*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - الصفحة 23 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-08-14, 02:10   رقم المشاركة : 331
معلومات العضو
مايتينا
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي Merciboucoup

thakyouuuuuuuuuuu









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-08-20, 23:31   رقم المشاركة : 332
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوع الرسالة: تحليل نسقي لقصيدة للشاعر "مرة بن محكان السعدي" *لم اجد صاحب العمل*


قال جادمير: " الوجود الذي من الممكن أن يكون مفهوماً هو اللغة " وهو يتقاطع في هذا مع هايدجر: " إن تاريخ الكلمات هو نفسه تاريخ الوجود " فالنص مرتبط بالتلفظ وهذا الفعل مرتبط بفاعله من جهة وبلحظة التلفظ من جهة أخرى .







تحليل قصيدة للشاعر مرة بن محكان مأخوذة من باب الأضياف بحماسة أبي تمام


المقدمة:

لقد قمت بقراءة خارجية للنص وأخرى داخلية فاحصة، من أجل تتبع دلالاته وخصائصه انطلاقاً من مؤشراته ورموزه بغية الكشف عما تخفيه أبعاده الماورائية، وذلك بالتنقيب في حيثياته وتفاصيله، مستنطقة إياه، للربط بين ما يقدمه لنا من معطيات وبين مقاصده.
ما شد انتباهي في هذه القصيدة هو ذلك الأسلوب السردي القصصي الذي وظفه الشاعر كعنصر هام من بين عناصر الربط، معتمداً على ذخيرة وافية مستمدة من مقومات إرث اجتماعي وأخلاقي وحضاري، وهدفه من هذا هو تنمية الآداء الإبداعي وتوالي الأحداث بشكل مطرد متسلسل. مما خلق نوعاً من التلاحم والربط القويين.
ومن خصائص هذه القصيدة أن الشاعر ينطلق في سرده القصصي من تجربة الآخر ورؤيته لها، ليحط الرحال في إطار الحديث عن تجربته الذاتية، فتتناسل الأحداث ليس باستقلاله الشخصي بل بوجود شخوص مجاورة وفاعلة يتحكم فيها انطلاقاً من مقاصده، ليقدم لنا في النهاية مجموعة من المشاهد التي تمزج بين الواقع والخيال، وسحر اللغة، وباستخدام عنصر الحوار أو تنامي الحدث وشموله لتفاصيل متماسكة تشكل في تواليها الإطار العام للقصة ومنطقها السردي.
ركز الشاعر على مجموعة من الثنائيات، كالتغير والثبات، والهدوء والصراع، كمعالم كبرى تحدد المسار العام للقصيدة.
من هنا فقد تحققت من نسبة القصيدة للشاعر مرة بن محكان، ودرست المعنى والصورة والإيقاع والأساليب والحوار فيها، معتمدة على مجموعة من الكتب القيمة، أما اختياري لهذه القصيدة بالذات فقد حصل بعد أن أعجبت صراحة بموضوعها وطريقة بنائها وتشكيلها، والله المعين.


القصيدة:

يَا رَبةَ البَيْت قُومي غَيْرَ صَاغـــــرَة ***** ضمي إلَيْك رحَالَ القَوْم والقُرُبـَــا

في لَيْلَة منْ جُمــَــادَى ذَات أَنْديــــة ***** لَا يُبْصرُ الكلب من ظلمائها الطنبا

لا ينبح الكــلب فيها غيـــر واحــدة ***** حتى يلف على خرطومــه الذنبـــا

ماذا تريـــن أندنيــــهم لأرحـــلـنا ***** في جانب البيت أم نبني لــهم قببـا

لمرمل الزاد معنــــي بحـــاجـــته ***** من كان يكره ذماً أو يقــي حسبــــا

وقمت مستبطنا سيفي وأعرض لي ***** مثل المجــادل كوم بركــت عصبــا

فصادف السيف منها ساق متليـــة ***** جلس فصـادف منها ساقها عطبــــا

زيــافة بنـــت زيــــاف مذكـــــرة ***** لما نعوها لراعي سرحنـــا انتحبــا

أمطيت جازرنا أعلى سناسنهـــــا ***** فصار جازرنــا من فوقـــها قتبــــا

ينشنش اللحم عنها وهي باركــــة ***** كما تنشنش كفـــا قاتــل سلـــــبـــــا

وقلت لما غدو أوصـــي قعيدتنـــا ***** غــــدي بنيك فلــن تلقـيـهم حقَــبـَــــا

أدعى أبــاهم ولم أقرف بأمـــهــم ***** وقد عمــرت ولم أعرف لهم نسبــــا

أنا ابن محكان أخوالي بنو مطـــر ***** أنـمي إليــهم وكانوا مــعشــراً نجبـــا






التحقق من نسبة القصيدة لصاحبها :

نعلم أن للتحقق من نسبة القصيدة وظيفة مهمة في أمر الشعراء المقلين، وفي أمر الشعراء ذوي المفردات من القصائد ، من هنا قمت بالبحث في مجموعة من الكتب بغرض البحث عن أخبار مرة بن محكان، و ركزت على من ذكروا قصيدته التي أعمل على تحليلها و صنفتهم بالشكل التالي:
- الجاحظ: وذكره في كتابه " الحيوان" بتحقيق: عبد السلام هارون:

في الجزء 7 في الصفحتين: 90 – 91، قائلاً: " ووصف مرة بن محكان قدراً فقال:

ترمي الصلاة بنبل غير طائشة ****** وَفـــقـاً إذا آنـست من تحتها لهـبـا
زيافة مثل جوف الفيل مجرفـة ****** لو يقذف الرَأْلُ في حيزومها ذهبا
كما ذكره في حديثه عن " ثقوب بصر الكلب وسمعه " أبياتاً أنشدها قطرب ( هو محمد المستنير النحوي ) بعد قوله : " والله لفلان أبصر من كلب، وأسمع من كليب، وأشم من كليب " فقيل له أنشدنا في ذلك ما يشبه قولك : فأنشدنا قوله : أبيات :

يا ربة البيت قومي غير صاغرة ***** ضمي إليك رحال القــــوم والقُرُبَـا
في ليلة من جمادى ذات أنديـــــة ***** لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
لا ينبح الكلب فيـــها غير واحــدة ***** حتى يلف على خــرطومـــه الذنبا

وأنشدنا هذا البيت في ثقوب بصره :
في ليلة من جمادى ذات أنديـــــة ****** لايبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
والشعر لمرة بن محكان السعدي، ثم أنشدنا في ثقوب السمع:

خفى السرى لا يَسْمَعُ الكلب وطأه ******* أتى دون نبح الكلب والكلب دابب

- أبو فرج الأصفهاني من خلال كتاب " الأغاني " تحقيق الدكتور إحسان عباس، الدكتور إبراهيم السعافين، الأستاذ بكر عباس، المجلد الثاني والعشرون، الطبعة الثانية، 2004، دار صادر، بيروت. كما اعتمدت على طبعة دار الكتب العلمية التي شرحها وكتب هوامشها الأستاذ سمير جاب، في الصفحات: 321، 322، 323، 324.
ذكر أبو الفرج أخبار مرة بن محكان متحدثاً عن نسبه والعصر الذي عاش فيه وصفاته وبعض الأبيات التي قيلت فيه وبعض الأبيات التي قالها من ضمنها البيت التالي:
يا ربة البيت قومي غير صاغـــــرة ****** ضمي إليك رحال القوم والقربا
وقد نظمه مرة بن محكان عندما طرقه ضيف في ليلة شاتية ، فأنزلهم ونحر لهم ناقته .
إلا أنني لم أعثرعلى أشعار مجموعة لمرة بن محكان لأتمكن من قراءة القصيدة مكتملة.

* تقسيم القصيدة حسب معناها :

- أ – تقسيمها إلى وحدات كبرى:
النص وحدة شعرية كاملة، ومع ذلك يمكننا أن نقسمه للوحدات التالية:
1- وحدة تمهيدية : يصف من خلالها الشاعر الحال التي دفعته لاستقبل الأضياف، معبراً عن برودة الجو و ظلام الليل.
2 – وحدة مركزية: استشارته لزوجته في أمر الأضياف وتهييئ الظروف اللائقة باستقبالهم وذبحه لإحدى أجود النوق عنده.
وحدة ختامية: افتخار الشاعر بكرمه باعتبارها صفة يرثها عن، آبائه وأجداده.
- ب – موضوع القصيدة:
يستهل الشاعر قصيدته بمناداة زوجته بأسلوب في غاية اللباقة، داعياً إياها للقيام بالترحيب بالأضياف واستقبالهم، وضم سلاحهم ومتاعهم إلى ممتلكاتهما، وتهييئ ظروف تليق بهم، فيما لن يكون في هذا الفعل تقليل من شأنها، بل إعلاء من قدرها، باعتبارها أم الأضياف نسبة لزوجها الذي يكنى أبا الأضياف .
ثم ينتقل الشاعر لوصف الظروف التي دفعت بالأضياف لطلب الضيافة، فقدم لنا صورة كلية عن الفضاء زمانياً ومكانياً، باعتباره نافذة تغرينا وتدفع بنا لنطل عبرها، مندفعين للكشف عن حيثيات الواقع وتمثلاته في القصيدة، من خلال تتبع ملامح الشخصيات ومراقبة تحركاتهم في الفضاء الشعري ، وما يترتب عن ذلك من علاقات ومواقف .
فالزم
ان هو ليلة من جمادى ( كان العرب يطلقون على الفصول أسماء الشهور ) فيها أنداء لا يستطيع الكلب رغم حدة بصره أن يرى حبل الخيمة ( بيت الشَعر ) لشدة ظُلمتها، ولا ينبح فيها إلا مرة واحدة يلف بعدها ذيله حول أنفه لقسوة بردها.
ثم يشاور الشاعر زوجته في أمر الأضياف، ويطلب منها الاستفسار عن أحوالهم وعن مدة مكوثهم، فإن كانت قصيرة استقبلوهم في محل سكناهم واختلطوا بهم وإن كانت طويلة شيدوا لهم أبنية أو قبباً بجوارهم، لينعموا بالراحة.
ماذا تـرين أندنيــهم لأرحلنـــا في جانب البيت أم نبني لهم قببا
*** للمرأة عنده رأي وقرار.
وبما أن الأضياف منقطعون عن الزاد فمن واجب الشاعر توفير الطعام لهم، كي يقي حسبه ولا يكون مثاراً لذم الناس، لذلك يحمل سيفه ويتجه نحو نوقه المشرفة وكأنها قصور مكتنزة الجسم، فوقع اختياره على ناقة متلية ( أي يتلوها ولد ) تمتاز بالعلو، تنتمي لأصل عريق، تشبه الذكور نظراً لقوة بنيتها وضخامتها، ثم يصف طريقة نحرها، ورد فعل الراعي عند سماعه بالخبر، وتعامل الجزار عند نزعه للحمها وكيف أربكه عظمها.
ثم ينتقل بعد ذلك ليوصي زوجته بالمبالغة في إكرام الأضياف، لأنها قد تلقاهم لا مرة أخرى، وقد لا يحصل ذلك أبداً باعتبارها أم الأضياف نسبة لأبي الأضياف الذي يمتاز بالكرم والجود الموصولين بكرم أجداده وأسلافه.

نجد في القصيدة تضارب زمنين، زمن الحدث وزمن النفس، أي الحالة التي كان فيها الشاعر بالتزامن مع نظمه القصيدة في إطار الأحداث. يمكننا مقاربة زمن النفس ولا يمكننا معرفته أو الاطلاع عليه بشكل كامل لأنه مندفن في الأعماق السحيقة من نفس الشاعر. أنه الموطن الذي تنشأ فيه وحدة القصيدة وفق ما يقصده الشاعر ، إنه زمن طويل المدى لا ينقطع لأنه يتوفر على ذخيرة كبيرة من المعاني وألواناً من الإيقاعات، كما يضمر القواعد النحوية والقوالب التركيبية للجمل وخصائص الحروف والأصوات وكيفية توزيعها على سطح القصيدة.

معجم القصيدة :

لغة القصيدة منتقاة بعناية، فمعجم الأضياف الممتزج بمعجم البداوة حاضر بقوة وبكل تفاصيله، مما جعل هذه القصيدة في تقاطع مع جاراتها من القصائد التي تنتمي لنفس الباب، ويعتمد الشاعر على مجموعة من الألفاظ التي يصرفها ويركبها من أجل بناء الجمل ومنازل السياق، وذلك بإيجاد علاقات ظاهرة أو خفية تربط بينها. من هنا نحن لا نقصد الألفاظ التي تماثل تلك المستعملة في الحديث اليومي بأشكاله التداولية المختلفة، بل نقصد تلك الألفاظ التي كساها المبدع بمختلف الأصباغ، وجعلها في صورة لا تهدف فقط للتواصل العادي، بل يهدف الشاعر إلى تأطيرها في قوالب أخرى داخل الفضاء العام لنصه، من خلال استعمال الاستعارة والمجاز، وغيرها، أما الوصول لدلالات القصيدة فلا يتأتى بمعرفة المعنى الحرفي اللصيق بالألفاظ فقط، بل يستدعي المعرفة بثقافة العرب في تلك الفترة والمعاني التي كانت تصورها. لأن أصحاب معاجم اللغة لم يكن همهم سوى ضبط معاني الألفاظ، دون ما سلكته هذه الأخيرة على ألسنة الشعراء من مجازات ودروب ومدارج، إلا ما شد من ذلك عند استشهادهم بشعر شاعر بعينه .
كما ساهمت الألفاظ إلى جانب المعاني التي أحسن الشاعر توظيفها، في تشكيل الصورة الكلية التي تختزل في ثناياها مجموعة من الصور الجزئية المكثفة، وتتراوح بين المعنوية والحسية، مما يخلق جواً درامياً داخل فضاء هذا النص، الذي يرسم ملامحه التَكرار بمختلف أنواعه والتشبيه والتضمين العروضي والالتفات .


إيقاع القصيدة:

نظم الشاعر هذه القصيدة على بحر البسيط، وهو من اكثر البحور استعمالاً في الشعر العربي، لأنه يتفق مع موضوع القصيدة نظراً لجمعه بين الحزن والفرح أي الشجن، كما يستطيع احتواء أكثر من غرض واحد في القصيدة، نظراً لتوظيف الشاعر لغرض رئيس هو غرض الضيافة إلى جانب غرضين ثانويين لكنهما أساسيان، وهما والوصف والفخر. هو بحر عروضه وضربه لا يستخدمان حينما يكون تاماً الا مخبونين " فعلن " وهو هنا جاري مجرى العلة أي يلازم أبيات القصيدة بأكملها . الروي هنا هو الباء أما الألف فهي وصل، اذ هي حرف مد ناشئ عن إشباع حركة الروي المطلق " فتحة الباء "، القافية مقيدة .
القصيدة معقودة على وصف مواقف معينة متسلسلة، بحيث أن كل واحد منها يفضي بنا للآخر، ستغيب صورة الأضياف في البيت الأخير، في حين ستظل بعض السمات الرفيعة التي تحيل عليها، وسيغرق الشاعر نفسه في الحديث عن كرمه والافتخار به، فيما ستبقى صورة الأضياف حية متحركة، إلا أنها ستكون متوارية خلف الموقف الذي ينطلق منه الشاعر.

التصوير الفني في القصيدة :

استطاع الشاعر بمهارته أن يجمع بين القصة والتصوير، فالقصيدة بأكملها هي بمثابة صورة متعددة الأبعاد ممثلة ومتحركة بشخصياتها، وهذه الحركة تنقسم إلى قسمين: إما حركة معنوية نفسية تتجلى في تضارب أحاسيس الشخصيات واختلافها ومواقع إسقاطها، أوحركة مادية تتجلى في ذبح الناقة مثلاً ....
ومن خصائص الصور التي يوظفها الشاعر أنها متحركة نابضة تصف مشاهد كلية أو جزئية داخل إطار يطبعه الإيجاز، فهي تقول أكثر مما تدلي به ، مثلاً مشهد اختيار الناقة وذبحها ووصف الشاعر للمعاناة التي مر بها برفقة الجزار لفعل ذلك، ذكر كل هذا ليبين قمة حرصه وكده في إكرام الأضياف، وليبرز أنه كريم جواد، قام بنحر ناقة عظيمة مختارة من أجود نوقه، لم يعبأ بوليدها بل سعى فقط لتحقيق هدفه الظاهر وهو إكرام الأضياف والباطن وهو أن يقي حسبه .
استعمل الألفاظ كإشارات حرة لينتقل بالقارئ من العوالم الأول إلى العوالم الثواني التي هو بصدد وصفها.


الأساليب التي وظفها الشاعر لخدمة مقاصده :
- أسلوب الالتفات :
الالتفات في استخدام الضمائر :
ويتجلى في انتقال الشاعر من مخاطبة زوجته ، إلى الحديث عن نفسه بضمير المتكلم ثم ينتقل للحديث عن الغاب المتمثل في الناقة والجزار والراعي ، ليعود للحديث عن نفسه ويختم بالحديث عن أجداده ، التفة من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائبين .
الالتفات في استخدام العبارات أو الملفوظات :
ويتجلي في التفات الشاعر من استخدام عبارة إنجازية ( إنشائية ) مثل : يا ربة البيت قومي ... ضمي إليك .... ماذا ترين .... الى استخدام عبارة وصفية ( خبرية ) مثل: في ليلة من جمادى ... أمطيت جازرنا ... ينشنش اللحم ...

- استعماله لجمل طويلة يدل على بطئ الحركة التي كانت تمر بها الأحداث ويتجلى ذلك في تصويره لمعنى واحد في بيتين أو أكثر .
- يتراوح زمن الأفعال في القصيدة بين الأمر والأضرب التي يخرج إليها وخاصة الطلب، ثم زمن المضارع المعبر عن لحظة في زمن الماضي، فيما يكون هذا الأخير هو الزمن المهيمن ويتراوح بين ماض بعيد وآخر قريب.
- استعمل التكرار بكثرة، ونوعه بين تكرار الكلمات: الكلب.... وتكرار الروابط : في – فاء العطف – واو العطف – لا النافية – ها ( باعتبارها ضمير متصل يعود على مرجعه مباشرة ....
التكرار هنا يمنح النص شكلاً إيقاعياً يساهم في إغناء جانبه الموسيقي والفني، فوظيفته إذن وظيفة إيقاعية. كما يساهم في التأسيس للوظيفة الدلالية للنص باعتبار أنه موجه للمتلقي. كما تترتب عن التكرار وظائف أخرى كالوظيفة التأثيرية والوظيفة الإقناعية، والوظيفة التنظيمية، لأنه يساهم في انسجام وتماسك النص.
- نُدْني – نبني = تكرار للأسجاع الداخلية لأنه جاء في نفس البيت.
- استخدم الكناية: يا ربة البيت...كناية على الزوجة.
- الإحالة: بالضمير: إليك = الكاف تحيل على الزوجة....ظلمائها = ها = ضمير متصل يعود على مرجعه مباشرة، وهو يعود هنا على لفظة: ليلة . خرطومه : الهاء تعود على الكلب .
- مثل = أداة من أدوات الربط والوصل.
- كوم = استبدل كلمة نوق بأسنمة والإحالة عليها.
- مثْل المُجادل = تشبيه مضمر.
- كما تنشنش كفا قاتل سلبا = تشبيه في غاية الروعة .
- أقرف – أعرف = ترصيع .
- قومي – القوم = مجانسة بالاشتقاق.
- غدوا – غدي = مجانسة بالاشتقاق والمضارعة .
الروابط محللة نحوياً حسب موقع كل منها:
- يا: وهي هنا حرف نداء للقريب أو البعيد.
- غيرَ: اسم يفيد الاستثناء. وهي منصوبة على الحال ( لأن " صاغرة " حال ).
- إليك: اسم فعل أمر.
- في: حرف جر. " في ليلة " :جار ومجرور ، والجار متعلق "بضمي " أو "بقومي".
- لا : لا الجازمة ( دخلت على المضارع فجزمته ).
- من: حرف جر.
- حتى: دخلت على الفعل المضارع" يلف " فنصب بأن المصدرية المحذوفة وجوباً.
- ماذا: اسم استفهام في محل رفع مبتدأ.
- أم : حرف عطف .
- أو : حرف عطف .
- لي: لام الملكية حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، وياء المتكلم: ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، وشبه الجملة من الجار والمجرور " لي " متعلق بخبر محذوف تقديره كائن.
- لما: حرف يجزم الفعل المضارع، ويقلب زمنه لزمن الماضي.
- ف ( فصار ) : الفاء الاستئنافية .
- كما: الكاف حرف جر، ما: اسم موصول بمعنى مثل.
- قد : حرف تحقيق .
- لمْ : حرف جزم ونفي وقلب ، ( جزم الفعل المضارع " أقرف " ونفى وقوعه ، وقلب معناه من الحاضر إلى الماضي ) .


يحكم القصيدة تناسب صوتي مصدره اختيار الشاعر لألفاظ لا تتعارض صوتياً بل تتكامل وتندمج لتشكل نغمة صوتية معينة، ثم ينتقي من جهة ثانية الألفاظ التي تساعده على إبراز المضمون من الناحية الصوتية لذلك تراوحت الأصوات التي استخدمها بين المجهورة والمهموسة وركب بينها ليساهم في تشكيل المستويين الدلالي ( اختيار الألفاظ وتركيبها وتعالقها معنوياً ) والتعبيري ( البناء التركيبي العام للقصيدة ) .



وظيفة الحوار في القصيدة :

الحوار شكل من أشكال الأداء الفني، يعبر من خلاله الشاعر عن أفكاره بطريقة مغايرة لما هو موجود في الواقع، وهو بناء متكامل تلتقي فيه ذات الشاعر بذوات أخرى، يزيد شغف القارئ به كلما كان سلساً محكم التأليف. وفي القصيدة التي بين أيدينا يتخذ الشاعر من زوجته طرفاً في الخطاب، وبالتالي يخرج على التقاليد القديمة، ويتجاوز الأسلوب التقريري الذي كان نظاماً ثابتاً، ونهجاً مألوفاً، وقد دفعه ذلك الإحساس إلى إيجاد صيغة يستطيع بواسطتها أن يمنح القصيدة قوة دفع جديدة، من خلال صياغة أسلوبية، تحقق ما أراده، فلجأ إلى الحوار.
توظيف أسلوب الحوار في هذه القصيدة منحها الحيوية والحياة، فعبر الشاعر عن وجود شخصين بصوت الواحد، مما أدى إلى تناسل الأحداث وتسلسل العبارات التي تراوحت بين الدعاء والطلب والوصية، والاستفهام والنداء، مما دفع بالشخصيات للبروز بكل حمولتها الاجتماعية والثقافية، مفصحة عن ذلك من خلال مسلكها وتصرفها، كما يفصح الحوار عن الكثير من الجوانب النفسية لأفراده، مهما تنوعت موضوعاته وتعددت شخصياته.
استخدام الشاعر لأسلوب الحوار في نضم قصيدته جعلها تمتزج بفنين حديثين هما القصة والمصرح، مما ساعده على رسم الشخصيات الحاضرة منها والغائبة، والفاعلة والمنفعلة، كما دفع ذلك إلى نمو المواقف، وتجسيد التجربة.
وبشكل عام فالحوار يأسر القارئ والسامع ، ويدعو كلا منهما للمتابعة، كما يكشف عما يدور في نفوس الشخصيات من أهواء ونوازع وأفكار ، كما يعيد بناء وإنتاج تشكيل الواقع الذي مضى ليربطه بحاضر جديد .





لائحة المصادر والمراجع:

- أبو الفرج الاصفهاني، الأغاني، شرحه وكتب هوامشه: الأستاذ سمير جابر، ج 22، طبعة دار الكتب العلمية، لبنان.
- أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، تحقيق الدكتور إحسان عباس، الدكتور إبراهيم السعافين، الأستاذ بكر عباس، المجلد 22، الطبعة الثانية، 2004، دار صادر- بيروت.
- الجاحظ، الحيوان، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.
- الإمام إبراهيم بن محمد بن أحمد الباجوري، تحقيق إلياس قبلان، حاشية على الرسالة السمرقندية، متن الفريدة في الاستعارة والمجاز، الطبعة الاولى، 2009، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان.
- أبو فهد محمود محمد شاكر، نمط صعب ونمط مخيف، مطبعة المدني، الطبعة الأولى، 1996.
- أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، نشره كل من: أحمد أمين وعبد السلام هارون، الطبعة الأولى،1991، دار الجيل- بيروت.
- الدكتور السيد أحمد عمارة، الحوار في القصيدة العربية إلى نهاية العصر الأموي، الطبعة الأولى، 1993.
- الدكتور سعيد الأيوبي، عناصر الوحدة والربط في الشعر الجاهلي، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، طبعة 1986.
- يحيى زكريا الآغا، جماليات القصيدة في الشعر الفلسطيني المعاصر، الطبعة الأولى، 1996، دار الحكمة- غزة.
- الدكتورة ريتا عوض، بنية القصيدة الجاهلية، الصورة الشعرية لدى امرئ القيس، دار الآداب- بيروت.
- الدكتور عبده بدوي، أبو تمام وقضية التجديد في الشعر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985.
- محمد الاخضر الصبيحي، مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقه، منشورات الاختلاف، الطبعة الأولى، 2008.





الفهرس:

المقدمة
التحقق من نسبة القصيدة
تقسيم القصيدة حسب معناها
معجم القصيدة
الإيقاع
التصوير الفني في القصيدة
الأساليب التي وظفها الشاعر لخدمة مقاصده
وظيفة الحوار في القصيدة
لائحة المصادر والمراجع
الفهرس

منقوووول للفائدة










رد مع اقتباس
قديم 2013-08-20, 23:33   رقم المشاركة : 333
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوع الرسالة: تحليل بنيوي لقصيدة عروة بن الورد *لم اجد صاحب العمل*

تحليل بنيوي لقصيدة عروة بن الورد» الحماسة رقم 680من باب الأضياف

يعتبر كتاب الحماسة من أبرز كتب المختارات الشعرية، جمع فيه أبو تمام عيون الشعر العربي التي تنضبط لقواعد الشعرية التقليدية، وجاء المرزوقي فوضع شرحا من أروع شروح الحماسة وأحسنها، تأتي له فيه أن يستنبط القواعد التي تنظم الإبداع الشعري العربي من المنظور التقليدي فسماها "عمود الشعر".
ويتألف كتاب الحماسة حسب ما نظر له المرزوقي في شرحه، من إحدى عشرة بابا وزعها أبو تمام حسب أغراض شعرية متباينة "صب فيها ذوقه الفني على ما وصل إليه من أشعار العرب، فاختار لكل باب من أبواب الحماسة ما ارتضاه ذوقه وإستجادته قريحته، وهي الحماسة والمراثي والنسيب والهجاء والأدب والأضياف والمدح ومذمة النساء والملح والنعاس والصفات. "وقد نظر أبو تمام إلى هذه الأبواب نظرية نقدية ذات أبعاد جمالية متميزة " تنم عن قوة حسه النقدي في مقاربة النص الشعري العربي القديم.
ولما كانت الأغراض في الشعر العربي كثيرة ومتنوعة فقد اختار أبو تمام من شعر عروة بن الورد في باب الأضياف أربعة أبيات تصور مفهوم الضيافة عند هذا الشاعر الذي ينتمي إلى طائفة الشعراء الصعاليك. وسيكون دأب هذه المحاولة أن تدرس النصين دراسة بنيوية نسقية تكشف عن البعد الجمالي فيهما، مع الأخذ بعين الاعتبار المتلقي على أساس انه الحجر الزاوية في كل عملية إبداعية.
لعل أول ملاحظة تسترعي انتباه قارئ النصين الشعريين القصر حيث يتألف كل واحد منهما من بيتين، وهذه الظاهرة تذكرنا بأول أمر الشعر عند العرب، حيث كان الواحد يلقي البيت أو البيتين لحاجته، قبل أن يترسخ في التراث الشعري القديم مفهوم القصيدة على النحو الذي نجده عند امرئ القيس ومن حذا حذوه من شعراء الجاهلية والإسلام. هذا ويمكن أن يكون مرد هذا القصر أو الإيجاز إلى طبيعة الحياة التي عاشها الشاعر الصعلوك، والتي تتسم في الغالب الأعم بالاضطراب وعدم الاستقرار، فهي حياة السطو والإثارة على القبائل والقوافل لسلب الغنائم وإعادة توزيعها على الفقراء والمحتاجين. ومن جهة أخرى يمكن أن نقرأ في هذا المنزع الشعري توجها أخر يثور على القيم الشعرية القبلية العربية، يوازي ثورة الصعاليك على القيم الاجتماعية السائدة في القبائل العربية.
تكشف القراءة الأولية "للنص الأول" على أن الشاعر يتوجه بخطابه إلى مخاطبة يسميها أم مالك، قد تكون زوجته أو صاحبته، أو مخاطبا مفترضا متخيلا وليس له وجود واقعي، ويطلب منها سؤال طالب المعروف الذي يطرق باب الشاعر ليلا، مترددا غير مفصح عن حاجته ربما بسبب الحياء والمرؤة المعروفة عند الإنسان العربي، إذا أتى الشاعر وهو بين مكان نصب القدور ومكان الجزر أو المسلخ الذي تسلخ فيه الإبل أو الماشية محددا بذلك موضوع السؤال في كيفية استقباله للأضياف.
ويشير في البيت الثاني إلى ما خص به ضيوفه من ترحاب وحفاوة بدءا من استقبالهم بوجه مسفر بشوش، مرورا ببذل وجوه المعروف الكثيرة وإنتهاءا بالحرص على كف جميع ما من شأنه أن يخل بآداب الضيافة الراقية. هذا على مستوى المعنى أو المضمون الذي يكشف على أن الشاعر ومن خلاله الإنسان العربي يعتبر واجب الضيافة والقرى واجب مقدس بالنسبة للمجتمع العربي الجاهلي.
أما على مستوى التركيب يفتتح الشاعر البيتين بأمر يوجهه إلى أم مالك وقد استخدم الفعل (سلي) ولم يستعمل صيغة (اسألي) انسجاما مع ما أشرنا إليه من نزوعه إلى الإيجاز والاختصار، فدل على المعنى المراد بأقل عدد ممكن من الحروف والكلمات. وبعد هذه الجملة الفعلية (سلي الطارق المعتر)، أدرج الشاعر جملة اعتراضية لعل المقصود منها إضفاء صيغة الواقعية على المشهد القصصي أو السردي المتخيل في النص الشعري فأفصح عن الشخصية الثانية التي يتوجه إليها بالخطاب فذكر اسمها في قوله يا أم مالك. وقد ذكر الكنية ولم يذكر الاسم على غير عادة العرب في تكريم المرأة، وهو التكريم الذي يعززه استخدام أداة نداء البعيد (يا) بالرغم من القرب المكاني الذي يقتضيه هذا المقام التواصلي، ويحدد الشطر الثاني من البيت الأول ظرف السؤال الزماني والمكاني ويتمثل في زمن قدوم الضيف ومكان تواجد الشاعر. قدري ومجزري.
وفي البيت الثاني يجدد الشاعر المطلب الذي يدور حوله السؤال فيستخدم صيغة الاستفهام، معتمدا الهمزة، وهو استفهام لا ينتظر من المخاطب جوابا، لأنه قدم التعليل المتضمن في الجملة، انه أول القرى وهو تعليل قائم على الإيجاز أيضا، حيث حذف لام التعليل مع بقاء القرائن الدالة عليها في التركيب، ويأتي الشطر الثاني معطوفا على الجملة الاستفهامية وهي أيضا ذات استفهام استلزامي، يدل على تأكيد دلالة الكرم في أقصى صوره وغاياته الممكنة.
والجدير بالذكر أن الشاعر وظف الأسلوب الإنشائي، وهو إنشاء طلبي (الأمر + النداء+ الاستفهام)، ومعلوم أن هذا الأسلوب لا يحتمل صدقا ولا كذبا، لذلك نرى فيه تأكيدا للدلالة على مدى كرم الشاعر واحتفائه بأضيافه، فكأنه عدل عن الأسلوب الخبري، مخافة أن يقع في احتمال الصدق أو الكذب ولجأ بالتالي إلى الأسلوب الإنشائي الذي يكفل له أن لا يوضع كلامه موضع شك أو تأرجح بين الصدق والكذب، وهو ما يؤكد على أن الشاعر يضع في حسبانه المتلقي الذي يوجه إليه خطابه قصد تعريفه بمكارم أخلاقه وسموها عندما يتعلق الأمر بواجب الضيافة والقرى.
أما على الصعيد البلاغي، لا يخفى الالتفات الحاضر بقوة في البيتين ويتمثل في:
- الانتقال من الإنشاء الطلبي إلى الخبر (ب1).
- الانتقال من الأمر إلى الاستفهام (ب 1-2).
- الانتقال من المخاطب (سلي) إلى الغائب (أيسفر).
- الانتقال من الغائب (أيسفر) إلى المتكلم (أبذل).
ويحقق هذا المحسن البلاغي. وظيفة إضفاء طابع الحركية على النص وهو طابع لا تخلو حياة الصعاليك منه. إضافة إلى الترويج على القارئ وتجنيب النص الوقوع في الرتابة والنمطية وهو ما يدل مرة أخرى على أن المتلقي حاضر بقوة في ذهن المبدع.
وعلى العموم، تغلب على البيتين سمة العري من المحسنات البلاغية التي دأب الشعراء على الافتنان في إيرادها وتشكليها. وهذا ملمحا أخر يعكس طبيعة حياة الصعلوك البسيطة والطبيعية القائمة على البذل والتضحية وإكرام الآخرين.
والى جانب الالتفات نجد استعارة مكينة تتجلى في نسبة الأسفار إلى الوجه وهو في غالب الظن من خصائص الشمس /القمر. والجامع بينهما الإشراقة والجمال. وكذلك شبه أسفار وجهه بأول القرى. وحذف الأداة ووجه الشبه . على سبيل التشبيه البليغ.
وقد اصطفى الشاعر تفعيلات الطويل بحرا أجرى في قوله الشعري. والطويل كما يقول حازم من البحور الشعرية التي تناسب الأغراض الجادة وغرض الشاعر منها بالنظر إلى مساحتها الصوتية الممتدة التي تفسح للشاعر مجال الافتنان في التعبير واختيار أفضل التراكيب لمعانيه وقد غاب الترصيع عن النص. والقافية فيه رائية خالية من الردف والتأسيس . مجراها الكسرة، وإذا كانت الكسرة تدل في الغالب على الانكسار، فإن هذا المعنى يوافق مقاما خاصا هو مقام الانكسار للضيف وخفض الجناح له وبذل وجوه الكرم والضيافة.
ويغتني البناء الإيقاعي للنص بعنصر التكرار. متمثلا في تكرار الحروف، كحرف الراء خمس مرات في البيت الأول وأربع مرات في البيت الثاني، وحرف الهمزة ثلاث مرات في ب 1 وأربع مرات في ب2. وهذا التكرار الصوتي يخدم إيقاع النص بما يخلقه من تكرار منتظم لأصوات بعينها.إضافة إلى كونه يستدعي انتباه القارئ ويرضي أفقه الجمالي وهوما يضمن للنص البقاء والخلود ، وصفة الخلود هاته أرادها الشاعر أن تسم ما يقوم به من أعمال كريمة إزاء أضيافه الذين يقصدونه. من خلال توظيفه للأصوات المجهورة تأكيدا على الجهر بمكارم أخلاقه . وخاصة فيها يتعلق بآداب الضيافة.
أما في البيتين الأخيرين يذكر الشاعر ما يتحلى به قومه أو بالأحرى جماعة الصعاليك من آداب الضيافة؛ فهم كثيرو المشي بين الرِّحال التماسا لخدمة الأضياف وحرصا على راحتهم، يتولى فريق منهم تغطية الضيف ويتولى فريق أخر السهر على أن ينام الضيف نوما هنيا، وقد وقف الشاعر عند هاتين الضفتين مبالغة في تصوير الاهتمام بالضيف. فإذا كان هذا حال الصعاليك فيها يتعلق بالغطاء والنوم. فكيف إذا تعلق الأمر بالقرى وغيره من الأمور التي تتعلق بالشهامة والمروءة والجود؟.
وينتقل الشاعر في البيت الثاني إلى بيان جماع مكارم قومه في معاملة الأضياف مستعرضا كيفية تعاطي الحليم والجاهل من الصعاليك مع الضيف ؛ فالحليم يعتريه الجهل والجهالة إذا ما رأى ما يؤذي ضيفه أو يسئ إليه، والجاهل يصير حليما في احتمال أذى الضيف، وهذا منتهى الكرم، والملاحظ أن الشاعر بدأ بالصفة المادية وانتقل إلى الصفة الأخلاقية المعنوية النفسية في البيت الثاني تأكيداً على الأخلاق النبيلة التي يتمتع بها هو وجماعته من الصعاليك خاصة عندما يتعلق الأمر بأدب الضيافة والقرى .

الملاحظ أن الشاعر بدأ بجملة خبرية إنكارية، حيث أكد الخبر بمؤكدين هما: إن ولام التوكيد (إنا لمشاؤون) ولا يخفى أن صيغة المبالغة (مشاؤون) تؤكد ما أراد الشاعر نسبته إلى جماعته من كثرة السعي لخدمة الضيف، ويلفت الانتباه انه ذكر (الضيف) معرفا، فكأنما هو معهود معروف، وأن الكرم هو دأب الجماعة وعاداتها التي لا تنفك عنها، وفي البيت الثاني نجد أيضا جملة خبرية ابتدائية، ألقاها الشاعر خالية من أدوات التوكيد، وكأنه موقن من أنها حقيقة راسخة لا يأتيها شك، وقد استعمل الاسم (ذو) متبوعا بالصفة المعرفة (الحلم- الجهل) ليبين أن المتحدث عنه قد حاز الغاية في الإتصاف بما نسبه له الشاعر، فذو الجهل قد حاز الجل برمته، وكذلك ذو الحلم وهذا يعزز دلالة الإكرام والنبل، فالواحد من جماعة عروة وإن كان في غاية الحلم يجهل إذا ما أوذي ضيفه، وإذا كان في غاية الجهل يحتمل ما قد يصدر من ضيفه من جهالة أو إذاية أو إساءة.
ومن جهة أخرى نلاحظ أن الشاعر استخدم ضمير المتكلم الجمع (نحن) الذي يدل على الاعتزاز بالانتماء إلى جماعة الصعاليك، وقد حق له أن يعتز بذلك خاصة وأن ما يذكره من مكارمهم ، أخلاق عزيزة في مجتمع صحراوي قاس، مما يجعل من كرمهم عطاءا في غايته، ونشازا في محيط مجذب قاحل.
وعلى مستوى التركيب البلاغي، نقف في البيت الثاني على مطابقة، بين ذو الجهل ـ ذوالحلم ، وبين جاهل ـ حليم. وهذا الطباق طباق إيجاب، وهو كذلك إيجابي الدلالة يصب في خدمة الضيف والحرص الشديد على راحته.ونلمس في الشطر الثاني من البيت الأول إيجاز بالحذف في قوله (منا لاحف ومنيم)؛ فهو ذكر فريقين من جماعة الصعاليك يتوليان مهمتين، السهر على تغطية الضيف وتوفير الدفء والراحة. والسهر على أن ينام قرير العين ،والتقدير (منا لاحف ومنا منيم)، ولا يفوتنا أن نلفت الانتباه إلى غياب الجمل الفعلية فكل جمل النص اسمية مما يعزز دلالة ثبات الصفات المسندة إلى الشاعر و جماعته من الصعاليك.
وفيما يخص الجانب الإيقاعي، اعتمد الشاعر بحر الطويل، وهو كما سبق من البحور التي تصلح للأغراض الجادة، مثل غرض الشاعر واعتمد قافية مطلقة رويها الميم الموصول بمد ناتج عن إشباع مجرى الروي (الضمة)، وهي قافية مردوفة بالياء قبل حرف الروي، وقد تحقق الانسجام الصوتي في البيتين من خلال إعمال التكرار، ومن مظاهره تكرار حرف النون وهو من الحروف المهجورة كما هو الأمر في البيت الأول، وتكرار المد بالألف سبع مرات في البيت نفسه، وتكرار اللام خمس مرات في البيت الثاني، ولعل هذا التكرار يخدم دلالة الجهر بخصال الصعاليك ومكارمهم العزيزة خاصة المرتبطة بكرم الضيافة، وكذلك مد الصوت بالتغني بها، وكأنما الشاعر في مقام استمتاع وابتهاج بتلك الفضائل التي تعلي من شأنه وشأن جماعته من الصعاليك، وتجعلهم في غاية التحضر والمروءة.
ولعل عروة بن الورد في توظيفه لحروف بعينها داخل نسقه الشعري ما هو إلا دليل على اهتمام الشاعر بالمتلقي، خاصة إذا علمنا أن الشاعر أراد من خلال نصوصه تلك التغني بمكارم أخلاقه وحسن ضيافته لطارق بيته حرصا منه على انتشارها بين الناس، يعزز هذا التوجه الذي أراده المبدع من إبداعه، سهولة استيعاب الوحدات الصوتية نظراً لتكراريتها، وبعدها عن الغرابة والإيغال في الصور الفنية، هو ما يمكن أن يوفر لشعره ميزة الاستمرارية والحركية.
يتضح لنا –إذن- من سابق كل ما تقدم أن شعر عروة بن الورد في باب الأضياف، يعكس إلى حد بعيد نمط حياته وحياة جماعته من الصعاليك، التي تتسم في الغالب الأعم بالسرعة وعدم الاستقرار وهو ما لاحظناه من خلال وقوفنا على الطابع الموجز والمختصر لشعرهم الذي لا يتجاوز النتف والأبيات القصيرة على غير عادة الشعر التقليدي، الذي يتميز بتعدد الأغراض والمواضيع داخل النص الشعري الواحد وهو ما يعتبر في نظر النقاد ملمحا تجديديا في النسق الشعري القديم.
إضافة إلى عنصر القصر وعدم طول القصيدة وغياب تعدد الأغراض نجد أن عنصر البساطة هو الجانب المهيمن على المعجم بحيث لجأ إلى ألفاظ سهلة ومتداولة حتى يضمن لنسقه الشعري وعبره مكارم أخلاقه وما يقوم به من واجبات القرى والضيافة، الاستمرارية والخلود والانتشار الواسع بين الناس، بينما نجده على مستوى التصوير لا يحتفي بالزينة البلاغية بشتى أنواعها، لأنه ظل منسجما مع نمط حياته البسيط ووفيا له في اختياراته الجمالية، مما يعني أن عروة بن الورد اختار أدوات شعرية سهلة وبسيطة ليصل من خلالها إلى عمق المتلقي والتأثير فيه عقليا ووجدانيا، إدراكا منه أن الشاعر لا يمكن أن تستقيم له أداوت إبداعه إلا عبر إشراك المتلقي في العملية الإبداعية.
وختاما يمكن القول إن شعر عروة بن الورد والصعاليك عموما يظل في حاجة إلى دراسة من منظورات مختلفة انثروبولوجية ونفسية واجتماعية ترصد خصوصية هذه الجماعة من الشعراء وتفردها برؤية خاصة للعالم ينبغي أن يماط عنها اللثام.



• الهوامش
- لمزيد من التوسع ينظر مقدمة شرح ديوان الحماسة، للمرزوقي، 1/9.
2- نفسه.
3- مفهوم الغرض في الشعر العربي، الأمين المؤدب، ص: 118.

4 - شعر الصعاليك منهجه وخصائصه لعبد الحليم حفني، ص: 42.

5 - سلي الطارق المعتر يا أم مالك، إذا ما أتاني بين قدري ومجزري
أيسفر وجهي، أنه أول القـرى، وأبدل معروفي له دون منكري.
ديوان عروة بن الورد أمير الصعاليك، ص: 78.
6- وإنا لمشاؤون بيـن رحالنا إلى الضيف منـا لاحف ومنيم
فذوا الحلم منا جاهل دون ضيفه وذو الجهل منا عن أداه حليم
7- مفاهيم هيكلية في نظرية التلقي، محمد إقبال، ص: 61.
قائمة المصادر والمراجع

• المرزوقي (علي أحمد بن بن الحسين).
شرح ديوان الحماسة، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، دار الجيل بيروت ج الأول، الطبعة الأولى 1991.
• عروة بن الورد.
ديوان عروة بن الورد، أمير الصعاليك، تحقيق أسماء أبو بكر محمد دار الكتب العلمية، لبنان، 1/1992.
• ديوان عروة بن الورد، تحقيق سعدي ضناوي، دار الجيل بيروت الطبعة 1/1996.
المقالات:
• محمد الأمين المؤدب.
مفهوم الغرض في الشعر الجاهلي، نحو بناء جديد للمفهوم، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 80 الجزء 1.
• محمد إقبال عروي
مفاهيم هيكلية في نظرية التلقي، عالم الفكر مجلة فصلية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، العدد في المجلد 37، مارس 2009.

منقوووول للفائدة










رد مع اقتباس
قديم 2013-08-20, 23:36   رقم المشاركة : 334
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوع الرسالة: التناص ودلالته في جدارية محمود درويش. *عدم وجود اسم صاحب العمل*


المحتوى:


مقدمة: .................................................. .................................................. .......ص: 1
تحديد المفاهيم:......................................... .................................................. ...... ص: 2
 ما هو المفهوم :................................................. ................................. ص: 2
المحور الاول: ما هو النص:
تعريف النص:............................................. .................................................. .... ص: 3
النص لغة )المعجم العربي(:.......................................... ........................................ص: 3
النص Texte: لغة )المعجم الغربي(:.......................................... ..........................ص: 3
مفهوم النص:............................................. .................................................. .... ص: 3
المحور الثاني: ما هو التناص
تعريف التناص:........................................... .................................................. .... ص:4
التناص لغة)في المعجم العربي(:.......................................... ...................................ص:4
مصطلح"intertextualité"ومقابله في الدراسات العربية الحديثة:.............................. ص:4
في التراث العربي:........................................... .................................................. ص:4
مفهوم التناص:........................................... .................................................. .... ص:4-5
المحور الثالث: التناص ودلالاته في جدارية لمحمود درويش
أ- 1. التناص الأدبي:........................................... .............................................. ص:6
1- قراءة في عنوان القصيدة:.......................................... ................................. ص:6
2- امرؤ القيس :................................................. .......................................... ص:6
3- ابي علاء المعري:........................................... .......................................... ص:6-7
4- طرفة بن العبد:............................................ .............................................. ص:7
5- لبيد بن أبي ربيعة:............................................ ......................................... ص:7
ب-2. التناص الأسطوري:......................................... .......................................... ص:7
1- طائر الفينيق:.......................................... .................................................. ص:7-8
2- ملحمة جلجامش:........................................... ............................................ ص:8
ج- التناص التاريخي :................................................. ...................................... ص:9
الخاتمة:.......................................... .................................................. ............. ص:10


مقدمة:
يتميز الدرس التناصِّي بصفات مهمة، قادرة على سبر أغوار النصِّ والتغلغل إلى مفاصله، وتعتبر "جدارية" هي ديوان \ قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش يمثل تجربة جديرة بالتأمل والدراسة لما تحويه من غنى وتنوع في الظواهر الأدبية والفنية ، تجسد ( جدارية )بشكل عام صراعاً بين الموت والحياة في إشارات واضحة لذلك على مدار القصيدة ، يعاني فيها الشاعر موت أمور كثيرة فمن موت اللغة إلى ضياع الهوية إلى عبث ولا جدوى ، وتحدي وإصرار على المواجهة ، القصيدة ( أرض خضراء) جمعت جوانب أدبية ودينية واجتماعية وفلسفية وسياسية بحيث ألقى فيها الشاعر جل همومه، أحيانا يلجأ إلى تصويرها وحين يشتد به الأسى يلجأ كثيراً إلى أسلوب التداعي الحر في بعض المقاطع ، واستخدام الرمز والأسطورة الخ....
وهذا ما سأعمد على الكشف عنه في هذا العمل امن تقدم نماذج لبعض مواطن التناص الواردة في القصيدة مع يقين مطلق بأن ما سيتم ذكره من تناصات هو جزء بسيط من تلك الخفية التي لم افطن لها ...


تحديد المفاهيم:
 ما هو المفهوم :
"لا وجود لمفهوم بسيط. كل مفهوم يملك مكونات, ويكون محددا بها. للمفهوم إذن رقم. انه تعددية, حتى وان لم تكن كل التعددية مفهومية. لا وجود لمفهوم احادي المكون: وحتى المفهوم الأول الذي "تبدأ" به فلسفة ما فانه يتوفر على مكونات كثيرة. ما دام ليس بديهيا أن على الفلسفة أن تكون لها بداية, وحتى وان حددت بداية ما فإنها تضيف إليها وجهة نظر أو سببا.
لا يبدأ ديكارت, وهيغل, و فيورباخ, بالمفهوم عينه فحسب, وإنما ليس لديهم مفهوم واحد للبداية. فكل مفهوم على الأقل مزدوج أو ثلاثي...ولا وجود كذلك لمفهوم يحتوي على مكوناته, لأنه سيكون مجرد سديم خالص :
وحتى الكليات المزعومة كمفاهيم قصوى يتوجب غليها الخروج من السديم لرسم عالم يشرحها (التأمل,التفكير,التواصل...). كل مفهوم يتوفر على محيط غير منتظم, محدد برقم مكوناته. لهذا نجد انطلاقا من أفلاطون إلى برغسون, فكرة كون المفهوم إنما يرتبط بالتمفصل, والتقطيع, والتقاطع. انه كل لكونه يشمل كل مكوناته, لكنه كل متشظ. ووفق هذا الشرط فقط يمكنه أن يخرج من السديم الذهني, الذي لا يتوقف عن التربص به, والالتصاق به من اجل استيعابه من جديد".
"قد يرى المطلع على بعض الدراسات المتعلقة بالتناص تداخلا كبيرا بين هذا المفهوم وعدة مفاهيم أخرى مثل "الأدب المقارن" و "المثاقفة" و "دراسة المصادر" و "السرقات" ولهذا فان الدراسات العلمية تقضي أن يميز كل مفهوم من غيره ويحصر مجاله لتجنب الخلط...وتناول الظروف التاريخية والابستيمية التي ظهر فيها".


- المحور الاول:


- ما هو النص







• تعريف النص:
بديهي أن يكون "للنص" تعاريف متباينة تختلف من منطلق لآخر,ومن توجه معرفي لآخر. ولعل المقاربة اللغوية من أهم المنطلقات الأساسية التي حاولت أن تلامس بعضا من جوانب هذا المفهوم. فما هو إذن التعريف اللغوي"للنص", كما وردنا من معاجم اللغة العربية:
- النص لغة )المعجم العربي(: "رفعك الشيء,نص الحديث ينصه نصا:رفعه,وكل ما اظهر فقد نص [...] يقال: نص الحديث إلى فلان أي رفعه,وكذالك نصصته إليه.ونصت الظبية جيدها:رفعته [...] ونص المتاع نصا:جعل بعضه على بعض, ونص الدابة ينصها نصا:رفعها في السير. [...] وفي الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام حين دفع من عرفات, سار العنق فإذ وجد فجوة نص, أي رفع ناقته في السير.وقد نصصت ناقتي: رفعتها في السير,وسير نص ونصيص"
كما يفيد النص صيغة الكلام, الذي لا يحتمل إلا معنى واحد,أو لا يحتمل التأويل. ومنه قولهم لا اجتهاد مع النص, وعند الأصوليين هو الكتاب والسنة"
- النص Texte: لغة )المعجم الغربي(: مجموعة من الكلمات, جمل تتشكل كتابتا,هذه الأخيرة قد تكون مطبوعة أو بخط اليد. [...].
أما Textile:الحياكة )النسج( لها علاقة بصناعة النسيج. الاسم 1 قطعة ثوب, مادة النسيج 2 صناعة النسيج. [...]أما Texture : "فهي مرادف ل"disposition تجميع, التئام أجزاء شيء ما, التئام مختلف أجزاء شيء ما.

- مفهوم النص
"للنص تعاريف عديدة تعكس توجهات معرفية ونظرية و منهاجية مختلفة فهناك التعريف البنيوي, وتعريف اجتماعية الأدب والتعريف النفساني الدلالي, وتعريف اتجاه تحليل الخطاب..., التي. وأمام هذا الاختلاف فإنه لا يسعنا إلا أن نركب بينهما جميعا لنستخلص المقومات الجوهرية الأساسية التالية:
o عرف "هيامسلاف HJEMSLEV".مصطلح النص تعريفا,واسعا جدا,فأطلقه على ملفوظ أي كلام منفذ قديما كان,أو حديثا,مكتوبا,أو محكيا,طويلا أو قصيرا.فان عبارة "قف" هي في نظر هيامسلاف نص,كما أن جماع المادة اللغوية بكاملها هي أيضا نصا.
o أما "تودوروف تزيفطان TODOROV TZVETAN" فانه يعرف النص على انه إما أن يكون "جملة",وإما أن يكون "كتابا" بكامله, وان تعريف النص يقوم على أساس استقلاليته,وانغلاقيته, وهما الخاصيتان التي تميزانه,فهو يؤلف نظاما خاصا به,لا يجوز مساواته. بالنظام الذي يتم به تركيب الجمل, ولكن ان نضعه في علاقة معه,هي علاقة "اقتران وتشابه"
o عرف "رولان بارت ROLAND BARTHES" النص في مقاله عن نظرية النص بقوله: "إن النص من حيث هو نسيج فهو مرتبط بالكتابة,ويشاطر التاليف المنجز به [...],وذلك, لأنه بصفته رسما بالحروف, فهو إيحاء بالكلام"
o أما "جوليا كريستيفا julia kristeva" فإنها تعرفه بأنه "آلة نقل لساني,انه يعيد توزيع نظام اللغة, فيضع الكلام التواصلي, اي المعلومات المباشرة في علاقة تشترك فيها ملفوظات سابقة أو متزامنة" .
-مدونة كلامية : يعني انه مؤلف من الكلام وليس صورة فوتوغرافية أو رسما, أو عمارة, أو زيا...وان كان الدارس يستعين برسم الكتابة وفضاءها وهندستها في التحليل.
- حدث: إن كل نص هو حدث يقع في زمان ومكان معينين لا يعيد نفسه إعادة مطلقة مثله في ذلك مثل الحدث التاريخي.
- تواصلي : يهدف إلى توصيل معلومات ومعارف ونقل تجارب...إلى المتلقي.
- تفاعلي: على أن الوظيفة التواصلية - في اللغة - ليست هي كل شيء, فهناك وظائف أخرى للنص اللغوي, أهمها الوظيفة التفاعلية التي تقيم علاقات اجتماعية بين أفراد المجتمع وتحافظ عليها.
- توالدي: إن الحدث اللغوي ليس منبثقا من عدم, وإنما هو متوالية من أحداث تاريخية, ونفسانية, ولغوية...وتتناسل منه أحدات لغوية أخرى لاحقة له".
- مغلق: ونقصد انغلاق سمته الكتابية الايقونية التي لها بداية ونهاية, ولكنه من الناحية المعنوية هو: "فالنص إذن, مدونة حدث كلامي ذي وظائف متعددة"

- المحور الثاني:


- ما هو التناص

تعريف التناص:
وهو "مجموعة النصوص المنتشرة التي يحويها نص واحد في بنيته بحيث تعمل النصوص المنتشرة بشكل باطني على تحقيق النص, وتشكيل دلالته, وتتفرع هذه النصوص في مصادرها المتنوعة على ذاكرة واسعة يتداخل فيها العربي, بالغربي و الحديث بالقديم, الواقعي بالأسطوري,[...] مما يجعل عملية رصد هدا النص الغائب وتحديده بدقة, عملية صعبة"
التناص لغة)في المعجم العربي(:
"التناص" مصدر للفعل تناصَّ, وتناصَّ القوم تزاحموا وهذا المصدر بصيغته الصرفية هذه , يدل على المفاعلة, و الشيء نفسه نجده في المعجم الوسيط إذ نجدها تدل على "الازدحام, ففي قول العرب: تناص القوم إذ ازدحموا
مصطلح"intertextualité"ومقابله في الدراسات العربية الحديثة:
أثار مصطلح "التناص"intertextualité" جدلا نقديا, شغل الباحثين في اللغة العربية لغياب المقابل - في المعجم العربي- المناسب لمعناه في مفاهيم النقد الغربي الحديث, مصطلح "intertextualité" الذي عرف تنوعا عند المترجمين إلى العربية, فأحيانا نجد الترجمة "تناص" و أحيانا "بينصية" .و"البينصية" كلمة مركبة من "بين+نصية". وفي المعجم الوسيط نجد كلمة "تناص" تدل على "الازدحام, ففي قول العرب:تناص القوم إذ ازدحموا, أما كلمة "بين" فتاتي في كلام العرب على وجهين.
1- أن يكون البين بمعنى الفرقة.
2- وتكون أيضا بمعنى الوصل, كقولهم بان,بينا بينونة, وهي من الأضداد .
"ويبدو أن الذين اعتمدوا على "البينصية", كانوا يقصدون البين باعتبار الوصل ضد الفرقة,وهو المعنى الصائب في التعالق النصي, والتداخل النصي,كما ورد ضمن المصطلح الغربي,وهناك من استعمل مصطلحا آخر, وهو التداخل النصي" ,وإذا كان "محمد بنيس" قد استعمل مصطلح "التداخل النصي",فإننا نجد من النقاد من يطلق مصطلح"التفاعل النصي" مرادفا لما شاع تحت مفهوم "التناص" أو "المتعاليات النصية",كما استعملها جينات بالأخص" .
وعليه, إن هذا الاختلاف في هذا المصطلح ليس خاصية عربية, وإنما عند جميع الأمم"
في التراث العربي:
لم يظهر التناص بوصفه مصطلحاً نقدياً في النقد العربي إلا مع مرحلة الترجمة للفكر الغربي الحديث , ولكن التناص مصطلح حديث لظاهرةٍ قديمة, أدرك بعض جوانبها النقد العربي القديم, بل إنها ظهرت في ذاكرة الشعر العربي نفسه قال عنترة:
"هل غادر الشعراء من متردمي أم هل عرفت الدار بعد توهم"
" ويقول بشار بن برد: "ما قرَّ بي القرار مذ سمعت قول امرئ القيس :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البال
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البال
حتى قلت : كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيـــافنا ليل تهاوى كواكبه"
أما في تراثنا النقدي فقد وردت مصطلحات كثيرة لها علاقة ما بمصطلح التناص كالتضمين والسرقة وغيرها"
وقد عالج هذه الإشكالية المفكر العربي ابن خلدون, مشترطا الدربة,والخبرة,وامتلاك الأدوات الإبداعية,بحفظ الشعر, في قوله:"اعلم أن لعمل الشعر, وأحكام صناعته شروطا,أولها الحفظ من جنسه أي من جنس شعر العرب, حتى تنشا في النفس ملكة ينسج على منوالها. [...]ثم بعد الامتلاء من الحفظ وشحذ القريحة للنسج على المنوال يقبل النظم و بالإكثار منه تستحكم ملكته وترسخ,وربما يقال من شروط نسيان ذلك المحفوظ لتمحي رسومه الحرفية الظاهرة, إذ هي صادرة من استعمالها بعينها,فإذا نسيها, وقد تكيفت النفس بها, انتقش الأسلوب فيها كأنه منوال يأخذ النسج عليه بأمثالها[...] فذلك اجمع له, وأنشط للقريحة ا نياتي بمثل المنوال الذي حفظه" .
ومن أوائل الدراسات النقدية التي أدخلت مصطلح "التناص" إلى النقد العربي الحديث,واستخدمته في المجال التطبيقي, دراسة"فريال جبور غزول" التي خصصتها لتحليل قصيدة محمد عفيفي مطر "قراءة" . إذ كانت تقول في "التناص" انه "تضمين نص لنص آخر, واستدعاؤه, وفيه يتم تفاعل خلاق بين النص المستحضر )بكسر الضاد(,والنص المستحضر) بفتح الضاد(.
مفهوم التناص:
إذا ما تتبعنا نشأة التناص وبداياته الأولى كمصطلح نقدي نجد أنه كان يرد في بداية الأمر ضمن الحديث عن الدراسات اللسانية ) وقد وضح مفهوم التناص العالم الروسي ميخائيل باختين من خلال كتابه (فلسفة اللغة) وعنى باختين بالتناص: الوقوف على حقيقة التفاعل الواقع في النصوص في استعادتها أو محاكاتها لنصوص – أو لأجزاء – من نصوص سابقة عليها والذي أفاد منه بعد ذلك العديد من الباحثين , على الرغم من أن باختين لم يستعمل "في مقدمة كتابه "شعرية دوستويفسكي" مصطلح "التناص" وإنما عبر عنه ب"تداخل السياقات "Intercontexes" وب"التداخل السيمياءيinterférence sémiotique" وب"التداخل السوسيولفظي intersosiolinguistique".وهذا النسق الأخير هو ما يأخذ عند جولتا كريستيفا موقع "التناص"وقد ورد مصطلح "التناص" عند رولان بارث في كتابه "متعة النص le plaisir du texte". حتى استوى مفهوم التناص بشكل تام على يد تلميذة باختين الباحثة جوليا كرستيفا وقد أجرت كرستيفا استعمالات إجرائية وتطبيقية للتناص في دراستها (ثورة اللغة الشعرية) وعرفت فيها التناص بأنه " التفاعل النصي في نص بعينه"
و"إذا استطعنا أن نتبين بعض مقومات النص, وأهملنا بعضا منها آخر بقرار منهجي فانه علينا أن نتعرف الآن على التناص بوضع اليد على مقوماته بدوره. لقد حدده باحثون كثيرون مثل: (كريستيفا, وارفي, ولورانت, ورفاتير...) على أن أي واحد من هؤلاء لم يصغ تعريفا جامعا مانعا, ولذلك فإننا سنلتجئ -أيضا- إلى استخلاص مقوماته من مختلف التعاريف المذكورة, وهي:
- فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة.
- ممتص لها يجعلها من عندياته وبتصبيرها منسجمة مع فضاء بناءه ومع مقاصده
- محول لها بتمطيطها أو تكثيفها بقصد مناقضة خصائصها ودلالتها أو بهدف تعضيدها.
وينقسم التناص حسب توظيفه في النصوص إلى:
1- التناص الظاهر: ويدخل ضمنه الاقتباس والتضمين ويسمى أيضاً التناص الواعي أو الشعوري.
2- التناص اللاشعوري: (تناص الخفاء) ويكون فيه المؤلف غير واعي بحضور نص في النص الذي يكتبه
وعموما قد "قسم بعض دارسي التناص إلى ثلاثة أصناف, وهي:
1- "التناص الذاتي:Iinterne": وهذا عندما تدخل نصوص الكاتب الواحد في تفاعل مع بعضها البعض ويتجلى ذلك لغويا وأسلوبيا ونوعيا.
2- "التناص الخارجي : externe": حينما يدخل نص الكاتب في تفاعل مع نصوص كاتب عصره, سواء كانت هذه النصوص أدبية أو غير أدبية.
3- "التناص الخارجي :Externe": حينما تتفاعل نصوص الكاتب مع نصوص غيره, التي ظهرت في عصور بعيدة عن عصره.

- المحور الثالث :

التناص ودلالاته في جدارية لمحمود درويش

أ- 1. التناص الأدبي:

التناص الأدبي هو تداخل نصوص أدبية مختارة قديمة أو حديثة شعراً أو نثراً مع نص القصيدة الأصلي بحيث تكون منسجمة وموظفة ودالة قدر الإمكان على الفكرة التي يطرحها الشاعر
6- قراءة في عنوان القصيدة:
النموذج الأول للتناص في الجدارية هو عنوان الديوان/ القصيدة (جدارية) ولأن أرض قصيدته خضراء كما يردد الشاعر في النص فقد كانت بالفعل كذلك أرضاً خضراء غنية بالتناصات حتى إنه ليطالعنا في النص الموازي (العنوان على الغلاف) فحين كتب محمود درويش هذه القصيدة أسماها (جدارية) وهي مفردة مرادفة لـ (معلقة) فلعل الشاعر بهذا يرغب في أن يعود لنقطة البداية من جديد بعد صراع محموم مع النهاية (الموت) في معلقته أو جداريته، ولأن للمعلقات مكانة خاصة ومتميزة في الشعر العربي فإن اختياره لهذا العنوان يرفع من القيمة الأدبية لعمله ويضعه في مصاف المعلقات وربما كان ذلك إيماناً من الشاعر بعبقريته الشعرية وبرؤيته لنصه على أنه يستحق أن يعلق على الجدران كما كان الحال مع المعلقات الخالدة، والدلالة الأخرى التي يثيرها عنوان جدارية هي أن الشاعر في هذه الجدارية يشعرنا بأنه قد أودعها خلاصة شعره وتجربته الحياتية والأدبية وحكمته فأراد لها أن تبقى حية في الأذهان خالدة في الذاكرة كخلود المعلقات الجاهلية ، أو لأن النص بريء وعفوي يتعامل مع "أصغر الأشياء" ببساطة وعفوية البدايات البشرية، وكلما توغلنا في النص كلما تكثفت دلالات المعلقات وما ارتبط بها وبشعرائها - كما سنرى لاحقاً- ، كل هذه الدلالات تفجرها لفظة جدارية التي وسم بها محمود درويش ديوانه هذا.
7- علاقة الشاعر بشعراء
أ‌- امرؤ القيس :
شغل امرؤ القيس الشعر والشعراء في كل عصور الأدب العربي وله فيه مكانة كبيرة ولاشك وذلك لغنى تجربته الأدبية والحياتية ، و"تكاد تكون شخصية امرىء القيس شخصية نموذجية في رحلة الشعر العربي القديم والحديث ، فلطالما استلهم الشعراء شعر امرىء القيس بأساليب مختلفة ومتعددة ، وهذا بحد ذاته أمر يشير إلى أهمية امرىء القيس" وقد استثمر محمود درويش في جداريته محور الغربة في حياة امرىء القيس ووظفه في نصه بشكل موفق ، يقول محمود درويش :
" يا اسمي: سوف تكبر حين أكبر
سوف تحملني وأحملك
الغريب أخ الغريب"
وجد الشاعر في رحلة امرىء القيس وغربته مادة يمكن أن يزاوج فيها بين واقع الإنسان المعاصر وواقع امرىء القيس وهو واقع لا يعرف الاستقرار ، وهنا تتلاقى تجربة امرىء القيس ومحمود درويش حيث يسيطر إحساس عالٍ بالغربة على الشاعر فيشطر من ذاته شطرين ويخلق من نفسه آخراً يستعين به على غربته ، وقد جمع هذا الإحساس بالغربة بين هذين الشاعرين فكلاهما غريب عن أرضه وتجمعه الغربة بألفة هي ألفة الغريب بالغريب كما في قول امرىء القيس :
"أجارتنا إنا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب"
كما أن رحلة امرىء القيس بكل ما فيها من ألم ومغامرة تلتقي مع رحلة درويش الماضية في فضاء أبيض شفاف هو نقاء النهايات التي يقابلها الشاعر بنوع من التحدي حيناً والاستسلام حيناً آخر ، فالغربة والإحساس بدنو النهاية جمع كلا الشاعرين ولعل درويش في هذا التناص يقول لنا أن غربته طويلة ومتأصلة في داخله وتمد جذورها في روحه منذ أيام امرىء القيس حتى يومنا هذا .ويعود محمود درويش في موطن آخر من جداريته ليلتقي بامرىء القيس ولكن هذه المرة يتماس معه في نقطة أخرى ومحور ثان هو الرحلة ، يقول :
"كلابنا هدأت
وماعزنا توشح بالضباب على
التلال. وشج سهم طائش وجه
اليقين. تعبت من لغتي تقول ولا
تقول على ظهور الخيل ماذا يصنع
الماضي بأيام امرىء القيس الموزع
بين قافية وقيصر..."
نعرف أن رحلة امرىء القيس كانت لإعادة ملك مسلوب وهذا الملك المسلوب هو أيضاً ما يرتحل من أجله محمود درويش ملك الأرض والوطن المسلوب ، ولكن درويش يبدو فارساً منهكاً لا يجد في رحلته جدوى حين يطبق عليه اليأس الخناق حيث تغيب معاني الأمل والحياة أمامه فيقع تحت شعور ثقيل بعبثية الحياة والوجود وتجمد الأشياء وتتصلب عند مؤشر واحد هو الموت ، موت الحياة بكل ما فيها من مظاهر ساذجة وحميمة ، وما يزيد من إحساس العبث هذا هو ذلك السهم "الطائش" الذي شج وجه اليقين وهو معادل موضوعي لفكرة الموت في نفس الشاعر، فحينها لا يعود للارتحال ولا للمغامرة ولا لطلب أي هدف معنى لذلك جاء تناصه مع رحلة امرىء القيس هنا مرتداً للماضي الموزع بين الشعر والغاية التي كرس لها الشاعر حياته كما كرس امرىء القيس حياته من أجل قضيته وفي النهاية لم ينل أي منهما سوى ذلك اليقين الأبدي .. الموت.
ب‌- ابي علاء المعري:
يستعرض محمود درويش في لحظات سريعة مشارفته على الموت في مشاهد متتالية ذات إيقاع سريع ومتوتر فيطل على شرفات الموت ليلتقي ويصافح من سبقوه إلى مصيره الذي هو سائر إليه طوعاً أو كرهاً فيقول :
" رأيت المعري يطرد نقاده
من قصيدته :
لست أعمى
لأبصر ما تبصرون
فإن البصيرة نور يؤدي
إلى عدم....... أو جنون"
اجتمع محمود درويش بالمعري تحت سماء البصيرة ويتحد صوتيهما حين يجسد محمود درويش فلسفته بأن البصيرة نور يؤدي إلى العدم أو الجنون ، وكما انكشف الحجاب أمام المعري لقوة بصيرته تخترق بصيرة درويش عالمنا الضيق ويظل على مشارف الموت ويتعرف على عوالمه ومظاهره ، واختيار الشاعر للمعري خصوصاً يكشف عن عدة أبعاد عناها الشاعر من هذا التناص فمحمود درويش يتعالى ويأنف مما يراه حوله من حياة كالحة قبيحة يسلب فيها الإنسان أبسط حقوقه بالأمن والسلام والوطن، فيصبح الراكنون إلى الحياة دون هذه الحقوق عمياناً في نظره وكذا كان المعري الذي ملأ الدنيا بفلسفته ، ولئن كان المعري يطرد نقاداً من قصيدته فبإمكاننا أن نستشف ونقيس على حال المعري أن درويش أيضاً - باعتبار قضيته الوطنية- يمارس أيضاً هذا الطرد ولكنه هنا يطرد أعداءً من أرضه، فكلاهما يشتركان معاً في الرفض وفي نفاذ البصيرة ، وهكذا اتكأ محمود درويش على فلسفة المعري ليعمق دلالاتها في نصه بما يخدم فكرته التي يدعو لها.
ت‌- طرفة بن العبد:
حوار مع الموت ، هكذا كان لقاء درويش بطرفة بن العبد
"أيها الموت انتظرني خارج الأرض
انتظرني في بلادك ريثما أنهي
حديثاً عابراً مع ما تبقى من حياتي
قرب خيمتك ، انتظرني ريثما أنهي
قراءة طرفة بن العبد"
يستمر نص الجدارية في حوار مع الموت والمرء لا يحاور إلا من كان حاضراً ماثلاً أمامه وهكذا كان الموت لمحمود درويش ماثلاً أمامه حتى لنكاد نشتم رائحة ألفة ما في صيغة هذا الحوار والخطاب للموت، هذا الزائر الذي لامفر منه والقدر المحتوم الذي يتربص بالجميع يبلغ اقترابه من نفس الشاعر حد الاعتياد والألفة، وكما مر على طرفة وغيره من قبل وطواهم فإن الشاعر يبدو على أهبة الاستعداد لامتطاء صهوته ، إن محمود درويش في هذه الأسطر يبدو وكأنه يتلو صك الموت ويمسكه بين يديه تماماً كما حدث لطرفة بن العبد حين كان يمسك بيده أمر قتله سائراً إلى حتفه، استلهم درويش هذه الحادثة ببراعة مثيراً مشاعر العظمة والشفقة المتناقضة وفي آن واحد... عظمة السير بخطى ثابتة نحو النهاية، والشفقة على الإقبال على الموت مخدوعاً، كما أن ذكره قراءة طرفة يستحضر إلى الأذهان معلقة طرفة بن العبد التي أكثر فيها من ذكر الموت وندب نفسه، لقد منح الشاعر فكرة الموت في تناصه مع طرفة إيحاءات كبيرة حين ربط بين ذاته وبين ذاك الشاعر الجاهلي بأكثر من رابط وصلة : أولها أن لكل منها معلقة وفي كل معلقة حضور طاغي للموت وعامل مواجهة الموت بثبات، وقد وفق درويش ببراعة في هذا التناص وإذابته في جسد قصيدته بشكل تقاطرت فيه قوافل الموت من أيام طرفة حتى ساعات درويش الأخيرة مع صراعه.

ث‌- لبيد بن أبي ربيعة:

يبلغ اليأس واليقين مداه في مقطع آخر من الجدارية ويتدثر الشاعر بعباءة الحكيم مردداً:
" باطلٌ باطلُ الأباطيل....باطلْ
كل شيء على البسيطة زائــلْ"
ويقرر ثلاثاً بأن كل شيء باطل مضمناً مقولته الحكيمة هذه رائحة الأسلاف الحكماء الذين خبروا الدنيا وأهدونا خلاصة تجاربهم يمثلهم في هذا الموطن لبيد بن أبي ربيعة الذي يرن صدى بيته:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالـــــة زائل
فحين يذكر درويش الحكمة في مقطع ما في قصيدته يختمها ببيت لبيد الحكيم على مدى أربعة مرات على مدار القصيدة، فهذا البيت ذو صلة وطيدة بالنص حيث يصب هو الآخر في فكرة الخلود التي يطرحها الشاعر في نصه، وحين يورد هذه الحكمة يعلو الإيمان واليقين المطلق بأن الدنيا فانية مباهجها زائلة وأن كل ما عليها فانٍ فإنه بذلك يشهد ويقر بهذه الحقيقة الأزلية وكأنه يلوذ بإيمانه وبالحكمة خلف بيت لبيد ليواسي نفسه - رغم تماسكه أمام الموت - مردداً خلف لبيد بيته موصلا هذه الحقيقة التي استشعرها بعمق للآخرين.

ب-2. التناص الأسطوري

ويعني التناص الأسطوري استحضار الشاعر بعض الأساطير القديمة وتوظيفها في سياقات القصيدة لتعميق رؤية معاصرة يراها الشاعر في القضية التي يطرحها :
1- طائر الفينيق:
يقول محمود درويش:
" سأصير يوماً طائراً
وأسل من عدمي
وجودي. كلما احترق الجناحان
اقتربت من الحقيقة، وانبعثت من الرمــاد"
في غمرة شعوره باليأس وثقل وطأة فكرة الموت عليه تومض الحياة ببريقها اللامع من جديد وينهض الأمل فيؤكد في هذا المقطع بأنه سيصر يوماً ما ما يريد وهو هنا يريد أن يكون طائراً بكل ما يملك الطائر من حرية التجوال والاختيار، إن الشاعر الذي يعاني صراعاً مع الموت والعدم يجد أن هذا الموت قد يكون أحياناً باعثاً للحياة وهو يستلهم هنا أسطورة طائر الفينيق الذي يحترق كل ليلة ويعود يبعث من الرماد طائراً مرة أخرى ويستمد درويش من هذه الأسطورة فكرة التجدد في إشارة حافلة بدلالة الأمل والحياة والإصرار على الوجود فيستل من عدمه وجوده ومن فنائه حياة جديدة وهذا ما منح هذا الاستثمار بعد الخلود والديمومة فهو سيبقى قادراً على إيجاد حياة من العدم وخلق شيء من لا شيء، ويعكس هذا التناص بوضوح عمق الجدل بين فكرة الموت والحياة والفناء والبقاء ولكن الشاعر استطاع أن يوفق بينهما باختياره تلك الأسطورة التي جمعت بين النقيضين.

3- ملحمة جلجامش:

بما أن نص الجدارية يحكي كما ذكر أكثر من مرة فكرة (الموت والحياة) والصراع بينهما، ولأن محمود درويش شاعر صاحب مخيلة خصبة فقد كان لابد من إغواء الأساطير وحضورها وهي التي نسج أغلبها تجسيداً لهذه الفكرة المقرونة بميلاد الحياة ، يقول محمود درويش في مقطع طويل جسد فيه بشكل متواصل ومطول تلك الأسطورة

"كم من الوقت
انقضى منذ اكتشفنا التوأمين : الوقت
والموت الطبيعي المرادف للحياة؟
ولم نزل نحيا كأن الموت يخطئنا،
فنحن القادرين على التذكر قادرون
على التحرر، سائرون على خطى
جلجامش الخضراء من زمن إلى زمن.../
هباء كامل التكوين...
يكسرني الغياب كجرة الماء الصغيرة.
نام أنكيدو ولم ينهض. جناحي نام
ملتفاً بحفنة ريشه الطيني. آلهتي
جماد الريح في أرض الخيال. ذراعي
اليمنى عصا خشبية ، والقلب مهجور
كبئر جف فيها الماء فاتسع الصدى
الوحشي : أنكيدو! خيالي لم يعد
يكفي لأكمل رحلتي واقعياً . هات
أسلحتي ألمعها بملح الدمع ، هات
الدمع ، أنكيدو، ليبكي الميت فينا
الحي ، ما أنا؟ من ينام الآن
أنكيدو؟؟ أنا أم أنت؟"

ويتابع بعد أسطر فيقول :

" لابد لي من حمل هذا اللغز ، أنكيدو، سأحمل عنك
عمرك ، ما استطعت وما استطاعت
قوتي وإرادتي أن تحملانك. فمن
أنا وحدي؟ هباء كامل التكوين .
من حولي"

ويستمر بعد ذلك فيقول:

" أنكيدو ترفق بي وعد من حيث مت، لعلنا
نجد الجواب ، فمن أنا وحدي؟"

ضمن محمود درويش المقطع السابق إشارات كثيرة مباشرة لملحمة جلجامش حيث وظف سعي جلجامش خلف أسرار الحياة وعشبة الخلود في قصيدته خير توظيف ، إذ إن هذه الأسطورة تختصر الكثير مما يود أن يوصله من معاني تشبث الإنسان بكل طمعه وحبه الغريزي للبقاء والحياة، فقد جاب جلجامش المسافات بحثاً عن ذات الهدف الذي يبحث عنه درويش السائر على خطى جلجامش ككل البشر ، كيف لا وقد أدرك الإنسان ثنائية الحياة والموت المترادفتان، ولأن الخطى واحدة كانت النتيجة واحدة وهي أن أضاع الإنسان سر الخلود وهو وهم كبير ويتلاشى في النهاية أمام حقيقة الموت.

ويستفيض الشاعر في دمج تفاصيل هذه الأسطورة ذات العلاقة المباشرة بجوهر الجدارية وذلك حين يعبر عن انكساره وهو المتواري خلف شخصية جلجامش حين ينكسر أمام الغياب... الغياب الأبدي الذي سلبه صديقه أنكيدو ولم يبق ِ له من سمات الحياة والتواصل شيئاَ فقد ذهب أنكيدو ليعانق الموت ويتركه إزاء فلسفة الموت، ويشتبك فضاء الموت والفلسفة والأسطورة في مزيج مذهل ويتصاعد توتر لغة النص حتى تبلغ مداها فيندفع الشاعر بأسلوب التداعي الحر على لسان جلجامش معبراً عن حيرته تارة وعن انكساره تارة أخرى وحيناً يتلبسه الإصرار والثبات، وفي دراسة لقصيدة أخرى لمحمود درويش أشار الدكتور محمد بنيس إلى دلالة الموت في قصائد محمود درويش عامة، إذ غالباً ما ترتبط قضية الموت عنده بعبور الخطر لمواجهة الموت وترتبط أيضاً بتصعيد القلق، ويرى أن محمود درويش يذكر الموت متفاعلاً مع مواجهته حتى النهاية في ظل غياب الله عن العالم فالشاعر وحده هو الذي يواجه الموت وهذا ما نلمسه بوضوح في هذا النص الوارد هنا من الديوان، ويستمر محمود درويش في مخاطبة صديقه الغائب جسداً وهو يتأرجح بين الرفض والقبول لفكرة الموت معلناً في لحظة تحدي أن يحل لغز الموت المحير، ويبدو الشاعر في هذا المقطع مفتوناً بسحر الأساطير ومفعماً بتلك القدرة الخارقة التي تضفيها الأسطورة على أبطالها إلا أن الضعف الإنساني يطغى في النهاية وتنتصر حقيقة هي الموت.

ج- التناص التاريخي :

يعرف التناص التاريخي بأنه تداخل نصوص تاريخية مختارة ومنتقاة مع النص الأصلي للقصيدة تبدو مناسبة ومنسجمة لدى المؤلف ، والحقيقة أن في نص جدارية الكثير من التناصات التاريخية في جوانب متعددة من النص وبتوظيفات مختلفة ولكن جاء اختيار مقطع واحد يحوي أكثر من إشارة دالة .في جولة جديدة من المواجهة يقول محمود درويش :

" هزمتك يا موت الفنون جميعها.
هزمتك يا موت الأغاني في بلاد
الرافدين . مسلة المصري. مقبرة الفراعنة،
النقوش على حجارة معبد هزمتك
وانتصرت ، وأفلت من كمائنك
الخلود..."

يتبنى الشاعر موقفاً جديداً مليئاً بالثقة والتحدي ويكيل للموت الهزائم ويتحول الصراع هنا إلى هزيمة ونصر حيث كسب الشاعر جولة ضد الموت تغنى فيها بانتصاراته، وهي انتصارات البشرية انتصار الذاكرة والحضارة والتاريخ وذلك من خلال ذكره للانجازات الإنسانية الخالدة، فالموت رغم تسلطه ومده لنفوذه على البشر إلا أنه يعجز عن ابتلاع الإنجازات القيمة لهولاء البشر ، يعجز أمام اللغة والحضارة والثقافة لأنها خالدة ولأن الإنسان إنما ينتصر بفعله وحضارته وانجازاته لا بـ" الطيني البشري" منه على حد تعبير الشاعر، فبلاد الرافدين منطلق الحضارات الإنسانية قاطبة، والمسلات والمقابر الفرعونية شاهدة على حقبة تاريخية حافلة بالإنجاز لاسيما للعالم العربي ونقوش المعابد بما يرتبط فيها من علم وتأريخ للماضي كلها تقف ببسالة أمام شراسة الموت واندفاعه فهذا التناص التاريخي منح النص بعداً ثقافياً وكان بمثابة لفتة وإشارة تربوية للإنسان العربي خاصة بأنه إنما ينتصر بعلمه وإنجازاته وانطلاقه من هويته الخالدة وتاريخه العظيم


خاتمة :

يتبنى الشاعر موقفاً جديداً مليئاً بالثقة والتحدي ويكيل للموت الهزائم ويتحول الصراع هنا إلى هزيمة ونصر حيث كسب الشاعر جولة ضد الموت تغنى فيها بانتصاراته ، وهي انتصارات البشرية انتصار الذاكرة والحضارة والتاريخ وذلك من خلال ذكره للانجازات الانسانية الخالدة ، فالموت رغم تسلطه ومده لنفوذه على البشر إلا أنه يعجز أن ابتلاع الانجازات القيمة لهولاء البشر ، يعجز أمام اللغة والحضارة والثقافة لأنها خالدة ولأن الانسان إنما ينتصر بفعله وحضارته وانجازاته لا ب" الطيني البشري" منه على حد تعبير الشاعر ، فبلاد الرافدين منطلق الحضارات الإنسانية قاطبة ، والمسلات والمقابر الفرعونية شاهدة على حقبة تاريخية حافلة بالإنجاز لاسيما للعالم العربي ونقوش المعابد بما يرتبط فيها من علم وتأريخ للماضي كلها تقف ببسالة أمام شراسة الموت واندفاعه فهذا التناص التاريخي منح النص بعداً ثقافياً وكان بمثابة لفتة وإشارة تربوية للانسان العربي خاصة بأنه إنما ينتصر بعلمه وإنجازاته وانطلاقه من هويته الخالدة وتاريخه العظيم.

- المراجع المعتمدة



- جيل دولوز "ما هو المفهوم", ترجمة مطاع صفدي, مقتطف من مجلة "العرب والفكر العالمي", العددان الواحد والعشرون والثاني والعشرون 2007, مركز الإنماء القومي, ص 18.
- محمد مفتاح "تحليل الخطاب الشعري (إستراتيجية التناص)", المركز الثقافي العربي, الطبعة الثالثة,1992 ص 119.
- ابن منظور جمال الدين,لسان العرب,حققه وعلق عليه ووضع حواشيه : عامر احمد حيدر, راجعه : عبد المنعم خليل إبراهيم, بيروت,لبنان,ط1, 2003,مادة نصص,ج7 ,ص109.
- بناني, محمد الصغير, "مفهوم النص عند المنظرين القدماء","مجلة اللغة والأدب", جامعة الجزائر,ع3, ديسمبر 1997م,ص40.
- حمودة,عبد العزيز,"المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية",عالم المعرفة,المجلس الوطني للثقافة والفنون و الأدب, دولة الكويت, مطابع الرسالة, الكويت, ع: 232, ابريل-نيسان,1998,ص366.
- الميلود, عثمان, "شعرية تودورف", عيون المقالات,دار قرطبة,الدار البيضاء, المغرب,ط1, 1990, ص 56.
- ابن ذريل، عدنان ،"النص والأسلوبية بين النظرية والتطبيق "، مطبعة إتحاد الكتاب العرب ، دمشق ،"ط 2, ص17.
- "بوسقطة السعيد"،" شعرية النص بين جدلية المبدع والمتلقي" . التواصل ، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية ، تصدرها جامعة عنابة ،. الجزائر ، عدد : 8، جوان 2001 ، ص 2.0.
- "نور الدين السد","الأسلوبية وتحليل الخطاب,دراسة في النقد العربي الحديث", دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع, الجزائر,1997,ج2,ص58. .
- مجمع اللغة العربية, المعجم الوسيط, القاهرة,1985, ط3, الجزء الأول, ص 83.
- حمودة,عبد العزيز,"المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية",عالم المعرفة,المجلس الوطني للثقافة والفنون و الأدب, دولة الكويت, مطابع الرسالة, الكويت, ع: 232, ابريل-نيسان,1998,ص361
- محمد بنيس "ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب", الدار البيضاء المغرب,ط 1 ص 181.
- سعيد يقطين,"انفتاح النص الروائي )النص- السياق(,المركز التفافي العربي, الدار البيضاء, المغرب, بيروت,لبنان,ط1, 1989,ص92.
- الشنقيطي/ شرح المعلقات العشر دار القلم. بيروت ص154
- ابن رشيق القيرواني/العمدة.تحقيق:د. هنداوي. المكتبة العصرية بيروت ـ صيدا ط1ج1ص255
- عبد الرحمان ابن خلدون, "المقدمة", دار القلم, بيروت, لبنان, ط7, 1989, ص574.
- احمد طعمة حلبي, "التناص في الدراسات النقدية المعاصرة",عمان, مجلة ثقافية شهرية,تصدر عن أمانة عمان الكبرى,الأردن, عدد 115, ص 74.
- شربل داغر ، التناص سبيلاً إلى دراسة النص الشعري ، مجلة فصول ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، المجلد 16، العدد الأول ، القاهرة ، 1997، ص 127
- محمد بنيس ، الشعر العربي الحديث بنياته وإبدالاته، ج 3 : الشعر المعاصر، درا توبقال ، المغرب،ط1، 1990، ص 183- 185.
- قحام حسين ، التناص ، مجلة اللغة والأدب ، قسم اللغة العربية وآدابها ، جامعة الجزائر ، عدد 12 ، ديسمبر 1997 ، ص 124..
- مفيد نجم، التناص بين الاقتباس والتضمين والوعي واللاشعور، جريدة الخليج ، ملحق بيان الثقافة، ع 55، يناير2001
- أحمد الزعبي، ، التناص نظرياً وتطبيقياً ، مؤسسة عمون للنشر والتوزيع ، الأردن ، ط2 ، 2000، ص22-50.
- موسى ربابعة ، التناص في نماذج من الشعر العربي الحديث ، مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية ، الأردن ط1 ، 2000 ، ص 11.
المرجع الاجنبي:

Hachette Livre et librairie francaise 1993,"Dictionnaire de la langue franç


منقوووول للفائدة










رد مع اقتباس
قديم 2013-08-20, 23:43   رقم المشاركة : 335
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوع الرسالة: التداولية: مقاربة تحليلية

تقديم:

لم يعد التياران البنوي و التوليدي في أيامنا التيارين الوحيدين الذين يهيمنان على ساحة الدراسات اللسانية. فقد أفرزت المعرفة نظريات و مفاهيم لغوية متباينة في الأسس المعرفية. انبتفت عنها تيارات لسانية جديدة منها التيار التداولي. ومن المفيد في هذا السياق أن نثير إلى نشأة التداولية توافق تقريبا مع نشأة العلوم المعرفية. و التي جاءت على حد تعبير جاك موشلار و آن روبولت ردا على التيار السلوكي. وقد ساهمت التداولية في برامج البحت الذي حددته هذه العلوم المعرفية(علم النفس،اللسانيات،فلسفة العقل،الذكاء الإصطناعي و علوم الأعصاب.....) ويمكن إجمال مساهمة التداولية في الطريقة الآتية: توضيح اشتغال العقل وبيان كيف أن العقل -البشري خصوصا- يكتسب معارف و يطورها و يستعملها اعتمادا،من جملة ما يعتمد، على الحالة الذهنية.
التداولية: مقاربة مفاهيمية.
إن الحديث عن التداولية و عن شبكتها المفاهيمية يقتضي الإشارة إلى العلاقات القائمة بينها و بين الحقول المختلفة لأنها تشي بانتمائها إلى حقول مفاهيمية تضم مستويات متداخلة، كالبنية اللغوية، و قواعد التخاطب و الإستدلالات اللغوية و العمليات الذهنية المتحكمة في الإنتاج و الفهم اللغويينن، و علاقة البنية اللغوية بظروف الإستعمالات.
1-تعريف التداولية
يمكن القول بأن التداولية تمثل حلقة وصل هامة بين حقول معرفية عديدة منها: الفلسفة التحليلية، متمثلا في فلسفة اللغة، و منها علم النفس المعرفي متمثلا في "نظرية الملائمة « la theorie de pertinence » على الخصوص، و منها علو التواصل و منها اللسانيات التي تعتبر أقرب الحقول المعرفية إلى التداولية. و في هذا الصدد يمكن أن نقر أن قضية التداولية هي إيجاد القوانين الكلية للإستعمال اللغوي و التعرف على القدرات الإنسانية للتواصل اللغوي، و من ثم أصبح من الجدير أن تسمى التداولية: علم الإستعمال اللغوي.
و في إطار تعريفنا للتدولية يمكن التمييز بين التداولية كمقابل للمصطلحين الإنجليزي و الفرنسي pragmatics و pragmatique و عن ما يسمى pragmatisme و التي تقابل النفعية متمثلة في المذهب الذي يتخد القيمة العملية التطبيقية قياسا للحقيقة ، معتبرا أنه لا شيء حقيقي إلا كل ما ينجح2، و قد صاغ هذا المذهب بيرس عام 1879، و طوره كل من وليام جيمس و جون ديوي و ريتشاردو روتي.
2- مفهوم الفلسفة التحليلية:
نشأت الفلسفة التحليلية في العقد الثاني من القرن العشرين في فيينا بالنمسا على يد الفيلسوف الألماني Gttlob Freg (1848-1925) في كتابه les fondations de l’armithique (أسس علم الحساب)، حيت ذهب آخرون إلى أن الفلسفة لم تنشأء إلا مع فلاسفة المدرسة الإنجليزية الحذيثة جورج مور، بيرتراند راسل، فيتغنشتاين ثم كارناب و آير في أواسط القرن العشرين.
ومن أهم التحليلات اللغوية التي أجراها فريجه على العبارت اللغوية وعلى القضايا تمييزه بين مقولتين لغويتين مفهوميا ووظيفيا وهما اسم العلم والإسم المحمول. وهما عماد القضية الحملية وقد بين فريجه أن المحمول يقوم بوظيفة التصور،أي يقوم بإسناد مجموعة من الخصائص الوصفية الوظيفية إلى اسم العلم، أما هذا الأخير فإنه يشير إلى شيء فرد معين وهو عاجز تماما عن استخدامه كمحمول. ويمكن ان نجمل مفهوم الفلسفة التحليلية في جملة من المطالب والاهتمامات التي تتلخص في ما يلي:
 ضرورة التخلي عن أسلوب البحث الفلسفي القديم وخصوصا جانبه الميتافيزيقي (ضدا على الفلسفة الكلاسيكية).
 تغيير بؤرة الاهتمام الفلسفي من موضوع "نظرية المعرفة" إلى موضوع "التحليل اللغوي".
 تجديد وتعميق بعض المباحث اللغوية، ولاسيما مبحث "الدلالة" والظواهر اللغوية المتفرعة عنها.

II-مهام التداولية:
تتلخص مهام التداولية في ما يلي:
دراسة "استعمال اللغة" عوضا عن "دراسة اللغة"، التي هي من اختصاصات اللسانيات بمعنى دراسة المستويات الصوتية و التركيبية و حتى الدلالية.
دراسة الآليات المعرفية(المركزية) التي هي أصل معالجة الملفوظات وفهمها فالتداولية تقيم روابط وشيجة بين اللغة والإدراك عن طرق بعض المباحث في علم النفس المعرفي.
دراسة الوجوه الاستدلالية للتواصل الشفوي فتقيم-من ثم- روابط وشيجة بين علمي اللغة والتواصل.
III-أبرز المفاهيم التداولية :
سنحاول في هذا الفصل أن نتطرق إلى أبرز المفاهيم والمصطلحات التي تقوم عليها التداولية المعاصرة والتي يستعملها الباحثون في هذا الحقل :
1- مقتضيات القول (les Implicites) :
مفهوم أجرائي تداولي يتعلق برصد جملة من الظواهر المتعلقة بجوانب ضمنية وخفية من قوانين الخطاب، وتحكم هذه الجوانب ظروف أهمها :
أ‌- الافتراض المسبق (pré-supposition):
ويطلق عليها بعض الباحثين أمثال طه عبد الرحما في كتابه (اللسان والميزان) "بالإضمارات التداولية". ففس كل تواصل لساني ينطلق الشركاء من معطيات وافتراضات معترف بها ومتفق عليها بينهم. وتشكل هذه الافتراضات الخلفية التواصلية الضرورية لتحقيق النجاح في عملية التواصل.
مثال : كيف حال زوجتك وأولادك ؟
فالافتراض المسبق للملفوظ هو أن الشريك متزوج وله أولاد ، وأن الشؤيكين تربط بينهما علاقة ما تسمح بطرح هذا السؤال.
ب‌- الأقوال المضمرة (les sous-entendus) :
والتي ترتبط بوضعية الخطاب ومقامه على عكس الافتراض المسبق الذي يحدد على أساس معطيات لغوية، وتعرف كاثريين أركيوني في كتابها «L’implicite » "القول المضمر هو كتلة المعلومات التي يمكن للخطاب أن يحتويها ولكن تحقيقها في الواقع رهين خصوصيات سياق الحديث".
مثال : إن السماء ممطرة.
فالسامع لهذا الملفوظ قد يعتقد أن القائل أراد أن يدعوه إلى :
 المكوث في بيته.
 الإسراع في عمله حتى لا يفوته الموعد.
 الانتظار والتريث حتى يتوقف المطر.
 عدم نسيان مظلته عند الخروج.
والفرق بين الافتراض المسبق والأقوال المضمرة أن الأول وليد السياق الكلامي والثاني وليد ملابسات الخطاب.
2-الإستلزام الحواري(المحاداثي) les implications conversationnelle:
فقد ضمن غرايس في كتابه "logique et covesation" هذه النظرية،حيت لاحظ أن بعض اللغات الطبيعية في بعض المقامات تدل على غير محتواها القضوي و يتضح هذا في الحوار الآتي بين الأستاذين "أ"و "ب":
الأستاذ "أ": هل الطالب مستعد لمتابعة دراسته الجامعية في قسم الفلسفة؟
الأستاذ "ب": إن الطالب لاعب كرة ممتاز.
فأجابة الأستاذ "ب" تدل على معنيين اثنين في نفس الوقت،أحدهما حرفي و الآخر مستلزم. معناها الحرفي أن الطالب لاعب كرة ممتاز، و الإستلزامي أن الطالب المذكور ليس مستعدا لمتابعة دراسته الجامعية بقسم الفلسفة.
و لوصف هذه الظاهرة يقترح غرايس(1975) نظريته المحادثية التي تنص على أن التواصل الكلامي محكوم بمبدإ عام(مبدأ التعاون) و الذي ينهض على أربع مسلمات maximes.
أ-مسلمة القدرQuantité:
وتخص كمية الإخبار الذي يجب أن تلتزم به المبادرة الكلامية و تتفرع إلى مقولتين:
 اجعل مشاركتك تفيد القدر المطلوب من الإخبار.
 لا تجعل مشاركتكتفيد أكتر مما هو مطلوب.
ت‌- مسلمة الكيف Qualité:
ونصها "لا تقل ما تعتقد أنه كاذب و لا تقل ما لا تستطيع البرهنة عليه".
ج-مسلمة الملائمة pertinence:
وهي عبارة عن قاعدة واحدة "لتكن مشاركتك ملائمة"
د-مسلمة الجهةModalité:
وتنص على الوضوح في الكلام و تتفرع إلى ثلاث قواعد فرعية:
 ابتعد عن اللبس.
 تحر الإيجاز.
 تحر الترتيب.
IV-النظريات التداولية:
1-أفعال الكلام les actes de langage:
جاءت نظرية أفعال الكلام للفيلسوف الإنجلبزي جون أوستينJ.austain موقفا مضادا للإتجاه السائد بين فلاسفة المنطق الوضعي الذين كانوا يحللون معنى الجملة مجردة من سياق خطابها اللغوي، كما عارض أو ستين فكرة أن الجملة الخبرية هي جملة معيارية، و ما عداها من أنماط مختلفة للجملة هي مجرد أشكال متفرعة عنها.
لقد عمد أوستين في البداية إلى التمييز بين نوعين من الأقوال. الأقوال الإنجازيةdes pormatives و الأقوال التقريريةdes constatives.
فالأقوال الإنجازية:هي الأقوال الخبرية التي يمكن أن نحكم عليها قضويا بالصدق و الكذب مثلا: "الطقس حار".
أما الأقوال التقرير ية: فهي الأقوال الغير خبرية التي لا تخضع لمفهومي الصدق و الكذب مثلا:" معذرة،مرحبا، أي الكتب تفضل....".
غير أن سرعان ما تبين لاحقا أن عدم دقة هذا التمييز، ذلك أن الأقوال التقريرية غالبا ما تعمل هي الأخرى على إنجاز فعل الإخبار. و أكد أوستين على أننا حين نتلفظ بقول ما فإننا نقوم بثلاث أفعال:
1. فعل التلفظActe locutoire: ويقصد بذلك الأصوات التي يخرجها المتكلم و التي تمثل قلا ذا معنى(اي بناء نحوي +بدلالة).
2. فعل التضمين في القولActe illocutoire: و يقصد بذلك أن المتكلم حين يتلفظ بقول فهوينجز معنى قصديا او تأثيرا مقصودا و هو ما أسماه"قوة الفعل"، و لقد اشترط لتحقيق هذا المعنى الإنجازي توفر:سياق عرفيا، لغة، محيطا وأشخاصا.
مثلا:" سأحضر لرؤيتك غد"ا.يعتمد معناها الإنجازي (الوعد هنا) على مدى تحقق شروطها بحيث يكون المتكلم قادرا على الإيفاء بوعده، أن ينوي فعل ذلك وأن يكون واثقا أن المستمع يرغب في رؤيته، ذلك أن انتفاء رغبة المستمع في رؤية المتكلم قد يحيل المعنى الإنجاز هنا من "وعد" إلى "وعيد".
3.الفعل الناتج عن القول Acte perlocutoire:و يعني بذلك أن الكلمات التي ينتجها المتكلم في بنية نحوية منتظمة محملة بمقاصد معينة في سياق محدد تعمل غلى تبليغ رسالة و تحدث أثرا عند المتلقي (الإقناع-التضليل....). و لقد عمل الفيلسوف الأمريكي جون سورل J.Searleعلى تطوير نظرية أفعال الكلام لأوستين، دامجا تحليلات غرايسGrice المتعلقة بمقاصد المتكلم للنطق بتلك الكلمة و هو يؤكد أن ما يعنيه متكلم ما بعلامة ما، في مناسبة ما قد ينحرف عن المعنى القياسي لتلك العلامة.
و من ثم قسم سورل أفعال الكلام في كتابه”l’acte de langage” سنة 1964 إلى أربعة أفعال:
1. فعل التلفظl’acte d’énociaton: أي التلفظ بالكلمات(جمالا و مورفيمات).
2. فعل الإحالة و الإسناد l’acte propositionnel:أي إنجاز فعل القضية(ما يقصد به المتكلم من الجملة).
3. فعل قوة التلفظ l’acte illocutionaire: أي إنجاز فعل السؤال، الوعيد......
4. فعل أثر التلفظ l’acte purlocutionaireمفهوم أوستين) وهو المفهوم الذي يتلازم مع فعل قوة التلفظ و الذي يجسد النتائج و التأثيرات التي تحدثها الأفعال الإنجازية السابقة على أفكار و معتقدات السامع.
و لقد حاول سورل حصر أفعال الكلام في اللغة غي خمسة أنماط رئيسية:
1. أفعال تمثيلية perésentatives:و هي الأفعال التي تلزم المتكلم بصدق القضية المعبر عنها(أفعال التقرير و الإستنتاج).
2. أفعال التوجيهDirectives:و هي الأفعال التي تمثل محاولة الوتكلم لتوجيه المستمع للقيام بعمل ما(أفعال الطلب و السؤال).
3. افعال التزاميةCommitives:و هي الأفعال التي تلزم المتكلم بالنهوض بسلسلة من الأفعال المستقبلية(أفعال الوعد و الوعيد).
4. أفعال تعبيرية Exprissives:و هي التي تعبر عن حالة نفسية المتكلم( الشكر-الترحيب و الإعتذار).
5-افعال إعلامية Decloratives:وهي الأفعال التي تحدث تغيرات فورية في نمط الحداث العرفية(إعلان الحرب-إعلان الزواج- أفعال الطرد- الإعالة....).
V-نظرية الحجاج:
تعتبر نظرية الحجاج التي وضع أسسها اللغوي الفرنسي أزفالد ديكرو O.Ducrot منذ سنة 1973 نظرية لسانية تهتم بالوسائل اللغوية وبإمكانيات اللغة الطبيعية التي يتوفر عليها المتكلم، وذلك بقصد توجيه خطابه وجهة ما تمكنه من تحقيق بعض الأهداف الحجاجية.
ولقد انبثقت نظرية الحجاج في اللغة من داخل نظرية أفعال الكلام، ولقد قام ديكرو بتطوير أفكار وآراء أوستين بالخصوص، ولقد اقترح في هذا الإطار إضافة فعلين لغويين هما : فعل الاقتضاء وفعل الحجاج.
يفرض فعل الحجاج على المخاطب نمطا معينا من النتائج باعتباره الاتجاه الوحيد الذي يمكن ان يسير فيه الحوار او بعبارة أخرى يتمثل الحجاج في إنجا متواليات من الأقول بعضها بمثابة الحجاج اللغوية وبعضها الآخر هو بمثابة النتائج التي تستنتج منها ويوضح هذا بواسطة الأمثلة التالية :
 أنا متعب، إذن أنا أحتاج إلى الراحة.
 الساعة تشير إلى الثامنة، لنسرع.
 عليك أن تجتهد لتنجح.
فإذا نظرنا إلى هذه الأمثلة نرى أنها تتكون من حجاج ونتائج لهذه الحجاج فمثلا "ألعب، يستدعي الراحة" فالحجة عبارة عن عنصر دلالي يقدمه المتكلم لصالح عنصر دلالي آخر. وقد ترد الحجة على شكل قول أن نص أو سلوك غير لفظي... والحجة قد تكون ظاهرة أو مضمرة بحسب السياق والشيء نفسه بالنسبة للنتيجة والرابط الحجاجي.
أ-السلم الحجاجي :
السلم الحجاجي هو علاقة ترتيبية يرمز لها كالتالي: ح ـــــ∑ن .
مثلا : 1- حصل زيد على الشهادة الثانوية.
2-حصل زيد على شهادة الإجازة.
3-حصل زيد على شهادة الدكتوراة.
هذه الجمل تتضمن حججا تنتمي إلى نفس الفءة الحجاجية وإلى نفس السلم الحجاجي، فكلها تؤدي إلى نتيجة واحدة مضمرة "كفاءة زيد العلمية" ولكن القول الأخير هو الذي سيرد في أعلى السلم الحجاجي، وبالتالي فهو أقو دليل على كفائة زيد ويمكن الترميز لذلك :
ن= الكفائة العلمية
د= الدكتوراة
ج= الإجازة
ب= الشهادة الثانوية
أ-قوانين السلم الحجاجي: أهم هذه القوانين:
-قانون النفي : إذا كان قول ما "أ" يخدم نتيجة معينة فإن نفيه " ~أ"سيكون حجة لصالح النتيجة المضادة.
مثلا: زيد مجد، لقد نجح في الإمتحان.
زيد ليس مجدا، إنه لم ينجح في الإمتحان.
ب-قانون القلب: يرتبط هذا القانون أيضا بالنفي فإذا كانت إحدى النتيجتين اقوى من الأخرى في التدليل على النتيجة فإن نقيض الحجة الثانية أقوى من نقيض الحجة الأولى في التدليل على النتيجة المضادة.
مثلا:حصل زيد على الماجستير و الدكتوراة.
لم يحصل زيد على الدكتوراة،بل لم يحصل على الماجستير.
فحصول زيد على الدكتوراة اقوى دليل على مكانته العلمية مة حصوله على الماجستيرفي حين أن عدم حصوله على الماجستير أقوى دليل عدم كفاءته من عدم حصوله على الدكتوراة.
الأدوات الحجاجية:
هناك نوعان من الأدوات الحجاجية: الروابط الحجاجية و العوامل الحجاجية.
الروابط الحجاجية: تربط بين و حدتين دلالين أو أكثر في إطار استراتيجية واحدة.(مثل: حروف العطف-حتى بل-لكن-مع ذلك....)
مثلا:زيد مجتهد إذن سينجح في الإمتحان.
العوامل الحجاجية: لا تربط بين حجة و نتيجة و لكنها تقوم بحصر و تقييد الإمكانات الحجاجية التي تكون لقول ما، ويمكن تمثيل هذه العوامل بالأدوات التاليةربما،تقريبا،قليلا.....إلا و جل أدوات الحصر).
مثلا:م1-تشير الساعة إلى الثامنة.
م2- لا تشير الساعة إلا إلى الثامنة.
عندما أدخلنا على المثال أداة القصر "لا...إلا" لم ينتج عن ذلك اي اختلاف بين المثالين بخصوص القيمة الإخبارية، لكن الذي تأثربهذا التعديل هو القيمة الحجاجية للقول، أي الإمكانات الحجاجية التي يتيحها، فالمثال الأول له إمكانات حجاجية كثيرة(موعد الأخبار- الدعوة إلى الإسراع-الدعوة إلى التأخر...) بعباررة أخرى فهو يخدم النتيجة"أسرع" و كذلك النتيجة المضادة "لا تسرع". لكن عندما أدخلنا عليه العامل الحجاجي "لا...إلا" فإن إمكاناته الحجاجية تقلصت و أصبح الإستنتاج الممكن هو "لا داعي للإسراع".
المبادئ الحجاجية:
إن وجود الروابط و العوامل الحجاجية لا يكفي لضمان سلامة العملية الحجاجية و قيام العلاقة الحجاجية، بل لا بد من ضامن يضمن الربط بين الحجة و النتيجة و هذا ما يعرف"بالمبادئ الحجاجية les Topoi" و هي مجموعة من المعتقدات و الأفكار المشتركة بين أفراد مجموعة بشرية و تتميز بكونها:
عمومية:تصلح لعدد كبير من السياقات المتنوعة.
تدرجية: لأنها تقيم علاقة بين محمولين تدريجيين، أو بين سلمين حجاجيين(العملو النجاح).
و لقد حدد ديكرو العلاقة بين الحجة و النتيجة على الشكل التالي:{ن ،ح} مما يعطي الإمكانية لضهور أربع حالات أساسية:{ن ،ح }أو {ن ، ح }أو {ن ، ح } أو {ن ، ح}.

منقووول










رد مع اقتباس
قديم 2013-08-20, 23:47   رقم المشاركة : 336
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوع الرسالة: التناص في'أنشودة المطر 'للسياب *عدم وجود صاحب العمل *


التناص
التناص مصطلح نقدي أشيع في الأدب الغربي بعد عام 1966 ووظف بشدة كآلية نقدية
في معالجة النصوص الأدبية,و هذا المفهوم ظهر عند جوليا كريستيفا تأثرا بأستاذها ميخائيل باختين العالم الروسي الذي وضح مفهوم التناص من خلال كتابه "فلسفة اللغة" وعنى باختين بالتناص "الوقوف على حقيقة التفاعل الواقع في النصوص في استعادتها أو محاكاتها لنصوص_أو لأجزاء_من نصوص سابقة عليها و الذي أفاد منه العديد من الباحثين" إذ استوى مفهوم التناص بشكل تام على يد جوليا كريستيفا و قد عرفته بأنه {التفاعل النصي في نص بعينه}أو بتعبير آخر {أن النص عبارة عن لوحة فسيفسائية أوقطعة موزاييك من الشواهد,و كل نص هو امتصاص أو تشرب لنص آخر أو تحول عنه}
"في دراسة بعنوان "لغات جاري",نجد ميشيل أريفي يقدم تعريفا جامعا مانعا لمفهوم التناص :"انه مجموع النصوص التي تدخل في علاقة مع نص معطى ,هذا التناص يمكن أن يأخذ أشكالا مختلفة ,الحالة المحدودة هي بدون شك ,مكونة من مجموع المعارضات ,حيث التناص يكون مجموع النصوص المعارضة.
و التناص في الأدب العربي مر ببدايات غنية تحت مسميات نقدية تناسب عصوره القديمة و عاد من جديد للظهور متأثرا بالدراسات اللسانية الغربية الحديثة كمصطلح مستقل له أصوله و نظرياته و تداعياته ففي الأدب العربي المعاصر حظي مفهوم التناص باهتمام كبير.
و قد التقى حول هذا المصطلح عدد كبير من النقاد الغربيين و توالت الدراسات حوله و توسع الباحثون في تناوله.و بعد ذلك اتسع مفهوم التناص و أصبح بمثابة ظاهرة نقدية جديدة و جديرة بالدراسة و الاهتمام .
و تعد ظاهرة التناص إحدى تجليات النص الشعري الإبداعي الجديد الذي يتسم بخاصية انفتاحه على نصوص أخرى لاسيما التراثية منها فهو{النص الجديد}يتميز عن الأشكال الشعرية السابقة بكونه قابلا لاحتضانها و التفاعل معها,و الشاعر العربي الحديث و المعاصر استثمر التناص في كثير من انتاجاته الشعرية قبل أن يلد هذا المصطلح العصري و يعرفه النقاد العرب المعاصرون وسواء كان الشاعر من الإحيائيين أمثال البارودي فأحمد شوقي أو كان من رواد الشعر المعاصر مثل نازك الملائكة , بدر شاكر السياب ,احمد مطر..... و غيرهم .
و تعتمد تقنية التناص على إلغاء الحدود بين النص و النصوص أو الوقائع أو الشخصيات التي يضمنها الشاعر نصه الجديد حيث تأتي هذه النصوص موظفة و مذابة في النص,مما يجعل من النص ملتقى لأكثر من زمن و أكثر من حدث و دلالة فيصبح النص غنيا حافلا بالدلالات و المعاني .
لقد لجأ الشاعر العربي المعاصر من خلال ظاهرة التناص إلى تكثيف تجربته و شحنها بفيض دلالي عارم ,و لقد كانت الاستعانة بالتراث العربي القديم النثري أو الشعري وجانبه التاريخي خاصة من أهم مرتكزات قصيدة الشاعر العربي المعاصر خلال الاستعانة بالألفاظ و المعاني و الدلالات النصية و هذا ما نجده في شعر السياب و البياتي...وغيرهم.
كما أفادوا من البنية العميقة للقصيدة العربية القديمة و أسلوبها و صياغتها اللفظية و التركيبية.
فقصيدة {أنشودة المطر }للسياب تمثل تجربة جديرة بالتأمل و الدراسة تمثل بشكل عام صراعا بين الأمل و الفرحة و الألم و الحزن و الحصرة ,في إشارات واضحة لذلك على مدار القصيدة يعاني فيها الشاعر حصرته على أمور كثيرة فمن الحصرة على خيرات البلاد إلى ضياع الهوية,و التحدي و الإصرار على المواجهة ,فأنشودة المطر رمز الأمل و الانتصار على القمع ,حيث ألقى الشاعر في قصيدته جل همومه.حيث لجأ إلى تصويرها باستدعائه للتناص في أشكاله المتنوعة.
و تعد القصيدة نموذجا لنص يحفل بالعديد من التقنيات التعبيرية المتضافرة يقوم فيها الإنشاء و التناص و الأسطورة و الترميز بالدور الأساسي في تكوين بنية النص و توليد دلالاته المشعة طبقا لإستراتيجية حيوية فعالة تحقق درجة عالية من شفافية التوازن.
التناص و التراث الشعبي :
تكون المحاكاة فيه على مستوى توظيف القص الشعبي و الحكايات القديمة
حيث يأتي الشاعر في قصيدته هاته بصورة يشبه بها حالة المكروب في الليلة الماطرة، وهي صورة صياد فقير يلقي شباكه ثم يجمعها فإذا هي فارغة فيمضي يلعن حضه النكد يقول الشاعر:
كأن صياد حزينا يجمع الشباك
و يلعن المياه و القدر
و ينثر الغناء حيث يأفل القمر
و هو تناص مع الحكايات الشعبية الكثيرة عن صياد اصطاد سمكة كبيرة أهداها إلى الملك فأجزل له العطاء ، أو صياد اصطاد سمكة فعثر في جوفها على خاتم أو اصطاد سمكة رجته أن يعيدها إلى البحر ففعل فأنعمت عليه بخير وفير.
و هي جميعا حكايات تدل على حلم الفقير بالخلاص من فقره مصادفة و بأساليب عمادها الحظ و السحر و الخيال و الوهم.
و الصياد في قصيدة أنشودة المطر رمز للشعب اليائس الحزين الذي يصارع الحياة.
التناص و الأسطورة :
يذكر الشاعر (السياب) الطغاة و المستبدين المستغلين الذين يسرقون خيرات البلاد وينهبونها فيقول :
و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
من زهرة يربها الفرات بالندى
يظهر من هذه الأسطر الشعرية أن السياب قد تناص مع أسطورة جلجاميش حيث أن ذكر الأفعى تشرب الرحيق من زهرة يربها الفرات يقتضي على الفور استدعاء ملمحة جلجاميش
حيث يسعى جلجاميش خلف أسرار الحياة و عشبة الخلود,فقد جاب المسافات بحثا عن زهرة الحياة و الخلود وفيها يعثر جلجاميش على زهرة الحياة ، و يحملها ليعود بها إلى أوروك ولكن العطش ينال منه في الطريق فينزل إلى بئر ليشرب فتأتي الأفعى و تقضم زهرة الحياة .
و الغرض من استلهام الأسطورة فنيا هو محاولة لإعادة بناء عالم جديد بديلا للعلام الذي يرفضه الشاعر.
يقول السياب:
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
العينان اللتان تبعثان الحياة في الكون فتخضر الكروم بعد يباس تستدعي عشتار
ربة الخصب و الحب في الأساطير لما كانت عشتار مرهفة الحس و جامحة الرغبة جذابة الملامح ساحرة القول فقد تعددت قصص غرامها و كثر عشاقها و كل واحد يطمع في الفوزبها لتهطل الأمطار على أراضيه و تكثر الغلال في حقوله و تزداد محاصيله و يرفل بالرفاء و الغنى(رؤية تشير إلى انبعاث الحياة بعد الموت).
التناص القرآني:
وظف السياب تناصا قرآنيا في قصيدته و ذلك باستدعاء قصة أهل ثمود ,قال الشاعر :
لم تترك الرياح من ثمود
في الواد من أثر
إذا تأملنا في هذين السطرين سنلاحظ استدعاء الشاعر لقصة أهل ثمود الدين طغوا و أفسدوا في البلاد فأنزل المولى عز و جل غضبه عليهم فزلزل ديارهم.

منقوووول للفائدة












رد مع اقتباس
قديم 2013-08-26, 15:51   رقم المشاركة : 337
معلومات العضو
daciismail
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

ارجوا من اخت دلال اريد طلب دروس ادب 1 جامعي بحثت في المنتدى في الصفحات ولم اجد اريد ان تساعديني من فضلك في الحصول على الدروس










رد مع اقتباس
قديم 2013-08-26, 16:13   رقم المشاركة : 338
معلومات العضو
daciismail
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

ان لم اجد الدروس انما البحوث فقط اريد المساعدة منك اخت دلال في ايجاد الدروس لو سمحتي










رد مع اقتباس
قديم 2013-08-26, 22:51   رقم المشاركة : 339
معلومات العضو
daciismail
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

ارجوا المساعدة من فضلكم










رد مع اقتباس
قديم 2013-08-29, 16:58   رقم المشاركة : 340
معلومات العضو
أماني بلعلى
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **د لا ل** مشاهدة المشاركة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

اهلا بكِ اختي الكريمة

صراحة لم افهم اي موضوع اتخذته مدخلا للمذكرة

بالنسبة لمضمونها فهو ليس بالصعب لان الشعر الجاهلي غني بخاصية الفحولة

يعني المذكرة ستكون غنية والمراجع كذلك

ان احتجت اي شيء فانا هنا

موفقة اخيتي
بارك الله فيك أختي
لقد تمت المذكرة بعون الله وكذا بمساعدة زوجي
فلقد تم تقييمي بعلامة 14 والحمد لله رب العالمين
وفي المرة المقبلة بإذن الله سأعرضها على النت









رد مع اقتباس
قديم 2013-08-29, 19:09   رقم المشاركة : 341
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة daciismail مشاهدة المشاركة
ان لم اجد الدروس انما البحوث فقط اريد المساعدة منك اخت دلال في ايجاد الدروس لو سمحتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخي انا قد وضعت محاضرات السنة اولى الخاصة بالنظام الكلاسيكي وهي تجميع لدروس كثيرة وليست بحوث وهذا ما

درسناه

اما نظام ال م د فلا علم لي بما تدرسونه

قد تفيدك محاضراتنا لانها موسعة اكثر

وفقك الله









رد مع اقتباس
قديم 2013-08-29, 19:12   رقم المشاركة : 342
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أماني بلعلى مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك أختي
لقد تمت المذكرة بعون الله وكذا بمساعدة زوجي
فلقد تم تقييمي بعلامة 14 والحمد لله رب العالمين
وفي المرة المقبلة بإذن الله سأعرضها على النت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مبااارك اختي التخرج

وربي يوفقك اكثر واكثر

تحياتي









رد مع اقتباس
قديم 2013-09-05, 18:12   رقم المشاركة : 343
معلومات العضو
مصطفى الجزايري
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

أرجو من الإخوة الأفاضل أن يردوا الأعمال لأصحابها وذكر المراجع المعتمدة ...إن كانت موجودة وإن لم تكن كذلك فلا داعي لطرح الأعمال
من فضلكم وبارك الله فيكم










رد مع اقتباس
قديم 2013-09-06, 22:23   رقم المشاركة : 344
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى الجزايري مشاهدة المشاركة
أرجو من الإخوة الأفاضل أن يردوا الأعمال لأصحابها وذكر المراجع المعتمدة ...إن كانت موجودة وإن لم تكن كذلك فلا داعي لطرح الأعمال
من فضلكم وبارك الله فيكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نحن نضع هاته الاعمال بغرض مساعدة طلبة العلم وجمع اكبر قدر من الدروس والمحاضرات لتسهيل عملية البحث عنهم وليس بغرض سرقتها لانها موجودة بالاصل على النت ولم اضعها هنا بغرض نسبها الي والله يعلم ذلك

وفيكم بااارك الله اخي الكريم










رد مع اقتباس
قديم 2013-09-08, 22:36   رقم المشاركة : 345
معلومات العضو
mounir28000
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
من فضلكم أريد شرح قصيدة بيروت للشاعر محمود درويش









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:46

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc