شروح الأحاديث - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شروح الأحاديث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-06-23, 16:08   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة شروح الأحاديث

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




تقدمت مواضيع


الحديث وعلومه


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2148923

مصطلح الحديث

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2149073

الأحاديث الصحيحة

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2149229

الأحاديث الضعيفة

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2149363

..........

لا يقدَّم قولُ أحد ورأيه على سنة النبي صلى الله عليه وسلم .

السؤال

: مامدى صحة هذا الحديث : " يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول لكم قال الرسول ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر ؟ وما معناه ؟ وكيف ينطبق على وقتنا الحالي ؟

الجواب :

الحمد لله


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يُنَاظِرُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ لَهُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ! أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/ 215) .

وهكذا ذكره بنحوه في غير موضع من "الفتاوى" ، فانظر : (20/ 251) ، (26/ 50) ، (26/ 281)

كما ذكره ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (2/182) ، و"إعلام الموقعين" (2/ 168).

وتابعهما على ذكره بهذا اللفظ غير واحد من أهل العلم المعاصرين .

ولم نجده بهذا اللفظ في كتب السنة ، ولكنه صحيح من حيث المعنى :

فروى الإمام أحمد (3121) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ "

ورواه الطبراني في "الأوسط" (21) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : " أَنَّهُ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، طَالَمَا أَضْلَلْتَ النَّاسَ ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا عُرَيَّةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ، فَإِذَا طَافَ، زَعَمْتَ أَنَّهُ قَدْ حَلَّ ، فَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَنْهَيَانِ عَنْ ذَلِكَ ؟

فَقَالَ: أَهُمَا، وَيْحَكَ، آثَرُ عِنْدَكَ أَمْ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ وَفِي أُمَّتِهِ؟

فَقَالَ عُرْوَةُ: هُمَا كَانَا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَمِنْكَ ".

قال الهيثمي في "المجمع" (3/ 234):

" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ " انتهى .

ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 189) عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ : " أَنَّ عُرْوَةَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَضْلَلْتَ النَّاسَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا عُرَيَّةُ؟ قَالَ: تُفْتِي النَّاسَ أَنَّهُمْ إِذَا طَافُوا بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلُّوا , وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَجِيئَانِ مُلَبِّيَيْنِ بِالْحَجِّ فَلَا يَزَالَانِ مُحْرِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ ؟

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِهَذَا ضَلَلْتُمْ؟ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُونِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؟

فَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَا أَعْلَمَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكَ ".

وروى ابن حزم في "حجة الوداع" (ص: 353) وابن عبد البر في "الجامع" (2/1209) عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: " قَالَ عُرْوَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ تُرَخِّصُ فِي الْمُتْعَةِ ؟

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَلْ أُمَّكَ يَا عُرْوَةُ .

فَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَّا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فَلَمْ يَفْعَلَا .

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكُمْ مُنْتَهِينَ حَتَّى يُعَذِّبَكُمُ اللَّهُ، أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُحَدِّثُونَنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَ عُرْوَةُ هُمَا أَعْلَمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْبَعُ لَهَا مِنْكَ " .

فهذا خبر ثابت ، إلا أنا لم نجده باللفظ المذكور في السؤال ، وهو صحيح المعنى .

ومعنى هذا الأثر :

أنه لا يجوز أن تترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد ورأيه ، فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على قول غيره ، وفعله مقدم على فعل غيره ، ولا تعارض سنته بقول أحد أو فعله ، كائنا من كان .

قال الخطيب البغدادي رحمه الله – معلقا على قول عروة: هُمَا وَاللَّهِ كَانَا أَعْلَمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتْبَعَ لَهَا مِنْكَ - :

" قُلْتُ: قَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى مَا وَصَفَهُمَا بِهِ عُرْوَةُ ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ أَحَدٌ فِي تَرْكِ مَا ثَبَتَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

انتهى من "الفقيه والمتفقه" (1/ 378).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:

" معنى هذا: أن العبد يجب عليه الانقياد التام لقول الله تعالى، وقول رسوله، وتقديمهما على قول كل أحد، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة " .

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (1/ 77) .

وقال ابن عثيمين رحمه الله :

" لا يجوز لأحد من الناس أن يعارض كلام الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأي كلام، لا بكلام أبي بكر الذي هو أفضل الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عمر الذي هو ثاني هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عثمان الذي هو ثالث هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام علي الذي هو رابع هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام أحد غيرهم؛ لأن الله تعالى يقول: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) "

انتهى من"مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (5/ 249) .

وقال ابن عبد البر في "الجامع" (2/ 1210):

" قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ ، أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْبِرُنِي بِرَأْيِهِ، لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أَنْتَ بِهَا " . وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مِثْلَ ذَلِكَ بِمَعْنَاهُ " انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" قَالَ أَحْمَد: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ قَالَ:

سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ ، فَأَمَرَ بِهَا .

فَقِيلَ لَهُ: إنَّك تُخَالِفُ أَبَاك ؟!

فَقَالَ: عُمَرُ لَمْ يَقُلْ الَّذِي تَقُولُونَ ، إنَّمَا قَالَ عُمَرُ: إفْرَادُ الْحَجِّ مِنْ الْعُمْرَةِ ، فَإِنَّهَا أَتَمُّ لِلْعُمْرَةِ ، أَوْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يُهْدَى.

وَأَرَادَ أَنْ يُزَارَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا ، وَعَاقَبْتُمْ النَّاسَ عَلَيْهَا ؛ وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ ، وَعَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !!

فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: أَفَكِتَابَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ عُمَرُ؟

وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُنَاظِرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا ، فَقَالَ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْك ؟!

فَقَالَ لَهُ ابْنِ عَبَّاسٍ : يَا عرية ؛ سَلْ أُمَّك .

يَعْنِي أَنَّهَا تُخْبِرُهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْإِحْلَالِ ؛ وَكَانَتْ أَسْمَاءُ مِمَّنْ أَحَلَّتْ.

وَهَذِهِ الْمُشَاجَرَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ؛ لِأَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ يُوجِبُ الْمُتْعَةَ ، بَلْ كَانَ يُوجِبُ الْفَسْخَ ، وَكَانَ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ : فَقَدْ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ.

وَيَحْتَجُّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .

وَإِيجَابُ الْمُتْعَةِ هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرِيَّةِ: كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ أَيْضًا .

لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّمَتُّعُ وَالْإِفْرَادُ؛ وَالْقِرَانُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (26/ 50) .

على أن الواجب أن ننبه هنا إلى أمر مهم في ذلك ، وهو :

أن المخاطب باتباع محض الدليل ، وعدم تقديم كلام الصحابة ، فمن دونهم من أهل العلم عليه : إنما هو العالم ، وطالب العلم المتأهل المنتهي ، القادر على الاستنباط ، والاجتهاد في المسألة ، ومعرفة أطراف القول فيها ، وموارد أدلتها .

وأما العامي ومن أشبهه : فإنما فرضه سؤال أهل العلم ، واتباع ما يفتونه به ؛ كما أمر الله عباده بذلك ، فقال : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43

والله أعلم .








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-06-23, 16:11   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الأدلة الشّرعية على حجيّة السنّة النبوية

السؤال :

هل يجب علينا اتباع السنة أم القرآن فقط ؟

وهل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن ؟


الجواب :

الحمد لله

السؤال الأول يبدو للمسلم الجادّ سؤالا عجيبا ومثيرا للدهشة فكيف يتحوّل الشيء البدهي المسلّم به والذي هو من أساسيات الدين ، كيف يتحوّل مجالا للتساؤل ؟

ولكن حيث أنّ التساؤل قد حصل فنقدّم مستعينين بالله هذا التأصيل العلمي الشرعي لمسألة حجية السنة ووجوب اتّباعها وأهميتها وحكم من رفضها وفي ذلك ردّ على المتشككين وعلى أتباع الطائفة الضّالة المتسمين بالقرآنيين - والقرآن منهم بريء- وهذا التأصيل نافع أيضا -إن شاء الله - لكل من يريد معرفة الحقّ في هذه القضية :

أدلة حجية السنّة :

أولا : دلالة القرآن الكريم على حجية السنة :

وذلك من وجوه :

الأول - قال الله تعالى : ( من يطع الرّسول فقد أطاع الله ) ، فجعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعته .

ثم قرن طاعته بطاعة رسوله ، قال تعالى : ( يـا أيّها الّذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ) .

الثاني - حذر الله عز وجل من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتوعد من عصاه بالخلود في النار ، قال تعالى : ( فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبُهم عـذاب ألـيم) .

الثالث - جعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان ، ومخالفته من علامات النفاق ، قال تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكمُّوك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مـمّا قضيت ويسلموا تسليماً ) .

الرابع :- أمر سبحانه وتعالى عباده بالاستجابة لله والرسول ، قال تعالى : ( يا أيّـُها الّذين أمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يُحييكم ..) .

الخامس : - ثم أمرهم سبحانه برد ما تنازعوا فيه إليه ، وذلك عند الاختلاف ، قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردّوُه إلى الله والرّسول ) .

ثانياً : دلالة السنة النبوية على حجية السنة :

وذلك من وجوه :

أحدها : ما رواه الترمذي عن أبي رافع وغيره رفعه ( أي : إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذي ط. شاكر رقم 2663

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر .. الحديث رواه أبو داود كتاب الخراج والإمارة والفيء

ثالثاً : دلالة الإجماع على حجية السنة :

قال الشافعي رحمه الله : ولا أعلم من الصحابة ولا من التابعين أحدا أُخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قبل خبره ، وانتهى إليه ، وأثبت ذلك سنة .. وصنع ذلك الذين بعد التابعين ، والذين لقيناهم ، كلهم يثبت الأخبار ويجعلها سنة ، يحمد من تبعها ، ويعاب من خالفها ، فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعدهم إلى اليوم ، وكان من أهل الجهالة .

رابعا: دلالة النظر الصحيح على حجية السنة :

كون النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله ، يقتضي تصديقه في كل ما يخبر به ، وطاعته في كل ما يأمر به ، ومن المُسلَّم به أنه قد أخبر وحكم بأمور زائدة على ما في القرآن الكريم ، فالتفريق بينها وبين القرآن ، في وجوب الالتزام بـها ، والاستجابة لها ، تفريق بما لا دليل عليه ، بل هو تفريق باطل ، فلزم أن يكون خبره صلى الله عليه وسلم واجب التصديق ، وكذا أمره واجب الـطـاعة .

حكم من أنكر حجية السنة أنه كافر لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة .

أما السؤال الثاني وهو هل المسلم ملزم باتّباع مذهب معيّن فالجواب : لا يلزم ذلك ، وكل عامي من المسلمين مذهبه مذهب مفتيه ، وعليه أن يسأل من يثق به من أهل العلم والفتوى وإذا كان الشّخص طالب علم يميّز بين الأدلة والأقوال فعليه أن يتبّع القول الراجح من أقوال أهل العلم بدليله الصحيح من الكتاب والسنّة .

هذا ويجوز للمسلم أن يتبع مذهبا معينا من المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة بشرط أنّه إذا عرف أنّ الحقّ في المسألة المعيّنة خلاف المذهب وجب عليه أن يخالف المذهب ويتّبع الحقّ ولو كان في مذهب آخر لأنّ المقصود هو اتّباع الحقّ الذي يُعرف بالكتاب والسنة ، والمذاهب الفقهية ما هي إلا طرق لمعرفة الأحكام الشرعية دالّة على أحكام الكتاب والسنّة وليست هي الكتاب والسنّة .

نسأل الله أن يرينا الحقّ حقّا ويرزقنا اتّباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وصلى الله على نبينا محمد .

الشيخ محمد صالح المنجد









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-02-05 في 15:55.
رد مع اقتباس
قديم 2018-06-23, 16:16   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تحقيق الإسلام لا يكون إلا باتباع الكتاب والسنة

السؤال :

أخبرتُ الناس أن اتباع الإسلام يكون باتباع التوراة والإنجيل والقرآن ، بدلا من القرآن والسنة فقط . فقالوا : إنني مخطئ ؛ لأنني لست عالما ، لذلك أردت أن توضح لي خطئي ، وعلي كل الأحوال سأصدق وسأتفق مع ما تعتقد . وهذا نص نقاشي معهم : السورة الخامسة من القرآن الكريم : (

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ). وهذه هي الترجمة للمعني العربي

وهذا دليل علي أن النبي محمد قد احتكم للقرآن والتوراة ، ويقول الله تعالي أيضا في سورة القصص : (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ * قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) .


الجواب :


الحمد لله


أولا :

أصل دين الأنبياء والرسل واحد لا يختلف ، وهو توحيد الله وعبادته وحده ، ونبذ عبادة ما يعبد من دونه ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) النحل/ 36 ، وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء/ 25 .

فالتوراة والإنجيل والقرآن متفقون على هذا الأصل .\

أما أحكام الحلال والحرام وتفاصيل العبادات فلكل نبي شرعه ، قال تعالى : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) المائدة/48.

