فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله تعالى - الصفحة 6 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله تعالى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-10, 13:25   رقم المشاركة : 76
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في الموت الدماغيِّ وانتفاءِ تأثيره على الأحكام

في الموت الدماغيِّ وانتفاءِ تأثيره على الأحكام

السؤال:
يرى كثيرٌ مِنَ الأطبَّاء المعاصِرِين أنَّ موت الدماغ يُوجِبُ الحكمَ بموت صاحِبِه، غير أنَّ المعروف ـ عادةً ـ أنَّ الحكم عليه بالموت إنما يكون عند توقُّفِ قلبه عن النبض نهائيًّا، فهل علامةُ موت الإنسان بموت دماغه أم بموت قلبه؟ وبناءً عليه: فهل يجوز رفعُ أجهزة الإنعاش عن المريض عند تعطُّلِ دماغه كُلِّيًّا، ولو مع بقاءِ نبضاتِ قلبِه بالتنفُّس الاصطناعيِّ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلا تحصل حقيقةُ الموت ـ عند الفقهاء ـ إلَّا بمفارَقةِ الروحِ للبدن، بمعنى: زوالِ الحياة عمَّا وُجِدَ فيه الحياةُ أو عمَّنْ يتَّصِفُ بها بالفعل(١).
ومعيارُ مفارَقةِ الروحِ للبدن: علامةٌ واضحةٌ على تحقُّقِ الموت الفعليِّ، وهو ما تقتضيه النصوصُ الشرعية وتُؤكِّدُه، منها: حديثُ أمِّ سَلَمة رضي الله عنها قالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ»»(٢)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثِ البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما واصفًا قَبْضَ الملائكةِ روحَ المؤمن: «.. فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا ـ أي: مَلَكُ الموت ـ»(٣)، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «فقَدِ استفاضَتِ الأحاديثُ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّ الأرواح تُقْبَضُ وتُنعَّمُ وتُعذَّبُ ويقال لها: اخْرُجِي أيَّتُها الروحُ الطيِّبة»(٤).
وإذا كان الاستدلال على تحقُّقِ الحياة وحصولِهَا بنفخ الروح في البدن كما في قوله تعالى: ﴿فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ [التحريم: ١٢]، وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ»(٥)؛ فإنه يُسْتدَلُّ بقياس العكس على حصول الموت وتحقُّقه بمفارَقةِ الروح للبدن.
وإذا تَقرَّرَ ما سَبَقَ فإنَّ العلماء والأطبَّاء لم يختلفوا في هذه الحقيقةِ الشرعية المتمثِّلةِ في مفارَقةِ الروح البدنَ؛ بل حكموا بالوفاة على مَنْ تَلِفَتْ خلايا دماغِه وتعطَّلَتْ جميعُ وظائفه وتوقَّفَ قلبُه عن النبض توقُّفًا كُلِّيًّا، وعليه فإنه ـ في تحرير مَحَلِّ النزاع ـ يتقرَّر أنَّ اجتماع العلَّتَيْن والاستدلالَ بهما على تحقُّقِ الموت ووقوعِ الوفاة بمفارَقةِ الروحِ البدنَ أمرٌ مُجْمَعٌ عليه، هذا مِنْ جهةٍ.
كما أنه لا خلافَ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ في الحكم بحياة المريض إذا طَرَأَ على دماغه عارضٌ معلومٌ زوالُه يمنعه في ذلك الوقتِ مِنَ القيام بمَهَمَّتِه.
وإنما يتوجَّهُ الخلافُ بينهم فيما إذا استمرَّ القلبُ في نبضاته مع تَلَفِ جذعِ الدماغ، فهل يُحْكَمُ عليه ـ شرعًا ـ بالموت أم لا بُدَّ مِنِ اجتماع العلَّتين السابقتَيْن حتَّى يُقَرَّرَ فيه هذا الحكمُ؟
والقول المعتمَدُ في هذه المسألة: عدمُ اعتبار موت الدماغ موتًا حقيقيًّا دون قلبِه، ولا تترتَّبُ عليه آثارُ موته به حتَّى يتوقَّفَ قلبُه عن النبض توقُّفًا نهائيًّا، ويُتيَقَّنَ مِنْ مفارَقةِ الروح للبدن بأماراتٍ ذَكَرَها الفقهاء، منها: شخوصُ البصر، وتوقُّفُ التنفُّس، وبرودةُ البدن، واسترخاءُ القدمين، وانخسافُ الصُّدْغين، ونحوُ ذلك مِنَ العلامات الدالَّةِ على الوفاة يقينًا، ولا يجوز العملُ فيها بالشكِّ ولا غَلَبةِ الظنِّ؛ لأنَّ الأصل في المريض الحياةُ، فتُستصحبُ حياتُه ولا يُجْزَمُ بموته إلَّا بعد التيقُّنِ مِنْ زوالها منه؛ إذ «الأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ»(٦)، والحكمُ بموت دماغه مع بقاء نبضات قلبه وتنفُّسِه وغيرِهما مِنْ علامات الحياة: هو شكٌّ في موته؛ لذلك وَجَبَ العملُ باليقين المُوجِبِ للحكم بحياته وهو الأصلُ ـ كما تَقدَّمَ ـ عملًا بقاعدةِ: «اليَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ»(٧)، قال ابنُ قدامة ـ رحمه الله ـ: «وإِنِ اشتبه أمرُ الميِّت اعتُبِر بظهور أمارات الموت، مِنِ استرخاء رجليه، وانفصالِ كفَّيْه، وميلِ أنفِه، وامتدادِ جلدة وجهه، وانخسافِ صُدْغيه، وإِنْ مات فجأةً كالمصعوق، أو خائفًا مِنْ حربٍ أو سَبُعٍ، أو تردَّى مِنْ جبلٍ؛ انتُظِرَ به هذه العلاماتُ حتَّى يُتيقَّنَ موتُه»(٨)، وقال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «فإِنْ شكَّ بأَنْ لا يكون به علَّةٌ، واحتمل أَنْ يكون به سكتةٌ، أو ظهرَتْ أماراتُ فزعٍ أو غيرِه؛ أُخِّرَ إلى اليقين بتغيير الرائحة أو غيرِه»(٩).
ولا يُقاسُ الميِّتُ دماغيًّا على المولود الذي لم يصرخ حالَ ولادته ولو تَنفَّسَ أو تَحرَّكَ؛ لأنَّ اعتبار حياة المولود مِنْ موته مَحَلُّ نزاعٍ بين العلماء؛ فهو ـ إذن ـ مشكوكٌ في حياته، بخلاف المريض فإنَّ الأصل فيه الحياةُ ولو مات دماغُه، ما لم يُتيقَّنْ مِنْ مفارَقةِ الروحِ جسدَه بأماراتها؛ لذلك يَتعذَّرُ القياسُ عليه؛ لظهور الفارق بينهما.
وعليه، فلا تترتَّبُ الآثارُ التي تَعْقُبُ الموتَ مِنِ: اعتداد زوجته، وتنفيذِ وصاياهُ، وقسمةِ تركته، ونحوِ ذلك، إلَّا بعد تحقُّق وفاة الميِّت التي لا تكون إلَّا باجتماع العلَّتَيْن مِنْ تلفِ خلايا الدماغ، مع توقُّف القلب والتنفُّس نهائيًّا، وما يستتبعه مِنْ علامات الموت الأخرى على وجه اليقين، قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «إذا شكَّ: هل مات مورِّثُه فيَحِلُّ له مالُه أو لم يَمُتْ؟ لم يَحِلَّ له المالُ حتَّى يتيقَّنَ موتَه»(١٠).
أمَّا عن رفعِ أجهزة الإنعاش عن المريض بعد موت دماغه: فقَدْ أفتى المَجْمَعُ الفقهيُّ وهيئةُ كبار العلماء بأنَّ المريض الذي رُكِّبَتْ على جسمه أجهزةُ الإنعاش يجوز رفعُها إذا تَعطَّلَتْ جميعُ وظائف دماغه تعطُّلًا نهائيًّا، وقرَّرَتْ لجنةٌ مِنْ ثلاثة أطبَّاءَ اختصاصيِّين خُبَراءَ أنَّ التعطُّلَ لا رجعةَ فيه، وإِنْ كان القلبُ والتنفُّس لا يَزالان يعملان آليًّا بفعل الأجهزة المركَّبة، لكِنْ لا يُحْكَمُ بموته شرعًا إلَّا إذا تَوقَّفَ التنفُّسُ والقلبُ توقُّفًا تامًّا بعد رفعِ هذه الأجهزة، كما سَبَقَ بيانُه.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٧ المحرَّم ١٤٣٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٣١ أكتوبر ٢٠١٥م


(١) انظر: «الكلِّيَّات» لأبي البقا (٨٥٧)، «التعريفات الفقهية» للبركتي (٢٢٠).
(٢) أخرجه مسلمٌ في «الجنائز» (٩٢٠) مِنْ حديثِ أمِّ سلمة رضي الله عنها.
(٣) أخرجه أحمد (١٨٥٣٤)، وابنُ خزيمة في «التوحيد» (١/ ٢٧٣)، والحاكم (١٠٧)، مِنْ حديثِ البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما. وانظر: «أحكام الجنائز» للألباني (١٥٧).
(٤) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٤/ ٢٢٣).
(٥) أخرجه البخاريُّ في «أحاديث الأنبياء» بابُ خَلْقِ آدَمَ صلواتُ الله عليه وذرِّيَّتِه (٣٣٣٢)، ومسلمٌ في «القَدَر» (٢٦٤٣)، مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه.
(٦) انظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (٥١).
(٧) انظر: المرجع السابق (٥٠).
(٨) «المغني» لابن قدامة (٢/ ٤٥٢).
(٩) «روضة الطالبين» للنووي (٢/ ٩٨).
(١٠) «بدائع الفوائد» لابن القيِّم (٣/ ٢٧٣).









 


رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 20:27   رقم المشاركة : 77
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم إتمام الطهارة بالتيمُّم

في حكم إتمام الطهارة بالتيمُّم

السؤال:
مريضٌ به قرحٌ بقَدَمِه يَتضرَّرُ معه إذا أصابها الماءُ: فهل يتيمَّمُ إذا أَحْدَثَ أو أَجْنَبَ، أم يتوضَّأُ ويُسْقِطُ العُضْوَ، أم فرضُه أَنْ يغسل الصحيحَ ويَتَيَمَّمَ للباقي؟ وإذا كان مرضُه هذا مُزْمِنًا: فهل يُعتبَرُ فاقدًا للعُضوِ فيُؤمَرُ بالوضوء مع إسقاطِ العضو؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّه إذا لم يَستطِعْ مَنْ به جرحٌ أو قرحٌ استعمالَ الماءِ أو خاف ـ باستعماله ـ فواتَ منفعةِ عضوٍ أو تأخُّرَ بُرْئِه، وعُلِمَ ذلك إمَّا بالتجربة أو العادةِ أو بإخبارِ طبيبٍ عارفٍ؛ فالواجبُ تركُ غَسْلِ ما لا يقدر على غَسْلِه ويعدل إلى التيمُّم؛ لأنَّ كُلَّ ما عَجَزَ عنه المكلَّفُ ساقطٌ عنه بنصِّ الآية: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وبالحديث المتَّفَقِ عليه: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(١)؛ فالنصُّ يدلُّ على العفو عن كُلِّ ما خَرَجَ عن الطاقة.
وقد استُدِلَّ بهذا النصِّ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ على أنَّ ما دَخَلَ تحت الاستطاعةِ ففرضُه العملُ؛ وعليه فلا يكون مجرَّدُ خروجِ بعضِه عن الاستطاعة مُوجِبًا للعفو عن جميعِه؛ لأنَّ: «المَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالمَعْسُورِ»، و«مُعْظَمَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ»، و«الأَقَلَّ يَتْبَعُ الأَكْثَرَ» في كثيرٍ مِنَ الأحكام، خصوصًا فيما يُحتاطُ فيه.
ومِنْ مُنْطلَقِ هذه القواعد ذَهَبَ بعضُ أهل العلم إلى أنَّ الجُنُبَ إذا أُصِيبَ بجراحةٍ على رأسه وأكثرُ أعضائه سليمٌ؛ فإنَّه يَدَعُ غَسْلَ الرأسِ ويغسل أعضاءَه الأخرى ويمسح موضعَ الجراحة؛ عملًا بحديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما في الرجل الذي شُجَّ فاغتسل فمات؛ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ»(٢)، وبما ثَبَتَ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّه «تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ؛ فَمَسَحَ عَلَى العَصَائِبِ، وَغَسَلَ سِوَى ذَلِكَ»(٣)، مدَعِّمين جوازَ المسح على الجبيرة بالقياس على المسح على العمامة والخُفَّين؛ تقويةً للنصِّ بالقياس(٤).
وفي تقديري: أنَّ هذا الرأيَ مُعتبَرٌ لو صَحَّ الشطرُ الثاني مِنَ الحديث، وهو قولُه: «أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ…»، وهو ـ عند أهل الاختصاص ـ زيادةٌ ضعيفةٌ لا تصلح للاحتجاج، وإِنْ وَرَدَ في المسح على الجبيرة أحاديثُ أخرى، إلَّا أنها لا يصحُّ تقويةُ الحكم بها لشِدَّةِ ضعفِها، ولم يَثْبُتْ مِنَ الحديث سوى الشطرِ الأوَّل منه.
وأمَّا أثرُ ابنِ عمر رضي الله عنهما فهو فعلُ صحابيٍّ لا حُجَّةَ فيه تُوجِبُ العملَ به؛ لمخالَفةِ غيرِه مِنَ الصحابةِ له فيه: كابنِ عبَّاسٍ وعمرِو بنِ العاص رضي الله عنهم، والواجبُ ـ عند اختلاف الصحابة فيما بينهم ـ التخيُّرُ مِنْ أقوالِهِم بحَسَبِ الدليل ـ على أَظْهَرِ الأقوال ـ؛ قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا أقوالُ الصحابة فإِنِ انتشرَتْ ولم تُنْكَرْ في زمانهم فهي حُجَّةٌ عند جماهير العلماء، وإِنْ تَنازَعوا رُدَّ ما تَنازَعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قولُ بعضِهم حُجَّةً مع مخالَفةِ بعضِهم له باتِّفاقِ العلماء»(٥).
وأمَّا الاستدلالُ بالقياس على المسح على العمامة والخُفَّين كأصلٍ في إثبات العبادات فإنَّه ـ على رأيِ مَنْ لا يُجيزُ القولَ بالقياس في العباداتِ ـ ظاهرٌ في عدمِ الاحتجاج به، وأمَّا مَنْ يحتجُّ بالقياسِ في العباداتِ ويُثْبِتُه في كُلِّ ما جاز إثباتُه بالنصِّ ـ إِذِ القياسُ الصحيحُ دائرٌ مع أوامرِ الشريعة ونواهيها وجودًا وعَدَمًا، و«لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يُخَالِفُ القِيَاسَ»(٦) ـ فإنَّ إجراءَ القياس ـ في هذه المسألة ـ مُتعذِّرٌ مِنْ عِدَّةِ جوانبَ:
الأوَّل: أنَّ القياس فرعُ تعقُّلِ المعنى المعلَّلِ به الحكمُ في الأصل؛ فيَتعذَّرُ البناءُ لعدمِ تعقُّلِ معنى الأصل.
والثاني: أنَّ الأصل المَقيسَ عليه رخصةٌ، أي: منحةٌ مِنَ الله؛ فلا يُتعدَّى فيها مَوْردُها إلى غيرِ مَحَلِّها، و«القِيَاسُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْدِيَةِ العِلَّةِ».
وثالثُها: أنَّه ـ وإِنْ سُلِّمَ بأنَّ هذا القياسَ صحيحٌ ـ إلَّا أنَّه مُعارَضٌ بتعيُّنِ الجمع بين الوضوء والتيمُّم؛ توفيقًا بين الروايتين جميعًا، ولا يخفى أنَّ «القِيَاسَ فَاسِدُ الاعْتِبَارِ إِذَا مَا عَارَضَهُ نَصٌّ صَحِيحٌ أَوْ إِجْمَاعٌ مَوْثُوقٌ».
هذا، ولا يُعطى ما لا يُقْدَرُ على غَسْلِه حُكْمَ المعدومِ وَفْقَ «قاعدة التقديرات»؛ لأنَّه إنما يُحتاج إليها إذا دَلَّ دليلٌ على ثبوت الحكم مع عدمِ سببه أو شرطِه أو قيامِ مانعِه، وإذا لم تَدْعُ الضرورةُ إليها فلا يجوز التقديرُ ـ حينئذٍ ـ لأنَّه خلافُ الأصل، كذا قرَّره القرافيُّ ـ رحمه الله ـ في «فروقِه»(٧)؛ ذلك لأنَّ قاعدةَ: «إِعْطَاءِ المَوْجُودِ حُكْمَ المَعْدُومِ وَالمَعْدُومِ حُكْمَ المَوْجُودِ» ليسَتْ مِنْ قواعدِ أصول الخلاف، بل تُذكَرُ جمعًا للنظائر الداخلةِ تحت هذا الأصل. ولا يخفى عدمُ ورودِ دليلٍ يُعطي بعضَ الأعضاءِ حُكْمَ المعدومِ في الوضوء، بل في الحديثِ السابقِ ما يَدُلُّ على العدول إلى التيمُّم عند تعذُّرِ استعمال الماء، فضلًا عن أنَّ الغاسل لبعضِ الأعضاء دون الأخرى لا يُسمَّى ـ في عُرْفِ الشرع ـ متوضِّئًا، ولا يَصْدُقُ عليه أنَّه أتى بما أَمَره اللهُ تعالى مِنَ الوضوء؛ لذلك وَجَب المصيرُ إلى البدل الذي جَعَله الشارعُ عِوَضًا عن الوضوء عند تَعذُّرِ استعمالِ بعضِ أعضاء الوضوء.
كما لا يخفى ـ أيضًا ـ أنَّ ما دَخَلَ تحت استطاعتِه مِنَ المأمورِ به وَجَبَ الإتيانُ به، أي: وجوب استعمالِ الماء الذي يكفي لبعض الطهارة؛ ذلك لأنَّه ليس مجرَّدُ خروجِ بعضِه عن الاستطاعةِ مُوجِبًا للعفو عن جميعِه؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾ [التغابن: ١٦]، وبما وَرَدَ مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه المتقدِّم: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(٨)؛ إذ فيهما دليلٌ على العفو عن كُلِّ ما خَرَجَ عن الطاقة، ووجوبِ استعمالِ ما يكفي بعضَ طهارتِه، مع التيمُّم للباقي.
وقد وَرَدَ في بعضِ ألفاظِ حديثِ عمرِو بنِ العاص رضي الله عنه: «فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ»، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّيَمُّمَ، قال أبو داود: «وروى هذه القصَّةَ الأوزاعيُّ عن حسَّانَ بنِ عطيَّة، قال فيه: «فتَيمَّمَ»»(٩).
قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ: «ورجَّح الحاكمُ إحدى الروايتين، وقال البيهقيُّ: يُحتمَلُ أَنْ يكون فَعَلَ ما في الروايتين جميعًا، فيكونُ قد غَسَلَ ما أَمْكَنه وتَيمَّمَ للباقي، وله شاهدٌ مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ ومِنْ حديثِ أبي أُمامةَ عند الطبرانيِّ»(١٠). وأَيَّد النوويُّ ـ رحمه الله ـ هذا الجمعَ بين الوضوء والتيمُّم فقال: «وهذا الذي قاله البيهقيُّ متعيِّنٌ»(١١). وجاء في «المغني»: «وإذا كان به قرحٌ أو مرضٌ مَخُوفٌ وأَجْنَبَ فخَشِيَ على نَفْسِه إِنْ أصابه الماءُ؛ غَسَلَ الصحيحَ مِنْ جسدِه وتَيمَّمَ لِمَا لم يُصِبْه الماءُ»(١٢).
ويرى شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ أنَّ الجريح إذا كان مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ يصحُّ أَنْ يَتيمَّمَ بعد كمالِ الوضوء، ثمَّ قال: «بل هذا هو السُّنَّةُ»(١٣).
ومثلُ هذا الجمعِ ينعكس معناهُ على قاعدةِ: «المَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالمَعْسُورِ».
هذا، واستعمالُ التيمُّمِ غيرُ مُقدَّرٍ بوقتٍ مُعيَّنٍ، بل هو مشروعٌ وإِنْ تَطاوَلَ العهدُ؛ لحديثِ أبي ذرٍّ الغِفاريِّ رضي الله عنه مرفوعًا: «إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ المُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ»(١٤).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٩ شوَّال ١٤١٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٦ فيفري ١٩٩٧م

(١) هو جزءٌ مِنْ حديثٍ مُتَّفَقٍ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» باب الاقتداء بسنن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (٧٢٨٨)، ومسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٣٧)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ [في] المجروح يتيمَّم (٣٣٦) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وأخرجه أبو داود (٣٣٧)، وابنُ ماجه في «الطهارة» بابٌ في المجروح تصيبه الجنابةُ فيخاف على نفسِه إِنِ اغتسل (٥٧٢)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. والزيادةُ الواردةُ مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما ضعيفةٌ؛ لتفرُّدِ الزبير بنِ خُرَيْقٍ بها؛ لذلك ضعَّفه البيهقيُّ وابنُ حجرٍ وغيرُهما، قال الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» (١٣١): «لكِنْ له شاهدٌ مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ يرتقي به إلى درجة الحسن، لكِنْ ليس فيه قولُه: «ويعصر … إلخ» فهي زيادةٌ ضعيفةٌ مُنْكَرةٌ»، وانظر: «التلخيص الحبير» لابن حجر (١/ ٢٦٠)، تخريج «شرح السنَّة» للأرناؤوط (٢/ ١٢١).
(٣) أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٠٨١).
(٤) انظر: «سُبُل السلام» للصنعاني (١/ ٢٠٤).
(٥) «الفتاوى الكبرى» (٥/ ٧٩) و«مجموع الفتاوى» (٢٠/ ١٤) كلاهما لابن تيمية.
(٦) انظر: «الفتاوى الكبرى» (١/ ١٥٨) و«مجموع الفتاوى» (١٩/ ٢٨٩) كلاهما لابن تيمية، «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٢/ ٧١).
(٧) انظر: «الفرق (١٠٨)» مِنَ «الفروق» للقرافي (٢/ ١٩٩ ـ ٢٠٣).
(٨) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ١).
(٩) الحديث أخرجه أبو داود في «الطهارة» باب: إذا خاف الجُنُبُ البردَ: أيتيمَّم؟ (٣٣٥). وصحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (١/ ٢١٦)، وقوَّاهُ ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (١/ ٤٥٤)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١/ ١٨٢) وفي «صحيح أبي داود» (٣٦٢).
(١٠) «نيل الأوطار» للشوكاني (١/ ٣٨٧).
(١١) «الخلاصة» (١/ ٢١٦) و«المجموع» (٢/ ٢٨٣) كلاهما للنووي، وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٤٥٤).
(١٢) «المغني» لابن قدامة (١/ ٢٥٧).
(١٣) «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (٥/ ٣١٠)، «الاختيارات الفقهية لابن تيمية» للبعلي (٢١).
(١٤) أخرجه أبو داود في «الطهارة» باب الجُنُب يتيمَّم (٣٣٢، ٣٣٣)، والترمذيُّ في «الطهارة» باب التيمُّم للجُنُب إذا لم يجد الماءَ (١٢٤)، والنسائيُّ في «الطهارة» باب الصلوات بتيمُّمٍ واحدٍ (٣٢٢)، مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ الغِفاريِّ رضي الله عنه. قال ابنُ حجرٍ في «فتح الباري» (١/ ٤٤٦): «وصحَّحه الترمذيُّ وابنُ حِبَّان والدارقطنيُّ»، وصحَّحه كذلك الألبانيُّ في «الإرواء» (١/ ١٨١) رقم: (١٥٣).










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-13, 12:18   رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم البيع بالتقسيط

في حكم البيع بالتقسيط

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلةَ الشيخ، نحن عمَّال شركةٍ وطنيةٍ تمَّ تعاقدُها مع شركة (طيوطا) لبيع السيَّارات، على أن تتمَّ عملية البيع كما يلي: يدفع العامل القسطَ الأوَّل والمقدَّر ﺑ: (٢٥) مليونًا أو (٣٠) مليونًا من ثمن السيارات لشركة (طيوطا)، على أن يتمَّ دفعُ المبلغ المتبقِّي من ثمن البيع بدفعاتٍ شهريةٍ لمدَّة (٥) سنواتٍ، علمًا أنَّ ثمن البيع معلومٌ من قِبل العامل عند تعاقُده مع الشركة، وهو يفوق ثمنَ السيَّارة الحقيقيَّ في السوق، أي: أنَّ عملية الدفع بأقساطٍ تزيد مِن ثمن السيَّارة الحقيقيِّ، غير أنَّ هذا المبلغ يكون معلومًا من قبل المشتري. فما حكم ذلك وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمَّا بعد:
فاعلم أنَّ بيع التقسيط له ثلاث حالاتٍ:
- فإن اتَّفق المتبايعان على ثمنٍ واحدٍ يُدفع على أقساطٍ دوريةٍ فجائزٌ باتِّفاقٍ.
- وإن كان على أساسِ أنه ثمنان: ثمن الحال وثمن الآجل، فهذا محلُّ خلافٍ وما عليه أكثر العلماء جوازُه وبهذا أفتَتْ هيئةُ كبار العلماء.
- والحالة الثالثة: أن يكون على أساس بيع المرابحة، أي: يشتري له سيَّارةً ثمَّ يبيعها له بأقساطٍ يدفعها تدريجيًّا إلى أن ينتهيَ الأجل فهذا -في حقيقة الأمر- عبارةٌ عن قرضٍ ربويٍّ في صورةِ بيعٍ، والبنوك على هذا التصرُّف من القروض المقنَّعة بالبيع تتعامل مع زبائنها، وبيعُ المرابحة البنكيُّ أسوأ حالاً من بيع المرابحة الفقهيِّ الذي لم يُجِزْه الجمهورُ لعدم انتقال الملكية في البيع أوَّلاً، ولإجبار المشتري على التأمين على كلِّ الأخطار كشرطٍ في أصل المعاملة، فضلاً عمَّا تقدَّم مِن أنه ليس بيعًا حقيقيًّا لعدم حاجة البنك ابتداءً لِما يحتاجه المشتري، وإنما غرضُ البنك في الفوائد الربوية المعطاة بقرض محلًّى بالبيع.
وعليه، إذا كانت هذه الشركة تتعامل بنفس أسلوب البنك فذلك غير جائزٍ شرعًا، أمَّا على الصورة الأولى والثانية فظاهرُهما الجواز.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١١ جمادى الثانية ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٧ جويلية ٢٠٠٥م










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-15, 14:27   رقم المشاركة : 79
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم اللعب بالدومينو والشطرنج والدامَّة

الفتوى رقم: ٤٤٤

الصنف: فتاوى متنوِّعة في حكم اللعب بالدومينو والشطرنج والدامَّة

السؤال:

هل يجوز اللعبُ بالدومينو والشطرنج والدامَّة؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فلا خِلافَ في حُرْمةِ الدامَّة والدومينو والشطرنج إذا كان اللعبُ بها بعوضٍ ماليٍّ، أو تَرتَّبَ عليها تركُ واجبٍ تُجاهَ ربِّه كتأخير الصلاة عن وقتها، أو تُجاهَ غيره ممَّا تَتوقَّفُ عليه مصالحُ عيالِه وذويه، أو كان اللعبُ بها ممَّا تَضمَّنَ زورًا مِنَ القول أو فحشًا أو كذبًا أو كلامًا بذيئًا ونحوَ ذلك؛ فإنَّ هذا محرَّمٌ باتِّفاقِ أهل العلم.

أمَّا إِنْ خَلَا مِنْ ذلك فإنَّ «الأَصْلَ فِي العَادَاتِ وَالأَشْيَاءِ وَالأَفْعَالِ أَنَّهَا عَلَى الجَوَازِ وَالإِبَاحَةِ»؛ لعدَمِ ورودِ أيِّ نصٍّ على تحريمها ولا قياسٍ صحيحٍ يُعَوَّلُ عليه في مَنْعِها، وقد صحَّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قولُه: «الحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»(١)، والقولُ بالإباحة هو مذهبُ الشافعية(٢)، وقد نُقِل عن الإمام الشعبيِّ ـ*رحمه الله*ـ أنه كان يلعب بالشطرنج(٣)، أمَّا ما عليه جمهورُ الحنفية والمالكية والحنابلة فهو القولُ بالتحريم، وبهذا أفتَتِ اللجنةُ الدائمة(٤)، وما اعتمدوه مِنْ أحاديثَ نبويةٍ لم يصحَّ منها شيءٌ كحديثِ: «مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ، وَالنَّاظِرُ إِلَيْهَا كَالآكِلِ لَحْمَ الخِنْزِيرِ»(٥)، أمَّا أثرُ عليٍّ رضي الله عنه أنه مرَّ على قومٍ يلعبون بالشطرنج فقال: «مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ»(٦)فعلى تقديرِ صحَّتِه فليس فيه حجَّةٌ، خاصَّةً وأنَّ الحديثَ لم يظهر فيه وجهُ الإنكار؛ لاحتمالِ أنه كان يسألهم عن شيءٍ لم يعرفه مِنْ قبلُ، أو أنه أَنْكَرَ عليهم العكوفَ عليها وطُولَ المكث باللعب؛ الأمرُ الذي يُفْضي إلى تعطيلِ المصالحِ والالتزاماتِ والواجبات، وإذا كان بهذا الاعتبار فإنه قد تَقدَّمَ في تحريرِ مَحَلِّ النزاع ممنوعيَّتُه، وأمَّا قياسُه على النرد فهو قياسٌ مع ظهور الفارق؛ لأنَّ النرد كالأزلام قائمٌ على المصادَفة والحظِّ، بخلافِ الدامَّة والشطرنج والدومينو فهي أَشْبَهُ بالمسابَقات القائمةِ على الحذق والتدبير.

هذا، وأخيرًا فإنه ـ*بغضِّ النظر عن حكمِ هذه الألعابِ إِنْ خَلَتْ مِنَ المحاذير الشرعية المتقدِّمة*ـ إلَّا أنَّ الأحوط للدِّين تركُها والاهتمامُ بما يُفيدُ العبدَ في دُنياهُ وأُخْراهُ: كتلاوة القرآن الكريم وحِفْظِه، والعلمِ بأحكامه وآدابِه، والعملِ بمقتضاه؛ فإنَّ العناية به ممَّا يُحْيِي القلوبَ ويُنيرُ الصدورَ ويُذْهِبُ الهمومَ والأحزان.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٧ جمادى الأولى ١٤٢٧ﻫ
المـوافق ﻟ: ٣ جـوان ٢٠٠٦م

* ___________ من تطبيق آثار العلامة محمد علي #فركوس للتحميل على الأندرويد https://goo.gl/CnfonF ______________

(١) أخرجه الترمذيُّ في «اللباس» بابُ ما جاء في لُبْسِ الفِرَاء (١٧٢٦)، وابنُ ماجه في «الأطعمة» بابُ أكلِ الجبن والسمن (٣٣٦٧)، مِنْ حديثِ سلمان رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣١٩٥).

(٢) انظر: «مغني المحتاج» للشربيني (٤/ ٤١٢)، «نهاية المحتاج» للرملي (٨/ ١٦٥)، «الحاوي» للماوردي (١٧/ ١٨٧).

(٣) أخرجه البيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٢٠٩٢٤).

(٤) انظر: «فتاوى اللجنة الدائمة» (١٥/ ٢٠٧).

(٥) أخرجه الديلميُّ (٤/ ٦٣) مِنْ حديث أنسٍ رضي الله عنه. قال السخاويُّ في «المقاصد الحسنة» (٥٠٠): «قال النوويُّ: «لا يصحُّ»، وهو كذلك، بل لم يَثْبُتْ مِنَ المرفوع في هذا البابِ شيءٌ»، وقال الشوكانيُّ في «الفوائد المجموعة» (٢٠٧): «لا يصحُّ»، وقال الألبانيُّ في «ضعيف الجامع» (٥٢٧٧): «موضوعٌ»، وانظر: «السلسلة الضعيفة» (١١٤٥).

(٦) أخرجه البيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٢٠٩٣٠) وفي «شُعَب الإيمان» (٦٠٩٧) عن الأصبغ بنِ نباتة عن عليٍّ رضي الله عنه. وأخرجه في «سننه» (٢٠٩٢٩) مِنْ طريقِ مَيْسَرة بنِ حبيبٍ عن عليٍّ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابنُ حزمٍ في «المحلَّى» (٩/ ٦٣)، وقال عنه ابنُ تيمية في «مجموع الفتاوى» (٣٢/ ٢٤٢): «ثابتٌ»، وصحَّحه ابنُ القيِّم في «الفروسية» (٣١٠)، وضعَّفه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٨/ ٢٨٨) رقم: (٢٦٧٢).










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-16, 16:05   رقم المشاركة : 80
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في تأثير الوَحَمِ على طِبَاعِ المرأة الحامل

الفتوى رقم: ١٧٤
الصنف: فتاوى الأسرة - عقد الزواج - الحقوق الزوجية - الحقوق المنفردة
في تأثير الوَحَمِ على طِبَاعِ المرأة الحامل


السؤال:
هل الوَحَمُ عند النِّساءِ حقيقةٌ أم مجرَّدُ خيالٍ ووَهْمٍ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالوَحَمُ معروفٌ في اللُّغةِ وهو ما تَشْتَهِيهِ المرأةُ الحاملُ كما ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الصحاح» وصاحِبُ «النهاية» وصاحِبُ «مقاييس اللغة»(١) وغيرُهم.
لكنَّ المعنى الذي يُصوِّرُه الناسُ لنا اليومَ: أنَّ المرأةَ الحاملَ المُشْتَهِيَةَ لشيءٍ إذا لم يُلَبَّ طَلَبُها وتُسَدَّ شهوتُها فإنَّ المولودَ يخرج مِن جَسَدِه صورةُ الشيءِ المشتهى، لا أَعْلَمُ له أصلًا في الشرعِ ولا شيئًا عن حقيقةِ هذه الصورةِ المُعْطاةِ أو عن مدى صحَّته بخبرٍ منقولٍ، وإنَّما هو معروفٌ على ألسنةِ النساء؛ إذ لو كان معروفًا لَكان معلومًا في الدِّين ولَبَيَّنَهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيانًا عامًّا شافيًا ينقطع معه العُذْرُ؛ لأنَّ الحاجةَ تدعو إليه وتعمُّ به البلوى، وكُلُّ ما كان فيه مَفْسدةٌ على العباد فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد حذَّرَنا منه وبيَّن ذلك تمامَ البيانِ؛ فقَدْ بَلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ، وقد قال تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾ [المائدة: ٣]، وقد شَهِدَتْ له الأُمَّةُ على أنَّه بَلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ على أتمِّ وجهٍ لَمَّا قال: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: «نَعَمْ»، قَالَ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: «نَعَمْ»، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ؛ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ»(٢).
هذا، ولعلَّ المرأةَ تحتاج في تلك الفترةِ إلى شيءٍ مِن الرعاية والحنان، والقيامِ بما تَشْتَهِيهِ، وعلى الزوجِ أَنْ يُراعِيَ حالَها ويُحْسِن مُعامَلتَها، ويتجنَّب إذايةَ جنينِها بإذايتها، ويحتسبَ ذلك أجرًا عند الله، واللهُ سبحانه وتعالى خيرُ كفيلٍ بالثواب.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ رجب ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٧ أوت ٢٠٠٥م

(١) انظر: «الصحاح» للجوهري (٥/ ٢٠٤٩)، «النهاية» لابن الأثير (٥/ ١٦٢)، «مقاييس اللغة» لابن فارس (٦/ ٩٣).
(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ الخُطْبة أيَّامَ مِنًى (١٧٤١)، ومسلمٌ في «القَسامة» (١٦٧٩)، مِن حديث أبي بكرة رضي الله عنه.










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-16, 19:27   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
خالد نظمي
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله كل خير اخي العزيز










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-17, 13:49   رقم المشاركة : 82
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد نظمي مشاهدة المشاركة
جزاك الله كل خير اخي العزيز
آمين
بارك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-17, 13:51   رقم المشاركة : 83
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي نصيحة لملتزم في وسط عائلي

الفتوى رقم: ٢٣٤

الصنف: فتاوى منهجية نصيحة لملتزم في وسط عائلي منحرف

السـؤال:

فضيلة الشيخ لي مشاكلُ مع والدي، أريد أن أطبق كتاب الله وسُنَّة رسوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ولكن أهلي منعوني من ذلك، ولا أدري ما العمل، فما هي نصيحتكم لي؟

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:

فالالتزامُ بشعائر الإسلام والتمسُّكُ بأخلاقِه والاعتصامُ بالكتابِ والسُّنَّة يقتضي وجوبًا الصبر واحتمال الأَذَى في ذات الله ذلك الأذى الذي يواجهه من أقرب الناس إليه نسبًا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠]، لذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مع ما يلاقيه من أبناء عشيرته من أنواع الظلم والتعدِّي وكان صبورًا حليمًا يواجه المصائب بحكمة ويتبرَّأ من أعمالهم ويسأل الله هدايتهم، قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٤-٢١٥-٢١٦]، ومن خلال مكابدته لأنواع الظلم كتب الله له الفوز والنصر بسببه وقد جاء ذلك مصداقًا لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا»(١).

ثمّ إنّ مصاحبتَكَ للوالدين مأمور بها شرعًا ولو كانَا مشركين، لكن طاعتهما إنّما تكون في المعروف لا في المعصية لقوله تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥]، ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(٢)، وإذا أمرك والدُك بما يزيل الهدي الظاهري من لحية وقميص وغير ذلك ويتوعَّد بإخراجك من البيت فالواجب أن لا تخرج وأن تبقى وتصبر على ذلك الهدي ولو أوجعك ضربًا لِمَا هو معهودٌ في السيرة النبوية مع أصحاب النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مع ما كانوا يلاقونه من التعذيب لكنّهم صبروا على ذلك، والعجب لا ينقطع في امرأة من جملة عموم النسوة في عائلة محافظة -زعموا- تأبى إلاَّ أن تخرج بغير ضوابطَ شرعيةٍ وتصبر على الأذى الذي يصيبها من قبل الوالدين في سبيل الشيطان، وتبقى مُصرَّةً على ذلك حتى يلين قلب الوالدين ويصبح المنكر معروفًا في حقِّها، فلا يقع عليها لومٌ ولا عِتَابٌ ولا عقاب في خروجها ودخولها في عملها وتبرّجها وفي كافّة أعمالها بل يصبح والدها مطيعًا لها، وإذا كان الأمر كذلك أفما يحقُّ لِمُلْتَزِمٍ أن يجاهد في سبيل الله ويصيِّر المنكر معروفًا ولا ينال نصيبه من جهاده؟! هذا وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩]، فإذا كان الجواب على الإثبات فما عليك إلاّ أن تبذل ما يسعك من أجل الفوز والنصر الذي وعد به المُتَّقون، فالنصر مع الصبر، فهو بضاعة الصديقين وشعار الصالحين قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»(٣).

فعليك أن تتحمَّل وتَحْتَسِبَ ولا تشكو ولا تتسخَّط، ولا تدفع السيئةَ بالسيئة، وإنّما ادفع السيئةَ بالحسنة ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧].

والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا. ___________ من تطبيق آثار العلامة محمد علي #فركوس للتحميل على الأندرويد https://goo.gl/CnfonF ______________

(١) أخرجه الخطيب في «التاريخ»: (١٠/ ٢٨٧)، والديلمي: (٤/ ١١١-١١٢)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وأخرجه أحمد: (٢٨٥٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: «السلسلة الصحيحة»: (٢٣٨٢).

(٢) أخرجه البخاري في «الأحكام»، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية: (٦٧٢٧)، ومسلم في «الإمارة»، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية: (٤٧٦٥)، وأبو داود في «الجهاد»، باب في الطاعة: (٢٦٢٥)، والنسائي في «البيعة»، باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع: (٤٢٠٥)، وأحمد في «مسنده»: (٦٢٣)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(٣) أخرجه مسلم في «الرقاق»: (٧٦٩٢)، وأحمد: (١٩٤٤٨)، من حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه.










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-26, 22:59   رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي فتاوى العقيدة

الفتوى رقم: ١٩

الصنف: فتاوى العقيدة - التوحيد وما يُضادُّه - الألوهية والعبادة نصيحةٌ لمَنْ وَقَع في بعض الشركيات

السؤال:

بعضُ الإخوةِ لهم مشاكلُ مع أهليهم مِنَ الآباء والأمَّهات والأعمام والعمَّات وغيرِهم مِنَ الأولياء، مِنْ ناحيةِ أنهم يَقَعون في الشركِ الأكبر مِنْ: دعاءِ غيرِ الله، والاستغاثةِ بغيره، والتوكُّلِ على غيره، وسبِّ الله تعالى وسبِّ دِينه ونحوِ ذلك، ولا يقبلون منهم النصيحةَ، فبِمَ تنصحهم؟ علمًا أنه قد وَقَع ـ*جرَّاءَ ذلك*ـ فتنةٌ عظيمةٌ بين هؤلاءِ الإخوةِ وأهاليهم. وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالمشرك شركًا أكبرَ يَستحِقُّ البغضَ في الله والبراءَ المُطْلَقَ الذي لا محبَّةَ فيه ولا موالاةَ؛ لأنَّ عقيدةَ الولاءِ والبراءِ أوثقُ عُرَى الإيمان، وهي الصِّلَةُ التي على أساسها يقوم المجتمعُ المسلم، وهي لازمٌ مِنْ لوازم الشهادة وشرطٌ مِنْ شروطها، قال تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡ﴾ [المجادلة: ٢٢]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(١)، وقد أَمَر اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ يتبرَّأ مِنْ أفعالِ عشيرته وصنيعهم إِنْ خالفوا أَمْرَه فقال تعالى: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ ٢١٤ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٢١٥ فَإِنۡ عَصَوۡكَ فَقُلۡ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ ٢١٦﴾ [الشُّعَراء].

غير أنَّ التبرُّؤ مِنْ أفعالهم القبيحة لا يعني الإساءةَ لهم بالأقوال والأفعال، وإنما الواجبُ على المسلم تُجاهَ ذويه وآبائه وأقاربه أَنْ يدعوَهم إلى اللهِ تعالى بالحسنى؛ لقوله تعالى: ﴿فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ ٩﴾ [الأعلى]، وأَنْ يَبَرَّ أبويه ولو كانا مُشرِكَيْنِ، ولا يُفارِقَهما، بل يُصاحِبُهما في الدنيا بالمعروف؛ لظاهرِ ما نصَّتْ عليه الآيةُ في قوله تعالى: ﴿وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗا﴾ [لقمان: ١٥]، وحكمُ الأقارب كحكم الأبوين في ذلك: فيجب ـ*في حقِّهم*ـ الصِّلَةُ والنفقةُ والإحسان؛ لعمومِ قوله تعالى: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ﴾ [النساء: ٣٦]، ولا ينبغي أَنْ يبلغ الإحسانُ إليهم حدَّ النصرةِ للكفر وأهلِه والتأييدِ لهم، وخاصَّةً إذا كانوا مُحارِبين للدِّين؛ فإنَّ هذا محرَّمٌ ـ*شرعًا*ـ قد يَصِلُ إلى حدِّ الكفر بالله تعالى، قال سبحانه: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡ﴾ [المائدة: ٥١]، وعليه أَنْ يَتَّخِذَ ـ*في دعوته لهم ـ أسلوبَ اللين، وأَنْ يبتعد عن الغلظة في الدعوة والشدَّةِ المنفِّرة؛ لقوله تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]؛ فإنَّ هذا الأسلوبَ الدعويَّ المُنتهَجَ مِنْ أهمِّ أسبابِ انتفاعِ عوامِّ الناس بدعوةِ الدُّعَاة وبإرشادهم وتوجيهاتِهم، وقَدْ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»(٢).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ رجب ١٤٢٤ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٠ أوت ٢٠٠٢م

*


(١) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» باب: حبُّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ الإيمان (١٥)، ومسلمٌ في «الإيمان» (٤٤)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.

(٢) أخرجه البخاريُّ في «الجهاد» بابُ فضلِ مَنْ أسلم على يدَيْه رجلٌ (٣٠٠٩)، ومسلمٌ في «فضائل الصحابة» (٢٤٠٦)، مِنْ حديثِ سهل بنِ سعدٍ رضي الله عنهما.










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-28, 23:34   رقم المشاركة : 85
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي فتاوى منهجية في التعامل مع إمام مبتدع

الفتوى رقم: ٢٥٨

الصنف: فتاوى منهجية في التعامل مع إمام مبتدع

السـؤال:

في مسجد حَيِّنَا إمامٌ مبتدع، كيف نتعامل معه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:

أمّا التعاملُ مع أهل البِدْعَةِ فيختلف المقامُ باختلاف حال الضعف وحال القوة، وبين المُسْتَتِرِ ببدعته والمظهر لها الداعي إليها، أمّا في حالة الضعف وظهور أهل البدعة فالواجب أن يداريهم ويصبرَ عليهم، ولا يبدي لهم مواقف قد تشجِّعهم على الاستبداد وقهر أهل السُّنَّة وإبعادهم من المسجد وتطويق نشاطهم، مع القيام بالواجب اتجاه أهل البدع ببيان حالهم والتحذير منهم وإظهار السُّنَّة وتعريف المسلمين بها، أمّا إذا كان أهل السُّنَّة لهم الشوكة والقوَّة فينبغي قمع البدع بما يوجبه الشرعُ من ضوابطَ بالغِلظة والشِّدَّة والهجر -إن اقتضى المقام ذلك- حتى يعودوا إلى السَّدَاد وهو مقتضى أوامر الشرع ونواهيه، ولَمَّا كان السالكون لطريقها مؤيّدون، فمقتضى تعاليم السيرة النبوية تدفعنا إلى أن نسلك معهم سبيل المداراة من غير مداهنة، مع القيام بواجب البيان والتحذير.

أمّا المستتر ببدعته فَنَكِلُ سريرتَه إلى الله تعالى كذا كان يعامل النبي صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم وصحبه المنافقين في زمانه وزمن الصحابة الكرام.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2018-04-01, 21:25   رقم المشاركة : 86
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

الفتوى رقم: ٢٢

الصنف: فتاوى العقيدة - التوحيد وما يُضادُّه - الأسماء والصفات في تفسير المَلال
وحُكْمِه على الله تعالى

السؤال:

ما معنى حديثِ: «إِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

فهذا الحديثُ ثابتٌ مِن روايةِ عائشةَ رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْهَيْئَةِ فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» فَقُلْتُ: «هَذِهِ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ يَا رَسُولَ اللهِ، هِيَ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ»، فَقَالَ: «مَهْ مَهْ، خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَأَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ»(١)، وفي روايةٍ لمسلمٍ: «فَوَاللهِ لَا يَسْأَمُ اللهُ حَتَّى تَسْأَمُوا»(٢).

والمَلَالُ: هو اسْتِثْقَالُ الشيءِ ونفورُ النفسِ عنه بعد محبَّتِه، وهو يُفْضي إلى التركِ؛ لأنَّ مَن مَلَّ شيئًا تَرَكَه وأَعْرَضَ عنه.

وقد تَباينَتْ تفاسيرُ أهلِ العلم لمَعْنَى قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «..فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»، ومَرَدُّها إلى التحقيقِ في حرفِ «حتَّى» في الحديث:

• فمَنْ حَمَلها على انتهاءِ الغايةِ فسَّر معناها على وجهين:

الأوَّل: أنَّ اللهَ لا يقطع عنكم فَضْلَهُ حتَّى تمَلُّوا سؤالَه فتَزْهَدوا في الرغبة إليه.

الثاني: أنَّ اللهَ لا يترك الثوابَ والجزاءَ ما لم تَمَلُّوا مِن العمل؛ فكان ـ بهذا الاعتبارِ ـ معنى «المَلالِ»: التركَ؛ لأنَّ مَن مَلَّ شيئًا تَرَكه؛ فكنَّى بالمَلالِ عنِ التركِ لأنه سببُه؛ فسُمِّيَ ذلك مِن بابِ تسميةِ الشيءِ باسْمِ سبَبِه، ولو ثَبَتَ حديثُ عائشةَ رضي الله عنها مرفوعًا: «اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ»(٣) لَكان تفسيرًا لمعناهُ، «لكنَّ في سَنَدِه موسى بنَ عُبَيْدَةَ وهو ضعيفٌ» كما ذَكَرَ الحافظُ في «الفتح»(٤)، وقال في موضعٍ آخَرَ: «أخرجه الطبريُّ في تفسيرِ سورة المزَّمِّل، وفي بعضِ طُرُقِه ما يدلُّ على أنَّ ذلك مُدْرَجٌ مِن قولِ بعضِ رُواةِ الحديثِ»(٥).

• ومنهم مَن حَمَلَ «حتَّى» على معنَى «الواو»، ويكونُ التقديرُ: «لا يَمَلُّ وتَمَلُّون»؛ فنَفَى عنه المَلَلَ وأَثْبَتَه لهم.

• ومنهم مَن حَمَلَها على معنَى: «حين» أي: «لا يَمَلُّ اللهُ حين تَمَلُّون».

• وقد جَعَلَها بعضُهم بمعنَى: «إِنْ»، وتقديرُه: «إِنَّ الله لا يَمَلُّ وَإِنْ مَلَلْتُم»، وهو ما ذَكَرَه البغويُّ في «شرح السُّنَّة» وقال: إنَّ المَلالَ على اللهِ لا يجوز(٦).

ونَقَلَ الحافظُ في «الفتح» الاتِّفاقَ على أنَّ المَلالَ على اللهِ مُحالٌ(٧).

قلتُ: ينبغي تنزيهُ الله تعالى عن كُلِّ صفةِ عيبٍ أو نَقْصٍ مِن المَلل أو غيرِه، وإذا كانَتْ دلالةُ الحديثِ مُثْبِتَةً لوصفِ المَللِ على اللهِ تعالى فإنَّ المقصود به مَللٌ ليس كمَلَلِ المخلوق؛ لذلك يُحْمَلُ على وجهٍ يَليقُ بجَلالِه سبحانَه وتعالى مِن غيرِ أَنْ يَتضمَّنَ شيئًا مِن النَّقصِ أو العيبِ الذي يعتري حالَ الإنسانِ؛ ذلك لأنَّ الصفاتِ المذمومةَ مِن البشرِ لا يقتضي ذَمُّها منهم نَفْيَها عنِ اللهِ تعالى؛ جريًا على قاعدةِ أهلِ السنَّةِ والجماعة: أَنْ يُوصَفَ اللهُ تعالى بما وَصَفَ به نَفْسَه وبما وَصَفَتْهُ به رُسُلُه إثباتًا بلا تمثيلٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا شبيهَ له في ذاتِه ولا صفاتِه ولا أفعالِه، ولا يَلْزَمُ مِن تماثُلِ الشيئين في الاسْمِ والصفةِ أَنْ يَتماثلَا في الحقيقة؛ فلا يجوز أَنْ يُقَاسَ اللهُ بخَلْقِه؛ لأنَّ القياسَ إنما يكون للنظِيرَيْن، واللهُ سبحانَه لا نظيرَ له؛ فقَدْ يَحْسُنُ منه ما لا يجوز للبشرِ الاتِّصافُ به كالعظمةِ والكبرياءِ، وقد يَحْسُنُ مِن خَلْقِه ما يُنَزَّه عنه سبحانَه كالعبودية، قال الشيخ محمَّد بنُ إبراهيم ـ رحمه الله ـ: ««فإنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا»: مِن نصوص الصفات، وهذا على وجهٍ يَليقُ بالباري لا نَقْصَ فيه: كنصوصِ الاستهزاءِ والخداع فيما يَتبادرُ»(٨).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢١ مِن المحرَّم ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٠ فبراير ٢٠٠٦م ___________ من تطبيق آثار العلامة محمد علي #فركوس للتحميل على الأندرويد https://goo.gl/CnfonF ______________

(١) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» باب: أحبُّ الدِّينِ إلى الله عزَّ وجلَّ أَدْوَمُه (٤٣)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٧٨٥)، واللفظُ لأحمد (٢٥٦٣٢)، مِن حديث عائشة رضي الله عنها.

(٢) أخرجه مسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٧٨٥) مِن حديثِ عائشة رضي الله عنها.

(٣) جاء في «السنن الكبرى» للبيهقي (٤٧٣٨): «وقال الشيخُ أبو بكرٍ الإِسماعيليُّ: قولُه عليه السلام: «فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» قال فيه بعضُهم: «لا يَمَلُّ مِنَ الثواب حتَّى تَمَلُّوا مِنَ العمل»».

(٤) «فتح الباري» لابن حجر (١/ ١٠٢).

(٥) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٧).

(٦) انظر: «شرح السنَّة» للبغوي (٤/ ٤٩).

(٧) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١/ ١٠٢).

(٨) «الفتاوى والرسائل» لمحمَّد بنِ إبراهيم (١/ ٢٠٩).










رد مع اقتباس
قديم 2018-04-04, 22:24   رقم المشاركة : 87
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي تسليط الأضواء على أنَّ مذهبَ أهلِ السُّنَّة لا يَنتسِبُ إليه أهلُ الأهواء

الكلمة الشهرية رقم: ١٢٥
تسليط الأضواء
على أنَّ مذهبَ أهلِ السُّنَّة لا يَنتسِبُ إليه أهلُ الأهواء

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فمِنَ المعلوم أنَّ مُصطلَحَ «أهلِ السُّنَّة والجماعة» ـ بالمعنى العامِّ ـ يُطلَقُ على ما يُقابِل الشيعة؛ فتدخل الفِرَقُ المُنتسِبةُ إلى الإسلام في مفهوم أهل السنَّة، الذي «يُرادُ به: مَنْ أَثبتَ خلافةَ الخلفاء الثلاثة؛ فيدخل في ذلك جميعُ الطوائف إلَّا الرافضة»(١).
أمَّا إطلاقُ مُصطلَحِ «أهل السنَّة» ـ بالمعنى الخاصِّ ـ فإنما يُرادُ به ما يُقابِل أهلَ البِدَع والأهواء؛ فلا يدخل في مفهومِ أهلِ السنَّة إلَّا مَنْ يُثبِتُ الأصولَ المعروفة عند أهل الحديث والسنَّة، دون أصحاب المقالات المُحدَثة مِنْ أهل الأهواء والبِدَع(٢).
غير أنَّ المُلاحَظ حدوثُ التداخل بين مفهوم المُصطلَحَيْن، وانتفاءُ التمييز بين المعنيَيْن عند كثيرٍ مِنَ المُخالِفين لمنهج السلف؛ فيُطلِقون مُصطلَحَ «أهلِ السُّنَّة والجماعة» على الأشاعرة والماتريدية ومَنْ سَلَك طريقَهما إطلاقًا واحدًا معرًّى عن الفرق والتمييز بينهما؛ وضِمْنَ هذا المعنى قال عَضُدُ الدِّين الإِيجيُّ(٣): «وأمَّا الفِرْقةُ الناجية المستثناةُ الذين قال فيهم: «هُمُ الَّذِينَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(٤) فهُمُ الأشاعرةُ والسلفُ مِنَ المحدِّثين وأهل السنَّة والجماعة»(٥)، وقال المُرْتضى الزَّبِيديُّ(٦): «إذا أُطلِقَ أهلُ السنَّة والجماعة فالمرادُ بهم: الأشاعرةُ والماتريدية»(٧)؛ بل يُضيفُ بعضُهم الصُّوفيةَ والإباضية والمناهجَ الدَّعْوية العقلانية والحزبية، ويَزعم مشموليةَ الجميعِ بمذهبِ أهلِ السنَّة والجماعة بمعناه الخاصِّ، وهذا ـ بلا شكٍّ ـ ادِّعاءٌ باطلٌ كاسدٌ وقولٌ عاطلٌ فاسدٌ، واصطلاحٌ يَمتنِعُ عليهم التسمِّي به باعتباره اسْمًا شرعيًّا استعمله أئمَّةُ السلف؛ فكُلُّ مَنْ خالف اعتقادَ السلفِ الصالحِ ومذهبَهم في أيِّ أصلٍ مِنَ الأصول، أو انحرف عن منهجهم لا يجوز تسميتُه به فضلًا عن أَنْ يجوز له التسمِّي به، بل يُذَمُّ ويُعابُ عليه استعمالُه وانتحالُه.
وليس المرادُ ـ مِنْ هذه الكلمة ـ الدخولَ في مُناقشةِ عقيدةِ مذهب الأشاعرة والماتريدية والصُّوفية والإباضية والاتِّجاهات العقلانية الحديثة، وانحرافِهم عن منهج السلف الصالح، وإنَّما أرَدْتُ أَنْ أُذكِّر ـ بإيجازٍ ـ بالإسلام الذي يُمثِّله أهلُ السنَّةِ أتباعُ السلف مهما اختلفَتْ أسماؤهم التي يُعْرَفون بها(٨)، وأَنْ أبيِّن أنَّ مذهبهم لا يتَّسِع لأهل الأهواء والافتراق والبِدَع على مختلفِ مَشارِبِهم مهما كَثُرَتْ وعَظُمَتْ؛ ذلك لأنَّ أهل السُّنَّة إنَّما يُوحِّدهم الإيمانُ والتوحيد، ويجمعهم اتِّباعُ الهُدَى والهديِ النبويِّ وَفْقَ منهجٍ ربَّانيٍّ قائمٍ على الكتاب والسنَّة، باعتبارهما مَصدرَيِ الحقِّ اللَّذَيْن يَنْهَلون منهما عقائدَهم وتصوُّراتِهم وعباداتِهم ومعاملاتِهم وسلوكَهم وأخلاقَهم، ويستنبطون منهما الأحكامَ الشرعية في مسائل العبادات والمعاملات امتثالًا لقوله تعالى: ﴿ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ﴾ [الأعراف: ٣]، ويَردُّون إليهما نِزاعَهم واختلافهم باعتبارهما مِشْعَلَ النورِ والهداية، ومِقْياسَ الحقِّ والصواب؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا ٥٩﴾ [النساء]، ويسترشدون بفهمِ سلفِ الأمَّة لنصوص الكتاب والسنَّة مِنَ الصحابة والتابعين ومَنِ الْتزَمَ بنهجهم واقتفى أثَرَهم؛ يَستخدِمون ألفاظَ نُصوصِ الكتاب والسنَّةِ وألفاظَ السلف عند بيان العقيدة خاصَّةً، مُبعِدِين المُصطلَحاتِ المُوهِمةَ غيرَ الشرعية، «ينفون عن كتاب الله تحريفَ الغالين، وانتحالَ المُبطِلين، وتأويلَ الجاهلين»(٩)، ويوظِّفون ـ أيضًا ـ الأدلَّةَ العقلية والأقيسة المُستنبَطةَ مِنْ نصوص الكتاب والسنَّة، اللَّذَيْن يتَّخِذونهما ميزانًا للقَبول والرفض، ويُقدِّمون النقلَ على العقل مع نفيهم للتعارض بينهما، «يَدْعون مَنْ ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحْيُون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنورِ الله أهلَ العمى»(١٠)، وتربطهم الأُخوَّةُ الإيمانية في الله، القائمةُ على مبدإ الوَلاء والبراء؛ فالهُدى ـ إذن ـ هو فيما بَعَث اللهُ به رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم، ومَنْ أَعرضَ عنه لم يكن مُهتدِيًا، ومَنْ قدَّم العقلَ عليه فقَدْ ضلَّ سواءَ السبيل.
وقَدْ ذكَرْتُ ـ في مقالاتٍ سابقةٍ ـ أنَّ الإسلامَ الذي يُمثِّله أهلُ السُّنَّة والجماعة ـ أتباعُ السلف الصالح ـ إنَّما هو الإسلام المصفَّى مِنْ رواسب العقائد الجاهلية القديمة، والمبرَّأُ مِنَ الآراء الخاطئة المُخالِفةِ للكتاب والسُّنَّة، والمجرَّدُ مِنْ مَوروثاتِ مَناهجِ الفِرَق الضَّالَّة كالشيعة الروافض والمُرجِئةِ والخوارجِ والصُّوفيةِ والجهميةِ والمعتزلةِ والأشاعرة، والخالي مِنَ المناهج الدَّعْوية المُنحرِفة كالتبليغ والإخوان وغيرِهما مِنَ الحركات التنظيمية الدَّعْوية أو الحركات الثورية الجهادية ـ زعموا ـ كالدواعش والقاعدة، أو مناهجِ الاتِّجاهات العقلانية والفكرية الحديثة، المُنتسِبين إلى الإسلام.
فمذهبُ أهلِ السنَّة ـ أتباعِ السلف ـ هو الوحيد الذي يَصْدُق عليه الإسلامُ في صفائه وتجريدِه وخُلُوِّه مِنْ رواسب الضلال ومناهجِ الانحراف؛ ذلك لأنَّه لا يَدخله الاختلافُ في وحدةِ أصوله العَقَدية والمعارفية، ولا النزاعُ في وحدةِ مبادئه ومُنطَلَقاتِه العامَّة، ولا الشِّقَاقُ في مَنهجه الدَّعْويِّ وخصائصِه المتميِّزة، سواءٌ مِنْ حيث الشمولُ والتوسُّطُ ما بين إفراط المناهج الأخرى وتفريطِها، والاعتدالُ بين الغُلُوِّ والتقصير؛ أو مِنْ حيث خُلُوُّ العقيدة والمنهج مِنَ التناقض والاضطراب الذي تنهجه الفِرَقُ الأُخرى في العلم والعمل؛ أو مِنْ حيث محاربتُه للحوادث والبِدَع المُحدَثة في الدِّين وتحذيرُه منها ومِنْ أصحابها، أو مِنْ حيث نَبذُه للتعصُّب المذهبيِّ والجمودِ الفكريِّ بغلقِ باب الاجتهاد على المؤهَّلين، أو بتمييعِه وتعميمه بجعله مفتوحًا ولو على غيرِ المؤهَّلين له أو فيما لا مجالَ للاجتهاد فيه، أو مِنْ حيث ثباتُ أهلِ الحقِّ عليه وعدمُ اختلافهم في شيءٍ مِنْ أصولِ دِينهم، وإِنِ اختلفوا في فُروع الشريعة بناءً على ما أدَّى إليه اجتهادُهم في مسائل الفقه، فلم يكن خلافُهم فيها وليدَ الهوى والشهوة ولا طمعًا في مصلحةٍ ـ أدبيَّةً كانَتْ أو مادِّيَّةً ـ ولم يكن عن زيغٍ ولا انحرافٍ، ولا كان رَميةً مِنْ غيرِ رامٍ، وإنما كان لأسبابٍ اجتهاديةٍ، يُعذَرُ بمثلها المخطئُ ويُؤْجَرُ أجرًا واحدًا، ويُحْمَد المُصيبُ ويُؤْجَرُ أجرين ـ رحمةً مِنَ الله وفضلًا ـ كما جاء في الحديث(١١).
لذلك لا يحوي مذهبُ أهلِ السنَّة ـ في ذاته ولا في نطاقه وطيَّاتِه ـ مظاهِرَ الابتداعِ ولا صُوَرَ الانحلال والتمييع لدِينِ الله الحنيف:
ـ فلا يَقبل ـ في حِيَاضه ـ طاعنًا في ذات الله المقدَّسة وأسمائه وصِفَاتِه، ولا محرِّفًا ولا مُؤوِّلًا ولا مُعطِّلًا ولا مُشبِّهًا، ولا مُشكِّكًا في الثوابت والمقدَّسات الإسلامية، ولا مُبدِّلًا لدِين الله ولا مغيِّرًا لشرعه في العلم والعمل.
ـ ولا يَقبل ناقدًا للقُرآن الكريم أو قادحًا في صلاحِيَتِه للتطبيق بدعوَى عدمِ استجابتِه لمقاييس الحداثة.
ـ ولا مستهينًا بالسنَّة المطهَّرة، مُعتبِرًا إيَّاها مِنَ التُّرَاث المطمور الذي لا يَصلح للتطبيق لِفُقدانها لمعايير الحضارة، ولا مَنْ كان حربًا على أهلها.
ـ ولا مُكتفِيًا بالقُرآن وَحْدَه مصدرًا للتشريع والتَّلَقِّي دون السنَّة النبوية.
ـ كما لا يحوي مذهبُ أهلِ السنَّة ـ في نطاقه أيضًا ـ المستهينَ بجيلِ الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابِعِيهم رحمهم الله، ولا مَنْ سبَّ السلفَ ـ أهلَ الحديث والسنَّة ـ أو لَمَزهم أو تَنقَّص طريقتَهم أو عرَّض بهم، أو فضَّل مناهجَ غيرِهم على منهجهم، ولم يتَّخِذِ الصحابةَ رضي الله عنهم المَثَلَ الأعلى والمَقصِدَ الأسمى في معرفة الرِّسالة ونزولِ الوحي وأحوالِ النبوَّة وفهمِ الدِّين علمًا وعملًا.
ـ ولا يَقبل غاليًا في تقديس الأشخاص أو قائلًا بعصمتهم أو مُدَّعِيًا اطِّلاعَهم على الغيب.
ـ ولا يقبل عابدًا مُتبرِّكًا بالأشياء والجمادات والآثارِ والأحجار والأضرحة والقبور، ولا مُبتدِعًا في العبادات والأعياد والموالد.
ـ ولا يقبل المُنحازَ المُوالِيَ للكُفَّار وأهلِ الأهواء في عاداتهم وتقاليدهم وأنماطِ حياتهم ونُظُمِ حُكمهم.
ـ ولا المُنساقَ وراءَ تيَّار التغريب والتقريب بين الأديان، والعملِ على إلغاء الفوارق العَقَدية، أو إلغاءِ عقيدة الولاء والبراء، أو إفسادِ الدِّين والأخلاق والمرأة بدعوى حقوق الإنسان وحقوقِ المرأة ونحوِ ذلك.
ـ ولا الخارجَ على الأئمَّةِ المُكفِّرَ لهم، التاركَ لمناصحتهم والصبرِ على ظُلْمهم وجَوْرهم، ولا الثائرَ عليهم بالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات باسْمِ التصحيح والتغيير وَفْقَ ما تمليه الحُرِّيَّاتُ الديمقراطيةُ ـ زعموا ـ وما ترسمه مخطَّطاتُ أعداء المِلَّة والدِّين.
ـ كما لا يحوي مذهبُ أهلِ السنَّة ـ في نطاقه ـ مَنْ يرفع شعارًا أو رايةً أو دعوةً غيرَ الإسلام والسنَّة بالانتماء إليها أو التعصُّب لها كالعلمانية والاشتراكية والليبرالية الرأسمالية، والقَبَلية والوطنية والقومية، والديمقراطية والحزبية، والحداثة وغيرِها.
ـ كما لا يضمُّ ـ في حياضه ـ المُنتسِبين لمذهبِ أهل السنَّة ممَّنْ تَسَمَّوْا بالسلفية ـ زورًا ومَيْنًا ـ وهُم على غيرِ أصولها ومَعالِمِها ومنهجِها ودعوتها، ممَّنْ أحدثوا فيها ما ليس منها بدوافعَ تنظيميةٍ حركيةٍ جهاديةٍ ـ زعموا ـ أو حزبيةٍ أو وطنيةٍ.
ـ ولا يحوي ـ أيضًا ـ سائرَ الاتِّجاهات والطرائقِ المذهبية والفكرية المُنحرِفة، سواءٌ كان يمثِّلها أفرادٌ أو فِرَقٌ أو تنظيماتٌ.
ـ ولا مُخادِعًا باسْمِ الدِّين والدعوة، يشتري بآيات الله ثمنًا قليلًا، أو مميِّعًا للثوابت الدِّينية والمقدَّسات الشرعية وما هو معلومٌ مِنَ الدِّين بالضرورة، بالفتاوى المنحرفة والمواقف المُخذِّلة لسببٍ أو لآخَرَ، طمعًا في مصلحةٍ شخصيةٍ أو مَنْصِبٍ أو عَرَضٍ مِنَ الدنيا زائلٍ.
ـ ولا مُتعاطِفًا مع مَنْ سَبَق مِنْ هؤلاء جميعًا، يقول ـ في نفسه ـ مِثلَ ما يقولون على الله غيرَ الحقِّ، ناصرًا لهم ومدافِعًا عنهم، ومُتحمِّسًا ـ مُعلَنًا كان موقفُه أو خفيًّا ـ وراضيًا بعقائدهم وأفكارهم ودعوتهم، مُخالِفًا لأهل السنَّة الغرباء خاذلًا لهم.
إنَّ نطاقَ مذهبِ أهلِ السنَّة لا يتَّسِع لهؤلاء جميعًا؛ ذلك لأنَّ منهجَ أهلِ السنَّة ـ أتباعِ السلف ـ مُستمَدٌّ مِنْ كتاب الله الذي لا يأتيه الباطلُ مِنْ بين يدَيْه ولا مِنْ خلفه، ومِنْ سنَّةِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم الذي لا ينطق عن الهوى، والذي يَسلك فيه أهلُه سبيلَ الاتِّباع والاقتداء والاهتداء بهما، وبما عليه سلفُ الأمَّة فهمًا وعلمًا وإدراكًا وعملًا؛ في حينِ تَستمِدُّ المذاهبُ الأخرى أساليبَها ومناهجَها مِنْ عقول البشر وتأويلِهم وتحريفهم وتخليطهم، مع عقدِهم ألويةَ البِدَع، وإطلاقهم عُقُلَ الفِتَن؛ يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علمٍ، وهُم مُجْمِعون على مفارقة الكتاب، ومختلفون فيه؛ يخدعون سُفَهاءَ الناس ويراوغون جُهَّالهم بما يشبِّهون عليهم، ويكتمون الحقَّ ويَلبِسونه بالباطل ـ وهم يعلمون ـ ويموِّهون حقائقَ الأمور، ويتلاعبون بالثوابت والمقدَّسات، وغيرِ ذلك ممَّا لا يرتضيهِ اللهُ لعباده المؤمنين؛ فشتَّان بين منهجَيِ الفريقين ومَشرَبَيْهما!! فمنهجُ أهلِ السنَّة هو ـ بحقٍّ ووضوحٍ ـ منهجُ الإسلام نفسِه في مُسايرته للفطرة السليمةِ والعقلِ القويم، بعيدًا عن تراكمات الفكر الفلسفيِّ، والتأويلِ الكلاميِّ، والشطحِ الصُّوفيِّ، والانحراف الحزبيِّ، والانحيازِ التغريبيِّ، والإعراض العلمانيِّ المتنكِّرِ للتُّرَاث الإسلاميِّ والحضاريِّ؛ فهؤلاء يخلعون الحقَّ ويجعلونه تحت أقدامهم، ويُديرون للتوحيد والسنَّةِ ظهورَهم، ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ؛ فهذا دأبُ مَنْ عُطِّلَتْ عقولُهم وعُمِّيَتْ أبصارُهم وغُشِّيَتْ بصائرُهم عن نور الهدى ووهجِ الفطرة، لم يعتصموا بحبل الله المَتين، ولم يهتدوا إلى صراط الله المستقيم، بسببِ أوهام العقل وأغاليطِ الحسِّ وتغليبِ الهوى على الشرع.
هذا، وإذا كان ـ في زمن ظهور التشيُّع وانقسامِ الناس إلى سنَّةٍ وشيعةٍ ـ قد تُسُومِحَ بانتسابِ بعضِ أهل الكلام والبِدَع للسنَّة مِنْ جهةِ إثباتهم خلافةَ الخلفاء الثلاثة وتعظيمِهم للصحابة رضي الله عنهم، في مُقابِلِ الشيعة المستهينين بهم وبمَقامهم والمُنكِرين لخلافة الخلفاء الثلاثة، إلَّا أنه ـ بعد ظهور الفِرَق وكثرتِها وتشعُّبِها واقتباسِ بعضها مِنْ ضلالاتِ بعضٍ ـ فقَدْ صارَتْ كُلُّ الفِرَق قسيمةً لأهل السنَّة قسمةَ تَضَادٍّ، فيَمتنِعُ عليهم ـ جزمًا ـ الاعتزاءُ إليهم؛ لاستهانتهم بمنهج الصحابة رضي الله عنهم ومخالفتِهم لهم ـ وإِنْ زعموا تعظيمَهم واتِّباعَهم ـ.
وعليه، فلا يُنْسَبُ إلى مذهب السنَّة ـ حقًّا وصدقًا ـ إلَّا القائمون به الغُرَباءُ مِنْ أهلِه، وهم «أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُم»(١٢)، قال ابنُ رجبٍ ـ رحمه الله ـ: «وإنما ذلَّ المؤمنُ ـ آخِرَ الزمان ـ لغُربتِه بين أهل الفساد مِنْ أهل الشُّبُهات والشهوات؛ فكُلُّهم يكرهه ويؤذيه؛ لمخالفةِ طريقته لطريقتهم، ومقصودِه لمقصودهم، ومباينتِه لِمَا هم عليه»(١٣).
فمَنْ صدَّ عن مذهبِهم وأَعرضَ عن منهجهم، وزَعَم أنَّه يَسَعُ أهلَ الكلام والأهواءِ والافتراقِ الانتسابُ إلى مذهبِ أهل السنَّة؛ فهو ـ كما قِيلَ ـ «أَضلُّ مِنْ حمارِ أهله»، يتقلَّب في غفلةٍ عن الهدى، ويتخبَّط في ظُلُمات الجهل والضلال، ﴿وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ٢١٣؛ النور: ٤٦].
وفي زماننا هذا، رُفِع شعارُ السنَّة ـ بمفهومه العامِّ ـ على أنه بالمفهوم الخاصِّ، مموَّهًا بأباطيلِ التصوُّف والكلام والاعتزال؛ لترويج المناهج المُنحرِفة والمذاهبِ الباطلة، والعملِ على تثبيتها وتكريسها، وتمييعِ العقيدة السلفية، وشلِّ الدفاع عنها والتصدِّي لمَنْ يخالفها، والتنفيرِ مِنْ دُعَاتها ورُوَّادها، وتشويهِ صورة أئمَّتها، والعملِ على إبطالِ مبدإ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر؛ كُلُّ ذلك باسْمِ حُرِّيَّة الاعتقاد والتفكيرِ والتجديد والمعاصرة.
كما رُفِعَتْ شعاراتُ التجميع والتلفيق بين منهجِ أهل السنَّة ـ أتباعِ السلف ـ وبين مناهجِ أهل الأهواء والافتراق بأسماءٍ مُختلِفةٍ تُوهِم الغافلَ بالرغبة في الخير وعزَّةِ الإسلام؛ فتارةً تأتي باسْمِ: جمع الكلمة، ووحدةِ الصفِّ، ولمِّ الشمل، تحت ظِلِّ مبدإ الوطنية، وتارةً أخرى باسْمِ الدعوة ورأبِ الصدع، وتحقيقِ التآلف والأخوَّة، وتكثيرِ الجموع، بإلغاء الفوارق العَقَدية والمنهجية وتركِ الإنكار لها؛ وقد غاب عنهم أنَّ الاعتصام بحبل الله وتجسيدَ الأخوة الإيمانية لا يتحقَّق إلَّا بالحقِّ والسنَّة، وأنَّ الأمَّة المهديَّة معصومةٌ لا تجتمع على ضلالةٍ ولا على باطلٍ.
وهذه الأباطيل المروَّجُ لها اليومَ ـ وإِنْ كانت لها صولةٌ وجولةٌ ـ إلَّا أنَّ أصحابها مُفلِسون أمواتٌ غيرُ أحياءٍ بمَعاصِيهم وبِدَعِهم وخُرَافاتِهم، لا يعرفون المعروفَ ولا يُنكِرون المنكر، يعيشون عيشةَ نَكَدٍ في المعاصي، تَرْهَقُهم ذلَّةٌ وكآبةٌ؛ فلا يُذْكَرون ـ بعد وفاتهم ـ إلَّا بالذمِّ والخزي واللوم والتحذير منهم، وقد صَدَق قولُ الشاعر:
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ

إِنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ
إِنَّمَا المَيْتُ مَنْ يَعِيشُ كَئِيبًا

كَاسِفًا بَالُهُ قَلِيلَ الرَّجَاءِ(١٤)
وختامًا، نسأل اللهَ أَنْ يُصلِح أمرَ آخِرِ هذه الأمَّةِ كما أَصلحَ أمرَ أوَّلِها، وأَنْ يَهَبَ لنا مِنْ لَدُنْه رحمةً وعلمًا ورشدًا، وأَنْ يرزقنا الإخلاصَ في السرِّ والعلن، ويُعيذَنا مِنَ الفِتَن في القول والعمل، ما ظَهَر منها وما بَطَن؛ إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
«اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(١٥).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٤ جمادى الأولى ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٣١ جانفي ٢٠١٨م

(١) «منهاج السنَّة» لابن تيمية (٢/ ١٣٢).
(٢) انظر: المصدرَ السابق.
(٣) هو عبد الرحمن بنُ أحمد بنِ عبد الغفَّار الإِيجيُّ الشيرازيُّ القاضي الشافعيُّ الأشعريُّ الملقَّب ﺑ «عضد الدِّين»، كان إمامًا في المعقول، قائمًا بالأصول والمعاني والعربية، مُشارِكًا في الفنون. أشهرُ كُتُبه: «شرح مختصر ابن الحاجب» في أصول الفقه، و«المواقف» في علم الكلام، و«الفوائد الغياثية» في المعاني والبيان وغيرها. تُوُفِّيَ مسجونًا سنة: (٧٥٦ﻫ).
انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» للسبكي (٦/ ١٠٨)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (٣/ ٢٧)، «الدُّرَر الكامنة» لابن حجر (٢/ ٣٢٢)، «بُغْية الوُعَاة» للسيوطي (٢٩٦)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٦/ ١٧٤)، «البدر الطالع» للشوكاني (١/ ٣٢٦)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٢/ ٧٦).
(٤) أخرجه الترمذيُّ في «الإيمان» بابُ ما جاء في افتراقِ هذه الأمَّة (٢٦٤١) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٥٣٤٣).
(٥) «المواقف» للإيجي (٣/ ٧١٧).
(٦) هو أبو الفيض محمَّد بنُ محمَّد بنِ عبد الرزَّاق الحُسَيْنيُّ الزَّبِيديُّ الملقَّبُ ﺑ: «مرتضى»، كان لغويًّا أديبًا محدِّثًا أصوليًّا مؤرِّخًا، أصلُه مِنْ واسط في العراق، ومولدُه بالهند في ١١٤٥ﻫ، ومنشؤه في زَبِيدٍ باليمن، له مصنَّفاتٌ كثيرةٌ في عدَّةِ علومٍ، منها: «تاج العروس في شرح القاموس»، و«إتحاف السادة المُتَّقين في شرح إحياء علوم الدِّين»، و«بُلْغة الأريب في مُصطلَحِ آثار الحبيب»، وغيرها، تُوُفِّيَ بالطاعون بمِصرَ في شعبان سنة: (١٢٠٥ﻫ).
انظر ترجمته في: «الأعلام» للزركلي (٧/ ٧٠)، «هديَّة العارفين» للبغدادي (٢/ ٣٤٧)، «فهرس الفهارس» للكتَّاني (١/ ٣٥٣، ٥٢٦)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٦٨١).
(٧) «إتحاف السادة المُتَّقِين» للمرتضى الزبيدي (٢/ ٦).
(٨) مِثْل هذه التسميات: أهل السنَّة، أهل الحديث، أهل الأثر، أتباع السلف، الغرباء، الفِرْقة الناجية، الطائفة المنصورة، وغيرها؛ ولا يخرج عن أهل السنَّة مَنِ انتسب إليها مِنَ المذاهب المعروفة كالأئمَّة الفحول وأتباعِهم ممَّنْ سار على منهج السلف، فلا تضرُّ هذه التسمياتُ المُختلِفة لأهل السنَّة والجماعة، فضلًا عن التي يطعن فيهم بها أهلُ الأهواء والبِدَع، مثل لمزِهم بالحشوية والناصبة والتيمية والوهَّابية والباديسية والجامية والمدخلية وغيرها، ما دامَتْ تدلُّ على مسمًّى واحدٍ بمبادئه وأصوله وقواعدِه ودعوته ومسلكه، وإِنْ تفرَّقَتْ بلدانُهم واختلفَتْ أزمانُهم وتباينَتْ تسمياتُهم.
(٩) «الرد على الجهمية والزنادقة» للإمام أحمد (٥٥ ـ ٥٧).
(١٠) المصدر السابق، الجزء والصفحة نفسهما.
(١١) عن عمرو بنِ العاص رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»: مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ أجرِ الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (٧٣٥٢)، ومسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٦).
(١٢) أخرجه أحمد في «مسنده» (٦٦٥٠)، والطبراني في «المعجم الكبير» (١٣/ ٣٦٣)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الترغيب» (٣١٨٨) و«صحيح الجامع» (٣٩٢١).
(١٣) «كشف الكربة» لابن رجب (١١).
(١٤) البيت لعديِّ بنِ الرعلاء الغسَّاني، انظر: «خزانة الأدب» للبغدادي (٩/ ٥٨٣).
(١٥) أخرجه مسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٧٧٠) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.










رد مع اقتباس
قديم 2018-04-05, 20:32   رقم المشاركة : 88
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي تفنيد شبهة الملبِّسين بإيراد أسماء المخالفين

تفنيد شبهة الملبِّسين
بإيراد أسماء المخالفين

السؤال:
وَجَد بعضُ الملبِّسين مِنَ المُخالِفين في موقعكم شيخَنا ـ حفظكم الله ـ أسماءً في مَعرِض الثناء على بعضِ مَنْ تُكُلِّم فيهم ﻛ: بن حنفيَّة الذي عددتموه مِنْ أعيانِ دُعَاة منطقته، كما عددَتْم ـ أيضًا ـ سليمًا الهلاليَّ مِنَ الدُّعَاة السلفيِّين، كما نقلتم عن ابنِ جبرين وبكر أبو زيد في مواضعَ مِنْ رسائلكم وفتاواكم، وكذا البرَّاك وغيرهم مِنَ الذين رُمُوا بالقطبيَّة الإخوانيَّة؛ واتَّخذ الملبِّسون ذلك مطيَّةً لانتقادِ شخصكم؛ بالإضافة إلى موضوعٍ أثاره بعضُ المحرِّضين في الداخل والخارج يتعلَّق بمشايخ المدينة، زعموا فيه أنَّ كلامًا يُنسَب إلى شخصكم الكريم فيه انتقاصٌ لهؤلاء المشايخ، فهل مِنْ توضيحٍ مِنْ فضيلتكم!! وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فأمَّا الثناء على بن حنفيَّة عابدين الذي وَرَد في ثنايا جوابي على الوثيقة المتداوَلة ـ آنَذاك ـ فإنَّما كان ذلك زمنَ تكذيب النصيحة المزعومة منذ حوالَيْ ١٤ سنةً خلَتْ، أي: في تاريخ (١٥ ربيع الثاني ١٤٢٥ﻫ ـ ٣ جوان ٢٠٠٤م) حيث كان مُعظَمُ الأئمَّة والدُّعَاة يُحسِنون الظنَّ به بعد نبذِه للحزبيَّة الممقوتة وتوبتِه منها واندماجِه مع الإخوة السلفيِّين، بحسَبِ ما كان يَصِلُهم في شأنه آنَذاك؛ وذِكرُه في أعيانِ دُعَاة المنطقة هو مجرَّدُ وصفٍ لا يَلزَمُ منه ثناءٌ ولا تعديلٌ ولا تزكية.
والكلام في سليمٍ الهلاليِّ كالكلام في سابقه مِنْ حيث الوصفُ وتقدُّمُ التاريخ.
وأمَّا الاستفادة مِنْ كُتُب العلماء المُخالِفين أو المُتكلَّم فيهم سواءٌ مِنْ علماء المملكة أو مِنْ غيرهم، فإنَّ الاستفادة لمَنْ كان متشبِّعًا بالعلم الشرعيِّ الصحيح، ويملك آلةَ التمييزِ بين الحقِّ والباطل والهدى والضلال فهذا لا يمتنع عليه أَنْ يأخذ مِنْ كُتُب المُخالِفين وغيرِهم مقدارَ حاجته؛ فقَدْ كان مِنْ عدلِ سَلَفِنا الصالح قَبولُ الحقِّ مِنْ أيِّ جهةٍ كان؛ إذ لا أثرَ للمتكلِّم بالحقِّ في قَبوله ورفضه؛ ولذلك استفاد علماؤنا مِنْ كُتُبِ ابنِ حجرٍ والنوويِّ والقرطبيِّ والغزَّاليِّ مِنَ الأشاعرة وغيرهم؛ وفي هذا السياقِ قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «فمَنْ هَدَاهُ اللهُ سبحانه إلى الأخذ بالحقِّ حيث كان ومع مَنْ كان ولو كان مع مَنْ يبغضه ويُعاديه، وردِّ الباطل مع مَنْ كان ولو كان مع مَنْ يُحِبُّه ويُواليه؛ فهو ممَّنْ هُدِيَ لِمَا اختُلِفَ فيه مِنَ الحقِّ»(١).
علمًا أنَّ في المسألة تفصيلًا تناولتُه في كلمةٍ موسومةٍ ﺑ «ضوابط الاستفادة مِنْ كُتُب المبتدعة» تحت رقم: (٤٠) في الموقع.
وأمَّا علماء المدينةِ ومشايخُها ومِنْ غير المدينة ـ أيضًا ـ فأنا أُجِلُّهم وأقدِّرهم وأحترمهم وأتعاون معهم فيما ظهر لي أنَّه حقٌّ وصوابٌ ومعروفٌ، وأتمسَّك بموقفي فيما أراه حقًّا وصوابًا حتَّى يظهر خلافُه بحجَّتِه وبرهانِه، ولو خالف مَنْ يكبرني علمًا، ويفوقني قدرًا ومكانةً وعزَّةً، وأربأ بنفسي عن أَنْ أتعرَّض لأحدٍ منهم، لا بذمٍّ ولا انتقاصٍ ولا قدحٍ، لا مِنْ قريبٍ ولا مِنْ بعيدٍ، لا في مجلسٍ خاصٍّ ولا عامٍّ؛ وأنَّى يُظنُّ بي أنِّي أتعرَّض إلى كرام الناس بالقدح؟! اللهم إلَّا عند مَنْ يُجرِي اللوازمَ الباطلة مِنْ كلامي على غيرِ مجراه، ويقرأ في سطوري قراءةَ محرِّفٍ عن فحواه، أو يفهم سياقَ كلامي وسِبَاقَه على غيرِ معناه؛ فمثلُه يجرُّ أذيالَ الوقيعة والشِّقاق، ويُحدِث الفُرْقةَ وينشئ النِّفاق، ويصطاد في الماء العَكِر مِنْ غيرِ أدبٍ ولا أخلاقٍ؛ فهذا مسؤوليَّتي عليه مُنتفِيَةٌ، وإنِّي أبرأ إلى الله مِنْ أصحاب الفهم السقيم، والقصدِ اللئيم، والتأويلِ الذميم.
وبعد هذا أقول:
قد يحصل منِّي الخطأ والنسيان، ويعتريني السهوُ والغلط والتقصير، ونحوُ ذلك مِنَ النقائص التي هي مِنْ طبيعة البشر؛ فقدرتُهم محدودةٌ ـ كما هو معلومٌ ـ مهما علَتْ وارتفعت، ولا أدَّعي لنفسي العصمةَ مِنَ الأخطاء والنقائص؛ فالكمالُ لله وحده، والعصمةُ لمَنْ عَصَمه الله؛ ولذا أُهيبُ بكُلِّ مَنْ وَجَد ـ في مؤلَّفاتي أو تحقيقاتي أو مقالاتي وفتاوايَ ومسالكِ دعوتي ـ خللًا أو تقصيرًا أَنْ يُبصِّرني به، أو عيبًا أو خطأً أو نقصًا أَنْ يُرشِدني إلى صوابه مِنْ غيرِ تضخيمٍ ولا تهويلٍ؛ فالمؤمنون نَصَحةٌ، و«الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ»(٢)، وأنا مُستعِدٌّ تمامَ الاستعداد في أَنْ أتراجع ـ فورًا كما هي عادتي ـ وأعودَ ـ بكُلِّ إيمانٍ وثِقَةٍ واعتزازٍ ـ عن كُلِّ خَللٍ أو خطإٍ أو عيبٍ أصاب الناصحُ ـ في تقويمه ـ عينَ الحقِّ أو وافق الصوابَ، وأنا له مِنَ المُعترِفين الشاكرين.
وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ رجب ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٤ أبريل ٢٠١٨م

(١) «الصواعق المُرْسَلة» لابن القيِّم (٢/ ٥١٦).
(٢) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابٌ في النصيحة والحِيَاطة (٤٩١٨) مِنْ حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» (٦٦٥٦).










رد مع اقتباس
قديم 2018-04-06, 12:12   رقم المشاركة : 89
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي جناية التصوُّف على الإسلام وآثارُه السيِّئة على منهج السلف في العلم والعمل

جناية التصوُّف على الإسلام
وآثارُه السيِّئة على منهج السلف في العلم والعمل

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدْ جَعَل اللهُ تعالى البناءَ العقديَّ المتين والتكوين الفقهيَّ السليم والاسترشادَ بمنهج السلف القويم عاصمًا مِنَ الوقوع في الزلل والخطإ، وكفيلًا للوقاية مِنَ التزيُّد والتجاوز والابتداع في منهج الفهم والتعقُّلِ لقضايا التنزيل العقدية وأحكامِ التطبيق العملية.
ولا يخفى على ذي لبٍّ أنَّ الله تعالى لم يجعل دِينَه وشرعه مَرْتعًا للرُّؤَى، ولا مسرحًا للخيال في فهم نصوص الوحيين ـ الكتابِ والسنَّة ـ للوصول بالسالك إلى اليقين المنشود كما تزعمه المتصوِّفة، وذلك عن طريق المشاهدة والكشف والذوق والمنامات وغيرها مِنَ الطُّرُق المُلتوِيَة والبعيدة عمَّا كان عليه الصدرُ الأوَّل مِنْ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابتِه الكرام رضي الله عنهم الذين زكَّاهم اللهُ تعالى بالنصِّ، وشَهِد لهم بالأعلمية في مثلِ قوله تعالى: ﴿يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖ﴾ [المجادلة: ١١]، وقولِه تعالى: ﴿وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ﴾ [سبأ: ٦]، وقولِه تعالى: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًا﴾ [محمَّد: ١٦]؛ فإنَّ اللام في «العلم» إنما هي للعهد لا للاستغراق، أي: العلم الذي أرسل اللهُ به نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم، وإذا أُوتُوا هذا العلمَ كان حريًّا بغيرهم اتِّباعُهم(١)، وقد أخبر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ خير الناس قرنُه مطلقًا؛ وهو الأمر الذي يقتضي تقديمَهم على غيرهم في كُلِّ بابٍ مِنْ أبواب الخير في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»(٢)، كما جَعَل اللهُ الهدايةَ للصراط المستقيم لا سبيلَ للخَلْق إليها إلَّا بما آمَنَ به معشرُ المؤمنين في قوله تعالى عن أهل الكتاب: ﴿فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ﴾ [البقرة: ١٣٧]، وجَعَل الضلالَ بالإعراض عن سبيل الهدى والإيمان ـ الذي طريقُه العلمُ والعمل ـ هو عينَ الشِّقاق، ويَلْزَم مِنَ المُشاقَّةِ مُحادَّةُ اللهِ ورسولِه وعداوتُهما، وبِئْسَ شِقُّ أهلِ الضلال والغواية وساءَ مَصيرُهم، ونِعْمَ شقُّ أهلِ الهدى والإيمانِ وحَسُنَ مَآلُهُم، واللهُ يكفيهم شرَّهم وكيدهم ومكرهم وعداوتهم؛ قال تعالى: ﴿وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٣٧﴾ [البقرة].
ومِنْ ذلك ما أوجب الله تعالى مِنْ متابعة السبيل الذي سَلَكه المؤمنون ـ وفي طليعتهم صحابةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في عقائدهم وأعمالهم، وما حرَّم مِنْ مخالفتهم فيها بعد ظهور الهدى والعلم بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية، وقد رتَّب اللهُ تعالى الوعيدَ على المُشاقِق المخالفِ بالتخلِّي عنه في الدنيا والعذابِ في الآخرة في قوله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥﴾ [النساء]؛ إذ لا يخفى أنَّ لفظ «المؤمنين» في الآية يدخل فيه الصحابةُ الكرام رضي الله عنهم دخولًا أوَّليًّا.
غير أنَّ العَجَب لا ينقطع مِنْ ذهنيةِ قومٍ مُنِحَتْ لها مسؤوليةُ الأمَّة، وجُمِعَتْ بين أيديها آليَّاتُ التغيير المادِّيةُ والبشرية طمعًا في الارتقاء إلى الأحسن ـ زعموا ـ تنشد ـ في قوالبها الدِّينية ـ التجديدَ ضِمْنَ المسلك الصوفيِّ المُنحرِف بمُختلَفِ طُرُقه وأحواله ومقاماته، وتأييدَ زواياه ومدارسِه المتفاوِتةِ في الفساد والإفساد، بدءًا مِنْ مدرسة الزهد وانحداراتها عن سُمُوِّ الإسلام بإحداثِ مفاهيمَ وسلوكياتٍ غريبةٍ عن الدِّين، واختلاقِ مصطلحاتٍ ما أَنْزَل اللهُ بها مِنْ سلطانٍ، وقد تبلغ بهم إلى حدِّ الوساوس والدَّرْوَشة والخُرافة، ثمَّ مدرسة الكشف والمعرفة، إلى القول بوحدة الوجود، وإلى الاتِّحاد والحلول والفَناء، وإلى التواكل والركون إلى السلبية، وغيرها مِنْ ضلالات القوم الدخيلة على الإسلام في عقيدته وأحكامه.
إنَّ التصوُّف ـ بأفكاره المنحرفة ومعتقداته الباطلة، وبمختلفِ مناهجه ومدارسِه ومسالكه ـ خطرٌ عظيمٌ على عقيدة التوحيد والعمل؛ فهو يشوِّه الإسلامَ في معانيه ومبانيه وعقيدتِه وشريعته مِنَ الداخل والخارج تشويهًا يخرجه عن جماله، ويعرِّيه عن حُسْنه ورونقه.
بل التصوُّف قضاءٌ مُبْرَمٌ على العقيدة والفقه الإسلاميَّيْن، وانحرافٌ ظاهرٌ عن الصراط المستقيم، وانحدارٌ خطيرٌ عن دعوة الأنبياء والرُّسُل، وعن منهج الإسلام القائم على العلم والعمل ونشرِ التوحيد ونبذِ الشرك والبِدَع، والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها ممَّا جاء به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ دِين الإسلام، وقامَتْ عليه حجَّتُه ودعوتُه، وسار عليه صحابتُه الكرام رضي الله عنهم، ومَنِ انتهج منهجَهم مِنْ بعدِهم؛ فقَدْ أَثْبَت اللهُ لهم الخيريةَ على سائر الأمم ـ كما تقدَّم ـ ووَصَفهم بأنهم يأمرون بكُلِّ معروفٍ وينهَوْن عن كُلِّ منكرٍ في قوله تعالى: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ [آل عمران: ١١٠]، كما جَعَلهم شُهَداءَ الله على الناس في الأرض، وأقام شهادتَهم مَقامَ شهادة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم في قولِه تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗا﴾ [البقرة: ١٤٣]؛ فإنَّ الصحابة الكرام رضي الله عنهم ـ في هذه الآيةِ والتي قبلها ـ هم المُشافَهون ـ حقيقةً ـ بهذا الخطاب المبلَّغِ على لسان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، شهادةَ حقٍّ وصدقٍ، ولا شيءَ يُعادِلُ شهادةَ الله تعالى لهم بذلك.
هذا، وقد ازداد انحرافُ التصوُّف عن خطِّ الإسلام القويم في عقيدته وفقهه، وتوسَّعَتْ دائرةُ فساده وضررِه بما جَمَعه ونَشَره على مرِّ العصور وكرِّ الدهور مِنْ آفات المعتقدات والتزيُّدِ في الدِّين ومختلف الضلالات والحوادث التي تولَّدَتْ مِنْ جرَّاءِ ترك الاعتصام بحبل الله المتين وبمنهجه القويم؛ والمعلومُ أنَّ مَنْ تَرَك الاعتصامَ به وعَمَد إلى التخلِّي عنه كان عُرْضةً لجميع الآفات والبليَّات، وقد شبَّهه الله تعالى بمَنْ ﴿خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ ٣١﴾ [الحج].
ذلك لأنهم سألوا الهدايةَ وطلبوا الاستقامةَ في غير الكتاب والسنَّة، زاعمين أنَّ لهم علومًا خاصَّةً يتلقَّوْنها مِنَ الله مباشرةً دون واسطةٍ عن طريق الكشوفات والهواتف المزعومة، فضلًا عن دعوَى لقائهم بالأنبياء والأولياءِ حقيقةً وحسًّا، وعلى رأسهم الخَضِرُ الذي يتعلَّمون منه العلومَ اللدنية؛ الأمرُ الذي دَفَعهم إلى الاعتقاد بوجودِ حقيقةٍ تخالف الشريعة، وبالغلوِّ المُفْرِط في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والأولياء.
ومِنْ أعظم العوامل المؤثِّرة ـ أيضًا ـ التي زادَتْ عقيدةَ المتصوِّفة فسادًا: اختلاطُ التصوُّف بجملةٍ مِنَ الفلسفات القديمة وتأثُّرُه بها، حتَّى أصبح التصوُّفُ ـ في عقيدته وسلوكه ـ مزيجًا مِنَ الفلسفة الهندية واليونانية والرهبانية وعقائدِ الشيعة(٣) وغيرها.
ومِنَ الآثار السيِّئة التي نَشَرها التصوُّفُ في هذه الأمَّة، وبان فيها خطرُه على عقيدتها ودِينها:
ـ انتشار الوثنية وعبادة القبور، وذلك بقيام المتصوِّفة ببناء المساجد والقِباب على قبور الموتى، ودعوةِ الناس إلى زيارةِ أماكنها والتمسُّحِ بأعتابها، وصرفِ العبادات لأصحابها المدفونين، مِنْ دعاءٍ واستغاثةٍ وذبحٍ ونذرٍ وغيرها مِنَ العبادات التي لا يجوز صرفُها إلَّا لله تعالى.
ـ انحراف الصوفية في التوحيد بإقحام وحدة الوجود في عقيدة الأمَّة، وأنَّ مفهوم التوحيد الحقيقي ـ في زعمهم ـ هو القول بوحدة الوجود، وما ترتَّب عليها مِنْ مضاعفاتٍ في تجويزِ كُلِّ شيءٍ موجودٍ في الكون، والقول بوحدة الأديان وغيرهما.
ـ انحراف الصوفية في المحبَّة، واعتقادهم بحلول الله في خلقه ومسألة الفَناء وغيرها مِنْ آفات معتقداتهم.
ـ تقسيم الدِّين إلى حقيقةٍ وشريعةٍ على نحوِ ما بيَّنْتُه في موضوعِ: «بدعة تقسيم الدِّين إلى حقيقةٍ وشريعةٍ وآثاره السيِّئة على الأمَّة»(٤).
ـ تعطيل وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدعوَى أنَّ الكُلَّ ـ عندهم ـ معروفٌ وقَدَرٌ محبوبٌ، والاعتقاد بأنَّ مشايخهم يُحِلُّون لهم ما حرَّم الله عليهم، فضلًا عمَّا تنشره المتصوِّفةُ مِنْ حوادثِ الموالد والأذكار والصلوات المُبتدَعة وغيرها مِنَ الأفعال والصُّوَر والألوان والأحوال المشينة التي يمارسها الخرافيون منهم ويعتقدونها في كُلِّ العالَم، وهي محسوبةٌ على الإسلام ظلمًا وزورًا.
فالحاصل: أنَّ دِينَ المتصوِّفة مبنيٌّ على دعاوَى مُختلَقةٍ كاذبةٍ متمثِّلةٍ في اعتقادهم أنَّ التوحيد الذي أرسل اللهُ به الرُّسُلَ وأنزل به الكُتُبَ فهو توحيد العوامِّ الذي يُعَدُّ ـ بالنسبة إليهم ـ شركًا بالله يترفَّعون عنه بزعمهم، وادِّعاؤهم عدمَ انقطاع الوحي، وأنَّ المشايخ مكشوفٌ عن بصيرتهم، وهُم أعلمُ بحقائق العلوم مِنَ الأنبياء، ويجوز لهم الخروجُ عن الشريعة والتمرُّدُ على أوامر الله ورسولِه؛ بناءً على تقسيم الدِّين ـ عندهم ـ إلى حقيقةٍ وشريعةٍ، فضلًا عن الغُلُوِّ المُفْرِط في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورفعِه مِنْ مرتبة البشرية ومقام العبودية والرسالة إلى مقام الألوهية والمعبودية، وغيرها مِنْ ضلالات القوم وبِدَعهم.
الأمر الذي أفضى بالمتصوِّفة إلى تقديس أوليائهم ومشايخهم وتعظيم منزلتهم بالغُلُوِّ الزائد، في حياتهم وبعد وفاتهم: يخضعون لهم في طاعةٍ عمياءَ وحبٍّ أصمَّ، ويعترفون بذنوبهم بين أيديهم على طريقةِ أصحابِ صكوك الغفران عند النصارى، ويشيِّدون عليهم الأضرحةَ والقِبابَ بعد وفاتهم، ويشدُّون إليها الرِّحالَ ويتمسَّحون بها ويتوسَّلون لقضاء حوائجهم ـ زعموا ـ وهذا غيضٌ مِنْ فيضٍ مِنَ المفاهيم والسلوكات والمُعتقَدات والشَّطَحات التي ابتدعوها في دِين الإسلام، متشبِّهين باليهود والنصارى كما أخبر النبيُّ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟»، قَالَ: «فَمَنْ؟!»(٥)، ولا يخفى ما في هذه الحوادثِ والعوائد والمعتقدات مِنْ مخالفةٍ لجناب التوحيد، ومباينةٍ لِمَا دَعَا إليه الإسلامُ وما كان عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابتُه الكرام رضي الله عنهم.
وقد انقلب التصوُّفُ ـ بعدها ـ كسبًا مُرْبِحًا للمُشَعْوِذين والسَّحَرة والبطَّالين والدجَّالين، وطريقةً لتحضير الأرواح، وتجارةً مَهينةً للسُّفَهاء السافلين ومَنْ قلَّتْ بضاعتُهم في العلم الشرعيِّ ولا اشتغلوا به ولا دعَوْا إليه؛ فضَلُّوا وأَضَلُّوا وفَسَدوا وأفسدوا؛ فلا الإسلامَ نصروا ولا عدوًّا كسروا، ولا طاغيًا كافحوا ولا غاصبًا طردوا.
وقد استغلَّ أعداءُ الإسلام والمُستعمِرون الحاقدون عليه طوائفَ المتصوِّفة لتشويهِ جمال الإسلام والقضاءِ على صفاء التوحيد، وتصيير المسلمين أطوعَ لسلطة الأعداء وأخضعَ إلى مأموريَّتِهم وأركنَ إلى السلبية؛ لئلَّا تقوم للمسلمين قائمةٌ.
علمًا أنَّ المتصوِّفة لم يكن لهم موقفٌ عدائيٌّ تُجاهَ المستعمر المحتلِّ، بل موقفُ متعاوِنٍ خدومٍ لمصالح المُستعمِر ومنافعِه، سواءٌ في العالَمِ الإسلاميِّ عامَّةً أو في خصوصِ بلدنا هذا، والأدلُّ على ذلك أنَّ أتباع الطريقة التيجانية ساعدوا الجيوشَ الفرنسية بمختلف الوسائل الحربية مِنَ التجسُّس لهم وإرسالِ الأَدِلَّاء والقتالِ إلى جانب فرنسا ضِدَّ مُواطِنيهم مِنَ المسلمين، واعتُبِر ذلك عند مشايخ الصوفية واجبًا يُمليهِ الشرفُ ويَبْغون فيه الاحتسابَ عند الله تعالى(٦).
فهذه هي المواقف المخذولة للمتصوِّفة في هذه البلادِ وغيرها مِنْ بلدان العالَم، «مِنْ أجلِ ذلك يجب ألَّا نستغرب إذا رأينا المُستعمِرين يُغْدِقون على الصوفية الجاهَ والمال، فرُبَّ مفوَّضٍ سامٍ لم يكن يرضى أَنْ يستقبل ذوي القيمة الحقيقية مِنْ وجوه البلاد، ثمَّ تراه يسعى إلى زيارةِ حلقةٍ مِنْ حلقات الذكر، ويقضي هنالك زيارةً سياسيةً تستغرق الساعات؛ أليس التصوُّف الذي على هذا الشكلِ يقتل عنصرَ المقاومة في الأمم؟!»(٧).
ولا تزال جنايةُ الصوفية على الدِّين مُستمِرَّةً بهذه المواقفِ المخزية: يؤيِّدون الفسادَ أينما كان، ويَرْمُون غيرَهم بالباطل، ويتكيَّفون مع واقع الزمن الذي يعيشون فيه ولو بإيديولوجياتٍ مُستَوْرَدةٍ، مِنِ: اشتراكيةٍ أو ليبيراليةٍ أو ديمقراطيةٍ وأفكارٍ دخيلةٍ على المجتمع المسلم، ويدورون مع واقعهم المَعيش حيث دارَ، ويسايرونه كُلَّ مَسارٍ، سواءٌ كان الواقعُ مُوافِقًا للإسلام أو مخالفًا له، وسواءٌ كان قادةُ بلاد المسلمين وحُكَّامُهم مسلمين أو كُفَّارًا، وقد قال قائلُهم: «إنَّ الكُفَّار والمجرمين والفَجَرةَ والظلمة مُمتثِلون لأمر الله تعالى، ليسوا بخارجين عن أمره»(٨).
هذا، وإنَّ قومًا ممَّنْ يحملون الغِلَّ على أهل السنَّة يسعَوْن جاهدين إلى محاربةِ دعوة الكتاب والسنَّة على منهجِ سلف الأمَّة عقيدةً وشريعةً على نطاقٍ واسعٍ، باستخدامِ أساليب التضييق، سواءٌ على الدُّعَاة أو الأئمَّة أو رُوَّاد الدعوة إلى الله أو طلبة العلم بالتشويه والإقصاء، أو على منشوراتهم ومؤلَّفاتهم بالمنع والتشديد والمصادرة.
في حينِ يفتحون المجالَ للتصوُّف ـ بأفكاره المنحرفة ومعتقداته الباطلة ـ واسعًا على مِصْراعَيْه، بعقد الندوات والمُلتقَيات، وإعداد البرامج والحِصَص المرئيَّةِ وغير المرئيَّة، وتخصيص الأغلفة المالية لتدعيمها وتقويتها، وتمكين الزوايا على ما فيها مِنْ بلايَا ورزايَا، فضلًا عن إرادة إحلال العقيدة الممزوجة بعقائد الفلاسفة وتُرَّهات المناطقة وتمحُّلات المتكلِّمين محلَّ عقيدةِ أهل السنَّة والجماعة، ليعقِّدوا العقيدةَ ويشوِّهوا صفاءَها وجمالها؛ فيُنشِئوا لهذه الأمَّةِ جيلًا خُرَافيًّا مُبتدِعًا ومتكلِّمًا، يُفْسِد عقيدةَ الأمَّة ويلوِّث صفاءَها ويهدم بنيانَها.
وكان الأجدرُ بهم: ردَّ الأمَّة إلى منهج السنَّة القويم ومنهجِ السلف الصالح السليم، وتخليصَها مِنْ آثار الشُّبَه والشكوك والأفكار الهدَّامة والاتِّجاهات المُنحرِفة، وتجنيبَها طُرُقَ الباطل والغواية؛ ليصونوا الأمَّةَ مِنَ الهلكة والضلالة.
ولكِنْ لا يزالون على ظلمهم سائرين، لا تردُّهم موعظةٌ ولا يزجرهم بيانٌ ولا برهانٌ، يبذلون قُصارَى جُهدهم ليتوصَّلوا إلى إطفاءِ نور الله بمقالاتهم الكاسدة: يردُّون بها الحقَّ، وقد تَكفَّل اللهُ تعالى بإشاعةِ نوره ونصرِ دِينه وإتمامِ الحقِّ الذي أرسل به نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ﴾ [الصف: ٨].
نسأل اللهَ أَنْ يحفظ دِينَه، ويُعليَ كلمتَه، وينصر أولياءَه المؤمنين المُتَّقين، وأَنْ يثبِّتنا على الحقِّ المُبين، ويعصِمَنا مِنَ الزلل عند المِحَن، ويجنِّبنا الشرَّ والفِتَن، ما ظَهَر منها وما بَطَن؛ إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٠ صفر ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٣٠ أكتوبر ٢٠١٧م

(١) انظر: «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٤/ ١٣٠).
(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم» بابُ فضائلِ أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (٣٦٥٠)، ومسلمٌ في «فضائل الصحابة» (٢٥٣٥)، مِنْ حديثِ عمران بنِ حصينٍ رضي الله عنه.
(٣) انظر: «مقدِّمةَ ابنِ خلدون» الفصل السابع عشر: في علم التصوُّف (٢٨٥).
(٤) يُوجَد ضِمْنَ مؤلَّفي: «تنبيه المستبصرين بمفهوم التقسيم الاصطلاحيِّ للدِّين ـ نماذجُ وآثارٌ ضِمْنَ رؤيةٍ نقدية» (١٥).
(٥) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «أحاديث الأنبياء» (٣٤٥٦) بابُ ما ذُكِر عن بني إسرائيل، ومسلمٌ في «العلم» (٢٦٦٩)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه.
(٦) ويؤكِّد ذلك قولُ محمَّد بن الكبير صاحبُ السجَّادة التيجانية الكبرى وخليفةُ أحمد التيجاني الأكبر مؤسِّسِ الطريقة التيجانية، في خطبةٍ ألقاها أمامَ رئيس البعثة العسكرية الفرنسية في عين ماضي بالأغواط [الجزائر] بتاريخ ٢٨ ذي الحجَّة عام ١٣٥٠ﻫ ما نصُّه: «إنَّ مِنَ الواجب علينا إعانةَ حبيبةِ قلوبنا فرنسا مادِّيًّا ومعنويًّا وسياسيًّا؛ ولهذا فإنِّي أقول ـ لا على سبيل المنِّ والافتخار، ولكِنْ على سبيل الاحتساب والشرف بالقيام بالواجب ـ: إنَّ أجدادي قد أحسنوا صنعًا في انضمامهم إلى فرنسا قبل أَنْ تَصِل إلى بلادنا، وقبل أَنْ تحتلَّ جيوشُها الكرام دِيارَنا» [«تاريخ المغرب في القرن العشرين» لروم لاندرو (١٤٣)].
(٧) «هذه هي الصوفية» لعبد الرحمن الوكيل (١٧٢).
(٨) «جواهر المعاني» لعلي برادة (١/ ٢٢١).










رد مع اقتباس
قديم 2018-04-29, 13:31   رقم المشاركة : 90
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

الفتوى رقم: ١٠٦١

الصنف: فتاوى الصيام - أحكام الصيام في حكم إبطال الصوم لإنقاذ غريق

السؤال:

صائمٌ في رمضانَ ظَهَرَ له في بعضِ شواطئِ البحرِ أنَّ أحَدَ الصيَّادين يُصارِعُ الغرقَ، ووَجَدَ في نَفْسِه ضعفًا بدنيًّا عن إنقاذِه إذا لم يَتناوَلْ شيئًا لِيَتقوَّى به على إنقاذه؛ فهل يجوز له أَنْ يُبْطِلَ صَوْمَه مِنْ أجلِ هذا الغَرَضِ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فمَنْ لا يُمْكِنُه تخليصُ المُشْرِفِ على الهلاكِ مِنَ الغرقِ أو نحوِه إلَّا بالإفطارِ وَجَبَ عليه الفطرُ لإنقاذِه، ويأثم إِنْ لم يَفْعَلْ، ويَلْزَمُه القضاءُ، ولا تَلْزَمُه الفديةُ(١)؛ لأنَّ الْمُنْقِذَ للغريقِ في حُكْمِ الغريق، ويُلْحَقُ بالمريضِ والمسافرِ في وجوبِ القضاءِ دون الفدية؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: ١٨٤].

هذا، وجديرٌ بالتنبيهِ أنَّ القادرَ على إنقاذِ غيرِه لِتَوَفُّرِ أسبابِ الإنقاذِ ووسائلِه كالقاربِ والحبلِ ونحوِهما ممَّا هي داخلةٌ في إمكانِه واستطاعتِه، وامتنع عنِ استعمالِهَا عمدًا؛ فإنه يأثم على تَرْكِه ويضمن دِيَتَه على الصحيحِ مِنْ قولَيِ العلماء؛ لأنَّ التركَ ـ*على التحقيقِ*ـ فعلٌ على ما هو مُقَرَّرٌ في موضِعِه، ومثَّل الشنقيطيُّ ـ*رحمه*الله*ـ بفروعٍ كثيرةٍ في المَذاهبِ، قال: «كمَنْ مَنَعَ مضطرًّا فَضْلَ طعامٍ أو شرابٍ حتَّى مات، فعلى أنَّ التركَ فعلٌ فإنه يضمن دِيَتَه، وعلى أنه ليس بفعلٍ فلا ضمانَ عليه، وكمَنْ مَنَعَ خيطًا مِمَّنْ به جائفةٌ(٢) حتَّى مات، ومَنْ مَنَعَ جارَه فَضْلَ مائِه حتَّى هَلَكَ زَرْعُه، ومَنْ مَنَعَ صاحِبَ جدارٍ خافَ سقوطَه عمدًا عنه حتَّى سَقَطَ، ومَنْ أمسك وثيقةَ حقٍّ حتَّى تَلِفَ الحقُّ. وأمثالُ هذا كثيرةٌ جدًّا في الفروع؛ فعلى أنَّ التركَ فعلٌ فإنه يضمن في الجميع»(٣).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٠٢ شعبان ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ١٤ يوليو ٢٠١٠م

* ___________ من تطبيق آثار العلامة محمد علي #فركوس للتحميل على الأندرويد https://goo.gl/CnfonF ______________

(١) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ٣٢٩).

(٢) الجائفة: هي الطعنة التي تبلغ الجوفَ، [انظر: «الفائق» للزمخشري (١/ ٢٤٦)، «مختار الصحاح» للرازي (١١٧)].

(٣) «مذكِّرة أصول الفقه» للشنقيطي (٣٩).










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:09

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc