"حزب اللآت " في اضطراب لا سابق له
25/05/ 2015
هل يمضي “حزب الله” فعلًا في تصعيد الاستعدادات الميدانية والإعلامية والسياسية تمهيدًا لمعركة جرود عرسال بعد معركة القلمون ولو من جانب أحادي؟ ذاك هو السؤال الكبير بل الخطر الأكبر الذي يشغل لبنان منذ يوميْن والذي طغى على كل شيء، متواكبًا مع الاستعدادات لإحياء ذكرى التحرير اليوم الاثنين، والتي تصادف أيضًا ذكرى مرور سنة على بدء أزمة الفراغ الرئاسي التي تشغل الوجه الثاني من المشهد المفعم بالتشاؤم والغموض.
لم يكن أدلّ على اتجاه لبنان نحو منقلب جديد خطر من احتلال التطورات اللبنانية فجأة الأولويات التي أفردت لها الصحافة العربية ولا سيما منها الخليجية والإعلام الفضائي العربي، التحليلات والتغطية الواسعة أسوة بالصحافة والإعلام التلفزيوني في لبنان نفسه.
ولكن كل ذلك دار ويدور حول فرضية أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تطورات من شأنها أن تبدأ بهزّ الاستقرار الهشّ الذي نجح لبنان في الحفاظ عليه منذ اندلاع الحرب السورية، وأن هذا الاستقرار يشارف مرحلة الخطر المحقق.
والواقع أنه قبل ساعات من إلقاء الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله كلمته في الاحتفال الذي أقيم عصر أمس الأحد في النبطية لمناسبة الذكرى 15 لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، كانت الشكوك تتنامى حول الواقع الحقيقي الذي يعيشه الحزب نفسه الذي أطلق إشارات متناقضة للمرة الأولى في شأن اتجاهاته الآتية بعد معركة القلمون.
وذكرت أوساط سياسية واسعة الاطلاع، تتحرك بقوة بين المراجع الحكومية والنيابية في بيروت لصحيفة “الراي”، أن “ما نشهده حتى الآن هو تصعيد غير اعتيادي للضغوط من جانب “حزب الله” لدفع الحكومة إلى التسليم بحتمية تغطية رسمية حكومية لخطة ميدانية جديدة يضطلع بها الجيش اللبناني لحسم الوضع في عرسال وجرودها، بما يوفر على الحزب ركوب المركب الخشن في فتح مواجهة هناك، ستفتح حتمًا صفحة احتمالات شديدة الخطورة؛ لأنها ستتخذ فورًا بُعدًا مذهبيًّا”.
وبحسب هذه الأوساط، “لم تكن سلسلة المواقف المتعاقبة لمسؤولين وقادة في “حزب الله” في الساعات الأخيرة التي سبقت الموعد المحدد لخطاب نصرالله في النبطية، سوى انعكاس لخطة إعلامية وضعها الحزب من أجل إفهام الحلفاء والخصوم بأن معركة جرود عرسال آتية لا محالة، وأن الأفضل للخصوم أن يعيدوا حساباتهم جذريًّا هذه المرة تجنبًا لتداعيات ترْك الأمر لقرار الحزب الذي لم يعد مُحرَجًا أبدًا في التلويح بأنه قد يخوض المعركة وحده إذا استلزم الأمر”.
وتكشف الأوساط نفسها، أنها من خلال التحرك الذي تقوم به بين المراجع اللبنانية، “لا يبدو أن هناك بعدُ معطياتٍ ثابتةً ومؤكدةً حيال خطط الحزب المقبلة، ولكن يبدو واضحًا أن أثرًا كبيرًا وثقيلًا بدأ يرخي تداعياته على قيادته، جرّاء الانهيارات الواسعة التي أصابت قوات النظام السوري أخيرًا، سواء بانسحابها طوعًا من مناطق إستراتيجية أو تحت وطأة هجمات “داعش” والمعارضة”.
ولذا، ترجّح هذه الأوساط، أن يكون “الحزب نفسه بلغ المرحلة الأشد خطورة ومصيرية في مسار تورّطه في الحرب السورية، بما سيملي عليه الاندفاع قدمًا نحو تحصين ما يمكن تحصينه لحماية ما حققه في معركة القلمون بقفل ثغرة عرسال”.
وتشير إلى أن “بلوغ هذه المرحلة يضع الحزب وعبره لبنان بأسره في عين العاصفة فعلًا، خصوصًا بعدما أظهر الحزب ازدواجية تدلّ على اضطرابه غير المعتاد من خلال إصداره توضيحًا للكلام الذي نشرته الصحف المحسوبة مباشرة عليه (أول من أمس السبت) في شأن تلويح نصرالله للمرة الأولى بإمكان إعلان التعبئة العامة”.
ولكن رغم ذلك، لا تزال الأوساط نفسها تستبعد المغالاة في الاستنتاجات التي تحدثت عن مناخ انقلابي يمهّد له الحزب في لبنان سواء بدفع إيراني أو بخطوات “انتحارية”.
“فالحزب يدرك تمامًا معنى استدراج الواقع اللبناني إلى انفجار مذهبي واسع ولو أنه بات الآن (في رأيها) محشورًا ومحرجًا جراء ظهور معالم الانهيار على النظام السوري، الذي نذر الحزب نفسه لإنقاذه وتوفير معالم صموده”.
وإذ تشدد على أن “الكثير من الأفرقاء اللبنانيين لن يسمحوا باستدراج الجيش إلى معركة خارج الإطار الدفاعي المحدد الذي يتبعه”، لا تستبعد “إعادة البحث في واقع انتشار مخيمات النازحين السوريين في عرسال ومحيطها قريبًا جدًّا، بما يفتح الباب على البحث في مخارج تُجنِّب لبنان السقوط في متاهات الخطر القاتل.
وهو أمر يجري تداوله منذ مدة بعيدة ولكن الوقائع الميدانية الأخيرة قد تملي الاتجاه إلى حلول سريعة له بحيث يجري الفصل بين النازحين والمسلحين من دون توريط الجيش في معركة استباقية، ما يحصر الوضع الميداني في جرود عرسال من دون البلدة، علّه يمكن عقب ذلك إجراء مفاوضات برعاية أطراف إقليميين لتأمين ممرات آمنة لانسحاب المسلحين أسوة بالمفاوضات الجارية حاليًّا في ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين”.
ومع ذلك، لا تستهين الأوساط بالخطورة الصاعدة في المشهد الداخلي، وتقول: إن “الأسبوع الحالي سيتّسم بدرجة عالية من الأهمية، نظرًا إلى السباق الكبير الذي بدأ يطبع التحركات والمواقف السياسية مع الوقائع الميدانية وتعقيداتها، الأمر الذي يضع لبنان أمام مرحلة مفصلية بعد مرور عام كامل على أزمته الرئاسية”.