المذعن لحكم الله ـ على التعامل باطمئنان وثقة وانشراح مع هذه المعاملة ومع أمثالها من المعاملات التي تفتقت عنها وستتفتق عنها
عقول بعض أصحاب المشروعات التجارية ، لاسيما مع توفر خمسة عوامل رئيسية لانتشار مثل هذه المعاملات . هي :
1- ذيوع وسائل الاتصال والدعاية والإعلان .
2- سهولة التواصل المالي عبر البطاقات ونحوها .
3- تزايد الحاجة للمال عند عامة الناس ، بسبب الإغراق في الكماليات .
4- وجود أصل غريزة الطمع وحب المال في النفس البشرية .
5- ضعف التدين وقلة تحرِّي الحلال عند كثير من المسلمين .
وفيما يلي عدة قواعد تعين على التعامل مع هذه المعاملة وما ظهر وما سيظهر من مثيلاتها ينبغي الانتباه لها والاهتمام بها :
1- فتنة المال من أعظم الفتن التي تؤثر على الإنسان في دينه وفي بركة ما عنده من مال وولد فينبغي الحذر والتحرِّي في حلِّ مصادره أشد التحري .
2- اتقاء الأمور المشتبهات ، قاعدة مقررة في الشريعة حتى لو لم يُسلِّم الإنسان بتحريم الأمر المشتبِه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلَّم
: ( الحلال بيِّن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) البخاري ( 52 ) مسلم ( 1599 ) .
3- ( ما جاءك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه ، وما لا فلا تُتْبعه نفسَك ) رواه البخاري ( 138 ) مرفوعا ، أي لا تجعل نفسك تتعلق بالمال الذي ليس في يدك دفعاً لما يحصل
في النفس من حزن وحسرة إذا لم تحصُل عليه . والنهي عن التعلُّق في هذا الحديث ورد في الكلام عن العطية وهي هدية مباحة في أصلها فكيف بالتعلُّق بالأموال المشتبهة ؟ بل كيف بالتعلُّق بالأموال المحرمة ؟
فلا بدَّ أن يكون أكثر أثرا سلبيا في النفس وأشد في المنع .
4- ( من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ) رواه أحمد وصححه الألباني ، وهذا يعمُّ مَنْ تَرَك الحرام ومن ترك المشتبه فيه .
5- البَرَكة في المال وإن قلَّ أعظم وأولى بالبحث من كثرته من طريق محرم أو مشكوك فيه .
6- على المسلم أن يكون صادقا مع نفسه تمام الصدق في معرفة مقصده من مثل هذه المعاملات هل هو الرغبة في الوصول للمال والسلعة حيلة لإضعاف لوم النفس والناس، أم أن السلعة مقصودة أساسا ؟
وأن يعلم أن ما يخفيه من مقاصده معلوم عند الله الذي يعلم السر وأخفى ، وأنه سبحانه سائله ومحاسبه عن ذلك .
7- الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، وإخفاء بعض المعلومات عن المفتي لا يبيح الأخذ بفتواه ، ولا يعذر الآخذ بها ما دام يعلم أن المفتي لم تعرض عليه الصورة كاملة ، ولم يطَّلع على حقيقة المسألة .
8- ( البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك ) رواه أحمد ( 17320 ) وقال الألباني في صحيح الترغيب 1734 حسن لغيره .
9- آكِل المال الحرام إذا كان معترفا بوقوعه في الحرمة أخف جرما ممن يأكله مستعملا الخديعة والتدليس والحيل ؛ لأن الثاني قد أضاف إلى أكله للحرام ذنبا آخر وهو مخادعة الله .
قال ابن القيم : ( فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها مع تضمنه لمخادعة الله تعالى ورسوله ونسبة المكر والخداع والغش والنفاق إلى شرعه ودينه وأنه يحرم الشيء
لمفسدة ويبيحه لأعظم منها ولهذا قال أيوب السختياني يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون ) إغاثة اللهفان 1/354 .
10- ما ثبت عند الإنسان تحريمه فعليه أن يقطع تعلُّق نفسه به وأسفه إذا فاته ورآه عند الآخرين وليحمد الله على أن سلَّمه ، وليسألْه سبحانه أن يبغِّض إليه الحرام مهما كثُر ويرزقه دوام اجتنابه
وأن يعينه على مجاهدة نفسه لقطع هذا التعلُّق .
11- أحكام الشرع مبناها على تمام العلم والحكمة . وهي تراعي المصلحة العامة الكلِّية وإن كان فيها ما يُظن أنه إضرار ببعض المصالح الخاصة
فعلى المسلم أن لا ينظر إلى ما يحصِّله هو من نفع مادي خاص ويُغفل ما ترمي إليه الشريعة من المصلحة الكلية العامة .
أما تفاصيل الجواب فيمكن حصرها في ثلاث نقاط :
أولا : هذه المعاملة بناءً على تكييفها الاقتصادي فيها مشابهة كبيرة بمعاملة ( التسلسل الهرمي ) أو ( التسويق الهرمي ) وإن كانت لا تماثلها من جميع الوجوه
وأصل معاملات التسويق الهرمي يقوم على بناء نظام حوافز شبكي هرمي ، ولم ينظر الذين وضعوها في الغرب إلا إلى كسب المال بِغضِّ النظر عن حلِّ المصدر وحرمته .
وبعرض هذا النظام على نصوص الشريعة وقواعدها يتبين تحريمه من عدة وجوه منها :
1. بناؤه على أكل أموال الناس بالباطل نظراً لأنه لا بدَّ لهذا التسلسل الهرمي من أن يكون له مستوى نهائي ، وهو آخر من وصل إليهم التسلسل الهرمي ، وهؤلاء خاسرون قطعاً لمصلحة الطبقات الأعلى .
ولا يمكن نموُّ الهرم إلا في وجود من يخسر لمصلحة المستويات العليا التي تجني عمولات خيالية ، وآخر طبقتين في كل فرع تكون الأولى منهما كاذبة تُمنِّي التي تليها بالربح
والطبقة الأخيرة مستغفلة مخدوعة ستشتري ولن تجد من تبيعه ، وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المشدِّدة في حرمة أكل أموال الناس بالباطل .
2. بناؤه على الميسر وهو أن يدفع شخص مالاً مقابل أن يحصل على مال أكثر منه أو يخسر ماله . وهذا هو واقع من يدخل في مثل هذه المعاملات ، وهذا من أهم وأوضح أسباب التحريم .
3. نظراً لاحتواء معاملات التسلسل الهرمي على تغرير وخداع ومفاسد كثيرة فقد منعته وحرَّمته الأنظمة الغربية الكافرة ـ إذا كان في صورته الخالية من إدخال سلعة فيها
مع كونهم يبيحون الربا والقمار والميسر أصلاً ، وحذَّر عقلاؤهم منه ( انظر الموقع التالي والمواقع العديدة المرتبطة به
https://skepdic.com/pyramid.html ) .
وبناء على ما سبق فإن معاملة بزناس التي ورد السؤال عنها تدخلها عدة أوجه من أوجه التحريم هنا بسبب مشابهتها للتسلسل الهرمي في أصل الأسباب التي يحرم من أجلها وهي الميسر وأكل المال بالباطل .
ثانيا : إدخال السلعة في هذه المعاملة لا ينقلها إلى الإباحة ولا يزيل أسباب التحريم بل هو أقرب إلى كونه سبباً في تشديد حرمتها .
نظرا لكونه تحيُّلا للوصول إلى تمرير هذه المعاملة والإيهام بكون السلعة مقصودة " وتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة
على المفسدة التي حُرِّمَت لأجلها مع تضمنه لمخادعة الله ورسوله "
إغاثة اللهفان 1/354