الحرب الغربيّة ضد الإسلام والمسلمين: من شارل ديغول إلى دونالد ترامب
لم تتوقّع إدارة ترامب الجديدة ردة الفعل القويّة (نسبيّاً) في العالم على الإجراءات الجديدة ضد نحو ظ¢ظ*ظ* مليون مسلم (ليسوا أكثر من ظ،ظ£ظھ «فقط»، حسب مقالة لموقع «برايتبارت»، البالغ التأثير في الإدارة الجديدة)، كما أن عبدالله بن زايد أفتى بأن القرار لا يستهدف المسلمين (ربما عنى أنه يستهدف البوذيّين في تلك البلاد السبعة).
القرار كان عاديّاً وهو في سياق وعد أطلقه ترامب في حملته الانتخابيّة. لكن الاحتجاجات (وصفتها بعض الصحف العربيّة، خطأً، أنها «عارمة») في المطارات الأميركيّة (والتي جذبت إليها الكثير من العرب والمسلمين واليساريّين) لا تعكس كل الصورة. إن فكرة حظر كل المسلمين من زيارة أميركا (وليس بعضهم من الدول السبعة فقط) تحظى ــ حسب استطلاع قبل أشهر ــ بتأييد نصف الأميركيّين (ظ¥ظ*ظھ يؤيّدون الفكرة، ويتوزّع التأييد كالآتي: ظ§ظ،ظھ من الجمهوريّين وظ£ظ¤ظھ من الديموقراطيّين وظ¤ظ©ظھ من المستقلّين). وفي الحملة الانتخابيّة، لم تكن الاعتراضات الديموقراطيّة (الخجولة عموماً) على فكرة الحظر أخلاقيّة أو حتى دستوريّة: كانت في غالبها نفعيّة. اعترض البعض على حظر يمكن أن يشمل طغاة مسلمين متحالفين مع أميركا وإسرائيل حول العالم. واعترض البعض الآخر على قرار يمكن أن يزيد من القدرات التجنيديّة للمنظمات الإرهابيّة. فيما اعترض بعضٌ آخر على عدم جواز سنّ حظر على أساس الدين، لأن ذلك يتعارض مع التعديل الأوّل للدستور الذي يمنع الحكومة من إبداء ميول دينيّة.
أصرّ ترامب أن قراره لم يكن موجّهاً ضد المسلمين (لكن السفارة الأميركيّة في دولة العدوّ أوضحت في بيان رسمي أن اليهود المولودين في أي من الدول المعنيّة بالقرار غير مشمولين بالقرار، كما أن مستشار ترامب، رودي جولياني، أفصح في حديث على شبكة «فوكس» أن القرار كان حيلة من أجل تمرير إعلان ترامب أثناء الحملة الانتخابيّة عن عزمه على منع كل المسلمين). كما أن القرار نال ــ حسب استطلاع قبل يوميْن من رويترز ـ إبسوس ــ تأييد ظ¤ظ©ظھ من الأميركيّين (بقوّة أو بعض الشيء) فيما عارضه ظ¤ظ،ظھ من الأميركيّين (بقوّة أو بعض الشيء) وأجاب ظ،ظ*ظھ بـ«لا أدري». لكن القرار لم يأتِ من عدم: فهو يُفهم فقط في سياق حملة غربيّة عالميّة (وتاريخيّة) ضد الإسلام والمسلمين.
هناك نظرتان إلى معالم التزمّت والضيق والقمع في دول الغرب: الليبراليّة (شرقاً وغرباً) تنسبها، في نظريّات بائسة، إلى «شعبويّة» شخص واحد، وإنه تلاعب بعقل الجمهور الجاهل وأثار غرائزه، ونجح بأساليب ملتوية في الفوز. حتى أن هناك من يشير إلى تقدّم هيلاري كلينتون في عدد الأصوات كأن الانتخابات في أميركا منذ تأسيسها تقوم على عدد الأصوات وليس على مجموع الأصوات الاقتراعيّة في كل ولاية (وقد سبق لأربعة رؤساء أن فازوا من دون الحصول على أكثريّة «الصوت الشعبي العام»). ولوم الجمهور («الغوغاء» في بلادنا أو «البائسين» حسب وصف هيلاري كلينتون) عادة ليبرالية ثابتة. ومن السهل هذه الأيّام التركيز على شخص ترامب والترحّم على أوباما الذي كان ــ حسب تعليقات بعض العرب في الصحف ووسائل التواصل ــ يريد أن يحرر فلسطين وينهض بالفقراء لو أكمل ولاية خامسة أو سادسة. النظريّة الثانية ترى استمراريّة وثباتاً في مسار الإمبراطوريّة مع تغييرات طفيفة في الديكور وفي نسبة تحصيل الضرائب وتصاعدها. والتركيز على شخص ترامب وحده من دون النظر إلى الانقسام الحقيقي في البلاد يطمس معالم في الثقافة السياسيّة. وتركيز الإعلام العالمي على الاحتجاجات في المطارات عظّم من حجمها، ولم يرد الاعتراف بأن معظم المحتجّين كانوا من العرب والمسلمين المهاجرين (ومن أطراف أقصى اليسار والأكاديميا). لكن يريدون في لبنان أن يصدّقوا أن أهل هوليوود هم المعبّرون الحقيقيّون عن أهواء الشعب الأميركي.
وما يجري لا يتطرّق إليه الإعلام العربي الذي يعبّر عن ذعر الأنظمة العربيّة. وطغاة آل سعود يحكمون باسم الإسلام لكن يتسامحون مع إهانة الإسلام والمسلمين إذا أتت على يد دول الغرب أو العدو الإسرائيلي. تحاول حكومات الغرب، كل بطريقتها، إعادة تصويب وتعديل الإسلام. وقدسيّة النص القرآني يُشكّل صدمة للصهاينة ولحكومات الغرب في محاولتها إيجاد إسلام جديد ــ وبنصوص مقدّسة جديدة، لو أمكن. الحكومة النمساويّة سنّت في عام ظ¢ظ*ظ،ظ¥ قراراً خاصاً بإعادة انتاج تعريف وتصميم الإسلام، وبناء عليه يُفرض على رجال الدين المسلمين التكلّم بالألمانيّة وعليهم أيضاً إثبات «الأهليّة المهنيّة» ــ إما من خلال برنامج حكومي في جامعة فيينّا أو عبر إتمام برنامج مماثل. كما أن القانون يفرض على منظمّات المسلمين إبداء «موقف إيجابي من الدولة والمجتمع» تحت طائلة الحظر (حار المفسّرون في تفسير «الموقف الإيجابي» ــ لكن الطاعة مطلوبة). والقانون يلغي الشريعة في مجال التعارض.
والقوانين ضد الإسلام والمسلمين، بأشكال مختلفة ومتنوّعة تنتشر في دول الغرب. ونحو عشرين ولاية أميركيّة سنّت قوانين خاصّة بمنع الشريعة الاسلاميّة، فيما تدرس ولايات أخرى قوانين مشابهة لأن هناك خطر انتشار الشريعة بات مقلقاً لقطاع واسع من الشعب الأميركي وشعوب بعض الدول الغربيّة (التي تسنّ قوانين ضد الشريعة). وإذا كان «البيان الشيوعي» قد أشار في عام ظ،ظ¨ظ¤ظ¨ إلى هاجس خطر الشيوعيّة، فإن الغرب اليوم مهجوس بالخطر الإسلامي. والدول الغربيّة تتعامل مع هذا الخطر بطرق متعدّدة: من سن قوانين خاصّة بالبرقع والنقاب إلى منع أو تقييد ملابس البحر للمسلمات إلى إعادة تعريف الإسلام للمسلمين من قبل غير المسلمين: ورئيس مجلس النواب الأميركي السابق، اقترح أن يُسأل كل مسلم يدخل هنا إذا ما كان يوافق على الشريعة، وأن يُطرد لو أجاب بالإيجاب. أي أن الغرب الذي يزهو أمام المسلمين بعلمانيّته، يسنّ قوانين خاصّة بالمسلمين. أي أن العلمانيّة الغربيّة مستعدّة أن تخالف علمانيّتها من أجل أن تقيّد وتحظر الإسلام والمسلمين. والشعب السويسري (في استفتاء شعبي) وافق بنسبة ظ¥ظ§,ظ¥ظھ في ظ¢ظ¢ من الـظ¢ظ¦ كانتون على قانون خاص بتحريم المآذن، في بلد لم يكن يوجد فيه إلا أربع مآذن فقط، وحُظر النقاب في بلد لم يتجاوز فيه عدد المنقّبات أصابع اليد الواحدة. وباسم النسويّة، يُفرض على المسلمات والمسلمين المصافحة. وبلدات فرنسيّة سارعت إلى حظر الـ«بوركيني»، وسارعت الشرطة إلى فرض الحظر بأسنّة الحراب قبل أن ترفض المحكة العليا هذا الحظر. لكن هناك خلفيّات لحالات العداء ضد الإسلام في دول الغرب. هناك مسلمون في دول أميركا اللاتينيّة وأفريقيا لكن ليس هناك مِن مظاهر لهذا العداء. أي أن تاريخ الغرب الاستعماري مرتبط بصعود أيديولوجيّة الإسلاموفوبيا، والتي تتشارك مع معاداة السامية في عناصرها، وإن لم تحز الأولى على الوصمة التي حازتها الثانية في دول الغرب بعد الحرب العالميّة الثانية.
والحرب القانونيّة والعنفيّة ضد الإسلام والمسلمين تستعين دوماً بأدوات محليّة مسلمة. كان وجود محمد أركون في لجنة «ستاسي» ضروري لإسباغها شرعيّة ما، كما أن تعيين المسلمين في مناصب غير مؤثّرة (أو الدروز في دولة الاحتلال) بات عرفاً سياسياً. وعندما جرت المناظرات بين ترامب وبين هيلاري كلينتون حول الإسلام، كان مكمن اعتراض كلينتون (والليبراليّة الغربيّة برمّتها) على حظر المسلمين بالكامل (والذي كان ترامب قد اقترحه في حملته) أن ذلك يعيق عمليات التجسّس على المسلمين ويعيق مساهمة المسلمين في الحروب على المسلمين.
https://www.al-akhbar.com/node/272063