عمر الفاروق رضي الله لانحتاج لمسلسل لنعرفه - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

عمر الفاروق رضي الله لانحتاج لمسلسل لنعرفه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-07-17, 20:33   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
طارق المتيجي
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية طارق المتيجي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تمثيل الصحابة والخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم وارضاهم -
خط احمر يجب التصدي له
والوقوف صفا واحدا ضد هذا العمل
هؤلاء يهمهم الشهرة والمال
ولايبالون بالقيم والاخلاق









 


رد مع اقتباس
قديم 2012-07-17, 20:47   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
طارق المتيجي
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية طارق المتيجي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

للدعوة والتعريف بالصحابة والتابعين
وسائل كثيرة ومتنوعة
منها ولوج الاعلام
واستغلاله بالتعريف بتراثنا
وليعلم الجميع
ان الاعلام اصبح يؤثر كثيرا في زرع الشرور والمعاصي
ياترى كيف نعد نحن البديل
ونستغل الاعلام لصد هجماتهم
فالله تعالى عندما حرم الزنا شرع الزواج
وعندما حرم الربا احل البيع
وهكذا
لاينبغي ان نبقى نقول هذا حرام وهذا حرام
ونسال انفسنا ماهو البديل
متفقين على الخطوط الحمراء










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-17, 21:37   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
عبد الله-1
مشرف منتديات انشغالات الأسرة التربوية
 
الصورة الرمزية عبد الله-1
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق المتيجي مشاهدة المشاركة
للدعوة والتعريف بالصحابة والتابعين
وسائل كثيرة ومتنوعة
منها ولوج الاعلام
واستغلاله بالتعريف بتراثنا
وليعلم الجميع
ان الاعلام اصبح يؤثر كثيرا في زرع الشرور والمعاصي
ياترى كيف نعد نحن البديل
ونستغل الاعلام لصد هجماتهم
فالله تعالى عندما حرم الزنا شرع الزواج
وعندما حرم الربا احل البيع
وهكذا
لاينبغي ان نبقى نقول هذا حرام وهذا حرام
ونسال انفسنا ماهو البديل
متفقين على الخطوط الحمراء

كلام ممتاز وطيب .
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا









رد مع اقتباس
قديم 2012-07-17, 21:39   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
عبد الله-1
مشرف منتديات انشغالات الأسرة التربوية
 
الصورة الرمزية عبد الله-1
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي إلى الأخت جمانة السلفية

بارك الله فيكم أختي الكريمة على هذا المجهود الذي أسأل الله عو وجل أن يكون دفاعا منكم عن الحق بإخلاص وصدق وأن يكون في ميزان الحسنات يوم القيامة
الاخت جمانة نتمنى منكم العودة لربوع المنتدى بعد هذا الغياب شبه الطويل والمشاركة في نصرة الحق كما عهدناكم .










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-17, 21:41   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
buffy 23
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية buffy 23
 

 

 
إحصائية العضو










Talking وجهة نظر

انا نشوف باللي كل واحد ووجهة نظر تاعوانا نشوفو فكرة مليحة هدا خير من نشوفو حوايج اخرى...مسلسل مشوق جدا تبقى وجهة نظر










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-17, 23:06   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
ألجيريا فور
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا شكرا ولا أروع










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-18, 00:57   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
أبو عبد الرحمن الجزائري
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمن الجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-18, 04:35   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
عبد الله-1
مشرف منتديات انشغالات الأسرة التربوية
 
الصورة الرمزية عبد الله-1
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة buffy 23 مشاهدة المشاركة
انا نشوف باللي كل واحد ووجهة نظر تاعوانا نشوفو فكرة مليحة هدا خير من نشوفو حوايج اخرى...مسلسل مشوق جدا تبقى وجهة نظر
من هذا الجانب أنصحك بطاعة الله وغض البصر عن محارم الله
وأنصحك ونفسي أيضا باحترام الأنبياء والصحابة وإعطائهم حقهم وعدم الاستهزاء بهم.
أما قولك نرى هذا المسلسيل أفضل من أن نرى أشياء أخرى فهذا ادعء باطل بل رؤية هذا المسلسل أخطر من رؤية أي شيئ غيره مهما كان
كما أن في كلامك يبدو رد لكلام العلماء وضرب به عرض الحائط وكلام العلماء مبني على القرآن والسنة وهذا أمر خطير في حد ذاته.









رد مع اقتباس
قديم 2012-07-18, 08:03   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
محب التوحيد
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

لا يجوز تمثيل الصحابة
ولك
ن ! هذه القناة الخبيثة تأبى إلا تجسيدهم
اللهم
نشكو إليك ضعفنا وهواننا على الناس
اللهم ا
نتقم من كل من شارك في هذا المسلسل
سواء كا
ن مخرج أو مشرف أو ممثل
اللهم أر
نا فيهم عجااااائب قدرتك










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-18, 10:42   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
عبلة السلفية
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية عبلة السلفية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا وجزى كل من شارك ونصح وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وكل من ذب ودافع عن حرمة صحابة الكرام
بيدا أن الكلام عن الممثلين أمر معروف بزندقتهم وفسقهم وفجورهم وانحطاطهم وكذبهم واحتيالهم وتلونهم الى كل صفة كانت وحاشا ان يتمثلوا بهؤلاء
الضياء والنور ..لكن اللوم الكبير والطامة وبيت القصيد فيمن فتح شهيتهم هذه وتوجهم لامر جلل وهو تجسيد صحابة رضوان الله عليهم ..
والامر الادهى والامر والمصيبة ان كل شخصية لايجدون سوى مسيحيا كافرا عربيدا لاحول ولاقوة الا بالله تحت رعاية مشايخ الفتوى حسب الطلب
أفتوا بجواز تجسيد الحسن والحسين في المسلسل الذي عُرض على أكثر من 10 قنوات عربية في العام الماضي، وأبرزهم الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ونائبه الشيخ عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه، بالإضافة إلى مفتي الديار المصرية السابق الشيخ نصر فريد واصل.
كما أفتى 9 من العلماء السعوديين، على رأسهم عضو في هيئة كبار العلماء وهو الشيخ قيس المبارك، ومعه الشيخ خالد بن عبدالله المصلح أستاذ الشريعة بجامعة القصيم، والشيخ صالح بن محمد السلطان أستاذ الشريعة بجامعة القصيم، والشيخ هاني عبدالله الجبير قاضٍ بمحكمة مكة المكرمة العامة
ومن العلماء البارزين الذين أفتوا بالجواز الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم، ونائبه الشيخ عبدالوهاب بن ناصر الطريري، والشيخ سعود بن عبدالله الفنيسان عميد كلية الشريعة سابقاً بالرياض، والشيخ عبدالله بن إبراهيم الطريقي من الكلية نفسها، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالفتاح قاري أستاذ الجامعة الإسلامية سابقاً.وضمن قائمة المراجع الدينية التي أفتت بجواز ظهور وتجسيد أحفاد الرسول والعشرة المبشرين بالجنة والشيخ حمود الهتار وزير الأوقاف والإرشاد باليمن، والشيخ عبدالحي يوسف نائب رئيس جمعية علماء السودان، والشيخ عصام البشير وزير الأوقاف السوداني السابق.ومن سوريا الشيخ وهبة الزحيلي أستاذ الشريعة بجامعة دمشق، ومن الكويت الشيخ عجيل بن جاسم النشمي عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت سابقاً، بالإضافة إلى قطاع الإفتاء وبحوث الشريعة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، ومن البحرين الشيخ الشريف حسن الحسيني خادم تراث آل البيت بالبحرين.
هؤلاء من أفتو ومازالو يتفننون في الفتوى هم بيت القصيد وجب التركيز عليهم وعلى طاماتهم ..لان غدا لناظره قريب سوف يفتون بتجسيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وسيبحثون عن مسيحي آخر لتجسيد نبينا الكريم ....وهذا لن نستبعده لان الممثلين والامنتجين والمخرجين مافتأووو ان تأتيهم كعكة كبيرة جدا من طرف هؤلاء العلماء لجعل الامر شهرة كبيرة من بابها الواسع واموال كثيرة وثراء على حساب شخصيات سطعت وجودها في التاريخ بماء من الذهب










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-18, 11:26   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
مهدي الباتني
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

ال الله تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود)( الفتح: 29)
" والصحابة أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وإقامة دينه " . كما قاله ابن مسعود _رضي الله عنه_ . "فحبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة "

وهم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين -عليهم الصلاة والسلام- فعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ في قول الله عز وجل ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) (النمل:59) قال : أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- .

وقال سفيان في قوله عز وجل ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ)(الرعد: 28) قال : هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- .

وعن وهب بن منبه -رحمه الله -في قوله تعالى ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ) (عبس:16) قال هم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم.

وقال قتادة في قوله تعالى ( يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِه)(البقرة:121) هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -آمنوا بكتاب الله وعملوا بما فيه .

وقال ابن مسعود _رضي الله عنه_ " إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوبَ أصحابهِ خيرَ قلوبِ العبادِ فجعلهم وزراءَ نبيهِ يُقاتِلون على دينه " [8] والصحابي هنا هو مَن لقي النبي -صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به ، ومات على ذلك . فقد جاء في حديث قيلة العنبرية -رضي الله عنها- : خرجت أبتغي الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [9] .

وقد ورد في فضلهم آيات وأحاديث كثيرة منها : قوله تعالى ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100)

وقال تعالى ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18)

وقال تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح : 29)

وفي آيات عديدة ذكرهم الله تعالى وترضى عنهم .

ومما جاء في السنة :

عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) " وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة ، وضيق الحال بخلاف غيرهم ، ولأن إنفاقهم كان في نصرته -صلى الله عليه وسلم- ، وحمايته ، وذلك معدوم بعده ، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم ، وقد قال تعالى ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً )(الحديد:10) وهذا كله مع ما كان فيهم في أنفسهم من الشفقة ، والتودد ، والخشوع ، والتواضع ، والإيثار ، والجهاد في الله حق جهاده ، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ، ولا ينال درجتها بشيء ، والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " ا.هـ










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-19, 10:33   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

التربية القرآنية والنبوية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه

المبحث الأول: حياة الفاروق مع القرآن الكريم:




أولاً: تصوره عن الله والكون والحياة والجنة والنار والقضاء والقدر:


- كان المنهج التربوي الذي تربى عليه عمر بن الخطاب وكل الصحابة الكرام هو القرآن الكريم، المنزل من عند رب العالمين، فهو المصدر الوحيد للتلقي، فقد حرص الحبيب المصطفى على توحيد مصدر التلقي وتفرده وأن يكون القرآن الكريم وحده هو المنهج والفكرة المركزية التي يتربى عليها الفرد المسلم والأسرة المسلمة، والجماعة المسلمة، فكانت للآيات الكريمة التي سمعها عمر من رسول الله r مباشرة أثرها في صياغة شخصية الفاروق الإسلامية، فقد طهّرت قلبه، وزكت نفسه، وتفاعلت معها روحه، فتحول إلى إنسان جديد بقيمه ومشاعره وأهدافه وسلوكه وتطلعاته([95]).


فقد عرف الفاروق من خلال القرآن الكريم من هو الإله الذي يجب أن يعبده، وكان النبي r يغرس في نفسه معاني تلك الآيات العظيمة فقد حرص r أن يربي أصحابه على التصور الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم، مدركاً أن هذا التصور سيورث التصديق واليقين عندما تصفى النفوس وتستقيم الفطرة، فأصبحت نظرة الفاروق إلى الله، والكون والحياة والجنة والنار، والقضاء والقدر، وحقيقة الإنسان، وصراعه مع الشيطان مستمدة من القرآن الكريم وهدي النبي r.


- فالله سبحانه وتعالى منزه عن النقائص موصوف بالكمالات التي لا تتناهى فهو سبحانه ( واحد لا شريك له، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ).


- وأنه سبحانه خالق كل شيء ومالكه ومدبره } إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54) { (الأعراف،آية:54).


- وأنه تعالى مصدر كل نعمة في هذا الوجود دقت أو عظمت ظهرت أو خفيت } وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ(53) { (النحل،آية:53).


- وأن علمه محيط بكل شيء، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولا ما يخفي الإنسان وما يعلن.


- وأنه سبحانه يقيد على الإنسان أعماله بواسطة ملائكته، في كتاب لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وسينشر ذلك في اللحظة المناسبة والوقت المناسب: } مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(18) { (ق، آية:18).


- وأنه سبحانه يبتلي عباده بأمور تخالف ما يحبون، وما يهوون ليعرف الناس معادنهم، ومن منهم يرضى بقضاء الله وقدره، ويسلم له ظاهراً وباطنا، فيكون جديراً بالخلافة والإمامة والسيادة، ومن منهم يغضب ويسخط فلا يساوي شيئاً، ولا يسند إليه شيء: } الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2) {.


- وأنه سبحانه يوفق ويؤيد وينصر من لجأ إليه، ولاذ بحماه ونزل على حكمه في كل ما يأتي وما يذر } إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى

الصَّالِحِينَ(196) { (الأعراف،آية:196).


- وأنه سبحانه وتعالى حقه على العباد أن يعبدوه ويوحدوه فلا يشركوا به شيئاً } بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ(66) { (الزمر، آية:66).


- وأنه سبحانه حدد مضمون هذه العبودية، وهذا التوحيد في القرآن الكريم([96]).


وأما نظرته للكون فقد استمدها من قول الله تعالى:} قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(12) { (فصلت:9-12).


وأما هذه الحياة مهما طالت فهي إلى زوال، وأن متاعها مهما عظم فإنه قليل حقير قال تعالى: } إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرض مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأرض زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الأيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(24) { (يونس،آية:24).


وأما نظرته إلى الجنة، فقد استمدها من خلال الآيات الكريمة التي وصفتها، فأصبح حاله ممن قال الله تعالى فيهم: } تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(16) فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17) { (السجدة،آية:16،17).


وأما تصوره للنار فقد استمده من القرآن الكريم، فأصبح هذا التصور رادعاً له في حياته عن أي انحراف عن شريعة الله فيرى المتتبع لسيرة الفاروق عمق استيعابه لفقه القدوم على الله عز وجل، وشدة خوفه من عذاب الله وعقابه، فقد خرج رضي الله عنه ذات ليلة في خلافته يعسُّ بالمدينة، فمرّ بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائماً يصلي، فوقف يسمع قراءته، فقرأ: } وَالطُّورِ(1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ(3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ(4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ(5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ(6) { إلى أن يبلغ } إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ(7) { (الطور،آية:7). قال: قسم ورب الكعبة حق. فنزل عن حماره، فاستند إلى حائط، فمكث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فمرض شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه([97]).


وأما مفهوم القضاء والقدر فقد استمده من كتاب الله وتعليم رسول الله له، فقد رسخ مفهوم القضاء والقدر في قلبه، واستوعب مراتبه من كتاب الله تعالى، فكان على يقين بأن علم الله محيط بكل شيء } وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(61) { (يونس، آية:61). وأن الله قد كتب كل شيء كائن } إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ(12) { (يس،آية:12). وأن مشيئة الله نافذة وقدرته تامة } وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَواتِ وَلاَ فِي الأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا(44) { (فاطر،آية:44). وأن الله خالق لكل شيء } ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) { (الأنعام،آية:102).


وقد ترتب على الفهم الصحيح والاعتقاد الراسخ في قلبه لحقيقة القضاء والقدر، ثمار نافعة ومفيدة ظهرت في حياته وسنراها بإذن الله تعالى في هذا الكتاب وعرف من خلال القرآن الكريم حقيقة نفسه وبني الإنسان وأن حقيقة الإنسان ترجع إلى أصلين: الأصل البعيد وهو الخلقة الأولى من طين، حين سواه ونفخ فيه الروح، والأصل القريب وهو خلقه من نطفة([98]) فقال تعالى: } الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الأنسَانِ مِنْ طِينٍ(7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ(9) { (السجدة،آية:7-9).وعرف أن هذا الإنسان خلقه الله بيده، وأكرمه بالصورة الحسنة والقامة المعتدلة، ومنحه العقل والنطق والتمييز وسخر الله له ما في السماء والأرض، وفضله الله على كثير من خلقه، وكرمه بإرساله الرسل له، وأن من أروع مظاهر تكريم المولى عز وجل سبحانه للإنسان أن جعله أهلاً لحبه ورضاه ويكون ذلك باتباع النبي r الذي دعا الناس إلى الإسلام لكي يحيوا حياة طيبة في الدنيا ويظفروا بالنعيم المقيم في الآخرة قال تعالى: } مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97) { (النحل،آية:97).


وعرف عمر رضي الله عنه حقيقة الصراع بين الإنسان والشيطان وأن هذا العدو يأتي للإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، يوسوس له بالمعصية ويستثير فيه كوامن الشهوات، فكان مستعيناً بالله على عدوه إبليس وانتصر عليه في حياته، كما سترى من سيرته، وتعلم من قصة آدم مع الشيطان في القرآن الكريم؛ أن آدم هو أصل البشر، وجوهر الإسلام الطاعة المطلقة لله، وأن الإنسان له قابلية للوقوع في الخطيئة، وتعلم من خطيئة آدم ضرورة توكل المسلم على ربه، وأهمية التوبة والاستغفار في حياة المؤمن، وضرورة الاحتراز من الحسد والكبر، وأهمية التخاطب بأحسن الكلام مع الصحابة لقول الله تعالى: } وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلأنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا(53) { (الإسراء،آية:53). وسار على منهج رسول الله في تزكية أصحابه لأرواحهم وتطهير قلوبهم بأنواع العبادات وتربيتهم على التخلق بأخلاق القرآن الكريم.


لقد أكرم المولى عز وجل عمر بن الخطاب بالإسلام الذي قدم له عقيدة صحيحة صافية خلفت عقيدته الأولى، وقضت في نفسه عليها فانهارت أركان الوثنية، فلا زلفى لوثن، ولا بنات لله، ولا صهر بين الجن والله، ولا كهانة تحدد للمجتمع مساره، وتقذف به في تيه التشاؤم والطيرة ولا عدم بعد الموت([99])، انتهى ذلك كله وخلفته عقيدة الإيمان بالله وحده مصفَّاة من الشرك، والولد والكهانة والعدم بعد الحياة الدنيا، ليحل الإيمان بآخرة ينتهي إليها عمل الإنسان في تقويم مجزي عليه، انتهى عبث الجاهلية في حياة بلا بعث ولا مسؤولية أمام الديان وخلفتها عقيدة الإيمان باليوم الآخر ومسؤولية الجزاء وانصهر عمر بكليته في هذا الدين وأصبح الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وعبد الله وحده في إحسان كأنما يراه([100])، وتربى عمر على القرآن الكريم وتنقل به من تشريع إلى آداب، ومن تاريخ إلى حكمة، في عطاء مسترسل كريم، مع توفيق من الله تعالى له في العيش مع القرآن الكريم الذي أثر في عقله وقلبه ونفسه وروحه وانعكست ثمار تلك المعايشة على جوارحه، وكان سبب ذلك – بعد توفيق الله له – تتلمذه على يدي رسول الله([101]).



.


ثانياً: موافقات عمر للقرآن الكريم، وإلمامه بأسباب النزول وتفسيره لبعض الآيات:



1- موافقات عمر للقرآن الكريم:


كان عمر من أكثر الصحابة شجاعة وجرأة، فكثيراً ما كان يسأل الرسول r عن التصرفات التي لم يدرك حكمها، كما كان رضي الله عنه يبدي رأيه واجتهاده بكل صدق ووضوح ومن شدة فهمه واستيعابه لمقاصد القرآن الكريم نزل القرآن الكريم موافقاً لرأيه رضي الله عنه في بعض المواقف، قال عمر رضي الله عنه: وافقت الله تعالى في ثلاث، أو وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مُصلّى، فأنزل الله تعالى ذلك، وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البرُّ والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله تعالى آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي r بعض أزواجه، فدخلت عليهن، قلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيراً منكن، حتى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر، أما في رسول الله r ما يعظ نساءه، حتى تعظهن أنت([102])؟ فأنزل الله: } عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا(5) { (التحريم،آية:5).




.


2- ومن موافقته في ترك الصلاة على المنافقين:


قال عمر: لما توفي عبد الله بن أبي دُعي رسول الله r للصلاة عليه، فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله: أعلى عدوّ الله عبد الله بن أبيّ القائل يوم كذا: كذا وكذا، والقائل يوم كذا: كذا وكذا أعدد أيامه الخبيثة ورسول الله r يبتسم حتى إذا أكثرت عليه، قال: أخر عني

يا عمر، إني خيّرت فاخترت: قد قيل لي:} اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(80) { (التوبة،آية:80). فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له زدت. ثم صلى عليه ومشى معه على قبره حتى فرغ منه، فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت هاتان الآيتان: } وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ { (التوبة،آية:84). فما صلى رسول الله r بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل([103]).




.


3- موافقته في أسرى بدر:


قال عمر - رضي الله عنه - : لما كان يوم بدر وهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون وأسر سبعون، استشار رسول الله أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، فقال لي: ما ترى يا ابن الخطاب؟ فقلت: أرى أن تمكنني من فلان – قريب لعمر – فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل([104])، فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم، وقادتهم. فلم يهوَ رسول الله r ما قلت، فأخذ منهم الفداء. فلما كان من الغد غدوت إلى النبي r فإذا هو قاعد وأبو بكر، وهما يبكيان، فقلت

يا رسول الله ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال النبي r: للذي عَرَضَ عليَّ أصحابك: (( من الفداء، لقد عُرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة )) - لشجرة قريبة - فأنزل الله تعالى: } مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى { إلى قوله } عَذَابٌ عَظِيمٌ(68) { (الأنفال،آية:68)، فلما كان من العام المقبل قتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول الله وكُسِرَت رباعيته([105])، وهشمت البيضة([106])، على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله تعالى: } أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ { بأخذكم الفداء } إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(165) { (آل عمران،آية:165) ([107]).










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-19, 10:35   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

- موافقته في الاستئذان:

أرسل النبي r غلاماً من الأنصار إلى عمر بن الخطاب. وقت الظهيرة ليدعوَه، فدخل عليه وكان نائماً وقد انكشف بعض جسده، فقال: اللهم حرّم الدخول علينا في وقت نومنا وفي (رواية) قال: يا رسول الله وددت لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان([108]) فنزلت } يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ { (النور،آية:58) ([109]).




.


- عمر بن خطاب ودعاؤه في تحريم الخمر:


لما نزل قول الله تعالى: } يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ { (البقرة،آية:219). قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في النساء} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى { (النساء،آية:43) فكان منادي النبي r إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ} فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ(91) { (المائدة،آية:91). قال عمر: انتهينا، انتهينا([110])، وهكذا خضع تحريم الخمر لسنة التدريج وفي قوله} فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ(91) { فهم عمر من الاستفهام الاستنكاري بأن المراد به التحريم، لأن هذا الاستفهام أقوى وأقطع في التحريم من النهي العادي، ففي ألفاظ الآية وتركيبها وصياغتها تهديد رهيب واضح كالشمس في التحريم([111]).




.


- إلمامه بأسباب النزول:


حفظ عمر القرآن كله([112])، في الفترة التي بدأت بإسلامه، وانتهت بوفاة الرسول r وقد حفظه مع أسباب التنزيل إلا ما سبق نزوله قبل إسلامه، فذلك مما جمعه جملة ولا مبالغة إذا قلنا: أن عمر كان على علم بكثير من أسباب التنزيل، وبخاصة في الفترة الإسلامية من حياته، ثم لشدة اتصاله بالتلقي عن رسول الله r ثم هو قد حفظ منه ما فاته، فإن يلم بأسباب النزول والقرآن بكر التنزيل، والحوادث

لا تزال تترى فذلك أمر يسير([113]).


وقد كان عمر سبباً في التنزيل لأكثر من آية، بعضها متفق على مكيته، وبعضها مدني، بل كان بعض الآيات يحظى من عمر بمعرفة زمانه ومكانه على وجه دقيق، قال عن الآية الكريمة } … الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الأسْلاَمَ دِينًا… { (المائدة،آية:3) والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله والساعة التي نزلت فيها على رسول الله عشية عرفة في يوم الجمعة([114])، وقد كان عمر – وحده أو مع غيره – سبباً مباشراً في تنزيل بعض الآيات منها، قول الله تعالى:} أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ

لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ(20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ(21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(22) { (التوبة،آبة:19-22).


وفي الصحيح: أن رجلاً قال: لا أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، فقال علي بن أبي طالب: الجهاد في سبيل الله أفضل من هذا كله. فقال عمر بن الخطاب: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله. ولكن إذا قضيت الصلاة. سألته عن ذلك، فسأله، فأنزل الله هذه الآية، فبين لهم أن الإيمان والجهاد أفضل من عمارة المسجد الحرام والحج والعمرة والطواف ومن الإحسان إلى الحجاج، بالسقاية، ولهذا قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : لأن أرابط ليلة في سبيل الله، أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود([115]).




.


- سؤاله لرسول الله عن بعض الآيات:


كان عمر رضي الله عنه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض الآيات وأحياناً أخرى يسمع صحابياً يستفسر من رسول الله عن بعض الآيات فيحفظها ويعلمها لمن أراد من طلاب العلم، فعن يَعْلى بن أمية، قال: سألت عمر بن الخطاب، قلت:} فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ

كَفَرُوا { (النساء،آية:101)، وقد أمن الله الناس([116])؟! فقال لي عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله r عن ذلك، فقال: صدقة تصدّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته([117])، وقد سئل عمر بن الخطاب عن هذه الآية:} وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ { (الأعراف،آية:172)، فقال عمر: سمعت رسول الله r سُئل عنها، فقال رسول الله r: إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه، واستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله r: إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنة، فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله به النار([118]).


ولما نزل قول الله تعالى: } سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ(45) { (القمر،آية:45). قال عمر: أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله r يثبت في الدرع وهو يقول: } سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ { فعرفت تأويلها يومئذ([119]).










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-19, 10:37   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

- تفسير عمر لبعض الآيات وبعض تعليقاته:

كان عمر يتحرّج في تفسير القرآن برأيه ولذلك لما سئل عن قوله تعالى

} وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا { قال: هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله r يقوله

ما قلته، قيل: } فَالْحَامِلاَتِ وِقْرًا {. قال: السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله r يقوله ما قلته، قيل:} فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا {؟ قال: السفن، ولولا أني سمعت رسول الله يقوله ما قلته، قيل:} فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا {؟ قال: هي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله r يقوله ما قلته([120])، وكان رضي الله عنه له منهج في تفسيره للآيات، فإنه رضي الله عنه إذا وجد لرسول الله تفسيراً أخذ به، وكان هو الأفضل مثل ما مرّ معنا من تفسيره وإذا لم يجد طلبه في مظانه عند بعض الصحابة مثل: ابن عباس، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود ومعاذ وغيرهم - رضي الله عنهم _ وهذا مثال على ذلك؛ فقد قال عمر رضي الله عنه يوماً لأصحاب النبيr: فيم ترون هذه الآية نزلت } أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الأيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(266) { (البقرة،آية:266)، قالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أولا نعلم. فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل. قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله([121])، وفي رواية قال ابن عباس: عني بها العمل، ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر سنه وكثر عياله، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يبعث، فقال عمر: صدقت يا ابن أخي([122]).


وكانت له بعض التعليقات على بعض الآيات مثل قوله تعالى:} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ(157) { (البقرة،آية:156،157). فقال: نعم العدلان ونعم العلاوة([123])، ويقصد بالعدلين الصلاة والرحمة والعلاوة الاهتداء([124]).


وسمع القارئ يتلو قول الله تعالى: } يَاأَيُّهَا الأنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ(6) { (الانفطار،آية:6). فقال عمر: الجهل([125]). وفسر قول الله تعالى: } وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ(7) { (التكوير،آية:7). بقوله: الفاجر مع الفاجر والطالح مع الطالح([126])، وفسر قول الله تعالى: } تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا { (التحريم،آية:8). بقوله: أن يتوب ثم لا يعود، فهذه التوبة الواجبة التامة([127])، وذات يوم مر بدير راهب فناداه يا راهب فأشرف الراهب، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي فقيل له يا أمير المؤمنين: ما يبكيك من هذا؟ قال ذكرت قول الله عز وجل في كتابه } عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ(3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً(4) { (الغاشية،آية:4،3). فذاك الذي أبكاني([128])، وفسر الجبت بالسحر، والطاغوت بالشيطان في قوله تعالى:} يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ {([129]) (النساء،آية:51).



.



1- غزوة بدر:


شارك عمر رضي الله عنه في غزوة بدر، وعندما استشار رسول الله r أصحابه قبل المعركة، تكلم أبو بكر رضي الله عنه أول من تكلم، فأحسن الكلام، ودعا إلى قتال الكافرين، ثم الفاروق عمر رضي الله عنه فأحسن الكلام، ودعا إلى قتال الكافرين([146])، وكان أول من استشهد من المسلمين يوم بدر مِهجع([147]) مولى عمر رضي الله عنه([148])، وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه خاله العاص بن هشام([149]) ضارباً بالقرابة عرض الحائط أمام رابطة العقيدة، بل كان يفخر بذلك تأكيداً لهذه الفكرة وبعد انتهاء المعركة أشار بقتل أسارى المشركين، وفي تلك الحادثة دروس وعبر عظيمة قد ذكرتها في كتابي السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، وعندما وقع العباس عمّ النبي في الأسر حرص عمر على هدايته وقال له: يا عباس أسلم، فوالله لئن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك([150])، وكان من بين الأسرى خطيب قريش سهيل بن عمرو، فقال لرسول الله: يا رسول الله، دعني أنتزع ثنيتي سهيل بن عمرو فيدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً، فقال رسول الله r: لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبياً، وإن عسى أن يقوم مقاماً لا تذمه([151])، وهذا ما حدث فعلاً بعد وفاة رسول الله r إذ هم عدد من أهل مكة بالرجوع عن الإسلام، حتى خافهم والي مكة عتاب بن أسيد فتوارى، فقام سهيل بن عمرو، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة النبي وقال: إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة فمن رابنا ضربنا عنقه فتراجع الناس عن رأيهم([152]) وحدثنا عمر عن حديث سمعه من رسول الله عندما خاطب مشركي مكة الذي قتلوا ببدر، فعن أنس قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءَيْنا الهلال، وكنتُ حديدَ البصر فرأيته، فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟ قال: سأراه وأنا مُستلقٍ على فراشي، ثم أخذ يُحدثنا عن أهل بدر، قال: إن كان رسول الله r لَيُرينا مصارعهم بالأمس، يقول: هذا مصرع فلان غداً، إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله، قال: فجعلوا يُصرعون عليها، قال: قلت: والذي بعثك بالحق، ما أخطؤوا تِيكَ، كانوا يُصرَعون عليها ثم أمر بهم فطُرحُوا في بئر، فانطلق إليهم، فقال: (( يا فلان، يا فلان، هل وجدتم ما وَعَدكم الله حقاً، فإني وجدت ما وعدني الله حقاً )) قال عمر: يا رسول الله، اتكلم قوماً قد جَيَّفوا؟ قال: ما أنتم بأسمَعَ لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يُجيبوا([153])، وعندما جاء عمير بن وهب إلى المدينة قبل إسلامه في أعقاب بدر يريد قتل رسول الله r، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم في عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ راحلته على باب المسجد متوشحاً سيفه، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشر وهو الذي حرش بيننا، وحرزنا للقوم يوم بدر. ثم دخل على رسول الله r فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه. قال: فأدخله عليّ، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة([154]) سيفه في عنقه فلببه([155])، بها وقال لمن كان معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله r فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون. ثم دخل به على رسول الله فلما رآه رسول الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: أرسله

يا عمر، أدن يا عمير. فدنا ثم قال: انعموا صباحاً وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فقال رسول الله: أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة([156]).فقال: فما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه. قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف! وهل أغنت عنا شيئاً قال أصدقني، ما الذي جئت له، قال: ما جئت إلا لذلك. قال: بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك لرسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق، فقال رسول الله r: فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القرآن، وأطلقوا أسيره ففعلوا([157]).


ومن خلال هذه القصة يظهر الحس الأمني الرفيع الذي تميز به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد انتبه لمجيء عمير بن وهب وحذّر منه، وأعلن أنه شيطان ما جاء إلا لشر، فقد كان تاريخه معروفاً لدى عمر، فقد كان يؤذي المسلمين في مكة وهو الذي حرّض على قتال المسلمين في بدر، وعمل على جمع المعلومات عن عددهم، ولذلك شرع عمر في أخذ الأسباب لحماية الرسول فمن جهته فقد أمسك بحمالة سيف عمير الذي في عنقه بشده فعطله عن إمكانية استخدامه سيفه للاعتداء على الرسول r وأمر نفراً من الصحابة بحراسة النبي r([158]).



.



2- غزوة أحد، وبني المصطلق والخندق:


من صفات الفاروق الجهادية: علو الهمة، وعدم الصغار، والترفع عن الذلة حتى ولو بدت الهزيمة تلوح أمامه، كما حدث في غزوة أحد، ثانية المعارك الكبرى التي خاضها رسول الله r، فعند ما وقف أبو سفيان في نهاية المعركة وقال أفي القوم محمد؟ فقال رسول الله r لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن أبي قحافة، فقال لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء القوم قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: أعل هبل([159])، فقال النبي r أجيبوه. قالوا ما تقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي r: أجيبوه قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم، قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مُثلة لم آمر بها ولم تَسُؤني([160]) ، وفي رواية قال عمر: ( لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار([161]). فجاءه، فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمداً؟ قال عمر: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر، لقول ابن قمئة لهم: إني قد قتلت محمداً([162]) . كان في سؤال أبي سفيان عن رسول الله وأبي بكر وعمر دلالة واضحة على اهتمام المشركين بهؤلاء دون غيرهم لأنه في علمهم أنهم أهل الإسلام وبهم قام صرحه وأركان دولته وأعمدة نظامه، ففي موتهم يعتقد المشركون أنه

لا يقوم الإسلام بعدهم، وكان السكوت عن إجابة أبي سفيان أولا تصغيراً له حتى إذا انتشى وملأه الكبر أخبروه بحقيقة الأمر وردوا عليه بشجاعة([163]) .


وفي غزوة بني المصطلق كان للفاروق موقف متميز، ونترك شاهد عيان يحكي لنا ما شاهده، قال جابر بن عبد الله الأنصاري: كنا في غزاة فكسع([164]) رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري:

يا للمهاجرين. فسمع ذلك رسول الله فقال: دعوها فإنها منتنة، فسمع بذلك

عبد الله ابن أبي فقال: فعلوها:؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فسمع ذلك عمر فأتى النبي r فقال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فبلغ النبي r فقال عمر: كلام فيه نقص فقال ذلك فقال: يا رسول الله: دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه([165])، وفي رواية قال عمر بن الخطاب: مر به عباد بن بشر فليقتله، فقال له رسول الله r: فكيف ياعمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ لا. ولكن أذن بالرحيل وذلك في ساعة لم يكن رسول الله r يرتحل فيها، فارتحل الناس([166]) ومن مثل هذه المواقف والتوجيهات النبوية استوعب عمر رضي الله عنه فقه المصالح والمفاسد، فهذا الفقه يظهر في قولهr: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه([167])، إنها المحافظة التامة على السمعة السياسية، ووحدة الصف الداخلية، والفرق كبير جداً بين أن يتحدث الناس عن حب أصحاب محمد محمداً، ويؤكدون على ذلك بلسان قائدهم الأكبر أبي سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً([168])، وبين أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ولا شك أن وراء ذلك محاولات ضخمة ستتم في محاولة الدخول إلى الصف الداخلي في المدينة من العدو بينما هم يائسون الآن من قدرتهم على شيء أمام ذلك الحب وتلك التضحيات([169]) وفي غزوة الخندق يروي جابر فيقول: أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسُبُّ كفار قريش وقال: يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي r: (( وأنا والله ما صليتها، فنزلنا مع النبي r بُطحان([170])، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم بعدها المغرب([
- صلح الحديبية، وسريه إلى هوازن، وغزوة خيبر:

وفي الحديبية دعا رسول الله r عمر ليبعثه إلى مكة، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء به، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي لها وغلظتي عليها، ولكني أدلُّك على رجل أعزّ بها مني، عثمان بن عفان، فدعا رسول الله r عثمان بن عفان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وأنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته([172])، وبعد الاتفاق على معاهدة الصلح وقبل تسجيل وثائقها ظهرت بين المسلمين معارضة شديدة وقوية لهذه الاتفاقية، وخاصة في البندين اللذين يلتزم النبي بموجبهما بردّ ما جاء من المسلمين لاجئاً، ولا تلتزم قريش برد ما جاءها من المسلمين مرتداً، والبند الذي يقضي بأن يعود المسلمون من الحديبية إلى المدينة دون أن يدخلوا مكة ذلك العام، وقد كان أشد الناس معارضة لهذه الاتفاقية وانتقاداً لها، عمر بن الخطاب، وأسيد بن حضير سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج، وقد ذكر المؤرخون أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله معلناً معارضته لهذه الاتفاقية وقال لرسول الله r: ألست برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال إني رسول الله ولست أعصيه([173])، وفي رواية: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني([174])، قلت أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قلت: لا، قال فإنك آتيه ومطوف به قال عمر: فأتيت أبا بكر فقلت له: يا أبا بكر: أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال أبو بكر ناصحاً الفاروق بأن يترك الاحتجاج والمعارضة إلزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله، وأن الحق ما أمر به، ولن نخالف أمر الله ولن يضيعه الله([175])، وبعد حادثة أبي جندل المؤلمة المؤثرة عاد الصحابة إلى تجديد المعارضة للصلح، وذهبت مجموعة منهم إلى رسول الله r بينهم عمر بن الخطاب لمراجعتة، وإعلان معارضتهم مجدداً للصلح إلا أن النبي r بما أعطاه الله من صبر وحكمة وحلم وقوة حجة استطاع أن يقنع المعارضين بوجاهة الصلح، وأنه في صالح المسلمين وأنه نصر لهم([176])، وأن الله سيجعل للمستضعفين من أمثال أبي جندل فرجاً ومخرجاً، وقد تحقق ما أخبر بهr، وقد تعلم عمر رضي الله عنه من رسول الله احترام المعارضة النزيهة ولذلك نراه في خلافته يشجع الصحابة على إبداء الآراء السليمة التي تخدم المصلحة العامة([177])، فحرية الرأي مكفولة في المجتمع الإسلامي وأن للفرد في المجتمع المسلم الحرية في التعبير عن رأيه، ولو كان هذا الرأي نقداً لموقف حاكم من الحكام أو خليفة من الخلفاء، فمن حق الفرد المسلم أن يبين وجهة نظره في جو من الأمن والأمان دون إرهاب أو تسلط يخنق حرية الكلمة والفكر، ونفهم من معارضة عمر لرسول

الله r أن المعارضة لرئيس الدولة في رأي من الآراء وموقف من المواقف ليست جريمة تستوجب العقاب، ويغيب صاحبها في غياهب السجون([178]).


لم يكن ذلك الموقف من الفاروق شكّاً أو ريبة فيما آلت إليه الأمور، بل طلباً لكشف ما خفي عليه، وحثّاً على إذلال الكفار، لما عرف من قوته في نصرة الإسلام([179])، وبعد ما تبينت له الحكمة قال عن موقفه بالحديبية: ما زلت أتصدق، وأصوم، وأصلي، وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً([180]).


وفي شعبان سنة 7 من الهجرة بعث رسول الله عمر بن الخطاب إلى تربة في ثلاثين رجلاً إلى عُجزِ([181]) هوازن بتربة وهي بناحية القبلاء([182])، على أربع مراحل من مكة([183])، فخرج، وخرج معه دليل من بني هلال([184])، فكان يسير الليل ويكمن النهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر محالهم فلم يلق منهم أحداً فانصرف راجعاً إلى المدينة رضي الله عنه([185]) وفي رواية: قال له الدليل الهلالي: هل لك في جمع آخر تركته من خَشْعَمَ سائرين قد أجدبت بلادهم؟ فقال عمر: لم يأمرني رسول الله بهم، إنما أمرني أن أعْمَدَ لقتال هوازن بتُربة([186])، وهذه السرية تدلنا على ثلاث نتائج عسكرية:


الأولى: أن عمر أصبح مؤهلاً للقيادة إذ لولا ذلك لما ولاه النبي الكريم r قيادة سرية من سرايا المسلمين تتجه إلى منطقة بالغة الخطورة وإلى قبيلة من أقوى القبائل العربية وأشدها شكيمة.


والثانية: أن عمر الذي كان يكمن نهاراً ويسير ليلاً، مشبع بمبدأ المباغتة، أهم مبادئ الحرب على الإطلاق، مما جعله يباغت عدوه ويجبره على الفرار، وبذلك انتصر بقواته القليلة على قوات المشركين الكثيرة.


والثالثة: أن عمر ينفذ أوامر قائدة الأعلى نصاً وروحاً، ولا يحيد عنها، وهذا هو روح الضبط العسكري وروح الجندية في كل زمان ومكان([187]) .


وفي غزوة خيبر عندما نزل رسول الله بحضرة أهل خيبر أعطى رسول الله اللواء([188]) عمر بن الخطاب، فنهض معه من نهض من الناس، فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله r، فقال رسول الله لأعطين اللواء غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فلما كان غداً تصدر([189]) لها أبو بكر، وعمر، فدعا علياً، وهو أرمد([190]) ، فتفل في عينيه وأعطاه اللواء، ونهض معه من الناس من نهض فتلقى أهل خيبر فإذا مرحب يرجز ويقول:



قد علمت خيبر أني مرحب

أطعن أحياناً وحيناً أضرب



شاك السلاح بطل مجرب

إذا الليوث أقبلت تلهب


فاختلف هو وعلي – رضي الله عنه – فضربه علي على هامته حتى عضى السيف منه بيضتي([191]) رأسه، وسمع أهل المعسكر صوت ضربته، فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح الله لهم وله.


وعندما أقبل في خيبر نفر من أصحاب النبي r، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله r: كلا، إني رأيته في النار في بردة غلَّها، أو عباءة ثم قال رسول الله r:

يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس: أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال: فخرجت فناديت: ألا أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون([192]).


171]).










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-19, 10:38   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
ـ‗جواهرودررالسلف‗ـ
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

4- فتح مكة وغزوة حنين وتبوك:

لما نقضت قريش صلح الحديبية بغدرها، خشيت من الخطر القادم من المدينة، فأرسلت أبا سفيان ليشد العقد ويزيد في المدة، فقدم على رسول الله فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ولكن بدون جدوى، وخرج حتى أتى رسول الله فكلمه فلم يردّ عليه شيئاً، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكلمه، فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله؟ والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به([193])، وعندما أكمل النبي r استعداده للسير إلى فتح مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكة يخبرهم فيه بنبأ تحرك النبي r إليهم، ولكن الله سبحانه وتعالى أطلع نبيه r عن طريق الوحي على هذه الرسالة، فقضى r على هذه المحاولة في مهدها، فأرسل النبي r علياً والمقداد فأمسكوا بالمرأة في روضة خاخ على بعد اثني عشر ميلاً من المدينة، وهددوها أن يفتشوها إن لم تخرج الكتاب فسلمته لهم ثم استدعي حاطب رضي الله عنه للتحقيق فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إني كنت امرأً ملصقاً في قريش -يقول- كنت حليفا ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله r: إما إنه قد صدقكم، فقال عمر: يا رسول الله، دعني اضرب عنق هذا المنافق، فقال r، إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم([194]) ومن الحوار الذي تم بين الرسول r وعُمر بن الخطاب في شأن حاطب يمكن أن نستخرج بعض الدروس والعبر منها.

- حكم الجاسوس القتل، فقد أخبر عمر بذلك ولم ينكر عليه الرسول r ولكن منع من إيقاع العقوبة بسبب كونه بدرياً.

- شدة عمر في الدين: لقد ظهرت هذه الشدة في الدين حينما طالب بضرب عنق حاطب.

- الكبيرة لا تسلب الإيمان: إن ما ارتكبه حاطب كبيرة وهي التجسس ومع هذا ظل مؤمنا.

- لقد أطلق عمر على حاطب صفة النفاق بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الاصطلاحي في عهده r. إذ النفاق إبطان الكفر والتظاهر بالإسلام، وإنما الذي أراده عمر، إنه أبطن خلاف ما أظهر إذ أرسل كتابه الذي يتنافى مع الإيمان الذي خرج يُجاهد من أجله ويبذل دمه في سبيله([195]).

- تأثر عمر من رد الرسول r فتحول في لحظات من رجل غاضب ينادي بإجراء العقوبة الكبيرة على حاطب إلى رجل يبكي من الخشية والتأثر ويقول: الله ورسوله أعلم، ذلك لأن غضبه كان لله ورسوله فلما تبين له أن الذي يرضي الله تعالى ورسوله r غير ما كان يراه غض النظر عن ذلك الخطأ ومعاملة صاحبه بالحسنى تقديراً لرصيده في الجهاد واستجاب([196]).

وعندما نزل رسول الله بمر الظهران وخشي أبو سفيان على نفسه وعرض عليه العباس عمّ رسول الله طلب الأمان من رسول الله فوافق على ذلك يقول العباس بن عبد المطلب قلت: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله r في الناس واصباح قريش والله، قال فما الحيلة؟ فداك أبي وأمي، قال: قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه، فجئت به، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله r وأنا عليها قالوا: عم رسول الله على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال: من هذا؟ وقام إليّ فلما رأى
أبا سفيان على عجز الدابة قال: أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله r ودخل عليه عمر فقال:
يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال قلت: يا رسول الله إني قد أجرته، فلما أكثر عمر من شأنه قلت: مهلاً يا عمر، فوالله أن لو كان من بني عدي ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال عمر: مهلاً يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم، فقال r: إذهب به ياعباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به([197])، فهذا موقف عمر –رضى الله عنه- وهو يرى عدو الله يمر بقوات المسلمين، محتمياً بظهر العباس عم النبي r وقد بدا ذليلاً خائفاً، فيود عمر –رضي الله عنه- أن يضرب عنق عدو الله قربى إلى الله تعالى وجهاداً في سبيله، ولكن الله تعالى قد أراد الخير بأبي سفيان فشرح صدره للإسلام، فحفظ دمه ونفسه([198]).

وفي غزوة حنين، باغت المشركون جيش المسلمين وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد، وإنحاز رسول الله r ذات اليمين ثم قال: أين أيها الناس؟ هلموا إليّ أنا رسول الله: أنا محمد بن عبد الله، فلم يسمع أحد، وحملت الإبل بعضها على بعض، فانطلق الناس إلا أنه بقي مع رسول الله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته وكان فيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي بن
أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وابنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه، وربيعة بن الحارث وغيرهم([199])، ويحكي أبو قتادة عن موقف عمر في هذه الغزوة فيقول: خرجنا مع رسول الله عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، فضربته من ورائه على عاتقه([200])، بسيف فقطعت الدرع، وأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله، ثم رجعوا([201]).

قال تعالى عن هذه الغزوة: } لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25){ (التوبة الآية: 25) فلما تاب الله تعالى على المؤمنين بعد أن كادت الهزيمة تلحق بهم نصر الله أولياءه، بعد أن أفاؤوا إلى نبيهم واجتمعوا حوله، فأنزل الله سكينته ونصره على جنده وقال تعالى يقص علينا ذلك:} ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ(26) { (التوبة، آية 26).

وبعد معركة حنين عاد المسلمون إلى المدينة وبينما هم يمرون بالجعرانة([202])، كان رسول الله يقبض الفضة من ثوب بلال رضي الله عنه ويعطي الناس، فأتى رجل وقال لرسول الله: يا محمد، اعدل، قال رسول الله: ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعني يا رسول الله، فأقتل هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم([203])، يمرقون منه كما يمرق السهم([204]) من الرمية([205])، ففي هذا الموقف منقبة عظيمة لعمر رضي الله، فهو
لا يصبر إذا انتهكت أمامه المحارم، فقد اعتدي على مقام النبوة والرسالة، فما كان من الفاروق إن أسرع قائلاً: دعني يا رسول الله، أقتل هذا المنافق. هذا هو رد الفاروق أمام من ينتهكون قدسية النبوة والرسالة([206])، وفي الجعرانة لبّى عمر رضي الله عنه رغبة يعلى بن أمية التميمي الصحابي المشهور في رؤية رسول الله حين ينزل عليه الوحي، فعن صفوان بن يعلى، أن يعلى كان يقول: ليتني أرى رسول الله r حين ينزل([207]) عليه قال: فبينما النبي r بالجعرانة([208])، وعليه ثوب قد أُظلَّ به، معه فيه ناس من أصحابه، إذ جاءه أعرابي عليه جُبَّة متضمِّخٌ([209])، بطيب، فقال:
يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بالطيب؟ فأشار عمر على يعلى بيده، أن تعالَ فجاء يعلى فإذا النبي r مُحمَرُّ الوجه، يغط([210]) كذلك ساعة، ثم سُرِّي عنه قال: أين الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبّةُ فاترعها، ثم ضع في عمرتك كما تضع في حجك([211]) وأما في غزوة تبوك فقد تصدق بنصف ماله، وأشار على رسول الله بالدعاء للناس بالبركة عندما أصاب الناس مجاعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما كان في غزوة تبوك([212])، أصاب الناس مجاعة، فقالوا يا رسول الله لو أذنت فذبحنا نواضحنا([213])، فأكلنا وادَّهنَّا، فقال لهم رسول الله: افعلوا، فجاء عمر فقال يا رسول إنهم إن فعلوا قل الظّهر، ولكن ادعهم فليأتوا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف الذرة، والآخر بكف التمر، والآخر بالكسرة، حتى اجتمع من ذلك على النطع شيء يسير، ثم دعا r بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملأوه وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة، فقال رسول الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك، فيحجب عن الجنة([214]).

هذه بعض المواقف العمرية التي شاهدها مع رسول الله r ولا شك أن الفاروق قد استوعب الدروس والعبر والفقه الذي حدث في غزوات رسول الله r وأصبحت له زاداً انطلق به في ترشيد وقيادة الناس بشرع الله تعالى.



.


ثانياً: من مواقفه في المجتمع المدني:

كان عمر شديد الحرص على ملازمة رسول الله وكان رضي الله عنه إذا جلس إلى رسول الله لم يترك المجلس حتى ينفض، فهو واحد من الجمع القليل الذي لم يترك رسول الله r وهو يخطب حين قدمت عير إلى المدينة([215])، وكان يجلس في حلقات ودروس ومواعظ رسول الله نشطاً يستوضح، ويستفهم، ويلقي الأسئلة بين يدي رسول الله في الشؤون الخاصة والعامة([216])، ولذلك فقد روى عن النبي r خمسمائة حديث وتسعة وثلاثين حديثاً([217])، وفي رواية: خمسمائة وسبعة وثلاثين حديثاً([218])، اتفق الشيخان في صحيحيهما على ستة وعشرين منها، وانفرد البخاري بأربعة وثلاثين ومسلم بواحد وعشرين([219])، والبقية في كتب الأحاديث الأخرى([220])، وقد وفقه الله إلى رواية أحاديث لها قيمتها الأولوية في حقيقة الإيمان والإسلام والإحسان والقضاء والقدر، وفي العلم والذكر والدعاء وفي الطهارة والصلاة والجنائز، والزكاة والصدقات، والصيام، والحج، وفي النكاح والطلاق والنسب، والفرائض، والوصايا والاجتماع، وفي المعاملات والحدود، وفي اللباس والأطعمة والأشربة والذبائح، وفي الأخلاق والزهد والرقاق والمناقب والفتن والقيامة، وفي الخلافة والإمارة والقضاء، وقد أخذت هذه الأحاديث مكانها في مختلف العلوم الإسلامية، ولا تزال رافداً يمد هذه العلوم([221])، وإليك بعض المواقف التعليمية والتربوية والاجتماعية من حياة الفاروق مع رسول الله في المدينة.


.


1- رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عمر عن السائل:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: أخبرني عمر بن الخطاب أنهم بينما هم جلوس – أو قعود – عند النبي r، جاءه رجل يمشي، حسن الوجه، حسن الشعر، عليه ثياب بياض، فنظر القوم بعضهم إلى بعض: ما نعرف هذا، وما هذا بصاحب سفر. ثم قال: يا رسول الله، آتيك؟ قال: نعم. فجاء فوضع ركبتيه عند ركبتيه، ويديه على فخذيه، فقال: ما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت. قال: فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته، والجنة والنّار، والبعث بعد الموت، والقدر كلِّه. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعمل لله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فمتى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السَّائل. قال: فما أشراطها؟ قال: إذا العُراة الحفاة العالة رعاء الشاء تطاولوا في البنيان، ووَلَدت الإماء أربابهنَّ([222]). قال: ثم قال عليَّ الرّجُلَ، فطلبوه فلم يروا شيئاً، فمكث يومين أو ثلاثة، ثم قال: يا ابن الخطاب أتدري من السائل عن كذا وكذا؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك جبريل جاءكم يعلمكم دينكم([223]).

وهذا الحديث يبين أن الفاروق تعلم معاني الإسلام والإيمان والإحسان بطريقة السؤال والجواب من أفضل الملائكة وأفضل الرسل.


.


2- إصابة رأيه رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا قعوداً حول رسول الله r ومعنا أبو بكر وعمر، في نفر. فقام رسول الله r من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا، وقمنا، فكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغي رسول الله r حتى أتيت حائطاً([224]) للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد، فإذا ربيع([225]) يدخل في جوف حائط من بئر خارجة فاحتفزت([226]) فدخلت على رسول الله فقال أبو هريرة؟ فقلت: نعم يا رسول الله قال: ما شأنك؟ قلت: كنت بين ظهرينا، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقطع دوننا، ففزعنا، وكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي. فقال: يا أبا هريرة – وأعطاني نعليه – اذهب بنعلي هاتين فمن لقيته من وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة. وكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هذان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هذان نعلا رسول الله r بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة. فضرب عمر بين ثديَيَّ بيده، فخررت لأستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله r فأجهشت بالبكاء وركبني([227]) عمر. وإذا هو على أثري فقال رسول الله r: مالك يا أبا هريرة؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني([228]) به فضرب بين ثدييَّ ضربة فخررت لإستي، فقال: ارجع فقال رسول الله r: يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ فقال: يا رسول الله، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً به قلبه بَشَّرَهُ بالجنة؟ قال: نعم. قال: فلا تفعل؛ فإني أخاف أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون. فقال رسول الله : فخلِّهِم([229]).- حرص رسول الله على توحيد مصدر تلقي الصحابة:

عن جابر بن عبد الله أن النبي r رأى بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال: أمتهوكون([230]) يا بن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حيا‌ً ما وسعه إلا اتباعي وفي رواية: أن لو كان موسى حياً ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم([231]).


.


4- رسول الله يتحدث عن بدءِ الخلق:

عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر رضي الله عنه يقول قام فينا النبي r مقاماً، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه([232]). وهذا الحديث يدخل ضمن فقه القدوم على الله الذي فهمه عمر من رسول الله.


.


5- نهي رسول الله عن الحلف بالآباء وحثه على التوكل على الله:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يقول: إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم. قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله r نهى عنها، ولا تكلمت بها ذاكراً ولا آثراً([233])، وسمع عمر رضي الله عنه نبي الله يقول: لو أنكم توكَّلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً([234]).


.


6- رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً:

عن أبي موسى قال: سئل النبي r عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس. سلوني عمّا شئتم، قال رجل: من أبي؟ قال: أبوك حذافة فقام آخر، من أبي؟ قال: أبوك سالم مولى شيبة([235])، فلما رأى عمر ما في وجهه، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل([236])، وفي رواية: فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، فسكت([237]).


.


7- لا ونعمةَ عينٍ بل للناس عامة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال: امرأة جاءت تبايعه فأدخلها الدولج([238]) فأصبت منها ما دون الجماع؟ فقال: ويحك لعلها مُغيبة([239]) في سبيل الله؟ ونزل القرآن:} وَأَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ(114) { (هود،آية:114). فقال: يا رسول الله إلي خاصة أم للناس عامة، فضرب صدره
– يعني عمر – بيده، وقال: لا، ولا نعمة عين بل للناس عامة: فقال رسول الله r: صدق عمر([240]).


.


8- حكم العائد في صدقته:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فأردت أن أبتاعه وظننت أنه بائعه برخص، فقلت: حتى أسأل رسول الله r فقال: لا تبتعه، وإن أعطاكه بدرهم، فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه([241]).


.


9- من صدقاته ووقفه:

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله r وكان يقال له: ثمغ، وكان به نخل، فقال عمر: يا رسول الله إني استفدت مالاً، وهو عندي نفيس، فأردت أن أتصدق به، فقال النبي r: تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب، ولا يورث، ولكن ينفق ثمر. فتصدق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله، وفي الرقاب، والمساكين، والضيف وابن السبيل، ولذوي القربى، ولا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف، أو يؤكل صديقه غير متمولٍ به([242])، وفي رواية: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي r فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط. أنفس منه، كيف تأمرني به؟ قال:إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء وذوي القربى، والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أويطعم صديقاً غير متموِّل فيه([243])، فهذا الموقف العمري فيه فضيلة ظاهرة للفاروق رضي الله عنه ورغبته في المسارعة للخيرات، وإيثاره الحياة الآخرة على الحياة الفانية.


.


10- هدية نبوية لعمر بن الخطاب وأخرى لابنه:

عن ابن عمر قال: رأى عمر على رجل حلة من استبرق، فأتى بها إلى النبي r فقال: يا رسول الله اشتر هذه فالبسها لوفد الناس إذا قدموا عليك. قال: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له. فمضى من ذلك ما مضى، ثم إن النبي r بعث إليه بحلة، فأتى بها النبي r فقال: بعثت إلي بهذه، وقد قلت في مثلها أو قال في حُلة عطارد([244]) ما قلت؟ قال: إنما بعثت إليك لتصيب بها مالاً([245]) وفي رواية: … فكساها عمر أخاً له بمكة قبل أن يسلم([246])، وأما هدية النبي r لابن عمر، فعن عبد الله بن عمر قال: كنا مع النبي r في سفر، فكنت على بكر صعب([247]) لعمر، فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم، فيزجره عمر ويرده، فقال النبي r لعمر: بعنيه. قال: هو لك يا رسول الله قال: بعنيه: فباعه من رسول الله r فقال النبي r: هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت([248]).



.


11- تشجيعه لابنه وبشرى لابن مسعود:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله r قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدِّثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنّها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها. فقال رسول الله r: هي النخلة. قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في
نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا([249]). وأما بشرى عمر لابن مسعود، فقد روى عمر رضي الله عنه أنه سمر في بيت أبي بكر مع رسول الله في أمور المسلمين، فخرج رسول الله، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلِّي في المسجد، فقام رسول الله r يستمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله r: من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد. قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله يقول له: سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ. قال عمر: قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه، قال فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه([250]).

.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
لمسلسل, لانحتاج, لنعرفه, الله, الفاروق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:53

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc