البصمة الوراثية و مدى حجيتها في الإثبات - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

البصمة الوراثية و مدى حجيتها في الإثبات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-11, 20:32   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 البصمة الوراثية و مدى حجيتها في الإثبات

مقدمة:
يتميز عصرنا الراهن بالتطور المذهل لا سيما في المجال البيولوجي و قدرته علي استحداث تقنيات في المعرفة العلمية إذ تمت في السنوات الأخيرة ثورة هائلة كان سببها التطور البيولوجي الذي ساير التطور التكنولوجي، انجرت عنها تقدمات سريعة. هذه الأخيرة فتحت مجالات واسعة لقضايا لم تشهدها البشرية من قبل و كذلك أحدثت تغيرا في ممارسة الطب كتلك المتعلقة بالإرث البيولوجي للكائنات.و كان التراث الجيني مجال جدل عالمي حول مشروعية التقنيات الوراثية.
و قد كانت القضايا المقررة عن التقنية البيولوجية ذات صلة مباشرة بحياتنا اليومية و الشخصية تجلت من خلال الإسهامات الواضحة في مجال علاج الإنسان وكذلك مبادراتها في تشخيص الأمراض الوراثية، و علاجها و الوقاية منها، إذ كان للجينات دورها العلمي و الثقافي و قد غيرت نظرتنا لهذا العالم الحي و هكذا فإن الجينية فرضت نفسها تناسقا لأنظمة الإنسان، إلا أن الأهم من ذلك هو مجموع المعلومات التي يتم جمعها من خلال تنسق الجينوم الإنساني، و جعل الكثير من الباحثين يعتقدون أن البيولوجية حربا فتاكة لكونها تمس بحرمة الإنسان وطبيعته و اعتبرت تقنية ألـ ADN فنا يتلاعب بالمادة الوراثية بإمكانه الكشف عن الأمراض التي تصيب الجنين قبل ولادته.
و لقد تطور علم البصمات تطورا مذهلا فلم تقتصر البصمة علي أصابع اليد فقط بل توصل علماء الأدلة الجنائية إلي التعرف علي الشخص من بصمات عينيه و أذنيه و أسنانه و لا يزال علم البصمات يتقدم بسرعة مذهلة من أجل الوصول إلي تحقيق المطابقة بين الحقيقة الواقعية و القانونية تحقيقا للعدالة.
حتى أن التقدم العلمي كشف خصائص أخرى قد تكون أسهل و أدق و أشد حسما من جميع البصمات السابقة. ولعل البصمة الوراثية أصبحت الآن اشهر هذه الخصائص من أجل التعرف علي هوية الشخص و من ثمة التوصل إلي معرفة مقترفي الجرائم و إلحاق نسب الأبناء بآبائهم.
و تستعمل ألـADN في حل الكثير من القضايا و ذلك لارتباطها المباشر بالإفرازات الجسمية التي تختلف من الجناة أو المجني عليهم و لذلك فقد أولى الكثير من الخبراء الجنائيين اهتمامات كبيرة لتطويراساليب فحص الآثار البيولوجية، حيث تمكن من تطبيق ألـADN و إثبات أن هناك بعض الأجزاء من هذه الأحماض النووية تكون فريدة لكل شخص و الذي لم يعد معه ربط الجاني بمسرح الجريمة حلما و إثبات البنوة أمرا مستحيلا.
و نظرا لهذا تظهر أهمية ألـ ADN في القضايا الجنائية، حيث يمكن بواسطتها التوصل إلي إثبات ذاتية الأثر بشكل قطعي في معظم الحالات و كذلك التوصل إلي درجات إثبات عالية لتحديد ذاتية الأثر.


كل ذلك كان باعثا لطرح عدة إشكالات:
- ما موقف القانون و القضاء المقارن من البصمة الوراثية في الإثبات ؟ و ما موقف القانون و القضاء الجزائري منها ؟
- ماهو الأساس التشريعي الذي يعتمد عليه القاضي لتكريس تقنية أل ADN كدليل إثبات قانوني؟
- و ما مدى حجية البصمة الوراثية في الإثبات و هل يجوز للقاضي أن يكتفي بقرينة البصمة الوراثية كدليل للإثبات دون بقية القرائن الأخرى ؟
و لعلى ما دفعنا إلي اختيار هذا البحث جملة من الدوافع منها:
1- إن ظهور ألـADN و الإعتداد به كدليل لا سيما في المجال الجنائي يعد نقلة نوعية في مجال الإثبات.
2- غياب الدراسات الفقهية و القانونية حول هذا الموضوع علي الساحة العربية و الوطنية و عدم مسايرة المشرع للتطور العلمي الحاصل في هذا المجال.
3- نتائج الأبحاث العلمية أثبتت نجاعتها علي جميع المستويات الطبية و البيئية و الاقتصادية ناهيك علي المجال القانوني.
ونظرا لما سلف ذكره ارتأينا معالجة هذا الموضوع وفق الخطة التالية:

الرموز و المصطلحات:






























الخطة المقترحة

الفصل التمهيدي: الإثبات و ماهية البصمة الو راثية
أولا: الإثبات
1- الإثبات في المواد المدنية
2- الإثبات في المواد الجزائية
ثانيا: ماهية البصمة الوراثية
1- الدراسة العلمية للبصمة الوراثية
أ‌- مدلول البصمة الوراثية
ب‌- خصائص البصمة الوراثية
ج- اكتشاف البصمة الوراثية
د- الخطوات العلمية لإجراء تقنية فحص البصمة الوراثية
2- أهمية البصمة الو راثية في الإثبات
أ- اهميتها في المجال الجزائي
ب- اهميتها في المجال المدني

الفصل الأول : البصمة الوراثية و التقنينات الوضعية .
المبحث الأول : الأحكام القانونية للبصمة الوراثية
المطلب الأول : التشريعات الغربية
المطلب الثاني : التشريعات العربية

المبحث الثاني : البصمة الوراثية في الاجتهاد القضائي
المطلب الأول : في قضاء الدول الغربية
المطلب الثاني : في قضاء الدول العربية









الفصل الثاني: مجالات تطبيق البصمة الوراثية و مدى حجيتها في الإثبات
المبحث الأول : المجالات القانونية للبصمة الوراثية
المطلب الأول : الأساليب الوراثية لإثبات النسب و الجرائم الجنسية
الفرع الأول: إثبات النسب.
الفرع الثاني: إثبات الجرائم الجنسية.
المطلب الثاني : حجية البصمة الوراثية
الفرع الأول: الحجية المطلقة للبصمة الوراثية.
الفرع الثاني: الحجية النسبية للبصمة الوراثية.
أ‌) الإستنساخ.
ب‌) الخطأ البشري

المبحث الثاني : المجالات الأخرى لاستعمال تقنية البصمة الوراثية.
المطلب الأول : إثبات هوية المفقودين و البحث عن الجذور
الفرع الأول: إثبات هوية المفقودين.
الفرع الثاني: البحث عن الجذور.
المطلب الثاني : استعمال تقنية البصمة الوراثية في مجال الإقتصاد و التأمين
الفرع الأول: في مجال الإقتصاد .
الفرع الثاني: في مجال التأمين.

خــــــاتمة










لفصل التمهيدي الإثبات و ماهية البصمة الوراثية





أولا: الإثبات:
وسائل الإثبات في القضاء لها أهمية بالغة ترقى إلى أهمية مرفق القضاء بحد ذاته، ذلك أن أهمية الإثبات تكمن في كونه الوسيلة الوحيدة التي تمكننا من اعتبار فعل ما موضوع شك أو انتزاع عنوانا للحقيقة على إثر صدور حكم نهائي في الدعوى فالإثبات لا يمكن فصله عن الحكم القضائي بل هو روح هذا الحكم و جوهره و على الرغم من هذه الأهمية التي يكتسبها الإثبات، فإن الدارسين لم يكرسوا في الحقيقة مجهودات معتبرة للبحث فيه، فهناك دراسات قليلة تتعلق بالقواعد التي تنظم موضوع الإثبات في مختلف الأنظمة القانونية لا سيما المتعلقة منها بالإثبات العلمي من كون هذا الأخير في تطور مستمر ذلك أن الحقيقة العلمية تبقي دائما محل دراسة و تجديد بين الحقيقة القضائية تنتهي عند اكتشافها من طرف القضاء(1).
و هذا التطور المذهل و السريع لوسائل الإثبات العلمية دفع بنا إلي الحديث عنها في الجانبين المدني و الجزائي لاسيما الإثبات عن طريق البصمة الوراثية ( ADN).
و كتمهيد لحديثنا علي البصمة الوراثية و حجيتها في الإثبات ارتأينا أن نتحدث و لو بإيجاز عن وسائل الإثبات القانونية في المجالين المدني و الجزائي قبل الحديث عن البصمة الوراثية كوسيلة من وسائل الإثبات في القانون و القضاء الغربي و العربي.
1/ الإثبات في المواد المدنية:
الإثبات هو الدليل أمام القضاء بالطرق المحددة قانونا علي واقعة قانونية ينازع في صحتها أحد أطرف الخصومة، ومن هنا فإن الإثبات يكتسي أهمية بالغة في الحياة العملية إذ الحق بالنسبة لصاحبه لا قيمة له و لا نفعا إذا لم يقم عليه الدليل.
و لقد تناول المشرع الجزائري طرق الإثبات المدنية في القانون المدني و قانون الإجراءات المدنية و القانون التجاري، فالقانون المدني نظم 05 طرق للإثبات جاء بها في الباب السادس تحت عنوان إثبات الالتزام من المادة 323إلى المادة 350 من ق.م و هي :
1)الكتابة: تعرض لها المشرع في المواد من 323الي 332 ق.م و أحكامها الإجرائية تناولها في المواد من 76إلى80و من 155إلى166 ق.إ.م .
و الكتابة تعتبر أهم طريقة في الإثبات المدني لأنها يمكن أن تعد وقت نشوء التصرف لاتقاء حدوث نزاع و لحله في حالة حدوثه. و تكمن أهميتها في كونها صالحة لإثبات جميع الوقائع سواء أكانت واقعة مادية أو تصرف قانوني (2).




1)- (د) محمد زهدور ، الموجز في الطرق المدنية للإثبات في التشريع الجزائري / ص22
2)- محاضرات الأستاذ الدكتور ملزي في مادة الإثبات في المواد المدنية ، طلبة القضاة السنة الثانية الدفعة 13 .
وقد تشترط من قبل المشرع لقيام التصرف بحيث لا ينتج هذا التصرف آثاره القانونية إلا إذا حررت أمام موظف رسمي و بذلك فهي تعتبر ركنا شكليا في التصرف، وقد تشترط لإثبات التصرف كما إذا كانت قيمة التصرف تزيد على 1000دج وغيابها هنا لا يؤثر على صحة التصرف لأنه يثبت بالإقرار و اليمين وعليه فالكتابة هنا للإثبات لا للانعقاد.
و الكتابة تكون بمحررات إما رسمية و إما عرفية، فالمحررات الرسمية هي التي تحرر بمعرفة شخص ذو صفة رسمية أو موظف من موظفي الدولة أو شخص مكلف بخدمة عامة،أما المحررات العرفية فهي التي تنشأ بين أفراد عاديين ليست لهم تلك الصفة.
2)- البينة: ( شهادة الشهود ) تناولها المشرع في المواد من 333إلي 337 ق.م وتناول قواعدها الإجرائية في المواد من 61الي 76 من ق.إ.م .
و البينة هي ذلك التصريح الذي يدلي به الشخص أمام القضاء بوقائع صادرة عن الغير و ترتب حقا للغير و البينة تخضع لتقدير قاضي الموضوع، فله أن يأخذ بها إذا اطمئن و له تركها جانبا إذا ما راوده شكا في صحتها كما له أن يرجح شهادة البعض على البعض الأخر.
و الإثبات بشهادة الشهود يكون أصلا في المواد التجارية و الوقائع المادية و التصرفات القانونية التي لا يجاوز 1000 دج و استثناءا في حالة وجود مبدأ الثبوت بالكتابة أو وجود مانع مادي أو أدبي للحصول علي دليل كتابي أو فقدان الدائن لسنده الكتابي لسبب أجنبي خارج عن إرادته.
3)- القرائن: تناولها في المواد 337 إلى 340 ق.م و هي ما يستنبطه المشرع أو القاضي من أمر معلوم الدلالة على أمر مجهول (1) و هي على قسمين:
أ)- القرائن القضائية: وهي التي يترك استنباطها و استنتاجها لقاضي الموضوع من ظروف الدعوى ووقائعها المطروحة أمامه.
ب)- القرائن القانونية: و هي التي يستدلها المشرع عن الحالات يغلب وقوعها فينص عليها في شكل قاعدة عامة و مجردة.
4)- الإقرار: و هو اعتراف الخصم بواقعة ترتب عليها حقا يستفيد منه خصمه، يعفي هذا الأخير من عبء الإثبات. و لذا فإن الإقرار اعتبر من طرق الإثبات جوازا.
و قد وردت أحكامه الموضوعية في القانون المدني في المادتين 341و 342 و تعرض قانون الإجراءات المدنية إلى الطريقة التي يمكن أن توصل إلى الإقرار و هي استجواب الخصوم شخصيا و إحضارهم أمام القاضي، فإن حضروا و استجوبوا جاز أن ينشأ عن هذا الاستجواب إقرار بالواقعة محل النزاع و لذا نظم قانون الإجراءات المدنية هذه الأحكام في المادتين 33و 43 منه (2)
1 )- الدكتور عبد المنعم فرج الصدة، الإثبات في المواد المدنية ن مطبعة مصطفي الحلبي 1955 ص 283 .
2)- الدكتور محمد زهدور . المرجع السابق .
5)- اليمين: يعتبر اليمين طريقا غير عادي للإثبات، فلا يلتجأ إليه إلا بعد انسداد الطرق الأخرى للإثبات و بذلك يحتكم الخصم الي ذمة خصمه ووجدانه و ضميره و ينقسم اليمين إلى قضائية و غير قضائية ، فالأولى هي التي توجه من خصم لأخر و تكون حاسمة، أو توجه إلي خصم من طرف القاضي و هي اليمين المتممة و تؤدى في كلتا الحالتين أمام القضاء أما الثانية فهي اليمين غير القضائية و التي تؤدى خارج ساحة القضاء.
و قد وردت أحكام اليمين الموضوعية في القانون المدني في المواد من 343الي المادة 350 و تعرض قانون الإجراءات المدنية إلي كيفية أدائها في المادتين 433 و 434 منه.
6)- المعاينة: و هي انتقال المحكمة إلي عين المكان لمعاينة محل النزاع بنفسها و استخلاص الدليل من مشاهدته و ذلك لغموض الدليل المقدم إليها أو نقصانه.
و انتقال المحكمة للمعاينة قد يكون بناءا على طلب الخصوم أو نتيجة قرار تلقائي من المحكمة و هذا ما أشارت إليه المادة56 من ق.إ.م.
7)- الخبرة: و هي عبارة عن معاينة يقوم بها أشخاص لهم إلمام بعلم أو فن لا يعلمه القاضي كالطب و الهندسة و تحقيق الخطوط و المحاسبة وغيرها من الأمور التي تستعصي على فهم القاضي و لهذا وجب على الخبير أن يبقي في دائرة هذه الفنيات و لا يتعداها إلى شيء خارج عن وظيفته و قد نظم ق.إ.م أعمال الخبرة في المواد من 47 إلي 57 (1).
وبهذا تظهر أهمية وسائل الإثبات المدنية في القضاء إذ هي بنفس أهمية مرفق القضاء ذاته فهي إحدى مراحله و على حد تعبير ابن فرحون " مقام عالي ومنصب نبوي .به الدماء تعصم و تسفح و الأبضاع تحرم و تنكر و الأموال يثبت ملكها و يسلب و المعاملات يعلم ما يجوز منها و يحرم و يكره و يندب " (2) .
و من خلال ذلك تبرز الأهمية التي يوليها المشرع لقضية الإثبات. فهي و لا شك المجال الذي يتفاضل فيه القضاة علي قدر تفهمهم لقواعد الإثبات و إدراكهم لمواقف الخصوم و حججهم ليكون حكمهم أقرب إلي الصواب.
2/ الإثبات في المواد الجنائية:
أعطى القانون للقاضي الجنائي كامل الحرية في تقدير الأدلة المقدمة إليه في الدعوى الجنائية و وزنها و ترجيح بعضها على الأخر و ذلك تطبيقا لمبدأ حرية الإثبات المقرر في المسائل الجنائية باستثناء بعض الحالات المحددة في الإثبات حصرا، إذن لا يتقيد الإثبات الجنائي بوجه عام بأدلة معينة فللقاضي أن يكون اقتناعه من أي دليل يقدم إليه و هذا بخلاف الحال في الإثبات المدني.


1)- د. محمود زهدور – المرجع السابق ، ص 100 – 101
2)- بكوش يحي ، أدلة الإثبات في القانون المدني الجزائري و الفقه الإسلامي – الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ، الجزائر 1981 ، ص 15
و تكمن أهمية الإثبات الجنائي في كون هذا الأخير يتعلق بالجريمة نفسها و الجريمة في حد ذاتها تنتمي إلى الماضي و ليس في وسع المحكمة أن تعاينها بنفسها ، و تتعرف علي حقيقة ما و تستند في ذلك فيما تقضي به في شأنها ، و من ثمة يتعين عليها أن تستعين بوسائل تعيد أمامها رواية و تفصيل ما حدث ، وهذه الوسائل هي أدلة الإثبات .
ما يلاحظ أن المشرع ألزم القاضي الجنائي ألا يحكم بالإدانة إلا إذا استند إلى الجزم و اليقين.
و قد أورد المشرع طرق الإثبات في المسائل الجنائية في قانون الإجراءات الجزائية الصادرة بالأمر رقم 66/155 المعدل و المتمم و المؤرخ في 08 يونيو 1966 الكتاب الثاني الباب الأول، الفصل الأول، منه تحت عنوان؛ في طرق الإثبات في المواد من 212 إلي غاية 218 و الوسائل التي يستعملها القضاء الجنائي في مواد الإثبات حتى يتوصل إلي هدفه الأساسي لإظهار الحقيقة هي:
1)- الاعتراف:
تطرق له المشرع في المادة 213 ق.إ.ج و قد قيل في الاعتراف العديد من التعريفات تناولته من مختلف زواياه ، و من التعريفات التي قيلت فيه مايلي :
- فقد عرفه جانب من الفقه بالقول " الاعتراف هو قول صادر من المتهم يقر فيه بصحة ارتكابه للوقائع المكونة للجريمة بعضها أو كلها، و هو بذلك أقوى الأدلة "
- و عرفه قضاة المحكمة العليا بأنه " إقرار من المتهم بكل أو بعض الوقائع المنسوبة إليه و هو كغيره من أدلة الإثبات موكول لتقدير قضاة الموضوع وفقا لأحكام المادة 213 من ق.إ.ج (1).
يتضح من هذين التعريفين متجمعة أن الاعتراف عمل إداري ينسب به المتهم إلى نفسه ارتكاب وقائع معينة تتكون بها الجريمة.
و للاعتراف عنصرين أساسيين :
1- إقرار المتهم على نفسه.
2- الإقرار على الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها.(2)
2)- المحاضر:
فيرد بها المحررات التي يدونها الموظفون المختصون وفقا للشروط و الأشكال التي حددها القانون لإثبات ارتكاب الجرائم و الإجراءات التي اتخذت بشأنها.


1)- قرار صادر يوم 2/12/1980 من الغرفة الجنائية 2.مجموعة القرارات (ص 26)، منشور للمؤلف جيلا لي بغدادي، الاجتهاد القضائي .ص13.
2)- د/ مروك نصر الدين، محاضرات في الإثبات الجنائي 2. أدلة الإثبات الجنائي، الكتاب 1 الاعتراف و المحررات ط 2004 .
و تكون للمحاضر أو التقارير حجيتها ما لم يدحضها دليل عكسي بالكتابة أو شهادة الشهود، في هذه الحالة فإن إنكار المتهم للوقائع المبينة في المحضر أو تقديمه أدلة و قرائن لا تكفي لدحض مضمون المحضر، فينبغي على المتهم إنشاء ذلك بإثبات العكس عن طريق دليل كتابي أو بشهادتي الشهود(1) .
و من أمثلة المحاضر التي تعتبر حجة تقيد اقتناع القاضي إلى أن يقوم الدليل علي عكس ما ورد فيها ؛ المحاضر المحررة في المواد المخالفات (2) و المشرع الجزائري نظم المحاضر كدليل من أدلة الإثبات الجنائي في المواد منها 214 – 218 من ق إ ج.
المادة 214 : تتعلق بشروط صحة المحضر المقدم كدليل للإثبات .
المادة 215 : تتعلق بالمحاضر المثبتة للجنايات و الجنح و اعتبارها مجرد استدلالات.
المادة 216 : تتعلق ببعض المحاضر التي لها الحجية إلى أن يثبت ما يخالفها بدليل عكسي سواء كان كتابة أو شهادة شهود.
المادة 217 : تتعلق بقيمة الدليل الكتابي المستنبط من الممارسات المتبادلة بين المتهم و محاميه .
المادة 218 : تتعلق ببعض المحاضر التي لها حجية إلي أن يطعن فيها بالتزوير و المحاضر التي يتعامل معها القضاء الجزائي ليست نوعا واحدا، بل هي عدة أنواع كما أن من يحررها فئات مختلفة.
1)- محاضر يحررها ضباط الشرطة القضائية بمناسبة قيامهم بأعمالهم في جمع الاستدلالات و البحث و التحري عن الجرائم.
2)- محاضر يحررها وكيل الجمهورية بمناسبة قيامه بنظر جرائم التلبس و منها محضر سماع المتهم.
3)- محاضر أخرى يحررها وكيل الجمهورية.
4)- محاضر يحررها قاضي التحقيق بمناسبة قيامه بعمله في التحقيق القضائي الابتدائي.
5)- محاضر يحررها كتاب جلسات الحكم بمناسبة حضورهم لجلسات الحكم.
6)- محاضر التشريع الضريبي و التشريع المتعلق بمراقبة الأسعار و محاربة الغش، كما توجد في بعض القوانين كقانون الغابات و مواد الصيد، التشريع الجمركي و قانون البيئة.
3)- الشهادة:
تناولها المشرع في المادة 220 و ما بعدها من قانون الاجراءات الجزائية و للإثبات بالشهادة شأنه شأن الوسائل الأخرى يخضع لحرية تقدير القاضي و هذا ما تأكده المحكمة العليا «...... إن تقدير الدليل بما فيه شهادة الشهود المناقش أمام المجلس في معرض المرافعة حضوريا يدخل في إطار الاقتناع الخاص لقضاة الموضوع......».(3)
(1)- المحكمة العليا ، غ ج : 10/06/1969 نشرة القضاة 1969 / 04، ص 86 .
(2)- أنظر المادة 400 من ق إ ج.
(3)-المحكمة العليا-غ ج : 13/05/1986 رقم 304 غير منشور
و على هذا لم يعد هناك ما يمنع القاضي الجنائي بالأخذ بتصريحات تلقاها في معرض المرافعات على سبيل الاستدلال لاستبعاد الشهادة بمعناها الضيق أو ترجيح شهادة وحيدة على عدة شهادات بل إن المحكمة العليا سمحت للقاضي الجنائي الاعتداد بتصريحات الشركاء.(1)
و يقع على الشهود واجب التعاون مع القضاء فهناك التزام عام بموجبه يلتزم كل مواطن باتخاذ المبادرة في إعلان القضاء الجنائي بما وصل إلى علمه حول ارتكاب جريمة جنائية و تعتبر مشاركة الشهود ذات أهمية بالغة في ميدان الإثبات و كثيرا ما تكون الشهادة هي الدليل الوحيد أو على الأقل أهم دليل إثبات، و لا تنحصر مهمة الشهود بل تمتد طوال مدة الدعوى الجنائية سواء تعلق الأمر بالمرحلة الابتدائية أم النهائية.
بعد ذكر هذه الطرق ظهرت وسيلة إثبات جديدة و أحدثت ثورة في مجال الإثبات و أصبحت تستعمل كوسيلة من أدق وسائل الإثبات، فإذا كانت الوسائل التقليدية التي سبق ذكرها تحتمل الخطأ فإن هذه الوسيلة الحديثة تكون نتائجها قاطعة و دقيقة، ويكون اللجوء إليها في حالة عدم وجود بينة ظنية أو قرينة من الظن (2)وهي البصمة الوراثية و تعتبر شهادة بيولوجية في مجال البينة ، قال تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (3) .
و هذا النص واضح في حالة افتقاد البينة أن يجد المرء سبيلا إليها عند أهل الذكر و هم في هذا المجال علماء البيولوجيا المختصين بتحليل البصمة الوراثية و هم معينين من الجهة القضائية كما نصت عليه المادة 144/1 من ق إ ج، إذ جاء فيها: " يختار الخبراء من الجدول الذي تعده المجالس القضائية بعد استطلاع رأي النيابة العامة ".
إذ أن إجراء تحليل البصمة الوراثية لا يتم إلا بإذن من الجهة الرسمية المختصة و هذا ما أخذ به القانونين المصري و الفرنسي اللذان يران أنه يجب فحص الدم بأمر من القاضي و خاصة إذا تعلق الأمر بالنسب و النبوة، مع العلم أن التحاليل تتم في مختبرات تابعة للدولة (4)
ثانيا : ماهية البصمة الوراثية ؟
سنتطرق في هذا الفصل للبصمة الوراثية من حيث تعريفها و خصائصها و العوامل التي ساعدت علي ظهورها بالإضافة إلى أهميتها لكونها أصبحت تؤخذ كدليل اتهام في المحاكم و البصمة الوراثية للإنسان هي أصل كل العلامات الوراثية الموجودة في الجنين منذ بداية نشأته و تكوينه.


(1)- نظام الإثبات في المواد الجنائية في القانون الوضعي الجزائري الجزء الثاني، الأستاذ محمد مروان "د م ج " 1999 .
(2)- د/ مصدق من المقاصد الشرعية و القضايا البيولوجية، جامعة الزيتونة، المعهد الأعلى للأصول الدينية، ص 138.
(3)- سورة النحل، الآية 43 .
(4)- www.islamonline.net
و هي التي تحدد نوع فصيلة دم الجنين و نوع بروتينه و أنزيماته و شكل بصمات الأصابع و لون البشرة، كما أنها تتحكم في وظائف جميع الخلايا التي لا تحصى و متى حدث أي خلل في الحامض النووي ينعكس علي الإنسان في شكل مرض أو عاهة.
يمكن إجراء تجارب المقارنات الخاصة ببصمة الحامض النووي على تلوثات الدم السائل و الجاف و الحديث و القديم الذي مضى عليه أكثر من أربع سنوات و يمكن إجراء تجارب الحامض النووي على جميع السوائل و المواد البيولوجية كالشعر و الجلد و مختلف الأنسجة(1).
1)- الدراسة العلمية للبصمة الوراثية:
لقد تطورت وسائل الإثبات عبر العصور إلى أن توصل العلم إلى الإثبات بواسطة بصمة الإصبع في أواخر القرن التاسع عشر.
و تجدر الإشارة إلي أن الأستاذ العالم" بر كنجي" أستاذ التشريح و عالم وظائف الأعضاء بجامعة " بيرسلاو " ببولندا الذي لاحظ أن جلد الأصابع يحوي بروزات ذات أشكال معينة.
و في عام 1852 أثبت السيد " ويليام هرشل " إن الشكل الذي رسمته الطبيعة على جلد باطن الإصبع يدل على صاحب هذا الإصبع و يثبت فرديته، و في عام 1877 ابتدع الدكتور "هنري فولدز" طريقة وضع البصمة علي الورقة باستخدام حبر المطابع.
و في عام 1892 أثبت السيد" فرنسيس جلطون " أن صورة البصمة لأي إصبع تعيش مع صاحبها طول حياته فلا تتغير (2).
و قد استعملت البصمة الإصبعية رسميا لأول مرة في انجلترا سنة 1884 إذ أن بشرة الأصابع لدى الناس جميعا مغطاة بخطوط على ثلاثة أنواع: أقواس أو عروات أو دوامات بمعنى دوائر متحدة المركز و كذلك يوجد نوع رابع يشمل جميع الأشكال و يسمي؛ المركبات (3).
هذه الحقيقة جاء بها القرآن الكريم قبل اثني عشرة قرنا و نصف القرن مصداقا لقوله تعالى في سورة القيامة الآية من 1 إلي 4، قال تعالى:" لا أقسم بيوم القيامة، و لا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه، بلى قادرين علي أن نسوي بنانه."
فالله سبحانه و تعالى يبين للذين ينكرون البعث و اليوم الأخر بأنه قادر على جمع عظام الإنسان بعد أن تبلى و تصير تراب و تتفرق، بل أكثر من ذلك فإن الله قادر على إعادة خلق أصابع الإنسان و إرجاعها إلى ما كانت عليه في الدنيا.
(1)- د/ منصور عمر معايطة – الأدلة الجنائية و التحقيق الجنائي – المركز الوطني للطب الشرعي، عمان، ط 2000، ص79.
(2)- مجلة الشرطة، عدد 65 – أفريل 2002 /من موسوعة د. أحمد زكى : بصمات الأصابع بين الشرطة و العلم – البصمات مجلة الموثق عدد 07 لعام 1999 .
(3)- مقال للسيد: بن خليف مالك: جريدة أخر الساعة العدد 1226 ليوم 28/10/2004 تحت عنوان: اختلاف بصمات الإنسان
و السؤال هنا: لماذا اختار الله سبحانه و تعالى بنان الإنسان و لم يختر عضوا أخرا من أعضاء الجسم الكثيرة و المهمة ؟
الجواب على ذلك أن أعضاء الجسم كالعين و الأنف و الأذن و غيرها تتشابه بين إنسان و آخر و لكن الأصابع لها مميزات خاصة فهي لا تتشابه و لا تتقارب.
فالبنان هو نهاية الإصبع و قد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق و تتماثل في شخصين في العالم، حتى في التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة، ويتم تكوين البنان في الجنين في الشهر الرابع و تظل البصمة ثابتة و متميزة له طيلة حياته و يمكن أن تتقارب بصمتان في الشكل تقاربا ملحوظا، و لكنهما لا تتطابقان أبدا، و لذلك فإن البصمة تعد دليل قاطعا و مميزا لشخصية الإنسان و معمول به في كل بلاد العالم و يعتمد عليه القائمون على تحديد القضايا الجنائية لكشف المجرمين ، و قد يكون هذا هو السر الذي خصص الله تبارك و تعالى من أجله البنان ، و في ذلك يقول العلماء: " لقد ذكر الله البنان ليلفتنا إلى عظمة قدرته حين أودع سرا عجيبا في أطراف الأصابع و هو ما نسميه بالبصمة (1) .
و على الرغم من ذلك بقي هناك في أمر هذه البصمة ريب أو شك و ظلت منتشرة بين الناس و رجال القضاء أن هذا الشك الذي أصبح حقيقة شبه أكيدة مع اكتشاف الجينات و الخريطة الوراثية و التي مهدت إلى اكتشافADN فما هو يا ترى الـADN ؟
أ)- مدلول البصمة الوراثية:
المعروف علميا أن بناء جسم الإنسان يبدأ باندماج خليتين متشابهتين في الصغر " نطفتين " إحداهما مذكرة " حيوان منوي" و الأخرى مؤنثة " بويضة " و ينتج عن اندماج هاتين النطفتين نطفة مختلطة (أنظر الشكل رقم 01) (نطفة أمشاج ) وهي عبارة عن بويضة ملقحة بالحيوان المنوي و تبدأ هذه النطفة المختلطة بالإنقسام فتكرر نفسها مرات عديدة من أجل بناء جسم الإنسان بكافة خلاياه المتعددة و أنسجته المتخصصة و أعضاءه المتوافقة التي تعمل مع بعضها البعض بانتظام دقيق و أول ما ينقسم من الخلية الحية (أنظرالشكل رقم 02) نواتها التي تحتوى على عدد من جسيمات متناهية في الدقة تعرف باسم الصبغيات ( كروموزوم) و هي تتكون من تجمعات للحمض النووي ADN في شكل ADN (2).









(1)- www.khayma.com
(2)- البصمة الوراثية و تحديد الهوية مجلة حماة الوطن، عدد 265، 204 الكويت، د/ نبيل سليم.
و يمثل الحمض النووي الدليل الوراثي الذي يسمح للكائنات الحية بنقل خاصيتها إلى خلفها و طبقا لما ذكره العالم البريطاني "كريك crick –chef" العالم الأمريكي" واتسون Watson " عام 1953 بأن جزيء ألـADN يتكون من شريطين ملفوفين على بعضهما البعض حول محور واحد على هيئة سلالم حلزونية، أي في شكل لولب مزدوج و كل شريط عبارة عن خيط من وحدات كيميائية فرعية تسمى النيوكلوتيدات التي تتكون من أربعة أصناف و تسمى بالقاعدة(1) التي تشمل حمض فسفوري و سكر هذه الأصناف هي: G.C.T.A و التي تعرف بضلوع التركيب التي ترتبط اثنين فيها مع بعضها البعض(2) بدقة تكاد تكون تامة ( الأدنين بالتيامين، و الجوانين بالبسيتوزين ) و تتوزع هذه الأصناف علي طول كل سلسلة.
و تتصل كل واحدة منها بأحد السكريات الخماسية منقوصة الأكسجين و ليتصل هذا الأخير بمركب فسفوري، وتوجد روابط هيدروجينية تربط القواعد النيتروجينية ببعضها و تعتبر هذه القواعد للعمود الفقري للحمض النووي(3) كما أن موقع و عدد و ترتيب هذه القواعد هي التي تشكل الصفات الوراثية و ما يسمى بالجينات الموجودة على كل كروموزوم ويتراوح عددها بين الألف إلي مليون جين، حيث تنقل جميع الصفات الوراثية في أي إنسان، وهناك جينات خاصة بتوريث فصائل الدم و لون الشعر و لون الجلد....... الخ.(4)
ونسمي هذا " البرنامج المشفر للحياة "، لأن ألـ ADN هو العنصر المكون للخصائص الوراثية للإنسان عندما يلتقي المنى مع البويضة فإن ألـADN لكل الأب و الأم يتحدان.(5)
و توضيحا لما سبق فإن ألـ ADNتشكل من خيطين لولبيين عبارة عن لفائف مزدوجة الجانب من ذلك الحمض على هيئة رقائق دقيقة تعرف باسم رقائق الحمض النووي الحلزونية مزدوجة الجانب.
و يبلغ سمك جدار هذه اللفائف واحد" Double Helix DNA Strands « من 50 مليون من المليمتر، كما يبلغ قطر هذا الحلزون 1 من 50 مليونا من المليمتر المكعب و يبلغ طوله حوالي مترين، و يبلغ حجمه وهو مكرس الجسيم الصبغي 1 من مليون مليمترا.


1))- مجلة الشرطة عدد65-02/02/2004.البصمة الجينية و دورها في الإثبات في المادة الجزائية الأستاذ د/ نويري ع. العزيز، رئيس مجلس القضاء سكيكدة سابقا.
(2)- كشفت لأول مرة عن الصورة المفصلة للـ ADN وفقا للمخطط الذي وصفه العالم جيمس واتسون و فرنسيس كريك الحاصلان على جائزة نوبل في الطب و الفيزيولوجيا لسنة 1962 في المجلة الطبية الصادرة بتاريخ 25/04/1953.
(3) – www.Islamonline.Net.
(4)-Gérard Lambert, la légende des gènes–anatomiques d’un mythe moderne, Edition DUNOD.P297.
(5)- Joanne Maceau : substitut du procureur général au bureau des affaires criminelles du ministère de la justice du Québec .la mise en œuvre de la banque d’empreintes génétiques .P 3/ 2004.
وعلى ذلك فإنه إذا تم تحديد الأشرطة من الحمض النووي الموجود في داخل خلايا جسم فرد واحد من البشر و من ثم رصها بجوار بعضها البعض فإنها تزيد على طول المسافة بين الأرض والشمس المقدرة ب 150مليون كلم، و يوجد بكل خلية من خلايا الإنسان جسيم صبغيchromosome » « موزعة على 23 زوج منها 22 زوجا جسديا مهمتها الانقسام لإنماء خلايا الجسد، وزوج من الصبغيات غير المتماثلة، ففي الذكر احداهما" x" و الأخرى "y" و هو الأصغر حجما، أما زوج صبغيات التناسل، في الأنثى فهما متشابهان (x, x ) (أنظر الشكل رقم 03) ويعتبر عدد الصبغيات في الخلية الحية أحد العوامل الرئيسية المحددة لكل نوع من أنواع الحياة.(1)
و ينقسم كل صبغي على طول بعدد العلامات المميزةMakers إلى وحدات طويلة في كل منها عدد من المورثات Gènes يقدر بحوالي المائة هذه المورثات في الفرد الواحد من البشر فلم يتحدد بدقة بعد ولكن الدارسين يضعونه بين 28 ألف و140 ألف في الخلية الواحدة ويختارون رقما وسطيا يقدر بحوالي 60 ألف تم التعرف على حوالي خمسة ألاف منها، وتمت دراسة حوالي 15000 فقط حتى الآن (2)
ب)- خصائص البصمة الوراثية: تتميز البصمة الوراثية بالعديد من الخصائص الثابتة منها:
1)- يمكن استخلاص هذه البصمة من أي مخلقات بشرية سائلة مثل الدم، اللعاب، المنى أو أي أنسجة مثل الجلد، العضم و الشعر.(3) و يمثل الشعر بأنواعه إحدى مصادر البصمة الوراثية باعتبار أن جسم الشعرة أو بصيلتها يحتويان على خلايا بشرية، وقد يتواجد الشعر نتيجة تشابك بين الجاني و المجني عليه في جرائم القتل، و قد يتخلف شعر العانة في حالات الاغتصاب، و عندئذ يمكن إجراء التحليل على العينة المرفوعة في مسرح الجريمة.
كما يعتبر اللعاب أحد مصادر البصمة الوراثية في الجسم البشري، رغم أن الأساسي في اللعاب عدم احتوائه على خلايا، إلا أن هناك نوع من الخلايا الموجود بالجدار الخلفي للفم يعلق اللعاب و على ذلك يمكن استخلاص اللعاب من بقايا اللفافة أو من طابع بريدي تم لصقه باستخدام اللعاب مثال: أدنت المحكمة البريطانية يوم 07/04/2000 سارق سطا على أحد المنازل بعدما توصلت إلى الكشف عن هويته عن طريق فحص بقايا لعابه التي تركها حية على حبة الطماطم.(4)



1)- P.C Winter, G.T Hickey et H.L Feltcher : (l’essentiel en génétique) .Edition : Berti, P08 (2000).
2)- مجلة حماة الوطن – المرجع السابق.www. Homat – El Watan. ORG
3)- د/ منصور عمر ، المرجع السابق ، ص 08.
4)- نويري عبد العزيز، المرجع السابق، مجلة الشرطة. ص 43.
2)- الحامض النووي يقاوم عوامل التحليل و التعفن لفترات طويلة، تصل إلى عدة أشهر(1) أي إن الأثر الأولي المتروك و الذي عن طريقه سيتم عمل البصمة الوراثية التي تحتفظ ببعض خصائصها لفترة من الزمن، حيث تقاوم عوامل الحرارة و الرطوبة، و المثال علي ذلك يمكن العلماء من استخلاص ألـ ADN من عينات قديمة تصل أعمارها إلى أكثر من ثلاثين سنة. كقضية الدكتور" سام شيرذ " حيث ارتكبت جريمة عام 1955 و لم تؤخذ عينة من ألـADN هذا الدكتور إلا سنة 1998 بعد وفاته بعدة أعوام، كما استطاع العلماء استخلاصها من المومياء الفرعونية.
3)-و كذلك يمكن استخلاصها من بقع دموية جافة أو تلوثات منوية أو الافرازات المهبلية و يمكن عزل ألـADN الناتج عن الذكر من الإفرازات المهبلية، مثل حالات أخذ عيينات بعد عملية اغتصاب (2).
4)- أصبح الآن معترفا بالبصمة الوراثية و أصبحت دليل نفي و إثبات و تم اعتمادها في مجمل مخابر الشرطة العلمية وفقا مناهج تحليل دقيقة.(3)
5)- يمكن استخلاص البصمة الوراثية من الحامض النووي من أي خلية في جسم الإنسان ماعدا خلايا الدم الحمراء التي لا يوجد بها حامض نووي.
6)- تظهر البصمة الوراثية على هيئة خطوط عريضة تسهل قراءتها و حفظها في الكمبيوتر لجني الحاجة إليها للمقارنة كما هو الحال في بصمات الأصابع(4). فإنه بالإمكان مقارنة فصائل ألـADN للعيينات المرفوعة من الحوادث بمجموعة كبيرة من المشتبه فيهم خلال دقائق، بل و يمكن مقارنة كل عينة بقاعدة بيانات المختبرات في دول أخرى مرتبطة معها بنظام الكمبيوتر و من خلال هذا يمكن مقارنة بصمات الأصابع مع نظام البصمات الوراثية و يمكن استخلاص النقاط التالية:
• بصمات الأصابع يمكن استخدامها في معظم أنواع الحوادث، إن البصمة الوراثية فهي مقتصرة على أنواع معينة من القضايا مثل القتل، السرقة و الاغتصاب.
نظام بصمات الأصابع تعتمد بدرجة أولي على مقارنات لأشكال فيزيائية، أما البصمات الوراثية فإنها تعتمد على حسابات إحصائية.






1)- د/ منصور عمر المعايطة، المرجع السابق، ص 80.
2)- D.J Werrett .l’identification par l’empreinte génétique R.I.P.C .sept. , oct. 1987 N° : 408, p : 21.
3)- Le professeur Ingar Kapp. Directeur du laboratoire national de police scientifique (SKL) (suède).
4)- د/ منصور عمر معايطة. المرجع السابق. ص 81 .
• المعلومات التي يمكن الاستفادة منها في فحوصات بصمات الأصابع تكون مقتصرة لإثبات وجود الجاني في مسرح الجريمة، أما نتائج تحليل ألـADN فيمكن الاستفادة منها بالإضافة إلي إثبات وجود الجاني في مسرح الجريمة معرفة الأمراض و الصفات العرقية و نسب المتهم.
ج-اكتشاف البصمة الوراثية:
خلال العشرين عاما الماضية، سبب التقدم العلمي الرائع في التكنولوجيا و معه التيارات العلمية الجديدة في ثورة مدهشة في البيولوجيا(1)، وهي ثورة اكتشاف المادة الوراثية ألـADN و ثورة اكتشاف أنزيمات التحديد التي تقوم بقص ألـADN في مواقع محددة و بدأت الثورة الأولى عندما اكتشف العلماء أن الحمض النووي ألـ ADN هو المادة الوراثية.
و أهم الاكتشافات العلمية التي كان لها الفضل في ظهور البصمة الوراثية سنة 1866 بدأ علم الوراثة من خلال التجربة التي أجراها الراهب النمساوي " جريجور يوهان مندل " Grégor Youhan Mendelعلى نبات البازلاء من خلال عملية التهجين، وتوصل إلى مجموعة من القوانين لتفسير وراثة الخصائص البيولوجية في الكائنات الحية، ولكن نتائج تجاربه لم تنشر.
1900 أعاد كل من " دي فريز و وليام وتسون " اكتشاف قوانين مندل ثم بينوا و بسرعة أن العوامل الوراثية سائدة و متنحية أي تحكم الوراثة في الكثير من الكائنات الأخرى، بالإضافة إلى اكتشاف فوارق الصفات في نبات واحد ( البازلاء )، ومن هذا ما توصل إليه مندل و تم نشرها في دورية تصدرها جمعية محلية في النمسا، و قد كانت جهود هؤلاء العلماء الخطوة الأولى التي بدأها علماء بيولوجيا في التطور المعاصر في علم الوراثة و التي حولت هذا العلم إلى علم تجريبي دقيق.
1903 افترض "سكون " أن الجينات تقع على الكرموزومات (2).
1910 أثبتت تجارب « توماس هنت مورغان " أن الجينات تقع على الكرموزومات و قد ترتبط مع بعضها في الانتقال الوراثي أو تنتسب إلى بعضها في التعبير الكيميائي، و كان "مورغان Morgan" هو الذي اعد أول خريطة للجينات موجودة علي كرموزومات حشرة فاكهة الدروسوفيلا، ومن خلال هذه الخريطة عرف أن عدد من الصفات المرتبطة بالجنس في حشرة الفاكهة، و أجرى التزاوجات لمعرفة ما إذا كانت هذه الصفات تورث في مجاميع.
و كانت النتيجة أن هذه الجينات تنتقل بالفعل معا – إنما ليس دائما – و تفسير هذه النتيجة هو أن تبادل المادة الوراثية لا بد أن يحدث بين فردي و زوج كر وموزومات.


1)- دنييل كيقلس و لوروي هود الشفرة الوراثية للإنسان – ترجمة د. أحمد مستجير.
2)- المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب- التكوين 1997.
1933 تم التوصل إلي أن الكروموزومات مقسمة في شكل سلسلة من الحلقات، ووجد أن هذه الحلقات تمنح لكل زوج من الكروموزومات نموذجا مميزا، وهذا النموذج لا يختلف من حشرة إلي أخرى.
1938 ظهور المصطلح العلمي " بيولوجيا الجزيئية (Molecular Biology) و هذه الجزيئات تتكون من أربعة أصناف هي: الدهون، جزيئات السكر، البروتينات، الأحماض
النووية( ADN , ARN ).
و من خلال هذه الخريطة أدرك علماء الوراثة و بسرعة أن حدوث الطفرة في أي حين يكون نادرا و عشوائيا، و الطفرة هي تغيير في المادة الوراثية، وتم التوصل إلى أسباب حدوثها في عام 1927م من طرف "موللر Moller" و هو تلميذ "مورغان Morgan" إن الأشعة السينية هي التي تسبب الطفرة في حشرة الفاكهة، و كذلك الأشعة فوق البنفسجية بالإضافة الى المواد الكيماوية المشكلة.
و كان العالم "ماكس Max" أحد مؤسسي علم البيولوجيا الجزيئية يعتبر الأحماض النووية جزيئات غبية بمعنى مواد ليس لها وظيفة مثيرة، جزيئات لا يمكن أن تصنع شيئا. (1)
1943 ظهور نظرية " جين لكل أنزيم " التي ربطت الكيمياء الحيوية و علم الوراثة وهي تعرف باسم نظرية "فعل الجين". وكان البيولوجيون يسلمون بأن الجينات لابد أن تكون مصنوعة من البروتينات.
1944 حدث تحول جذري في فهم طبيعة الجينات (2) حيث أثبتوا أن الجينات تتركب من الحمض الريبوزي ADN، ولكن في هذه الفترة لا تعرف نسبة ADN و هذا لا يعني أن العلماء توقفوا عند هذه النقطة بل عمل " سانجر " بجامعة كامبريدج على ما يقرب من عقد و قام باستخدام التقنيات الحديثة لسلسة الأحماض الأمينية لجزيء الأنسولين، و توصل إلى أن الجزيء مكون من سلسلتين ترتبطان بروابط متعارضة في مواقع معينة، و أن جزيئات الأنسولين متشابهة، كما تمكن من كسر هذه الجزيئات إلى شظايا و في الأخير قام بربط الشظايا معا عن طريق تراكباتها ليتوصل إلي تتابع السلسلتين و الجزيء بأكمله و في تلك السنة أكد كل من "هيرشي " و " كاسي" دور ألـ ADN كأساس المادة الوراثية.
1953 توصل كل من " واطسون " و " كريك " إلي التركيب الجزيئي الثلاثي الأبعاد للـ ADN لولب مزدوج – و كما تم التعرف علي بنية ألـ ADN التي سبق ذكرها .




1)- دانييل كيقلس وليروي هود: المرجع السابق، ص 65.
2)- نفس المرجع: ص 68.
1970 تمكن " وارنز أربير " و " دانيال ناثانس" و "هاملتون سميث" من اكتشاف أول إنزيم محدد (قص خاص) و كما يسمي بالقص الجيني أو الألة الجينية.
1971 تمكن " كوهين " بوير" من وضع أساليب أولية لإعادة إتحاد المادة الوراثية Recombinant ADN.
1985 تم اكتشاف البصمة الوراثية من طرف " أليك جيفيريس " الذي أوضح في بحثه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات و تعيد نفسها في تتابعات عشوائية غير مفهومة. و توصل بعد عام إلى أن هذه التتابعات مميزة لكل فرد و لا يمكن أن تتشابه بين اثنين إلا في حالة التوائم المتماثلة فقط مما يجعل التشابه مستحيلا، و أطلق على التشابهات اسم " البصمة الوراثية للإنسان"، وعرفت على أنها وسيلة من وسائل التعرف على الشخص عن طريق مقارنة مقاطع ألـ ADN، وتسمى في بعض الأحيان الطبعة الوراثية.
و كان لهذا الاكتشاف أهمية قصوى في حل الكثير من المشاكل المتعلقة بالتعريف الجنائي و الأمراض الوراثية و علاجاتها.و أدرك علماء الطب الشرعي بسرعة أن ألـ ADN هو محقق الهوية الأخير فيه كل الخصائص الأساسية المطلوبة ، و الـADN موجود بكل خلايا الجسم فيما عدا كريات الدم الحمراء(1) .
كما أنه لا يتغير أثناء الحياة أي أنه ثابت لحد بعيد و الأرجح أن يحفظ في اللطخ الجافة و المنهج الأساسي المتبع لتحديد البصمة الوراثية بسيط للغاية و ثمة طرق تحليلية للبصمة الوراثية أشهرها التفاعلات المضاعفة بواسطة إيزيمات البوليميراز ، و اهتم بها الخبراء الجنائيون و اعتبروها الطريقة المثالية للعينات الجنائية، وذلك راجع إلى أنه يمكن بواسطتها تحليل كمية ضئيلة جدا من العينات تصل الي خلية واحدة و كذلك يمكن في بعض الأحيان تحليل العينات التالفة و استخراج ألـ ADN منها و هي طريقة لاستنساخ عدد كبير من نفس سلاسل ألـADN و هذه الطريقة تحدد الاختلافات التي يمكن تمييزها بين الأشخاص الناتجة عن اختلاف في ترتيب القواعد النيتروجينية و ليس الاختلاف في الأطوال و توزيع القاعدة الأساسية لحمض ألـADN و أخيرا طريقة تحديد نظام الحمض النووي من الصبغيات.(2)
و أهم الخطوات العلمية لإجراء تقنية البصمة الوراثية:
- يستخلص الـADN أولا من إحدى عينات الدليل قد يكون نسيج الجسم أو سوائله من دم المتهم.






1)- نفس المرجع السابق. ص 212.
2)- د. مصدق حسين . المرجع السابق . ص 124
- يقطع الـADN في كل من العينتين الى ملايين الشظايا باستخدام إنزيم معين يمكنه قطع شريطي ألـ ADN طوليا، فيفصل قواعد الأدنين و الجوانين في ناحية، و التيامين و السيتوزين في ناحية أخرى. (أنظر الشكل رقم 04)
و يسمى هذا الأنزيم بالآلة الجينية أو المقص الجيني.
- تترتب هذه الشظايا بعد ذلك عن طريق التفريغ الكهربائي بالجال gel إذ تحمل كل عينة علي رأس حارة خاصة بالجال، و يعرض المجال الكهربائي على طول هذا الجيل، فتتحرك شظايا الـADN بسرعة تختلف حسب حجمها، فالأصغر تتحرك بشكل أسرع من الشظايا الأكبر.
- تفصل الشظايا في كل حارة حسب الحجم ثم تنقل فوق قطعة من الورق الخاص تسمى الغشاء و تصبح بعد ذلك جاهزة للتحليل.
- يغمر الغشاء بمسبر مشع، ثم يعرض الغشاء لفيلم الأشعة السينية طوال الليل فتظهر البصمة الخاصة بالشخص على شكل خطوط عريضة داكنة اللون و متوازية و تقارن هذه الصورة بنظيرتها التي تم تجهيزها لكريات الدم البيضاء المأخوذة من دم المتهم. فإذا توافقت الصورة كان المصدر واحدا، و إذا لم تتوافق النماذج عند كل موقع فإنها تكون مأخوذة من مصادر مختلفة.(1)
الآن أصبح بين أيدينا نظام فعال لتحديد بصمات الـADN، و يرى علماء الطب الشرعي أن البصمة الوراثية كافية لتوفير قدر كبير من المعلومات عن الهوية إن هذه العملية الموجزة لتقنية البصمة الوراثية التي تشهد على تكنولوجيا جديدة في طرق القضاء و نظم الإثبات و تحليل متطور للإرث البيولوجي للأشخاص و من هنا تبرز أهمية البصمة الوراثية (2) كعلم في دهاليز المحاكم حيث كان استخدام اختبار البصمة الوراثية في مجال الطب و فصل في دراسة الأمراض الجينية أي علاج الأمراض الوراثية بالجينيات و كذلك زرع الأنسجة و غيرها.
و إثر دراسة الخصائص الجينية للأشخاص و إجراء التحاليل للبصمة الوراثية تمكن الطب الشرعي من التعرف على الجثث المشوهة و تتبع الأطفال المفقودين. و لذا سارعت أغلب المحاكم الأمريكية و الأوروبية عام 1985 الى قبول هذه التقنية الجديدة التي تعنى بالمعايير الصارمة للإثبات في القضايا الجنائية.و في عام 1988 أدخلت بصمة الـADN لأول مرة في المحاكم الأمريكية لتستخدم كدليل في قضية فلوريدا ضد تومي لي أندروز و في يناير 1989 بدأت وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA.



www.Islam online.net (1)-
(2)- دانييل كيقلس و ليروي هود: المرجع السابق، ص125.
بعد دراسة متأنية للتنكولوجيا، في معالمها الخاصة في دراسة تقصي السيرة في مؤسسات الطب الشرعي للولايات المتحدة و منذ ذلك التاريخ استخدمت بصمة الـADN في أكثر من مئة قضية في الولايات المتحدة و كذلك أدخلت هذه التقنية في محاكم بريطانية التي أخرجت ملفات الجرائم التي قيدت ضد مجهول فتحت التحقيقات من جديد وبرأت البصمة الوراثية مئات الأشخاص من جرائم القتل و الاغتصاب و أدانت آخرين و كانت لها الكلمة الفاصلة في قضايا الأنساب و استعملت كذلك في إثبات هوية الفرد في إنجلترا (1)، و لهذا أسست بعض الشركات الخاصة بعمليات تحديد بصمة DNA لتعيين هوية المتهمين، لعل أهمها " شركة سيلمارك دياجنوستيكس " في ماريلاند، و "لا يفكودز كوربوريشن " في نيويورك، و إثر ذلك تم إنشاء بنوك خاصة يجمع معلومات عن البصمة الوراثية مثل بنك المعلومات الذي أسس بإنجلترا حيث جمعت فيه البصمة الوراثية في جميع الجرائم ووصل عددها إلى 2 مليون.(2)
و تعتبر البصمة الوراثية تقنية هائلة قدمتها البيولوجيا الجزيئية إلى نظام القضاء الجنائي و يمكن القول إنه أعظم إنجاز في القرن العشرين بعد مرور 50 عاما على اكتشافه، و لهذا لا يجوز أن نتوقف عن استخدام البصمة الوراثية الآن فقد يؤدي الانتظار إلى إدانة بعض الأبرياء و تبرئة بعض المذنبين،
إذ أن البصمة الوراثية هي الخدمة التي ستسهل عملية تعقب المجرمين كما ستساهم أيضا في حماية الأبرياء(3).و هذا ما جعل البصمة الوراثية قاعدة معترفا بها في غالبية محاكم العلم مثل:أوروبا، أمريكا ، أستراليا .و هذا راجع لأهميتها في الإثبات .
د/ الخطوات العلمية لإجراء تقنية البصمة الوراثية :
اكتشف العلماء طريقة اقتصادية جد دقيقة و سريعة تعتمد على طريقة « l’amplification exponentielle. » تسمى " (RPC) Polymérisation en chaîne " " التفاعل البنائي المتسلسل" هذه الطريقة تم اكتشافها و استعمالها في مخابر الطب الشرعي و استمر الباحثون في البحث عن طرق جديد ة و لا شك أن هذا المجال سوف يتطور(4) .
و بالفعل تمكن الدكتور " أليك جيفريز Alec Jeffreys" من وضع تقنية جديدة للحصول على البصمة الوراثية و التي تتلخص في عدة نقاط هي :





1)- Empreinte génétique « Encyclopédie Encarta 99.
2)- Raphaël Coquoz : la génétique au service de la justice. Collection Scientifique forensiques .2003.
3)- www.Islamonline.net
4)- Joanne Marceau. O .p.cit, P 04
1/ تستخرج عينة ألـ ADN من نسيج الجسم أو سوائله مثل : الدم أو الشعر أو الريق(1) (أنظر الشكل رقم 08).
2/ تقطع العينة بواسطة أنزيم معين يمكنه قطع شريطي الـ ADN طوليا فتصل قواعد الأدنين (A) والجوانين (G) في ناحية والتيامين (T) و السيتوزين (C) في ناحية أخرى و يسمى هذا الأنزيم بالآلة الجينية أو القص الجيني (أنظر الشكل رقم 07)
3/ ترتب هذه المقاطع باستخدام طريقة تسمى: التفريغ الكهربائي و تتكون بذلك حارات طولية من الجزء المنفصل عن الشريط، يتوقف طولها على عدة ميكروات.
4/ تعرض المقاطع إلى فيلم الأشعة السينية X أي فيلم وتطبع عليه فتظهر على شكل خطوط داكنة اللون و متوازية، ورغم أ ن جزيء ألـADN صغير إلى درجة فائقة حتى أنه لو جمع كل ADNالتي تحتوي عليها أجساد سكان الأرض لما زاد وزنه عن 36 ملغ فإن البصمة الوراثية تعتبر كبيرة نسبيا وواضحة (أنظر الشكل رقم 05).
ولم تتوقف أبحاث د. "أليك" على هذه التقنية، بل قام بدراسة على إحدى العائلات اختبر فيها توريث هذه البصمة و تبين له أن الأبناء يحملون خطوطا يجيء نصف من الأم و النصف الآخر من الأب، وهي مع بساطتها تختلف من شخص لآخر(2).
* كل ما هو مطلوب لتعيين بصمة الجينات هو عينة صغيرة من الأنسجة التي يمكن استخلاص الحمض النووي الريبوزي المختزل ADN منها فعلى سبيل المثال:
* عينة من الدم في حالة إثبات بنوة (3).
* عينة من الحيوان المنوي في حالة اغتصاب.
* قطعة جلد من تحت الأظافر أو شعيرات من الجسم بجذورها في حالة وفاة بعد مقاومة المعتدي.
* دم أو سائل منوي مجمد أو جاف موجود على مسرح الجريمة.
* عينة من اللعاب.
ولو كانت العينة أصغر من المطلوب فإنها تدخل إختبار آخر وهو تفاعل أنزيم البوليميرPCR والذي نستطيع من خلال تطبيقه مضاعفة كمية الـ ADN في أي عينة، (أنظر الشكل رقم 06) ومما وصلت إليه هذه الأبحاث المتميزة أن البصمة الوراثية لا تغير من مكان إلى آخر في جسم الإنسان فهي ثابتة بغض النظر عن نوع النسيج ، فالبصمة الوراثية التي في العين نجد مثيلاتها في الكبد و القلب و الشعر، و من ثمة يمكن تحديد هوية الشخص بواسطة الـ ADN فمثلا في القضايا الجنائية تؤخذ عينة من مسرح الجريمة و تقارن بعينة من المشتبه فيه للتأكد من التطابق أو عدم ذلك.

1)- ماعدا في الكريات الحمراء.
2)- المنتديات الطبية و الاجتماعية" تعرف على بصمتك" www.shamela.net
3)-مجالات الهندسة الوراثية www.islamonline.net
أما في حالة التأكد من وجود صلة بين الأب و إبنه (النسب) تؤخذ العينات من الأب المفترض و الطفل و يمكن أن تؤخذ عينة من الأم و في حالة وفاة الأب يمكن أخذ عينات من قريب للأب للتأكد من ذلك.
كم تستغرق عملية الفحص؟
يمكن إجراء هذه العملية في ظرف أسبوعين إذا كانت العينات موجودة.
وعملية الفحص و إجراءات التحاليل، تكون على عاتق المعنيين بالبحث، وقد يتحصل المعنيين على المساعدة القضائية.
2/ أهمية البصمة الوراثية:
تساهم البيولوجيا المعاصرة من خلال ألـ:ADNفي موضوع الإثبات في الدعاوى المدنية ووقائع القضاء الجنائي حيث تقدم مبادرة راسخة في الكشف عن الجناة و المجرمين و تحديد الجين الحقيقي في قضايا الاغتصاب و السرقة و المنازعات المتعلقة بدعاوى النسب وهي تقنية ذات قوة تدليلية في إثبات النسب(1).
و نظرا للنجاح الذي وصلته البصمة الوراثية الذي يقدر بـ:100% شجعت الدول المتقدمة على استخدامها كدليل جنائي و حفظت هذه البصمة مع بصمة الإصبع لدى الهيئات القانونية و قد تم الحسم في الكثير من القضايا بناء على استخدام البصمة الوراثية كدليل جنائي و مدني.
أ/ أهميتها في المادة الجنائية :
لقد ساهمت البصمة الوراثية في تنوير العدالة بكثير من الحقائق كما كان لها الفضل في التعرف على المجرمين و يتضح ذلك فيما يلي :
- معرفة هوية الجاني : يتم عن طريق تحديد البصمة الوراثية للبقع الدموية الموجودة في مسرح الجريمة أو الموجودة على لباس المتهم أو المجني عليه و بعد ذلك يتم مقارنة الفصائل الدموية ، للبصمة الوراثية لهذه البقع مع فصائل دم متشابهة بهم و البصمة الوراثية لهم (2) .
- التعرف على هوية المجرمين في الجرائم الجنسية:و يتم ذلك بواسطة البصمة الوراثية للسائل المنوي الذي يرفع عن ملابس المجني عليه أو الأماكن الحساسة للمجني عليها أو المجني عليه و مقارنتها بالبصمة الوراثية للمتهم.و كذلك في قضايا الزنا يمكن إثبات زنا الزوجة بالتأكد أن العينة المأخوذة منها للفاعل تخالف عينة الزوج.
و على سبيل المثال: في أمريكا عام 1988 تم الحكم على « RANDEL GONEZ » بعقوبة الموت لاتهامه باغتصاب وقتل امرأة من ولاية. Florida


(1)- د. منصور عمر المعايطة، مرجع سابق، ص47.
(2)- د. رمسيس يهنام: البوليس العلمي، أو فن التحقيق، طبعة 1996، ص151.

و يمكن أن يؤدي استخدام البصمة الوراثية إلى البراءة. ففي إحدى قضايا الإغتصاب تعرفت المجنى عليها على المتهم من وسط طابور العرض وتصادف أن اتفقت فصيلة دم هذا المتهم مع فصيلة دم الجاني التي حددتها العينة المأخوذة من المجني عليها، إلا أن تحليل البصمة الوراثية لتلك العينة نفى أن يكون المشتبه فيه مرتكب الجريمة(1).
وهذه الأمثلة تؤكد أن في قضايا الاغتصاب أو هتك العرض يمكن بفحص البصمة الوراثية المستمدة من مني المتهم العالق بالمجني عليه، و البصمة الخاصة للمشتبه فيه، إثبات أنهما لشخص واحد هو الذي ارتكب الجريمة.
- التعرف على المجرمين في كثير من الجرائم:
وذلك عن طريق الربط بين المتهم و آثار البقع و التلوثات اللعابية الموجودة في مسرح الحادث، يتم الربط إما عن طريق تحديد فصيلة الدم من خلال اللعاب إذا كان من الأشخاص المفرزين أو عن طريق تحديد الحامض النووي.
و مثال ذلك:
أمكن إثبات الجريمة على شخص من " برمنجهام " حاول أن يحصل على نقود بوسائل التهديد و ذلك بالحصول على عينات من اللعاب في أجزاء الأغلفة التي أرسلت خطابات التهديد فيها وتبين للكيميائي الشرعي أن لعاب المشتبه في أمره و دمه ينتميان إلى اللعاب الذي وجد على الاغلفة فقدم هذا الأخير إلى محكمة جنايات " برمنجهام ".
فاللعاب يترك آثاره في أعقاب لفائف التبغ و الأكواب و أدوات تنظيف الأسنان و يمكن منه تحديد نوع الدم و نسبة الكحول و قد يوجد في مسرح الجريمة على صورة بصاق.
وكما يمكن استخدام بصمات فتحات مسام العرق وسيلة استدلال باعتبارها من الدلائل(1) و العرق يختلف من شخص لآخر من درجة الحساسية للمضادات الحيوية وكذلك سلوكها المنفرد تجاه التحاليل الكيميائية، وقد أثبت الفحص لآثار العرق علاقة بين المتهم و آثار العرق الموجود على بعض المضبوطات في مسرح الجريمة مثل: أغطية الرأس و الملابس الداخلية وقد يوجد العرق في ما ترك الجاني من منديل يد أو رباط و عن طريقه يمكن تعقب صاحبه(2).







1)- د/ عبد الفتاح مراد : التحقيق الجنائي الفني و البحث الجنائي ، ط الثانية ، ص207
2)- د. رمسيس بينهام: المرجع السابق، ص146.


4- إثبات درجة القرابة في الأسرة:
تستعمل البصمة الوراثية للإثبات و النفي في حالات ادعاء القرابة بغرض الإرث بعد وفاة شخص معين*، وكذلك تطبق هذه البصمة الوراثية في معرفة درجة القرابة بين المهاجرين حيث يدعي بعض الأشخاص ممن يحملون جنسيات أوربية أو أمريكية**، عند دخول تلك البلاد أو الحصول على إقامة قانونية لذلك فقد لجأت السلطات في تلك البلاد إلى إجراء فحص البصمة الوراثية على هؤلاء الأشخاص لمعرفة الحقيقة، حيث أن هذا البحث يسفر عن بيان صفات وراثية مشتركة بين الأقارب(1).
قد يوجد البصاق في ملابس المجني عليه، و بتحليله قد يوجد به أجسام غريبة تكشف عن حرفة الجاني كآثار الفحم و الدخان و الجير و الخشب و غير ذلك من مواد تطلق غبار عند العمل فيها.
إن طريقة فحص البصمة الوراثية المطبقة بكيفية تقنية دقيقة تقدم فوائد أحسن للقضاء الجنائي بالمقارنة مع طرق التحقق التقليدية الخاصة بالطب الشرعي مثل طريق الفحص الدموي للبحث عن الزمرة الدموية .
ب-أهميتها في المادة المدنية :
الإثبات له أهمية بالغة في المجال المدني و خصوصا في إثبات البنوة، و نركز اهتمامنا على هذا الأخير لأنه حق الطفل في النسب بأن يكون له أب و أم معروفان و من أهم حقوقه في الشريعة الإسلامية التي يثبت فيها نسب الطفل بثلاث طرق ؛ الفراش، الإقرار و البينة وهي في مجموعها تظهر حرص الشريعة الإسلامية على أن يثبت نسب الطفل بأسهل الطرق،والطريق المألوف لثبوت النسب هو الفراش لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: (الولد للفراش و للعاهر الحجر) فالولد يصير ابنا للرجل و المرأة إن ولد على فراشهما مع أنه من حق الرجل نفي نسب الطفل المولود على فراشه مع العلم أن هناك ثلاثة أنواع للفراش المثبت للنسب هي:




(1)- نويري عبد العزيز: المرجع السابق، ص44.
* * برز دور الجينيات من خلال إثبات ادعاء طفل من غينيا أنه بريطاني الجنسية و هو يمكن القول أن جينات تلعب دورا هاما في حل مشاكل الهجرة.
* حدث في فرنسا سنة1999 بالنسبة للفتاة التي زعمت أنها إبنة الممثل الراحل « Mohtand yves » ولقد أعطى مجلس الدولة الفرنسي بصفته اعلى هيئة قضائية إدارية هناك موافقته يوم 14 مارس 2000 على مرسوم يخول لكل من وزارتي العدل و الداخلية إحداث بطاقة وطنية للبصمات الجينية الخاصة بالأشخاص المدانين في جرائم أخلاقية.

- فراش بعقد صحيح: هذا النوع يثبت بمجرد وجود عقد نكاح استوفى كل أركانه وشروط انعقاده الشرعية، لكن مع توفر شرط إمكان الدخول بالزوجة. كما هو معروف عند جمهور الفقهاء (المالكية، الشافعية، الحنابلة).
- فراش بعقد فاسد: إن عقد الزواج إذا فقد شرطا من شروط الصحة يكون فاسدا وأنه لا يترتب عليه أثر من آثار الزواج إلا بالدخول الحقيقي.
- الفراش بشبهة*: وهي كل ما لم يتيقن من كونه حراما أو حلالا، وقد تكون نتيجة في الفعل أو عدم المعرفة كحديث عهد بالإسلام، وأيضا تتوفر تلك الشبهة في كل نكاح اختلف في صحته ووقع الدخول فيه لوجود دليل معارض للتحريم الذي وإن كان ضعيفا ولم يوجب إلا أنه وجد شبهة في الدخول، وهذه هي الطريقة الأولى لإثبات النسب و هي الفراش، وهذه الأخيرة تترتب عليها آثار شرعية تستوجب الحديث عن الحمل و الولادة كانت خلاف بين الفقهاء، فهناك من حدد مدة الحمل بأربع سنين أو خمس سنين، وعند الحنفية تكون مدة الحمل بسنتين.
و من الناحية العلمية تكون مدة الحمل تسعة أشهر، ومن الممكن أن تقل عن ذلك إلى حدود الستة أشهر.
و بالإضافة إلى طريقة الفراش هناك طريقة أخرى هي الإقرار أو الاعتراف ونعني به الاعتراف بشيء وتثبيته والأصل في الإقرار لحقوق العباد و الوجوب من ذلك الإقرار بالنسب الثابت لكي لا تضيع الأنساب(1)، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس الأولين و الآخرين) و الاعتراف تثبيت مشروعيته بالكتاب و السنة و الإجماع وكذلك أثبتت مشروعيته في القانون.
كما اشترط الفقهاء لحجية الإقرار بالنسب ضمانا لصدقه أن يكون الإقرار لذات المقر(2) واشترطوا أيضا أن يكون المقربه مجهول النسب وأن لا ينازعه فيه منازع كما أن الاعتراف قد يكون من المرأة ولقبول اعتراف المرأة بالبنوة لابد أن تكون لديها بينة على قولها، لأنها تلد و يمكنها الاشهاد على الولادة بخلاف الرجل الذي يعجز عن إثبات الوطء فيقبل ادعاؤه بالبنوة بدون شهادة فإن هذا القول فيه تضييق على المرأة وتضييق لحق الصغير.
من خلال هذا يتضح أنه توجد طريقة لإثبات البنوة و هي البينة التي يقيمها المدعي على دعواه وهذه البينة هي شهادة رجلين وامرأتين مع العلم أن البينة تكمل الاعتراف وهذا ما اشترطه أهل العلم لصحة الاعتراف بالبنوة ونجد بعض الفقهاء يرون أن البينة كافية لإثبات البنوة دون الحاجة إلى الاعتراف.

* الفراش بشبهة؛ أي حمل الزوجة بوطء الشبهة.
(1)-د. مصدق محسن: المرجع السابق ، ص130.
(2)- مدى حجية استخدام البصمة الوراثية.www.islam online.net
وتوجد طريقة أخرى لإثبات البنوة ولعبت دورا هاما في عصرها، إذا اعتبرت كوسيلة في إثبات البنوة وهي القيافة وكانت مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام ومصدر بهجته، والقيافة هي تتبع الأثر كما أنها حجة مبينة على قول رجل خبير وفطن وذكي وأفضل ما يقال فيها أنها ظنية أو قريبة من الظن.
وهذه هي الطرق المعروفة لدى الفقهاء و التي استعملت لإثبات البنوة، والتساؤل المطروح: هل تنحصر طرق إثبات البنوة في ما سبق ذكره و لا توجد طريقة أخرى؟
لقد من الله سبحانه وتعالى على البشرية بنور العلم وتعرفوا على البصمة الوراثية فلا يصح اعتماد أي دليل أو مرجح يقوم على الظن مع وجود ما هو أرجح منه و الذي أثبته علم الوراثة: أو على الأقل الظن الأقوى والأرجح، ودليل البصمة الوراثية دليل مادي يعتمد العلم والحس، ويقوم على التسجيل الذي لا يقبل العودة والإنكار بخلاف غيرها الذي يقبل العود والإنكار و بالرجوع إلى قول ابن القيم عن حكم العمل بالقرائن القوية في الحدود في كتابه ( الطرق الحكمية) " لم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار لأنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب ووجود المال معه نص صريح لا يتطرق إليه شبهة". المتأمل في ذلك يلحظ مدى حاجة الناس في زمن ابن القيم لأدلة مادية تعتمد الحس، وكما أن البصمة الوراثية ثابتة يمكن بها التعرف على الأشخاص مثل بصمات الأصابع.
وهذا يبين دورها في الإثبات المدني بالخصوص في إثبات البنوة لأن الشخص يستمد تركيبه الوراثي من أبويه مناصفة بينهما كما أن أبويه مصدر وراثي لأخوته، ويمكن باستخلاص البصمة الوراثية في إثبات نسب الطفل إلى كلا أبويه أو أحدهما وبالتالي يتوقف على ذلك قبول أو رفض دعاوىالبنوة (1)
البصمة الوراثية بعكس فصائل الدم و الطرق الأخرى التي تعتبر وسيلة نفي علاقة البنوة بين الأب و الإبن، فالبصمة الوراثية تستعمل كقرينة نفي وإثبات لتلك العلاقة بمعدل 100% وقد قبلت بذلك المحاكم في أوربا و الولايات المتحدة الأمريكة.
كما أبدى الفقهاء المعاصرين رغبتهم في الاعتماد على البصمة الوراثية في الإثبات أكثر من اعتمادهم على شهادة الشهود باعتبار أقوالهم أخبار ظن تحتمل الكذب، أما قرينة البصمة الوراثية قرينة يقينية وقطعية، وهذه الأخيرة اعتبرها القانون أولى القرائن العلمية المستحدثة ولها قيمة برهانية في الإثبات.
والذي نخلص إليه: أن اعتبار البصمة الوراثية تندرج في البينة الشرعية وهي الأجدر في منازعات النسب لقطيعتها وقوتها الثبوتية. إلا أن اعتبار بصمة الـADN قدم صدق في اثبات دعاوى النسب قد يبدو في بعض الأحيان مناقضا لأحكام الشرعية كقضايا اللعان(2).
(1)- د. رمسيس بيهنام، المرجع السابق، ص 152.
(2)- د. مصدق حسن: المرجع السابق، ص138.
العمل بالبصمة الوراثية لا يلغى اللعان مطلقا في حال الاتهام بالزنا أما اللعان من أجل نفي الولد فهو ممنوع شرعا إلا إذا وجد دليل، أي زنا الزوج لا يتوجه إلى اللعان في حال وجود دليل. ثم لماذا التساهل في إقامة اللعان مع أن أيمان مغلضة خوفا من تنفيذ حد القذف على الزوج في حال ثبوت كذبه بالبصمة لأن هذه الأخيرة من الناحية العلمية لا تكاد تخطئ في التحقق من علاقة البنوة(1).
ويمكن القول إن ظهور البصمة الوراثية كآية من آيات الله عز وجل في الإنسان التي تحقق إنقاذ المتشردين من أطفال مسلمين وتقليل ظاهرة إلقاء المولودين على أعتاب المساجد أو بجوار صناديق القمامة.
- تحميل المتسبب مسؤولية التربية والانفاق إعمالا للقاعدة * الغرم بالغنم *.
- تقليل من ظاهرة تزوير الأنساب عندما تستغل المرأة غفلة زوجها فتلحق به من ليس منه.
- حتى تكون نتائج البصمة الوراثية دقيقة وخصوصا في إثبات البنوة يجب إتباع إجراءات التحليل التالية:
- أن لا يتم إجراء التحليل إلا بإذن الجهة الرسمية كما نص القانون الفرنسي .
- أن يجري التحليل في مختبرين على الأقل ، كما هو في الشهادة المبنية في الشريعة الإسلامية ومعترف بهما على أن تأخذ الإحتياطات اللازمة لضمان عدم معرفة آخر المختبرات التي تقوم بإجراء الإختبار بنتيجة المختبر الآخر.
- يشترط أن يكون القائمون على العمل في المختبرات المنوطة باجراء تحاليل البصمة الوراثية ممن يوثق بهم علما وخلقا وأن لا يكون أي منهم ذا صلة قرابة أو صداقة أو عداوة أو منفعة بأحد المتداعين أو حكم عليه حكم مخل بالشرف أو الأمانة وهذا الشرط نجده في الخبير وقد نصت عليه المادة 143-156 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
- ونظرا للدور الذي تلعبه البصمة الوراثية في إثبات البنوة، فهناك صعوبات تواجهها و تعرقلها عن العمل بالبصمة الوراثية، وهذه العقبات يحتج بها الخصم ويحاول الافلات بها من الخضوع لفحص الدم(تحليل البصمة الوراثية)، فقد يتمسك الخصم بأن الأخذ بفحص الدم كدليل في إثبات البنوة أمر يتعارض مع اللعان أو يزعم أن يتنافى مع الشريعة الإسلامية، وكذلك قد يتمسك الخصم بأن الخضوع لهذا الاختبار يتعارض مع قاعدة عدم جواز إجباره على تقديم دليل ضد نفسه، بل قد يحتمي بمبدأ معصومية الجسد تهربا من الكشف عن الحقيقة. الواقع أنه بقدر إمكانية التغلب على هذه الصعوبات بقدر ما يمهد الطريق أمام القضاء لأنه يحقق للإسلام تشوقه في حفظ الأنساب.



(1)- www.Islam online.net
فلا يختلط ولا يضيع الولد و الشرف كما يجنب ساحة القضاء منازعات الابتزاز والتشهير الدنيئة (1) ونحاول أن نتناول هذه الصعوبات كما يلي:
أ- مدى اتفاق الاعتداد بفحص الدم مع التمسك باللعان:
أمام الفحص الحديث للدم (البصمة الوراثية) الذي يقدم لنا دليلا على التحقق من ثبوت النسب قد يلجأ الزوج الذي يريد التهرب من ثبوت نسب الطفل منه إلى طلب إجراء اللعان وبإجرائه ينتفي النسب عنه ويلحق الطفل بالأم ويكون هذا كأثر مترتب عن اللعان أمر يقوم على الظن والتخمين لا على اليقين وهذا ما يجعل للبصمة الوراثية دورا في تدعيم وتقوية قاعدة الولد للفراش.
وهذا ما ننشغل به في فكرتين:
- انتفاء النسب ليس من لزوم اللعان.
- انتفاء النسب بطريق اللعان يقوم على الشك لا على اليقين.
- ونقصد بالأولى أنه قد يثبت نسب الولد ويبقى إجراء اللعان قائما كسبب موجب للفرقة بين الزوجين، فقطع النسب ليس من ضرورة اللعان، وتتضح صحته من خلال قاعدتين:
القاعدة الأولى : لا يصح نفي النسب بالملاعنة بعد الإقرار به
يتفق الفقهاء على أن للزوج الحق في طلب إجراء اللعان لنفي النسب الذي وضعته زوجته بشرط أن لا يكون الزوج قد سبق وأن أقر بالنسب كأن يقوم بتبليغ الجهات المختصة بواقعة مولده ذاكرا أنه والده...الخ.
ولقد قضت محكمة النقض المصرية أنه متى أقر الزوج بالنسب فإنه لا يملك نفيه بعد ذلك لأنه عندما أقر به فقد ثبت وهذا ما نصت عليه المادة 176 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي في حكمها الذي يقضي بعدم جواز إجراء اللعان لنفي الولد إذا اعترف الزوج بنسب الولد صراحة أو ضمنا، وهذا ما نصت عليه المادة 337 من الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لدولة الإمارات العربية على أنه إذا أقر الزوج بنسب الولد صراحة أو دلالة فإن نسبه لا ينتفي وإن تلاعن الزوجان وفرق القاضي بينهما وعلى ما سبق يتضح لنا أمر ينبغي التنبه له جيدا وهو أن القاضي يمكن أن يجيب الزوجة لطلبها إجراء اللعان، ولكن يعطل أثره في نفي النسب، بمعنى آخر يمكن للقاضي أن يجري الملاعنة ويتم التفريق بين الزوجين وإجراء فحص البصمة الوراثية يتم لمعرفة ما إذا كان الزوج الملاعن هو الأب الحقيقي أم لا وإذا جاءت نتيجة البصمة الوراثية تؤكد ثبوت النسب من الزوج الملاعن حكم القاضي بلزومه النسب دون أن يتعارض هذا مع بقاء اللعان قائما كسبب للتفرقة بين الزوجين.




(1)- د. محمد أبو زيد: دور التقدم البيولوجي في إثبات النسب. مجلة الحقوق، العدد الثاني، صادرة من مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، ط1996، ص287.
القاعدة الثانية: تكذيب الزوج لنفسه بعد إجراء اللعان يزيل نفي النسب كأثر للملاعنة (1):
اتفق الفقهاء على أنه إذا كذب الزوج نفسه بعد الملاعنة، فإنه يترتب عن هذا التكذيب ثبوت النسب منه وهذا يعني أن تكذيب الزوج لنفسه يؤدي إلى زوال أثر اللعان في قطع النسب ويعود للولد نسبه من الملاعن وأخذ بذلك قانون الأحوال الشخصية الكويتي حيث نصت المادة: 179 على " أنه إذا اعترف الرجل بما يفيد كذبه في الاتهام ونفي النسب لزمه نسب الولد ولو بعد الحكم بنفيه".
يذهب الجمهور: إلى القول أن اللعان يرتب الفرقة المؤبدة فإذا حدث أن كذب الزوج نفسه فلا يمكن للمتلاعنين أن يجتمعا بعد ذلك ( حرمة مؤبدة).
هكذا يتضح تماما أن ثبوت النسب من الزوج في حالة تكذيبه لنفسه بعد الملاعنة لا يتعارض مع استمرار اللعان سببا للفرقة بين الزوجين(2).
وهذا يعني أن إجراء اللعان يبقى قائما ولكن أثره في نفي النسب يعطل، وهذا يقودنا إلى القول بأن القاضي يمكنه أن يجري الملاعنة بين الزوجين ولكن يعطل أثر اللعان في نفي النسب، ويأمر بخضوع الأطراف لإجراء تحليل البصمة الوراثية، فإن دلت على أن الأب الحقيقي هو الأب البيولوجي فهذا يعد تكذيبا للزوج.
وهكذا يرفع التعارض بين استخدام فحص الدم في حالة الدلالة على ثبوت النسب وبين إجراء اللعان وأثره النافي للنسب.
انتفاء النسب بطريق اللعان يقوم على الشك لا على اليقين :
من أهم الآثار التي يرتبها اللعان بنفي الولد هو قطع نسب الولد عن الزوج وإلحاقه بأمه وهو أثر أجمع عليه فقهاء المسلمين، ولقد نصت المادة178 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي بقولها: (إذا جرى اللعان بين الرجل و المرأة، نفى القاضي نسب الولد عن الرجل، ولا يجب نفقته عليه، ولا يرث أحدهما الآخر وألحق الولد بأمه)(3)
وقد تنبه فقهاء المسلمين بخطورة الأمر فحددوا مركز الولد في مواجهة الزوج الملاعن بطريقة تلائم احتمال كذب هذا الأخير، أو خطئه وتسرعه في ادعاءاته فذهبوا إلى اعتبار ولد الملاعنة أجنبيا عن الزوج بالنسبة لأحكام الميراث والنفقة وعلة ذلك هو أن هذه الأحكام لا تثبت إلا بسبب يقيني.
وأما بالنسبة لسائر الأحكام الأخرى فقد اعتبر الفقهاء ولد الملاعنة في علاقته بالملاعن كالإبن مثلا بخصوص الشهادة، لا تقبل شهادة الملاعن وأصوله لمن نفي نسبه باللعان، وبالنسبة للقصاص قتل الملاعن الولد الذي نفاه باللعان فلا يقبل فيه، كما لو قتل الوالد ولده.



(1)- محمد أبو زيد: المرجع السابق، ص231
(2)- محمد أبو زيد: المرجع السابق، ص232
(3)- محمد أبو زيد: المرجع السابق، ص293
والواقع أن علة اعتبار الولد المنفي نسبه بطريق اللعان كابن بالنسبة للزوج الملاعن في خصوص أثر الأحكام الشرعية عدا النفقة والميراث، هو أن هذا الولد قد وضعته أمه وهي مقترنة بالزوج بمقتضى عقد زواج صحيح(1)، ومن ثم فإن الحكم بنفي النسب باللعان لا يدل بصفة يقينية على أن الولد ليس إبنا للزوج.
و يتضح لنا أن نفي النسب كأثر للعان يقوم على الظن لا على اليقين فإنه يكون من العدل أن يعطى للزوجة الحق في طلب إجراء تحليل البصمة الوراثية إلى ما يفيد في كشف حقيقة النسب بطريقة لا تقبل الشك.
و إن لم يكن استجابة لطلب الزوجة في الماضي أمرا مقبولا حيث لم تكن المعطيات العلمية تسمح إلا بتقديم الدليل المؤكد على انتفاء النسب، فإنه يصبح أمرا ملحا في ظل المعطيات الحديثة التي تسمح بتقديم الدليل المؤكد على ثبوت النسب. وهو إذ يصبح أمرا ملحا حيث يكشف الحقيقة، فإنه يعد أيضا أمرا مرغوبا فيه شرعا وقانونا.
فإنه من الواضح أن استخدام البصمة الوراثية سيمنع من اختلاط الأنساب، وضياع الأولاد وصون الأعراض، حيث لا توجد وسيلة أخرى ترد اتهام الزوج لزوجته، والفضل للعلوم الحديثة التي تقدم لنا دليلا مؤكدا، يرد هذا الاتهام، ولا سيما أنه دليل لا يتعارض مع إجراء اللعان للتفريق بين الزوجين، كما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
مدى اتفاق الأخذ بتحليل الدم مع الشريعة الإسلامية :
دراسة مدى تماشي فكرة الأخذ بتحليل الدم كدليل في مجال النسب مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وكان معروفا في الفقه الإسلامي أسلوب القيافة التي سبق تعريفها وكذا النظر بفراسته بوجوه الشبه بين شخصين لمعرفة أبينهما نسبة في البنوة أم لا(2)
وقد وجد في الفقه الإسلامي إتجاهان بشأن الأخذ بها في مجال النسب، فيتشدد القائلون بالأخذ بها وهم الجمهور* ويؤكدون أن القيافة علم صحيح يجب القضاء به في الأنساب، لأنها لو كانت باطلة لما أقرها الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يرض بها.
أما الحنفية فيعارضون الأخذ بأقوال القائف في مجال النسب واستدلوا قولهم هذا بأن علم القيافة يقوم على مجرد الشبه المبني على الظن و التخمين، والشبه قد يقع بين الأجانب وينتفي عن الأقارب، فيقولون إنه لا يدل على ثبوت النسب بالاعتماد على قول القائف. والواقع أنه بفحص موقف فقهاء الحنفية، فإننا نلاحظ الاعتبار الذي دفعهم لرفض الأخذ بالقيافة في مجال النسب هو أنها تقوم على شيء من الحدس و التخمين لا بالاستدلال و اليقين(3).



(1)- د. محمد أبو زيد: المرجع السابق، ص296.
(2)- د. محمد أبو زيد: المرجع السابق، ص294.
(3)- د. محمد أبو زيد، المرجع السابق، ص297.
* الجمهور: المالكية والشافعية يبررن العمل بالقيافة في ثبوت النسب.
غير أن هذا الاعتبار قد فقد الدافع إليه في أيامنا الحالية، فأسلوب القيافة قد تطور وأصبح موضوعا لدراسات دقيقة، واسعة النطاق.
وها نحن قد رأينا ما أفادت به العلوم الطبية في مجال تحليل الدم لأنه دليل نفي أو إثبات النسب.
وعلى ذلك فإنه يكون واضحا أن فقهاء الحنفية لم يروا الاعتماد على القيافة في إثبات النسب متأثرين بدرجة التقدم العلمي في زمانهم، حيث لم تكن العلوم وصلت بعد إلى أن لكل شخص مميزات وراثية لا يشترك فيها مع غيره، فإن هذا الأسلوب العلمي على ضوء هذا التطور يعتبر وسيلة إثبات يصح الاعتماد عليها. وما كان ليرفضها فقهاء الحنفية لو كانت تحت أيديهم الحقائق العلمية التي في زماننا. فهي الأوثق في عصرنا للتعرف على حقيقة النسب نفيا أو إثباتا، من أسلوب القيافة، ومجمل القول أن الأخذ بالبصمة الوراثية لا يعد خروجا على الشريعة الإسلامية(1)
فحص الدم ومدى جواز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه:
تقوم قاعدة عدم جواز إجبار الخصم على تقديم دليل تحت يده يستفيد منه خصمه على أساس تصوير معين للخصوم، و هو أنها معركة يدافع فيها كل خصم عن مصالحه دون أن ينتظر أحدهما معاونة الآخر بتقديم ما يكون تحت يده من أدلة تفيده في ادعاءاته، فالطرف الواقع عليه عبء الإثبات يخسر الدعوى إذا ما عجز عن تقديم الدليل الذي يؤيد ادعائه مع العلم أن القاضي غير ملزم بتكليف الخصوم على تقديم الدليل على دفاعهم أو لفت نظرهم إلى مقتضيات هذا الدفاع، فهو يتلقى أدلة الإثبات والنفي كما يقدمها أصحاب الخصومة وفقا للإجراءات التي يعينها القانون دون تدخل من جانبه، وإذ يحكم بناءا عليها فإنه يلتزم بقوة كل دليل كما حددها القانون.
وهكذا ينتهي الأمر إلى تحميل أحد الخصوم عبء إثبات تقديم الدليل على ما يدعيه دون أن يطمع في معاونة القاضي له في البحث عن دليل يؤيده، ولا يأمل في جبر خصمه ومع ذلك نجد المادة 25 من قانون الإثبات المصري وما يقابلها المادة 22 من قانون الإثبات الكويتي تجيز لأحد طرفي الخصومة أن يطلب من المحكمة إلزام الخصم الآخر بتقديم أية أوراق منتجة في الدعوى تكون تحت يده، ولذا فإن الفقه يرى أن الأصل في القانون المصري هو عدم جواز إجبار الخصم على تقديم ما تحت يده من أدلة.
و بالرجوع إلى النصوص المنظمة لاستجواب الخصوم يتضح أن للقاضي طلب حضور الخصم باستجوابه سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب خصمه.
و الإستجواب قد يهدف إلى الحصول على ايضاحات متعلقة بالواقعة محل النزاع يستفيد منها الخصم في الوصول إلى الحقيقة في شأن وقائع الدعوى المعروضة عليه وهكذا
(1)- د. محمد أبو زيد، المرجع السابق، ص297.
يتضح أن و فيها يحتكم الخصم الذي لا دليل له على صحة ما يدعيه إلى ضمير خصمه فهنا يلجأ الخصم الذي يعوزه الدليل إلى طلب توجيه اليمين إلى خصمه يلزمه فيه بأن يقول الحقيقة، صحيح من المتصور أن يحلف من وجهت إليه اليمين كذبا ولا يقول الحقيقة ولكن يبقى في الحلف كذبا معصية دينية، وكذلك يعد جريمة يعاقب عليها القانون. إنها مظهر آخر من مظاهر واجب تعاون الخصوم في الكشف عن الحقيقة.
وجدير بالذكر أن المشرع الفرنسي قد اتخذ موقفا أكثر صراحة و جرأة من غيره من القوانين فقد نصت المادة 10 من قانون المدني المعدلة بقانون 5 يوليو 1972 على التزام كل فرد بأن يقدم مساعدته إلى العدالة بهدف إظهار الحقيقة ويجوز إجباره على التنفيذ عن طريق فرض غرامة تهديدية أو غرامة مدنية، ويتضح من هذا أن المشرع يعطي للخصم الحق في أن يجبر خصمه بتقديم ما تحت يده من أدلة تساعد على إظهار الحقيقة فهذا يعني أن نطاق الأدلة التي يجوز للخصم إجبار خصمه على تقديمها يمتد ليشمل المساس بجسم الإنسان كما هو الشأن في الحصول على عينة من الدم لفحصها، هذا الذي أدى إلى دراسة صعوبة أخيرة في مبدأ معصومية الجسد.
فحص الدم و مدى جواز المساس بمبدأ معصومية الجسد:
لا يشك أحد أن الإجبار على الخضوع لفحص الدم يمثل نوعا من الاعتداء، على مبدأ حرمة الجسد. و لكن ألا يتضمن رفض الخضوع لهذا الفحص باسم مبدأ حرمة الجسد تعديا شديدا على حقوق تتصل بقيم على مستوى عال من الأهمية لا تقل عن مبدأ حرمة الجسد الواقع(1) أن ثبوت النسب تتعلق به حقوق مشتركة بين الله تعالى و بين الأم و الأب و الابن و وجه كون ثبوت النسب حقا لله تعالى فلأنه يتصل بحرمات أوجب الله تعالى رعايتها، و هذه الرعاية لن تتأتي إلا بالمحافظة على الأنساب، و ما يشهد على كونه حقا من حقوق الله تعالى.
كونه حقا للأم فلأن في إثبات نسب الولد من أبيه ما يدفع عنها تهمة الزنا و دفع العار عنها و عن أسرتها و لئلا تعتبر بولد ليس له أي معروف و لأجل هذا فإنه يصح أن تكون الأم خصما في دعوى النسب باعتبارها صاحبة مصلحة حقيقية في دعوى نسب الولد لأبيه، إذ يوجد ارتباط بين دعوى النسب و أمومتها.
كونه حقا للأب فلأنه يترتب على ثبوت نسب الولد منه ثبوت ولايته عليه مادام صغيرا و حق ضمه إليه عند انتهاء حضانة الأم له، و حق إرثه إن مات الولد قبله، و حقه في إنفاق الولد عليه مادام الأب محتاجا و الابن قادرا.


1)- د/ محمد أبو زيد : المرجع السابق ، ص 302 .

أما وجه كونه حقا للولد فلأنه محتاج إليه دفعا للعار عن نفسه بكونه ابن زنا و هذه الحقوق يبينها المشرع و كذلك بينتها القوانين الوضعية.
و في هذا الإطار لا يجوز للأم و الزوج الاتفاق على إسقاط حق الولد في النسب و تأسيسا على ما تقدم يتضح الوضع الحقيقي لمشكلة الامتناع عن الخضوع لفحص الدم بما يتضمنه من عرقلة إقامة الدليل المؤكد على إثبات البنوة يمثل بالفعل اعتداءا على قيم تتصل بالكيان المعنوي للإنسان أي أن هذا يؤدي إلى المساس به ، خاصة أن الفحص الحديث للدم يقدم الدليل على نفي النسب أو إثباته بطريقة لا تقبل الشك.
و هكذا يقف مبدأ معصومية الجسد ليستبعد فكرة إجبار الشخص على الخضوع للمساس بجسده و مثلها الإجبار على الخضوع لفحص الدم و هذا ما جاء في المادة 10 من القانون المدني الفرنسي وكذلك المادة 11 من قانون الخبرة الكويتي بأنه: (إذا تخلف الخصم على تنفيذ قرارات الخبير لغير عذر لجأ الخبير إلى المحكمة لتحكم عليه بغرامة لا تقل عن " خمسة دنانير و لا تزيد عن عشرين دينارا." و ذلك بقرار يثبت في محضر الجلسة له ما للأحكام من قوة تنفيذية و لا يقبل الطعن بأي طريقة و لكن للمحكمة أن تعفي المحكوم عليه من الغرامة أو بعضها إذا أبدى عذرا مقبولا )(1).
غير أن هذين النصين لا يتعلقان إلا بالحالات التي يكون فيها الحكم بالغرامة جائزا فلا يمتد إلى الحالات التي يؤدي فيها الضغط و الإجبار إلى مخالفة و خرق المبادئ الأساسية كمبدأ حرية الجسد.
و لكن يبقي أن المادة 11 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي تجيز للمحكمة، في حالة رفض المدعي عليه الامتثال لأوامرها تمسكا بمبدأ حرية الجسد، فإنه يمكن للمحكمة أن تستخلص من موقف الأب المدعي عليه برفض الخضوع لتحليل دمه دليلا على أنه الأب الحقيقي.
فحتى في الوقت القريب لم يكن فحص الدم يقدم سوى دليل مؤكد على البنوة، أما الآن فبفضل التقدم التكنولوجي فإن تحليل البصمة الوراثية أصبحت كقرينة نفي و إثبات بنسبة 100% (2).
كما يفسر امتناع الأب المدعي عليه عن الخضوع لهذا التحليل سوى الخوف، كما تقول محكمة استئناف " نيم " ، ومن أن يرى هذا الإجراء و قد أزال اختلاط الأنساب .
و لقد رأينا الصعوبات التي تواجه البصمة الوراثية أثناء العمل بها و مع ذلك تم تجاوزها.


1)- د/ محمد أبو زيد: المرجع السابق، ص 302.
(2)-د/ منصور عمر المعايطة ص: المرجع السابق، ص 81.

بالنسبة للقانون الجزائري:
هناك مسائل قانونية تعترض هذه الطريقة (طريقة فحص البصمات الجينية) و نذكر منها: السلامة الجسدية و معلوم أن فحص البصمات الجينية يجرى على العتاد المأخوذ من جسم الإنسان غير أن الوضعية الحالية للعلوم لا تسمح في الوقت الحاضر سوى بإجراء الفحص على الدم و السائل المنوي و الشعر....إلخ.
و في الحالات التي لا يمكن الحصول فيها على العتاد الجسدي المرغوب بغرض إجراء فحص الحمض النووي، ينبغي اللجوء إلى المساس بالسلامة الجسدية للفرد المشبوه أو المتهم، وهي سلامة مضمونة دستوريا حيث نصت المادة 35 من دستور 1996 على أنهيعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات و على كل ما يمس سلامة الإنسان).
فيبقي الحق في السلامة الجسدية حقا مطلقا يحميه قانون الإجراءات الجزائية و كذا قانون العقوبات عن طريق القضاء الجزائي و هو وحده الذي يقرر ما إذا كان ينبغي إكراه الشخص على أخذ عتاد من جسمه، وهو الذي يذكر الحدود و المواضيع الحميمة التي لا يجوز المساس بها و هي حدود السلامة الجسمية و حرمة الحياة الخاصة.
حرمة الحياة الخاصة:
تعد حرمة الحياة الخاصة ثاني حق يمكن أن يتأثر بفحص الحمض النووي للـ ADN لأن التساؤل المطروح يكمن في القول إلى أي مستوى يمكن للفحص أن يشكل تدخلا في الحياة الخاصة للفرد التي يحميها الدستور حيث نصت المادة 34 منه ( تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة الإنسان، يحضر أي عنف بدني أو معنوي أو أي مساس بالكرامة ).
و تظهر إحدى الاعتراضات الأساسية على المساس بحرمة الحياة الخاصة في كون فحص البصمة الجينية يفتح المجال للبحث عن الخصائص الوراثية و هذا الاعتراض مستمد من فكرة مفادها أن معرفة تكوين خصائص الحمض النووي للفرد يكشف الاستعداد الوراثي له و بالتالي يكشف عن الاستعداد الإجرامي للمتهم فالاعتراض الأساسي إذن يتجلى في أن فحص الحمض النووي ADN يمكن أن يمد الغير بمعلومات من المتهم أكثر من المعلومات التي يحتاجها للتحقق من العينات المفحوصة للمقارنة.
و لا شك أن هذه المعلومات المتعلقة بالفرد تعد ذات طابع شخصي خاص جدا لأنها تتعلق بمعلومات شخصية ، رغم أن طريقة الطبيب (Jeffreys ) المتبعة في الوقت الحاضر تطمئننا بأن العمود ( Le code - barre) لا يكشف بأي حال من الأحوال عن الشخص الذي قدم منه العتاد الخلوي.
و أن البصمة الجينية المتحصل عليها من خلال هذه الطريقة لا تعطي أي معلومة عن شخصية المتهم أو طبعه أو استعداداته الإجرامية أو الوراثية كما أن هذه الطريقة لا تعطي أي وصف لشخص (طول، قصر، رجل، امرأة ). و لهذا يجب على المشرع أن يضع ضمانات صارمة حول بقية توسع فحص الأعمدة المشفرة في الإجراءات الجزائية و هو ما أخذ به قانون الإجراءات التكميلي الألماني المادة81 . كما أن هناك اعتراض آخر مضمونه أن لا يجبر الشخص على تقديم دليل ضد نفسه.
عدم إجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه:
تتضمن أغلب القوانين الإجرائية المعاصرة أحكاما تحتوي على ضمانات مفادها التصريحات التي يدلي بها المتهم، و تعد كأنها تمت بحرية منه دون إكراه واقع عليه، تماشيا مع المادة 04 الفقرة 03 و 04 من الاتفاقية العالمية لحقوق الإنسان لسنة 1948، فما مدى انطباق هذه المقتضيات على فحص البصمات الجينية انطلاقا من العتاد المأخوذ من المتهم ؟ إن أخذ العتاد الخلوي من أجل فحص الحمض النووي يتم فيه إجبار الشخص المعني على أن يشهد ضد نفسه أو إكراهه على الاعتراف بخطئه، فليس المتهم هو الذي يتكلم هنا و إنما الوقائع المادية هي التي تعوض التصريحات(1) و في هذا الصدد نصت التوصية الخامسة من الدستور الأمريكي على عدم إكراه الشخص* في أي حالة جرمية تقديم اعترافات ضد نفسه حيث قالت:
Criminal any in compelled be shall not himself against witness a be to case (2) فمبدأ عدم إجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه لا ينطبق سوى على التصريحات الشفوية** و في الجزائر نصت المادة 213 من قانون الإجراءات الجزائية على أن الاعتراف شأنه شأن جميع عناصر الإثبات تخضع لحرية تقدير القاضي، و بالتالي يبقى الشخص بريئا إلى أن تثبت إدانته نهائيا من طرف القضاء الجزائي و لو حامت شكوك حوله و لو اشتبهت في شأنه الشرطة القضائية و حتى لو تابعته النيابة العامة و أودعه قاضي التحقيق الحبس المؤقت.
احترام مبدأ قرينة البراءة:
نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و الذي مفاده أن كل شخص تابعته النيابة العامة يظل بريئا إلى غاية إدانته نهائيا و هو ما نصت عليه المادة 45 من الدستور الجزائري: " كل شخص متهم يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته...." .
و هذا المبدأ لا يتعارض مع تطبيق الوسائل الزجرية في الإجراءات الجزئية مثل التوقيف للنظر و الحبس المؤقت رغم أن تطبيق هذه التدابير يمكن أن يكون مطلقا لتأسيس أية إدانة محتملة و لذلك كفل المشرع تلك التدابير الردعية بضمانات عديدة من حيث الأشخاص الذين يقومون بها " ضباط الشرطة القضائية و القضاة " أو من حيث الزمان " تحديد مدة التوقيف للنظر و الحبس المؤقت " أو من حيث المكان (مقرات الحجز و أماكن الحبس ) أو من حيث
(1)- نويري عبد العزيز: المرجع السابق، ص 45.
* دون إرغامه على تقديم دليل ضد نفسه لأن ذلك يعد خرقا لمبادئ الإثبات.
(2)- نفس المرجع، ص 45.
** كاستعمال آلات تحليل الأصوات (analyses macro) وآلة الكشف عن الكذب(détecteur des mensonges) بعد الاستعمال غير القانوني.
المعاملة ( احترام الكرامة البشرية و الاتصال بالأقارب و الفحص الطبي ).(1)
و غيرها من الضمانات * التي أوردها المشرع في تعديله الأخير الواقع سنة 2001 على قانون الإجراءات الجزئية.
إذا كان ذلك هو دور البصمة الوراثية كوسيلة إثبات من الناحية النظرية فما هو حالها على أرض الواقع ومن الناحية العملية بالنسبة للدول التي تأخذ بهذا الأسلوب المعاصر؟ وهو ما سنراه في الفصل الموالي.








(1)- نويري عبد العزيز: المرجع السابق، ص47.
* حيث أن المشرع الجزائري في تعديله الأخير أضاف ضمانات أخرى للمتهم منها الاتصال بالأقارب...الخ، وهذا

إقتداء بالمشرع الفرنسي.


لا يمكن الإنكار أن الهندسة الوراثية لها مزايا هائلة فقد أدرك العالم الغربي خطورة الأمر-فهم يشاهدون نتائج تطبيقات الهندسة الوراثية بشكل يومي- فسنت أكثر من 25 دولة أوروبية قوانين صارمة للسيطرة على كل كبيرة وصغيرة في مجال الهندسة الوراثية أسوة بما هو متبع حيال تجارب الإنشطار النووي وتصنيع القنابل النووية وامتلاكها، وأدى استعمال تقنية الحمض النووي المنقوص الأوكسجين في كشف غموض و ملابسات العديد من القضايا الشائكة وساعد ذلك على إيجاد ترسانة من الإجتهادات القضائية، لاسيما في الدول الغربية.
أما العالم العربي ورغم أن أول آية نزلت على الرسول-صلى الله عليه وسلم-تدعو إلى القراءة التي هي المفتاح الأساسي لطلب العلم، حيث أخذ المسلمون الأوائل بهذا النهج و أبحروا في العلوم و الترجمة عن الدول التي سبقتهم في ميادين العلوم حتى استطاعوا أن يصنعوا حضارة مادية مرتبطة برباط شرعي، فلم يفعل شيئا جديا وبقي مترددا في الأخذ بهذه التقنية كوسيلة من وسائل الإثبات في المسائل المدنية و على الخصوص في المسائل الجزائية، مما جعل القضاء العربي يراوح مكانه إذ يكاد الاجتهاد القضائي في هذا الشأن أن يكون منعدما، وبسبب ذلك خلو التشريعات العربية من نصوص قانونية تدرج البصمة الوراثية ضمن وسائل الإثبات.
ومن المبادئ المعترف بها دوليا في المواثيق الدولية ومعظم دساتير الدول حماية الإنسان، ولاشك أن كل شخص مادام مالكا لجسده فإن احترام الإنسان يستتبع بالضرورة احترام الجسد والنتيجة حماية تراثه الجيني.
ولذلك سنتعرض إلى بعض التشريعات الغربية التي أخذت بالبصمة الوراثية كوسيلة للإثبات، كما سنعرض بعض القضايا التي عرضت على القضاء وفصل فيها بالاعتماد على ADN لاسيما في الدول الغربية وكذا في الدول العربية على قلتها و من خلال ذلك سنفصل في مسألة دستورية المساس بجسم الإنسان من خلال أخذ عينات منه لإجراء فحوصات لـADN








1) المبحث الأول. الأحكام القانونية للبصمة الوراثية:
إن البصمة الوراثية لم تكن خيالا فقد ترجمت إلى واقع علمي، وقامت شركات كبيرة في أوروبا وأمريكا بتطويرها منذ سنة 1987، وأثبتت نجاحها حتى غزت ساحات المحاكم واستقر العمل بها في أوربا، وبدأت بعض الدول العربية والإسلامية في التمهيد للعمل بها، ونلقي هنا نظرة سريعة على تنظيم البصمات الوراثية في أبرز الدول التي أعطت هذا الميدان عناية قانونية وأهمها دول أوربا الغربية مثل: فرنسا، بريطانيا الدانمارك، ألمانيا، النرويج، ايرلندا، هولندا و السويد وبعض الدول العربية و من بينها الجزائر.

المطلب الأول: التشريعات الغربية
1- التشريع الفرنسي: - يمنع القانون في فرنسا إجراء فحص الـ ADN على أي شخص دون أمر قضائي، ويجري في مخابر مختصة، حيث يتم استدعاء الشخص لحضور عملية الفحص مرتين متتاليتين ثم يحرر محضر بذلك، وتعد فرنسا أول الدول التي شرعت في البحث عن الأسباب عن طريق فحص الـADN .
و بصدور قانون 29/07/1994 المتعلق باحترام الجسم الإنساني، والذي أقر تأطير عملية التعرف على الشخص بفضل البصمات الجينية مع التأكد من ان هذا الشخص لا يكون جاريا عنه البحث إلا في إطار اجراءات بحث أو تحقيق شرع فيه أثناء إجراء قضائي أو لغايات طبية أو بحث علمي(مادة جديدة 11-16). ق فرنسي.
- قانون 17جوان 1998، المادة 26 المتعلق بالوقاية ومكافحة المخالفات الجنسية، وكذا من أجل حماية القصر، وهذا القانون وضع حجر الأساس لحفظ البصمات الوراثية في الكمبيوتر، وفي هذه الفترة كانت البصمة الوراثية محصورة على الجرائم الجنسية (1)
و في ديسمبر 1999 قدم ألان مارسو Alain Marsaud ملف موضوع اقتراح قانون متعلق بإنشاء بطاقية للآثار الجينية للأشخاص المحكوم عليهم و المتهمين في جرائم جنسية مرتكبة على قصر تقل أعمارهم عن 15 سنة، ولم يسجل هذا الاقتراح في جدول أعمال المجلس الوطني.
- قانون 17جوان 1998 قد طرح المبادئ التي تسير هذا الملف (البطاقية).

* أهـدافـه:
-تسهيل عملية التعرف على الأشخاص.
- البحث على مرتكبي الجرائم الجنسية.

(1)- د.نوري عبد العزيز، المرجع السابق.ص 45.
* محتـواه :
- يحتوي على الآثار الجينية وكذا البصمات الجينية للأشخاص المحكوم عليهم بإحدى المخالفات المبينة في المواد 22-222-إلى 23-223 (الاغتصاب و الاعتداءات الجنسية، وكذا المشاهد الجنسية).
و في قانون 15/11/2001 المتعلق بالأمن القومي وخاصة إيداع مشروع قانون للأمن الداخلي، وهذا الأخير نشأ عن قانون 1994 المتعلق باحترام الجسم الإنساني وهي وجوب قبول المعني على اخذ عينات من أجل التحليل الجيني.
- إن المادة 56 من قانون 15/11/2001 المتعلق بالأمن القومي هي التي سمحت باتساع أولي لمجال تطبيق الملف، وهناك ثلاثة أنواع من المخالفات جاءت لتضاف إلى المخالفات ذات الطابع الجنسي المذكورة آنفا.
1/ جرائم المساس الطوعي(إرادي) لحياة الشخص، التعذيب وأفعال وحشية واستعمال العنف الإرادي و المحددة في المواد 1-221 إلى 5-221( جريمة القتل، القتل العمدي والتسميم).
2/ جرائم السرقة، السرقة مع التهديد أو بوسائل أخرى والتدمير، التكسير و الإتلافات الخطيرة على الأشخاص المحددة في المواد :7 -311 إلى 12-311 ( السرقة باستعمال العنف المؤدي إلى ضرر جسدي أو إلى عجز دائم، السرقة باستعمال السلاح ).
3/ الجرائم التي تشكل أعمالا إرهابية المحددة بالمواد 1-421إلى 4-421 من قانون العقوبات الفرنسي .
- إن الاتساع الأول لملف البصمة الوراثية جاء حقا في وقته، لكن المشروع بقي في منتصف الطريق مكتفيا بالنسبة لفئات المخالفات التي أضيفت على التأهيلات الإجرامية و حدها، تاركا دائما خارج المجال فئات أخرى، للمخالفات بحيث أن ضمها للملف جد هام.
- و من ناحية أخرى فإن مشروع القانون يوسع من أهداف تحليل البصمة الوراثية حيث أنه يتوقع أيضا أن يحتوى على الآثار الجينية التي وجدت بمناسبة إجراءات البحث:
- البحث عن أسباب الموت
- البحث عن أسباب الإختفاء.
- و كذا البصمات الجينية المطابقة أو التي تتطابق مع الأشخاص الذين توفوا أو الجاري عنهم البحث.
- تسهيل حل ملفات بقيت لحد الآن بدون حل.
و أثناء مناقشة القانون المتعلق بالأمن القومي، فإن مجلس الشيوخ قد صادق على تعديل يسمح بضم الأشخاص المتهمين. أما لجنة القوانين للمجلس الوطني فقد أبدت معارضة لهذه المبادرة باسم حق البراءة.
إن نشأة ( FNAEG ) و المراحل العديدة التي كان يجب اجتيازها لوضع هذه الوسيلة الناجحة في خدمة التحقيقات القضائية قد تثير تعجبنا ففي تقريره لسنة 1999 فإن اللجنة الوطنية للإعلام الآلي و الحريات (CNIL) صنفت ملفات البصمة الجينية ضمن ملف بسيط لإثبات الهوية و ليس ملف للسوابق العدلية، وهو يستعمل من طرف الدرك، وفي هذا الشأن ذكر M. Olivier Pascal في مقال حر :
" إن ملف البصمة الجينية لا تختلف عن بصمة الإصبع و الذي لا يثير مثل هذه الجدالات."
وفي هذا الصدد نلقي نظرة سريعة على تاريخ البصمة الجينية في ظل القانون الفرنسي ففي ديسمبر 1989 اقترحت اللجنة الاستشارية الوطنية لأخلاقيات المهنة عددا معينا من التوصيات تتلخص فيما يلي:
*اعتماد خاص للمخابر.
* لزوم حكم من القضاء .
*تعيين المخابر المعتمدة لا غير، كخبراء الجهات القضائية .
إن الهدف من هذه المبادرات هو اللجوء لتقنية التحاليل الجينية، وذلك بدعم الشرطة التقنية و العلمية أو تكوين البطاقات الأولى لدى المخابر.
في سنة 1997 استلهم قضاة التحقيق من النموذج الانجلوسكسوني فبدأوا بإعطاء توكيل و ترخيص لبعض المخابر الأجنبية ثم الفرنسية لإجراء التحاليل الجينية الأولى،و هذا في الميدان الجنائي ، و بسبب غياب النصوص المخصصة فإن القضاة كانوا يبنون أحكامهم على القواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات الجزائية المنظمة و لإجراءات الخبرة .
و هكذا فإن ألـ ( FNAEG)* بإمكانه احتواء البصمات الجينية للأشخاص الذين يوجد ضدهم سبب أو عدة أسباب من شأنها تقوية الاتهام على أنهم ارتكبوا واحدة من الجرائم التي تدخل في مجال تطبيقها. إن هذا التسجيل مدعم بضمانات من طبيعتها إزالة كل التحفظات و المخاوف في هذا الموضوع من جهة، فإن هذا التسجيل مدعم لا يمكن الأمر به إلا من قبل ضابط الشرطة القضائية القائم بصفة مباشرة أو بطلب من القاضي، ومن جهة أخرى فإن التسجيل يؤشر في الملف و من هنا يكون الشخص المعني على علم به. أخيرا فإن إجراء المحو أو الشطب يكون بأمر من طرف السيد وكيل الجمهورية القائم المباشر أو بطلب من المعني، الذي له حق الطعن لدى القاضي ثم لدى رئيس غرفة التحقيق هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى و بمبادرة من لجنة القوانين التابعة لمجلس الشيوخ فإن هذا الأخير قد صادق على ترتيب من شأنه أن يدعم ملف إجراء تحليل البصمة الوراثية خلال التحقيقات.


Le Fnaeg* هي عبارة عن نتائج في شكل أرقام لدراسة عمليات التعرف على أصحاب البصمة الجينية.
- تجريم رفض السماح بأخذ عينات:
إن حالة التعرف على هوية شخص ما عن طريق بصماته الجينية في إطار إجراء جنائي لا يستلزم بالضرورة موافقته، فإن هذا الأمر غير ممكن عندما يتعلق بأخذ عينات من المادة البيولوجية نفسها . و إن كان قانون 1994 المتعلق باحترام الجسم البشري لا يلزم صراحة هذه الموافقة من المعني بالأمر، و يري البعض سكوت القانون يعني أنه ليس بالضرورة موافقة المعني و هكذا لم يطبق القانون من قبل وزارة العدل.
إن منشور 10 أفريل 2000 يوضح المبادئ العامة للقانون الذي يضمن قداسة الجسم البشري لا يسمح بأخذ عينات بالقوة أو الإكراه من الشخص مثل أخذ عينات من الدم – وعينات من الشعر. و إنها ترى نفس الشيء عندما يتعلق بأخذ عينات من شخص محكوم عليه و في حالة رفض أخذ العينات فإن المنشور السالف الذكر يقدم بعض الوسائل مثل إجراء تحليل ابتداء من عينة من أداة بيولوجية التي تكون قد انفصلت عن الجسم البشري مثل الشعر الموجود في المشط أو أثر لعاب وجد على كوب.
مثال: تم تنفيذ هذه الطريقة على ساكن من "plein fougère " و الذي رفض أخذ عينات مطلوبة من قاضي التحقيق، فقد برأته العدالة رغم رفضه المطلق، و هذا بفضل العينات المأخوذة من فرشاة أسنانه، مشطه أو آلة الحلاقة الكهربائية.
- إن القانون المتعلق بالأمن القومي حاول أن يجد حلا ولو جزئيا لهذه الصعوبة ليس فقط بالنص على عدم ضرورة موافقة المعني، ولكن بتجريم الرفض المقابل من قبل المحكوم عليه، بالعقوبة المسلطة وهي: ستة أشهر (06) حبسا وغرامة بـ7500 أورو، قد تصل إلى عامين حبسا(02) وغرامة بـ30.000 أورو في حالة الحكم بالجرم وهو ما نصت عليه المادة 706-55 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
- وهذا ما تم مع مشروع القانون الحالي للأمن الداخلي الذي يسلط على هذا الشخص العقوبات التي تسلط حاليا على المحكوم عليه بسبب جنحة في مجال FNAEG.
وفي هذا الصدد، فإن أخذ العينات البيولوجية لا تضيف أي شيء جديد من الناحية القضائية، ومنذ عدة سنوات فإن قانون المرور يسمح بمراقبة نسبة تواجد الكحول في الدم بالنسبة للسائقين، وفي هذه الحالة، لابد من أخذ عينة من دم السائق و بالتالي فإن رفض إجراء هذه العملية معاقب عليها قانونا بسنتين حبسا (02) وغرامة مالية قدرها 4500 أورو عملا بأحكام المواد من 8-234 إلى 10-234 من ق ع فرنسي.









 


قديم 2011-02-11, 20:33   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1

فقد قام وزير الداخلية السابقNicolas Sarkozy بالإعلان في شهر جانفي 2003على مشروع 400.000 أربعمائة ألف عينة ونظرا لتوافقها مع قيام الحكومة بأخذ عينة ألف مسجون فقد تأخر هذا المشروع إلى نهاية عام 2004(1) .
إن ما يميز النظام الفرنسي في هذا الإطار أن هناك تشدد في مجال أخذ العينات من ساحة الجريمة وكل خرق للإجراءات يؤدي إلى البطلان و بمجرد أن يتم إعلام قاضي التحقيق بالقضية من طرف السيد وكيل الجمهورية فإنه يصبح سيد الموقف وهو بهذا يختلف عن باقي الدول الأوروبية التي يبقى وكيل الجمهورية مسؤولا عن الملف وتتبعه(2)
2- التشريع البريطاني :
عشرون سنة بعد اكتشاف الـADN و بالضبط خلال سنة 1985 من طرف البروفيسور « Alec Jeffreys » ، فإن الشرطة البريطانية لديها أكبر بنك للبصمة الوراثية في العالم فهو يتضمن صفات أكثر من (02)مليون شخص، وتم تجسيد هذا البنك من طرف الشرطة العلمية البريطانية سنة 1995 بدعم من وزارة الداخلية البريطانية بنسبة نجاح تقدر بـ40% من نسبة المجتمع البريطاني(3)
وسوف نتناول هذا التشريع بنوع من التدقيق:
إن التطرق إلى النظام القانوني و العلمي السائد في بريطانيا وبلاد الغال يستدعي التنويه إلى القول بأنه لا يوجد هناك قانون عقوبات أو قانون إجراءات جزائية مدون ولكن هناك مجموعة من النصوص مبعثرة مما يترك المجال للقضاء لسد الفراغ كما أنه للشرطة دور جوهري في سير التحقيقات القضائية لما لها من استقلالية في إعداد وسيلة الإثبات من دون رقابة من السلطة القضائية، وترجع سلطة المتابعة إلى (rouwn prosecution service) (cps), والتى هي هيأة عمومية تم إحداثها مؤخرا وهي تختلف عن مهام وكيل الجمهورية في الأنظمة الأوروبية الأخرى، ومنه فهو لا يشارك في المحاكمة وإنما يعين محاميا ليمثله.
و في جميع الحالات عندما تحتاج الشرطة لخبير فإنها تقدم طلبا إلى « Forensic Sciences Service (Fss) (4).



(1)-les limites des fichiers génétiques de la police jean-mark manach 23.12.2003-le Monde
(2)- compte rendu de la réunion de synthèse du 29.02.2000- rapport des équipes de travail sur l’ADN.
- Ecole nationale de la magistrature française.
- www.enm.justice.fr
(3)- Jean-Marc Manach, les limites des fichiers génétiques de la police-le monde 23.12.2003.
(4)-Ingvar KOOP –sciences légales l’informatique dans les laboratoires de police scientifiques Revue Internationale de police criminelle INTERPOL l’an1999 N° 474/475.
و في الحالات الخطيرة يمكنها الاستفادة من خدمات الكلية الوطنية الجنائية « National Crime Faculty » .
كما أن القضاة غائبون تماما عن مجريات التحقيق وإنما يتم الرجوع لهم فقط لأخذ رخص بالتفتيش، الوقف تحت النظر، الحبس الاحتياطي و القيام بتحاليل الـADN .
ولأجل إتمام مهامها على الوجه الصحيح فإن الشرطة البريطانية تخص بميزانية سنوية لمواجهة التحقيقات التقنية.
وتلعب البحوث في مجال الـADN دورا هاما في نشاط الشرطة البريطانية التي تعتمد في مهامها على بنك المعلومات المعد من قبل هيئة الـ « FSS »والتي يمكن أن تغطي جميع أنواع الجرائم بطاقة استيعاب 700.000 سبعمائة ألف معطية بحيث مكن هذا البحث من إيجاد الحل للعديد من القضايا التي مست الرأي العام بشكل جلي وتبعا للمبدأ السائد في بريطانيا بخصوص الإجراءات فإن الخبرة المعدة في مجال الـADN تتم مناقشتها في معرض المرافعات (أثناء جلسة المحاكمة) وهو ما يعرف في الجزائر بمبدأ المواجهة (Cross Examination).
وأن دور القاضي ما هو إلا ضمان حسن سير المرافعات وتقديم ملخص إلى هيأة المحلفين، وما تجدر الإشارة إليه أن نجاعة استعمال هيئة عمومية لتقييم نتائج خبرات الـADN مثل هيئة « FSS » هو استعمال معايير أوربية لاعتماد الخبراء في هذا المجال التقني الدقيق وهو ما تم اقتراحه من طرف « European network of forensic science institut » « ENFSI » لأجل حسن ضبط العينات المأخوذة من مسرح الجريمة (1).
يتضمن القانون البريطاني لسنة:1984 Exidence Criminal and Police إجراءات تنظيمية خاصة بالفحص الجسدي corpre-in للأشخاص المحبوسين من أجل أخذ بعض من عتادهم الخلوي لفائدة الفحص الطبي القضائي، فأجاز القانون رفع عينة من جسم الإنسان مفرقا بين العينات الحميمةsamples-intimate مثل: الدم و السائل المنوي و الوسائل المهبلية و السوائل الجسدية الأخرى كالبول و العرق و اللعاب، وبين العينات السطحية غير الحميمة مثل الشعر، والرواسب الموجودة تحت الأظافر.
ولا يسمح القانون بأخذ العينات الحميمة سوى بعد إذن من أحد موظفي الشرطة من رتبة لا تقل عن رتبةSuperintendant *.


* Superintendant :عميد عسكري.

(1)- compte rendu de la réunion de synthèse du 29 février et 1er Mars 2000- rapport complets des équipes de travail sur l’ADN- l’Ecole Nationale de la Magistrature Française–www.enm.justice.fr
ويعطي موظف الشرطة إذنا في شكل أمر مسبب يوضح فيه لماذا يعتقد أن الشخص المسجون قد ارتكب إحدى الجرائم أو ساهم في ارتكابها، و لا يمكن أن يجري رفع العتاد الخلوي من جسم الشخص سوى في الحدود التي يساعد فيها على كشف الجريمة وبعد الرضا المكتوب لذلك الشخص، وهناك عينات يمكن أخذها من طرف رجال الشرطة كالبول و اللعاب، بينما العتاد لا يتم رفعه سوى من طرف أحد الأطباء أو أطباء الأسنان.
وإذا كان القانون البريطاني لا يجيز رفع العينة من جسم الإنسان بالقوة، فإنه يوجب على الشرطة أن تخبر المعني بأن رفضه يمكن أن يستعمل كدليل ضده، وهذا ما نصت عليه المادة 11 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي التي تجيز للمحكمة في حال رفض المدعى عليه الامتثال لأوامرها تمسكا بمبدأ حرمة الجسد، أن تستخلص ما تراه من نتائج (1)
ومفهوم هذه النتائج أنه يمكن للمحكمة أن تتخذ من موقف الأب المدعى عليه برفض الخضوع لتحليل البصمة الوراثية دليلا على أنه الأب الحقيقي، أي أن رفضه قرينة تدعم بأدلة أخرى.
و القانون البريطاني قد خول لقاضي الحكم أن يستخلص من رفض الشخص ما يراه مناسبا في تكوين قناعته لإدانة المتهم أو تبرئة ساحته. وقد لعبت تحقيقات مادة الـADN في انجلترا أدوارا في قضايا الاغتصاب، مثل التحقيق الذي وقع 1986 في مقاطعة Leicester عندما تم اغتصاب فتاتين ثم قتلهما، فقد استدعت الشرطة أكثر من 5500 شخص وقبلوا الخضوع لفحص ألـADN وخلص التحقيق إلى اتهام شخص مشتبه فيه وجرت محاكمته وإدانته بالسجن المؤبد سنة 1988.
وكذلك تم الحكم على مواطن بريطاني بالسجن لمدة 8 سنوات باتهامه بالسرقة والاغتصاب. ومن خلال هذا يتضح لنا نسبة النجاح الذي حققته البصمة الوراثية في جميع الجرائم فبواسطتها تم التوصل إلى المجرمين بعد أن كان استعمالها في بريطانيا محصورا على إثبات شخصية الفرد فقط سنة 1985، واستعملت لأول مرة في القضايا سنة 1987.
وأنشئ للبصمة بنك خاص سمي ببنك المعلومات حيث جمعت فيه البصمات و اتسع مجالها أي أنها أصبحت تستعمل في كل الجرائم ووصل عدد البصمات الوراثية إلى مليون (2)






(1)- د/ محمد محمد أبو زيد: المرجع السابق، ص 307.
(2)-المرجع السابق (2)- Raphael coquoz :
الجدول الذي يلي: يسمح بتلخيص تطور التشريع الذي ينضم LE FNAEG الذي ذكر سابقا و كذا مقارنتها بتلك الموجودة في بريطانيا العظمى.
تطور مجال اتساع LE Fnaeg:

قانون 17جوان 1998 قانون 15 نوفمبر 2001 مشروع قانون الأمن الداخلي بريطانياالعظمى
(للتذكير)
طبيعة المخالفات ذات طابع جنسي +جرائم المساس العمدي لحياة الآخرين
+ جرائم السرقة ، تدمير ... + جنح تدخل قي الأطر السابقة
+ المتاجرة بالمخدرات... جرائم أو جنح المعاقب عليهم بالحبس
الأشخاص المعنيون المتهمون المتهمون المحكوم عليهم
و المتهمون مشتبه فيهم
رفض أخذ عينات غير معاقب يعاقب عليه سوى بالنسبة للمحكوم عليه يعاقب عليه بالنسبة للمحكوم عليهم
و المتهمين الموافقة غير مطلوبة














دراسة مقارنة بين FNAEG و FAED

البطاقية الآلية لبصمات الإصبع
(FAED ) البطاقية الوطنية الآلية للبصمات (FNAEG )
تاريخ الإنشاء مرسوم 08أفريل 1987 قانون 17 جوان 1998
تسيير مرسوم 08أفريل 1987 مرسوم 18 ماي 2000
المخالفات كل الجرائم و الجنح الجرائم و الجنح المذكورة في المادة 55-706 من قانون الإجراءات الجنائية
المعطيات المدخلة -الآثار الموجودة " المستسقاة "
-بصمات مأخوذة من أشخاص موقوفين
-بصمات مأخوذة من متهمين أثناء الإجراء -الآثار البيولوجية المأخوذة
-بصمات جينية لأشخاص متهمين
-بصمات جينية لأشخاص محكوم عليهم نهائيا
مدة الاحتفاظ بالمعطيات -25 سنة بعد تحرير آخر بطاقة معلومات
-10 سنوات بالنسبة للشخص الذي وصل عمره إلى 70 سنة -40 سنة ابتداء من تاريخ إجراء التحليل للآثار و تاريخ الحكم بالنسبة للأشخاص( محدد حتى 80 سنة )
المراقبة النائب العام لمدينة باريس القاضي – خارج السلم الإداري – لمحكمة الاستئناف بمساعدة لجنة فنية من3 أشخاص
الهندسة التقنية - موقع (01) مركزي للإعلام الآلي
- 03 مواقع مركزية لجمع المعلومات
(و الإطلاع )
- 14 موقع جهوي للإطلاع (مصالح جهوية للهوية القضائية لدى المصالح الجهوية للشرطة القضائية (SRPJ) موقع (01) مركزي وحيد للتزويد
و الإطلاع .

تحليل البصمات مصلحة الهوية القضائية للشرطة أم المباحث الجنائية للدرك الخبراء المعتمدون
لا نعم ، لكن الرفض يعد جنحة بالنسبة للأشخاص المحكوم عليهم أو المتهمون
نعم نعم

3- التشريع السويدي:
أجاز القانون السويدي إجراء الفحص الجسدي بغرض الكشف عن ألـADN فيعطي الإذن من طرف النيابة أو القاضي أو في حالة رفع عينة من دم شخص فهي لا تجري سوى من طرف طبيب أو ممرض.
أما في الاختبارات الأكثر صرامة مثلا أخذ إحدى الأنسجة الخلوية، فهي لا تتم إلا بواسطة طبيب.
و هذا ما قضت به محكمة النقض السويدية سنة 1986 بأنه لا يجوز أن تتم عملية الفحص سوى بمساعدة أحد المخابر و بالعكس من ذلك قضت المحكمة العليا بأنه لا يشكل أخذ عينة من الدم من طرف شخص غير الطبيب أو الممرض عيبا شكليا في الإجراءات يؤدي إلى استبعاد الدليل الحاسم.
و مبدأ حرية الإثبات في المادة الجزائية يؤدي إلى أن القاضي يبقي حرا في تقديره للدليل يوم الجلسة عند محاكمة المتهم حتى ولو أن جمع ذلك الدليل لم يخضع للإجراءات القانونية المطلوبة (1)
4- التشريع الهولندي: يخول القانون الهولندي لقاضي التحقيق سلطة تعيين خبير من أجل فحص و تحديد ألـ ADN، و قبل أن يأمر القاضي المحقق بهذا التعيين الذي أوجبه القانون أن يحيط المتهم علما بذلك كتابة، و بموعده و ساعة إجراءه و المخبر الذي سيجري فيه و كذلك الشأن بالنسبة لتبليغه بنتيجة الفحص ويسمح القانون للمتهم أو محاميه أو أحد الخبراء الذين يعينهم المتهم أن يحضروا الاختبار، ويحق للمتهم أن يطلب من القاضي بإجراء يخص فحص مضاد في أجل 15 يوما من تاريخ الفحص الأول، وفي حالة رفض المتهم أخذ عينة خلوية منه أجاز القانون لقاضي التحقيق إصدار أمر يجعل المتهم خاضعا لأخذ عينة من طرف طبيب، وعن طريق القوة العمومية، ولا يصدر مثل هذا الأمر سوى بعد سماع المتهم و التحقق من رفضه وسوى بين الجريمة المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية لمدة06 سنوات فأكثر.
و في الحالة التي يبدو فيها أن أخذ العينة يلحق ضررا بالمعني من الناحية الطبية يمكن للقاضي أن يأمر بأخذ السائل المنوي للمتهم أو شعره أو عتاد خلوي آخر يخصه ويمكن للمتهم أن يطعن بالاستئناف في أمر قاضي التحقيق المتضمن إخضاعه للفحص الجسدي في أجل 15 يوم من تاريخ تبليغه وعند ذلك يتوقف تنفيذ الأمر إلى غاية الفصل في الاستئناف أمام الهيئة القضائية المتابع أمامها المتهم.

(1) أ. نويري عبد العزيز، المرجع السابق. ص 48 .

5- التشريع الدانمركي:
يعرف القانون الدانمركي لسنة 1989 إمكانية إخضاع المتهم إلى محضر جسماني، متى
وجدت أسباب مؤسسة حول وقوع شبهة يمكن أن تؤدي إلى إدانته على جريمة معاقب عليها سالبة للحرية لمدة لا تقل عن 18 شهرا.
وأن أي تدخل للمساس بالسلامة الجسدية كما في رفع عينة من الدم أو أخذ أي عتاد خلوي يكون ممكنا إلاعندما يمثل هذا التدخل ضرورة حاسمة للتحقيق الأولي ولا يتم التدخل سوى بناء على إذن مسبق يقرره القاضي، وينبغي أن يكون قراره في هذا الشأن مؤسسا على وجود ضرورة تستدعي ذلك التدخل ويقوم الطبيب بعملية الفحص حيث يقرر بدوره ما إذا كان أخذ تلك العينة ممكنا من الناحية العملية طبيا أم لا، ورغم أن القانون الدانمركي لم يقم في الأصل على فكرة فحص الحمض النووي فإن التطبيق الميداني كيف هذا القانون مع الواقع بجعله يسمح بأخذ العينات الجسدية من أجل توظيفه في فحص الحمض النووي « ADN ».
6- التشريع الألماني:
يسمح القانون الألماني لسنة 1933 بإمكانية خضوع المتهم إلى المساس بسلامة جسده بمناسبة التصدي لأية واقعة تعاقب عليها المادة 81 منه.فيأمر القاضي بذلك الإجراء بناء على طلب من وكيل الجمهورية في الحالة التي يرى فيها هذا الأخير ضرورة الحصول على معلومات يمكنها أن تساعد الإجراءات الجزائية وعندما يقرر القاضي الفحص فإن المتهم يجبر على الخضوع إليه ولا يحتاج الأمر إلى رضاه ومتى اعترض على ذلك وقاومه فإن الفحص المأمور به يجرى عليه رغم إرادته أي باستعمال القوة إن تطلبها الوضع، ويعود هذا التنظيم في ألمانيا إلى 1933 عندما كان الفحص النووي غير معروفا آنذاك. وبعد تطوير هذا الفحص أصبح القضاء يتساهل في المادة81"أ " و مع ذلك أوصى القضاء في تقرير أعدته لجنة تحقيق برلمانية سنة 1987 على وجوب إسناد فحص الحمض النووي إلى أساس قانوني صريح من أجل استبعاد إمكانية استعمال العينة المأخوذة لأغراض وظيفية. وأوصت اللجنة البرلمانية على وجوب وضع تدابير ضد التعسف و في هذا الصدد نصت اللجنة على الضمانات التالية:
1- لا يجوز لغير القضاء أن يأمر بإجراء الخضوع لعملية الفحص.
2- أن لا يجري الفحص سوى انطلاقا من عينة خلوية معينة للمتهم
3- أن لا يأمر بهذا الإجراء سوى عندما تتطلبه ضرورة الكشف عن الحقيقة وإنارة العدالة.
4- أن لا يجري هذا الفحص سوى في مخابر الشرطة العلمية و الفنية وبناء على هذه التوصيات أصدر البرلمان في منتصف التسعينات قانون سمح فيه لوكيل الجمهورية في حالة الاستعجال، أن يأمر بإجراء عملية الفحص، وتبقى مشروعية أمر عضو النيابة العامة مؤقتة حيث يتقادم أثرها إذا لم يؤكد بقرار من القاضي خلال الثلاثة أيام الموالية.
7- التشريع الإيرلندي:
أجاز القانون الايرلندي لسنة 1989 إجراء الاختبار الجسماني على المتهم عندما تكون الوقائع المنسوبة إليه معاقب عليها بالحبس مدة05 سنوات على الأقل، أو عندما يأمر بوضعه رهن الحبس الاحتياطي مهما كانت العقوبة المقررة للجريمة، التي توبع المتهم من اجلها، ويوجب القانون على أن يؤسس أخذ العينات من الجسد على جرائم خطيرة، وأن ينحصر في الدم و البول و اللعاب، ولا يسمح القانون بإجبار المتهم على ذلك بل أنه يوجب أن يعبر المعني صراحة على رضاه كتابة.
و متى امتنع المتهم عن تقديم رضاه لمساعدة العدالة، يبقى لقاضي الحكم سلطة تقدير استخلاص قرينة إدانته، فيعتبر القانون الايرلندي ضمنيا أن الامتناع كأنه عنصر مدعم لدليل الإدانة، وهو ما يعرف بالدليل المدعم.
فإذا كان القانون الايرلندي لا يعترف إذن بالإكراه، فإنه مقابل ذلك لا يعتبر رفض المتهم وحده قرينة على إدانته.
8-التشريع النرويجي:
يعرف قانون الإجراءات الجزائية النرويجي الذي دخل حيز التطبيق في سنة 1986 تنظيما للفحص الجسدي، فيمكن إخضاع أي شخص لهذا الفحص متى تم الاشتباه فيه، بناء على أعباء مؤسسة تورطه في ارتكاب الجريمة المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، يشترط القانون أن يكون هذا الفحص ضروريا لعملية البحث و التحقيق من جهة، ومتناسبا مع خطورة الجريمة المرتكبة و حل القضية من جهة أخرى.
و ينبغي أن يجري الفحص بالطريقة الأقل ألما بالنسبة للشخص الخاضع له، ومتى رفض الشخص المشبوه أن يعطي موافقته على الفحص يمكن أن يعوض ذلك بأمر من أحد القضاة، و في حالة الاستعجال يتولى أحد أعضاء النيابة العامة إصدار مثل هذا الأمر، ويتم الفحص عمليا من قبل أحد أعضاء القطاع الصحي مثل الأطباء و الممرضين و تقنيي الصحة.
9) التشريع الكندي:
في بداية التسعينات ورغم التطورات التكنولوجية الحاصلة في مجال التشخيص بواسطة البصمة الوراثية فإن قانون العقوبات لا يسمح بالحصول عليها إلا بالموافقة الصريحة من الشخص المعني كما أن الشرطة لا تتمتع بالإطار التشريعي الذي يحميها من حيث القيام بأخذ عينة من جسم الشخص فما كان عليه إلا أن تقوم بأخذ العينة بالقبول الصريح للشخص أو أن تأخذ العينة التي توجد منفصلة بمسرح الجريمة.
ففي سنة 1994 أصدرت المحكمة العليا قرارا هاما عندما قبلت الإثبات الجيني في المجال الجنائي.
و في سنة 1995 وبعد القيام بعملية استشارة واسعة، قام البرلمان الفدرالي بالمصادقة على مشروع القانونC104، هذا القانون المعدل لقانون العقوبات وكذا القانون الخاص بالشباب الجانح وقد حصل على الموافقة الملكية في 13 جويلية 1995منذ ذلك التاريخ أصبح بالإمكان القيام بفحوصات جينية ضد الأشخاص في الجرائم بناء على أمر أو مذكرة. و منذ سنة 1995 قامت وزارة الداخلية بإعداد بنك وطني للمعلومات الجينية وهذا إقتداء بالمثال الإنجليزي و الأمريكي اللتان تتوفران على مثل هذا السجل وقد عرضت الوزارة الوصية بأخذ رأي رجال القانون الذين صرحوا أن مثل هذا الإجراء دستوري بشرط أن يتم بعد الاتهام وبناء على أمر من السلطة القضائية، كما تم تعديل قانون الدفاع الوطني فيما يخص القضاء العسكري الذي كان يمنح الخيار للمتهم في أخذ العينة.
فمن وجهة نظر الإجراءات فإن العملية تتم وفق مذكرة MANDAT تسمح أخذ عينة للتحليل الجيني وهذا بموجب المادة 487/04 حتى المادة 487/09 من قانون العقوبات، أي أنه يمكن للشرطة أن يطلبوا من قضاة المقاطعة-Le Province- في إطار التحقيق وهذا يجب التأكيد عليه لأنه في كندا لا يمنح تحليل الجينات من جميع القضايا من طرف القضاة فهي مقصورة حسب النص القانوني على جرائم العنف أو الجرائم الجنسية.
فهذا الفحص يتم من طرف شخص مؤهل لذلك تحت رقابة هيئة تسمى "المكلف بالسلم" –Agent de la paix- حسب نص المادة 487/06 من قانون العقوبات، و في غالب الأحيان يقوم هذا الموظف بإعلام الشخص المراد أخذ عينة منه بواسطة مذكرة mandat مرخصة لذلك حسب المادة 487/07 و قد تشدد القضاء في هذا الإجراء إذ قام القاضي Macaulay في المحكمة العليا لكولومبيا البريطانية الذي تستبعد الإثبات بالعينة الجينية بالإستناد إلي كون الشرطة لم تقم بالإجراء المنصوص عليه في المادة 427/07، حيث لم يقوموا بإعلام المتهم.إذ أن أخذ عينة كما هو واضح آنفا يتم مع احترام شرف و اعتبار الإنسان كما هو وارد في نص المادة 487/07.
و في مجال تفسير النصوص القانونية السابقة من طرف المحاكم الكندية فإن القاضي CORY يسرد لذلك أن:
«... فإن النصوص القانونية المستحدثة في قانون العقوبات تتماشى مع الدستور فالإجراء يتم فرض الرقابة عليه من طرف المحاكم فيما يخص السبب الخاص لأحكامها لأن القاضي الذي يصدر المذكرة بإجراء الخبرة يجب أن يكون له اقتناع من أن ذلك لا يمس بكرامة الإنسان إلا بالقدر القليل الذي يبرر الوصول إلي البراءة أو الإدانة.
وعند التطرق إلى حق الدفاع في هذا المجال، فإنه حقيقة أن تنفيذ المذكرة تتم في سرية من طرف الشرطة إلا أن الميثاق الكندي للحقوق و الحرياتLa charte canadienne des droits et libretées تؤكد هذا الحق في استعانة الشخص بمحامي عند إيقافه و أخذ عينة من جسمه.
The detention of the suspect oblige the authorises to inform the suspect of the charter right the attorneys general agreed with this necessity accordingly the detainee has the right to consult counsel

تطرح إشكالية أخذ العينة بالقوة من طرف المكلف بالسلم agent de paix فإن المادة 25 من قانون العقوبات تسمح استعمال القوة المعقولة في تنفيذ المذكرة، كما أن المادة 487/07 تنص كذلك أنه يتم إعلام الشخص بأنه في حالة رفضه يتم استعمال القوة اتجاهه.
و خلاصة القول فإن كندا خطت خطوة كبيرة في هذا المجال و تلي المثال البارع البريطاني، إذ الفرق بينهما أن بريطانيا قد أعدت المعطيات مسبقا أما كندا فيتم تحديدها بعد ارتكاب الجريمة و هذا ما يدفع كندا إلى مصف الدول الرائدة في هذا المجال. Today, law Enforcement officials in Canada and around the world are increasingly relying on DNA-typing in the fight against crime (1)
وعلى العكس فإن القانون السويدي نجده مشابها للقانون البريطاني، فهو يسمح بإجراء الفحص الجسدي، وهذا الإجراء في كلا القانونين لا يتم إلا من طرف طبيب أو ممرض، ولكن الاختلاف بينهما كان من ناحية إعطاء الإذن حول إجراء البصمة الوراثية، ففي القانون البريطاني يكون من أحد موظفي الشرطة-كما عرفنا سابقا- أما القانون السويدي فيكون الإذن من طرف النيابة أو القاضي، وفي حالة عدم رفع عينة من دم شخص فهي لا تجري سوى من طبيب أو ممرض.

المطلب الثاني: التشريعات العربية
1- التشريع العراقي:
لقد نظم القانون العراقي في المادة 70من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن حكام التحقيق أو المحاكم أن يرغم المتهم أو المجني عليه في جناية أو جنحة على التمكين من الكشف على جسمه أو قليل من دمه أو أظافره أو غير ذلك مما يفيد التحقيق لإجراء الفحص اللازم، ومفاد كل ذلك أن المشرع العراقي أجاز تحليل الدم.
2-التشريع الكويتي:
إن المتتبع للقانون الكويتي لا يكتشف من النص صراحة على وجوب الخضوع لعملية التحليل و الخاصة بالبصمة الوراثية، إلا أنه و بالرجوع إلى قانون الخبرة لاسيما في مادته 11 التي تنص على" إن تخلف الخصم على تنفيذ قرارات الخبير بغير عذر لجأ الخبير إلى المحكمة التي تسلط عقوبة مالية تتمثل في غرامة لا تقل عن 5دنانير و لا تزيد عن 20دينارا" وذلك بقرار يثبت في محضر الجلسة له نفس القوة التنفيذية للأحكام، ولا يقبل الطعن بأي طريقة ولكن للمحكمة أن تعفي المحكوم عليه من الغرامة أو بعضها إذا أبدى عذرا مقبولا.



























(1)- Joanne marceau, la mise en œuvre de la banque d’empreintes substitut du procure
général des affaires criminelle du ministère de la Tunisie du Québec P.13

3- التشريع الجزائري:
نظرا للحداثة النسبية لطريقة فحص ال ADN واعتبارها وسيلة إثبات في النظم القضائية والإدارية المقارنة، فإنه لا يوجد نص خاص في الجزائر بتشريع أو بتنظيم هذه الوسيلة العصرية والجديدة في الإثبات، ومع ذلك يمكننا أن نجد إجابة عامة عن الموضوع في قانون الصحة(1).
فعن كيفية انتزاع العتاد الخلوي، يمكننا الرجوع إلى المادة 168 من القانون رقم 85/05 المؤرخ في 16/04/1985المتضمن حماية الصحة وترقيتها المعدل و المتمم بالقانون رقم 88/15 المؤرخ في03/05/1988 و الذي نص صراحة على أنه " لا يجوز انتزاع الأنسجة أو الأعضاء البشرية من أشخاص أحياء إلا إذا لم تتعرض حياة المتبرع إلى الخطر، ويشترط الموافقة الكتابية من المتبرع بإحدى أعضائه وتحرير هذه الموافقة بحضور شاهدين اثنين وتودع لدى مدير المؤسسة و الطبيب رئيس المؤسسة".
المادة 163 " يمنع انتزاع الأعضاء و الأنسجة من القصر فاقدي التمييز و المصابين بأمراض من طبيعتها أن تضر بصحة المتبرع و موافقة أحد أقاربه بعد الوفاة ".
و نصت المادة 167 على أنه لا ينزع الأطباء الأنسجة أو الأعضاء البشرية ولا يزرعون إلا في المستشفيات التي يرخص لها بذلك الوزير المكلف بالصحة.
وبشأن احترام حرمة الأشخاص الحميمة لهذا الغرض نصت المادة 99من المرسوم التنفيذي رقم 92/276 المؤرخ في 06/06/1992 المتضمن أخلاقيات الطب، قائلة:" إنه يجب على الطبيب الخبير وعلى جراح الأسنان الخبير عند صياغة تقريره أن لا يكشف إلا العناصر التي في شأنها أن تقدم الإجابة عن الأسئلة المطروحة في قرار تعيينه، وفيما عدا هذه الحدود يجب على الطبيب الخبير أو جراح الأسنان الخبير أن يكتم كل ما يكون قد اطلع عليه خلال مهمته ".
ونجد أن القانون الجزائري ساير توافق القوانين التي تجيز عمليات أخذ الدم وأجاز صراحة الأخذ بهذه العمليات واعتبارها كدليل إثبات في المسائل الجنائية.
كما نجد أن القانون الجزائري خصص قسما للبيولوجيا الشرعية فتم تدشين مخبر الـADN بمناسبة عيد الشرطة بتاريخ 22/07/2004 وهذا الإنجاز يعد خطوة هامة في تكريس وتشجيع العمل بالبصمة الوراثية في مجال الإثبات الجنائي لمسايرة تطور الدول الغربية السابقة في هذا المجال.



(1)- د.نويري عبد العزيز، المرجع السابق، ص49.
ويشرف على هذا القسم تقنيين وباحثين مختصين في علم البيولوجيا والوراثة، وتتجلى مهمة هذا المخبر في البحث عن الأدلة عن طريق التحاليل المخبرية والتي يتركها الجاني في مسرح الجريمة. وبتعبير آخر يقوم المخبر كذلك بتحليل عينات الدم كما نصت عليه المادة 25 من قانون تنظيم حركة المرور بالإضافة إلى المني ، والشعر والبول واللعاب.
ويتم هذا التحليل بواسطة مناهج وعمليات مخبرية متطورة، وهناك آفاق مستقبلية تدور حول إنشاء بنك معلوماتي لذلك، مع العلم أنه يوجد بنك خاص لبصمات الأصابع في أي مركز للشرطة مثلما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية (1).
كما نجد أن القانون الجزائري جعل مهمة جلب عينات للمخبر من الدم، البول، اللعاب أو الشعر...الخ من أجل تحليلها من قبل مصالح الشرطة التي تقوم عن طريق مختصين في مسرح الجريمة.
والقانون الجزائري مشابه للقانون الألماني في أن الفحص لا يجرى إلا في مخابر الشرطة الفنية العلمية. ولم ينص القانون الجزائري على مجالات استعمال البصمة الوراثية مقارنة بالقانون الفرنسي الذي نص في قانون 98/468 المؤرخ في 17/06/1998 على إجراء تحليل البصمة الوراثية في الجرائم الجنسية. وهذا لوقاية القاصر وعدل هذا الأخير بقانون 2001/1062 المؤرخ في15 نوفمبر 2001 الذي يسمح بتوسيع ملفات البصمة الوراثية (2)
ففي حقيقة الأمر إن المشرع لم يتحدث عن البصمة الوراثية و لكن داخل المخبر نجد أن كل المهندسين على دراية بكل تطورات و متيقنين بضرورة مسايرة هذا التطور، غير أنه توجد مسائل قانونية تفترض هذه الطريقة ( طريقة فحص البصمة الجينية ) و نذكر منها:
أ)- السلامة الجسدية: كما هو معلوم أن فحص البصمات الجينية يجرى على العتاد المأخوذ من جسم الإنسان، غير أن الوضعية الحالية للعلوم لا تسمح في الوقت الحاضر سوى إجراء الفحص على الدم و السائل المنوي و الشعر.
و في الحالات التي لا يمكن الحصول فيها على العتاد الجسدي المرغوب بغرض إجراء الفحص النووي، ينبغي اللجوء إلى المساس بالسلامة الجسدية للفرد المشبوه أو المتهم، وهي سلامة مضمونة دستوريا، حيث نصت المادة 35 من دستور 1996 على أنه " يعاقب القانون المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات و على ما يمس سلامة الإنسان ". فيبقى الحق في السلامة الجسدية حقا مطلقا يحميه قانون الإجراءات الجزائية، وكذا قانون العقوبات عن طريق القضاء الجزائي وحده الذي يقرر ما إذا كان ينبغي إكراه الشخص على أخذ عتاد من جسمه.


(1)- مجلة الشرطة عدد خاص، جويلية2003، ص29.
(2)- مخبر الشرطة العلمية والفنية، قسم البيولوجيا الشرعية.مركز الجزائر
وهو الذي يذكر الحدود والمواضيع الحساسة التي لا يجوز المساس بها، وهي حدود السلامة الجسمية وحرمة الحياة الخاصة (1).
ب- حرمة الحياة الخاصة:
تعد حرمة الحياة الخاصة ثاني حق يمكن أن يتأثر بفحص الحمض النووي لأن التساؤل المطروح يكمن في القول إلى أي مستوى يمكن للفحص أن يشكل تدخلا في الحياة الخاصة للفرد التي يحميها الدستور، حيث نصت المادة 34 منه على أنه " تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة الإنسان، يحضر أي عنف بدني أو معنوي أو أي مساس بالكرامة " وتظهر إحدى الاعتراضات الأساسية على المساس بحرمة الحياة الخاصة في كون فحص البصمة الجينية يفتح المجال للبحث عن الخصائص الوراثية، وهذا الاعتراض مستمد من فكرة مفادها أن معرفة خصائص تكوين الحمض النووي للفرد يكشف عن الاستعداد الإجرامي للمتهم.
إذن يتجلى في أن فحص الحمض النووي الـADN يمكن أن يمد الغير بمعلومات عن المتهم أكثر من المعلومات التي يحتاجها للتحقق من العينات المفحوصة للمقارنة.
و الملاحظ أن البصمة الجينية المتحصل عليها من خلال هذه الطريقة لا تعطي أي معلومة عن شخصية متهم (طول، قصر، رجل، امرأة ) ولهذا يجب على المشرع أن يضع ضمانات صارمة حول كيفية توسيع فحص الأعمدة المشفرة في الإجراءات الجزائية.
وقد نصت المادة 45 من الدستور الجزائري لسنة 1996 " كل شخص متهم يعتبر بريء حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته " وهذا المبدأ لا يتعارض مع تطبيق الوسائل الزجرية، مثل التوقيف للنظر و الحبس المؤقت، رغم أن تطبيق هذه التدابير يمكن أن يكون مطلقا لتأسيس أية إدانة محتملة، ولذلك كفل المشرع تلك التدابير الردعية بضمانات عديدة من حيث الأشخاص الذين يقومون بها.
وخلاصة القول أن معظم الدول المعاصرة التي أدخلت فكرة تحليل البصمة الوراثية في نظمها قد أجازت بعض أشكال القوة والإكراه الممارسين على المتهم في حالة رفضه تحت ضوابط ضمانات قانونية مدققة، وهذه الأخيرة نجدها في الدستور لاعتباره القانون الأسمى للبلاد وكذا في الاتفاقيات الموقع عليها وهذه الضمانات ترتكز على شقين اثنين أحدهما تقني والآخر إنساني ونقصد بالأول وجوب توخي الدقة في أخذ العينات وكذا في إجراء العينات المخبرية وأما الثاني فيكمن جزء كبير منها في مراقبة الفحص، حماية لحقوق المتهم باعتباره كائنا بشريا فكان أولى على المشرع الجزائري أن يأخذ بهذه التقنية الحديثة وأن يضع ضمانات كافية حتى يتمكن من مسايرة التطورات الحاصلة في الدول و التشريعات المعاصرة و من بين الضمانات التي يمكن أن نقترحها في التشريع هي كالآتي:

(1)- د. نويري عبد العزيز، المرجع السابق.ص 46.
1- وجوب الإخطار كتابة بساعة الفحص وبالمخبر الذي يجري فيه هذا الفحص(1)
2-أن يحضر عملية الفحص الخبير الذي يختاره المتهم.
3- أن يتم الإخطار كتابة بنتائج الفحص.
4- أن يمنح الحق للمتهم بإجراء خبرة مضادة في أجل قدره 15يوما من تاريخ الفحص الأول.
5- أن يتم إتلاف العتاد الخلوي بموجب محضر يحرر في الشأن .و كما نذكر الضمانات الواجب مراعاتها في حالة امتناع المتهم ورفضه أخذ العتاد من جسمه (2)
1)- أن يصدر الإكراه من طرف أحد القضاة.
2)- أن يكون الأمر مسببا
3)- أن لا يأمر سوى بالنسبة لعدد محدد من الجرائم " الجرائم الأخلاقية و جرائم القتل "
4)- أن يتم أخذ العتاد من طرف أحد الأطباء كما اتفقت عليه جميع القوانين التي سبق التطرق إليها.
5)- أن لا يأمر به سوى بعد دعوة المتهم كتابة إلى إتباع طريقة الفحص الطوعي (الإرادي)

بخصوص المجهودات العربية يمكن لنا أن نستشف الرغبة و التوجه نحو البدء بالعمل بإجراءات التحاليل الخاصة بالبصمة الوراثية في جميع الدول العربية المسايرة في التطور الذي عرفته جل الدول السباقة في هذا المجال، و لاسيما الإعلانات المتوالية بفتح مخابر التحاليل الخاصة بالبصمة الوراثية في العديد منها نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر،الجزائر، الكويت، السعودية، العراق، مصر، لبنان، في انتظار أن يتجسد عمل هذه المخابر ميدانيا انطلاقا من نصوص تشريعية تدعم ضرورة أجراء هذه التحاليل، و اعتبارها كدليل إثبات سواء في المسائل المدنية أو الجزائية، وهذا يأتي من خلال التعجيل في إدخال تعديلات على قوانينها في هذا الشأن.
و في هذا الصدد و كمثال حي تجدر الإشارة إلى فتح مركز خاص بالبصمة الوراثية للتحاليل الطبية بالعاصمة السعودية " الرياض " و يقدم هذا الأخير خدماته المخبرية بأحدث الأجهزة و التقنيات المتطورة و بأفضل الكوادر الوطنية و العربية المتخصصة و تضم خدمات هذا المركز فحوصات طبية شاملة و كذا برامج فحوصات مخبرية لجميع الأغراض





(1)- د.نويري عبد العزيز، المرجع السابق ، ص48.
(2)- نفس المرجع ص 50.

الطبية المتاح إجراءها داخل و خارج المملكة العربية السعودية و بتعاون سعودي – أوروبي – و تحتوى هذه الفحوصات على عدد كبير يصل إلى ألف خمسمائة (1500) تحليلا شاملا لكل البرامج الطبية المخبرية المعروفة..
و يوفر المركز بعض الخدمات المساندة مثل نقل العينات و استخراج الدم في أماكن تواجد المستفيدين من الخدمات.(1)
و بمناسبة الافتتاح قال غسان عبد الله الغويري، مدير العمليات و التسويق، أن المركز يقدم خصما قدره 25 بالمئة على الروتينية و 50 بالمئة على تحاليل السكر و الحمل مدة شهرين
إن الأبعاد الجديدة لاستعمال المعطيات الجينية البشرية في الأغراض العلمية، الطبية و الشرعية، و كذا احتمالات أن تكون محل استعمالات غير شرعية، جعلت من الأهمية القصوى وضع مبادئ و ضوابط مبنية على احترام شرف الإنسان و احترام التراث الجيني.
و مما سلف نجد لهذه المبادئ محلا في التشريعات، ولم يقتصر هذا على الدول بل إن التفكير في وضع ضوابط و مبادئ جاوزها ليشمل اليونيسكو UNESCO التي من خلال اللجنة الدولية للأخلاقيات البيولوجيةCIB(2) كرست عدة مواد في المشروع المبدئي لوضع آلية دولية حول المعطيات الجينية البشرية (3)
مما جاء فيه كل شخص مادام مالكا لجسده، فإن احترام الإنسان يؤدي بالضرورة إلي احترام حماية تراثه الجيني.
و تقترح المادة 56 أن يكون رضاء خالص و حر وواضح معتمد، وفي تسيير هذه المادة فالرضا يجب الحصول عليه كتابيا، مصحوبا بشروحات لفظية ( orale)، و أما في الحالات التي يتعسر فيها على الشخص التعبير عن رضاه ( الحدث و الإعاقة الذهنية، الحجر القانوني) فإن المشرع اشترط الحصول على رخصة من العدالة مطابقة للتشريع الداخلي و لا تقر المحكمة العليا للشخص المعني كما يمكن للشخص أن يسحب رضاه خلال الآجال دون أن يتعرض للقوة.
و أضافت المادة 8 أن الرضاء يتضمن أيضا الخيار بين التعرف على النتائج من دونه و أخيرا فإنه لا يمكن طلب أخذ العينة إلا بقرار من العدالة ( in vivo ou post ) دون أن يتعارض ذلك مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.




(1)- w.w.w. Islam .com.
(2)- cib : comité international de Bioéthique de L’UNESCO.
(3)- Barreau, q.cc A.myriam jezequel
































المبحث الثاني: البصمة الوراثية في الاجتهاد القضائي
تعتبر مسألة البصمة الوراثية ومدى الاحتجاج بها من القضايا المستجدة التي اختلف فيها فقهاء العصر وتنازعوا في المجالات التي يستفاد منها ومدى اعتبارها حجة يعتمد عليها كليا أو جزئيا، وقد شاع استعمال البصمة الوراثية في الدول الغربية و قبلت بها جل محاكمها.
و بدأ الاعتماد عليها مؤخرا في البلدان العربية و نسبة أعمال الإجرام لأصحابها من خلالها، لذا كان من ألأمور المهمة للقضاة معرفة حقيقة البصمة الوراثية و مدى صحتها في إثبات الأنساب و تمييز المجرمين و توقيع العقاب.

المطلب الأول: في قضاء الدول الغربية:
1- الولايات المتحدة الأمريكية:
في أواسط الثمانينيات أسست بعض الشركات الخاصة بعملية تحديد بصمة الـ ADN لتعيين هوية المتهمين و لعل أبرز شركة هي " سيلمارك دياجنوستيك " و في ولاية ماريلاند و شركة "لايف كوذر كوربورايشن " في ولاية نيويورك.
و في عام 1988 أدخلت بصمة ألـ ADN لأول مرة للمحاكم لتستخدم كدليل في قضية بفلوريدا ضد " توم لي اندروز" و في جانفي1989 بدأت "C.I.A " وكالة الاستخبارات الأمريكية بعد دراسة متأنية للتكنولوجية في معاملها الخاصة في قبول تقصي السيرة من مؤسسات الطب الشرعي للولايات المتحدة، ومنذ ذلك التاريخ استخدمت تقنية ألـ ADN في مئات القضايا بالولايات المتحدة الأمريكية و أختبرت رسميا في عدة دوائر قضائية(1) و تعتبر قضية " سام شيبرد" الذي أدين بضرب زوجته حتى الموت عام 1955 ، و ذلك بموجب حكم صادر عن محكمة أهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، و في فترة وجيزة تحولت القضية إلى قضية رأي عام، و نظرا للضغط الإعلامي أغلق الملف و ذكر أن هناك احتمال وجود شخص ثالث وجدت أثار دمائه على سرير المجني عليها في أثناء مقاومتها، و قضي" سام شيبرد" 10 سنوات في السجن، ثم أعيدت محاكمته عام 1965 و حصل على براءته التي لم يقتنع بها الكثيرون إلا بحلول سنة 1993حينها طلب الابن الأوحد للمتهم فتح القضية من جديد و تطبيق فحص البصمة الوراثية(ADN).





(1)-دانيال كيقلس ولييروني هود/ترجمة : الدكتورأحمد ستجير "الشفرة الوراثية للإنسان"القضايا العلمية والإجتماعية لمشروع الجينوم البشري"
سلسلة عالم المعرفة، ص 213/214، عدد217.
و أمرت المحكمة في مارس 1998 بأخذ عينة من جثة "شييرد سام " و اثبت الطب الشرعي أن الدماء التي وجدت على سرير المجني عليها ليست دماء ""شييرد سام " بل دماء صديق العائلة، و الذي أدانته البصمة الوراثية و اسدل الستار على واحدة من أطول محاكمات التاريخ في جانفي 2000 (1).
- في قضية شارلزفاين:
الذي حكم عليه بالإعدام في سنة 1982 بتهمة اغتصاب و قتل طفلة في التاسعة من العمر، و الذي تم تبرئته مؤخرا بعد أن قضى 18 سنة في السجن، و أطلق سراحه بعد إجراء تحاليل ألـ ADN و تجدر الإشارة إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالية وجد على الضحية بعض الشعيرات أعتبرت أنها له، كما أضاف المتحدث باسم ادارة السجون في ايداهومارك كرنويس أن تحاليل مادة ألـ ADN أثبتت براءة " شارلز" و قد تم إطلاق سراحه مباشرة بعد تلقي القاضي نتائج التحاليل، وهذا بعد إجراء مقارنة شعر شارلز بالشعيرات التي عثر عليها على الضحية. و أضاف أن الإثبات الأساسي ضد شارلز كان الشبه بين شعره و الشعر الذي عثر عليه على الضحية (2).
- قضية بتلر: Buttler:
هذا الشخص الذي أنقذته التحاليل المخبرية من السجن حيث تم إخلاء سبيله في 07جانفي 1999 و هذا بعد أن قضى 16 سنة في سجن " تيلر" بمقاطعة " تيكساس "، هذا الأمريكي ذو البشرة السوداء حكم عليه لمدة 99 سنة بعد إدانته بجنايتي الاغتصاب و اختطاف امرأة بيضاء البشرة في سنة 1983 و قد أجريت عليه تحاليل ألـ ADN من بقايا مني المغتصب و في سنة 1999 أثبتت نتائج التحاليل لثلاثة مخابر أن البصمة الجينية ليست لها علاقة بالمحكوم عليه (بتلر) (3).
وتجدر الإشارة أن الأبحاث التي أجريت من طرف مكتب التحقيقات الفيدرالي ألأمريكي(FBI) على ADN استطاعت تبرئة 54 مسجون كانوا محل عقوبات ثقيلة و هذه التحاليل التي أجريت من طرف مخابر متخصصة و أخرى أكاديمية.
وإبتداءا من شهر أكتوبر 1998 استطاعت وضع بطاقية وطنية مشفرة و هدفها توحيد الإجراءات البيولوجية و المعلوماتية التي تم ربطها ببعضها البعض و هذا عبر 50 ولاية أمريكية.
و نذكر على سبيل المثال، تم اكتشاف الجناة، لحوالي 200 جريمة و هذا ضمن 260.000 ألف بطاقية وتتعلق مجمل هذه الجرائم الأخلاقية بصفة خاصة(4)

(1)-البصمة الوراثية تكشف المستور بتاريخ:24/10/2004.www.khayma.com.
(2)- شبكة النبأ المعلوماتية – الثلاثاء:24/04/2003 www.anabaa.org.
(3)- ماريتيند جاكو، صحفي بجريدة اليونسكو، مقال بعنوان (ADN في قفص الإتهام)، أفريل 2000.
(4)-نفس المرجع السابق.
وقضت المحكمة العليا الأمريكية بأنه في الحالات التي يجيز فيها القانون تحليل الدم في قضايا قيادة السيارات، فإنه يتعين إجراء ذلك بواسطة طبيب أو شخص مؤهل لذلك، ويجب إجراء التحليل بطريقة معقولة.
كما ذهبت المحكمة العليا إلى أن تحليل الدم الذي يجري رغم اعتراض المتهم الذي كان مريضا يعالج في المستشفى من إصابات لا ينطوي على الاعتداء على التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي و في ذلك تقول المحكمة: " أن الاختبار الذي يجري لقياس نسبة الكحول في دم الطاعن كان اختبار معقول و أجري بطريقة معقولة ".
هذا و قد ذهبت نفس المحكمة في حكم لها عام 1966 إلى ما يؤكد هذا المعنى حين أعلنت أن القاعدة القائلة بأنه " لا يجوز إجبار الشخص على اتهام نفسه"، و لا يتضمن إلا حق المتهم في أن لا يكون مكرها على الشهادة ضد نفسه، و هو الأمر الذي لم يحقق في واقعة أخذ عينة من الدم، و استخدام نتائج التحليل في القضية، ثم أضافت المحكمة قائلة:" أننا لا نعتبر في وقتنا الحاضر أن الدستور لا يمنع ذلك التدخل الطفيف في جسم الإنسان في ظروف واضحة محددة إلا أن ذلك لا يعني مطلقا أن الدستور يسمح بتدخلات أكثر خطورة..."
يتضح مما سبق أن المحكمة العليا تقيد إمكان استخدامها من قبل طبيب متخصص وأن يكون من شأن ذلك الإفادة في التحقيق، وألا يكون الاعتداء الذي تمثله هذه الوسيلة خطيرا.
ومع ذلك فإن هناك حالات ذهبت فيها المحكمة العليا إلى عدم استخدام هذه الطريقة فمثلا في قضية "بيدونك" والتي تتلخص وقائعها:
في أن زوجا كان قد أقام دعوى لتطليق زوجته بسبب الزنا طالبا من المحكمة تحليل دم زوجته وولدها، غير أن المحكمة رفضت طلبه، مقررة أن إخضاع الشخص لهذه الاختبارات ضد إرادته يعد اعتداء، وإخلالا بالحصانة التي يقررها القانون العام لحماية الشخص، وتنطوي كذلك على اعتداء على ألفة الحياة الخاصة للإنسان. وفي قضية مماثلة ذهبت المحكمة العليا لولاية "نيوجرسي" إلى "أن التحليل الإجباري للدم لا ينطوي على اعتداء على حرمة الحياة الخاصة للإنسان".
كما عنيت المؤتمرات الدولية بعلاج هذه المسألة، ففي مؤتمر الأمم المتحدة المنعقدة في " فيينا " عام 1960، أوصى المؤتمرين بإمكانية استخدامها، وكما نوقشت هذه المسالة في مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في نيوزيلندا عام 1961. و بصفة خاصة من ناحية استخدامها في الإثبات في حالة قيادة السيارات، تحت تأثير الكحول، وفي قضايا إثبات البنوة، وقد اتجهت غالبية المشتركين في المؤتمرات إلى قبول استخدام هذه الفحوص في البحث الجنائي بصفة عامة و أن استخدام هذه الفحوصات لا يعد اعتداء على حقوق الإنسان، لأن المصلحة العامة أعلى من مصلحة الفرد بل استحسن بعضهم أن تكون هذه الفحوص إجبارية.
وعلى عكس هذا فقد اتجه المجتمعون في مؤتمر الشمال إلى أن الفحوصات الطبية و الفحوصات الجسمانية من شأنها أن تمثل ضررا على حرية الإنسان و يعد اعتداءا على حرية الفرد .
و الدليل على أخذ قضاء الدول الغربية بتحليل البصمة الوراثية القضية التالية: "أن شخصا كان يقوم بجرائم متعددة من اغتصاب وقتل لحوالي 60 فتاة، وإثر التحقيقات المتواصلة استطاعت FBI "المكتب الفيدرالي للتحقيقات" التوصل إلى الجاني، وقامت بالتحقيق معه ومع إبنه الذي كان برفقته في جميع جرائمه، تم إجراء تحليل الـADN. بالنسبة للجاني و المجني عليهن و بذلك أعطت نتائج تحاليل ألـADN الكلمة الفاصلة في القضية ثم طرحت القضية على الرأي العام و على الضحايا ليبدي كل بطلبه، وفي الأخير اعترف الجاني بجرائمه وتم الحكم عليه بـ: 476 سنة مع العلم أن الجاني كان يرتكب جرائم بلا وعي ولا يتفطن إلى جرائمه الوحشية إلا بعد انتهائه منها(1)
2) في القضاء الكندي:










قديم 2011-02-11, 20:37   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة1

تعتبر المحاكم الكندية أن كل إجراء يهدف إلى أخذ عينات لإجراء فحص الـ ADN على شخص معين دون موافقته أو دون وجود سند قانوني يعتبر ذلك عمل غير دستوري، وهذا من قرار المحكمة العليا الكندية لسنة 1998 وهذا يعتبر بمثابة مبدأ قضائي تسير عليه كافة المحاكم الكندية(2).
وتعتبر قضية الرياضي المشهور(Simpson) هي التي مهدت لاستعمال تحاليل الـ ADN ومن حينها أصبح استعمال هذه التقنية في الإجراءات الجنائية وأصبحت كدليل قطعي في الكشف عن هوية المجرمين، وتولي دولة كندا أهمية قصوى لحماية الفرد من كل تعد على حرمة جسده وهذا ما أكدته المدونة الكندية للحقوق و الحريات لسنة 1988.
وإذا رجعنا إلى بدايات استعمال هذه التقنية في كندا حيث كان الانشغال منصبا حول مدى دستورية إجراء تحاليل ألـADN من جهة، وإجراء مقارنة مع ما وجد في مسرح الجريمة من جهة أخرى، الأمر الذي خلص إليه المؤتمر بتوحيد القوانين الكندية الذي تم سنة 1991، وجدد تأكيده سنة 1993 بإصداره لوائح قصد ضرورة أخذ تدابير تشريعية لإباحة أخذ عينات من أشخاص لإجراء فحص ألـADN، وتأكيد على ضرورة الحفاض على هذه العينات، ويمكننا إعطاء مثال على ذلك بالرجوع إلى تقرير اللجنة الكندية الخاصة بالعنف على النساء و التي اقترحت ضرورة إجراء تحاليلADN ويمكن إعطاء مثال في القضاء الكندي: قضية إلحاق نسب طفل لأبيه.

(1)- تم بث القضية على قناة (f2) يوم 28 أفريل 2004 .
2)- « ADN et preuves modernes » « les aspects constitutionnels -Alain Robert Nadeav- Avocat, (15/06/2003)
إذ تعود الوقائع إلى سنة 1995 حين التقى الطرفان(المدعى و المدعى عليها)، وحتى بداية 1996 أقاما مع بعضهما البعض لعدة شهور، وخلال هذه الفترة قامت بينهما علاقات جنسية، ووضعت المدعية في 06/10/1996مولودها.
سنوات بعد ذلك حاولت الأم من خلال دعوى إلحاق نسب الطفل إلى أبيه، أما هذا الأخير فأقر بوجود علاقات جنسية مع المدعية ولكنها كانت غير كاملة، وأنه يجهل إن كان لصديقته علاقات جنسية مع غيره دون أن ينفي وجودها ولما علم بحمل صديقته، لم تكن نيته متجهة إلى نفي أبوته بقدر ما كان يتخوف من إمكانية مطالبته بالنفقة الغذائية.
و بوجود علاقات جنسية بين الطرفين خلال المدة التي سبقت عملية الوضع اعتبر القاضي هذا العنصر كافيا لتبريره الأمر بالفحص، وبالفعل أصدر القاضي "ميشال دولورم" من المحكمة العليا لمونريال" حكما يتضمن أمرا لإخضاع المدعى عليه للفحص عن طريق أخذ عينة من لعابه، ومن ثمة إقامته الدليل على احتمال نسب الطفل له(1)
3- الســــويدي:
حيث قضت محكمة النقض السويدية سنة 1986 بأنه لا يجوز أن تتم عملية الفحص سوى بمساعدة أحد المخابر وبالعكس من ذلك قضت المحكمة العليا بأنه لا يشكل أخذ عينة من الدم من طرف شخص غير الطبيب أو الممرض، عيبا شكليا في الإجراءات يؤدي إلى استبعاد الدليل الحاسم ومبدأ حرية الإثبات في المادة الجزائية يؤدي إلى أن القاضي يبقى حرا في تقديره للدليل يوم الجلسة عند محاكمة المتهم، حتى ولو أن جمع ذلك الدليل في القضاء لم يخضع للإجراءات القانونية المطلوبة.
4- بريطانيا:
لعل أشهر قضية اهتز لها الرأي العام هي قضية " ناربرة " قرية بإنجلترا، وتتلخص وقائع القضية أن شخصا اغتصب فتاتان في هذه القرية بطريقة وحشية ومرهبة. الأولى هي الصبية ليندا مان 15سنة من العمر و التي اغتصبت في سنة 1983، أين عثر على جثتها مغتصبة ومقتولة خنقا ولا أثر للجاني إلا سائله المنوي.
أما الثانية فيتعلق الأمر (بدوين آشويرت) البالغة من العمر 15 عاما والتي اغتصبت بنفس الطريقة سنة 1986وقد تم تكرار اغتصابها بعد موتها مع جثتها بمنتهى الوحشية، وعلى إثر ذلك أرسلت النيابة عينة من دم المتهم ريتشرد بكلاند و عينة من السائل المنوي الذي وجد مختلطا بالجثتين .



(1)- cour supérieur . Montréal : 500-04-0206649-993-REJB 2003-44287, décision du 02/04/03
وهذا إلى مخبر العالم البيولوجي "جيفري" و الغريب في الأمر أن المتهم " ريتشارد" كان قد اعترف بأنه اغتصب الفتاة الثانية وأصر على إنكاره بالنسبة للفتاة الأولى.
وأسفرت نتائج التحاليل التي أجريت على العينات المشار إليها سابقا أن المتهم "ريتشارد بكلاند" لم يغتصب و لم يقتل أي من الفتاتين، وعلى إثر هذه النتائج بدأت أعجب مطاردة في التاريخ، حيث أمرت النيابة الإنجليزية بأخذ عينات دم ولعاب كل شباب ورجال القرية المعنية وحتى من القرى المجاورة.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم نقل وقائع هذه العملية على الهواء مباشرة، وتم بالفعل التوصل إلى معرفة هوية المجرم المغتصب و المسمى "كولين تيشفورك" والذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة في 23/11/1988(1)
كما نورد مثالا آخرا يتعلق برجل كان قد أدين قبل 17 عاما باغتصاب فتاة مراهقة وقتلها، حيث حصل على البراءة بعد أن أثبتت اختبارات الحامض النووي (ADN) أنه لم يرتكب الجريمة.
القضاء الفرنسي:
يمكننا التطرق لـقضية عمر رداد « Omar Raddad » : و التي أخذت أبعادا كبيرة و هزت الرأي العام الفرنسي و الدولي و نورد وقائع القضية: [ التسلسل الزمني للقضية]:
* 23جوان 1991: تم قتل سيدة "غيسلان مارشال" البالغة من العمر 65 سنة بواسطة عدة طعنات خنجر و هذا بمقر سكنها بالمنطقة المسماة "Alpes maritimes ".
* وجدت على الحائط عبارات (قتلني عمر و عمر..... ) مكتوبة بالدم.
* 27 جوان 1991: تم اتهام "عمر" الذي كان يشتغل عند السيدة المجني عليها كبستاني و تم إيداعه في السجن، لكن عمر البالغ من العمر 28 سنة أنكر الوقائع المنسوبة إليه جملة وتفصيلا.
* 23 أوت 1991: أكد خبراء في الخطوط أن العبارات التي وجدت مكتوبة على الحائط بمنزل المجني عليها هي للضحية، الشيء الذي أثقل ملف "عمر" الخاص باتهامه.
* 02 فيفري 1994: أدانت محكمة نيس (مجلس الإنسان) "عمر" وعقابا له قضت عليه بـ 18 سنة سجنا نافذة وما زاد اقتناع المحكمة وكذا هيئة المحلفين هو شهادة خبراء الخطوط الذين أكدوا أنه للمجني عليها.
* 09 مارس 1995: محكمة النقض ترفض الطعن بالنقض الذي رفعه عمر ضد قرار محكمة الاستئناف بنيس(NICE).
10 سبتمر 1995: صرح المسجون السابق من جنسية مغربية و الذي كان مسجونا بسجن كلارفو (Clairvaux)، المدعو "محمد مومن".
(1)-جريدة الوفد المصرية،مقال صادر بتاريخ:20/10/2004. « www.elwafd.org »
- للصحافة المغربية، بأن أحد المسجونين معه (FB) اعترف بقتل المجني عليها (Ghislaine Marchal). "غيسلان مارشال"
* و في 15 سبتمبر من نفس السنة فتحت نيابة (غراس) تحقيق ابتدائي حول القضية.
* 21 سبتمبر 1995:السجين الذي تحدث عليه المغربي"محمد مومن"والمدعو"ألان فيلاس بوا"Alain Vilas-Boas) تم سماعه من قبل المحققين وأنكر ماهو منسوب له، وقدم شكوى (بالبلاغ الكاذب).
* و في نفس التاريخ 21 سبتمبر 1995: "برنار انجو" المحقق الخاص الذي كلفه والد "عمر" بالتحقيق في القضية"، تقدم للدرك الخاص بمقاطعة "قراس" الوسيلة التي تمت بها الجريمة وهي " خنجر خاص بالمطبخ".
* 10 ماي 1996: الرئيس "جاك شيراك" يمنح عفو جزئي "لعمر رداد" و تقلص بذلك عقوبته بأربع سنوات وثمانية شهورـ وقد تم إمضاء المرسوم في 23 ماي من نفس السنة.
* 26 جوان 1996: "جاك توبوت" وزير العدل الفرنسي يصرح بأنه سوف لن يحضر لجنة المراجعة بخصوص قضية "عمر".
* 20 نوفمبر1997: تم اعتماد خبرة للخطوط طلبها الأستاذ فرجاس، و التي تختلف تماما عن نتائج الخبرة الخطية الأولى، حيث خلصت الخبرة إلى أن العبارات المكتوبة على الحائط مسرح الجريمة ليست للمجني عليها.
* 02/09/1998 : مكتب رئيس القضاة بفرنسا يعطي موافقته لإطلاق سراح (حرية مشروطة )
ل "عمر رداد "
* 04/09/1998 : تم إطلاق سراح المدعو "عمر رداد" بعد 07 سنوات من السجن ، و لكن في نظر العدالة يبقي متهم .
*27/01/1999: الأستاذ فرجاس، يودع مذكرة لمراجعة القضية أمام محكمة النقض الفرنسية.
*02/02/2000: لجنة المراجعة الخاصة بالعقوبات الجنائية، تأمر بإجراء تحقيقات جديدة، وكذا إجراء خبرة خطية جديدة لمعرفة صاحب الخط للعبارات المكتوبة على الحائط بمسرح الجريمة، وعلى هذا الأساس تم تعيين الخبيرين / "آن بيروتي" و "فرنسواز درسيني دارنو" .
*17/02/2000: محامي عمر رداد /فرجاس، طلب من اللجنة إجراء تحريات إضافية بخصوص المادة المكتوبة بها العبارتين، و كذا أثر اليد الموجودة أسفل الحائط.
* 31/10/2000: الخبيرين في مجال الخطوط، يودعون نتائج الخبرة المنجزة، وهو تقرير يتكون من 150 صفحة، خلصت إلى أنه لا يكمن الجزم بأن المجني عليها هي التي كتبت العبارات، و لكن الدم المكتوب به العبارتين هو للمجني عليها.
* 27/12/2000: أما الخبرة الأخرى، فأثبتت أن الآثر لليد الموجودعلى الباب يحتوى على دم المجني عليها و لكن ممزوج ( بحمض نووي منقوص الأكسجين من جنس ذكر )
( Masulin =ADN ). و طلبت لجنة المراجعة إجراء مقارنة فورية مع ألـ ADN الخاص بالمتهم "عمر رداد".
* 14/01/2001: العدالة تأمر بإجراء خبرة جديدة على الدعامة الخشبية التي تساعد على اتمام الجريمة و قتل الضحية.
*20/02/2001: ألـADN من جنس ذكر الذي وجد على الباب ليس للمتهم "عمر رداد" ، و لكن الخبراء لم يستطيعوا تحديد هوية هذه البصمة الجينية و لا مصدرها.
*01/05/2001: لجنة المراجعة تتلقى خلاصات الخبراء اللذين فحصوا الآثار الخاصة بالدم بمسرح الجريمة، و التي مفادها أنها ليست "لعمر رداد" .
*14/05/2001: المحامي العام لمحكمة النقض الفرنسية يطلب تحويل و إحالة ملف "عمر رداد" أمام محكمة المراجعة.
* 25/06/2001: و خلصت اللجنة إلى أن الدلائل الجديدة التي أتي بها دفاع المتهن يمكن أن تثير بعض الشكوك في اتهام "عمر" و هذه النقاط هي:
أ- تم تحديد هوية و صاحب الكتابة على الجدران.
ب- تم اكتشاف نوعين من ألـ ADN الذكرين لا ينسبان لعمر.
ج- عدم معرفة تاريخ الجريمة بالضبط....إلخ .
*16/05/2002: محكمة النقض تحدد17 أكتوبر لدراسة إمكانية مراجعة محاكمة المتهم"عمر رداد"
* 17/10/2002 : المحامي العام " لوران دافناس" خلص إلى أنه ليس هناك عناصر جديدة تستدعي إعادة محاكمة عمر رداد، و طلب من لجنة المراجعة بعدم السماح بإجراء محاكمة ثانية للمتهم.
* 20/11/2002 محكمة المراجعة ) تؤكد إتهام و إدانة "عمر رداد" بجناية القتل " المحامي فرجاس يعلن عن لجوءه إلى المحكمة الأوربية بخصوص قضية موكله "عمر رداد".
و تعتبر هذه الأمثلة السابقة بمثابة نظرة سريعة على بعض القضايا التي فصلت فيها المحاكم الغربية، وما هي إلا عينة بسيطة من مجموع القضايا التي عرضت على المحاكم الغربية و التي استعملت فيها تقنية ADN ، وأثببت نجاعتها إلى حد كبير في تبرئة ساحة المئات من المتهمين و إدانة مقترفي الجرائم الحقيقيين (الفعليين)، وهذا ما يشجع الدول العربية لاسيما الجزائر على تبني هذه التقنية و اللجوء إليها و إدراجها في دراستنا القانونية، لأن الهدف الأول و الأخير هو البحث عن الحقيقة.

المطلب الثاني: في قضاء الدول العربية
نظرا لحداثة تقنية ADN من جهة، واعتماد قضاء الدول العربية على الطرق التقليدية في الإثبات من جهة أخرى وكذا خلو تشريعاتها لنصوص قانونية تنظم الإثبات عن طريق الـADN وهذا ما جعل القضاء العربي يفتقر لاجتهادات في هذا المجال، إلا أن هذا لم يمنع من وجود بعض القضايا التي استعملت فيها هذه التقنية ومنها:
1- المملكة العربية السعودية:
في قضية مشهورة وقعت بالمملكة العربية السعودية تطرق إليها ممثل معمل "الأدلة الجنائية للعلماء" في مقر رابطة العالم الإسلامي بمكة أثناء مناقشة البصمة الوراثية، وتتلخص وقائعها فيما يلي: أن امرأة إدعت أن أباها واقعها ونتج عن ذلك حصول حمل، وكان احتمال تصديقها ضعيفا، نظرا لكون الأب في الستينات من العمر ولقوة العلاقة التي تجمعه بالضحية تم تأجيل موضوع التحليل حتى وضع الحمل لكي لا يتضرر الجنين، وعندما تم الوضع وبعد القيام بالتحاليل تبين أن الطفل لا علاقة له بالمتهم (الأب)، و الأغرب من ذلك أنه لا علاقة له بالمرأة المدعية، واتضح أن هذه القضية فيها تلاعب وأن هناك أيادي خفية وراءها، فالنفي عن المتهم لا إشكال فيه، أما النفي عن المرأة الحامل فيه تصادم مع الواقع، وبالرجوع لأسماء المواليد للذين ولدوا في نفس اليوم بالمستشفى اتضح أن عددهم بلغ 30طفلا، وعند حصر الصفات المطلوبة انحصرت في 12 طفلا، تم الاتصال بذويهم واحدا واحدا، حتى تم الوصول للطفل المطلوب و اتضح أن بصمته الوراثية دلت على ارتباطه بالمتهم (الأب)، وأن هناك طفلا لقيطا أدخل المستشفى في نفس اليوم، وعند التسليم تم التبديل بإخفاء الحقيقة(1) من خلال هذه القضية يتضح جليا استعمال هذه التقنية في المملكة العربية السعودية لمعرفة الجاني في جريمة الإغتصاب من جهة، وإلحاق نسب الإبن بأبيه من جهة أخرى، وتجلت فائدة تقنية الـADN في كشف خيوط هذه القضية.
2- الجمهورية العربية المصرية:
لعل أهم وأحدث مثال نورده في القضاء المصري، هو ذلك المتعلق بقضية تفجيرات (طابا) المصرية و التي راح ضحيتها 32 شخصا [ 11 إسرائيليا، 09 مصريين، روسية واحدة(01)،إيطاليتان(02) و09 جثث مجهولة الهوية] وتتلخص وقائع هذه القضية في تعرض فندق بطابا المصرية، لتفجيرات عنيفة، مما أدى بالنيابة العامة المصرية تفتح تحقيقا تحت إشراف المستشارماهر عبد الواحد لمعرفة ملابسات وظروف وهوية مرتكبي الحادث والضحايا، وعلى إثر ذلك أمرت النيابة بإجراء تحليل الـADN للأشلاء المدفونة من عين المكان لتحديد شخصية الجناة، وتم كذلك تحليل البصمة الوراثية للجثث ومطابقتها بالبصمة الوراثية لأهالي المفقودين للتعرف عليها لإتمام إجراءات الدفن، ومازالت تطورات هذه القضية لم تكشف ملابساتها بعد.
(1)- الدكتور: عبد الرشيد محمد آمين بلقاسم، المقال/البصمة الوراثية 16/06/2004 ،www.islamtoday.net
و بعد التحقيقات و التحريات وإجراء فحوصات الـADN ، تم التعرف على هوية الجثتين الايطاليتين، حيث أعلنت مصادر إيطالية التعرف على جثتين لإيطاليتين بعد اعتبارهما في عداد المفقودين منذ الهجوم الذي استهدف فندق هيلتون طابا في سيناء، و أشارت وكالة الأنباء الإيطالية إلى تحليل الحمض النووي للجثتين، وأوضحت أن الجثتين كانتا في مختبر تحليل في تل أبيب، وتم التحقق من هويتهما بإرسال عينات من الحمض النووي من إيطاليا، وكان والدا الشابتين صبرينا-22عاما- وجيسيكا رينودو-20 عاما- قد وصلا في وقت سابق إلى طابا على متن طائرة تابعة للحكومة الإيطالية.
كما أدت هذه التحريات و الفحوصات إلى التعرف على 07 جثث مصرية وجثة سائح روسي ومازالت التحريات متواصلة للتعرف على هوية الجثث الأخرى.
3- السودان:
عرفت دولة السودان تطبيق تقنية البصمة الوراثية(ADN) في مجال الإثبات،وسجلنا ذلك بالخصوص في القضية الشهيرة المعروفة باسم (الحصاحيصا) (1) و التي تلخص وقائعها في وجود اختلاط في هوية طفلين يبلغان من العمر يوما واحدا، حيث قامت القابلة بتسليم كل منهما إلى الأم غير البيولوجية، أي كل أم استلمت إبنا غير الذي وضعته، وبعد طرح النزاع على المحكمة أمرت هذه الأخيرة بإجراء فحص الـADN لكل من الطفلين ومطابقتها بالـADN الخاص بالوالدين وأتت نتائج التحليل بالدليل الحاسم الذي ارتاح له ضميرالمحكمة.
4- في القضاء الجزائري:
نظرا لحداثة تقنية الـADN، ولغياب نصوص قانونية تنظم هذه المسألة، فإننا ورغم بحثنا في اجتهادات المحكمة العليا لم نجد إلا قرارا واحدا ووحيدا ( أنظر القرار في الملحق) ،هو ذلك الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا، ملف رقم 222674 بتاريخ 15جوان1999 قضية (ع،ب) ضد(م،ل) تحت رئاسة السيد" الهاشمي هويدي" الرئيس المقرر (رحمه الله)، والسيدان اسماعيلي عبد الكريم وأمقران المهدي المستشارين، وتتلخص وقائع هذه القضية فيما يلي:
- حيث أن المدعوان(ع ب) و(م ل) تربطهما علاقة زوجية شرعية إلا أنه حدث خلاف بينهما أدى إلى مغادرة الزوج لمسكن الزوجية يوم 14/02/1994، غير أنه ولد لهما توأمين بتاريخ 27/10/1995 أي بعد 19 عشر شهرا من مغادرة الزوج لمسكن الزوجية.
- حلت الرابطة الزوجية بين الطرفين بموجب حكم صادر عن محكمة سعيدة بتاريخ 27/01/1996.


(1)-جريدة الوفد المصرية/ مقال صادر بتاريخ 20/10/2004.، www.el.wafd.org
(2)- الاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية. المحكمة العليا الجزائرية.العدد الخاص لسنة 2002، ص88.
- رفع الزوج دعوى نفي نسب التوأمين أمام محكمة (قديل) بوهران و التي أصدرت حكما بتاريخ 18/01/1998 يقضي بتعيين الدكتور "حاكم أحمد رضا" العامل بالمستشفى الجامعي بوهران خبيرا لفحص وتحليل دم الأطراف و الولدين (ع.أ) و(ع.ع) المولودين في 27/10/1995 قصد تحديد نسب الولدين.
- تم تأييد هذا الحكم بقرار صادر عن غرفة الأحوال الشخصية لمجلس قضاء وهران بتاريخ 05/10/1998.
- تم الطعن بالنقض في هذا القرار أمام غرفة الأحوال الشخصية و المواريث بالمحكمة العليا، والتي أصدرت قرارا بتاريخ 15/06/1999 و القاضي بـ:
* قبول الطعن شكلا.
* و في الموضوع/ نقض القرار و إحالته إلى نفس الجهة مشكلة من تشكيلة أخرى.
* و من بين الأوجه التي أثيرت وأسست المحكمة العليا قرارها عليها، الوجه الثالث المأخوذ من القصور في الأسباب: و ذلك أن محكمة سعيدة و بتاريخ 27/01/1996 قضت بالطلاق مما يعني أن ولادة التوأمين موضوع نزاع كانت في ظل قيام العلاقة الزوجية بين الزوجين، ذلك أن الولادة تمت يوم 27/01/1995 و تغاضت عن مسألة الفرقة بين الزوجين لمدة 19 شهرا، إذ غادر الزوج مسكن الزوجية بتاريخ 14/02/1994. و أسست المحكمة العليا رأيها اعتمادا على أحكام نص المادة 60 من قانون الأسرة(1) و التي تعني أن الانفصال المشار إليها في المادة 43 من ذات القانون (2) .
إنما هو الطلاق لا الانفصال الذي يحدث إثر خلاف بين الزوجين إذ تبقي الزوجة فراشا للزوج إلى أن يقع الطلاق و ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا، أو أمكن الاتصال و لم ينفيه الزوج بالطرق المشروعة أي اللعان ( م 41 من قانون الأسرة )(3).
* وعن الوجه التلقائي المثار من المحكمة العليا و المأخوذ من تجاوز السلطة:
و المتعلق بتعيين خبير قصد تحليل دم التوأمين و الأطراف لتحديد نسب الولدين حيث جاء في القرار " حيث أن إثبات النسب قد حددته المادة 40(4) و ما بعدها من قانون الأسرة، الذي جعل له قواعد إثبات مسطرة وضوابط محددة تعنى بكل الحالات التي يمكن أن تحدث.




(1)- نص المادة 60 من القانون رقم 84/11 المؤرخ في 09/يونيو/1984المتضمن المتضمن "قانون الأسرة"
المادة 60 " عدة الحامل وضع حملها، وأقصى مدة الحمل عشرة(10) أشهر من تاريخ الطلاق أو الوفاة"
(2)- نص المادة 43 " ينسب الولد لأبيه إذ وضع الحمل خلال عشرة (10)أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة"
(3)- نص المادة 41 " ينسب الولد لأابيه متى كان الزواج شرعيا وأمكن الاتصال و لم ينفه بالطرق المشروعة "
(4)- نص المادة 40 " يثبت النسب بالزواج الصحيح و بالإقرار و بالبينة و بنكاح الشبهة و بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32و33و34 من هذا القانون"
و لم يكن من بين هذه القواعد تحليل الدم الذي ذهب إليه قضاة الموضوع، فدل ذلك على أنهم قد تجاوزا سلطتهم الحاكمية إلى التشريعية الأمر الذي يتعين معه نقض القرار المطعون فيه و إحالته لنفس المجلس"
و أضاف قضاة المحكمة العليا " من المقرر قانونا أيضا أنه يثبت النسب بالزواج الصحيح، وبالإقرار و بالبينة وبنكاح الشبهة وبكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32، 33، 34 من قانون الأسرة"
من كل ما سبق ذكره تبين أن السادة قضاة المحكمة العليا بصفتهم قضاة قانون طبقوا النص الحرفي للمادة 40 من قانون الأسرة التي تحدد طرق إثبات النسب، وبذلك فإن قضاة المحكمة العليا، عند نقضهم لقرار المجلس اعتبروا أن قضاة الموضوع قد تجاوزا سلطتهم عندما قضوا بإجراء خبرة طبية، وبذلك يكونوا قد انتقلوا من سلطة إصدار الأحكام إلى سلطة التشريع ومن هنا نتساءل:
س/ كيف انتهى قضاة الدرجة الأولى والثانية إلى تكوين قناعتهم بأن إجراء تحليل دم التوأمين هو الحل الوحيد و الوسيلة المجدية الكفيلة بإثبات نسبهما، رغم دراية قضاة الموضوع بفحوى نص المادة 40 من قانون الأسرة ؟ .
س/ وهل يمكن القول بأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تعطي عدة تفسيرات عند تطبيقها ؟
س/ وهل اعتبر قضاة الموضوع أن تحليل الدم من قبيل البينة التي يثبت بها النسب ؟
إن هذه الإشكالات المطروحة تؤدي بنا لا محالة إلى الحديث عن التقنين الذي يظم المادة 40 وهو قانون الأسرة، و التي أخذت مجمل نصوصه من أحكام الشريعة الإسلامية و بالعودة إلى المادة 40 نجد أنها حددت أساليب إثبات النسب بصفة واضحة و دقيقة لا تثير إشكالات إلا فيما يخص الإثبات عن طريق البينة، فهل يقصد بها شهادة الشهود فقط ؟ أم كل ما يظهر الحق ؟
بالعودة للقانون المدني، يقصد بالبينة شهادة الشهود غير أن أحكام قانون الأسرة مستمدة من الشريعة الإسلامية. و بالعودة إلى هذه الأخيرة نجد أن البينة لم تأت في الكتاب و السنة محصورة في الشهادة و الإقرار فقط بل كل ما أظهر الحق و كشفه فهو بينة مصداقا لقوله تعالى في قصة سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام مع فرعون " قد جئتكم ببينة من ربكم، فأرسل معي بني اسرائيل " قال إن كنت جئت بآية فآت بها إن كنت من الصادقين* فألقى عصاه فإذ هي ثعبان مبين* ونزع يده فهي بيضاء للناظرين" (1)




(1)- الآية 105 - 108 من سورة الأعراف
و قال ابن القيم الجوزيه: " فالبينة اسم لكل ما يبين الحق و يظهره، ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة... أو الشاهد و المرأتين لم يوف مسماها حقه، ولم تأت البينة قط في القرآن مراد بها الشاهدان وإنما أتت مراد بها، الحجة و الدليل و البرهان مفردة و مجموعة، و كذلك قول النبي صلوات الله عليه و سلم: "البينة على من ادعى" و المراد به أن على المدعي أن يقدم ما يصحح دعواه.
و لشاهدان من البينة و ليس كل البينة، و لا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها،كدلالة الحال على صدق المدعي فإن أقوى من دلالة إخبار الشاهد والبينة و الدلالة و الحجة و البرهان و الآية و التبصرة و العلامة و الأمارة متقاربة في المعنى...."(1)
فهذه الأدلة و غيرها دالة على أن الحق إذا تبين بأي وجه كان الأخذ به هو المتعين، ولاشك أن بعض القرائن أقوى بكثير من الشهادة، فالشهادة يمكن أن يعتريها الوهن أو الكذب و الإقرار يمكن أن يكون باطلا يقع لغرض من الأغراض، ومع هذا تعتبر الشهادة و الإقرار ببينة شرعية يؤخذ بهما لكونهما مبنيان على غلبة الظن.
وإذا سلمنا أن نتائج البصمة الوراثية قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين ونفيهم عنهم.
و لو نظرنا إلى واقع ثبوت النسب بالشهادة و كونها تبنى على غالبية الظن و يكفي فيها الإستفاضة و الشهرة مع وجود الإحتمال و الخطأ مع واقع البصمة التي لا تكاد نتائجها تخطئ في ذاتها، و الخطأ الوارد فيها يرجع إلى الجهد البشري، أو عوامل التلوث، أو نحو ذلك، نستطيع أن نجزم أن البصمة الوراثية حجة شرعية يجب العمل بمضمونها إذا توافرت شروطها.
ومن تأمل مقاصد الشريعة والعدل و الحكمة التي قامت عليها الأحكام يظهر جليا رجاحة هذا الأمر .
و يضيف العلامة ابن القيم الجوزية: " فإذا ظهرت أمارات العدل و اسفر وجهه بأي طريق كان، فتم شرع الله ودينه، والله أعلم و أحكم و أعدل أن يخص طرق العدل و أماراته و علاماته بشيء، تم ينفي ما هو أظهر وأقوى دلالة و أبين أمارة فلا يجعله منها و لا يحكم عن وجودها و قيامها بموجبها، بل يبين سبحانه وتعالى في شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط فأي طريق استخرج بها العدل و القسط فهي من الدين وليست مخالفة له" (2)
ما سلف ذكره من شواهد مستقاة من الكتاب و السنة و الفقه الإسلامي تؤكد على مصطلح البينة لا يقتصر على شهادة الشهود بل يتعداها إلى كل ما يؤدي إلى إظهار الحقيقة و إقامة


(1) د. عبد الرشيد محمد الأمين بن قاسم (البصمة الوراثية) في:16/06/2004.www.islamtoday.net.
(2)- مؤلف ابن القيم الجوزية" الطرق الحكمية ، ص19"
القسط جزما و قد سبق أن بينا أن البصمة الوراثية تؤدي إلى إظهار الحقيقة بصفة قطعية وجازمة فإنه يمكن القول أن تقنية تحليل الدم تعتبر بينة صالحة للإثبات.
ولعل هذا ما أدى بقضاة الدرجة الأولى بمحكمة قديل ومستشاري غرفة الأحوال الشخصية بمجلس قضاء وهران إلى تعيين خبير لتحليل دم التوأمين لإثبات نسبهما لأبيهما من عدمه لإعتبار أن تحليل الدم بينة يثبت بها النسب.
و هذا ما اعتبره قضاة المحكمة العليا تجاوزا للسلطة و انتقال من السلطة الحكمية للسلطة التشريعية غير أننا نرى أن قضاة الموضوع لم يجانبوا القانون بل استعملوا سلطتهم في تفسير القانون ففسروا " البينة " الواردة في المادة 40 بمفهومها الواسع، هذا من الناحية القانونية.
أما إذا نظرنا إليها من الناحية العلمية و المنطقية فإنه يمكن اعتبار المبادرة التي قام بها قضاة الموضوع لتحديد نسب التوأمين عن طريق تحليل الدم(أي معرفة مكونات ADN لكل منهما) خطوة ايجابية، فمشكلة إثبات النسب تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية حقوق الطفل أكثر مما هي معرفة نسبه، لذلك يجب مواكبة التطور الذي تعرفه التشريعات الغربية و نقول أنه إذا لم نعط تفسيرا واسعا للمادة 40 من قانون الأسرة، على أنه يتضمن تقنية تحليل الدم كبينة لإثبات النسب فإننا نتطلع مستقبلا و تماشيا مع تطور البحث العلمي في الطب و بما وصل إليه من وضع تحاليل علمية دقيقة، لا يرقى الشك إليها بينت بصفة جلية العلاقة البيولوجية بين المولود ووالديه، إلى ضرورة إدراج هذه الطرق الحديثة (البصمة الوراثية) في أساليب إثبات النسب في الحالات التي تعجز أدلة الإثبات التقليدية للكشف عنها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أهمية المستجدات العلمية و التكنولوجية المستعصية في إثبات النسب في بعض حالاته.
وختاما نجد أن الدول العربية قد تطورت بها أبحاث البصمة الوراثية. حيث أوصى المؤتمر العربي الثالث لرؤساء أجهزة المخابر الجهوية المنعقدة في عمان بتاريخ 10/12/1993 على تضمين تصنيف السوائل البيولوجية بنظام تصنيف الحامض النووي ADN و مدى إمكانية الإستفادة منها في مجال العدالة الجنائية بالدول العربية (1).







(1)- الدكتور: منصور عمر المعايطة " الأدلة الجنائية و التحقيق الجنائي"، المركز الوطني للطب الشرعي – عمان- طبعة 2000، ص79.





إن العلم يتقدم تقدما مذهلا في السنوات الحالية حتى يمكن أن يقال إنه تقدم في ربع القرن الحالي بما يعادل تقدم البشرية في تاريخها الطويل كله، و في مجال الوراثة خصوصا.
و تعتبر قضايا إثبات النسب مشكلة اجتماعية خطيرة تشغل اهتمام الكثير من العلماء في جميع أنحاء العالم، فضلا علي أنها مشكلة قضائية تستغرق سنوات طويلة أمام المحاكم، و يخطىء من يظن أن عملية الحسم في هذه القضايا تتم بسهولة بمجرد عمل تحليل طبي، فهناك فحوص و كشوفات طويلة على ثلاث أطراف: الأم، الأب و الطفل، و للتأكيد من قدرة كل من الزوجة و الزوج على الإنجاب خلال فترة إنجاب الطفل أو ادعاء الحمل فيه.
و على الرغم من مرور وقت قصير على اكتشاف بصمة الجينات إلا أنها استطاعت عمل تحول سريع من البحث الأكاديمي إلى العلم التطبيقي، الذي يستخدم حول العالم و خصوصا في الحالات التي عجزت وسائل الطب الشرعي التقليدية التي لا نجد لها حلا مثل قضايا إثبات النبوة و الاغتصاب و جرائم السطو و التعرف على ضحايا الكوارث و سوف نتطرق إلى المجالات القانونية للبصمة الوراثية و حجيتها كمبحث أول و إلى المجالات الأخرى للبصمة الوراثية كمبحث ثاني.


















I )- المبحث الأول : المجالات القانونية للبصمة الوراثية :
تعتبر مسألة البصمة الوراثية و مدى الاحتجاج بها من القضايا المستجدة التي اختلف فيها فقهاء العصر إذ تعتبر حجة يعتمد عليها كليا أو جزئيا لمعرفة حقيقة الأمور و المعطيات.

المطلب الأول : الأساليب الوراثية لإثبات النسب و الجرائم الجنسية :
لقد شاع استعمال البصمة الوراثية في الدول الغربية و قبلت بها عدد من المحاكم الأوروبية و بدأ الاعتماد عليها مؤخرا في البلدان الإسلامية و نسبة أعمال الإجرام لأصحابها من خلالها لذا كان من الأمور المهمة للقضاة معرفة حقيقة البصمة الوراثية و مدى حجيتها في إثبات النسب و الجرائم الجنسية.
الفرع الأول: إثبات النسب:
تعتبر مشكلة إثبات النسب من المشكلات الاجتماعية التي تشغل اهتمام الفقهاء و القضاة، ومع التقدم العلمي المذهل في تطبيقات الهندسة الوراثية باتت قضية إثبات النسب بالبصمة الورااثية و تداعياتها من القضايا التي تحتاج إلى اجتهاد فقهي عاجل.


















و النسب في اللغة يطلق على معان عدة، أهمها: القرابة و الالتحاق، نقول: فلان يناسب فلانا فهو نسيبه، أي قريبه و يقال: نسبه في بني فلان، أي قرابته فهو منهم نقول انتسب إلى أبيه، أي التحق به و قيل: إن القرابة في النسب لا تكون إلا للآباء خاصة. (1)
وتنحصر أسباب النسب في الإسلام في أصلين هما: النكاح و الاستيلاء لقوله تعالى:
" و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم " ( سورة النساء: الآية 23). فدل على أن الإبن لا يكون إبنا إلا أن لا خلاف بين الفقهاء أن النسب الشرعي لا يثبت في حال تصادم النسب مع الواقع الحسي كما لو ادعت المرأة نسب طفل لزوجها الصغير الذي لا يولد لمثله وكذا لو أتت به قبل مضي ستة أشهر من الزواج.
ويثبت النسب في الشريعة الإسلامية بالطرق التالية:
أ- الفراش:
و هو يعتبر تعبير مهذب عن حالة اجتماع الرجل بالمرأة حيث تكون المرأة كالفراش لزوجها، ولما كان التحقق من حالة (الجماع) بين الزوجين شبه متعذر لكونها مبنية على الستر اكتفى الجمهور بمظنة الدخول خلافا للحنفية الذين اكتفوا بعقد النكاح واعتبروا المرأة فراشا لزوجها يثبت به النسب وذهب بعض المتأخرين كابن تيمية وابن القيم إلى اشتراط الدخول المحقق وعدم الاكتفاء بمظنة الدخول.
ولا شك أن الأول أولى فعامة أحكام الشرعية مبنية على غلبة الظن وإثبات الدخول المحقق في كل حالة متعذر، وإثبات النسب عن طريق الفراش مجمع عليه بين الفقهاء لقوله-صلى الله عليه وسلم-: " الولد للفراش "
ب- الإستلحاق:
وذلك بأن يقر المستلحق بأن هذا الولد ولده أو أن هذا أخوه أو أبوه وغير ذلك، وقد اشترط العلماء للاستلحاق شروطا أبرزها أن المقر له بالنسب ممن يمكن ثبوت نسبه من المقر، فلو أقر من عمره عشرون ببنوة من عمره خمسة عشر لم يقبل إقراره لاستحالة ذلك عادة وعقلا.
فهل هذا الشرط يمكن تنزيله على البصمة الوراثية ؟ هذا ما سيأتي الإجابة عليه في الصفحات التالية :
ج- البينة:
و قد أجمع الفقهاء على أن النسب يثبت لمدعيه بناء على شهادة العدول بصحة ما ادعاه ويكفي في ذلك الاستفاضة بمعنى الشهادة بالسماع بأن يشتهر الأمر بين الناس حتى يصير معروفا بينهم ويقول جمع كبير من الناس سمعنا أن فلانا ابن فلان...



(1)-http/www.islamonline.net/101-arabic/qadava/qd2as-ednrefl
د- القيافة:
وهي مصدر قاف بمعنى تتبع أثره ليعرفه، يقال: فلان يقوف الأثر ويقتافه و القائف هو الذي يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه، والمراد بها هنا الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود.
وقد ذهب الحنفية إلى أن القيافة لا يلحق بها النسب لأنها ضرب من الظن و التخمين بينما ذهب جمهور العلماء بالأخذ بها لدلالة السنة والآثار عليها، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
دخل علي رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ذات يوم مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال: " ألم تري أن مجززا المدلجي نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض"
فدل أن الابن إبنا إلا أن يكون من الصلب لقوله تعالى: " و الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" سورة المؤمنون، الآيات 5-7
وجه الدلالة:
أن سرور الرسول – صلى الله عليه وسلم – دال على إقراره بالقيافة وحاشاه عليه الصلاة والسلام أن يسمع باطلا فيقره أو يسكت عنه.
هـ - القرعة:
وذلك عند التنازع على طفل ولا بينة لأحدهم فيجري القرع وهذه أضعف الطرق ولم يأخذ بها جمهور العلماء وهو مذهب الظاهرية وإسحاق ورواية عند الحنابلة وكذا المالكية في أولاد الإماء.
وهذه الطريقة غير معمول بها في هذا الزمان بفضل الله ثم التقدم العلمي في مجال تحليل الدم و البصمة الوراثية إذ شاعت واستقر العمل بها في مجال التنازع في النسب، ولا ريب أن القرعة لا يصار إليها لوجود الدليل المرجح.
II- طرق إثبات النسب في التشريع:
إن أهم ما يترتب عن الزواج من آثار هو إثبات نسب المولود إلى والده، وإذا كان نسب الولد إلى أمه ثابت بسبب الحمل المرئي و الولادة المعلومة بقطع النظر عن كونه ولدا شرعيا أو ولد زنا فإن نسبته إلى والده ليس دائما سهلا كسهولة نسبه إلى والدته، ذلك أن الشريعة الإسلامية لم تجعل من طريقة إثبات نسب شخص إلى والده إلا طريقة الزواج الصحيح، الزواج الفاسد، الوطء بشبهة أو الإقرار أو البينة، وأبطلت إثبات النسب عن طريق التبني (adoption (، وتضمنت المادة 40 من قانون الأسرة هذه الطرق أضافت إليها كل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد/32-33-34 من هذا القانون و نوردها كما يلي:


1- ثبوت النسب بالزواج الصحيح:
إن الولد يمكن أن ينسب إلى والده من الزواج الصحيح، متى كان هذا الزواج شرعيا، ومتى أمكن الاتصال بين الزوجين، ولم يكن الزوج قد نفاه بالطرق المشروعة "الملاعنة " ، ومتى حصلت ولادته خلال أقل مدة الحمل التي هي بستة شهور (06)، وأكثرها (10) عشرة شهور ، وعليه فإن إثبات النسب بهذه الطريقة يتطلب توافر ثلاث شروط وهي:
• إمكانية الاتصال الجنسي بين الزوجين.
• عدم نفي الولد بالطرق الشرعية ( اللعان)
• ولادة الولد بين أدنى وأقصى مدة الحمل.
2- ثبوت النسب بالزواج الفاسد:
لقد ورد النص في المادة 40 من قانون الأسرة على أنه " يثبت النسب..... وبكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32-33-34 من هذا القانون" ومن مراجعة هذه المواد يتضح لنا جليا أن الأولى نصت على فسخ النكاح أي فساده إذا اختل أحد أركانه، أو اشتمل على مانع أو شرط يتنافى ومقتضيات العقد، أو ثبت ردة الزوج، وأن الثانية قد نصت على أنه إذا تم الزواج بدون ولي أو صداق أو شاهدين، يفسخ قبل الدخول و لا صداق فيه، ويثبت بعد الدخول بصداق المثل، ويبطل إذا اختل أكثر من ركن واحد، والثالثة نصت على أن الزواج بإحدى المحرمات يفسخ قبل الدخول وبعده، وعلى هذا الأساس يمكن الإستخلاص في ثلاث حالات ونوردها كما يلي:
أولا: إذا علمنا أن هذا العقد قد وقع بدون ولي أو بدون حضور الشاهدين على الأقل أو بدون تسمية الصداق أو إغفاله عمدا ولم يكتشف أمره إلا بعد الدخول.
فإن هذا العقد يثبت ويبقى و يترتب عليه ما يترتب على الزواج الصحيح من صداق المثل، وثبوت النسب، والتوارث بين الزوجين وكذا الأبناء.
ثانيا: أما إذا كان الزواج قد انعقد مع احدى المحرمات عن حسن نية أو ثبت ردة الزوج المسلم منهما وخروجه عن الإسلام أو كفره بعد إسلامه، فإن العقد يفسخ ولو بعد الدخول ويترتب عليه ثبوت نسب الولد إلى أبيه إذا جاءت به أمه بعد ستة(06) شهور على الأقل، وقبل انقضاء عشرة (10) شهور على الأكثر ابتداء من تاريخ الدخول أو الخلوة الصحيحة وليس من تاريخ العقد.
ثالثا: الزواج الذي عقد بحسن نية وبدون حضور شاهدين أو ولي أو كرها أو بدون تسمية صداق أو على إحدى المحرمات قد أكتشف أمره قبل الدخول، فإن عقد الزواج يفسخ حالا بحكم من المحكمة بناء على طلب من يعنيه الأمر، ولا ينتج عنه أي أثر.
3- ثبوت النسب بنكاح الشبهة:
هو نكاح يقع خطأ بسبب غلط يقع فيه الشخص، وهو إن كان يحتمل وجوده قبل سنين خلت فإن اليوم يعتبر في حكم الأحداث قليلة الوقوع، كأن يتزوج إنسان امرأة زواجا صحيحا في البداية على اعتقاد أنها حل له وهو حل لها، ثم يتضح بعد الدخول أنها أخته من الرضاع مثلا: " فإذا جاءت هذه الزوجة بولد ينسب إلى الزوج" وإذا جاءت به بعد مرور (10) شهور من تاريخ الفسخ و التفريق بين الزوجين، فلا يمكن إلحاقه بالزوج، هذا كله إذا كان الزوج يجهل أنها أخته من الرضاع.
أما إذا كان كل واحد منهما يعلم به مسبقا، فالزواج باطلا و لا اثر له و الولد يعتبر في هذه الحالة "ولد زنا".
4- ثبوت النسب بالإقرار:
جاء في المادة 44 من قانون الأسرة، وإثبات النسب بالإقرار لا يجوز اعتماده أو الحكم به إلا مع توفر شروط محددة، نوردها على العموم كما يلي:
أ‌) كون الولد المقر أو المعترف به مجهول النسب.
ب( شرط إمكانية أن يولد مثله للمقر.
ج( شرط عدم كون الولد المعترف به مولد من زنا.
د) شرط ثبوت وجود علاقة زواج سابق لتاريخ الإقرار.
ه) شرط تصديق المعترف به لادعاء المقر إذا كان راشد (أي الولد)
5- ثبوت النسب بالبينة:
المقصود بالبينة كل حجة أو دليل يؤكد واقعة مادية وجودا حقيقيا بواسطة السمع أو البصر أو غيرهما من وسائل الإثبات القانونية و الشرعية مما ورد النص عليها في قوانين الإجراءات أو لم يرد.
و لا يمكن تصور هذه الحالة إلا حين يكون الزوج و الزوجة قد جمع بينهما عقد زواج صحيح أو فاسد، أما إذا كانت قد جمعت بينهما علاقة غير شرعية و لا قانونية، ونتج عنها ولد، ثم وقع النزاع بشأن واقعة ولادته أو بشأنه هو في ذاته، فلا يمكن إثبات نسبه إلى أي شخص بأية بينة كانت و لا يمكن تسجيله على لقبه أو باسمه في سجلات الحالة المدنية، باستثناء إسناد نسبه إلى والدته و بتسجيله تبعا لاسمها ولقبها دون أن يحمل لقبها كلقب له.
6- ثبوت النسب بعد الطلاق أو الوفاة:
بمعنى أن الولد يلحق بالزوج المطلق أو المتوفي عن زوجته إذا ولد قبل عشرة (10) أشهر كاملة من يوم الطلاق و التفريق الفعلي بين الزوجين أو من يوم الوفاة، وهذا هو الشرط الواحد و الوحيد الذي وضعه المشرع في مثل هذه الحالات.
هل البصمة يثبت بها النسب ؟
ذهب العلماء المعاصرون إلى اعتبار " البصمة" الوراثية طريقا من طرق إثبات النسب من حيث الجملة و اختلفوا في بعض القضايا الفرعية وقد جاء في قرار المجمع الفقهي بالرابطة يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
أ- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة و نحوه.
ب- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
ج- حالات ضياع الأطفال و اختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحرب و المفقودين"
وقد رأى عدد كبير من الباحثين قياس البصمة الوراثية على القيافة من باب أولى أو اعتبارها قرينة قوية و التي يأخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود و قد جاء في توصية ندوة الوراثة و الهندسة الوراثية المنبثقة عن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية: " البصمة الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية و التحقق من الشخصية، ولاسيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية، وتمثل تطورا عصريا عظيما في مجال القيافة التي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى"
و من خلال التوصية السابقة و البحوث المقدمة في هذا المجال نجد أن فريقا من الفقهاء يرى قياس البصمة الوراثية على القيافة وأن الأحكام التي تثبت بالقيافة تثبت في البصمة الوراثية، ويظهر أن هذا القياس بعيد للأمور التالي:
1- أن البصمة الوراثية قائمة على أساس علمي محسوس فيه دقة متناهية و الخطأ فيه مستبعد جدا، بخلاف القيافة و التي تقوم على الاجتهاد و الفراسة و هي مبنية على غلبة الظن و الخطأ فيها وارد ففرق بين ما هو قطعي محسوس و بين ما بني على الظن و الاجتهاد.
2- أن القيافة يعمل بها في مجال الأنساب فقط بخلاف البصمة الوراثية فهي تتعداها لمجالات أخرى كتحديد الجاني وتحديد شخصية المفقود.
3- أن القيافة تعتمد على الشبه الظاهر في الأعضاء كالأرجل و فيها قدر من الظن الغالب، أما البصمة الوراثية فهي تعتمد اعتمادا كليا على بنية الخلية الجسمية الخفية و هي تكون من أي خلية في الجسم ونتائجها تكون قطعية لكونها مبنية على الحس و الواقع.
4- أن القيافة يمكن أن يختلفوا، بل العجيب أنهم يمكن أن يلحقوا الطفل بأبوين لوجود الشبه فيهما، أما البصمة فلا يمكن أن تلحق الطفل بأبوين بتاتا ويستبعد تماما اختلاف نتائج البصمة الوراثية و لو قام بها أكثر من خبير فالقياس بعيد فهذا باب وهذا باب.
و بناء على ما تقدم فالقيافة باب و البصمة الوراثية باب آخر وهو يعتبر بينة مستقلة أو قرينة قوية يؤخذ بها في الحكم الشرعي إثباتا و نفيا و ذلك للأمور التالية:
1- أن البينة لم تأت في الكتاب و السنة محصورة في الشهادة و الإقرار فقط بل كل ما أظهر الحق وكشفه فهو بينة قال تعالى في قصة موسى مع فرعون: " قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني اسرائيل * قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين* فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين* ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين".
وجه الدلالة:
قال ابن القيم: " فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره و من خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد و المرأتين لم يوف مسماها حقه، ولم تأت البينة قط في القرآن مرادا بها الشاهدان، وإنما أتت مرادا بها الحجة و الدليل و البرهان مفردة ومجموعة، وكذلك قول النبي – صلى الله عليه وسلم-: " البينة على المدعي" المراد به: أن عليه ما يصحح دعواه ليحكم له، و الشاهدان من البينة، و لا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، و البينة و الدلالة و الحجة و البرهان و الآية و التبصرة و العلامة و الأمارة متقاربة في المعنى... فالشرع لم يلغ القرائن و الأمارات و دلائل الأحوال، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهدا لها بالإعتبار، مرتبا عليها الأحكام"(1).
2- قوله تعالى: " وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد م قبل فصدقت و هو من الكاذبين* وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت و هو من الصادقين* فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم".
أن موضع قد القميص اعتبر دليلا على صدق أحدهما و تبرئة الآخر وسمى الله ذلك شهادة.
3- في قصة فتح خيبر قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعم حيي ابن أخطب: " فعل مسك بن حيي الذي جاء به من النضير؟ قال أذهبته النفقات و الحروب، قال: العهد قريب و المال أكثر من ذلك، فدفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى الزبير فمسه بعذاب فقال : قد رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا، فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة" (2).
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- عمل بالقرينة العقلية واعتد بها فكثرة المال و قصر المدة فيه دلالة على الكذب، وقد اعتد بهذا الدليل وأمر بضربه وحاشاه أن يأمر بضربه بلا حجة لأنه نوع من الظلم وهذا مستبعد في حقه- صلى الله عليه وسلم- فدل ذلك على اعتبار القرينة و العمل بموجبها.


(1)- أنظر الطرق الحكمية لابن القيم الجوزية، ص16.
(2)- أخرجه أبو داود(14) كتاب الخراج والأمارة(24) باب ما جاء في حكم أرض خيبر برقم 3006.



فهذه الأدلة وغيرها دالة على أن الحق إذا تبين بأي وجه كان الأخذ به هو المتعين، ولا شك أن بعض القرائن أقوى بكثير من الشهادة، فالشهادة يمكن أن يتطرق إليها الوهم و الكذب وكذا الإقرار يمكن أن يكون باطلا ويقع لغرض من الأغراض ومع هذا تعتبر الشهادة و الإقرار بينة شرعية يؤخذ بهما لكونهما مبنيتان على غلبة الظن.
وإذا علمنا أن نتائج البصمة الوراثية قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهم(1)، و في إسناد العينة(من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها بشهادة مختصين تعين الأخذ بها واعتبارها بينة مستقلة يثبت بها الحكم نفيا أو إثباتا.
و لو نظرنا إلى واقع ثبوت النسب بالشهادة وكونها تبنى على غلبة الظن ويكفي فيها الاستفاضة و الشهرة مع وجود الاحتمال بالخطأ مع واقع البصمة التي لا تكاد نتائجها تخطئ في ذاتها، و الخطأ الوارد فيها يرجع إلى الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك نستطيع أن نجزم بأن البصمة الوراثية حجة شرعية يوجب العمل بمضمونها إذا توفرت شروطها.
و من تأمل مقاصد الشريعة و العدل و الحكمة التي قامت عليها الأحكام ظهر جليا رجحان هذا الأمر قال ابن القيم:
" فإذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، والله أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل و القسط فهي من الدين ليست مخالفة له"
ضوابط إجراء تحليل البصمة الوراثية:
اشترط الفقهاء الباحثين والأطباء المختصين في البصمة الوراثية شروطا عديدة حتى تقبل.
و الذين رأوا أنها تقاس على القيافة اشترطوا شروط القيافة مع بعض الزيادات، والشروط الواجب توفرها مايلي:
1- أن لا يتم التحليل إلا بإذن من الجهة المختصة.
2- يفضل أن تكون هذه المختبرات تابعة للدولة وإذا لم يتوفر ذلك يمكن الاستعانة بالمختبرات الخاصة الخاضعة لإشراف الدولة، ويشترط على كل حال أن تتوافر فيها الشروط و الضوابط العلمية المعتبرة محليا وعالميا في هذا المجال.
3- يشترط أن يكون القائمون على العمل في المختبرات المنوطة بإجراء تحاليل البصمة الوراثية ممن يوثق به علما وخلقا, ان لا يكون أي منهم ذا صلة قرابة أو صداقة أو عداوة أو منفعة بأحد المتداعين أو حكم عليهم بحكم مخل بالشرف أو بالأمانة.


(1)- البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها ، وهبة الزحيلي، ص6
4- أن يجري التحليل في مختبرين على الأقل معترف بهما، على أن تؤخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم معرفة أحد المختبرات التي تقوم بإجراء الاختبار بنتيجة المختبر الآخر.
5- توثيق كل خطوة من خطوات تحليل البصمة الوراثية بدءا من نقل العينات إلى ظهور النتائج النهائية حرصا على سلامة تلك العينات، وضمانا لصحة نتائجها مع حفظ هذه الوثائق للرجوع إليها عند الحاجة.
6- عمل البصمة الوراثية بعدد أكبر من الطرق و بعدد أكبر من الأحماض الأمينية لضمان صحة النتائج.
7- أن يجري اختبار البصمة الوراثية مسلم عدل، لأن قوله شهادة، وشهادة غير المسلم لا تقبل على المسلم إلا الوصية في السفر ونحوه.
هل ينتفي النسب بالبصمة الوراثية دون اللعان؟
اللعان:
شهادات تجري بين الزوجين مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن من جانب الزوج و بالغضب من جانب الزوجة.
القول الأول :
وقد شرع اللعان لدرء الحد عن الزوج إذا قذف زوجته بلا شهود أو أراد قطع نسب الحمل أو الطفل المولود عنه، وهي أيضا حماية وصيانة لعرض الزوجة ودفعا للحد عنها.
و الطريقة التي جاءت بها النصوص الشرعية لنفي النسب هو اللعان.
فهل يصح نفي النسب بالبصمة الوراثية إذا جاءت النتائج تؤكد ذلك و يكتفي بها أم لابد من اللعان أيضا ؟
اختلف الفقهاء المعاصرون في صحة نفي النسب بالبصمة الوراثية فقط دون اللعان و يمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي:
1- لا ينتفي النسب الشرعي الثابت بالفراش (الزوجية) إلا باللعان فقط، ولا يجوز تقديم البصمة الوراثية على اللعان.
وهذا القول عليه عامة الفقهاء المعاصرين ومنهم علي محي الدين، القرداعي، وعبد الستار فتح الله سعيد، ومحمد الأشقر.
وعليه قرار مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة وجاء فيه " لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي نسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان"
القول الثاني:
يمكن الاستغناء عن اللعان والاكتفاء بنتيجة البصمة الوراثية إذا تيقن الزوج أن الحمل ليس منه.
وهذا الرأي ذهب إليه محمد المختار السلامي، ويوسف القرضاوي، وعبد الله محمد عبد الله.

القول الثالث:
إن الطفل لا ينفي نسبه باللعان إذا جاءت البصمة الوراثية تؤكد صحة نسبة للزوج ولو لاعن، وينفى النسب باللعان فقط إذا جاءت البصمة تؤكد قوله وتعتبر دليلا تكميليا.
وهذا الرأي ذهب إليه ناصر فريد واصل، وعليه الفتوى بدور الإفتاء المصرية.
القول الرابع:
إذا ثبت يقينا بالبصمة الوراثية أن الحمل أو الولد ليس من الزوج فلا وجه لإجراء اللعان و ينفى النسب بذلك، إلا أنه يكون للزوجة الحق في طلب اللعان لنفي الحد عنها لاحتمال أن يكون حملها بسبب وطء شبهة، وإذا ثبت عن طريق البصمة الوراثية أو الولد من الزوج وجب عليه حد القذف.
وهذا الرأي ذهب إليه سعد الدين هلالي.
الأدلة:
أولا: استدل القائلون بأن النسب لا ينفي إلا باللعان فقط بمايلي:
1-قوله تعالى:"و الذين يرمون أزواجهم و لم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين*و الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين* و يدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين*و الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين*"
أن الآية ذكرت أن الزوج إذا لم يملك الشهادة إلا نفسه فيلجأ للعان، وإحداث البصمة بعد الآية تزيد على كتاب الله " ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت كان عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمغة مني فأقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال ابن أخي عهد إلى فيه فقام عبد بن زمغة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا(تدافعا) إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إليه فيه، فقال عبد بن زمغة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- هو لك يا عبد بن زمغة الولد للفراش و للعاهر الحجر ثم لسودة بنت زمغة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله(1)
ب/ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- أهدر الشبه البين وهو الذي يعتمد على الصفات الوراثية و أبقى الحكم الأصلي و هو " الولد للفراش" فلا ينفى النسب إلا باللعان فحسب.
3- حديث ابن عباس في قصة الملاعنة وفيه:" أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الإليتين خد لج الساقين فهو لشريك بن سحماء....فجاءت به كذلك فقال الـنبي صلى الله عليه وسلم" لولا ما قضي من كتاب الله لكان لي و لها شأن".


1)- أخرجه البخاري (85) كتاب الفرائض (18) باب الولد للفراش، رقم 6749 و مسلم (17) كتاب الرضاع (10) باب الولد للفراش و توفي الشبهات رقم 1457 و فيه لفظ "فرأى شبها بينا بعتبة "
ج/ قال عبد الستار فتح الله:" إذا نفى الزوج ولدا من زوجته ولد على فراشه فلا يلتفت إلى قول القافة و لا تحليل البصمة الوراثية لأن ذلك يعارض حكما شرعيا مقررا و هو إجراء اللعان بين الزوجين، ولذلك ألغى رسول الله – صلى الله عليه و سلم ( دليل الشبه) بين الزاني و الولد الملاعن عليه.... و دليل ( الشبه) الذي أهدره رسول الله – صلى الله عليه و سلم– هنا يعتمد على الصفات الوراثية فهو أشبه بالبصمة الوراثية و مع ذلك لم يقو على معارضة الأصل الذي نزل به القرآن في إجراء اللعان"
و قال ابن القيم تعليقا على الحديث السابق أن فيه "إرشاد منه – صلى الله عليه و سلم – إلى اعتبار الحكم بالقافة، و أن للشبه مدخلا في معرفة النسب، و إلحاق الولد بمنزلة الشبه، و إنما لم يلحق بالملاعن لو قدر أن الشبه له، لمعارضة اللعان الذي هو أقوى منه الشبه له "(1)
4- إن الطريق الشرعي الوحيد لنفي النسب هو اللعان و لو أن الزوجة أقرت بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشة فإن النسب يلحق الزوج لقوله صلى الله عليه و سلم "الولد للفراش و للعاهر الحجر " ولا ينتفي عنه إلا باللعان، ثم كيف يجوز إلغاء حكم شرعي بناء على نظريات طبية مظنونة.
5- إننا لا نستطيع أن نعتمد على البصمة فحسب ونقيم حد الزنا على الزوجة، بل لابد من البينة، فكيف تقدم البصمة على اللعان ولا نقدمها على الحد.
ثانيا: أدلة القائلين باعتبار البصمة الوراثية:
1- قوله تعالى: " و الذين يرمون أزواجهم و لم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم.."
أن اللعان يكون عندما ينعدم الشهود و ليس ثمة شاهد إلا الزوج فقط حينئذ يكون اللعان.
أما إذا كان مع الزوج بينة كالبصمة الوراثية تشهد لقوله أو تنفيه فليس هناك موجب للعان أصلا لاختلال الشرط في الآية.
2- أن الآية ذكرت درء العذاب، ولم تذكر نفي النسب و لا تلازم بين اللعان و نفي النسب، فيمكن أن يلاعن الرجل و يدرأ عن نفسه العذاب و لا يمنع أن ينسب الطفل إليه إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية.
3- قوله تعالى: " وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين* وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين* فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم".
هـ) أن شق القميص من جهة معينة اعتبرت نوعا من الشهادة و البصمة الوراثية تقوم مقام الشهادة.



(2)- أنظر: زاد المعاد لبن القيم 5/362.
4- إن نتائج البصمة يقينية قطعية لكونها مبنية على الحس، وإذا أجرينا تحليل البصمة الوراثية وثبت أن الطفل من الزوج وأراد أن ينفيه، فكيف نقطع النسب ونكذب الحس و الواقع ونخالف العقل، و لا يمكن البتة أن يتعارض الشرع الحكيم مع العقل السليم في مثل هذه المسائل المعقولة المعنى و هي ليست تعبدية، فإنكار الزوج وطلب اللعان بعد ظهور النتيجة نوع من المكابرة و الشرع يتنزه أن يثبت حكما بني على المكابرة.
5- أن الشارع يتشوف إلى إثبات النسب رعاية لحق الصغير ومخالفة البصمة لقول الزوج في النفي يتنافى مع أصل من أصول الشريعة في حفظ الأنساب، وإنفاذ اللعان مع مخالفة البصمة لقول الزوج مع خراب الذمم عند بعض الناس في هذا الزمان وتعدد حالات باعث الكيد للزوجة يوجب عدم نفي نسب الطفل إحقاقا و باعثا لاستقرار الأوضاع الصحيحة في المجتمع.
الترجيح:
قبل ذكر القول الراجح يجدر بنا أن أشير إلى النقاط التالية:
1- لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوج إذا لاعن ونفي نسب الطفل وجاءت النتيجة تؤكد قوله، فإن النسب ينتفي و يفرق بينهما لكن الزوجة لا تحد لوجود شبهة اللعان و" الحدود تدرأ بالشبهات"
2- لا خلاف بين الباحثين في المسألة لو أن الزوجين رضيا بإجراء البصمة قبل اللعان للتأكد وإزالة الشبهة فإن ذلك يجوز في حقهما، بل استحسن بعض الفقهاء عرض ذلك على الزوجين قبل اللعان.
ويظهر لنا أن البصمة الوراثية إذا جاءت مخالفة لقول الزوج فلا يلتفت لدعواه بنفي النسب، وإن اللاعن و طالب اللاعن، وأن نسب الطفل يثبت للزوج و يجري عليه أحكام الولد وإن جاءت موافقة لقول الزوج فله أن يلاعن وذلك للأمور الآتية:
1- أن الشريعة أعظم من أن تبنى أحكامها على مخالفة الحس و الواقع، فإن الشرع أرفع قدرا من ذلك و الميزان الذي أنزله الله للحكم بين الناس بالحق يأبى كل الإباء ذلك.
فلو استلحق رجلا من يساويه في السن و ادعى أنه أبوه فإننا نرفض ذلك لمخالفته للعقل و الحس فلا يمكن أن يتساوى أب و ابن في السن مع أن الاستلحاق في الأصل مشروع.
وقد رد جماهير العلماء دعوى امرأة مشرقية تزوجت بمغربي و لم يلتقيا وأتت بولد، فإن الولد لا يكون لزوجها المغربي البتة لمخالفة ذلك للحس و العقل وهذا النفي ليس تقديما لقوله صلى الله عليه و سلم" الولد للفراش"، إنما لمخافة ذلك لصريح العقل و الحس.




قال ابن تيمية: " فلا تتناقض الأدلة الصحيحة العقلية و الشرعية، ولا تتناقض دلالة القياس إذا كانت صحيحة، ودلالة الخطاب إذا كانت صحيحة فإن القياس الصحيح حقيقته التسوية بين المتماثلين وهذا هو العدل الذي أنزله الله به الكتب و أرسل به الرسل و الرسول لا يأمر بخلاف العدل"(1).
2- إن آية اللعان قيدت إجراؤه بما إذا لم يكن ثمة شاهد إلا الزوج، ومفهومه أنه لو كان هناك بينة من شهود فإنه لا يجري اللعان بل يثبت ما رمى به الزوج زوجته.
و من البديهي لو كانت هناك بينة أخرى غير الشهادة فلا وجه بإجراء اللعان كما لو أقرت الزوجة زوجها فيما رماها به من الزنى. فإذا منعنا وقوع اللعان لوجود سبب مانع له، فما وجه إجرائه مع وجود بينة قطعية( البصمة الوراثية) تخالف دعوى الزوج. فإننا إذا قمنا بذلك كان ضربا من المكابرة و المخالفة للحس و العقل، و اللعان معقول المعنى معروف السبب و ليس تعبديا محضا.
قال ابن القيم: " و الشاهدان من البينة، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد ..."(2)
فإذا علمنا أن الشهادة أقوى من قول الزوج في اللعان لأن الشهادة مبنية على غلبة الظن أما قول الزوج في اللعان فهو متساوي الطرفين في الصدق أو الكذب أي بنسبة 50% لأنه إما يكون صادقا أو تكون الزوجة صادقة، فهل من الفقه أن ندع بينة قطعية تصل ل 99,9 % تؤكد كذب الزوج ونأخذ ما هو محتمل للصدق بنسبة 50% وننسب ذلك للشريعة ؟؟ !! .
قال ابن القيم: " و الله أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل و آماراته و أعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر و أقوى دلالة و أبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج به العدل و القسط فهي من الدين ليست مخالفة له" (3)
3- قوله تعالى: " أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ".
فإلحاق نسب الطفل بأبيه مقصد عظيم من مقاصد الشريعة، فإذا أثبتت البصمة الوراثية نسب طفل وأراد الأب نفيه للشكوك أو للتهرب من النفقة أو لأي غرض آخر-مع ضعف الذمم في هذا الزمان- فإن العدل يقتضي أن نلحق الطفل بأبيه و لا نمكن الأب من اللعان لئلا يكون سببا في ضياع الطفل.



(1)- أنظر جامع المسائل لإبن تيمية المجموعة 2، ص19.
(2)- الطرق الحكمية، مرجع سابق ، ص19.
(3)- نفس المرجع ، ص19 ، وقد ذكر ابن القيم صورا كثيرة دلت القرينة على الحكم الشرعي بل كانت أقوالا من الشهادة و الإقرار
4- إن الاحتجاج بقصة اختصام عبد بن زمعة مع سعد بن أبي وقاص وإلحاق الرسول – صلى الله عليه و سلم–: الولد للفراش وأمره لسودة بالاحتجاب منه مع أنه أخوها، فقد قال ابن القيم : " وأما أمره سودة بالاحتجاب ، فإما أنه يكون على طريق الاحتياط و الورع لمكان الشبهة التي أورثها الشبه البين بعتبة، وأما أن يكون مراعاة للشبيهين وإعمالا للدليلين فإنا الفراش دليل لحوق النسب، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمال أمر الفراش بالنسبة إلى المدعى لقوته، وأعمال الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة ، وهذا من أحسن الأحكام و أبينها، وأوضحها، ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه وقال: وقد يختلف بعض أحكام النسب مع ثبوته لمانع، وهذا كثير في الشريعة، فلا ينكر من تخلف المحرمية بين سودة و بين هذا الغلام لمانع الشبه بعتبة وما هذا إلا محض الفقه "(1) .
فدعوى أن الرسول – صلى الله عليه و سلم– لم يلتفت لأمر الشبه (البصمة الوراثية) واستدلالهم بالحديث هذا هو استدلال بعيد، بل الحديث حجة عليهم حيث اعتبر الرسول – صلى الله عليه
و سلم– أمر شبه لذا أمر بالاحتجاب.
ففي حال التنازع على طفل ولد على فراش صحيح نما المانع أن نعمل دليل الشبه و نثبت مقتضاه نفيا و إثباتا، يكون درء الحد عن الزوج لوجود شبهة اللعان و بهذا نعمل بالأدلة كلها
لاسيما و أن الطفل ولد على الفراش فيتقوى لإثبات النسب لطفل من جهة " الولد للفراش «، و من جهة البصمة الوراثية، هذا في حال نفي النسب و ثبوت خلاف ذلك من جهة البصمة أما إذا جاءت البصمة تؤكد قول الزوج فيجتمع دليل اللعان مع البصمة فينتفي النسب و ندرأ الحد عن الزوجة لوجود شبهة اللعان.
أما في حال الملاعنة فالأصل أن الطفل منسوب للزوج لأن الزوجة فراش له وجاء أمر الشبه (البصمة الوراثية) تؤكد ذلك الأصل فإننا نعمل بالأصل و نلحق الطفل بأبيه لدلالة الفراش و الشبه نكون أعملنا الشطر الأول من الحديث " الولد للفراش " و ندرأ الحد عن الزوج إذا لاعن لوجود شبهة الملاعنة و الحدود تدرأ بالشبهات و نكون أعملنا الشطر الثاني من الحديث " و احتجبي عنه يا سودة"
و يجاب عن حديث الملاعنة بنحو ما تقدم فقد جاء في الحديث " إن جاءت به أصهييب، أريضح أشبج حمش الساقين فهو لهلال، و إن جاءت به أورق، جعدا جماليا، خدلج الساقين، سابغ الإليتين فهو الذي رميت به – و هو شريك بن سمحاء كما في رواية البخاري – فجاءت به أورق، جعدا، خدلج الساقين، سابغ الآليتين، أي شبيه لشريك بن سمحاء الذي رميت به أي – فقال النبي – صلى الله عليه و سلم– :" لولا الأيمان لكان لي و لها شأن " فقد أفد الحديث أنه حتى لو تمت الملاعنة بين الزوجين و ولد الطفل شبيها بالزوج صاحب الفراش فإنه ينسب له و لا ينفي عنه –


(2)- أنظر البصمة الوراثية و مجالات الاستفادة منها لنصر فريد، ص40
لأن النص جاء بنسبته إليه لأنه أقوى بكثير بمجرد التشبه الظاهري الذي أخذ به رسول الله – صلى الله عليه و سلم– في إثبات النسب و يدرأ الحد عن الزوج لوقوع الأيمان و بهذا عملنا بالأدلة كلها و هذا من دقائق المسائل التي يحضي بها من رزقه الله حظا وافرا من الفقه.
4)- إن اعتراضهم على عدم إقامة الحد على الزوجة اعتمدا على البصمة و الوراثية و اكتفاءا بها دليل على أنها ليست حجة بذاتها يجاب عنها من وجهين:
1- أن هناك فرقا بين إثبات النسب أو نفيه و بين إقامة الحد القائم على المبالغة في الاحتياط فالحدود تدرأ بالشبهات بخلاف النسب فهو يثبت مع وجود الشبهة كما في قصة عبد بن زمعة، فلو ادعت المرآة أنها كانت مكرهة أو أنها سقيت شرابا به مادة منومة و زنا بها أخر فحملت منه كان ذلك كافيا في إسقاط الحد عنها، و كذا الرجل لو ادعي أنه أودع منيه في ( بنك المني) وأن المرأة أخذت منيه بطريقة أو بأخرى واستدخلته وحملت بطفل و جاءت البصمة الوراثية تؤكد لحقوق الطفل وراثيا بذلك الرجل لم يحد لوجود شبهة، لا لأن البصمة ليست حجة.
2- إن من العلماء المعاصرين من يقول بإقامة الحد إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية ولم يدع المتهم اعتمادا على هذه البينة وأخذا بما أخذ به بعض الفقهاء المتقدمين كما قال ابن القيم: " و الرجوع إلى القرائن في الأحكام متفق عليه بين الفقهاء، بل بين المسلمين كلهم، وقد اعتمد الصحابة على القرائن فرجموا بالحبل وجلدوا في الخمر بالقيء و الرائحة وأمر النبي باستنكاره المقر بالسكر وهو اعتماد على الرائحة ... فالعمل بالقرائن ضروري في الشرع و العقل و العرف "
3- إن الفقهاء نصوا على أن الملاعن لو بدا له أن يعود في قوله ويلحق ابنه الذي نفاه باللعان جاز له ذلك لزوال الشبهة التي لاعن من أجلها، فهل من الحكمة ومن العدل أن يتجاسر الناس للتعرض للعنة الله أو غضبه وندع البينة(البصمة الوراثية) و لا نحكمها بينهم، ثم بعد اللعان يعود ويلحق ما نفاه !! فإن هذا من الفقه البارد.
أن البصمة الوراثية يجوز الاعتماد عليها في نفي النسب ما دامت نتيجتها قطعية كما يرد دعوى الزوج في نفي النسب إذا أثبتت نتائج البصمة الوراثية القطعية لحوق الطفل به، لأن قول الزوج حينئذ مخالف للحس و العقل و ليس ذلك تقديما للعان، و ينبغي للقضاة أن يحيلوا الزوجين قبل إجراء اللعان لفحوص البصمة الوراثية لأن إيقاع اللعان مشروط بعدم وجود الشهود، فإذا كان لأحد الزوجين بينة تشهد له فلا وجه لإجراء اللعان.
و الأخذ بهذه التقنية يحقق مقصود الشرع في حفظ الأنساب من الضياع و يصد ضعفاء الضمائر من التجاسر على الحلف بالله كاذبين، والله أعلم.
الطرق العلمية الحديثة لإثبات النسب وموقف القضاء منها :
تعتبر قضايا إثبات النسب مشكلة اجتماعية خطيرة تشغل اهتمام كثير من العلماء، وفي جميع أنحاء العالم فضلا على أنها مشكلة قضائية تستغرق سنوات طويلة أمام المحاكم.
و يخطئ من يظن أن عملية الحسم في هذه القضايا تتم بسهولة بمجرد عمل تحليلي طبي، فهناك فحوص و كشوفات طويلة على ثلاثة أطراف: الأم، الأب والطفل، للتأكد من قدرة كل من الزوجة و الزوج على الإنجاب خلال فترة إنجاب الطفل أو ادعاء الحمل فيه، وكذلك شخصية وسن الطفل بعد ذلك يأتي دور التحاليل الطبية، وتشمل فصائل الدم الرئيسية و الفرعية و اختبارات مصلية تتعلق بمستحضرات ( أنتيجينات) خلايا الدم البيضاء، و هو ما يطلق عليه: (HLAS) ولكن هذه التحاليل لا تعطي أكثر من 40% فقط، وهي نسبة تثير الشك أكثر من اليقين في مسائل إثبات البنوة.
على الرغم من مرور وقت قصير على اكتشاف بصمة الجينات إلا أنها استطاعت عمل تحول سريع من البحث الأكاديمي إلى العلم التطبيقي الذي سيخدم العالم، وخصوصا في الحالات التي عجزت وسائل الطب الشرعي التقليدية التي لا نجد لها حلا، مثل قضايا إثبات البنوة، والإغتصاب وجرائم السطو و التعرف على ضحايا الكوارث.
1- النتائج العلمية لفحص الدم:
نتيجة للتجارب التي قام بها الطبيب النمساوي " لاندستيتر" عام 1900م تم وضع الأساس الكيميائي الذي على أساسه صنف الدم البشري إلى الفصائل الأربعة المعروفة: A,B,AB,O وهو:
- وجود مواد مولدة (أنتيجينات) Antigènes على أسطح كرات الدم الحمراء.
- وجود أجسام مقابلة للمواد المولدة، وهي الأجسام المضادة Anti – corps في بلازما الدم.
ويتضح من الجدول التالي هذه الفصائل و ما يقابلها من أنتيجينات وأجسام مضادة و تراكيب جينية.

تراكيب الجينية الأجسام المضادة المادة المولدة الفصيلة
(AA) نقي
(AO) هجين B A A
(BB) نقي
(BO) هجين B B B
(AB) - AB AB
(OO) AB - O
و من هنا نتساءل كيف تنفى الأبوة بناء على معرفة فصائل الدم ؟ و للإجابة عن هذا السؤال نتعرض لمرحلتين:
2- نتائج فحص الدم دليل للنفي:
أ- تحدد فصيلة دم كل من الطفل و الرجل و الأم و التراكيب الجينية المحتملة لكل من هذه الفصائل.
ب- يقارن التركيب الجيني لفصيلة الطفل مع فصيلة الرجل:
إذا كان هناك احتمال مشاركة أحد جيني فصيلة الرجل في التركيب الجيني لفصيلة الطفل فإنه في هذه الحالة تحتمل البنوة، وذلك لوجود أكثر من رجل يحمل هذه الفصيلة.
مثال: الطفل الذي فصيلته o فيكون التركيب الجيني لفصيلة أبيه oo والأم التي فصيلتها Aفيكون التركيب الجيني لفصيلة دمها AA أو AO و الرجل الذي فصيلته B فيكون التركيب الجيني لفصيلة دمه BB أو BO.
واضح أن الأم لابد أن تكون فصيلتها AO وحتى لو كان الرجل فصيلة دمه BOفهذا لا يثبت البنوة بل يحتملها لنفس السبب السابق.
أما إذا كان هناك استحالة مشاركة التركيب الجيني للرجل في التركيب الجيني لفصيلة الطفل في هذه الحالة تنفى البنوة تماما.
في المثال السابق إذا كانت فصيلة الرجل ABتنفى البنوة تماما لعدم وجود التركيب الجينيOالثاني للطفل في فصيلة الرجل(1)، وتمكن المعلومات الوراثية لأي خلية من تتابع الشفرة الوراثية(تتابع القواعد النيتروجية الأربعة التي وهبها الله للحياة، وهي الأدينين(A)، و الجوانين(G)، و السيتوزين(C)، والتيامين(T) التي تكون المادة الوراثية في صورة كلمات وجمل تقوم بتخزين المعلومات الوراثية في لوح محفوظ مسئول عن حياة الفرد.
فحديثنا تمكن " إليك جيفيرس"، من جامعة لستر بالمملكة المتحدة، من اكتشاف اختلافات في تتابع الشفرة الوراثية في منطقة " الأنترون Intron " متمثلة في الطول و الموقع وقد وجد أن هذه الاختلافات ينفرد بها كل شخص تماما مثل بصمة الإصبع، لذلك أطلق عليها بصمة الجينات، باستثناء نوع نادر من التوائم المتطابقة الناشئة عن انقسام بويضة مخصبة واحدة. وبحساب نسبة التمييز بين الأشخاص باستخدام بصمة الجينات، وجد أن هذه النسبة تصل إلى شخص من بين 300مليون شخص، أي يوجد شخص واحد يحمل نفس بصمة الجينات، وقد وجد أيضا أن بصمة الجينات تورث طبقا لقوانين "مندل" الوراثية.
3- تعيين بصمة الجينات:
كل ما هو مطلوب لتعيين بصمة الجينات هو عينة صغيرة من الأنسجة التي يمكن الاستخلاص منها الحمض النووي الريبوني المنقوص الأكسجين ADN فعلى سبيل المثال نحتاج:
- عينة من الدم في حالة إثبات البنوة، و من الأمثلة الغريبة في قضايا البنوة و التي عرضت على الطب الشرعي، وكان للفصائل فيها الكلمة الحاسمة، قضية أحد أثرياء الوجه البحري وكان متزوجا بإحدى السيدات في القاهرة ثم طلقها بعد أن أنجبت طفلا، وذهب إلى بلدته وتزوج إحدى قريباته وانجب منها عددا من الأطفال، وكانت السيدة الأولى قد نسبت طفلها إليه ولم ير الرجل غضاضة غي الإنفاق عليه حتى شب وتعلم تعليما عاليا وتخرج ليشغل إحدى الوظائف الكبيرة في الشركات.



بقلم د/وجدي سواحل. المرجع السابق. ص 45.
(1)- www.islamonline.net
وعند ذلك تراءى للثري أن يكتب كل ما يملك من مال وعقار باسم أولاده و علمت السيدة التي تقطن بالقاهرة أنه لم يشرك إبنها في ثروته، فدفعها ذلك إلى شكواه أمام القضاء.
- وعند سؤال الثري قرر أن الشاب ليس إبنه وطلب إحالة القضية إلى الطبيب الشرعي لتحليل دمائه، وعندما سئل لماذا أنفق على الشاب منذ ولادته قرر أنه كان يعلم منذ مولده أنه ليس إبنه وإن إنفاقه عليه كان على سبيل الإحسان. وعندما فحص الطبيب الشرعي دم الثري ودم كل من الشاب وأمه ثبت له بصفة قاطعة أن الشاب لا يمكن أن يكون إبنا للثري(1)
- عينة من الحيوان المنوي في حالة اغتصاب.
- قطعة جلد من تحت الأظافر أو شعيرات من الجسم بجذورها في حالة وفاة بعد مقاومة المعتدي(2)
- دم أو سائل منوي مجمد أو جاف موجود على مسرح الجريمة أو عينة من اللعاب، وحديثا تمكن العالمان الأستراليان " رولندفان" و " ماكسويل جونز" في عام 1997 من عزل المادة الوراثية من الأشياء التي تم لمسها مثل: مفتاح التيليفون و الأكواب بعد استخلاص المادة الوراثية، حيث يتم تقطيعها باستخدام انزيمات التحديد ثم تفصل باستخدام جهاز الفصل الكهربائي، ثم تنقل إلى غشاء نايلون، ثم باستخدام مسابر خاصة Probes يتم تعيين بصمة الجينات على فيلم أشعة.
و على ضوء هذه المعطيات العلمية المتاحة، تبين أن فصائل الدم تفيد في الحصول على دليل نفي قاطع، ولكنها لا تفيد في الحصول على دليل إثبات مؤكد بل هي قرينة يعوزها البرهان. وهكذا يكون واضحا أهمية هذا التحليل بالنسبة للطرف الذي يريد التوصل إلى دليل نفي. فهذا الفحص يمكن أن يفيده في خصوص دعواه، إذ قد يثبت من نتيجة التحليل أن الطفل لا يمكن أن ينسب إليه. وهو ما يفسر لنا جواز التمسك للخصوم أمام المحاكم بضرورة فحص الدم في مجال النسب بهدف الحصول على دليل نفي البنوة.
أما بالنسبة للطرف الذي يريد التوصل إلى دليل إثبات البنوة، فلن يجدي معه هذا التحليل. فالزوجة العفيفة التي اتهمها زوجها زورا وبهتانا بأن الولد ليس منه لن تجد في تحليل الدم الوسيلة التي تنهض لإثبات أن الطفل يعزى للزوج غاية ما تحصل عليه هو احتمالات غير مؤكدة لا تؤدي إلى أي اقتناع بصحة موقفها.
أما اليوم وقد أضاف التقدم البيولوجي في مجال الوراثة إلى المعطيات العلمية السابقة (حيث كان فحص الدم يعتمد على نظام الفصائل) معطيات علمية أكثر تطورا ( حيث أصبح من الممكن الإعتماد على ما لا يقل عن عشرين نظاما لفحص الدم)، فإنه كان وحتما أن تضاف نتائج جديدة على ما سوف نراه في المرحلة الثانية.



(1)- د.رمسيس بينهام: المرجع السابق، ص115،114
(2)- www.Islam Online.Net
4- نتائج فحص الدم مؤكد للنفي أو الإثبات:
على إثر اكتشاف حمض معين في جسم الإنسان، أمكن اكتشاف جزء معين في تركيب هذا الحمض، ويتميز هذا الجزء بأنه يحمل الصفات الوراثية الخاصة بكل فرد و التي تبقى ملازمة له مدى حياته، ولقد سميت هذه الصفات البصمة الوراثية لأنه لا يتشابه فيها إنسان آخر، فلكل إنسان على وجه الأرض بصمته الوراثية الخاصة به. ومعرفة البصمة الوراثية لشخص ما يتم عن طريق فحص الحمض النووي لإحدى المواد السائلة في جسمه كالدم، و المني، و اللعاب. أو لأحد أنسجة الجسم (اللحم أو الجلد) أو مواد أخرى كالشعر و العظام.
ففي مجال النسب، أتاحت دراسة توافق الصفات المميزة الموجودة في الحمض النووي للأم وتلك الموجودة في الحمض النووي للطفل إلى تخريج تركيبة لا توجد إلا عند شخص واحد فقط. هذا الشخص هو الاب الحقيقي أو البيولوجي للطفل. وعليه إذا وجدت هذه التركيبة عند المدعي عليه بأنه الأب، فهذا يعني بشبه يقين أنه الاب الذي منه كان الطفل. وهكذا لم يعد فحص الدم قاصرا على دوره التقليدي وهو كونه دليلا مؤكدا على نفي البنوة، وإنما أصبح له دور حديث صار دليلا على إثبات البنوة و بطريقة لا تقبل الشك(1).
ونظرا لأهمية هذا الفحص الحديث سواء في مجال النسب أو غيره وخطورته في نفس الوقت فلقد أوصت اللجنة القومية للأخلاقيات في فرنسا بقصر استخداماته على بعض المعامل المتخصصة و المعتمدة رسميا. كما أوصت بألا يجري هذا الفحص إلا بناءا عن أمر أو حكم قضائي، وأوصت أخيرا بألا ينتدب في هذه المسائل كخبراء لدى المحاكم سوى المختبرات المعتمدة رسميا و المتخصصة في هذا المجال.
5- موقف القضاء من نتائج فحص الدم:
يتضح للمتتبع لأحكام القضاء الفرنسي بخصوص دعاوى النسب مدى الترحاب الذي قوبلت به النتائج الحديثة لأنظمة فحص الدم باعتبارها وسيلة نفي أو إثبات بطريقة لا تقبل الشك، أو بالأحرى بطريقة تقترب من اليقين، وهو ما يتأكد من خلال استعراضنا لعدد من المنازعات التي عرضت على القضاء، وذلك على النحو التالي:
أ- دعوى تنازع النسب:
في هذا المجال ننظر إلى الأحكام الصادرة عن محكمة استئناف باريس حول النزاع الذي تتلخص وقائعه في أن سيدة متزوجة أنجبت طفلا وألحق نسبه لزوجها ثم طلقت وتزوجت بآخر. وبعدها رفعت دعوى تطلب فيها نفي نسب الطفل من مطلقها وثبوته من زوجها الثاني.




(1)- محمد أبو زيد: " دور التقدم البيولوجي في إثبات النسب " العدد 2، 1996، جامعة الكويت، ص280.
قضت محكمة الاستئناف في 11 ديسمبر 1975 بتكليف خبير حددت مهمته بإجراء اختبارات الوراثة بالنسبة للأطراف المعنية (الأم، الطفل، المطلق، الزوج الثاني) بغرض توضيح أي من الزوجين يعد مستبعدا ولا يعزى إليه نسب الطفل، و أيهما لا يعد مستبعدا ويمكن اعتباره الأب و في حالة عدم الاستبعاد على الخبير أن يوضح درجة احتمال الأبوة.
و قد أودع الخبير في 03/03/1976 تقريره الذي يفيد استبعاد الزوج الأول واعتبار الزوج الثاني هو الأب الحقيقي للطفل على وجه يقترب من اليقين حيث قدر نسبة احتمالات الأبوة بدرجة تصل 999،84 من الألف، واستنادا إلى هذا التقرير قضت المحكمة في 16/12/1976 بلزوم ثبوت نسب الطفل إلى الزوج الثاني باعتباره الأب الحقيقي.
ب) دعوى إثبات البنوة الطبيعية:
أيدت محكمة النقض في 17 نوفمبر 1986حكم محكمة الاستئناف فيما انتهت إليه هذه الأخيرة من ثبوت البنوة الطبيعية لطفل من الأب المدعي عليه بعد أن كشف فحص الدم الذي أمرت به المحكمة أنه من المستحيل استبعاده كأب. وقد رأت محكمة النقض أنه لا تثريب على محكمة الاستئناف إن هي التفتت عن إجابة طلب الأب المدعي عليه بإجراء فحص دم مكمل للفحص السابق بغرض تحديد نسبة ترجيح كونه الأب متى وجدت في الفحص الأول ما يقيد استحالة أن الطفل لا يعزى إليه.
وفي حكم آخر لها في 01 فبراير 1983 أيدت حكم محكمة الاستئناف الذي قضى بنسب طفل للاب المدعى عليه بعد أن تبين أن فحص الدم قد قطع في عدم استبعاد المدعى عليه وأن ترجيح اعتباره الأب يكاد يكون يقينا. ولذا فلا تثريب على محكمة الاستئناف أن ترفض طلب الأب المدعى عليه بإجراء فحوصات تكميلية لتحديد تاريخ بدء الحمل، بهدف أن يثبت أن الحمل حدث في الفترة التي كان متغيبا فيها و من ثم لا يكون الحمل منه.
و حصيلة حيثيات الحكمين السابقين، كما يقول أحد الفقهاء، هي أن الأب المدعى عليه يجد نفسه منساقا إلى الكمية، إذ يطلبه إجراء فحص الدم في ظل المعطيات العلمية الحديثة التي تقطع بنتائج شبه يقينية لا بإثبات النسب فقط و إنما في إثباته أيضا إنما يشير بنفسه إلى نفسه بأنه الأب الحقيقي أو الأب البيولوجي.
ج)- دعوى النفقة:
دعوى النفقة هي دعوى تقوم-وفقا لأحكام القانون الفرنسي- على أساس توافر ما يشير إلى أن الطفل يمكن أن ينسب للشخص المدعى عليه، ولو بدليل محتمل. فهي إذن دعاوى لا تستند إلى وجود دليل مؤكد بأن المدعى عليه هو الأب الحقيقي. وهي تثور غالبا في الحالات التي تثبت فيها أن أم الطفل على علاقة بعدد من الرجال أثناء فترة الحمل. وعندئذ وبشروط معينة تسمح أحكام القانون الفرنسي بتوزيع عبء النفقة المطلوبة على من يثبت تحليل الدم أنه من المحتمل أن يكون
الأب، هذا في ظل المعطيات العلمية التي لم تكن تسمح بتقديم دليل مؤكد في إثبات النسب. أما اليوم و في ظل النتائج الحديثة لفحص الدم، فإن القضاة يلجأون لهذا الدليل العلمي لمعرفة من بين هؤلاء الذين كانوا على صلة بأم الطفل يمكن أن ينسب إليه الطفل بطريقة مؤكدة(1).
وهذا ما يتضح من موقف محكمة باريس الجزائية حيث قضت في 29نوفمبر 1982 بتكليف خبير تكون مهمته إجراء فحص الدم للأشخاص الذين كانوا على صلة بأم الطفل موضوع النزاع لمعرفة أيهما هو الذي تفيد النتائج بأنه الأب الحقيقي أو البيولوجي. وكانت المفاجأة أمام محكمة باريس في حكمها الصادر في 06 ديسمبر 1983، حيث جاء بتقرير الخبير أن نتائج تحليل الدم تفيد أن أيا من الرجلين اللذين اقتسما العلاقة مع أم الطفل في إحدى الليالي لا يمكن أن يكون الأب. ولذا يقول أحد المعلقين إنه يجب على الأم أن تبحث عن رجل ثالث لتحصل منه على التعويض.
د) دعوى إثبات البنوة الشرعية:
في هذا المجال نجد الحكم الصادر عن محكمة باريس الجزائية في 24 يناير 1983، وتتلخص الوقائع في طلب الزوج لإجراء فحص الدم من أجل التحقق من ادعائه بأنه ليس أبا للطفل الذي ولدته زوجته بعد أكثر من 300 يوم من تاريخ عدم إمكان المصالحة بينهما وقرار المحكمة بانفصالهما.
وقد استجابت المحكمة لهذا الطلب رغم أنه قد ثبت لديها من وقائع النزاع أن الزوج كان يقضي في غالب الأحيان الليل أو عطلة نهاية الأسبوع عند زوجته وأيضا على الرغم من ثبوت أنه كان قد اصطحبها في زيارة أحد الأطباء لإجراء عملية إجهاض. و هكذا يبقى واضحا أنه رغم قيام الدليل الظاهري على أن الزوج هو الأب الحقيقي، إلا أن المحكمة استجابت لطلب فحص الدم لتقديم الدليل على أنه لا يمكن الأب الحقيقي للولد المزعوم أنه منه.
و إذ يظهر من الأحكام المتقدمة مدى اقتناع القضاة بالنتائج الحديثة لفحص الدم واختبارات الوراثة كدليل على نفي النسب أو إثباته، فإن هذا أمر يسجل لهم بكل فخر إذ ما كان يجب لبيئة تنظر بعين الارتياح لمحاولات التقريب بين الطب و القانون أن تهدر دليلا علميا مؤكدا في مجال مهم كهذا وخاصة أن الأدلة الأخرى لا تقدم مثل ما يقدمه هذا الدليل العلمي من مساعدة في إظهار الحقيقة.
فرع ب) إثبات الجرائم الجنسية:
إن ترك المجرم لآثار على مسرح الجريمة وراءه سواء بصماته على الأجسام أو عينة من دمه أو لعابه.....الخ تعد دليلا للإثبات ومن ثمة فالإنسان يكون قد قدم دليلا ضد نفسه.



(1)- د. محمد أبو زيد: المرجع السابق، ص284.
ومع هذا يؤخذ به في مجال الثبوت وهذه الطريقة يقتصر إجراؤها على عدد قليل جدا من المشبوهين في القضية ذاتها ولكن قد تتوسع فيما بعد عند إنشاء قاعدة بيانات تشمل جميع المشبوهين وأصحاب السوابق في القضايا الخطيرة التي تهدد كيان المجتمع و استقراره وهي ما سنتطرق إليها بشيء من التفصيل كالجرائم الجنسية (الإغتصاب و الفعل المخل بالحياء)
I) الاغتصاب:
إن نسبة النجاح التي تقدمها الجينات تصل إلى حوالي 96% مما شجع الدول المتقدمة الرائدة في هذا المجال مثل أمريكا و بريطانيا و الدول الأخرى المسايرة لها على استخدامها كدليل جنائي بل إن هناك اتجاه لحفظ بصمة الجينات للمواطنين مع بصمة الأصبع لدى الهيآت القانونية إذ تم على أساسها الحسم في الكثير من القضايا بناء على استخدام بصمة الجينات كدليل جنائي.
ويعد جرم الاغتصاب من أخطر الجرائم الماسة بحرية الفرد و من ثمة تهديد استقرار المجتمع وهو ما دفع أغلبية مشرعي العالم إن لم نقل جلهم إلى توقيع أقصى العقوبات لردع مقترفيه محاولة لإرضاء ضحاياه.
- إن تعريف الاغتصاب مختلف من بلد إلى آخر نتيجة لإختلاف عقائدها و عاداتها فإذا نظرنا إلى قانون العقوبات الجزائري بمنظار إسلامي يبدو لنا أنه قانون ليبرالي إلى درجة الإباحية باعتباره مبنيا على مبدأ الحرية الجنسية و يترتب على ذلك أن لا جريمة و لا عقوبة متى بلغ الطرفان سن التمييز (16 سنة) و توافرت لديهما الإرادة (1) .
أما إذا نظرنا إليه بمنظار غربي فيبدو لنا أنه قانون محافظ كونه يقيد الحرية الجنسية من حيث تجريمه للزنا على سبيل المثال و ما يشد الانتباه بالنسبة لهذا النوع من الجرائم من خلال الممارسة القضائية هو صعوبة ضبطها و يرجع ذلك إلى عدة عوامل مجتمعة وهي:
- الإعتبارات الأخلاقية.
- السرية
- قسوة ردة فعل المجتمع.
- صعوبات الإثبات.
و هو الفعل المنصوص و المعاقب عليه في قانون العقوبات الجزائري بنص المادة 336 قانون العقوبات وعبر عنه بلفظ هتك العرض « viol » دون تحديد مفهومه و بالرجوع إلى القضاء الجزائري نجده يتمثل في فعل المواقعة الذي يتم بين الرجل و المرأة بغير رضاها و هو التعريف الذي خلص إليه القضاء الفرنسي قبل تعديل قانون العقوبات لسنة 1992.



1)- الوجيز في القنون الجنائي الخاص ج I .د. أحسن بوسقيعة. ط 2000 .ص 93
و بصدور القانون الجديد للعقوبات الفرنسي لسنة 1992 تطور الأمر وتحديدا في المادة 23-222: التي أصبحت تعرف الاغتصاب على النحو التالي: " كل فعل إيلاج جنسي مهما كانت طبيعته ارتكب على ذات الغير بالعنف أو الإكراه أو التهديد أو المباغتة"
وتبعا لذلك لم يعد الاغتصاب في فرنسا مقصورا على الرجل كما أنه لم يعد محصورا في فعل الوطء الطبيعي وأصبح جائزا حتى على الذكر (منذ صدور قانون 23-12-1980).
العقوبات المقررة لجريمة الاغتصاب في القانون الجزائري (1) هي عقوبات ملطفة، مقارنة بما هو مقرر لنفس الجريمة في بعض التشريعات سواء العربية أو الغربية(2).ففي تونس على سبيل المثال: يعاقب على الاغتصاب بالسجن المؤبد وترفع العقوبة إلى الإعدام حال توافر استعمال العنف أو السلاح أو التهديد كما يعاقب القانون الفرنسي مقتر فيه بعقوبة السجن لمدة 20 سنة.
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري لم يأخذ بعين الاعتبار الآثار التي قد تنتج عن الاغتصاب مثل فض البكارة و الحمل في حين أخذ بها المشرع المغربي و اعتبراهما ظرفا تشديد تغلظ فيهما العقوبة.
II) الفعل المخل بالحياء:










قديم 2011-02-11, 20:41   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة2

لقد تباينت مفاهيمه نتيجة لم تم ذكره سابقا في جريمة الاغتصاب بل و اختلفت حتى في تسمياته فأطلق عليه:" هتك العرض" في القانون المصري، " والاعتداء بالفاحشة " في القانون التونسي، كما أن قانون العقوبات الجزائري لم يعرف الفعل المخل بالحياء على غرار باقي التشريعات التي سايرت ما جاء في القانون الفرنسي، و بالتالي فنستطيع أن نعطي تعريفا لهذا الفعل
استنادا إلى ما استقر عليه القضاء و اتفق عليه الفقه كما يلي: " كل فعل يمارس على جسم شخص آخر و يكون من شأنه أن يشكل إخلالا بالآداب سواء كان ذلك علانية أو في الخفاء".
و قد نص عليه قانون العقوبات الجزائري في المادة 335 من قانون العقوبات (3) ، وبعد أن تعرضنا بإيجاز لإعطاء مفاهيم على الأقل من خلال الممارسة القضائية لهذين الفعلين المجرمين حتى وإن اختلفت القوانين الوضعية في تحديد صورها و تقرير عقوباتها نجد أن الجرائم الجنسية دافعها واحد دائما سواء تغير الزمان أو المكان وهو إشباع الشهوة كما أن ارتكابها لا يتطلب ذكاء متميزا إلا إذا كان الجاني يحتاج إلى استدراج المجني عليها أو المجني عليه إلى مسرح الجريمة.
فكثيرا ما تدعي بعض الفتيات أن شخصا معينا قام باغتصابها بالقوة فقد لا يكنن صادقات في ادعاءاتهن، ولذا يجب أن يكون المحقق على حذر عندما تصل إليه هذه الشكاوى، والقول الفصل في مثل هذه الادعاءات يرجع إلى الطبيب الشرعي.


(1)- المرجع السابق، ص99.
(2)- المادة 336/01 من قانون العقوبات الجزائري: "....يعاقب من 5 إلى 10 سنوات..."
(3)- حسب النص الفرنسي تكون صياغة المادة 335 كالتالي: " كل من ارتكب فعلا مخلا بالحياء ضد انسان ذكرا كان أو أنثى أو شرع في ذلك بعنف"
و يكون التبليغ غالبا في هذه الجرائم من المجني عليها أو من أولياء أمرها فتأخذ أقوالها و أقوال من بلغ على لسانها في محضر و يجري التحقيق بالوسائل التالية:
* ترك المبلغة تروي كيف تم اغتصابها و ما سبقه من سلوك المتهم معها.
* تسال المبلغة عن وجود أو عدم وجود صلة سابقة بينها وبين المبلغ ضده.
* تفحص المبلغة و المبلغ ضده لضبط وتحليل ما يحتمل وجوده من بقع منوية.
- ومنذ اكتشاف البصمة الوراثية و العمل بها في مجال الإثبات، أعطت نتائج جد دقيقة في التوصل إلى معرفة مقترفي الجرائم وحسم العديد من الملفات العالقة و المحيرة على الساحة القضائية لا سيما في الجرائم الجنسية وكمثال على جريمة الاغتصاب نذكر القضية التي دارت وقائعها في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1988 أين تم الحكم على " راندل جونز " بعقوبة الموت لارتكابه جريمة الاغتصاب وقتل امرأة من ولاية فلوريدا وجاء الحكم بعد إعادة دراسة حيثيات القضية واعتمادا على تقارير الطب الشرعي التي أثبتت تطابق البصمة الجينية، وفصيلة الدم وبقع المني للمتهم مع تلك الموجودة في عينات تم انتزاعها من موقع الجريمة.
- و في قضية مماثلة دارت وقائعها ببريطانيا أين تم الحكم على متهم بريطاني بالسجن لمدة 08 سنوات بعد اتهامه بالسرقة و الاغتصاب، وذلك بعد أخذ عينة من دمه ومقارنتها بتلك التي عثر عليها في مسرح الجريمة.
و لكن الخطورة تكمن في أن اعتماد بصمة الجينات أشاعت جوا من التسليم بأن الأدلة المقرونة بالمعلومات العلمية معصومة من الأخطاء، وبالتالي أخذت الأحكام الناجمة عن ذلك صفة القطعية التي لا تأبه بتوسلات المتهمين الذين يصرون على الاحتجاج و الشكوى من الظلم(1)
و في بريطانيا تنبه بعض الحقوقيين لإمكانية أن تكون بعض الأحكام القضائية قد صدرت بطريق الخطأ، وأصدر قضاة محكمة الاستئناف مؤخرا حكما بتبرئة شخص أدين في سنة 1990 بجريمة الاغتصاب وجاء الحكم بعد إعادة دراسة حيثيات القضية الأولى التي تم الحكم فيها اعتمادا على تقارير الطب الشرعي التي أثبتت تطابق البصمة الجينية وفصيلة الدم عند المتهم مع تلك الموجودة في عينات تم انتزاعها من موقع الجريمة، ويستند القضاة عادة في مثل تلك الحالات إلى الدراسات العلمية التي تقول: إن احتمال وجود تشابه بين البصمة الجينية لشخص بريء مع البصمات الجينية و المنتزعة من موقع الجريمة هو واحد في كل 300.000.000 و بالنتيجة العلمية فإن التشابه يعني التجريم ومن ثمة فإن ما ينبغي القيام به هو محاولة تبيان ما إذا كان الشخص بريئا، مع الأخذ في الإعتبار التشابه الحاصل في البصمة الجينية و الذي أثبتته تقارير الطب الشرعي.


(1)-www.islamonline.net
- و قد لعبت تحقيقات مادة ADNفي انجلترا أدوارا كبيرة في قضايا الاغتصاب مثل التحقيق الذي وقع سنة 1986 في مقاطعة LEICISTERعندما تم اغتصاب فتاتين تم قتلهما، فقد استدعت الشرطة أكثر من 5500 شخصا فقبلوا الخضوع إلى فحص ADN وخلص التحقيق إلى اتهام شخص مشتبه فيه وجرت محاكمته و إدانته بالسجن المؤبد سنة 1988(1)

المطلب الثاني: حجية البصمة الوراثية
البصمة الوراثية لم يكن أحد يعرفها حتى سنة 1984حينما أعد أليك جيفريز عالم الوراثة بجامعة ليستر بلندن، بحثا أوضح فيه أن المادة الوراثية قد تتكرر عدة مرات و تعيد نفسها في تتابعات عشوائية، وبعد عام واحد اكتشف جيفيرز أن هذه التتابعات مميزة لكل فرد، ذلك أن كل إنسان على حدى بصمته الخاصة التي لا تتشابه أبدا مع أي إنسان آخر، ذلك أن الحمض النووي يوجد في أنوية الخلايا في صورة كروموزومات مشكلة وحدة البناء الأساسي لها، ومن ثم أثير التساؤل حول الحجية التي تتميز بها الـADN، أي هل التقنية الـADN قطعية الدلالة ومعصومة من الخطأ ؟! أم أن هذه التقنية يكتنفها غموض وقابلة للخطأ ؟! ويجب تسليط الضوء على هذه الإشكالية نورد ما يلي:
فرع1: الحجة المطلقة للبصمة الوراثية:
إنطلاقا من أن كل إنسان ينفرد بنمط خاص في التركيب الوراثي ضمن كل خلية من خلايا جسده، لا يشاركه فيه أي شخص آخر في العالم فتسمى بالبصمة الوراثية، ومن ذلك فإنها من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقيق لنسب الجرائم لمقترفيها وإلحاق نسب الأبناء بالآباء(2).
و لعل قطعية دلالة تقنية الـADN تتجلى في انفراد كل شخص بنمط وراثي مميز لا يوجد عند أي كائن آخر في العالم، إذ لا يمكن أن يتشابه الـADN لشخصين إلا مرة واحدة كل 86 بليون حالة أي أن نسبة التشابه يتساوى 1 إلى 86 بليون وإذا علمنا أن عدد سكان الكرة الأرضية لا يتجاوز 08 مليار نسمة(3). فإنه يمكن القول أن نسبة التشابه منعدمة تماما و لا يمكن أن تكون إلا بعد مئات القرون من الزمن.
كما أننا لو قمنا بفحص 09 بؤر وراثية لشخص واحد، فإن ذلك يعطي كفاءة وثقة تصل إلى نسبة100%.


(1)- نوري عبد العزيز، البصمة الجينية ودورها في الإثبات في المادة الجزائية، مجلة الشرطة، عدد 5 أفريل2002
(2)- الدكتور، سعد الدين مسعد هلالي (ندوة مدى حجية البصمة الوراثية لإثبات النسب) أيام: 03 و04 ماي 2000 بالكويت.
(3)- الدكتور: نبيل سليم(البصمة الوراثية وتحديد الهوية)، مجلة حماة الوطن، عدد/265، 2004، الكويت.
وانطلاقا مما سبق ذكره، فإن الحمض النووي بعد دليل إثبات ونفي قاطع بنسبة 100% إذا تم تحليل الحمض بطريقة سليمة حيث أن احتمال التشابه بين البشر غير وارد بعكس فصائل الدم التي تعتبر وسيلة إثبات نسبية الإحتمال للتشابه بين البشر، وما يؤكد الحجية المطلقة للـADN إمكانية أخذها من أي مخلفات آدمية سائلة ( الدم، اللعاب، المني) أو أنسجة (لحم، عظم، جلد، شعر) كما أنها تقاوم عوامل التحلل و التعفن و العوامل المناخية المختلفة من حرارة وبرودة ورطوبة وجفاف لفترات طويلة حتى أنه يمكن الحصول على البصمة من الآثار القديمة و الحديثة و يمكن إعطاء مثال حي عن ذلك بخصوص انسان (النايدال ) الذي وجدت جثته محفوظة في الثلج منذ حوالي 09 آلاف سنة، وعلم ذلك عن طريق تحليل البصمة الوراثية(1)
و من القضايا التي أثارت ضجة إعلامية عالمية كبيرة، ووجدت حلولا شافية لها بواسطة البصمة الوراثية للحمض النووي باعتبارها قطعية الدلالة قضيها صدام حسين، وبيل كلينتون الرئيس الأمريكي السابق مع مونيكا ليوينسكي. وتتلخص وقائع القضية الأولى و المتعلقة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين في ما راج من شائعات حول وجود شبيه له. تم أسره دون الرئيس الحقيقي و هو ما دفع القوات الأمريكية تأجيل إعلان أسر صدام حسين إلى حين التأكد من هويته عن طريق تحليل الـADN .
وتجدر الإشارة إلى أن الأمريكان كانوا يحتفظون بـADN صدام حسين عنما كان حليفا لهم،
وتمت مقارنة هذه العينات مع عينات أخرى أخذت من شعر صدام ولعابه، مباشرة بعد أسره في الجحر التكريتي، والتي أديعت مباشرة على الهواء أين شاهد العالم بأسره الطبيب الأمريكي و هو يفحصه وللتأكد أكثر قورنت بعينات أخرى أخذت مباشرة بعد سقوط بغداد العاصمة وفرار صدام حسين، أخذت من فرشاة الأسنان التي كان يستعملها و من السيجار الكوبي الذي كان يدخنه، وللتأكد أكثر فأكثر تم أخذ عينات من الحامض النووي للأخ غير الشقيق لصدام حسين و المدعو برزان التكريتي و بما أن الأخ من الأم يحمل نصف الجينات التي يحملها صدام حسين وأهم ما في الأمر هو دراسة مصدر الطاقة في الخلية و التي تسمى الميتوكوندريال و التي تورث من خلال الأم فقط ومقارنتها بتلك التي لدى لصدام حسين(2) وبعد كل هذه العمليات و المقارنات العلمية و التي قامت بها القوات الأمريكية، تم التأكيد وبصفة قطعية بأن المحتجز هو الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأن الأمر لا يتعلق بشبيه له، وبذلك كان الـADN كلمة الفصل في هذه القضية وبصفة قطعية.




(1)- جريدة الوطن السعودية،السبت:01/05/2004، عدد/1380، السنة الرابعة.
www.elwatan.com
(2)- مقال في جريدة الوفد المصرية 20/10/2004
www.elwafd.org
- أما القضية الثانية فتتعلق بقضية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون و الآنسة مونيكا ليوينيسكي المتربصة بالبيت الأبيض بتاريخ الوقائع، حيث فجرت هذه الأخيرة واحدة من أكبر الفضائح بالبيت الأبيض الأمريكي إذ ادعت أنها كانت على علاقة جنسية مع الرئيس كلينتون، غير أن هذا الأخير نفى الواقعة، وادعى بأنها من قبيل التشهير بشخصه و هذا قبيل الإنتخابات الرئاسية غير أن مونيكا فاجأت الجميع باستظهارها لملابسها الداخلية والتي احتفظت بها ملطخة بسائله المنوي. وأجريت تحاليل لفحص الـADN على السائل المنوي، وقبل الكشف عن النتائج، خرج بيل كلينتون عن صمته وفضل أن يفضح نفسه بنفسه بدلا من أن يدان من طرف المحكمة، وما جعل الرئيس يتخذ هذه الخطوة، هو لا محالة درايته بأن المحكمة ستدينه بناء على نتائج التحاليل التي ستطبق دون شك على حمضه النووي، لأنه ومستشاريه يعلمون علم اليقين أن الـADN تقنية منزهة عن الخطأ(1)
فرع 2 : الحجية النسبية للبصمة الوراثية:
إن تقنية الـADN يمكن لها دون شك التعرف على الأشخاص وتحديد هويتهم سواء في المجال الجنائي أو المجال المدني ولكن لا يمكنها بأي حال من الأحوال منحنا الدليل القاطع على اتهام شخص معين، ويمكن اعتبارها عنصر من العناصر التي يعتمد عليها القاضي عند دراسته لملف معين دون أن ترقى إلى دليل قطعي غير قابل لإثبات العكس تتوقف عنده السلطة التقديرية للقاضي.
و يمكن القول أن التحاليل الجينية لا تشكل بأي حال من الأحوال سلاحا مطلقا لأول وهلة لأن هذه التقنية رغم حساسيتها تقتضي إحاطتها بشروط صارمة للأخذ بها، وعليه فإن هذا الأمر يجرنا إلى التساؤل عن مدى اعتبار تقنية حمض الـADN قطعية الدلالة أم نسبية الدلالة مبنية على غلبة الظن ؟.
لذلك سنورد بعض الحالات التي لا تكون لهذه التقنية الثقة الكافية و الحجية المطلقة و من بعض هذه الحالات:
- الاستنتاج.
- الخطأ البشري.
وسنتطرق إلى كل واحدة منها تباعا:






(1)- مجلة (justice) بتاريخ:31/10/2004 مقال د/ ماري إيلان سوايح
بتاريخ:29/11/2002 بعنوان l’analyse (ADN)..une technique infaillible



1- الاستنساخ (clonage):
من المعلوم أن سنة الله في خلقه أن ينشأ المخلوق البشري من اجتماع نطفتين اثنتين تشتمل كل واحدة منهما على عدد من الصبغيات يبلغ نصف عدد الصبغيات التي في الخلايا الجسدية للإنسان إذا اتحدت نطفة الأب (الحيوان المنوي) بنطفة الأم (البويضة) تحولنا معا إلى نطفة أمشاج تحتوي على حقيبة وراثية كاملة، وتمتلك طاقة التكاثر فإذا انغرست في رحم الأم تنامت وتكاملت، وولدت مخلوقا مكتملا بإذن الله، وهي في مسيرتها تلك تتضاعف وتصير خليتين متماثلتين، فأربع فثمانية، ثم تواصل تضاعفها حتى تبلغ مرحلة وتبدأ عندها بالتمايز و التخصص فإذا انشطرت إحدى خلايا نطفة الأمشاج في مرحلة ما قبل التمايز إلى شطرين متماثلين، تولد عنهما توأمين متماثلين(1).
ونظرا للتطور الكبير الذي عرفه علم الهندسة الوراثية،أصبح من الممكن إنتاج جنس بشري خارج الطريقة الطبيعية (أنظر الشكل رقم 11،13،12) التي وضعها الخالق الكريم بواسطة ما يعرف بتقنية "الاستنساخ البشري".
I- تعريف الاستنساخ البشري:
يعتبر الاستنساخ البشري حدثا علميا و اكتشافا كبيرا في عصرنا هذا ويتم بطريقتين:
أ- الاستنساخ الجيني:
يتم استخلاص بويضات من المرأة فتخصب البويضة الواحدة بأكثر من حيوان منوي، فتحدث عملية الانقسام في خلية البويضة المخصبة ثم تتم إزالة الغشاء الرقيق المحيط بالخلية بواسطة أنزيم، ويتم فصل الخليتين و تغليف كل واحدة بغشاء صناعي بديل يسمح للجنين بالنمو، وحيث أن تلك البويضة لقحت بأكثر من حيوان منوي تواصل انقساماتها لتنشأ عنها مجموعة من الأجنة المتطابقة في جيناتها الوراثية.
ب)-الاستنساخ الخلوي:
يتم أخذ عينة من خلية جسدية من أي شخص ثم تدمج هذه الخلية مع بويضة مجردة من نواتها بحيث تحل تلك الخلية داخلها بمعالجة كهربائية دقيقة، ثم تزرع البويضة المعالجة في رحم أي امرأة لتنمو فيه، وينتج عنها جنين مطابق لصاحب تلك الخلية في جميع الصفات الوراثية، وترجع أول عملية استنساخ في التاريخ إلى استنساخ حيوانات ثديية من خلايا جينية أو هي ما يمكن تسميتها بالخلايا الجسدية و يتعلق الأمر باستنساخ النعجة (دولي) (أنظر الشكل رقم 14) من نعجة أخرى من تلقيح جنسي وقد أعلن عن هذا الاكتشاف المذهل و الذي قام به الدكتور آيان ويلموت من معهد روزلين في آدينبرا باسكتلندا في مجلة (تورينا) في عددها الصادر بتاريخ 27/02/1997(2).



(1)- مجلس مجمع الفقه الإسلامي/دورة المؤتمر العاشرة حول الاستنساخ البشري
(2)- ندوة مدى حجية استخدام البصمة الوراثية لإثبات البنوة، الكويت في :13/10/1998.

وتواصل البحث العلمي في هذا المجال إلى أن تمكنت « clonaid » للاستنساخ البشري من استنساخ أول كائن بشري حي في:26/12/2002 بعد عدة تجارب قامت بها في مكان سري بالولايات المتحدة الأمريكية و كشفت الطبيبة الفرنسية أبريجيت بواصولي بجامعة نيويورك و هي أستاذة كيمياء و المديرة العلمية النشرية كلونيد، أن المولودة من جنس أنثى مستنسخة من خلايا امرأة أمريكية في الواحدة و الثلاثين من عمرها و تتمتع بصحة جيدة، و أطلق عليها اسم (ايفا) " حواء"، كما شهد عالم صناعة الكائنات البشرية ولادة ثاني كائن بشري حي يوم الجمعة 03/01/2003 من فتاتين هولنديتين مثيلتين جنسيا(1).
II- الاستنساخ بين الديانات و التشريعات:
لقد أدانت الديانات السماوية الثلاث الاستنساخ البشري إذ أكدت الديانة المسيحية على لسان الفاتيكان " أنه يتوجب على المجتمع الدولي التحرك لمواجهة هؤلاء العلماء الذين يحاولون إلحاق الضرر بالبشرية.
في حين نجد الديانة اليهودية في بيان أصدره كبير الحاخامات أنه يؤيد التطورات التكنولوجية التي تساعد على إنقاذ حياة الإنسان، ولكن عندما يهدف العلاج الطبي إلى الاضطلاع بأدوار ليس مسؤولا عنها مثل تقصير فترة الحياة و الاستنساخ وتكوين حياة بطريقة غير طبيعية فيتعين علينا وضع قيود حتى يكون ايماننا أساسيا بالله، إذ أن الحياة و الموت بيده.
- أما النظرة الاسلامية للاستنساخ فإنها لا تمنع و لا تؤيد بشكل مطلق ويذهب أغلب الفقهاء إلى تحريمه لكونه يمس بحرمة الإنسان من جهة و لا يحافظ على النسب من جهة أخرى و يمس بالألوهية من جهة ثالثة.
أما من الجانب القانوني فنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد أيام من ولادة أول كائن بشري مستنسخ طلب الرئيس الأمريكي جورج وولكار بوش من أعضاء مجلس الشيوخ العمل على إصدار تشريع جديد يقضي بحجر جميع أنواع الاستنساخ البشري لأنه ضد القيم الأخلاقية و الاجتماعية إلا أن نواب الحزب الديمقراطي بالمجلس وافقوا على قانون يسمح بالاستنساخ في إطار البحث العلمي فقط.
أما مجلس الدوما الروسي فقد سن قانونا يحضر التجارب في مجال الاستنساخ البشري لمدة 05 سنوات قادمة أما فرنسا و ألمانيا فقد عرضا على الأمم المتحدة، مبادرة لميثاق دولي يمنع القيام بعملية الاستنساخ البشري (2)




(1)-مجلة الجيش/عدد:476 مابين 2003-ص/09
(2)- pour la science N° 279 janvier 2001.

III- الاستنساخ البشري ومدى تأثيره على الحجية المطلقة للبصمة الوراثية:
إن تخطي العلم لاستنساخ النعجة دولي وانصرافه إلى انتاج انسان فإن ذلك سيؤدي لا محالة إلى صناعة ألوف النسخ المتشابهة التي ليس لها لا أب و لا أم ولا مكانة في المجتمع و من هذا المنطلق فإننا في المستقبل سنكون أمام مجموعة من الأشخاص متطابقة في كل شيء، أي أن لها نفس الصفات الوراثية ونفس الـADN، وهذا ما يؤثر حتما على خصوصية كل كائن بشري، ويناقض بالضرورة ما هو ثابت علميا، بأن لكل انسان ADN خاص به و لا يمكنه أن يشابه غيره، و بالتالي فلو استمر التطور العلمي في هذا المجال على حاله، فسنكون أمام عدة أشخاص يحملون نفس ADN مما يجعل إمكانية نسبة الافعال الإجرامية لغير مرتكبيها واردة، وهذا ما ينقل تقنية البصمة الوراثية من مصاف الدليل القطعي غير القابل لإثبات العكس إلى زمرة الأدلة النسبية التي تحتاج إلى تحري أكثر لترقى إلى مرتبة الدليل القطعي، بل أكثر من ذلك، فلو أبيحت عملية الاستنساخ البشري فإن ذلك سيؤدي حتما إلى وأد تقنية البصمة الوراثية في مهدها، وسيجعل القاضي أمام تحديات جديدة للوصول إلى الحقيقة.
2- الخطأ البشري:
إن استعمال تقنية الـADN يتطلب بالضرورة وجود بنك معلومات. وحسب البروفيسور البريطاني" Alec jeffreys" كلما كانت المعطيات كبيرة داخل بنك المعلومات فإن النتائج تكون مؤكدة أكثر ".
و كلما كبرت المعطيات وجدت إمكانية الخطأ لأن تسيير البنك يتم من طرف البشر، و البشر بطبعه خطاء و هذا ما ظهر فعلا، ففي بريطانيا مثلا، قامت الصحافة بنشر مقال جاء فيه أن المدعو Raymond Easton تمت تبرئته من طرف القضاة في حين أن الخبرة المنجزة من طرف الشرطة تؤكد تطابق العينات على شخص المتهم، هذه العينات الموجودة على بعد 300 متر من منزله مع العلم أنه مصاب بمرض perkinson أي إعاقة حركية.
و بعد القيام بخبرة مضادة من طرف المتهم تبين أن هذه الحالة هي ما يسمى le faux positif
بعد هذه الحادثة حاولت السلطات البريطانية الإنقاص من هذه النتائج من خلال التركيز على إجراءات الخبرة، لكن هذه الإجراءات لم تمنع من إيقاف بريطاني آخر في فيفري 2003 peter hankin المتهم بجريمة قتل في إيطاليا بالرغم من تأكيده على برائته و وجود شهود في مسرح الجريمة أكدوا وجوده بعيدا عن مسرح الجريمة عند ارتكابها وهذا ما يؤكد نظرية le faux positifأي الخطأ الإيجابي و يرجع هذا الخطأ إلى طريقة أخذ العينات أي تعلق ذلك بأخذ العينة، تسجيلها، تحليلها وعدم احترام الإجراءات التي تبدو للوهلة الأولى معقدة وصارمة، أو خطأ في قراءة المعطيات النهائية أو اختلاط العينة بشخص أجنبي، وهذا ما يؤدي إلى نتائج جد خطيرة.

الخطأ البشري لديه دور كبير في النتائج ففي قضية الأمريكيLAZARO SOTOLUSSON الذي تم اتهامه بجرم الفعل المخل بالحياء على قاصر ومكث بالسجن لمدة عام إلى أن تمكن محاميه من إثبات أن المكلف بجهاز الكمبيوتر عوض أن يضع اسم الفاعل الواقعي، وضع اسم المتهم LAZARO SOTOLUSSON.
كما أن البروفيسورWILLIAM THOPMSON من جامعة أرفين في كاليفورنيا المتخصص في الـ ADN أكد أن عامل في FBI (مكتب التحقيقات الفدرالي) في ولاية هوستن لم يقم بقراءة نتائج الخبرة بطريقة جيدة و منذ ذلك التاريخ منع هذا العامل من إدخال أية عينة إلى قاعدة البيانات الخاصة بجهاز FBI لأن هذا الجهاز كان وراء جميع الأحكام بالإعدام بأمريكا وتم استدراك ذلك بإصدار خبرات مضادة مست حتى أشخاص يوجدون في رواق الموت أي لتنفيذ الإعدام.
ووصل الأمر إلى أكثر من هذا، فقد تم إحداث منظمة غير حكومية في أمريكا سميت (مشروع البراءة) INNOCENT PROJECTهذه الجمعية المنشأة من طرف جامعيين أمريكيين وقد تمكنت من الإفراج عن 138 شخص حكم عليهم خطأ بالموت.
وقد سارت في هذا الاتجاه الشرطة الايرلندية في إعادة النظر في النتائج المتوصل إليها وكان هدفها هو البحث عن إمكانية اختلاط العينات بمؤثرات خارجة عنها وهذا لم يمنع من التخوف أن يقوم الجناة بوضع عينات خارجية عن قصد.
و للوصول إلى حل لهذا الإشكال يقترح البروفيسور Alec.J أن تتم تسجيل عينات جميع السكان.
كما أن العينات التي تم استعمالها يجب أن يتم التخلص منها، إلا ما بقي في شكل معطيات الكترونية، كما أن التحليل لا يتم من طرف الشرطة وإنما من طرف سلطة مستقلة، لذلك فهل يعتبر اللجوء إلى طريقة التشخيص بالبصمة الوراثية هو الملجأ ؟ بالنسبة للبروفيسورA.jeffrey إن هذه الطريقة ليست وسيلة اثبات و إنما دليل يوضع بين يدي المحققين و القضاة في نهاية المطاف.
و حسب رئيسة النقابة الفرنسية للقضاة evelyne sire-marim التي تبدي تعبيرا عن تأسفها لهذه الحالة التي يلجأ فيها مباشرة إلى ADN عوض البحث عن الأدلة المادية التي تثبت أو تنفي الجريمة فإننا نبحث عن سهولة القيام بالتحليل بالبصمة الوراثية و نكتفي به و نستبعد الشرطة القضائية في البحث.(1)
و في هذا المجال فإن بعض المختبرات العلمية العالمية التي تقدم خدماتها في مجال الخريطة الوراثية نجد -DNA SOLUTIONS- في بلجيكا فتعرض في موقعها على الانترنت هذه الخذمة www.DNASOLUTIONS.fr.


(1)- Jean Marc-Manach-les limites des fichiers génétiques de la police.
23/12/2003 le monde.
هذا البرنامج المسمى "dnanowbe" في سنة 1997 مع استعمالها تقنيات جد عالية و خبرة جامعية معتمدة، هذه الخدمة معروضة مع تبيان نوع الاختيار على ثلاثة أنواع مع نسبة دقة بـ99.9% للأول و99.99%بالثانية و99.999% للثالث و من بين شروط الخدمة أنه في حالة خيبة النتائج فإن الجمعية ترجع له أمواله أو يعاد الاختبار من دون مصاريف وقد قدرت نسبة الخطأ ب0.001% (انظر وثيقة DNAsolutions)(1)
كما أن القضاء الفرنسي قد اعتمد بعض الخبرات في مجال إثبات البنوة و النسب بنسبة نجاح تقدر ب99% (2)tribunal de grande instance 06/05/1996.
فإذا أتينا إلى معايير الأخذ بالنتائج نجد النظرية التي كانت سائدة هي قاعدة "المسلمة" théorie de l’acceptation générale » أمام المحاكم الأمريكية في 1988 ولكن تم التخلي عنها إلى نظرية القبول وفق العقلانية –la fiabilité raisonnable – لأن تقنية RFLP و PCR هي التي لها نسبة نجاح بالرغم من وجود طرق أخرى.
و في مجال النتائج نجد الجدول التالي الذي يبين هذه النتائج ( أنظر الجدول رقم 01 و 02)
1. النتائج غير متطابقة.
2. النتائج متطابقة.
3. النتائج غامضة.
كما أنه من خلال هذا الجدول الملخص لمصادر الخطأ (3)
و في كل الأحوال لا يمكن الشك مطلقا في مستوى نجاعة الاعتماد على الحمض النووي كوسيلة سليمة ومضمونة النتائج للوصول إلى حل للكثير من الجرائم المعقدة من خلال التعرف على شخصيات مرتكبيها و المجني عليهم و أيضا إلى معرفة أصحاب الجثث و مجهولي الهوية.
و لكن عندما يتحدث البعض عن عيوب البصمة الوراثية فإنهم يشيرون إلى أن ذلك يحدث عندما لا يكون التحليل دقيقا بالكامل، وعندما يتم فحص عينات مختلفة على طاولة واحدة في المعمل نفسه أو عند تلوث العينة المأخوذة لسبب ما (4) وانطلاقا من كل ما سبق وحسب رأينا فإن تقنية الحمض النووي ADN) ( و من دون شك هي ذات حجية قطعية من حيث أنها حقيقة بيولوجية وعلمية ثابتة لا يرقى إليها الشك إلا ما تم استثناؤه كحالة التوائم، هذا من جهة.


(1)- DNA solutions s. l- Bruxelles. Belgique, 2004.
www.DNAsolutions.fr
(2)-Emmanuelle, lemoine, Docteur en droit faculté de droit de rennes, félicitation naturelle et insécurité successorale
Jcp la semaine juridique notariale et immobilière N°16 21 Avril 2000 P697
(3)- Danielle demarais Ph d Dr lambert Busque MD FRCPC UNIV Montréal , l’expertise d’ADN en droit criminel ce qu’il faut savoir « www.barreau.qc.ca.2000 P462.
(4)- جريدة الوطن السعودية/ السبت 01/05/2004- العدد:1310 السنة الرابعة
www.alwatan.com

و من جهة أخرى فإنها ذات دلالة نسبية من حيث هي كدليل إسناد ونسبة الفعل للفاعل بحيث لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تفصل في هذه المسألة، ويبقى القاضي ذو سلطة تقديرية واسعة لتقريرها كدليل والاستئناس بها وتدعيمها بقرائن أخرى.



























































المبحث الثاني: المجالات الأخرى لاستعمال تقنية البصمة الوراثية

إن فهم الـADN و القدرة على التحكم فيها تزداد بصورة مذهلة و متسارعة و يمكن بالفعل استقصاء الأجنة البشرية للتعرف على حقائق كانت تبدو مستعصية فأصبح من الممكن التأكد من المفقود، والكشف عن هوية الجثث التي تفحمت أو تحللت وتعذر معرفة أصحابها.
وأمكن للفرد اليوم البحث عن جذوره و رسم شجرته العائلية كما أصبحت أداة هامة في تطوير الاقتصاد بجميع مجالاته ووسيلة لشركات التأمين في اختيار زبائنها.

المطلب الأول: إثبات هوية المفقودين و البحث عن الجذور
إن كل إنسان يتفرد بنمط خاص بالتركيب الوراثي ضمن خلية من خلايا جسمه لا يشاركه فيه أي شخص آخر في العالم و يطلق على هذا النمط اسم " البصمة الوراثية " ، و البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من هوية الشخص و معرفة جذور العائلة و شجرتها و هي ترقى إلى مستوى القرائن القوية و تمثل تطورا عصريا عظيما في مجال الإثبات.
الفرع الأول: إثبات هوية المفقودين.
يتمثل دور البصمة الوراثية الجينية في إثبات هوية المفقودين كدليل قاطع في التأكد من حضور المفقود حتى لا ينتحل أحد شخصيته بقصد الاعتداء على زوجته أو الاستيلاء على ماله خاصة إذا ما طالت مدة الغياب و تغيرت هيئته و اشترطوا لاثبات حياته شهادة العدول أو غيرها من وسائل الإثبات بشرط أن لا يكون ذلك بعد مضي زمن لا يعيش له أقرانه،لأن الحياة بعدها نادرة و لا عبرة لنادر مما يؤكد عدم التعبد في الأخذ بالشهادة و تبين أنه إذا تمكن المفقود بعد ظهوره أن يثبت هويته بالبصمة الوراثية فلا وجه أن نطلب منه بينة أو يمينا، وسنجد في البصمة الوراثية مخرجا من مكر الماكرين في انتحال شخصية المفقود خاصة إذا ابتلي بفقدان الذاكرة.
و من الناحية العلمية نجد للبصمة الجينية دورها في إثبات الهوية ومن خلال تلك الوقائع الحاصلة في أحداث شائعة تداولتها الصحف ووكالات الأنباء، وأبرز الأمثلة على ذلك هي: الطائرة المصرية المنكوبة " بوينغ 747 " حيث نشرت الوكالات و الأنباء خبر عودة رفاة 25 جثة مصرية انتشلت من قاع المحيط تم التعرف على أصحابها عن طريق اختبار البصمة الوراثية بالإضافة إلى التعرف على ضحايا كارثة قطار الصعيد في مصر حيث تم اللجوء إلى الفحوص الوراثية للكشف عن هوية الجثث التي تفحمت، و هو ما أدى إلى تعذر معرفة أصحابها، أتى ذلك بعد تردد أنباء عن قيام الحكومة المصرية بأخذ عينات من هذه الجثث لكشف هويتها من خلال تحليل الحمض النووي(1)

www.islamonline.net(1)-
و فيما ذكرت صحيفة الأهرام المصرية الصادرة بتاريخ 25/02/2002 أن المسئولين بمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة الصحة قالوا إنه ليس لديهم علم بهذه الأنباء، وبررت الصحيفة ذلك بخشية تدافع المواطنين للمطالبة بالتحليل و استخراج شهادة الوفاة، ومعروف أن استخراج هذه الشهادة يجنب أقارب الضحايا 04 سنوات يشترطها القانون لإعلان الوفاة و أشارت الصحيفة إلى أن الكلفة الإجمالية لتحليل الحمض النووي لأكثر من 100 جثه يبلغ 100ألف جنيه.
بالإضافة إلى هذا المثال الحي فإنه تم استعمال طريقة ADN للتعرف على هوية المفقودين على مستوى واسع بمناسبة تحديد هوية ضحايا طائرة " الايرباص 320 " التي ارتطمت بجبل " سانت أوديل " قرب مدينة ستراسبورغ شرق فرنسا بتاريخ 20/10/1992 .
وكذلك أمرت نيابة بولاق الدكرور بمصر بإحالة الفران سامي محمد السحت و السائق محمد سليمان و الشاب حسن إلى الطب الشرعي لأخذ عينة من دمائهم و تحليلها بالبصمة الوراثية للتوصل إلى الحقيقة في قضية الخلاف على بنوة الشاب إلى أحدهما.
و قد أكد السائق أن " حسن " ابنه و عثر عليه بعد غياب 12 عاما حيث تاه أثناء نزهة مع شقيقه الأكبر في القناطر الخيرية، وكان عمره حينذاك 07 سنوات، وأمرت النيابة بتسليم الشاب لأسرته ويعيش معهم لحد الآن. ثم فوجئ اللواء عبد الجواد أحمد عبد الجواد مدير المباحث ببلاغ من " الفران "يؤكد أن الشاب إبنه و إسمه الحقيقي محمد و ليس حسن وتاه منه منذ عامين بمدينة الرشيد بالبحيرة و طلب من النيابة تسلمه.
و لعل أقرب مثال من حيث حداثته الزمانية هول الكارثة التي هزت العالم من مشرقه إلى مغربه واحتلت صدى الرأي العالمي ألا وهي هجمات 11 سبتمبر 2001التي تعرض لها مركز التجارة العالمي، إذ كان يستحيل التعرف على هوية الضحايا لولا وجود تقنية ADN أين تم أخذ أكثر من 12.000 ألف عينة حمض نووي لتحليلها في محاولات لتحديد هوية الضحايا.
وبعد إجراء الاختبارات اللازمة تمت مطابقة قراءات الحمض النووي مع نظيراتها من عينات وجينات الأقارب، ومن بقايا فرش أسنانهم وآثار ملابسهم.
و في نهاية 2001 تعرفت المعامل على 94 ضحية من تحليل الحمض النووي وعدد التعرف على الضحايا في ازدياد(1).
و في حادثة أخرى تم التعرف على هوية جثتين إيطاليتين بعد اعتبارهما في عداد المفقودين منذ الهجوم الذي استهدف فندق هيلتون طابا في سيناء وأشارت وكالة الأنباء الايطالية إلى تحليل الحمض النووي للجثتين و أوضحت أن الجثتان كانتا في مختبر تحليل – في تل أبيب- و تم التحقق من هويتهما بإرسال عينات من الحمض النووي من ايطاليا.


(1)- مجلة الآن –الجزيرة- الثلاثاء 02 سبتمبر 2003. بقلم سناء عيسى
كما أعلن الدكتور " سعيد عيسى " رئيس قسم الطوارئ بمركز طابا الطبي أن كافة التحاليل اللازمة للحامض النووي لعدد 20 جثة مجهولة بالمستشفى سوف تنتهي في وقت قريب بمستشفى نوبيع.
وأشار إلى التعرف على 07 جثث مصرية و جثة سائح روسي وأكد أن عملية التحليل تجرى بواسطة وحدات الطب الشرعي و إدارة المعمل الجنائي. وقال إن الاستدلال على هويات الجثث يتم عبر العلامات المميزة مثل بصمات الأصابع أو بصمات الأسنان أو الوشم أو الأسنان الذهبية أو الحلي التي كان يرتديها بعض الضحايا.
و تشجيعا للدول العربية و الإسلامية في الإعتماد على هذه التقنية فإن مجلس المجمع الفقهي الاسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة حث على الإعتماد على البصمة الوراثية في حالات ضياع الأطفال أو اختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم ووجود جثث لم يمكن التعرف عليها أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب و المفقودبن لأنه و في كل الأحوال لا يمكن الشك مطلقا في مدى نجاعة الاعتماد على الحمض النووي كوسيلة سليمة و مضمونة النتائج للوصول إلى معرفة أصحاب الجثث المتحللة ومجهولي الهوية.
الفرع الثاني: البحث عن الجذور
بدأ الكثير من الناس التفكير في أشياء لم يكونوا يولوا لها اهتماما يذكر في الماضي و من ضمن هذه الأشياء نجد مسألة جذور العائلة وشجرتها فأصبح الآن بمقدور أي شخص معرفة أن إبن عمه هو فعلا ابن عمه أم لا، وجده الأكبر الذي هاجر و لم يترك وراءه أي سجلات تشير إلى تاريخ ميلاده أو أصوله و لكن ما خلفه كانت شفرته الجينية التي تقود إلى التعرف إليه وبذلك اصبحت اليوم اختبارات فحص الـADN تجري في العديد من الدول كوسيلة لمعرفة جذور العائلة، فقد أعطت هذه الاختبارات نتائج فعالة بالتصريح بوجود علاقات عائلية في مسائل الهجرة. باتباع قوانين العالم البيولوجي "مندل" Mendel التي تنظم انتقال الخصائص الوراثية فنصف ياتي من الأب و النصف الآخر يأتي من الأم. وبمقارنة الحامض النووي الخاص بالولد و الحامض النووي الخاص بالأب المفترض فإن نصف تلك الخصائص يجب أن تتناسب مع علامات الأب ففي المملكة المتحدة أثبت الفحص فعاليته في ميدان التصريح بوجود روابط عائلية في قضايا الهجرة و في الأرجنتين تم استخدام أسلوب فحص الحامض النووي بمناسبة البحث عن امكانية تسليم الأطفال إلى أجدادهم في حالة فقدان آبائهم في عمليات اختطافات، اغتيالات النظام العسكري الفاشي(1) .
و قادت أبحاث أحد الباحثين عن جذورهم إلى مدينة ساحلية تسمى " كويتلي " حيث عاش نصف سكان الإقليم الذي كان يقطنه " بويل "و هو اسم العائلة وذلك في منتصف الثمانينات. إحدى العائلات هناك كانت تحمل إسم " بويل " وتسمى عائلة "أوستين" وهو اسم مشهور في عائلته أيضا.


(1)- نويري عبد العزيز ، المرجع السابق
و بعد اتصالات مكثفة مع هذه العائلة في " ايرلندا " تكللت بزيارة لها سنة 1999، وتعمقت علاقته معه، وكان لهم أقارب متفرقون في أنحاء العالم فأوستين بويل يعيش في انجلترا و مارتين بويل يعيش في استراليا و اتصلا ببعضهما البعض أين اتفقا على اجراء اختبار الحمض النووي، وقد أجراه مارتين في معمل (شجرة العائلة) بمدينة هيوستن بينما أجراه أوستين في معمل أكسفورد للأصول بانجلترا و تحصل الباحث على الاختبارين لعمل المقارنات.
و في أوائل سبتمبر 2001 وصل إلى الباحث خطاب من معمل اكسفورد للأصول و بعد دراسة الأرقام اتصل بأوستين في لندن فلم يجده ووجد زوجته التي راجعت معه أرقام زوجها التي كان قد تحصل عليها من معمل " شجرة العائلة" فتتطابق الرقمان الأولان أما الثالث فكان مختلفا وجاء الرابع متطابقا و جاء الخامس مختلفا ثم السادس أيضا وجاءت بقية الأرقام متطابقة، و شعر حينها أنه خسر الرهان خاصة بعد ما جاءه الرد من معمل "هيوستن" الذي أكد أنه بعد مقارنة النتائج بينه و بين "مارتين" لم يحدث تطابق، فهناك اختلاف في 05 أرقام، و كان واضحا أن "أوستين" و مارتين جاءا من فرع آخر بخلاف الذي جاء منه.
عاد وتحدث إلى أوستين في العطلة عن النتائج فكان تعليقه " هل أنت واثق في اختبار الحمض النووي " وأخبره أن جدته و كذلك جده من نفس عائلة بويل و ربما يكون الفرع الذي جاء منه هو عن طريق جدته و كان أحد أبناء عمومتهما متطوعا لعمل اختبار الحمض النووي و إذ لم يتطابق فهناك آخرون في العائلة و فروعها على استعداد ليكملوا البحث خاصة و أن الباحث ساعد على وصل " أوستين بمارتين " وايجاد علاقة بين أبناء العمومة على طرفي العالم.
و يقول "دافيد آشورت" المدير التنفيذي لمعمل اكسفورد للأصول أن اختبارات الحمض النووي تعطي جداول وأرقام كثيرة و يقوم المعمل بعمل مقارنة لـ12 اختبارا، فإذا كانت الأرقام متطابقة فمن المؤكد أن الاثنين متصلين ولديهم أصل مشترك ولكن هناك احتمال 50% أن يكون اشتراكه في الأصل قد حدث قبل 600 عام أما إذا كان هناك اختلاف في قيمة واحدة فذلك يعني أن الأصل المشترك قد ظهر في مدة أبعد.
و يعلق " دوغ موما" و هو أخصائي جينات " من الممكن حدوث اختلاف في رقم واحد أما رقمين فالشك يزداد. فإذا وصل الإختلاف إلى 3 أرقام فمن المؤكد أن الشخصين غير مرتبطين "
إن اختبار الجينات للبحث عن الجذور هو اكتشاف للمجهول في العلاقات العائلية فيجب علينا حين نتوجه إليه أن نعلم أن طبيعة الخطو نحو المجهول إما أن تحدث أشياء تفرحنا وإما أن تحدث أشياء لا تسعدنا(1).



(1)- مجلة الآن – الجزيرة- الصادرة يوم الثلاثاء 2 سبتمبر 2003 بقلم سناء عيسى.
المطلب الثاني: استعمال تقنية البصمة الوراثية في مجال الاقتصاد و التأمين.
لقد امتدت تطبيقات الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية إلى جميع أوجه حياتنا اليومية وغزت كل مجالات البحث العلمي، و امتدادا للأثر الهائل لهذه التقنية أصبح في الإمكان التعرف على مرضى الصامتين، وهو ما يفيد شركات التأمين في اختيار عملائهم و اتقاء الخسائر و تحاشي طوابير المحاكم و ليس عند هذا الحد توقف استعمال هذه التقنية. بل أن العالم حاول استغلالها كذلك في المجال الاقتصادي و طور بذلك الزراعة و الصناعة.
الفرع الأول: في مجال الاقتصاد
تعتبر التقنية الحيوية محصلة لمجموعة علوم في علم تشكلت ملامحه الأولية عام 1981 لتنتج العديد من النواتج المؤثرة على البشرية و ازدادت الحاجة لها لأهميتها و بخاصة لأثارها الاقتصادية.و التقنيات الحيوية تجمع بين الأحياء، و التقنيات الآلية و تطور مفهوم هذا العلم بشكل مذهل ليرتبط بحياة الناس بشكل مباشر في مختلف الميادين الحياتية، و كان له الأثر الايجابي في اقتصادهم.
إن التقنية الحيوية تجمع بين الوسائل العملية لحل المشاكل (تقنية) و إنتاج منتجات مفيدة (حيوية) و تغير هذا المفهوم بعد استخدام بعض الكائنات الدقيقة لإنتاج المضادات الحيوية والأمصال و تطور أخيرا بعد اكتشاف المادة الوراثية ADN بتفاصليها الدقيقة (كروموزنات جينات ،و قواعد نيتروجينية) .
في خلال الستينات و السبعينات من خلال القرن الماضي بدأ الإنسان في استخدام بعض مكونات الخلايا في التطبيقات الحيوية مما طور مفهوم التقنية الحيوية إلى التطبيقات المتخصصة جدا ، ومن أهم التعاريف هو :" الاستخدام التقني الموجه للكائنات الحية على المستوى الخلوي و الجزيئي للحصول على نواتج مفيدة " وتعتمد التقنيات الحيوية الحديثة على دراسة المادة الوراثية للكائنات الحيوية و الاستفادة منها من خلال استخلاصها وتحويرها ، و من ثمة انتاج المواد المستخلصة منها و هو مايعرف بالهندسة الوراثية .
و عند الحديث عن التقنيات الحيوية و خاصة الهندسة الوراثية لابد من بيان بعض الأساسيات التي يقوم عليها العلم كالمادة الوراثية و آليات عملها و التحوير الوراثي .
المادة الوراثية : تتكون الكائنات الحية من أجزاء رئيسية كالأعضاء والتي تتكون من أنسجة ، و الأنسجة بدورها تتكون من ملايين الخلايا ، و ذلك في الكائنات المعقدة من حيث التركيب كما في الإنسان ، الحيوان و النبات و يوجد في خلية نواة تحوي نوية يوجد بها عدد من الصبغيات (المادة الوراثية) ، و تستفيد الخلية من مورثات (جينات) المادة الوراثية لإنتاج البروتينات المطلوبة بحسب وظيفتها و حاجتها ، و عدد الصبغيات في النبات يصل إلى أكثر من مئة صبغي ، و تقوم الخلية عند الحاجة إلى تنفيذ مهمة ما بفك الشفرة المحمولة من المورث المطلوب و بالتالي تقوم المادة الوراثية المفكوكة الشفرة و المسماة ARN بالخروج من النواة إلى سائل الخلية و الذي يحوي مصانع البروتينات( و هي أجهزة خاصة بترجمة المادة الوراثية إلى بروتين) و المسماة رايبوزمات ، تقوم هذه الأخيرة بإنتاج البروتين المطلوب بالكمية المطلوبة ، و عند إنتهاء الحاجة من البروتين تقوم الخلية بالتخلص منه ، و يتضح أن المادة الوراثية تحمل المعلومات بينما البروتينات تقوم بالوظيفة البنائية للخلايا الجديدة إضافة إلى آلية تنفيذ أوامر المادة الوراثية .
- التحوير الوراثي: هو أي تغير يحدث في المادة الوراثية الأصلية، و يكون إما طبيعي أو بالتدخل البشري ، هذا الأخير إما تقليدي كالذي يحدث في تزاوج سلالات نقية لمزج الصفات أو استخدام الانسجة أو باستخدام التقنيات الحيوية الحديثة .
و تنتقل الصفات الوراثية من جيل الآباء إلى الأبناء من خلال التزاوج الطبيعي، و الذي يصاحبه أحيانا طفرات تحدث بشكل طبيعي بسبب الأشعة البنفسجية و التي تسبب تلفا للمادة الوراثية، أو بعض العوامل الكيميائية ، جزء من هذه التحويرات يتوارث من جيل إلى أخر منتجا صفات جديدة للكائن الحي ، و تحدث في الكائنات الحية آليات يتم من خلالها استبدال أو انتقال أجزاء من المادة الوراثية من صبغي إلى أخر منتجة تحويرا في الكائن الحي ، و تسمى هذه العملية بإعادة الترتيب أو التوليف ، و ينتج عن ذلك إختلاف في الصفات عن صفات الجيل السابق و طريقة التحوير الوراثي الأكثر حداثة تتم بتعريض النبات إلى موجات من الأشعة لإحداث طفرات بشكل عشوائي ، و من ثم إختيار النباتات المحورة ذات الصفات المرغوبة ،كما يعتمد بشكل أساسي على تقنية توليف أو تأشيب المادة الوراثية ألـADN و تعرف هذه الطريقة بأنها " نوع من الخياطة الحيوية لربط صفات كائنات بأخرى" (1).
1- الأثار الاقتصادية و التقنيات الحيوية:
التقنيات الحيوية مرت بعدة مراحل اقتصادية، الأسبق و الأسرع كانت في مجال انتاج الدواء الذي لاقى قبولا واسعا لدى العامة للحاجة الشديدة له، و كان له الأثر الاقتصادي الواضح، و في المجال الزراعي طرح في الأسواق عدد من المنتجات الزراعية المحورة وراثيا بالتقنية الحيوية، و كان لها رواجها في USA(الولايات المتحدة الأمريكية) إذ تعتبر أكبر منتج للأغذية المحورة وراثيا، و ازدادت المبيعات العالمية من المحاصيل المعدلة وراثيا من 75مليون دولار عام 1995 إلى 15 بليون دولار سنة 1998، ويتوقع أن تصل إلى 25 بليون دولار بحلول عام 2010 و ستؤثر المعرفة الجينية في العديد من الصناعات الأخرى مثل تكرير النفط،انتاج البلاستيك و الطلاء و إزالة النفايات (2).




(1)- عبد العزيز بن محمد السويلم-مستقبل التقنية الحيوية ودورها في تطوير القطاعات الاقتصادية في المملكة السعودية.ص07.
(2)- ترجمة د: إيهاب عبد الرحيم محمد، مجلة الثقافة العالمية، ص102، العدد103 نوفمبر 2000.
و الصناعات القائمة على التقنيات الحيوية تنمو بشكل سريع، وتضاعفت قيمة منتجاتها بين عامي 1993 و1999 (من 8إلى 20،2 بليون دولار)، وهناك اهتمام كبير يوجه نحو صناعات في مجال الدواء و المنتجات البيئية (الزراعية).
هذه المنتجات من شأنها تحسين نوعية الرعاية الصحية و الغذائية، والبيئية و بالتالي يكون لها تأثيرا كبيرا على الاقتصاد العالمي.
و من تطبيقات التقنيات الحيوية: فإنه بنظرة سريعة في مجالات تطبيقاتها يمكن توظيف هذه التقنيات في مجالات كثيرة يمكن تلخيص أهمها فيما يلي:
- الرعاية الصحية:
خلال المدة القصيرة المنصرمة على بداية إنتاج الأدوية بالتقنيات الحيوية تم إنتاج أكثر من 117 دواء ولقاح استفاد منه أكثر من250مليون إنسان من مختلف شعوب العالم كما أن هناك ما يقارب 350 دواء و لقاح جديد في مرحلة الاختبار، ويتوقع أن تساهم هذه الأدوية الجديدة في علاج 200 مرض، كما تساهم التقنيات الحيوية في إجراء مئات الفحوص الطبية و تشخيص الأمراض بطريقة سريعة ودقيقة تحمي المجتمعات من تبعاتها الخطيرة، و من أبرز مجالات التطبيقات التقنية الحيوية، علاج بعض الأمراض، إنتاج اللقاحات و التطعيمات كما حدث في إنتاج الأنسولين البشري، التشخيص، العلاج الجيني، الخلايا الجذرية، البروتينات و الجينات(1)
- الزراعة:
يتم حاليا إنتاج العديد من المواد الغذائية المحورة وراثيا، باستخدام التقنيات الحيوية مثل الذرة و الفول السوداني و البطاطا، وقد كان لها دور في التقليل من استخدام المبيدات الحشرية إضافة إلى زيادة المحاصيل النباتية، وإنتاج نباتات محسنة وراثيا لمقاومة الأمراض و الآفات خاصة المحاصيل الاقتصادية وأخرى لتحمل الظروف البيئية القاسية خاصة الملوحة والجفاف و تطوير إنتاجية الحيوانات الزراعية مع القدرة على الكشف المبكر لأمراض الحيوان.
و من تطبيقاتها في المجال الزراعي:
إنتاج الغذاء كالأغذية المحورة وراثيا، التهجين بين الأجناس، مبيدات حيوية، الحد من مبيدات الحشائش، حماية طبيعية للنباتات ،منتجات مساعدة في التصنيع الغذائي.
الصناعة:
تم إنتاج العديد من الكيماويات في السابق اعتمادا على التقنيات الحيوية مثل "حمض السيتريك و حمض الخل "، وكانت بعض المنتجات الصناعية في السابق تعتمد على المشتقات البترولية غير القابلة للتحلل، مما أدى إلى تلوث البيئة وزيادة المخلفات الصلبة.


(1)- المرجع السابق، عبد العزيز بن محمد سويلم ، ص08
غير أن التقنيات الحيوية يمكن أن تسهم في تأمين بدائل أكثر عناية بالبيئة ذات علاقة بمجال المواد و الطاقة، وصناعة الأدوية و إنتاج الكيماويات و المحفزات الحيوية.
البيئة:
تستخدم بعض التقنيات الحيوية لتخليص البيئة من الملوثات العالقة بها، إذ يمكن أن تترك الكائنات المحورة المستخدمة لهذا الغرض تعيش بشكل طبيعي في البيئة خاصة الأماكن الملوثة وتقوم بدورها دون عناء أو تكلفة إضافية وتستخدم التقنيات الحيوية في التخلص من بقايا النفط في الخزانات النفطية.
إن مثل هذا العائد الإقتصادي للتقنيات الحيوية لم يقتصر على الدول المتقدمة فقط بل إمتد إلى دول أقل تقدما علميا واقتصاديا فكندا وكوريا و الصين و اسلندا لها نصيبها من مجال التقنيات الحيوية و على سبيل المثال فقد أصدرت الحكومة الإسلندية قانونا يمنع بيع مخزونها الجيني لأي جهة خارج إسلندا، كما أسست شركة وطنية هدفها التنسيق بين الشركات الأجنبية الراغبة بدراسة الخريطة الجينية للشعب الايسلندي و بين الحكومة وذلك اعتمادا على قانون الشرعية القومية الجينية العالمية الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1997 حيث قامت الحكومة بنفسها بإصدار دليل خاص بالخريطة الجينية لشعبها إلى جانب بنك جيني من أجل تصنيع أدوية خاصة بالشعب الأيسلندي من خلال شركات وطنية بالتعاون مع الشريك الأجنبي وذلك من باب الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية المخزونة في شعبها(1)
وقد دفعت الآثار الاقتصادية التي تجنيها الشركات الكبرى من التقنيات الحيوية إلى نوع من التنافس على المستوى المحلي و الدولي حول تسويق المنتجات و قدرة أي دولة على المنافسة في هذا السباق العالمي خاضع لمدى امتلاكها للتقنية و تمكنها من تفاصيلها وأدواتها، مما دفع كثير من الدول إلى وضع سياسات محددة، لها لجان و مجالس وطنية عليا للاستفادة من هذه التقنيات و مخرجاتها العلمية و الاقتصادية، وذلك انطلاقا من القناعة بأن التقنية الحيوية من مقاييس المنافسة الاقتصادية العالمية، ونتيجة لذلك تسويق منتجات التقنية الحيوية لا يمكن أن تفصل عن غيرها من المنتجات على المستوى العالمي.
وأخيرا يمكن القول أن الاستفادة من التقنيات الحيوية قد يقف أمامها بعض العوائق من أبرزها التكلفة العالية نسبيا لتأسيس المختبرات و التجهيزات مع الحاجة إلى قضاء وقت ليس بالقصير للوصول إلى مرحلة جني الأرباح، كما أن القيود التي تفرض من الدول مالكة التقنية أمام الدول النامية لأسباب اقتصادية و سياسية يؤخر انتقال التقنية إلى الدول النامية، كذلك عدم توافر الدراسات الكافية عن الموارد المتاحة و ضعف عنصر المخاطرة لدى المستثمرين يعيق استثمار التقنيات الحيوية كذلك عدم الإدراك الشعبي و الوعي الاقتصادي أحيانا حائلا أمام التقنية.

(1)-المرجع السابق، عبد العزيز محمد السويلم
الفرع الثاني: في مجال التأمين
علينا أن نتذكر ذلك السحر الثقافي الرحيب للمفاهيم الوراثية إذ لابد أن نفهم القوة الاجتماعية للمعلومات الوراثية ذلك أن الاختبارات البيولوجية تفيد بالإضافة إلى المحاكم، شركات التأمين، فتتحكم فيمن يسمح له بالتأمين، و الواقع أن القدرة التنبؤية لهذه الاختبارات تسمح لشركات التأمين ، بأن تختار زبائنها .
فلا يقتصر دور الاختبارات البيولوجية على ما سبق بل أن شركات التأمين لاسيما تلك التي تربط ما بين قرارات التعويض و بين فئات تشخيصية معينة إذ تشجع المديرين الطبيين على التنبأ بالمخاطر المستقبلية و السيطرة عليها و تجمعت هذه الضغوط مع التهديد بدعاوى التقصير المتعمد لتخلق دافعا قويا لتدعيم قرارات صحية تستند إلى معلومات موضوعية و تنبؤية.فالمريض مثلا الذي يحمل أمراضا يمكن التنبؤ بها و من ثمة يتحدد من يتحمل نفقات علاجها. و هنا تساعد تكنولوجية الاختبارات البيولوجية في تشخيص الأمراض المستقبلية و منه توفير الشواهد التقنية لتدعيم قرارات خلافية كما توفر لمحة عن حياة المريض و تتعمم المعلومات الوراثية لتشمل المؤمنين، و لقد رفضت شركة التأمين تغطية النفقات الطبية لطفل مصاب بمرض وراثي. إذ كانت الأم قد حذرت
قبل الولادة بأن الجنين قد يكون مصابا و عليها أن تختار ما بين أن تجهض أو أن تضع وليدها وتتكفل هي بتكاليف علاجه الباهضة.
فمن نتائج علم الوراثة بالنسبة للتأمين أنه سيرفض التأمين على من يعرف أنه مهدد بخطر الإصابة بمرض وراثي.
و بذلك يصبح الوضع البيولوجي لجسم الشخص مستخدما كذريعة لاستبعاده من التأمين، فهناك نحو15 % من المؤمن عليهم في أمريكا يغطيهم التأمين الفردي و لابد أن يقبلوا متطلبات توقيع وثائق التأمين بتقديم تاريخهم الصحي وبيانات عن أمراض العائلة و شهادة بحالتهم الصحية، و تطلب الإختبارات في بعض الحالات. و من ثمة 8 % منهم رفضت تغطيتهم لأمراض السمنة
و السرطان و الأيدز ، فهذه النسبة تضاعفت مع اعتماد شركات التأمين الهندسية الوراثية في اختبار زبائنها .
و يتوقع مدير و شركات التأمين الطبيون أن يتمكنوا من معلومات الإختبارات الطبية التي تتحيها الهندسة الوراثية حتى يستطيعوا إتخاذ قرارت التغطية و حسابات فئات التأمين و لما كانت فئات التأمين تتوقف على التنبؤات و المخاطرة. فليس من الغريب على صناعة التأمين أن تتوقع الحصول على نتائج الاختبارات و ثمة سلوك نمطي لجهات التأمين. و هو أنها تصر على معرفة كل المعلومات الصحية المتاحة على طالبي التأمين.


وقد تضاعفت تصنيفات طالبي التأمين في السنوات الأخيرة(1)، و تم منع بعض المرضى الصامتين –ممن لم تظهر عليهم أعراض المرض رغم أنهم يحملون مرضا وراثيا – من التأمين، بل و رفض منحهم رخصة السياقة . و الواقع أن الخطر الوراثي للإصابة بمرض قد تمت معادلته بالإصابة نفسها حتى في غياب أعراض واضحة للمرض.
و من المغري أن يلقى اللوم على شركات التأمين على هذا الجشع لكنها من ناحيتها تستجيب لمشكلة حقيقية تسمى " الانتخاب العكسي " أي عند تساوي كل شيئ فإن من يعرف أنه مهدد بخطر سيكون في الأغلب هو الأسرع في البحث عن التأمين، و لو أن الفحص لمرض وراثي معين كان شائعا فإن الشركة تغطي المرض و لا تستبعد من يعرف أنه مهدد بالخطر، ستنتهي بدفع التعويضات لعدد أكبر نسبيا(2).
و نادى البعض بضرورة منع أصحاب شركات التأمين من التدخل في البطاقة الوراثية لأي شخص، وفي عام 1991 أقرت الهيئة التشريعية لولاية "كاليفورنيا " مشروع قانون يمنع أصحاب العمل و أجهزة الرعاية الصحية و شركات التأمين ضد العجز من حجب الوظائف أو الحماية لمجرد أن الشخص يحمل جينا واحدا يرتبط بالعجز.
و لعل أفضل مثل يضرب لتوضيح النظرة السائدة في مجال التأمين بعد أن تزايدت معارفها عن الأمراض الوراثية هو ذلك التقرير الذي صدر في يونيو1989 تحت عنوان " الدور المحتمل للإختبار الوراثي في تصنيف المخاطر أعده "روبارت بوكورسي " و يقول التقرير " إذا لم تستطع شركات التأمين أن تستخدم الاختبارات الوراثية عند تحرير عقود التأمين على أساس أن المخاطر هي تلك التي لا يمكن للإنسان التحكم فيها، إذن لتراجعت العدالة أمام المساواة (أقساط التأمين متساوية بغض النظر عن المخاطر) و لانهار تأمين الشخص كما نعرفه اليوم (3)
و هذه المساواة تضر بشركات التأمين و المؤمنين فإذا كان المؤمن له يقع تحت خطر جسيم من مرض وراثي و لم يعكس أثر ذلك على قسط التأمين فسيتلقى من الشركة الكثير و يدفع القليل و سيقع الفارق على كاهل الشركة، لتتعقد المشكلة إذا عرف هو بالمخاطر و لم تعرف الشركة فأمن بمبلغ كبير. لذلك تلح شركات التأمين على طلب اختبار وراثي للزبائن حتى يمكن ضبط قيمة القسط على المخاطر. و التقليل على الخصوص من دعاوى التعويض التي تزخر بها أروقة المحاكم.



(1)-الشفرة الوراثية للإنسان، المرجع السابق، ص205.
(2)- الشفرة الوراثية-المرجع السابق، ص358
(3)- الشفرة الوراثية، المرجع السابق ، ص385.

الخـاتمة

الآن و قد بلغ البحث غايته نستطيع أن نقرر حقيقة أن البصمة الوراثية تعتبر ثروة هائلة قدمتها البيولوجيا الجزيئية إلى الإنسانية، و قد تبنتها الكثير من الدول في العالم و اعتمدتها كقرينة أساسية في قضايا الطب الشرعي، مثل الكشف عن الجرائم و إثبات النسب، لذلك فمن الحكمة أن ندرس نتائج تجريب العمل بالبصمة الوراثية في الدول المتطورة و ما توصلت إليه محاكمهم و تشريعاتهم من قواعد و ضوابط تضمن سلامة العمل بها، و تبعث الثقة للأحكام إليها، حتى إذا ما تدخل الفقهاء و الشراع في عالمنا العربي أضافوا إليها أو عدلوا منها بما يتناسب و قيمنا و عاداتنا دون تكرار بدعوى الابتكار .
و لهذا حاولنا ابتداء اعطاء ماهية البصمة الوراثية من حيث هي حقيقة علمية ثابتة، و بعدها التعريج إلى استعراض موقف التشريع و القضاء الغربيين ثم العربي رغم حداثة عهده بهذه التقنية، من هذه الأخيرة.
و بيان المبررات التي تستدعي إرساء نظام الإثبات بواسطة ADN دون اغفال الضمانات الواجب مراعاتها تقنيا و إنسانيا (تشريعيا) حتى يتم الفحص في إطار صارم، لا يمس بكرامة الشخص الخاضع له، ذلك أن الاعتراض على تبني هذه الطريقة في مختلف التشريعات يعتبر رد فعل إنساني و طبيعي، إلا أنه لا يجد سندا قويا أمام التكنولوجية المتطورة.
و من خلال الحديث عن مدى حجية البصمة الوراثية تبين جليا أن نتائجها تكاد جازما أن تكون قطعية في الإثبات و أن الخطأ فيها – البصمة الوراثية – ليس واردا من حيث هي ، إنما الخطأ في الجهد البشري ، أو عوامل التلوث و نحو ذلك و ربما أن هذه التقنية لا يقتصر العمل بها في مجال الإثبات ، حاولنا اختتام بحثنا بالتطرق بإيجاز إلى بعض الاستعمالات الأخرى للبصمة الوراثية .
و لعل الحافز و الدافع وراء البحث في هذا الموضوع هما القيمة العلمية و القانونية للبصمة الوراثية من جهة، و إعطاء المبررات التي تستدعي إرساء نظام الفحص بهذه التقنية من جهة أخرى لاسيما و نحن في مرحلة تعديل قانوني الإجراءات الجزائية و العقوبات، و حتى لا تفوتنا فرصة المضي قدما والإسهام بقدر بسيط من الإصلاحات على أهم قطاع في الدولة من شأنه تعزيز الفصل المبني على دليل أثبت نجاعة رهيبة ( لا تشوبه شائبة) وأحدث ضجة و قفزة نوعية لا على الصعيد القضائي فقط بل تعداه إلى أبعد المستويات.
فالنص على اعتماد هذه التقنية ليس من باب إضفاء الشرعية على ممارستها و تجسيدها عمليا فقط ، بل لكونه ضروريا كذلك بهدف إخضاعه لقدر كبير من الرقابة الفعالة، حتى يمكن إيجاد قدر من التوازن المعقول بين مبدأ حرية الإقناع، وما يعطي للقضاة من مكنات و سلطات في تقدير الأدلة، وما يجب التقيد به في هذا المجال،وبين الرغبة في حماية حقوق و حريات المواطنين التي كفلتها بل الدساتير و المواثيق الدولية.
و في الأخير ينبغي أن نراعي حماية المصلحة العامة بالموازاة مع المحافظة على حقوق الفرد، و بذلك يتحقق التوازن (الانسجام) بين التقدم العلمي في مكافحة الجريمة و المحافظة على الحريات الفردية المتمثلة في حقوق الفرد، وهو ما تصبو إليه دولة القانون في مطلع هذا القرن المتميز بالعديد من الرهانات و التحديات، خاصة لدولة مثل الجزائر التي تطمح الى اكتساح العولمة و الدخول إليها من بابها الواسع.
نجد أن مفهوم البصمة الوراثية يفتح أمامنا بابا واسعا للاجتهاد في الاستفادة من هذا الإنجاز العلمي فمثلا يمكن:
* أخذ البصمة الوراثية للزوجين قبل الزواج وأين ترقى عقد الزواج أو في سجلات خاصة تكون رسمية حتى إذا ما رزقهما الله بمولود توجها لتسجيل اسمه مع البصمة الوراثية التي يجب أن يتطابق مع بصمة والديه الثابتة على قسيمة الزواج.
* أخذ البصمة الوراثية للمولودين حديثا و إثباتا في شهادة الميلاد بمعنى إرفاق البصمة الوراثية و إلصاقها بتلك الشهادة على أن تكون بصمة الطفل مطابقة لبصمة الأبوين الذين تثبت علاقتهما الشرعية في وثيقة الزواج.
* أخذ البصمة الوراثية للقطاء وذلك بقصد الرجوع إلى هذه السجلات عند الضرورة حتى للنزاع و الخلاف.
* تشجيع إنجاز مخابر و بنوك معلوماتية جهوية لتعميم العمل بتقنية البصمة الوراثية لتغطية أكبر عدد من المسجلين به للرجوع إليه في الجرائم التي لم يعرف مقترفيها.
* الحرص على تكوين خبراء و تقنيين للعمل بالمخابر يكونون على دراية و اطلاع بكل ما يتم التوصل إليه في مجال عملهم بالاستعانة بخبراء أجانب أو بإجراء دورات تكوينية في البلدان الرائدة في هذا المجال.
و نأمل أن تأخذ الدولة الجزائرية أخذ الجد بالعمل لهذه التقنية في مجال الأدلة و إعطائها الشرعية بالسن عليها في تشريعاتها للمضي قدما في تحسين فعالية الحسم القضائي و مسايرة الإصلاحات التي حذتها الدول المتقدمة.










قديم 2011-02-13, 20:28   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-02-16, 13:53   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك جزيل الشكر و العرفان على هذا الموضوع










قديم 2012-02-09, 20:20   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
napster94
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

ربي يعطيك العافية شكرا لك أخي على المجهود










 

الكلمات الدلالية (Tags)
البصمة, الإثبات, الوراثية, حجيتها


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:34

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc