغيرِهمِ-» (1).

ولمَّا كان هذا الزَّمانُ عينَ ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، من أَنَّه زمان الغربة، القابض فيه على دينه كالقابض على جمرٍ: ظهرتْ فيه البدعُ؛ في العبادات والعقائد والمعاملات والسلوكيّات؛ حتى مارس كثيرٌ مِن الناس الشركَ ظانِّينَ أنَّه توحيدٌ، وتعبَّدوا بعباداتٍ مخترعةٍ لم تُشرع لا في كتابٍ ولا سنَّة صحيحة، ولا أُثِرَتْ عن السلف الصالح، وما ذلكَ إلاَّ بسببِ التَّقليدِ الأعمى لبعض المتقوِّلين والمتعالمينَ.

قالَ سفيَانُ الثوريُّ: «كانوا يتعَوَّذونَ بالله مِن شرِّ فتنةِ العالِمِ، ومِن شَرِّ فتنةِ العابدِ الجاهلِ؛ فإِنَّ فتنتَهُما فتنَةٌ لكلِّ مفتونٍ» (2).

ولذا؛ وجب على أهلِ العلم أَن يُجَرِّدوا صارمَ العزمِ، وأن يمتشِقوا حُسَامَ العلمِ؛ مخلصين للهِ القولَ، وصادقي النُّصحِ للمسلمين: للذّبِ عن حِيَاض الإسلامِ؛ إِنكارًا للحوادثِ القبيحة، وإِحياءً لما اندرسَ من السنن الصحيحة؛ لِعِظَمِ الميثَاقِ الذي أَخذهُ اللهُ -سبحانَه وتعالى- عليهم في النصح والبيان، والتعريفِ والإصلاح؛ قال -تعالى-: {وإِذْ أَخذَ الله ميثاقَ الَّذينَ أُوتُوا الكتابَ لتُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ ولا تَكتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِه ثَمَنًا قليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187].

ومِن هَذه البدعِ -وهي كثيرةٌ -وللأسف!-؛ البدعُ المتعلِّقةُ بشهري رجبٍ وشعبانَ، وما يتّصل بهما مِن أُمورٍ مُحْدَثةٍ مبتدعةٍ -ما أنزل الله بها من سُلطان-.

وما اختيارُنَا لهذينِ الشهرينِ -في هذا المقام- إِلاَّ من بابِ بيان واجبِ الوقتِ وفرضهِ.
وقد تقرّر عند أَهلِ الأُصولِ تقعيدُهم المشهور: (لا يجوز تأخِيرُ البيانِ عن وقت الحاجةِ).
فنقولُ -وبحولِه -سبحانه- نصولُ ونجولُ-:

انقل في هذا المقام بدع شهر شعبان فقط

من البدع في شهر شعبان:
1- احتفالُ الناسِ بليلة النصف من شعبان، جماعاتٍ أو أفرادًا!
2- تخصيص يوم النِّصف من شعبان بالصيام!
3- تخصيص القيام في ليلها، والإكثار من الصلوات في نهارها -من غير الرواتب الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-!
4- إحياء ليلة سبعٍ وعشرين منه -بخاصّةً-!

* أقوال عُلماءِ السلف في إنكار عُموم هذه البدع:

قال سماحة الشيخ العلاَّمة عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في رسالته السابق ذكرها- (ص:15) ذاكرًا نصَّ كلامِ الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في هذه المسألة -بعد كلامٍ سبق- ما نصُّه:
«وليلة النّصف من شعبان: كان التابعون من أهل الشام -كـ: خالد ابن مَعْدان، ومكحول، ولُقمان بن عامر، وغيرِهم- يعظّمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها.
وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية! فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناسُ في ذلك؛ فمنهم من قَبِلَه منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفةٌ من عُبَّاد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثرُ علماءِ الحجاز منهم: عطاء، وابن أبي مُلَيكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك -وغيرهم-.
وقالوا: ذلك كلّه بدعة».

ثم قال الشيخُ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عَقِبَ النقلِ السابقِ-: «... وفيه التصريح منه بأنه لم يثبُتْ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه -رضي الله عنهم- شيءٌ في ليلة النصف من شعبان، وكُلُّ شيءٍ لم يثبت بالأَدلَّة الشرعية كونُه مشروعًا: لم يَجُزْ للمسلم أن يُحدِثَهُ في دين الله، سواءً فعله مفردًا أو جماعة، وسواءً أسرَّه أو أعلنه، لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا؛ فهو ردٌّ»، وغيرِه من الأدلَّة على إنكار البدع والتحذير منها».

وسَلَفُ سماحة الشيخِ ابن باز في هذا الإنكارِ: كبارُ العلماءِ، وجِلَّةُ أهل العلم، ومنهم:

الإمامُ ابنُ أبي مُلَيكة؛ فقد قيل له: إن زياداً النُّمَيري يقول: إنّ ليلة النصف من شعبان أجرها كأجر ليلة القدر!! فقال: لو سمعته منه وبيدي عصًا لضربته بها. وكان زياد قاضيًا (9).

ومِن هذه الأدلةِ الباهرة، والردودِ القاطعة؛ يتَّضِح لكلِّ منصفٍ أَنَّ هذه الأعمالَ المُحْدَثةَ التي توارثها كثيرٌ مِن الناس، ليس لها أصلٌ في الدين الحنيف.
وما أجملَ كلمةَ الإمام أبي بكر الطَّرطوشيّ حين قال: أَخبرني أبو محمد المقدسيّ؛ قال:

«لم يكن عندنا ببيت المقدس -قطُّ- صلاةُ الرَّغائب (10) -هذه التي تُصَلَّى في رجبٍ وشعبانَ-، وأَوَّل ما حدثت عندنا في أَوَّل سنة ثمانٍ وأَربعين وأربعِ مئةٍ: قَدِمَ علينا في بيت المقدس رجلٌ مِن نابُلُس يعرفُ بـ(ابن أبي الحمراء)، وكان حسنَ التِّلاوةِ، فقامَ، فصلَّى في المسجدِ الأَقصى ليلةَ النصف مِن شعبانَ، فأَحرمَ خلفَهُ رجلٌ، ثمَّ انضافَ إِليهِمَا ثالثٌ، ورابِعٌ، فما ختَمَها إلاَّ وهُم في جماعةٍ كثيرةٍ!!
ثمَّ جاءَ في العامِ القابلِ، فصلَّى معهُ خلقٌ كثيرٌ، وشاعتْ في المسجدِ!! وانتشرتِ الصَّلاةُ في المسجدِ الأَقصى، وبيوت النَّاس ومنازلهم، ثمَّ استقرَّت كأَنَّها سنَّةٌ إلى يومنَا هذا»!
فقلت لهُ: فأَنا رأَيتُكَ تصلِّيها في جماعةٍ؟!
قال: (نعم؛ وأَستغفِرُ اللهَ منها)!
قال: (وأَمَّا صلاةُ رجب؛ فلم تَحْدُثْ عندنا في بيت المقدسِ إِلاَّ بعدَ سنة ثمانين وأَربعِ مئةٍ، وما كُنَّا رأَينَاها ولا سمعنا بها قبلَ ذلك).

أحاديث فضائل شعبان:

ولقد صحّ حديثٌ واحدٌ -فقط- في فَضْلِ ليلة النصف مِن شعبان -دون تخصيصِها بشيء من العبادات-؛ وهو قولُهُ -صلى الله عليه وسلم-: «يطّلع اللهُ -تبارك وتعالى- إلى خلقه ليلةَ النّصفِ من شعبان: فيغفرُ لجميع خلقهِ، إلا لمشرك أو مشاحن» (11).

فاللهّم نجِّنا من الشرك أصغرهِ وأكبرِ، ظاهره وباطنهِ، أسبابهِ وأبوابهِ، واجعل صدورنا نقيّةً مِن البلاء، وقلوبنا سليمةً من الأدواء...
ومِن الجدير به -في هذا الباب- التنبيهُ على بعض الأحاديث المشتهرة في فضائل شهر شعبان، مما لا تصحّ نسبتها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- -بتاتاً-:

- حديث: «يا عليُّ ؛ مَن صلّى مئة ركعةٍ ليلة النصف مِن شعبان؛ يقرأُ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، و(قل هو الله أحدٌ)، عشر مرَّاتٍ: إلاَّ قضى اللهُ له كلَّ حاجة …» إلخ. (موضوع).
- حديث علي: «إذا كان ليلة النصف مِن شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها». (ضعيف جداً).
- حديث: «مئة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشرَ مرَّات...». (موضوع).

. . . أعاذنا الله -وإياكم- من البدع والحوادث.

ولقد أحسن من قال:

وخيرُ الأمورِ السالفاتُ على الهدى **** وشرُّ الأمورِ المُحْدَثاتُ البدائعُ

ومنه قولُ الآخر:

وكلُّ خيرٍ في اتِّباع مَن سَلَفْ **** وكلُّ شرٍّ في ابتـداع مَـن خَـلَفْ

واللهَ نسألُ أن يعيننا في مقصودنا، وأَن يُلهِمَنا السدادَ في القولِ والعملِ، إنَّه سميعٌ مجيب.

وآخِر دعوانا أَنِ الحمد للهِ ربِّ العالمين.

عمّان - الأردن
17 -رجب - 1423هـ
المصدر: موقع مركز الإمام الألباني

LaHcEn-Dz
2012-07-02, 01:56
بارك الله فيك

hero04dz
2012-07-02, 09:23
بارك الله فيك أخي علي و أختي ألم الفراق على الإفادة خاصة الآن عندما اختلط الحابل بالنابل شكرا جزيلا و جعلها الله في ميزان حسناتكما

محب السلف الصالح
2012-07-02, 09:28
بارك الله فيكم

أم الولدين
2012-07-02, 09:29
جزاكم الله خير الجزاء
صحيح طغت بعض البدع نسال الله العافية

fatma zina
2012-07-02, 18:05
بــــــــــــــــــــــــــــــارك الله فيك

أم مريم
2012-07-03, 00:25
السلام عليكم ورحمة الله

بارك الله فيكم وسدد خطاكم وجعلها في ميزان حسنتكم

علي الجزائري
2012-07-03, 14:32
بارك الله فيك

و فيك بارك الله ..

lilou f lilou a
2012-07-04, 14:03
بارك الله فيكم

old young miss
2012-07-04, 17:11
بارك الله فيك

انعام34
2012-07-05, 09:47
بارك الله فيكم

tarek1991
2012-07-05, 11:42
بارك الله فيكم

مولاي فاطومه
2012-07-05, 17:04
بارك الله فيك
وجزاك الله عنا كل الجزاء الحسن
انشاء الله

حمزاوي99
2012-07-06, 08:31
مشكووووووووووووور والله وجزاك الله الف خير

كونكون
2012-07-06, 23:31
mashkouuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuurrrrrrrrrrr rrrrrrrrrrrrrrrrr

التاجر الأمين
2012-07-08, 18:58
جزاك الله خيرا

ghada91
2012-07-08, 23:51
السلام عليكم

و الله انا احب ان اصوم في شهر شعبان

لكنني اسمع بعض الاقاويل انه لا يجوز الصوم بعد نصف شعبان

لكن بعد قراءتي للموضوع اقتنعت

شكرا مرة اخرى لكم

الوادعي
2012-07-11, 09:40
بارك الله فيك أخي
جعلها الله في ميزان حسناتك .

salado83
2012-10-11, 12:27
اللهم وفق الجميع لما تحبه و ترضاه

sebihbacha
2012-10-14, 12:06
جزاك الله خيرا