ثانيا :

لما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وكانت شريعته أكمل الشرائع وأتمها ، وكانت سنته من كمال شرعه وجب التحاكم إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة ، لأنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ، ولا بد للناس من شريعة تحكمهم ، وشريعة النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الشرائع وآخرها ، فوجب اتباع شريعته ، وهي الكتاب والسنة .
وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) .

رواه أبو داود (4604) ، وصححه الألباني .

فكانت شريعة الكتاب والسنة هي التي يجب اتباعها إلى يوم القيامة ، ولا يجوز لأحد الخروج عنها ، كما لا يجوز الرجوع إلى شريعة التوراة أو الإنجيل ؛ لأن الله تعالى قد نسخ بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ما سبقه من الشرائع إلا ما أُقر منها ، بخلاف الاعتقاد ومسائل الإيمان فإنها ثابتة .

قال تعالى :

( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) المائدة/ 48 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" فالقرآن أَمِينٌ وَشَاهِدٌ وَحَاكِمٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ ، جَعَلَ اللَّهُ هَذَا الْكِتَابَ الْعَظِيمَ، الَّذِي أَنْزَلَهُ آخِرَ الْكُتُبِ وَخَاتَمَهَا، أَشْمَلَهَا وَأَعْظَمَهَا وَأَحْكَمَهَا ؛ حَيْثُ جَمَعَ فِيهِ مَحَاسِنَ مَا قَبْلَهُ، وَزَادَهُ مِنَ الْكَمَالَاتِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ ؛ فَلِهَذَا جَعَلَهُ شَاهِدًا وَأَمِينًا وَحَاكِمًا عَلَيْهَا كُلِّهَا، وَتَكَفَّلَ تَعَالَى بِحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ .

وَقَوْلُهُ: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ) أَيْ : فَاحْكُمْ يَا مُحَمَّدُ بَيْنَ النَّاسِ : عَرَبهم وَعَجَمِهِمْ ، أُميهم وَكِتَابَيِّهِمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ ، وَبِمَا قَرَّرَهُ لَكَ مِنْ حُكْمِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَنْسَخْهُ فِي شَرْعِكَ "
.
انتهى باختصار من "تفسير ابن كثير" (3/ 128) .

وقال ابن عثيمين رحمه الله :

" جميع الأديان السماوية منسوخة بالدين الإسلامي ، وهي الآن ليست مما يدان به لله عز وجل لأن الذي شرعها ووضعها ديناً هو الذي نسخها بدين محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 2) بترقيم الشاملة .

ثالثا :

ولذلك فإن قولك : " اتباع الإسلام يكون باتباع التوراة والإنجيل والقرآن بدلا من القرآن والسنة فقط " قول مردود لعدة أسباب :

الأول : أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد حرفوا التوراة والإنجيل ، فكيف يكون اتباع الإسلام يعني اتباع الكتب المحرفة ؟!

الثاني : هذا القول لا يصلح عند الكلام عن الشرائع والأحكام لما تقدم من أن تفاصيل الأحكام مختلفة في شرائع الرسل ، والواجب على جميع الأمم اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحده ، والتي هي الكتاب والسنة .

وقد روى أحمد (14736) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ : ( أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ - يعني أمتحيرون ؟ - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً ، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي ) .
حسنه الألباني في "الإرواء" (6/34) .

الثالث : أن الله عز وجل أكمل الدين وأتم النعمة بالكتاب والسنة ، فلا خروج لأحد عن حكمهما .
قال الله عز وجل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة/3 .

وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ) .

رواه الطبراني في الكبير (1647) ، وصححه الألباني في الصحيحة (1803) .
سادسا : أن تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله لا يتم إلا باتباع السنة .

قال ابن القيم رحمه الله :\

" فقد بيَّن الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به ، وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى : ( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نعْمَتي) "

انتهى من " إعلام الموقعين " ( 1 / 250 ) .

ثالثا :

أما قول الله تعالى : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) المائدة/ 42، 43 .

فمعنى هاتين الآيتين تبكيت هؤلاء اليهود الذين لا يرضون بحكم الله ولا بحكم رسوله ، وهم إنما جاءوه ليحكم بينهم ، عسى أن يوافق أهواءهم ، فخيره الله عز وجل بين أن يحكم بينهم، أو يعرض عن الحكم بينهم ، فإن حكم بينهم : وجب عليه أن يحكم بالقسط ولا يتبع أهواءهم .

ثم قال متعجبا لهم : ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) فإنهم - لو كانوا مؤمنين عاملين بما يقتضيه الإيمان ويوجبه - لم يعرضوا عن حكم الله الذي في التوراة التي بين أيديهم ، ويبحثوا عما لعله يوافق أهواءهم في غيره .

وحين حكمت بينهم بحكم الله الموافق لما عندهم أيضا ، لم يرضوا بذلك ، بل أعرضوا عنه ، فلم يرتضوه .

قال تعالى: (وَمَا أُولَئِكَ) الذين هذا صنيعهم (بِالْمُؤْمِنِينَ) أي: ليس هذا دأب المؤمنين ، وليسوا أهلا للإيمان ، لأنهم جعلوا آلهتهم أهواءهم ، وجعلوا أحكام الإيمان تابعة لأهوائهم .

انظر : " تفسير السعدي" (ص232) .

واليهود قوم بهت ، يحرفون الكلم من بعد مواضعه ، وقد تبين أنهم يحرفون الكتاب ، ولا يؤمنون بالتوراة التي أنزلها الله إنما يتبعون أهواءهم .

وقد روى البخاري (3635) ، ومسلم (1699)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ ؟ )، فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ : كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ : ارْفَعْ يَدَكَ ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ " .

وفي رواية مسلم : " فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ ، فَقَالَ: ( مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟ ) ، قَالُوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا، وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا، قَالَ: ( فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) " .

فلما كان حكم التوراة في هذه المسألة ، موافقا لحكم القرآن : لم يمتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم بما في التوراة ، ولأن ذلك مما يدل على أنهم كانوا يحرفون كلام الله ويبدلون حكم الله .

رابعا :

الآيات التي أوردها السائل : إنما هي في معرض محاجة الكافرين الذين كفروا بالتوراة من قبل ، وكفروا بالقرآن بعد ذلك ، فقالوا أولا : ( لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى) قال الله : ( أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ) أي: القرآن والتوراة ، تعاونا في سحرهما ، وإضلال الناس ( وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ) فثبت بهذا أن القوم يريدون إبطال الحق بما ليس ببرهان ، ويقولون الأقوال المتناقضة المختلفة ، وهذا شأن كل كافر، ولهذا صرح أنهم كفروا بالكتابين والرسولين .

انظر : "تفسير السعدي" (ص 618) .

فأراد الله تعالى أن يبين للناس أنهم يكفرون بكل رسول ، ويكفرون بكل كتاب .

فمثل هذا في معرض المحاجة ليبين لهم أنهم لا يؤمنون لا بمحمد ولا بموسى ولا بغيرهما من رسل الله ، ولا يقرون بشريعة التوراة ولا شريعة القرآن ، ولذلك قال : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) القصص/ 50 .

والخلاصة :

أنه لا يجوز الخروج عن حكم الكتاب والسنة إلى يوم القيامة ، ومن ترك حكم السنة ولم يلتزمه زاعما أن اتباع الإسلام إنما يكون باتباع القرآن والتوراة والإنجيل فقد ضل سواء السبيل .

وهذا أمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام ، أنه لا يحل لأحد الخروج عن حكمه في كتابه وسنة نبيه ، ولا طلب الهدى فيما سواهما ، بعد بعثة نبيه صلى الله عليه وسلم .

ولا حرج إن كان عندك شيء من شبهة ، أو رأي ، أن تعرضه على أهل العلم الثقات الذي يمكنك التواصل معهم .

نسأل الله لنا ولك الثبات على الدين ، والاستقامة على منهج الكتاب والسنة .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-23, 16:21   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يزعم عدم وجوب اتباع الرسول في كل أمر

السؤال:

ما رأيكم بمن يقول : إنه لا يجب أن نتبع الرسول عليه الصلاة والسلام في كل شيء ؛ ﻷنه بشر ويجتهد فيخطأ ويصيب ؟


الجواب :

الحمد لله

طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة ، بل هي أصل من أصول الإيمان كما دل القرآن الكريم على ذلك ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )النساء/ 59

وقال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) المائدة/ 92

وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) النساء/ 64 .

وقد أخبر الله تعالى أنه لا يؤمن شخص حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نزل به من نوازل ، ولا يجد في نفسه حرجا من حكمه الشريف ويسلم تسليما، قال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)النساء/ 65 .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (2 / 349):

"وَقَوْلُهُ : ( فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) : يُقْسِمُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ الْمُقَدَّسَةِ : أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكم الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، فَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ : ( ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )

أَيْ: إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ ، فَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ، فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ ، وَلَا مُدَافِعَةٍ ، وَلَا مُنَازِعَةٍ ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ" انتهى.

وقد بوب الإمام النووي رحمه الله في كتابه النافع المبارك "رياض الصالحين" : باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها .

وذكر فيه طائفة من آيات القرآن الكريم ، التي تدل على ذلك الأصل الإيماني العظيم ، دلالة بينة واضحة ، لا لبس فيها ، ولا شبهة :

" قَالَ الله تَعَالَى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) الحشر / 7 ، وَقالَ تَعَالَى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم /3-4

وَقالَ تَعَالَى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) آل عمران / 31

وَقالَ تَعَالَى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِر ) الأحزاب /21

وَقالَ تَعَالَى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء / 65

وَقالَ تَعَالَى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) النساء / 59 ،

قَالَ العلماء : معناه إِلَى الكتاب والسُنّة

وَقالَ تَعَالَى : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله )النساء/80

وَقالَ تَعَالَى : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ ) الشورى/ 52-53

وَقالَ تَعَالَى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور /63

وَقالَ تَعَالَى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ) الأحزاب /34

والآيات في الباب كثيرة " انتهى .

وذكر في الباب طائفة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في تقرير ذلك الأصل ، ومن ذلك:

عَنْ أَبي هريرةَ - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : ( كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أبَى ) ، قيلَ : وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : ( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى ) رواه البخاري .

وإن العجب لا ينقضي ممن يزعم أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم غير واجب ، والله تعالى قد رتب الهدى والفلاح على طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم،

قال تعالى: ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف/ 158

ويقول سبحانه : ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) النور/ 54.

ومما يجب على كل مسلم أن يعتقده أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي طريقته في الدين من أقوال وأفعال : معصومة .

وكان صلى الله عليه وسلم إذا ما اجتهد في أمر ، فلم يصادف وجه الصواب : نزل الوحي فورا بتصحيح الأمر ، وبيان مراد الله وحكمه في النازلة المعينة

وهذا ما ثبت في القرآن الكريم في مثل قوله تعالى : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )الأنفال/ 67 – 69،

وقوله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) التوبة/ 113، 114

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )التحريم/1، 2 .

والحاصل :

أن هذا المعترض : لم يفهم شيئا عن أصول اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومكانها من دين الله جل جلاله ، ولم يفهم ما يدل على ذلك ، ولم يعترض ـ حين اعترض على ذلك الأصل المقرر بشيء ينفعه أو له تعلق بمحل بحثه ونظره .

فليت هذا المرتاب إذا أشكل عليه أمر رده إلى أولي الأمر من العلماء والفقهاء ليجيبهوه على شبهته .

هدانا الله جميعا إلى ما فيه الهدى والرشاد .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-23, 16:25   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وقت أكل تمر العجوة للصائم ؟

السؤال :

إذا كنت صائمة ، فمتى آكل سبعة تمرات عجوة قبل الفجر أو عند الإفطار ؟

الجواب :

الحمد لله


أولا :

روى البخاري (5768) ، ومسلم (2047) عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنِ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً ، لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ ، وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ) ، وفي لفظ مسلم (2047) (لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِيَ) .

وروى مسلم (2048) عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً - أَوْ إِنَّهَا تِرْيَاقٌ - أَوَّلَ الْبُكْرَةِ ) .

وظاهر الروايات، أن من تناول سبع تمرات عجوة على الريق صباحا ، قبل أن يأكل شيئا لم يضره سم ولا سحر .

قال ابن حجر :
" من اصْطَبَحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ (مَنْ تَصَبَّحَ) ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ جُمْعَةَ عَنْ مَرْوَانَ الْمَاضِيَةِ فِي الْأَطْعِمَة ، وَكَذَا لمُسلم عَن ابن عُمَرَ .

وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى التَّنَاوُلِ صَبَاحًا .

وَأَصْلُ الصَّبُوحِ وَالِاصْطِبَاحِ تَنَاوُلُ الشَّرَابِ صُبْحًا، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْأَكْلِ" انتهى من "فتح الباري".

فمن أكلها قبل طلوع الفجر لم يكن داخلا في الحديث؛ لأنه أكلها ليلا، ولا يسمى مصطبحا بها، وإنما هو متسحّر بها.

ثانيا :

يحتمل أن يلحق به من تناول التمر عَلَى الرِّيقِ عند الإفطار ، وإن تأخر عن وقت البكور، كَالصَّائِمِ يفطر بها عند الغروب .

قال ابن حجر في شرح قوله صلى الله عليه وسلم : (لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ) :

"مَفْهُومُهُ أَنَّ السِّرَّ الَّذِي فِي الْعَجْوَةِ ، مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ السِّحْرِ وَالسُّمِّ : يَرْتَفِعُ إِذَا دَخَلَ اللَّيْلُ فِي حَقِّ مَنْ تَنَاوَلَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ....
وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى حُكْمِ مَنْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، هَلْ يَكُونُ كَمَنْ تَنَاوَلَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ حَتَّى يَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُ السُّمِّ وَالسِّحْرِ إِلَى الصَّبَاحِ ؟

وَالَّذِي يَظْهَرُ خُصُوصِيَّةُ ذَلِكَ بِالتَّنَاوُلِ أَوَّلَ النَّهَارِ ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْغَالِبُ أَنَّ تَنَاوُلَهُ يَقَعُ عَلَى الرِّيقِ ؛ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَنْ تَنَاوَلَ اللَّيْلَ عَلَى الرِّيقِ ، كَالصَّائِمِ" .

انتهى من "فتح الباري" (10/239).

وقال القسطلاني:

"قال تلميذه شيخنا الحافظ السخاوي: وقع في حديث الباب ، من طريق رواية فليح عن عامر ، فإنه قال: (وأظنه قال : وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح) رواه أحمد في مسنده، بل وقع عند الطبراني في الأوسط من حديث أبي طوالة عن أنس عن عائشة مرفوعًا: (من أكل سبع تمرات من عجوة المدينة في كل يوم) الحديث. قال: (ومن أكلهن ليلاً لم يضره)"

انتهى من "شرح القسطلاني" (8/409) .

وقال الشيخ سليمان الماجد:

"لفظ الحديث: (من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره ذلك اليوم سُمٌّ) وفي أخرى: (من تصبَّح بسبع تمرات عجوة لم يضرُّه ذلك اليوم سُمٌّ ، ولا سحر) .

وهذا يقتضي أن يكون أكلها في الصباح قبل أن يطعم شيئاً .

والصائم لا يمكنه فعل ذلك في الصباح، فالظاهر أن أكله لها عند الإفطار يقوم مقام أكلها في الصباح؛ لأن الظاهر أن تخصيص الصباح بالأكل إنما هو لأجل خلو المعدة، وما لذلك من أثر في تمام استفادة الجسم من التمرات، وهذا متحقق في فطر الصوم، وقوله: (من تصبح) خرج مخرج الغالب"

انتهى من موقع الشيخ على الانترنت .

والخلاصة :

أنه يُرجى للصائم إذا ابتدأ فطره بسبع تمرات من تمر المدينة ، أن يكون بمنزلة من تصبح بالتمرات في الصباح الباكر، وأما الذي يتسحر بها فالحديث لا يتناوله.

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-23, 16:28   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لا تعارض بين حديث (إن أبي وأباك في النار) وقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)

السؤال :

قال الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) ، وروى مسلم ( 203 ) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟

قَالَ : ( فِي النَّارِ) فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : ( إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّار) ، فكيف نجمع بين الآية والحديث ؟!


الجواب :

الحمد لله

لا تعارض بين الآية والحديث، وبيان ذلك أن قوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/15، ومثله قوله تعالى : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ) الملك/ 8 ، 9 .

فيه دليل على أن الله لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، بإرسال رسول من الله تعالى إليه .

فمن أُرسل إليه الرسول، أو بلغته رسالة الرسول : فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) الأنعام/19 .

وأما أهل الفترة ، وهم الذين لم تبلغهم رسالة رسول ، فأصح الأقوال فيهم : أنهم يمتحنون يوم القيامة.

وأما الحديث: فقد روى مسلم (203) عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: ( فِي النَّارِ )، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ) " .

وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأَذِنَ لِي).

وهذان الحديثان يدلان على أن والديه صلى الله عليه وسلم في النار.

قال العلماء: لأنه بلغتهم شريعة إبراهيم عليه السلام، فلم يكونوا من أهل الفترة الذين يُمتحنون.

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (3/ 79):

" فيه : أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين.

وفيه : أن من مات في الفترة ، على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان : فهو من أهل النار.

وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ؛ فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء، صلوات الله تعالى وسلامه عليهم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أبي وأباك في النار) هو من حسن العشرة ، للتسلية بالاشتراك في المصيبة. ومعنى: (قَفَّى): ولى قَفَاه ، منصرفا" انتهى.

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " نعلم أن من كان من أهل الجاهلية، أي: قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من أهل الفترة، وسؤالي عن حكم أهل الفترة ، لأنني سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه جاءه رجل فقال: أين أبي؟ فقال في النار فذهب الرجل يبكي فناداه فقال له إن: أبي وأباك في النار» فهل هذا الحديث صحيح؟ أفيدونا أفادكم الله؟

فأجاب: الصحيح من أقوال العلماء أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة، ويؤمرون ، فإن أجابوا وأطاعوا : دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار .

وجاء في هذا عدة أحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن الأسود بن سريع التميمي، وعن جماعة، كلها تدل على أنهم يمتحنون يوم القيامة، ويخرج لهم عنق من النار، ويؤمرون بالدخول فيه، فمن أجاب صار عليه بردا وسلاما، ومن أبى التف عليه وأخذه وصار إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.

فالمقصود : أنهم يمتحنون ، فمن أجاب وقبل ما طلب منه وامتثل دخل الجنة، ومن أبى دخل النار، وهذا هو أحسن ما قيل في أهل الفترة.

وأما حديث: «إن أبي وأباك في النار» : فهو حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه: «أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار فلما ولى دعاه وقال له إن أبي وأباك في النار». واحتج العلماء بهذا : على أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم كان ممن بلغته الدعوة ، وقامت عليه الحجة، فلهذا قال: في النار، ولو أنه كان من أهل الفترة لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام في حقه .

وهكذا لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه نهي عن ذلك، ولكنه أذن له أن يزورها، ولم يؤذن له في الاستغفار لها .

فهذا يدل على أنهما بلغتهما الدعوة، وأنهما ماتا على دين الجاهلية، وعلى دين الكفر، وهذا هو الأصل في الكفار أنهم في النار، إلا من كان لم تبلغه الدعوة ، أعني دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ؛ فهذا هو صاحب الفترة .

فمن كان في علم الله أنه لم تبلغه الدعوة ، والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين ، وهو الحكم العدل، فيمتحنه يوم القيامة.

أما من بلغته دعوة الرسل في حياته، كدعوة إبراهيم وموسى وعيسى، وعرف الحق، ثم بقي على الشرك بالله : فهذا ممن بلغتهم الدعوة، فيكون من أهل النار; لأنه عصى واستكبر عن اتباع الحق، والله جل وعلا أعلم"

انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (ص119) .

ولا يجوز ادعاء التعارض بين القرآن والحديث، ولا الطعن في صحة الحديث لأجل توهم التعارض، ويجب الرجوع إلى أهل العلم لمعرفة الصحيح من غيره.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-23, 16:31   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل أسلم والدا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

السؤال


هل كان جد النبي صلى الله عليه وسلم ووالده ووالدته مؤمنين بالله وبجميع الرسل الذين كانوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله


الكلام في جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرع عن الكلام في حكم أهل الفترة ، والفترة معناها كما قال ابن كثير : هي ما بين كل نبيين كانقطاع الرسالة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ( تفسير القرآن العظيم 2 / 35

وانظر : جمع الجوامع للسبكي 1 / 63 وروح المعاني للآلوسي 6 / 103 ) .

وقد قسّمهم أهل العلم إلى قسمين :

القسم الأول من بلغته الدعوة ، والقسم الثاني من لم تبلغه الدعوة وبقي على حين غفلة ، ويشمل القسم الأول نوعين :

1- من بلغته الدعوة ووحّد ولم يشرك كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل ( انظر : البداية والنهاية 2 / 230 وفتح الباري 7 / 147 )

2- من بلغته الدعوة ولكنه غيّر وأشرك كعمرو بن لحي الذي غيّر دين إبراهيم ، والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجرّ قصبه في النار )

رواه البخاري (3521) ومسلم (2856)

وقد جاء النص عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن والديه في النار ، روى مسلم (203) أن رجلاً قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار ، فلما قضى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار )

وفي شأن أمه قال عليه الصلاة والسلام : ( استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي )

رواه مسلم (976) .

يقول النووي رحمه الله – شارحاً الحديث الأول - : " فيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار ، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم "

( شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .

هذا وقد حاول بعض أهل العلم الدفاع عن والدي النبي صلى الله عليه وسلم والحكم بنجاتهما ، وأن الله تعالى أحياهما بعد موتهما ، فأسلما وآمنا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ماتا على ذلك ، واستدل على هذا بأحاديث موضوعة وضعيفة جداً لا يصح الاستدلال بها .

( انظر : الحاوي للفتاوى 2 / 202 )

وقد ردّ العلماء ذلك .

قال العظيم آبادي : " كل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ونجاتهما أكثره موضوع مكذوب مفترى ، وبعضه ضعيف جداً لا يصح بحالٍ ، لاتفاق أئمة الحديث على وضعه وضعفه كالدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي وجماعة "

(عون المعبود12/494 باختصار، وانظر: مجموع الفتاوى4/324) .

و يجب علينا أن ندرك أن النسب لا ينجي الإنسان من عذاب الله تعالى ، يقول النووي رحمه الله : " من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين " (شرح صحيح مسلم 3 / 79 ) .

ولم يكن حكم والدي النبي صلى الله عليه وسلم وجده بدعاً في ذلك ، فقد أصرّ والد إبراهيم عليه السلام على الكفر حتى مات على ذلك فتبرأ منه إبراهيم عليه السلام ، كما قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) التوبة / 114 ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقرّر هذا الأمر بجلاء ، وذلك حين نزلت عليه الآية الكريمة ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) الشعراء / 214

قال : ( يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً )

رواه البخاري (2753) ومسلم (206)

وينبغي على كل مسلم أن لا يحكّم عاطفته في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته دونما حجةٍ وبينةٍ من علم فيبوء بالخسارة في الدنيا والآخرة

والله المستعان .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-23, 16:35   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ما صحة حديث إحياء أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ؟

السؤال


ما صحة الحديث القائل بإحياء أم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فآمنت به ثم ماتت ؟.

الجواب

الحمد لله


لم يصح حديث في أن الله تعالى أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وأنهما آمنا به ثم ماتا ، بل الأحاديث الصحيحة الثابتة تدل على أنهما ماتا على الكفر ، وأنهما من أهل النار .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : ( اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي )

رواه مسلم (976) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : فِي النَّارِ . فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ .

رواه مسلم (203) .

ومما يدل على عدم صحة هذه الأحاديث : أن هذا الأمر لو وقع لاشتهر وانتشر ، لأنه يكون آية عظيمة من آيات الله تعالى ، فتتوفر الدواعي على نقلها .

وقد حكم أئمة العلم المحققون على هذه الأحاديث الواردة بأنها موضوعة مكذوبة .

عن عائشة رضي الله عنها قالت : حجَّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، فمرَّ بي على عقبة الحجون وهو باكٍ حزين مغتم ، فبكيتُ لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إنه نزل فقال : يا حميراء استمسكي ، فاستند إلى البعير فمكث عني طويلاً

ثم إنه عاد إليَّ وهو فرح مبتسم ، فقلت له : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، نزلت من عندي وأنت حزين مغتم فبكيت لبكائك ، ثم إنك عدت إليّ وأنت فرح مبتسم ، فعَمَ ذا يا رسول الله ؟ فقال : ذهبت لقبر أمي آمنة فسألت الله أن يحييها فأحياها ، فآمنت بي وردها الله عز وجل .

رواه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " والخطيب البغدادي في " السابق اللاحق " – كما قال السيوطي في " الحاوي " ( 2 / 440 ) - .

قال ابن الجوزي :

" هذا حديث موضوع بلا شك ، والذي وضعه قليل الفهم عديم العلم ، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافراً لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة ، لا ؛ بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع

ويكفي رد هذا الحديث قوله تعالى : ( فيمت وهو كافر ) وقوله في الصحيح : ( استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ) وقد كان أقوام يضعون أحاديث ويدسونها في كتب المغفلين فيرويها أولئك ، قال شيخنا أبو الفضل بن ناصر : هذا حديث موضوع وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت بالأبواء بين مكة والمدينة ودفنت هناك وليست بالحجون " انتهى .

"الموضوعات" (1/283) .

الحجون : موضع بمكة .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" وأما الحديث الذي ذكره السهيلي وذكر أن في إسناده مجهولين إلى أبي الزناد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيي أبويه ، فأحياهما وآمنا به : إنه حديث منكر جدّاً ، وإن كان ممكناً بالنظر إلى قدرة الله تعالى ، لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه " انتهى .

"البداية " (2/261) .

وقال ملا علي القاري عن هذا الحديث :

" موضوع ، كما قال ابن دحية ، وقد وضعت في هذه المسألة رسالة مستقلة " انتهى .

"الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص 83) .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك ؟

فأجاب :

" لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث ; بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق ، وإن كان قد روى في ذلك أبو بكر - يعني الخطيب - في كتابه "السابق واللاحق" وذكره أبو القاسم السهيلي في "شرح السيرة" بإسناد فيه مجاهيل ، وذكره أبو عبد الله القرطبي في "التذكرة" وأمثال هذه المواضع

فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذباً ، كما نص عليه أهل العلم ، وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث ; لا في الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة ، ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير ، وإن كانوا قد يروون الضعيف مع الصحيح

لأن ظهور كذب ذلك لا يخفى على متدين ، فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله ، فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة من وجهين : من جهة إحياء الموتى ، ومن جهة الإيمان بعد الموت . فكان نقل مثل هذا أولى من نقل غيره ، فلما لم يروه أحد من الثقات عُلِم أنه كذب .

ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع . قال الله تعالى : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ) وقال : ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار ) .

فبين الله تعالى : أنه لا توبة لمن مات كافراً . وقال تعالى : ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ) فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس ; فكيف بعد الموت ؟ ونحو ذلك من النصوص . . . " انتهى باختصار .

"مجموع الفتاوى" (4/325) .

وبعض أهل التصوف لم يستطع تصحيح هذه الأحاديث وفق القواعد الحديثية فصححها بالكشف !

يقول البيجوري :

" ولعل هذا الحديث - حديث إحياء والدي النبي صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ثم موتهما- صح عند أهل الحقيقة بطريق الكشف " انتهى .

"جوهرة التوحيد" (ص 30) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رادّاً على مثل هذا :

" وعامة هؤلاء إذا خوطبوا ببيان فساد قولهم قالوا من جنس قول النصارى : هذا أمر فوق العقل ! ويقول بعضهم : يثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل " انتهى باختصار .

"الجواب الصحيح" (2/92) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-23, 16:42   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

: الأحاديث الواردة في شأن ابن صياد لا تتعارض مع الأحاديث الواردة في شأن الدجال وقتل المسيح له ووجود المهدي

السؤال

عرض لي تناقض لم أسمعه من أحد حيث أن هناك رواية أن رسول الله صل الله عليه و سلم شك أن اليهودي ابن صياد هو الدجال ، إن صدقنا هذه الرواية ستتعارض مع بقية الروايات، رسول الله يقول لا دجال إلا بالمهدي ولا مسيح إلا بالدجال ... نجده يشك مباشرة أن ابن صياد هو الدجال فأين المهدي ؟ ثم رواية إن خرج فيكم أنا حجيجه دونكم ..

. فأين العلامات و أشراط الساعة التي قال عنها في غير روايات . ثم في رواية أخرى عمر يقسم بالله أن ابن صياد هو الدجال . هل عمر لا يعرف عن المهدي ؟ هذا إن دل يدل على أنهم لم يكونوا ينتظرون لا مهديا ولا مسيحا . هذا ليس ما أؤمن به . أنا فقط أحاول أن أجد توافق بين كثرة الروايات وهي كما ترى متناقضة


الجواب :


الحمد لله

أولا :

جاءت الأحاديث الصحيحة المتواترة بخروج المسيح الدجال ، ونزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام .

وصحت أيضا بظهور المهدي .

وصحت الأحاديث كذلك أنهم يكونون جميعا في زمان واحد .

فروى البخاري في "صحيحه" (2476) ، ومسلم في "صحيحه" (155) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ المَالُ ، حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ) .

وجاء في "صحيح مسلم" أن المسيح عيسى عليه السلام سيقتل الدجال عند باب لُد ، ويريه الله تعالى دمه في حربته .

فقد روى مسلم في "صحيحه" (2897)

من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا ، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا ، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ

وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمِ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ ، فَيَخْرُجُونَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ ).

وأخرج مسلم في "صحيحه" (2937)

من حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ ، قَالَ: " ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا ، فَقَالَ: ( مَا شَأْنُكُمْ؟ ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً ، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَقَالَ: ( غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ

إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا ، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: ( أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ

وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ) ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: ( لَا ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: ( كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ

فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا ، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا ، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ

يَضْحَكُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ ، فَيَقْتُلُهُ ).

وقد ثبت أنه يؤم المسلمين ، في وجود المسيح عيسى عليه السلام ، رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم

فقد روى البخاري في "صحيحه" (3499) ، ومسلم في "صحيحه" (155) ، من حديث أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ ، وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ).

وإنما كان ذلك ، تكرمة لهذه الأمة المحمدية .

فقد أخرج مسلم في "صحيحه" (165) من حديث جابر بن عبد الله ، قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا ، فَيَقُولُ: لَا ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ).

وقد جاء تعيين هذا الأمير ، وأنه المهدي ، من حديث جابر أيضا ، في رواية أخرجها الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" ، أوردها ابن القيم في "المنار المنيف" (ص147) بإسناد الحارث بن أبي أسامة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا ، فيقول لا ، إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة ).

قال ابن القيم :"وهذا إسناد جيد " انتهى

وهذا الإسناد صححه أيضا ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" (2/475) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2236) .

فثبت من الأحاديث الصحيحة تعاصر المسيح عيسى عليه السلام مع المهدي ، وكذلك مع المسيح الدجال .

ثانيا :

بالنسبة للتعارض الذي ظنه السائل الكريم ، فإن الأحاديث الواردة في شأن ابن صياد لا تتعارض مع الأحاديث الواردة في شأن الدجال وقتل المسيح له ووجود المهدي ، وذلك من وجوه :

الوجه الأول :

الحديث الذي أورده السائل بلفظ :" لا دجال إلا بالمهدي ولا مسيح إلا بالدجال ". لا أصل له ، ولا يروى بهذا اللفظ بأي إسناد .

الوجه الثاني :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم قط في حديث أن ابن صياد هو الدجال ، وإنما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعض صفات الدجال ، ثم علم صلى الله عليه وسلم بابن صياد فوجد فيه بعض الصفات التي كانت عنده في الدجال ، وحينئذ توقف في أمره ولم يقطع بشيء

ثم لما جاءه تميم بن أوس الداري وقص عليه الحديث المشهور حديث الجساسة ، وذكر فيه الدجال ذكر صلى الله عليه وسلم أن ذلك وافق ما كان حدثهم به عن الدجال ، وأن ابن صياد ليس هو الدجال .

وحديث الجساسة أخرجه مسلم في "صحيحه" (2942)

من حديث فاطمة بنت قيس ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم يحكي عن الدجال أنه قال :( وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً - أَوْ وَاحِدًا - مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا ، يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا

قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ:" هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ " - يَعْنِي الْمَدِينَةَ – " أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟ " فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ ، قال:" فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ ، أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ).

قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (7/385)

:" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى من ابْنِ صَيَّادٍ ما رَأَى من عَيْنِهِ ، وَلَمَّا سمع من هَمْهَمَتِهِ ما سمع ، وَلَمَّا وَقَفَ عليه من شَوَاهِدِهِ الْمَذْكُورَةِ عنه في هذا الحديث ، لم يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ هو الدَّجَّالَ الذي قد أَعْلَمَهُ اللَّهُ عز وجل خُرُوجَهُ في أُمَّتِهِ ، فقال فيه ما قال ، بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ منه أَنَّهُ هو ، إذْ لم يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ، وَلاَ أَنَّهُ ليس هو ، إذْ لم يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ ، وَوَقَفَ عن إطْلاَقِ وَاحِدٍ من ذَيْنِك الأَمْرَيْنِ فيه ...

ثُمَّ وَقَفَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم من بَعْدُ على ما حدثه بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ ..

وكان سُرُورُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا في هذا الحديث ، مِمَّا كان تَمِيمٌ حدثه إيَّاهُ : دَلِيلاً على أَنَّهُ قد تَحَقَّقَ عِنْدَهُ ، بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مِثْلُهُ عِنْدَهُ ، وَلَوْلاَ أَنَّ ذلك كان كَذَلِكَ ، لَمَا قام بِهِ في الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ خَطَبَ بِهِ عليهم ، وابن صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ معه بِالْمَدِينَةِ .

فَفِي ذلك ما قد دَلَّ : أَنَّ الدَّجَّالَ الذي كان منه فيه قبل ذلك ما كان ، وَمَنْ يُحَذِّرُ بِهِ أُمَّتَهُ منه وَمِنْ إخْبَارِهِ الناس أَنَّهُ لم يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ إِلاَّ وقد حَذَّرَ أُمَّتَهُ = خِلاَفُ ابْنِ صَيَّادٍ ". انتهى

وقال النووي في "شرح مسلم" (18/46) :" قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ ، وَأَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ ، فِي أَنَّهُ: هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أم غيره ؟

ولاشك فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ولا غيره ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ ، وَكَانَ فِي ابن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمِلَةٌ ، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ، وَلِهَذَا قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنْ يَكُنْ هُوَ، فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ " انتهى .

وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (11/283)

:" وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ ، مِثْلُ حَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَهَرَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ الدَّجَّالُ ، وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ ، حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ ؛ لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ " انتهى .

وقال ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (1/108)

:" وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ لَيْسَ بِالدَّجَّالِ الَّذِي يخرج في آخر الزمان قطعاً ، وذلك لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةِ فَإِنَّهُ فَيْصَلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ " انتهى .

وقد جمع الحافظ ابن حجر بين الأحاديث الواردة في ابن صياد وحديث الجساسة ، بأن الدجال الحقيقي هو من رآه تميم رضي الله عنه موثقا في قيوده في تلك الجزيرة ، وأما ابن صياد فهو شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة ، ثم توجه إلى أصبهان ليستتر فيها مع قرينه حتى يأذن الله بخروج الدجال .

قال ابن حجر في "فتح الباري" (13/328) :

" وَأَقْرَبُ مَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ مَا تَضَمَنَّهُ حَدِيثُ تَمِيم وَكَون ابن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ ، أَنَّ الدَّجَّالَ بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي شَاهده تَمِيم موثقًا ، وَأَن ابن صَيَّادٍ شَيْطَانٌ تَبَدَّى فِي صُورَةِ الدَّجَّالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، إِلَى أَنْ تَوَجَّهَ إِلَى أَصْبَهَانَ ، فَاسْتَتَرَ مَعَ قَرِينِهِ ، إِلَى أَنْ تَجِيءَ الْمُدَّةُ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى خُرُوجَهُ فِيهَا " انتهى.

وأيّا ما كان الأمر ، فإنه لا تعارض كما قدمنا ، سواء كان ابن صياد دجالا من الدجاجلة ، وليس الدجال الأكبر، أو كان يهوديا ثم أسلم ، أو هو الدجال حقيقة ، أو أنه شيطان تبدى في صورة الدجال .

وذلك لأن العلامات المذكورة في أحاديث الدجال في وصف الدجال : إنما تجتمع كلها عند خروجه وظهور فتنته .

أما قبل ذلك فيجوز وجوده دون استيفاء باقي الصفات ، لكون أن الله لم يأذن بعد بخروجه .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-27, 03:58   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




طلب الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لا يناقض الإيثار المندوب إليه

السؤال

: قال رسول الله : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي ، وسلوا الله لي الوسيلة ، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لرجل واحد ، أرجو أن أكون أنا هو) ، فهل كان رسول الله لا يعلم أنها خاصة به ؟

وإذا كان يعلم فلماذا قال أرجو أن تكون لي ؟

وإذا كان لا يعلم فلماذا تمني الرسول أن تكون له دون باقي الأنبياء أو البشر ، فرسول الله كان يعلمنا دائما إيثار النفس ؟

فعندما قرأت الحديث شعرت أن تمني الدرجة له ليس بها إيثار

مع العلم اني أعلم أنها لا تنبغي إلا له ، ولكن يوسوس لي الشيطان أن رسول الله تمناها لنفسه ، وذلك ليس فيه إيثار كما كان يعلمنا .


الجواب :

الحمد لله


أولًا :

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ) رواه مسلم (384).

فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث معنى "الوسيلة" ، وأنها منزلة خاصة في الجنة، وخصوصيتها واسمها يشيران إلى أن صاحبها أقرب إلى الله تعالى من غيره.

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:

" ( الْوَسِيلَةَ ) هي في الأصل: ما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب به، وجمعها: وسائل. يقال: وسل إليه وسيلة، وتوسل. والمراد به في الحديث القرب من الله تعالى " انتهى، من "النهاية" (5 / 185).

وقال الطيبي رحمه الله تعالى:

" وإنما سميت تلك المنزلة من الجنة بها [= أي : بالوسيلة ] ؛ لأن الواصل إليها يكون قريباً من الله تعالي ، فائزاً بلقائه، مخصوصاً من بين سائر الدرجات بأنواع المكرمات "

انتهى من "شرح المشكاة" (3 / 911).

والسعي إلى القرب من الله تعالى ونيل رضوانه ومكرماته : لا يشرع فيه الإيثار ، بل أمر الله تعالى بالتنافس فيه أشد التنافس، وإنما الإيثار يكون بمتاع الدنيا، وليس بمقامات الجنة ، والقرب من الله تعالى

لأن الإيثار في مثل هذا يشعر أن صاحبه ليس له حرص على القرب من الله تعالى، وهذه منقصة لا تليق بذي همة عالية ؛ فكيف بالرسول صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )المطففين/22 - 26 .

وقال الله تعالى:( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) الحديد/21.

قال الزركشي رحمه الله تعالى:

" الإيثار : أن يؤثر غيره بالشيء ، مع حاجته إليه ...

والإيثار ضربان: ...

(الثاني) : في القربات ، كمن يؤثر بالصف الأول لغيره ، ويتأخر هو، أو يؤثر بقربه من الإمام في الصلاة ونحوه .
وظاهر كلام الشيخ أبي محمد السابق : أنه حرام، وكذا قال الإمام في باب التيمم: لو دخل الوقت، ومعه ما يتوضأ به ، فوهبه لغيره ليتوضأ به : لا يجوز؛ لأن الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس والمُهَج ، لا فيما يتعلق بالقُرَب والعبادات، وقال في باب زكاة الفطر: لا أعرف خلافا في أنه ليس له الإيثار.

وقال الشيخ عز الدين في "القواعد" : "لا إيثار في القربات"؛ فلا إيثار بماء المتيمم، ولا بالصف الأول، ولا بستر العورة في الصلاة؛ لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال، فمن آثر به فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه ، فيصير بمثابة من أمره سيده بأمر ، فتركه ، وقال لغيره : قم به، فإن هذا يستقبح عند الناس بتباعده من إجلال الآمر وقربه ".

انتهى من "المنثور في القواعد" (1/210-212) .

وأما الإيثار بمتاع الدنيا، فإنه يشعر بأن صاحبه معرض عن الدنيا ، غير منافس فيها ، وهذا أمر محمود، لأن التنافس عليها يؤدي إلى الهلاك.

عن عَمْرو بْنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ) رواه البخاري (3158)،ومسلم (2961).

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وقوله : ( رحمة الله علينا وعلى موسى ) ؛ قال الراوي : وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه. هذا إنما كان يفعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأدعية وأشباهها ، مما يعود عليه بالثواب والأجر الأخروي، حرصًا على تحصيل المنازل الرفيعة عند الله تعالى ، كما قال في الوسيلة : ( إنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ).

وحاصله : أن القرب من الله تعالى ، وثوابه : ليس مما يُؤثر الغير به ، بل تنبغي المنافسة فيه، والمسابقة إليه ، بخلاف أمور الدنيا، وحظوظها؛ فإنَّ الفضل في تركها، وإيثار الغير بما يحوز منها "

انتهى من " المفهم " (6/206) .

فالحاصل .. أن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يرجو أن يكون هو أقرب الناس إلى الله تعالى ، شيء محمود بلا شك ، ويدل على شدة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل ، ولا يشرع الإيثار في شيء من ذلك أصلا .

ثانيا :

أما .. هل كان يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه المنزلة العالية له أم لم يكن يعلم ذلك ؟

فلم نقف على شيء من روايات الحديث وألفاظه تبين ذلك .

وقد ذكر العلماء الاحتمالين .

فقد ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم ذلك ، ولهذا أخبر عن رجائه أن يكون هو صاحب تلك المنزلة .
قال القرطبي رحمه الله في "المفهم" (4/100) :

"وقوله : ( وأرجو أن أكون أنا هو ) : قال هذا صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبان قوله له بأنه صاحبها ، إذ قد أخبر أنه يقوم مقامًا لا يقومه أحد غيره ، ويحمد الله بمحامد لم يُلْهمها أحد غيره .

ولكن مع ذلك فلا بد من الدعاء فيها ؛ فإن الله يزيده بكثرة دعاء أمته رفعة ، كما زاده بصلاتهم ، ثم إنه يرجع ذلك عليهم بنيل الأجور ، ووجوب شفاعته صلى الله عليه وسلم" انتهى.

وذكر آخرون أنه كان يعلم ذلك ، ولكنه أخرج الكلام في صورة الرجاء ، تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم .

قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (2/559) :

"(وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) : قَالَهُ تَوَاضُعًا ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَفْضَلَ الْأَنَامِ، فَلِمَنْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَقَامُ غَيْرَ ذَلِكَ الْهُمَامِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ" انتهى .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-27, 04:01   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل من شرب الخمر في الدنيا، حرمها في الجنة على وجه التأبيد؟

السؤال

: نحن نعلم إذا كنت تشرب الخمر في الدنيا، فإنك لن تشربه في الجنّة ، بالتالي سؤالي هو: هل أنت ممنوعٌ من شربه في الجنّة بشكلٍ دائم؟ أم يوماً ما سوف يغفر الله لك ، من ثمّ يمكنك شربه؟


الجواب :


الحمد لله


ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: ( مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ ) رواه البخاري (5575) ، ومسلم (2003) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .

ولفظة (مَنْ) شرطية تفيد العموم، فكل من شرب الخمر ومات غير تائب ، فهو معرض لهذا الوعيد .

وهذا الشارب له حالان:

الحالة الأولى: أن يكون عالما بحرمتها، لكنه مع ذلك يشربها مستحلا لها منكرا لتحريمها، فيكفر بهذا الاستحلال، فإن مات مصرا عليه، مات كافرا فلا يدخل الجنة ، ويلزم من هذا ألا يتنعم بشرابها مطلقا.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وفصّل بعض المتأخرين بين من يشربها مستحلا : فهو الذي لا يشربها أصلا؛ لأنه لا يدخل الجنة أصلا، وعدم الدخول يستلزم حرمانها "

انتهى من "فتح الباري" (10 / 32 - 33).

وهذه الحالة لا إشكال فيها.

الحالة الثانية: أن يشربها المسلم وهو معتقد أنها حرام، فهذا هو محل الإشكال.

فذهب طائفة من أهل العلم، إلى أن هذا فيه وعيد بعدم دخول الجنة.

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( لم يشربها في الآخرة )، معناه لم يدخل الجنة؛ لأن شراب أهل الجنة خمر ؛ إلاّ أنه لا غول فيها ولا نزف" انتهى من "معالم السنن" (4 / 265).

وعمدة هذا القول أمران:

الأمر الأول: أن من دخل الجنة فإن له فيها ما تشتهيه الأنفس من النعيم، ومن ضمن ذلك خمر الجنة.

قال الله تعالى:( الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) الزخرف /69 - 71.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" في هذا الحديث دليل على تحريم الخمر، وعلى أن شربها من الكبائر؛ لأن هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة؛ لأن الله عز وجل أخبر أن الجنة: فيها أنهار من خمر لذة للشاربين، لا يصدعون عنها ولا ينزفون، والظاهر أن من دخل الجنة، لا بد له من شرب خمرها ... "

انتهى من "التمهيد" (15 / 5 - 6).

وقال البغوي رحمه الله تعالى:

" وفي قوله: ( حرمها في الآخرة )، وعيد بأنه لا يدخل الجنة، لأن شراب أهل الجنة خمر، إلا أنهم لا يصدعون عنها، ولا ينزفون، ومن دخل الجنة لا يحرم شرابها "

انتهى من "شرح السنة" (11 / 355).

الأمر الثاني: أن منعه من شربها إذا دخل الجنة فيه نوع عقوبة، ولا عقوبة في الجنة؛ لأن دخولها يستلزم الغفران، ونيل رضوان الرحمن.

قال أبو المطرف القنازعي رحمه الله تعالى:

" وقيل أيضا: إن معنى هذا الحديث معنى الوعيد، وأنه يحرمها في وقت دون وقت، ولو كان يحرمها أبدا في الجنة، لكانت عقوبة شرب الخمر في الدنيا، تتبعه في الجنة، وكل من دخل الجنة فقد غفر الله جل وعز ذنوبه " انتهى من " تفسير الموطأ" (2 / 729).

وعلى القول بأن هذا وعيد بعدم دخول الجنة؛ فإنه محمول على عدم الدخول في وقت محدد، وليس عدم دخول الجنة أبدا ؛ بمعنى : أن دخوله الجنة قد يتأخر عن غيره من المؤمنين ، عقوبة له على هذه المعصية الكبيرة .

قال النووي رحمه الله تعالى:

" واعلم أن مذهب أهل السنة، وما عليه أهل الحق من السلف والخلف؛ أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا، على كل حال:

فإن كان سالما من المعاصي؛ كالصغير، والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبة صحيحة من الشرك ، أو غيره من المعاصي ، إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يُبتل بمعصية أصلا ؛ فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ، ولا يدخلون النار أصلا، لكنهم يردونها ، على الخلاف المعروف في الورود ، والصحيح أن المراد به المرور على الصراط ، وهو منصوب على ظهر جهنم، أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه.

وأما من كانت له معصية كبيرة ، ومات من غير توبة، فهو في مشيئة الله تعالى؛ فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولا ، وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ، ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ، ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ، ولو عمل من أعمال البر ما عمل.

هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي " .

انتهى من "شرح صحيح مسلم" (1 / 217).

وقال ابن العربي رحمه الله تعالى:

" قال علماؤنا، رحمة الله عليهم: قد ثبت بالدلائل القاطعة دخول العصاة الجنة بعد الاقتصاص منهم بالعذاب أو المغفرة، ومن دخل الجنة لم يمتنع عليه منها نعيم؛ فيكون معنى قوله: ( حَرِمَهَا فِي الآخِرَةِ ) : في الوقت الذي يجد فيه الظمأ ، ويطلب الراحة عند العذاب، أو عند انتظار المغفرة " انتهى من "القبس" (2 / 657).

وعلى هذا القول؛ فإن المسلم الذي يموت مدمنا على الخمر: معرَّض لحرمان مؤقت من خمر الجنة ، وليس على وجه التأبيد – والظاهر أن كلام ابن العربي يشير إلى أن ذلك يكون قبل دخوله الجنة .

والقول الثاني: أن الحديث على ظاهره؛ فمن شرب الخمر في الدنيا حرمها في الآخرة إذا دخل الجنة على وجه الدوام.

قال ابن العربي رحمه الله تعالى:

" فظاهر الحديث ، ومذهب نفر من الصحابة ومن أهل السنة : أنه لا يشرب الخمر فى الجنة. وكذلك لو لبس الحرير فى الدنيا ، لم يلبسه فى الجنة؛ وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ، ووعد به : فحرمه عند ميقاته " انتهى من "عارضة الأحوذي" (8 / 51).

ويدل لهذا القول بحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ مَاتَ

مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَتَحَلَّى الذَّهَبَ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (11 / 540)، وحسّن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10 / 32)، والألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2 / 468).

وأجابوا عن الأمور التي تمسك بها أهل القول الأول:

فأما قولهم: بأنّ عدم شربه الخمر في الجنة إذا دخلها معارض لقوله تعالى:

( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) الزخرف /69 - 71.

فيجاب عنه؛ بأن الله يزيل من قلبه اشتهاء خمر الجنة، فلا يرغب فيها، وهذا هو وجه حرمانها.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" ولقائل أن يقول: لا يخلو هذا أن يشتهي الخمر في الجنة أو لا يشتهيها، فإن لم يشتهها لم يؤثر عنده فقدها، وإن اشتهاها ولم يعطها تأسف ، والأسف في الجنة لا يكون ؟

فالجواب: أنه لا يشتهيها ويصرف عن قلبه حبها وذكرها، لكنه قد فاتته لذة عظيمة ، كما تفوته منزلة الشهداء ومنازل الأنبياء، وكل ناقص ، بالإضافة إلى الكاملين ، قد رضي بحاله. وإنما نذكر هذا لننبه اليوم للاستدراك " انتهى من "كشف المشكل" (2 / 551 - 552).

وأما قولهم: بأن الحرمان نوع من العذاب والألم، والجنة دار السلام لا عذاب فيها ولا هم ولاحزن.

فأجابوا عنه : أن هذا الحرمان ليس من باب العذاب ، وإنما هو من باب نقص النعيم، ومن المعلوم أن أهل الجنة درجات ، ومن حرم المراتب العالية ، لا يحزنه ذلك في الجنة، بل يكون راضيا بما أكرمه الله تعالى، فمن هذا الباب يكون حرمان خمر الجنة.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:

" وقوله (حرمها في الآخرة )؛ ظاهره تأبيد التحريم ، وإن دخل الجنة فيشرب جميع أشربة الجنة من ماء وعسل ولبن، ولا يشرب الخمر .

ومع ذلك : فلا يتألم لعدم شُرْبها، ولا يتنغص من فقدها، ولا يحسد من يشربها، فإنَّ الجنة محل مطهَّر منزه عن ذلك كلّه.

وإنَّما يكون حال هذا ، مع فقد شُرب الخمر ، كحاله مع المنازل التي رفع بها غيره عليه ، مع علمه برفعتها، وبأن صاحبها أعلى منه درجة، وأفضل منه عند الله تعالى ؛ ومع ذلك فلا يحسده، ولا يتألم بفقد شيء من ذلك ، استغناء بالذي أُعطي، وغبطة به، ولأن الله تعالى قد طهرهم من كل نقص وصفة مذمومة. ألا ترى قوله تعالى : { ونزعنا ما فى صدورهم من غلٍّ إخواننًا على سرر متقابلين } ؟ وقال بهذا المعنى جماعة من العلماء " .

انتهى من "المفهم" (5 / 270).

وعلى هذا القول فإنه يحرم من الخمر على وجه التأبيد، وهذا أقرب إلى ظاهر الحديث ، وأجرى للوعيد الوارد فيه .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-27, 04:05   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لو كان ابن صياد هو الدجال، كيف لم يقرأ النبي عليه الصلاة والسلام كلمة " كافر " بين عينيه ؟

السؤال :

أريد أن أعرف كيف شك الرسول عليه الصلاة والسلام في ابن الصياد على أنه المسيح الدجال ، علما بأن هذا الأخير سيكون مكتوب على جبينه كافرا ؟ وهل هذا دليل على أن كلمة كافر ستكتب عند خروج المسيح ، أم هي مكتوبة منذ خلقه ؟


الجواب :

الحمد لله

فإن فتنة المسيح الدجال من أعظم الفتن ، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله في صلاته من شر فتنته .

فروى البخاري في "صحيحه" (7129) ، ومسلم في "صحيحه" (587) ، من حديث عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ".

إلا أن الله تعالى برحمته وفضله سيجعل أمر الدجال واضحا جليا ظاهرا ، ومن ذلك أن الله تعالى سيجعل بين عينيه كلمة " كافر " ، يقرؤها كل مؤمن ، كاتب أو غير كاتب .

فقد روى البخاري في "صحيحه" (7131) ، ومسلم في "صحيحه" (2933) ، من حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ ).

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه ، الذي أخرجه مسلم في "صحيحه" (2934) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ ، أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ ، مَاءٌ أَبْيَضُ ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ ، نَارٌ تَأَجَّجُ ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ ، فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ) .

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (18/60) :" الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَأَنَّهَا كِتَابَةٌ حَقِيقَةٌ ، جَعَلَهَا اللَّهُ آيَةً وَعَلَامَةً مِنْ جُمْلَةِ الْعَلَامَاتِ الْقَاطِعَةِ بِكُفْرِهِ وَكَذِبِهِ وَإِبْطَالِهِ ، وَيُظْهِرُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ مُسْلِمٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ وَيُخْفِيهَا عَمَّنْ أَرَادَ شقاوته وفتنته " انتهى .

أما بخصوص ما ورد في ابن صياد ، وكيف أنه لو كان هو الدجال كيف لم يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب بين عينيه ؟

فجواب ذلك ، من وجهين :

الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم قط في حديث أن ابن صياد هو الدجال ، وإنما أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعض صفات الدجال ، ثم علم بابن صياد ، فوجد فيه بعض الصفات التي كانت عنده في الدجال ، ولما لم يكن قد أتاه وحي في كون ابن صياد هو الدجال ، أو لا ؛ توقف في أمره ، ولم يقطع فيه بشيء .

والذي يظهر أنه لم يكن قد أتاه صلى الله عليه وسلم وحي بشأن هذه العلامة، حينما كان يشك في أمر ابن صياد.

قال النووي في "شرح مسلم" (18/46) :" قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ وَأَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أم غيره ؟

ولاشك فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ . قَالَ الْعُلَمَاءُ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ولا غيره ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ بِصِفَاتِ الدَّجَّالِ ، وَكَانَ فِي بن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمِلَةٌ ، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لايقطع بأنه الدجال ولا غيره ". انتهى

الوجه الثاني : أن هذه العلامة وغيرها من العلامات التي جاءت في الدجال : إنما تظهر وقت فتنته ، عندما يخرج على الناس آخر الزمان ، فيدعي الألوهية .

فإذا افترضنا أن ابن صياد هو الدجال فعلا ، وهذا على خلاف القول الراجح ؛ فيقال فيه :

إن هذه العلامة لم تكن قد ظهرت وقت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ، وإنما تظهر عند خروجه ، وظهور فتنته في الناس ، آخر الزمان.

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (8/465) :" وأما احتجاجه هو ( أي ابن صياد ) بحجه البيت ودخوله المدينة ، فليس له فيه دليل ، إنما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه لا يدخل مكة ولا المدينة وقت فتنته " انتهى .

وقال القرطبي في "التذكرة" (784) :" واحتجاجه بأنه مسلم ، وولد له ، ودخل المدينة ، وهو يريد مكة تلبس منه ، وأنه سيكفر إذا خرج ، و حينئذ لا يولد له ، ولا يدخل مكة ولمدينة " انتهى .

وعلى ذلك نقول :

إنه لو صح أن ابن صياد هو الدجال : فلا يلزم كتابة كلمة " كافر " بين عينيه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن وقت خروجه لم يكن قد حان بعد .

وإنما تظهر هذه العلامات ، وغيرها مما جاءت به الأحاديث الصحيحة ، وقت فتنته وعند خروجه على الناس ، وادعائه الألوهية .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-27, 04:14   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول المراد بالشؤم في حديث " الشؤم في ثلاثة : الدار والمرأة والفرس "

السؤال

: أريد أن أستفسر عن حديث : (إن كان الشؤم في شئ ففي المرأه والسكن والدابة) ، أولا أنا دخلت في كثير من المواقع الدينية ، ومنها موقعكم ، واطلعت على كل ما يتعلق بهذا الحديث ، ومن هذا الفتوى (27192 )

لشرح هذا الحديث ، ولكن لم أجد جوابا للسؤال الذي يدور في ذهني ، وهو : هل يقصد الرسول في الحديث الشؤم يعني الشر أي المصائب ، أي هل كلمة الشؤم في الحديث تعني الشر أي المصيبة ؟

فإن كان الجواب نعم ، فلماذا يوجد الشر أو المصائب في الزوجة ولا يوجد في الرجل ؟ فإننا نعرف كثيرا من الرجال السيئين ، ولمذا لم يذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما ذكر النساء فقط ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

الحديث الذي ذكره السائل الكريم حديث صحيح ، متفق عليه .

وقد جاء بعدة ألفاظ ، أشهرها ما يلي :

اللفظ الأول :( إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الفَرَسِ ، وَالمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ ).

وهذا اللفظ أخرجه البخاري في "صحيحه" (2858) ، ومسلم في "صحيحه" (2225) ، من حديث ابن عمر رضي الله عنه ، به .

اللفظ الثاني :( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ ، فَفِي المَرْأَةِ ، وَالفَرَسِ ، وَالمَسْكَنِ ).

وهذا اللفظ أخرجه البخاري في "صحيحه" (2859) ، ومسلم في "صحيحه" (2226) ، من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، به .

ثانيا :

أما معنى الشؤم :

فالشؤم ضد اليمن ، وهما علامتان لما يصيب الإنسان من خير فيسميه " يمن " ، وما يصيبه من شر ومكروه ، فيسميه " شؤم " . وكل هذا بقدر الله ومشيئته على الحقيقة .

قال الخطابي في "أعلام الحديث" (2/1379) :

" اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر، والنفع والضر، ولا يكون شيء من ذلك إلا بمشيئة الله وقضائه " انتهى .

وكان أهل الجاهلية يتشاءمون بأشياء أبطلها الإسلام ، ومعنى تشاؤمهم أنهم كانوا يعتقدون وصول المكروه من أشياء ، لا تعد سببا شرعيا ولا حسيا لوقوع المكروه .

قال ابن العربي المالكي في "المسالك" (7/545) :

" قال علماؤنا : الشؤم هو اعتقاد وصول المكروه إليك ، بسبب يتصل بك ، من ملك أو خلطة ، وتتشاءم به "انتهى .

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (1/136) :" الشؤم ، بِالْهَمْز : هُوَ مَا كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِهِ .

وَيُقَال لكل مَحْذُور : مشئوم ، ومشأمة " انتهى .

ثالثا :

وأما ما ورد في السؤال عن معنى الشؤم في الحديث ، ولماذا خص المرأة دون الرجل ، فبيان ذلك كما يلي :

أولا:

لم يقل عالم قط بأن شيئا ما امرأة أو غيرها له دخل بما يحدث من مصائب لأحد ، فإن الله تعالى هو من يقدر الأمور ، ولا دخل لأحد في أقداره ، ولذا فالتشاؤم والتطير بامرأة أو غيرها مما حرمه الإسلام قولا واحدا .

قال الزرقاني في "شرحه على الموطأ" (4/604) :

" قَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَسَابِقِهِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ } التغابن/14 ، إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ الشُّؤْمِ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهَا الْعَدَاوَةُ وَالْفِتْنَةُ ، لَا كَمَا يَفْهَمُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ التَّشَاؤُمِ بِكَعْبِهَا ، وَإِنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ شَيْءٌ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ جَاهِلٌ

وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَى مَنْ نَسَبَ الْمَطَرَ إِلَى النَّوْءِ الْكُفْرَ ، فَكَيْفَ مَنْ نَسَبَ مَا يَقَعُ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْمَرْأَةِ مِمَّا لَيْسَ لَهَا فِيهِ مَدْخَلٌ؟ وَإِنَّمَا يَتَّفِقُ مُوَافِقُ قَضَاءٍ وَقَدَرٍ ، فَتَنْفِرُ النَّفْسُ مِنْ ذَلِكَ ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَتْرُكَهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَيْهَا " انْتَهَى.

ثانيا : جواب الشق الأول من السؤال ، وهو حول معنى الشؤم الوارد في الحديث.

فنقول :

لما جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة بنفي الطيرة وتحريمها ، ثم جاء هذا الحديث ، اختلف أهل العلم في المراد به ، مع اتفاقهم كما بينا أنه لا يجوز التشاؤم والتطير بشيء ألبتة . وجاءت أقوالهم على النحو التالي :

القول الأول :

أن النبي صلى الله عليه وسلم ينفي الشؤم والطيرة في كل شيء ، وأنه لو كان الشؤم حقا وواقعا لكان في هذه الثلاث ، وهو غير واقع ، لا فيها ولا في غيرها .

وقال بهذا الإمام الطبري ، والطحاوي ، وغيرهما .

واستدلوا على ذلك بأن أكثر الروايات الواردة في هذا الحديث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاءت بلفظ:

( إنْ كان الشُّؤْمُ في شَيْءٍ فَفِي ثَلاَثَةٍ : في الْفَرَسِ ، وَالْمَسْكَنِ ، وَالْمَرْأَةِ ).

ومن هؤلاء:

سهل بن سعد رضي الله عنه .

أخرجه البخاري في "صحيحه" (2859) ، ومسلم في "صحيحه" (2226) ، من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ ، فَفِي المَرْأَةِ ، وَالفَرَسِ ، وَالمَسْكَنِ ).

جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .

أخرجه مسلم في "صحيحه" (2226) من حديث جابر ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الرَّبْعِ ، وَالْخَادِمِ، وَالْفَرَسِ ).

سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .

أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (1554) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (6586) ، من طريق يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنِ الحَضْرَمِيِّ بْنِ لاحِقٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الطِّيَرَةِ ، فَانْتَهَرَنِي ، وَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَكَرِهْتُ أَنْ أُحَدِّثَهُ مَنْ حَدَّثَنِي ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لَا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَ ، إِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ فَفِي الْفَرَسِ ، وَالْمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ ).

وإسناده صحيح ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (789) .

أنس بن مالك رضي الله عنه .

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (6123) ، عن أَنَس بْن مَالِكٍ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( لَا طِيَرَةَ ، وَالطِّيَرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ، وَإِنْ تَكُ فِي شَيْءٍ ، فَفِي الدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ ) .

وإسناده حسن ، وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2/417) .

وأما رواية ابن عمر رضي الله عنه ، والتي جاءت بالجزم بلفظ :( إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الفَرَسِ ، وَالمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ) ، فقد جاء عنه أيضا في "صحيح مسلم" (2225) ، بلفظ :( إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ ، فَفِي الْفَرَسِ ، وَالْمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ) .

قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2/249) :

" بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ ما رُوِيَ عن رسول اللهِ عليه السلام في إثْبَاتِ الشُّؤْمِ وما رُوِيَ عنه في نَفْيِهِ ..

ثم روى بسنده عَنِ ابْنِ عُمَرَ عن رسول اللهِ عليه السلام قال:( إنَّمَا الشُّؤْمُ في ثَلاَثَةٍ : في الْمَرْأَةِ ، وَالْفَرَسِ ، وَالدَّارِ) .

ثم قال : وقد رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عن النبي عليه السلام في ذلك، ما مَعْنَاهُ خِلاَفُ هذا الْمَعْنَى ، كما حدثنا يَزِيدُ بن سِنَانٍ ، حدثنا سَعِيدُ بن أبي مَرْيَمَ ، أَنْبَأَ سُلَيْمَانُ بن بِلاَلٍ ، حدثني عُتْبَةُ بن مُسْلِمٍ ، عن حَمْزَةَ بن عبد اللهِ ، عن أبيه ، عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:( إنْ كان الشُّؤْمُ في شَيْءٍ فَفِي ثَلاَثَةٍ : في الْفَرَسِ ، وَالْمَسْكَنِ ، وَالْمَرْأَةِ ) .

فَكَانَ ما في هذا ، على أَنَّ الشُّؤْمَ : إنْ كان ، كان في هذه الثَّلاَثَةِ الأَشْيَاءِ ؛ لاَ يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ فيها .

وقد وَافَقَ ما في هذا الحديث ما قد رُوِيَ عن جَابِرٍ وَسَهْلِ بن سَعْدٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الْمَعْنَى ". انتهى

وقال الطبري في "تهذيب الآثار" (3/34) :" وأما قوله صلى الله عليه وسلم:( إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس ) : فإنه لم يثبت بذلك صحة الطيرة ، بل إنما أخبر صلى الله عليه وسلم : أن ذلك ، إن كان في شيء ؛ ففي هذه الثلاث .

وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب ، لأن قول القائل إن كان في هذه الدار أحد فزيد ، غير إثبات منه أن فيها زيدا ، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد ، أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدا " انتهى .

وأجابوا عن رواية عبد الله بن عمر ، والتي جاءت بلفظ :" الشؤم في ثلاثة " ، بأنه من اختصار وتصرف بعض الرواة ، جمعا بين الروايات .

قال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/408)

:" والحديث يعطي بمفهومه أن لا شؤم في شيء ، لأن معناه: لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما ، لكان في هذه الثلاثة ، لكنه ليس ثابتا في شيء أصلا.

وعليه : فما في بعض الروايات بلفظ " الشؤم في ثلاثة ". أو " إنما الشؤم في ثلاثة " فهو اختصار ، وتصرف من بعض الرواة "انتهى .

ومما يؤكد هذا القول ما رواه ابن ماجه في "سننه" (1993) من حديث مِخْمَرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:( لَا شُؤْمَ ، وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْمَرْأَةِ ، وَالْفَرَسِ ، وَالدَّارِ ).

والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1930) .

قال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2/253)

:" وقد رُوِيَ عنه عليه السلام في نَفْيِ الشُّؤْمِ أَيْضًا ، وَأَنَّ ضِدَّهُ من الْيُمْنِ قد يَكُونُ في هذه الثَّلاَثَةِ الأَشْيَاءِ .. ثم ساق الحديث بسنده "انتهى .

القول الثاني :

أن المقصود بالحديث هو حكاية ما كان عليه أهل الجاهلية ، وليس إثبات الشؤم في هذه الأشياء الثلاث ، أو غيرها .

وممن قال بهذا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ورجحه ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" (ص170) .

فقد روى أحمد في "مسنده" (26034) من طريق أَبِي حَسَّانَ ، قَالَ : " دَخَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ عَلَى عَائِشَةَ ، فَأَخْبَرَاهَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ

قَالَ:( الطِّيَرَةُ فِي الدَّارِ ، وَالْمَرْأَةِ ، وَالْفَرَسِ ) ، فَغَضِبَتْ فَطَارَتْ شِقَّةٌ مِنْهَا فِي السَّمَاءِ ، وَشِقَّةٌ فِي الْأَرْضِ ، وَقَالَتْ: وَالَّذِي أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ مَا قَالَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ ، إِنَّمَا قَالَ:( كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَطَيَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ).

والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (993) .

قال ابن قتيبة قي "تأويل مختلف الحديث" (ص170)

:" وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:( الشُّؤْمُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ ) ، فَإِنَّ هَذَا حَدِيثٌ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الْغَلَطُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَنَّهُ سَمِعَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِهِ " انتهى
.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-27, 04:15   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



القول الثالث :

أن المقصود بالحديث أنه لا شؤم في أي شيء ، وأن من تشاءم بالمرأة أو بالدار أو بالفرس فشؤمه عليه ، عقوبة له على فعله .

قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/436)

:" ووجه ذلك أن يكون قوله عليه السلام: (لا طيرة) مخصوصًا بحديث الشؤم ، فكأنه قال: لا طيرة إلا في المرأة والدار والفرس ، لمن التزم الطيرة .

يدل على صحة هذا ما رواه زهير بن معاوية ، عن عتبة بن حميد ، عن عبيد الله بن أبى بكر أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"( لا طيرة ، والطيرة على من تطير ، وإن يكن في شيء ففي الدار والمرأة والفرس ) .

فبان بهذا الحديث أن الطيرة إنما تلزم من تطير بها ، وأنها في بعض الأشياء دون بعض ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يقولون: الطيرة في الدار والفرس والمرأة ، فنهاهم النبي عليه السلام عن الطيرة ، فلم ينتهوا ، فبقيت في هذه الثلاثة الأشياء التي كانوا يلزمون التطير فيها ". انتهى

القول الرابع :

أن هذا إخبار عما كان عليه الناس يومئذ ، وهو أن هذه الثلاث هي أكثر ما كان يتشاءم به الناس ، فإذا حدث أن تكررت المصائب لإنسان ، لطول ملازمته لشيء من هذه الثلاث أبيح له مفارقته؛ لا إثباتا للطيرة والشؤم، وإنما يفارقه حفاظا على قلبه من الاعتقاد الباطل والظن الفاسد .

قال القرطبي في "المفهم" (18/104) :

" هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها ، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك، فقد أباح الشرع له أن يتركه ، ويستبدل به غيره، مما تطيب به نفسه ، ويسكن له خاطره .

ولم يُلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه ، أو مع امرأة يكرهها ؛ بل قد فسح له في ترك ذلك كله ، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعَّال لما يريد ، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود ". انتهى

وقال الخطابي في "معالم السنن" (4/236)

:" وأما قوله :" إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار " : فإن معناه إبطال مذهبهم في التطير بالسوانح والبوارح ، من الطير والظباء ونحوها ، إلاّ أنه يقول : إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها ، أو امرأة يكره صحبتها ، أو فرس لا يعجبه ارتباطه ، فليفارقها ؛ بأن يتنقل عن الدار ، ويبيع الفرس .

وكان محل هذا الكلام محل استثناء الشيء من غير جنسه . وسبيله سبيل الخروج من كلام إلى غيره ". انتهى

القول الخامس

أن يكون معنى الشؤم هنا : الشقاء والتعاسة الحاصلة للمسلم من مسكن لضيقه ، أو لأذى جيرانه ، ومن امرأة لسوء خلقها ، وسلاطة لسانها ، أو سوء طباعها ، أو إسرافها ، ومن مركب لا يغزى عليه في سبيل الله ، أو غير ذلول لا يستعمل إلا بصعوبة ، ونحو ذلك .

وقد جاء في الحديث الذي رواه ابن حبان في "صحيحه" (4032) ، من حديث سعد بن أبي وقاص ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ ، وَالْمَسْكَنُ الضِّيقُ ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ) .

والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (282)

وكذلك الحديث الذي أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2684) ، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( ثَلَاثٌ مِنَ السَّعَادَةِ ، وَثَلَاثٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ ، فَمِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ تَرَاهَا تُعْجِبُكَ ، وَتَغِيبُ فَتَأْمَنُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِكَ ، وَالدَّابَّةُ تَكُونُ وَطِيَّةً فَتُلْحِقُكَ بِأَصْحَابِكَ

وَالدَّارُ تَكُونُ وَاسِعَةً كَثِيرَةَ الْمَرَافِقِ ، وَمِنَ الشَّقَاوَةِ: الْمَرْأَةُ تَرَاهَا فَتَسُوءُكَ ، وَتَحْمِلُ لِسَانَهَا عَلَيْكَ ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا لَمْ تَأْمَنْهَا عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِكَ ، وَالدَّابَّةُ تَكُونُ قَطُوفًا ، فَإِنْ ضَرَبْتَهَا أَتْعَبَتْكَ ، وَإِنْ تَرْكَبْهَا لَمْ تُلْحِقْكَ بِأَصْحَابِكَ ، وَالدَّارُ تَكُونُ ضَيِّقَةً قَلِيلَةَ الْمَرَافِقِ ).

والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1047) .

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/151)

:" وقد يكون الشؤم هنا على غير المفهوم منه من معنى التطير ، لكن بمعنى قلة الموافقة وسوء الطباع ، كما جاء فى الحديث الآخر:( سعادة ابن آدم فى ثلاثة ، وشقوة ابن آدم فى ثلاثة: فمن سعادته: المرأة الصالحة ، والمسكن الواسع ، والمركب الصالح . ومن شقاوته: المسكن السوء ، والمرأة السوء ، والمركب السوء ) . انتهى

وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (7/2899)

:" الشُّؤْمُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ الَّتِي سَبَبُهَا مَا فِي الْأَشْيَاءِ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ أَوِ الطَّبْعِ ، كَمَا قِيلَ: شُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا ، وَكَذَا شُبْهَةٌ فِي سُكْنَاهَا وَبُعْدِهَا عَنِ الْجَمَاعَةِ بِحَيْثُ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ ، وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ عَدَمُ وِلَادَتِهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا وَغَلَاءُ مَهْرِهَا ، وَنَحْوُهَا مَنْ حَمَلَهَا الزَّوْجُ عَلَى مَا لَا يَلِيقُ بِأَرْبَابِ التَّقْوَى ، وَشُؤْمُ الْفُرْسِ أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهَا أَوْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا افْتِخَارًا وَخُيَلَاءَ

وَقِيلَ: حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ كَانَ لِأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا ، أَوِ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا ، أَوْ فَرَسٌ لَا تُعْجِبُهُ ، فَلْيُفَارِقْهَا بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنِ الدَّارِ ، وَيُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ ، وَيَبِيعَ الْفَرَسَ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ مَا عَدَّهُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكَرَاهَةِ ... وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَغْيِيرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الطِّيَرَةِ الْمَنْهِيَّةِ ، بَلْ جَائِزَةٌ ، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ تَشَبُّهٌ بِالتَّطَيُّرِ ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ". انتهى

القول السادس :

أن الخير والشر بيد الله وحده ، إلا أن الله تعالى قد يجعل بفضله بعض الأعيان مباركة ، فيسعد من قاربها ، ويجعل بحكمته بعض الأعيان مشئومة فيشقى من جاورها ، فأرشده حينئذ بالمفارقة حتى لا يفسد اعتقاده فيظن أن لشيء ما دخل في أقدار الله تعالى .

قال النووي في "شرح مسلم" (14/220)

:" وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَإِنَّ الدَّارَ قَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوِ الْهَلَاكِ ، وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ ، أَوِ الْفَرَسِ ، أَوِ الْخَادِمِ ، قَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ". انتهى

وقال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (2/257)

:" فإخباره بالشؤم أَنه يكون فِي هَذِه الثَّلَاثَة لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات الطَّيرَة الَّتِي نفاها ، وَإِنَّمَا غَايَته إِن الله سُبْحَانَهُ قد يخلق مِنْهَا أعيانا مشئومة على من قاربها وسكنها ، وأعيانا مباركة لَا يلْحق من قاربها مِنْهَا شُؤْم وَلَا شَرّ ، وَهَذَا كَمَا يعْطى سُبْحَانَهُ الْوَالِدين ولدا مُبَارَكًا يريان الْخَيْر على وَجهه

وَيُعْطى غَيرهمَا ولدا مشئوما نذلا يريان الشَّرّ على وَجهه ، وَكَذَلِكَ مَا يعطاه العَبْد ولَايَة أَو غَيرهَا ، فَكَذَلِك الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس ، وَالله سُبْحَانَهُ خَالق الْخَيْر وَالشَّر والسعود والنحوس ، فيخلق بعض هَذِه الْأَعْيَان سعودا مباركة ، وَيقْضى سَعَادَة من قارنها ، وَحُصُول الْيمن لَهُ وَالْبركَة ، ويخلق بعض ذَلِك نحوسا يتنحس بهَا من قارنها ، وكل ذَلِك بِقَضَائِهِ وَقدره ، كَمَا خلق سَائِر الْأَسْبَاب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة

فَكَمَا خلق الْمسك وَغَيره من حَامِل الْأَرْوَاح الطّيبَة ولذذ بهَا من قارنها من النَّاس ، وَخلق ضدها وَجعلهَا سَببا لإيذاء من قارنها من النَّاس ، وَالْفرق بَين هذَيْن النَّوْعَيْنِ يدْرك بالحس ، فَكَذَلِك فِي الديار وَالنِّسَاء وَالْخَيْل ، فَهَذَا لون ، والطيرة الشركية لون آخر ". انتهى

وأما الجواب عن الشق الثاني ، وهو عن العلة في تخصيص المرأة دون الرجل بالذكر في الحديث ؟

فجواب ذلك : أن التخصيص هنا ليس المراد به حصر الوجود في هذه الثلاث ، وإنما هذا حصر عادة ، أي عادة ما يكون الضرر الذي ينغص حياة العبد من هذه الثلاث ، وذلك لطول الملازمة .

قال الخطابي في "أعلام الحديث" (2/1379) :

" وإنما هذه الأشياء محال وظروف جعلت مواقع لأقضيته ، ليس لها بأنفسها وطباعها فعل ولا تأثير في شيء ، إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الناس ، وكان الإنسان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها

وزوجة يعاشرها ، وفرس يرتبطه ، وكان لا يخلو من عارض مكروه في زمانه ودهره ، أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان ومحل ، وهما صادران عن مشيئة الله سبحانه " انتهى .

وقال ابن العربي في "المسالك" (7/539)

:" حصر الشؤم في الدار والمرأة والفرس وذلك حصر عادة لا خلقه ، فإن الشؤم قد يكون بين اثنين في الصحبة ، وقد يكون في السفر ، وقد يكون في الثوب يتخذه العبد ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:( إذا لبس أحدكم ثوبا جديدا فليقل اللهم إنا نسألك من خير ما صنع له ) " انتهى .

وقال القرطبي في "المفهم" (18/104) :

" فإنَّ قيل : فهذا يجري في كل متطير به ، فما وجه خصوصية هذه الثلاثة بالذكر ؟ فالجواب : ما نبَّهنا عليه من أن هذه ضروريَّة في الوجود ، ولا بدَّ للإنسان منها ، ومن ملازمتها غالبًا . فأكثر ما يقع التشاؤم بها ؛ فخصَّها بالذكر لذلك " انتهى .

وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (6/561) :

" وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-:( إن كان الشؤم في شيء فهو في ثلاثة ) ، تحقيق لحصول الشؤم فيها ، وليس نفيًا لحصوله من غيرها كقوله صلى اللَّه عليه وسلم:( إن كان في شيء تتداوون به شفاء ففي شرطة مِحْجم ، أو شربة عسل أو لذعة بنار ، ولا أُحبُّ الكيّ )، ذكره البخاري " انتهى .

وقال الشيخ زكريا الأنصاري في "منحة الباري بشرح صحيح البخاري" (9/7)

:" الحصر في الثلاثة نسبي بالنظر إلى الأعم الأغلب فيما يحتاج إليه لا حقيقي ، وإلا فالشؤم لا يختص بها " انتهى .

وقال الكوراني الشافعي في "الكوثر الجاري" (5/440) :

" فإن قلت: قد تكون هذه الأشياء في غير هذه المذكورات فما وجه الحصر؟ قلت: هذه الأشياء ألزم للإنسان من غيرها ، وضررها أكثر من ضرر غيرها فالحصر إضافي "انتهى.

وختاما : فإن الإجماع منعقد على حرمة التطير بأي شيء ، سواء كان امرأة أو غير ذلك ، ثم كما رأيت فالعلماء مختلفون في توجيه الحديث ، وغاية ما هنالك أنه قد يوافق قدر الله بوقوع المصائب بعض الأعيان ، فحينئذ يشرع للمسلم أن يفارقها ليسلم قلبه من الاعتقاد الفاسد ، ثم ذكر هذه الثلاثة ليس المراد به حصر الوقوع

وإنما هذا ذكر ما جرت به العادة الغالبة ، وعلى هذا فيدخل فيه كل شيء حصل من جراءه مكروه متكرر إما طبعا أو شرعا ، سواء كان رجلا أو امرأة أو بيتا أو صاحبا أو غير ذلك .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-27, 04:20   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

توبة السر، وتوبة العلانية.

السؤال :

ما صحة هذا الحديث وشرحه : عن معاذ قال : " قلت : يا رسول الله ، أوصني ، فقال : (عليك بتقوى الله ما استطعت ، واذكر الله عند كل حجر وشجر ، وما عملت من سوء فأحدث لله فيه توبة السر بالسر ، والعلانية بالعلانية ) رواه الطبراني ؟

وهل معناه أن من يعمل ذنب في السر يجب أن يتوب في السر؟ وهل تجزىء التوبة في المسجد لمن عمل ذنبا في السر ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى الطبراني في "المعجم الكبير" (331)، وأحمد في "الزهد" (141) عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي، فَقَالَ: ( عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ مَا اسْتَطَعْتَ، وَاذْكُرِ اللهَ عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ وشَجَرٍ، وَمَا عَمِلْتَ مِنْ سُوءٍ فَأَحْدَثْ لِلَّهِ فِيهِ تَوْبَةً: السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ ).

قال الهيثمي في "المجمع" (10/ 74):

" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ " انتهى .

لكن الصواب فيه : أنه مرسل ، عطاء لم يسمع من معاذ .

ورواه ابن أبي شيبة (35466) ، وهناد في "الزهد" (1072) ، وغيرهما ، من طريق محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن معاذ ، به .

وإسناده حسن ، إلا أن فيه انقطاعا . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَأَبُو سَلَمَةَ لَمْ يدْرك معَاذًا أَيْضا . لَكِن لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " انتهى، من "الأمالي المطلقة" (132) .

وحسنه الألباني في "الصحيحة" (3320) ، بمجموع طرقه .

وينظر : "الزهد" لهناد بن السري ، حاشية المحقق (520) .

ثانيا :

قوله : (واذكر الله عند كل حجر وشجر) قيل: المراد بالشجر: الحضر، وبالحجر: السفر، أي حاضر أو مسافر.

وقيل: الخصب والجدب.

والأظهر أن المراد به أعم من ذلك وأن المراد جميع الأماكن والأحوال .

(وإذا عملت سيئة فأحدث عندها توبة): تكفرها.

(السر بالسر) قيل: السر فعل القلب، (والعلانيةُ بالعلانية) فعل الجوارح .

ويحتمل أن السر أن يأتي بسيئة لا يطلع عليها أحد ، فتكون توبته منها سرًا، والعلانية ما اطلع عليه الناس ، فيعلن بتوبته ليحمل على السلامة، ويزول ما اعتقده فيه المطلع على قبيح فعله.

ينظر: "التنوير شرح الجامع الصغير" (7/ 277)، "فيض القدير" (4/ 332).

قَالَ الكلاباذي رحمه الله :

" قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ» : قَوْلُ أَدِيبٍ مُتَأَدِّبٍ بِأَدَبِ اللَّهِ تَعَالَى، مُوَافِقٍ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلًا وَفِعْلًا وَخُلُقًا ، لَا يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَتَأَلَّى عَلَيْهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

سَمِعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ، مُنْزِلًا عَلَيْهِ ، مُوحِيًا إِلَيْهِ : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «مَا اسْتَطَعْتَ» : أَيْ عَلَى مِقْدَارِ طَاقَتِكَ، وَمَبْلَغِ قُدْرَتِكَ، فَإِنَّكَ لَنْ تُطِيقَ قَدْرَهُ، وَلَا تَتَّقِيهِ حَقَّ تُقَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِهِ، وَلَا يُطَاقُ إِقَامَةُ حَقِّهِ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ، لَكِنْ عَلَى قَدْرِ الْقُوَّةِ، وَمَبْلَغِ الطَّاقَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ «مَا اسْتَطَعْتَ» : أَيْ بِجَمِيعِ اسْتِطَاعَتِكَ، وَاسْتِفْرَاغِ طَاقَتِكَ ، وَبَذْلِ جُهُودِكَ حَتَّى لَا تُبْقِيَ مِمَّا تَسْتَطِيعُ، وَلَا تَسْتَبْقِيَ مِمَّا تُطِيقُ شَيْئًا إِلَّا بَذَلْتَهُ فِي تَقْوَاهُ ، طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، وَوَفَاءً بِعَهْدِهِ، مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ ، مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ كَمَا قَالَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] .

وَقَوْلُهُ: «وَاذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ» : أَيْ حَيْثُمَا كُنْتَ مِنْ سَفَرٍ وَحَضَرٍ ؛ فَيَكُونُ الشَّجَرُ إِشَارَةً إِلَى الْحَضَرِ، وَالْحَجَرُ عِبَارَةً عَنِ السَّفَرِ .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَالْخَصْبِ وَالْجَدْبِ، وَالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ؛ فَيَكُونُ الشَّجَرُ عِبَارَةً عَنِ الْخَصْبِ ، وَهُوَ حَالُ الرَّخَاءِ وَالسَّرَّاءِ، وَالْحَجَرُ عِبَارَةً عَنِ الْجَدْبِ، وَهُوَ حَالُ الشِّدَّةِ وَالضَّرَّاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا عَمِلْتَ شَرًّا فَأَحْدِثْ لِلَّهِ تَوْبَةً» : أَشَارَ إِلَى ضَعْفِ الْبَشَرِيَّةِ ، وَعَجْزِ الْإِنْسَانِيَّةِ ؛ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّكَ إِنْ تَوَقَّيْتَ بِجَمِيعِ اسْتِطَاعَتِكَ ، فَغَيْرُ سَلِيمٍ مِنْ شَرٍّ تَعْمَلُهُ، وَسُوءٍ تَأْتِيهِ، فَعَلَيْكَ بِالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ، وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ .

وَلَمْ يَقُلْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاكَ : أَنْ تَعْمَلَ سُوءً، أَوِ احْذَرْ أَنْ تَأْتِيَ شَرًّا ، عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَجْرَى قَدَرِ اللَّهِ ، فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزَ عَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ ...

أَخْبَرَ أَنَّ الشَّرَّ الَّذِي يَعْمَلُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، وَفِي حَالَيْنِ : سِرًّا وَجَهْرًا ؛ فَالسِّرُّ : أَفْعَالُ الْقُلُوبِ ، وَالْعَلَانِيَةُ : أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ .

كَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا عَمِلْتَ شَرًّا بِسِرِّكَ ، فَأَحْدِثْ تَوْبَةً بِسِرِّكَ .

وَإِذَا عَمِلْتَ شَرًّا بِجَوَارِحِكَ ، فَأَحْدِثْ تَوْبَةً بِجَوَارِحِكَ .

فَأَفْعَالُ السِّرِّ ، مِنَ الذُّنُوبِ ، فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ [ منها ] : طَمَعٌ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَمَخَافَةٌ مِنْهُ ، وَرَجَاءٌ إِلَيْهِ وَمُعَادَاةُ أَوْلِيَائِهِ، وَمُوَالَاةُ أَعْدَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] .

وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ : حَسَدٌ لِمُؤْمِنٍ، وَتُهْمَةٌ لِبَرِيءٍ، وَبَغْيٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَحِقْدٌ يُضْمِرُهُ، وَسُوءٌ يُرِيدُهُ بِهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ =

فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْدِثَ تَوْبَةً مِنْهَا بِسِرِّهِ ، بِاكْتِسَابِ مَا يُزِيلُهَا ، وَيُثَبِّتُ أَضْدَادَهَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ ، مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَزْوٍ وَأَمْثَالِهَا : لَا يُجْدِي عَلَيْهِ كَثِيرُ نَفْعٍ مِنْهَا ، مَعَ فَسَادِ السِّرِّ وَنَجَاسَةِ الْقَلْبِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَكَادُ يُطَهِّرُهَا بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَكَمُ لِأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ رَحِمَهُ اللَّهُ:

إِنَّ الْجَرَائِمَ أَقْفَلَتْ بَابَ الْهُدَى ...
فَالْعِلْمُ لَيْسَ بِفَاتِحٍ أَقْفَالِهَا

إِنَّ الْقُلُوبَ تَنَجَّسَتْ بِبَطَالَةٍ ...
فَالسَّعْيُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ أَفْعَالَهَا

وَذُنُوبُ الْعَلَانِيَةِ ، فِيمَا بَيْنَ اللَّهِ وَالْعَبْدِ : تَرْكُ مَا أَمَرَ بِهِ، وَارْتِكَابُ مَا نَهَى عَنْهُ ، مِنْ تَضْيِيعِ فَرْضٍ وَإِضَاعَةِ حَقٍّ، وَمُجَاوَزَةِ حَدٍّ، وَقُصُورٍ عَنْهُ.

وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى: الْمَظَالِمُ ، وَالْجِنَايَاتُ ، قَوْلًا وَفِعْلًا .

وَتَوْبَةُ الْعَبْدِ مِنْهَا : عَلَانِيَةٌ ؛ مِنْ رَدِّ الْمَظَالِمِ ، وَالِاسْتِحْلَالِ مِنْ أَرْبَابِهَا ...

وَقَضَاءِ مَا فَاتَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ ، مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ .

وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ ، وَإِخْرَاجِ مَا حَصَّلَ مِنْ مَالٍ أَوْ مَتَاعٍ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدُّوا الْخَائِطَ وَالْمِخْيَطَ» .

[ رواه مالك ، مرسلا، وينظر: "التمهيد" (3/398)].

لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ نَدَمُهُ بِسِرِّهِ عَلَى مَا مَضَى ، مَعَ إِقَامَتِهِ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْوَقْتِ .

وَتَوْبَتُهُ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَظَالِمِ بِسِرِّهِ ، مَعَ تَمَسُّكِهِ بِمَا فِي يَدَيْهِ.

رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: ( إِذَا قَالَ الْمُلَبِّي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَعِنْدَهُ مَالٌ حَرَامٌ قِيلَ لَهُ: لَا لَبَّيْكَ، وَلَا سَعْدَيْكَ حَتَّى تَرُدَّ مَا فِي يَدَيْكَ ) . [ ضعفه الألباني في "الضعيفة" (1091) ] .

لِذَلِكَ قَالَ : السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ " .

"معاني الأخبار" ، للكلاباذي (363، 366) .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سلسلة الحديث وعلومه

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 06:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc