لكل من يبحث عن مرجع سأساعده - الصفحة 7 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لكل من يبحث عن مرجع سأساعده

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-10-21, 11:06   رقم المشاركة : 91
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.
صيرة في الجزائر نشأتها وتطورها
من طرف تبريزي في الإثنين ديسمبر 15, 2008 10:30 pm


القصة القصيرة في الجزائر نشأتها وتطورها

كلما أراد الباحث أن يخوض في البحث عن أصول الفن القصصي ومنه القصة القصيرة، يصطدم بعقبة تحيلهُ إلى عقبات، وقد يخرج في نهاية المطاف بنتائج لا تقنع الجميع.

فالبحث في هذه الأصول، غالباً ما يتجه نحو التركيز على ظاهرة القص التي هي ظاهرة بارزة في هذا الفن.

ذلك ما يفسر ظاهرة العودة إلى العصور القديمة لتقصي جذور هذا الفن في النوادر والملاحم والقصص الشعبي وأحاديث السمر والمغازى والكتب السماوية، وخاصة التوراة والانجيل والقرآن.

وإذا كان البحث مشوبا بشيء من الذاتية، ونفخ فيه الباحث من روحه السياسي/ الايديولوجي، وربما العرقي، فإن الأصل سينسب إلى أمهٍ محددة.

فما أكثر النشاطات الإنسانية التي حصرتها المركزية الأوربية في أوروبا، وما أكثر النشاطات التي حصرت في الشرق برد فعل المركزية الشرقية.

ولا تخلو البحوث العربية من محاولات كثيرة لتلمس جذور القصصية في الأدب شعراً ونثراً.

ولقد كان للعرب- حقاً- نوادرهم- وأساطيرهم ومغازيهم وقصصهم وجاء القصص القرآني ليؤكد رسوخ القص ويزيده تنشيطاً.

ولم يكتف العرب المسلمون بما هو متوارث لديهم من انتاجهم، بل نشطت حركة الترجمة مع ظهور التدوين واهتموا بنقل القصص الهندي والفارسي. وظهر في ظل الدولة العربية الإسلامية من الأعمال القصصية، ما كان له تأثير واسع عميق في الكتابة الأدبية في العالم وعلى مر العصور.

ولكن هناك من يريد أن يكون أكثر صراحة وحسماً في نسبة النشأة الأولى للقصة القصية إلى أرض العرب فيقول:

"والغريب في الأمر أنه بينما تستمد القصة القصيرة العربية- بشكل عام- والسورية- بشكل خاص- أصولها وملامحها من القصة الأجنبية، التي رسخ دعائمها كل من ألن بو، غوغول، موباسان وتشيخوف) فإن أول ميلاد للأدب القصصي في العالم كان من أرض العرب"(1) .

ويضيف الباحث نفسه في موضع آخر محدداً:

"إن نوادر جحا كانت إذن البدايات الحقيقية لفن القصة القصيرة"(2) .

وإذا كانت Nouvilia) الايطالية وNouvellen) الألمانية وNews) الانجليزية، كلها تعني الأخبار الحديثة التي لم يمر عليها زمن طويل، وإذا كانت Nouvelle) الفرنسية تعني القصة، والمصطلحات: كلمة حكاية العربية)، وكلمة Conte) الفرنسية، وكلمة) Tale الانجليزية تعني جميعها سرد مغامرات لا تستند على الواقع الحياتي للإنسان، وإنما على الخيال والأساطير وتهدف إلى التسلية"(3) "فإن الذي نخلص إليه هو أن مصطلح القصة القصيرة، نقل عن المصطلح الانجليزي Short Story)، وعن المصطلح الفرنسي) Nouvelle) وهما- في رأينا- اسمان لمصطلح واحد ومدلول واحد"(4) .

ويذكر أن بدايات القصة القصيرة من حيث الحجم لا من حيث الشكل الفني المكتمل في تاريخ الآداب الغربية، كانت قد ظهرت.

"في القرن الرابع عشر في روما داخل حجرة فسيحة من حجرات قصر الفاتيكان، كانوا يطلقون عليها اسم "مصنع الأكاذيب" اعتاد أن يتردد عليها في المساء نفر من سكرتيري البابا وأصدقائهم للهو والتسلية وتبادل الأخبار.. وفي مصنع الأكاذيب هذا كانت تخترع أو تقص كثير من النوادر الطريفة عن رجال ونساء ايطاليا بل وعن البابا نفسه مما دعا الكثيرين من الأهالي إلى التردد على هذه الندوات حتى لا يهزأ بهم في غيبتهم"(5) .

ويرى البعض أن ظهور شكل القصة القصيرة، بدأ بعدة محاولات، و"يرجع إلى العصور الوسطى حيث ظهرت محاولات لأشخاص أمثال "بوتشيو" في "الفاشيتيا" و"بوكاشيو" في "قصص الديكاميرون" وتشوسر" في "حكايات كانتربرى"(6) .

وهكذا استمر فن القصة القصيرة في التطور إلى أن اكتمل نضجه على أيدي الرواد المعروفين.

"ادجار الان بو في أمريكا سنة 1809 إلى سنة 1849م) وجي دي موباسان في فرنسا من سنة 1850 إلى سنة 1893م) وانطوان تشيكوف في روسيا من سنة 1860 إلى سنة 1904م)(7) .

وفي الواقع لا يخلو تراث أي أمة من الظاهرة القصصية، ولا يقتصر وجودها على الكتب المقدسة، وإنما توجد في معظم الأشكال الأدبية "رسمية" و"شعبية" فإذا اتخذت القصصية في ذاتها مقياسا للتدليل على نشأة القصة القصيرة أوالرواية في هذا الأدب أو ذاك، فإن كل عرق سيجد ضالته في تراثه.

ولذلك فإن المنطق المعقول يقتضي أن تكون فترة النضج واكتمال الشكل الفني هي بداية التأريخ الحقيقي.

وهذا لا يتناقض مع أن كاتباً ما يتمكن في لحظة معينة، وبفضل عوامل مختلفة أن يعصر التراكمات السابقة من الثقافة والمعرفة الأدبية فينشيء نموذجاً جديداً، ويأخذ مواصفاته من كل ما سبق ليختلف عن كل ما سبق.


وإذا ما تأملنا الفنون الأدبية المختلفة فسنجدها -تخضع جميعها إلى هذه القاعدة.

وبالنسبة للقصة القصيرة بالذات يجمع أغلب الدارسين والنقاد على أن نشأتها، كانت في القرن التاسع عشر على يد الأمريكي "ادجار ألان بو"، ثم ساعد حجمها واحتضان الصحافة لها على أن تنتشر في سائر أنحاء العالم بسرعة قلما توفرت للأشكال الفنية، خاصة أن الموضوعات سريعة التطور بحكم التأثير التاريخي المباشر فيها، بعكس الأشكال التي يعرف عنها أنها بطيئة التطور ميالة إلى المحافظة.

ولنا في الشعر العربي العمودي مثال واضح يؤكد هذه الظاهرة، إذ استمر يعانق مستجدات الحياة ويحتضن مايطرحه الواقع المتطور فترة طويلة من الزمن قبل أن تصبح الحاجة إلى ابتكار شكل شعري جديد أمراً ملحاً.

وللنقد دور كبير في هذا البطء. فلعل "الخليل بن أحمد الفاراهيدي "لما أحصى البحور والأوزان التي سار عليها الشعر العربي حتى عهده، وما كان يقصد أن يجعلها قوانين أبدية، تصلح لكل زمان ومكان. لكن الذين رسخوا هذا الاعتقاد هم أولئك الذين اتكأوا على عمله وجعلوا منه قواعد نهائية.

انطلق "ادجار ألان بو" في تعريفه القصة القصيرة من وحدة الانطباع، ومن أنها تقرأ في جلسة واحدة. ورأى "سومرست موم" أنها قطعة من الخيال وركز "فورستر" على الحكاية، واعتمد "موزلي" على عدد الكلمات.

وقال "هيدسون" أن ما يجعل عمل الفنان قصة قصيرة هو الوحدة الفنية. "ويرى" شكري عياد" أنها تسرد أحداثاً وقعت حسب تتابعها الزمني مع وجود العلية"" target="_blank" rel="nofollow">( .

بينما يلتقي الناقد الارلندي فرانك أكونور Frank acoonor) مع "حسن اليافي" في جعلها أشبه بالقصيدة الشعرية من حيث "التغني بالأفكار والوعي الحاد بالتفرد الإنساني"(9) .

وإذا نحن أمعنا النظر قليلاً في كل هذه التعريفات، فإننا سنجد كلاً منها يستند إلى واحدة أو أكثر من خصائص القصة القصيرة، ليستنتج منها تعريفاً شاملاً. فوحدة الانطباع أو القصر المعبر عنه بعدد الكلمات أو بالقراءة في جلسةٍ واحدة، أو الحكي أو الشاعرية كلها مميزات لا تخلو منها القصة القصيرة.

فإذا كان لا بد للتعريف من أن يتأسس على الخصائص، فالأجدر أن يكون جامعاً.

لأن وحدة الانطباع في حد ذاتها مسألة نسبية، قد لا تختص بها القصة القصيرة وحدها.

فهي أثر تتركه النادرة والنكتة والخاطرة والقصيدة الشعرية ولم لا تتركه الرواية أيضاً في ذهن قارئ يستوعب النص ويتمكن من تحريكه في رحابة ذهنية طيعة؟

وعدد الكلمات قضية جزئية بالقياس إلى البنية الفنية، وقد نصادف أعمالاً في حجم القصة القصيرة من حيث عدد الألفاظ، وربما تنسب إلى الرواية أسبق من القصة.

لا شك أن التركيز والتكثيف يمكنان من القبض على لحظة حياتية عابرة، ولا يسمحان بتسرب الجزئيات والتفاصيل، ويحتم هذا الموقف على الكاتب أن يستغني عن كل ما يمكنه الاستغناء عنه من الألفاظ والعبارات، وكل ما من شأنه أن يثقل النسيج القصصي ويبدو حشواً يرهل النص ويضعف أثره الجمالي.

أما كونها قطعة من الخيال، فذلك أمر بديهي. إلا أن الأكثر بداهة هو ألا يكون عنصر الخيال خاصية في القصة القصيرة دون غيرها



مشرف منتديات الأدب العربي
الموقع https://sha3ersouf.7forum.net/t434-topic








 


رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 11:09   رقم المشاركة : 92
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.




تطور الفن القصصي واهم خصائصه
القصـــة
)الفن القصصي باب لم يفتح على مصراعيه
في الأدب العربي إلا في
العصر الحديث ’ وذلك بعد إطلاع الأدباء العرب على الآداب الغربية)
المطلوب:
حلل هذا القول وناقشه ’
مبينا الأطوار التي مرت بها القصة العربية واهم خصائصها مع
ذكر أهم أعلامها في أدبنا العربي.
التحرير

في ليلة صيف حار رحت
أصغي لزخات المطر وهي تبدد سكون الليل وكنت أقرا مقالا عن القصة العربية وعوامل ظهورها. فعادت بي
الذاكرة إلى قصص جدتي حين كنا نجتمع حولها نصغي بلهفة لما ترويه عن الأشباح وابن
السلطان وعن السحرة والمردة... وحينئذ قلت في نفسي:
القصة بمفهومها البسيط
سرد
حكاية
في
أسلوب
مشوق
عرفها العرب منذ القديم
إذ كان يرويها الآباء للأبناء في الحل والترحال وتحت قباب الخيام كسيرة عنترة وألف ليلة
وليلة. كما عرف العصر العباسي بعض الفنون الأدبية القريبة من القصة كمقامات بديع الزمان
وبخلاء الجاحظ وكليلة ودمنة لابن المقفع وحي بن يقظان لابن
طفـيل.
لكن‏ النقاد في العصر
الحديث يعتقدون أن القصص الفني بشروطه الحديثة لم يعرفه العرب إلا في مطلع
العصر الحديث.
بعد احتكاكهم
بالغرب.فهم يعتبرون القصص العربية القديمة لا تصور الواقع ولا
تعالج مشاكل الإنسان في
واقعه اليومي. بالإضافة إلى اهتمامها المبالغ فيه بالخيال والتنميق اللفظي. فهي ناقصة من حيث الشروط
الفنية التي تميز القصة عن باقي الفنون الأدبية الأخرى.
لذا تأخر ظهور القصة
الفنية في أدبنا العربي إلى مطلع العصر الحديث.
وقد لقي هذا الفن
إقبالا كبيرا من القراء والأدباء على السواء لعدة أسـباب:
1-- تأثر الأدباء بهذا الفن بعد إطلاعهم على القصص
الغربي بمواضيعه
المتنوعة. 2- اهتمام الصحافة بالقصة خاصة في طور الترجمة.3- مجال القصة أوسع وأرحب للتعبير عن حياة الشعب وتطلعاته.4- القصة اقدر على
معالجة المظاهر
التاريخية والسياسية والاجتماعية التي تعج بها الحياة العربية في
مطلع العصر الحديث. 5-
كذلك الدور التثقيفي الهام الذي لعبته القصة في توعية الشعوب وتوجيهها.
ولم تصل القصة العربية
إلى مرحلة النضج والكمال وتتوج بجائزة نوبل للآداب إلا بعد أن مرت بالأطوار التالية:
1- مرحلة الترجمة: حيث استطاع بعض الأدباء العرب ممن تثقفوا باللغة
الأجنبية ترجمة بعض القصص الغربية ونشرها في المجلات والصحف اليومية. والرائد في
هذا المجال هو رفاعة رافع الطهطاوي الذي ترجم مغامرات تلماك للكاتب الفرنسي فنلون. وكان هدفه من ذلك الإصلاح
التربوي والسياسي من
خلال القصة.
2- مرحلة الاقتباس والمحاكاة: أو مرحلة التهيؤ والاستعداد. وذلك في
المحاولات التي قام بها الأدباء في مصر والشام وسائر البلاد
العربية منها حديث عيسى بن هشام( للمويلحي ).وليالي سطيح. والبؤساء ( لحافظ إبراهيم )في هذه المرحلة أباح الأدباء لأنفسهم
التغيير في القصص الغربي مما شوه النصوص الأصلية. كما انصب اهتمامهم على جودة
التعبير والصياغة اللغوية الذي لا يصور الفكرة بدقة ويظهر هذا في ترجمة حافظ إبراهيم
للبؤساء
والمنفلوطي في
العبرات. ومجدولين.
3- مرحلة الإبداع والتأليف: تبدأ بقصة زينب لمحمد حسين هيكل
التي نشرت في 1914م ثم
تلتها محاولات جادة مثل دعاء الكروان لطه حسين. بداية ونهاية لنجيب محفوظ. وسارة للعقاد. الأرض الشرقاوي غادة أم القرى لرضا حوحو وبحيرة الزيتون لأبي العيد دودو. والأجنحة المتكسرة لجبران خليل جبران والمصير لزهور ونيسي ويوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم... وقد تعددت اتجاهات القصة
العربية الحديثة فمنها
ما يعالج القضايا الاجتماعية ومنها ما يتناول القضايا النفسية ومنها ما يعالج المشاكل الوطنية
والقومية وقد تجمع القصة الواحدة بين لونين أو أكثر من هذه الاتجاهات.كقصص نجيب محفوظ* اللص والكلاب * السكرية* قصر الشوق* وبين القصرين*.
وقد توفر لها البناء
الفني الذي يميز القصة كجنس أدبي متميز.أهم هذه الخصائص ما يلي:
1- الحادثة هي مجموعة من الوقائع الجزئية
تأتي مرتبطة على نحو
معين يشترط فيها لن تكون منطقية ومرتبطة بالشخصيات.
2- السرد الأحداث التي تقوم بها شخصيات القصة أو تخضع
لها يعرضها
الكاتب بلغته وأسلوبه ورغم انه لكل أديب زاده اللغوي وأسلوبه الخاص. فهناك
مميزات عامة للغة السرد
تتمثل في السهولة
والوضوح
والخفة
وملاءمة
المعاني.
3- الحبكة: يقوم الأديب باختيار الأحداث
وتنسيقها حيث يهيئ
مقدمة تبتدئ منها القصة ثم يحرك الأحداث ويطورها ليجعلها تشتبك
وتتأزم ثم يتدرج بها
نحو الحل وهذا ما يسمى الحبكة أو التصميم العام لأحداث القصة ويستخدم الكاتب أربع طرق لعرض القصة.
1- طريقة السرد المباشر وفيها يتحدث
الكاتب على لسان
شخصياته فهو أشبه بالمؤرخ يظهر هذا في قصة الأرض الشرقاوي وهي
الطريقة الأكثر شيوعا.
2- الترجمة الذاتية وفيها يتقمص الكاتب شخصية
البطل كما في
رواية من
اجل
ولدي
لعبد الحليم عبد الله

3- وهناك طريقة حديثة تصور البطل من داخله من
خلال أحلامه وذكرياته وهنا يتكسر الزمان والمكان ويجري العمل القصصي بلا منطق عقلي حيث
يسود اللاشعور الذي يغرق الأحداث في الغموض مثل رواية ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ.
4- أما الطريقة الرابعة فتتعدد فيها طرائق العرض
من سرد وحار مباشر وغير مباشر مثل قصة ذهاب وإياب لصبري موسى.
4- الشخصية: يتعرف القارئ على شخصيات جديدة يشترط فيها أن
تكون حية وواقعية
حتى تجد من القارئ التعاطف والتأثير.والشخصيات نوعان: جاهزة ونامية *الجاهزة *تتميز بتصرفات ثابتة ومواقف واضحة. أما
النامية* فهي التي يتم تكوينها مع تمام
القصة.
5- الزمان والمكان:كل حادثة لابد أن تقع في مكان محدد وزمان معين لذا فهي مرتبطة بعادات
ومبادئ ذلك الزمان والمكان.
6- الفكرة:القصة تكتب لتقرر فكرة لتنقل خلاصة تأمل أو
تجربة شعورية
فيصوغ الفكرة في إطار فني جديد ويجسدها في أشخاص وأحداث.
الفن القصصي فن لذيذ
يحبه الكبار قبل الصغار فالكاتب عن طريق القصص يستطيع نشر الأفكار والمبادئ والاتجاهات وفي غمرة
اللذة الفنية يتقبل هذه التوجيهات ومن هذا المنطلق ساهمت القصص في نشر الوعي بين
الجماهير وتوسيع مدارك القراء. فبواسطة القصص نعيش حياة لم نعهدها من قبل قد لا تتوفر
لنا في الحياة العادية أبدا. وهدا ما يفسر جلوسنا لساعات طويلة أمام الشاشة لمشاهدة
مسلسلات وأفلام تروي قصصا مختلفة.أما بعض القصص فلها تأثير سلبي هدام على القراء
لأنها تعالج مواضيع لا أخلاقية تفسد الشباب بدلا من توجيهه نحو الخير والبناء
فعلينا اختيار ما نقرا.



تطور الفن القصصي وخصائصه .
القصة
لون من ألوان التعبير الأدبي تمتاز بالطابع الإنساني والحلة الجمالية الأنيقة تعتمد على الوصف والسرد والحوار.
يعرفها محمود تيمور بقوله: ( هي عرض لفكرة مرت بخاطر الكاتب أو
تسجيل لصورة تأثرت بها مخيلته أو بسط لعاطفة اختلجت في صدره. فأراد أن يعبر عنها بالكلام ليصل بها إلى أذهان القراء
محاولا أن يكون أثرها في نفوسهم مثل أثرها في نفسه).
ويقسم
الفن القصصي من حيث القالب أو المظهر إلى أربعة أقسام: الأقصوصة القصة الرواية والحكاية.
هل
عرف أجدادنا الأوائل القصة ؟
وهل
توفرت لها الشروط الفنية ؟
لم
يخل أدبنا القديم من القصة بمفهومها البسيط ففي الأدب الجاهلي قصص تدور حول أيام العرب وحروبهم يرونها في الحل
والترحال وتحت الخيام في ليالي السمر. وفي القران الكريم قصص الأنبياء وأقوامهم. وفي
العصر العباسي نقل إلى العربية بعض القصص من الأمم الأجنبية مثل كليلة ودمنة لابن المقفع وألف الجاحظ كتاب البخلاء. وظهر فن المقامات. وكتب المعري رسالة الغفران وابن طفيل حي بن يقظان.
إلا
أن ما كتب في هذه الفترة لم تتوفر فيه الشروط الفنية. بسبب الإغراق في الطول والاستطراد. الاهتمام بغريب الألفاظ.
والاحتفاء بالصناعة اللفظية. وعدم التعمق في تحليل نفسيات الشخصيات.
في
العصر الحديث.
اتصل
الأدباء العرب بالغرب فاطلعوا على إنتاجهم القصصي الرفيع فأعجبوا به
وانكبوا ينهلون منه انكباب يتيم جائع على مائدة غني كريم. وراحوا يترجمون بعضا ويقلدون
بعضا ويقتبسون من بعضها الآخر.
حاول
بعض الكتاب العرب إحياء فن المقامة من جديد أمثال اليازجي والمويلحي والشدياق وكتبوا محاولات قصصية جادة
عالجت الواقع بنظرات لماحة نافذة. إلا أنها لم تلب حاجات العصر ولم تستوف التعبير عن
وجدان الأمة. وهذا يعني أننا أمام نمطين من الفنون القصصية العربية: نمط ابتدعه
الأدباء العرب بعيدا عن أي تأثر بغيرهم. ونمط آخر أنتجوه بعد تأثرهم بالفنون القصصية
التي ازدهرت في اروبا.
وقد
مرت القصة في العصر الحديث بالأطوار التالية:
-1- مرحلة
الترجمة:
نتيجة
اتصال العرب بالغرب وإطلاعهم على تراثهم الأدبي المتنوع اتجه بعض الكتاب إلى
القصة لأنها الأكثر استيعابا لتطلعات واهتمامات الجماهير. وقدرتها على متابعة
وتسجيل التغيرات الاجتماعية والسياسية التي كانت تزدحم بها البلاد العربية
آنئذ. وكان رائد هؤلاء هو رفاعة رافع الطهطاوي الذي ترجم مغامرات تلماك للكاتب الفرنسي فنلون.
2 مرحلة
المحاكاة والاقتباس:
تتجلى
أول محاولة في هذا الطور في قصة عيسى بن هشام للمويلحي الذي حاول إدخال مقومات القصة الغربية والمحافظة على أسلوب المقامات
وهو نفس النهج الذي انتهجه حافظ إبراهيم في ليالي سطيح.أما المنفلوطي فقد ترجم بتصرف وتغيير حتى يرضي القراء كما
في الشاعر. مجدولين.
-3- مرحلة الإبداع:
وفيها
أنتج الأدباء قصصا فنيا اعتمادا على إبداعهم وتبدأ بقصة زينب للدكتور محمد حسين هيكل. برغم غلو هذه
القصة في الرومانسية وحلولها المفتعلة إلا أنها تعد البداية الفنية الحقيقية للرواية
الاجتماعية. ثم ظهر لفيف من الأدباء بقصص جديدة توفر فيها البناء الفني فكتب طه حسين الأيام ودعاء الكروان – وتوفيق الحكيم عصفور من الشرق. ويوميات نائب في الأرياف. ونجيب محفوظ في الثلاثية وجرجي زيدان بقصصه التاريخي في سلسلة روايات تاريخ الإسلام.
أما
في الجزائر فقد كتب رضا حوحو غادة أم القرى وكتب محمد ديب ثلاثيته البيت الكبير. الحريق. النول. وكتب مولود معمري العصا والأفيون.
وهكذا
تطورت القصة العربية ونضجت واكتملت فنيا وما نيل نجيب محفوظ لجائزة نوبل للآداب
إلا دليل على دلك. وقد تنوعت موضوعات القصة العربية الحديثة وتعددت اتجاهاتها
فمنها ما هو اجتماعي أو نفسي وآخر تحليلي ومنها ماهو وطني وقومي وقد تجمع القصة الواحدة
عدة ألوان وطنية اجتماعية نفسية.
خصائص
الفن القصصي. :
1- التمهيد: ( الزمان والمكان ) الزمن قد يمتد لأجيال وأجيال أو يقصر ليشمل فترة وجيزة ففي
قصة قرية ظالمة لمحمد كامل حسين الزمن يوم وليلة وهو نفس الزمن في ذهاب وإياب لصبري موسى.
2 - الأحداث: الكاتب الناجح يصنع من الحدث البسيط فنا عميقا راقيا حيث يتعمق في دراسة
الأحداث فيرتبها وينسقها في شكل منطقي.
-3- العقدة: وتنجم عن ترتيب الحوادث وهي النقطة التي تتجمع عندها الخيوط فيتعقد الموقف
ويتلهف القارئ لمعرفة الحل. -4- الحل: ويشترط فيه أن يكون منسقا مع الأحداث وقد يكون سعيدا أو حزينا.
-5- الشخصيات: جاهزة ونامية نجاح القصة يعتمد على نجاح الكاتب في تصوير الشخصيات فلابد
أن تتطابق مع الأحداث ومع الواقع.
-6- الأسلوب: هو التعبير ووسائله اللغوية فلكل كاتب زاده اللغوي وأسلوبه الذي يميزه عن غيره
فأسلوب العقاد يختلف عن أسلوب طه حسين أو احمد أمين.
الفن
القصصي محبب إلى القلوب يتلذذ به الكبير قبل الصغير يجعلنا نحس بالراحة والتغيير
حيث ندخل المعامع والمغامرات مع القصص البوليسي ونتجول في حدائق غناء مع
القصص الرومانسي نتألم مع البؤساء ونبتسم مع السعداء مع القصص الواقعي وقد ساهمت
القصة في نشر الوعي ومعالجة بعض المشاكل الاجتماعية وبعث الثقافة والأخلاق
لقد
تأثر الفن القصصي العربي بالآداب الغربية فعلا ولا ضير في ذلك فالآداب التي تريد لنفسها الاستمرار ينبغي أن لا
تضيع فرصة الازدهار والانبعاث.
المسرحية
نص
أدبي يأتي على هيئة حوار يصور به الكاتب قصة مأساوية أو هزلية ويقوم الممثلون بتمثيل النص المسرحي بقاعة المسرح ضمن
إطار فني.
وهي
من أقدم الفنون الأدبية التي عرفتها الحضارة الإنسانية. فمنذ زمان بعيد أقام الإغريق مسارحهم في مناسبات
دينية ووطنية. فعرفوا المأساة والملهاة. وتناولوا موضوعات دينية واجتماعية وأدى
مسرحهم دوره في تعليم مجتمعهم. واعدوا شروط المسرح واستفاد منها حتى كتاب العصر
الحديث.
وعن
هؤلاء اخذ الرومان ثم الفرنسيون والإنجليز والألمان وعن هم اخذ العرب.
لكن
إقبال العرب على المسرح لم يتم إلا في العصر الحديث على الرغم أنهم اطلعوا عليه عند
ترجمة بعض المؤلفات اليونانية في البلاغة والفلسفة والرياضيات في بداية العهد
العباسي. ولعل ذلك يرجع إلى ارتباط المسرح بالأفكار الوثنية التي لا يقرها الإسلام
والى طبيعة الشعر العربي الغنائي الذي لا يصلح للتمثيل.
المسرح
العربي حديث النشأة ظهر على يد مارون النقاش 1847م بعد عودته من الغرب وقدم
لأول مرة مسرحية البخيل لموليار وهكذا نشا المسرح قبل المسرحية.
تطورها:
1- مرحلة الاقتباس:
شجع
إنشاء دار الأبرا في مصر بعض اللبنانيين المهتمين بالمسرح على اقتباس الأفكار من الأدب الاروبية وصبغتها
بصبغة محلية.
2- المسرحية الاجتماعية:
تطورت
المسرحية على يد من درس فن المسرح في اروبا فقد أنشا جورج الأبيض مسرحا عربيا في مصر اثر عودته من فرنسا 1910م
وقدم مسرحية وليدة البيئة العربية مصر الجديدة.لفرج أنطوان. غلبت عليها الفصحى وأصالة الفكر العربي.
3-المسرحية
الواقعية: اتجهت المسرحية إلى التعبير عن الواقع فظهرت عدة مسرحيات تعالج الواقع السياسي والاجتماعي
والاقتصادي والنفسي وتعتبر مسرحيات توفيق الحكيم مثلا واضحا لهذا الطور عالج
مشكلات اجتماعية كما فعل ايزيس وبراسكا وأضفى على شخصياته فكرا فلسفيا وتتجلى نزعته الفلسفية في مسرحية شهرزاد - و سليمان الحكيم -.
المسرحية الجزائرية: يعد رضا حوحو من رواد المسرحية المكتوبة بالعربية فقد اشرف على فرقة
تمثيلية وكتب لها مسرحية عنبسة- وبائعة الورد – والعقاب – النائب المحترم – وسي عاشور -. أما المسرحية المكتوبة بالفرنسية يمثلها كاتب ياسين في الجثة المطوقة – والرجل ذو النعل المطاطي.
أما
المسرحية الشعرية فقد ظهرت على يد احمد شوقي الذي كتب -مصرع كلييو باترة – مجنون
ليلى – قمبيز... وعزيز أباظة الذي ألف ست مسرحيات- قيس ولبنى – العباسة- شجرة الدر
– الناصر – غروب الأندلس – شهريار – وقد استطاع أن يتجنب ما وقع فيه شوقي من
مآخذ واستفاد مما وجه إليه من نقد.
وللمسرح
ثلاثة أشكال هم:
1- المأساة وهي مسرحية درامية
تنتهي دائما بالموت.
2-الملهاة مسرحية هزلية ذات
نهاية سعيدة. 3-الأبرا المغناة وهي ذات موضوع
مأساوي.
عناصر
المسرحية: 1-التمهيد *وهو الجزء الأول من المسرحية يمهد فيه الكاتب للمسرحية ويعرف بالشخصيات
وأعمالهم. أما البيئة فيصورها عن طريق الحوار.
2- العقدة وهي العنصر الأساسي في بناء
الحبكة الفنية وتنشا عن المعوقات أو الصراع الذي ينشا بين قدوتين متعارضتين تثير عند
الجمهور الرغبة في انتظار الحل.
3- الحل * وهو النتيجة التي تصل إليها أحداث المسرحية.
4- الزمان والمكان * وهما البيئة التي يدور فيها أحداث المسرحية زمان المسرحية قصير ومكانها محدود.
5- الشخصيات * وهم الممثلون الدين يقومون بالحركة المسرحية. ويشترط فيها الثبات وعدم التناقض مع الواقع.
6- اللغة
وسائل التعبير المسرحي متعددة – الحوار – الملابس* الأضواء *الأثاث* الحركة* ولكل فرد لغته الخاصة
وهذا ما أطلق عليه النقاد الواقعية في المسرح من الكتاب من اختار العامية ومنهم من
فضل الفصحى واثر البعض الآخر المزج بين العامية والفصحى.
المسرحية
كما هو معلوم تشترك مع القصة في اشتمالها على الحادثة والشخصية والفكرة ولا تتميز عنها إلا في اعتمادها على الحوار كوسيلة وحيدة للوصف وعرض الأحداث. وبقدر ما يكون الحوار مطابقا للشخصيات سهلا واضحا يتوفر على إيقاع موسيقي مناسب. لا تطغى عليه روح المؤلف طغيانا يفسده.بقدر ما يكون ناجحا. إذا كان الحوار هو مظهر المسرحية
الخارجي فان مظهرها الداخلي يتمثل في الصراع الذي يجب أن يكن محبوكا بشكل طبيعي
لا تصنع فيه.
يحتل
المسرح لدى مختلف الشعوب مكانة مرموقة نظرا للدور الذي يلعبه في تثقيف الفئات الشعبية وتنمية ذوقها الجمالي
فضلا عن تسليتها والترفيه عنها والمسرح دليل على الرقي الاجتماعي فهو أداة لنقل قيم
شتى ووسيلة لترقية الفكر خاصة إذا كان يحمل فكرة راقية بلغة سامية. فالمسرح قبل أن
يكون تمثيلية فهو نص أي انه شكل ومضمون فالفكرة السامية يجب أن يعبر عنها باللغة
الراقية غير مبتذلة أو هزيلة. أما إذا كان المسرح بلغة العوام فهو تهريج لا طائل
منه. وإذا لم يصور مجتمعه في ماضيه وحاضره ومستقبله ويعكس آماله وتطلعاته معتزا
بالقيم ومقومات الشخصية. كان دخيلا يهدم بدلا من أن يبني يفسد عوض أن يصلح.
ومادام
المسرح يلعب هذا الدور الهام فهو يحتاج إلى تخطيط وأموال وتشجيع دائم. غير أن المسرح فن وليس تهريجا فكتابته
من مهام الأدباء وتمثيل الأدوار فن لا يناط إلا بأصحاب المواهب من خريجي المعاهد
المختصة.







المصدر : منتديات غرداية _ شبكة للتعليم نت




توقيع العضوdjamele7892
احلى توقيع للعضو


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]





تطور الفن القصصي واهم خصائصه

بيانات العضو

amaniamina
.

الجنس:
السٌّمعَة: 1
الْمَشِارَكِات: 54
النقاط/: 54
العـمــر: 15
الدولة:
هيواية:

معلومات الاتصال

موضوع: رد: تطور الفن القصصي واهم خصائصه
الثلاثاء مارس 08, 2011 8:56 pm | #2




.
:منهغه:

المصدر : منتديات غرداية _ شبكة للتعليم نت



توقيع العضوamaniamina
احلى توقيع للعضو


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]



تطور الفن القصصي واهم خصائصه

بيانات العضو

ابــن الاسلام
.

الجنس:
السٌّمعَة: 72
الْمَشِارَكِات: 10729
النقاط/: 19216
العـمــر: 21
الدولة:
هيواية:
mms:

إرحـــــــلي...ساتــألــم
ســـأبكــي!! ســـأحـــزن ســـأعيش
كل طقوس ما بعـــد
الفـــراق.لـــكن!!.بــالتأكـــيد
لــن أمـــوت ان بقيت وحيدا.


معلومات الاتصال


موضوع: رد: تطور الفن القصصي واهم خصائصه
الثلاثاء مارس 08, 2011 10:06 pm | #3




.

رائع جدا اخوي جماااااااااااااااااااااااااااااااااال


شكراااااااا


المصدر : منتديات غرداية _ شبكة للتعليم نت



توقيع العضوابــن الاسلام
احلى توقيع للعضو


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


علمتني الحياة أن أجعل قلبي مدينة بيوتها المحبة وطرقها التسامح والعفو وأن أعطي
ولا أنتظر الرد على العطاء وأن أصدق مع نفسي قبل أن أطلب من أحد أن يفهمني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

https://www.algeria-edu.com/t10394-topicموقع









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 11:19   رقم المشاركة : 93
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.
تطور الفن القصصي وخصائصه

تطور الفن القصصي وخصائصه .
القصة لون من ألوان التعبير الأدبي تمتاز بالطابع الإنساني والحلة الجمالية الأنيقة تعتمد على الوصف والسرد والحوار.
يعرفها محمود تيمور بقوله: ( هي عرض لفكرة مرت بخاطر الكاتب أو تسجيل لصورة تأثرت بها مخيلته أو بسط لعاطفة اختلجت في صدره. فأراد أن يعبر عنها بالكلام ليصل بها إلى أذهان القراء محاولا أن يكون أثرها في نفوسهم مثل أثرها في نفسه. )
ويقسم الفن القصصي من حيث القالب أو المظهر إلى أربعة أقسام: الأقصوصة القصة الرواية والحكاية.
هل عرف أجدادنا الأوائل القصة ؟ وهل توفرت لها الشروط الفنية ؟
لم يخل أدبنا القديم من القصة بمفهومها البسيط ففي الأدب الجاهلي قصص تدور حول أيام العرب وحروبهم يرونها في الحل والترحال وتحت الخيام في ليالي السمر. وفي القران الكريم قصص الأنبياء وأقوامهم. وفي العصر العباسي نقل إلى العربية بعض القصص من الأمم الأجنبية مثل كليلة ودمنة لابن المقفع وألف الجاحظ كتاب البخلاء. وظهر فن المقامات. وكتب المعري رسالة الغفران وابن طفيل حي بن يقظان.
إلا أن ما كتب في هذه الفترة لم تتوفر فيه الشروط الفنية. بسبب الإغراق في الطول والاستطراد. الاهتمام بغريب الألفاظ. والاحتفاء بالصناعة اللفظية. وعدم التعمق في تحليل نفسيات الشخصيات.
في العصر الحديث. اتصل الأدباء العرب بالغرب فاطلعوا على إنتاجهم القصصي الرفيع فأعجبوا به وانكبوا ينهلون منه انكباب يتيم جائع على مائدة غني كريم. وراحوا يترجمون بعضا ويقلدون بعضا ويقتبسون من بعضها الآخر.
حاول بعض الكتاب العرب إحياء فن المقامة من جديد أمثال اليازجي والمويلحي والشدياق وكتبوا محاولات قصصية جادة عالجت الواقع بنظرات لماحة نافذة. إلا أنها لم تلب حاجات العصر ولم تستوف التعبير عن وجدان الأمة. وهذا يعني أننا أمام نمطين من الفنون القصصية العربية: نمط ابتدعه الأدباء العرب بعيدا عن أي تأثر بغيرهم. ونمط آخر أنتجوه بعد تأثرهم بالفنون القصصية التي ازدهرت في اروبا.
وقد مرت القصة في العصر الحديث بالأطوار التالية:
-1- مرحلة الترجمة: نتيجة اتصال العرب بالغرب وإطلاعهم على تراثهم الأدبي المتنوع اتجه بعض الكتاب إلى القصة لأنها الأكثر استيعابا لتطلعات واهتمامات الجماهير. وقدرتها على متابعة وتسجيل التغيرات الاجتماعية والسياسية التي كانت تزدحم بها البلاد العربية آنئذ. وكان رائد هؤلاء هو رفاعة رافع الطهطاوي الذي ترجم مغامرات تلماك للكاتب الفرنسي فنلون.
2 مرحلة المحاكاة والاقتباس: تتجلى أول محاولة في هذا الطور في قصة عيسى بن هشام للمويلحي الذي حاول إدخال مقومات القصة الغربية والمحافظة على أسلوب المقامات وهو نفس النهج الذي انتهجه حافظ إبراهيم في ليالي سطيح.أما المنفلوطي فقد ترجم بتصرف وتغيير حتى يرضي القراء كما في الشاعر. مجدولين.
-3- مرحلة الإبداع: وفيها أنتج الأدباء قصصا فنيا اعتمادا على إبداعهم وتبدأ بقصة زينب للدكتور محمد حسين هيكل. برغم غلو هذه القصة في الرومانسية وحلولها المفتعلة إلا أنها تعد البداية الفنية الحقيقية للرواية الاجتماعية. ثم ظهر لفيف من الأدباء بقصص جديدة توفر فيها البناء الفني فكتب طه حسين الأيام ودعاء الكروان – وتوفيق الحكيم عصفور من الشرق. ويوميات نائب في الأرياف. ونجيب محفوظ في الثلاثية وجرجي زيدان بقصصه التاريخي في سلسلة روايات تاريخ الإسلام.
أما في الجزائر فقد كتب رضا حوحو غادة أم القرى وكتب محمد ديب ثلاثيته البيت الكبير. الحريق. النول. وكتب مولود معمري العصا والأفيون.
وهكذا تطورت القصة العربية ونضجت واكتملت فنيا وما نيل نجيب محفوظ لجائزة نوبل للآداب إلا دليل على دلك. وقد تنوعت موضوعات القصة العربية الحديثة وتعددت اتجاهاتها فمنها ما هو اجتماعي أو نفسي وآخر تحليلي ومنها ماهو وطني وقومي وقد تجمع القصة الواحدة عدة ألوان وطنية اجتماعية نفسية.
خصائص الفن القصصي. :1- التمهيد: ( الزمان والمكان ) الزمن قد يمتد لأجيال وأجيال أو يقصر ليشمل فترة وجيزة ففي قصة قرية ظالمة لمحمد كامل حسين الزمن يوم وليلة وهو نفس الزمن في ذهاب وإياب لصبري موسى.
2 - الأحداث: الكاتب الناجح يصنع من الحدث البسيط فنا عميقا راقيا حيث يتعمق في دراسة الأحداث فيرتبها وينسقها في شكل منطقي.
-3- العقدة: وتنجم عن ترتيب الحوادث وهي النقطة التي تتجمع عندها الخيوط فيتعقد الموقف ويتلهف القارىء لمعرفة الحل.
-4- الحل: ويشترط فيه أن يكون منسقا مع الأحداث وقد يكون سعيدا أو حزينا.
-5- الشخصيات: جاهزة ونامية نجاح القصة يعتمد على نجاح الكاتب في تصوير الشخصيات فلابد أن تتطابق مع الأحداث ومع الواقع.
-6- الأسلوب: هو التعبير ووسائله اللغوية فلكل كاتب زاده اللغوي وأسلوبه الذي يميزه عن غيره فأسلوب العقاد يختلف عن أسلوب طه حسين أو احمد أمين.
الفن القصصي محبب إلى القلوب يتلذذ به الكبير قبل الصغير يجعلنا نحس بالراحة والتغيير حيث ندخل المعامع والمغامرات مع القصص البوليسي ونتجول في حدائق غناء مع القصص الرومانسي نتألم مع البؤساء ونبتسم مع السعداء مع القصص الواقعي وقد ساهمت القصة في نشر الوعي ومعالجة بعض المشاكل الاجتماعية وبعث الثقافة والأخلاق
لقد تأثر الفن القصصي العربي بالآداب الغربية فعلا ولا ضير في ذلك فالآداب التي تريد لنفسها الاستمرار ينبغي أن لا تضيع فرصة الازدهار والانبعاث.


المسرحية
نص أدبي يأتي على هيئة حوار يصور به الكاتب قصة مأساوية أو هزلية ويقوم الممثلون بتمثيل النص المسرحي بقاعة المسرح ضمن إطار فني.
وهي من أقدم الفنون الأدبية التي عرفتها الحضارة الإنسانية. فمنذ زمان بعيد أقام الإغريق مسارحهم في مناسبات دينية ووطنية. فعرفوا المأساة والملهاة. وتناولوا موضوعات دينية واجتماعية وأدى مسرحهم دوره في تعليم مجتمعهم. واعدوا شروط المسرح واستفاد منها حتى كتاب العصر الحديث.
وعن هؤلاء اخذ الرومان ثم الفرنسيون والإنجليز والألمان وعن هم اخذ العرب.
لكن إقبال العرب على المسرح لم يتم إلا في العصر الحديث على الرغم أنهم اطلعوا عليه عند ترجمة بعض المؤلفات اليونانية في البلاغة والفلسفة والرياضيات في بداية العهد العباسي. ولعل ذلك يرجع إلى ارتباط المسرح بالأفكار الوثنية التي لا يقرها الإسلام والى طبيعة الشعر العربي الغنائي الذي لا يصلح للتمثيل.
المسرح العربي حديث النشأة ظهر على يد مارون النقاش 1847م بعد عودته من الغرب وقدم لأول مرة مسرحية البخيل لموليار وهكذا نشا المسرح قبل المسرحية.
تطورها:
1- مرحلة الاقتباس: شجع إنشاء دار الأبرا في مصر بعض اللبنانيين المهتمين بالمسرح على اقتباس الأفكار من الأدب الاروبية وصبغتها بصبغة محلية.
2- المسرحية الاجتماعية: تطورت المسرحية على يد من درس فن المسرح في اروبا فقد أنشا جورج الأبيض مسرحا عربيا في مصر اثر عودته من فرنسا 1910م وقدم مسرحية وليدة البيئة العربية مصر الجديدة.لفرج أنطوان. غلبت عليها الفصحى واصالة الفكر العربي.
3-المسرحية الواقعية: اتجهت المسرحية إلى التعبير عن الواقع فظهرت عدة مسرحيات تعالج الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي وتعتبر مسرحيات توفيق الحكيم مثلا واضحا لهذا الطور عالج مشكلات اجتماعية كما فعل ازيس وبراسكا وأضفى على شخصياته فكرا فلسفيا وتتجلى نزعته الفلسفية في مسرحية شهرزاد - و سليمان الحكيم -.
المسرحية الجزائرية: يعد رضا حوحو من رواد المسرحية المكتوبة بالعربية فقد اشرف على فرقة تمثيلية وكتب لها مسرحية عنبسة- وبائعة الورد – والعقاب – النائب المحترم – وسي عاشور -. أما المسرحية المكتوبة بالفرنسية يمثلها كاتب ياسين في الجثة المطوقة – والرجل ذو النعل المطاطي.
أما المسرحية الشعرية فقد ظهرت على يد احمد شوقي الذي كتب -مصرع كلييو باترة – مجنون ليلى – قمبيز... وعزيز أباظة الذي ألف ست مسرحيات- قيس ولبنى – العباسة- شجرة الدر – الناصر – غروب الأندلس – شهريار – وقد استطاع أن يتجنب ما وقع فيه شوقي من مآخذ واستفاد مما وجه إليه من نقد.
وللمسرح ثلاثة أشكال هم: 1- المأساة وهي مسرحية درامية تنتهي دائما بالموت.
2-الملهاة مسرحية هزلية ذات نهاية سعيدة. 3-الأبرا المغناة وهي ذات موضوع مأساوي.
عناصر المسرحية: 1-التمهيد *وهو الجزء الأول من المسرحية يمهد فيه الكاتب للمسرحية ويعرف بالشخصيات وأعمالهم. أما البيئة فيصورها عن طريق الحوار. 2- العقدة وهي العنصر الأساسي في بناء الحبكة الفنية وتنشا عن المعوقات أو الصراع الذي ينشا بين قدوتين متعارضتين تثير عند الجمهور الرغبة في انتظار الحل. 3- الحل * وهو النتيجة التي تصل إليها أحداث المسرحية. 4- الزمان والمكان * وهما البيئة التي يدور فيها أحداث المسرحية زمان المسرحية قصير ومكانها محدود. 5- الشخصيات * وهم الممثلون الدين يقومون بالحركة المسرحية. ويشترط فيها الثبات وعدم التناقض مع الواقع. 6- اللغة وسائل التعبير المسرحي متعددة – الحوار – الملابس* الأضواء *الأثاث* الحركة* ولكل فرد لغته الخاصة وهذا ما أطلق عليه النقاد الواقعية في المسرح من الكتاب من اختار العامية ومنهم من فضل الفصحى واثر البعض الآخر المزج بين العامية والفصحى.
المسرحية كما هو معلوم تشترك مع القصة في اشتمالها على الحادثة والشخصية والفكرة ولا تتميز عنها إلا في اعتمادها على الحوار كوسيلة وحيدة للوصف وعرض الأحداث. وبقدر ما يكون الحوار مطابقا للشخصيات سهلا واضحا يتوفر على إيقاع موسيقي مناسب. لا تطغى عليه روح المؤلف طغيانا يفسده.بقدر ما يكون ناجحا. إذا كان الحوار هو مظهر المسرحية الخارجي فان مظهرها الداخلي يتمثل في الصراع الذي يجب أن يكن محبوكا بشكل طبيعي لا تصنع فيه.
يحتل المسرح لدى مختلف الشعوب مكانة مرموقة نظرا للدور الذي يلعبه في تثقيف الفئات الشعبية وتنمية ذوقها الجمالي فضلا عن تسليتها والترفيه عنها والمسرح دليل على الرقي الاجتماعي فهو أداة لنقل قيم شتى ووسيلة لترقية الفكر خاصة إذا كان يحمل فكرة راقية بلغة سامية. فالمسرح قبل أن يكون تمثيلية فهو نص أي انه شكل ومضمون فالفكرة السامية يجب أن يعبر عنها باللغة الراقية غير مبتذلة أو هزيلة. أما إذا كان المسرح بلغة العوام فهو تهريج لا طائل منه. وإذا لم يصور مجتمعه في ماضيه وحاضره ومستقبله ويعكس آماله وتطلعاته معتزا بالقيم ومقومات الشخصية. كان دخيلا يهدم بدلا من أن يبني يفسد عوض أن يصلح.
ومادام المسرح يلعب هذا الدور الهام فهو يحتاج إلى تخطيط وأموال وتشجيع دائم. غير أن المسرح فن وليس تهريجا فكتابته من مهام الأدباء وتمثيل الأدوار فن لا يناط إلا بأصحاب المواهب من خريجي المعاهد المختصة.
الأستاذة اقليعة عائشة
‏الاثنين‏، 15‏ آذار‏، 2004‏ م الموافق الاثنين‏، 23‏ محرم‏، 1425ه

موقع https://www.nu5ba.net/vb/showthread.php?t=9865&page=1









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 11:27   رقم المشاركة : 94
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.

تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير :: دراسات أدبية :: دراسات في القصة العربية القصيرة شاطر | المزيد!
نشأة و تطور القصة الجزائرية
كاتب الموضوع رسالة
Admin
Admin


عدد المساهمات: 103
تاريخ التسجيل: 11/06/2008


موضوع: نشأة و تطور القصة الجزائرية الإثنين يونيو 23, 2008 3:39 pm
نتعرض فيما يلي إلى ما نعتبره من أهم العوامل التي ساعدت على نشأة القصة القصيرة وتطورها، قبل الاستقلال.

والفصل بين هذه العوامل ليس سوى طريقة تقتضيها ضرورة الترتيب المنهجي لأنها في جوهرها مترابطة متشابكة يحدث فيها من التأثر والتأثير المتبادلين مايصعب معه القول بأسبقية هذا العامل أو ذاك.

ولكن يبدو لنا أن الحركة الوطنية، كانت عاملاً وكانت في الوقت نفسه الإطار العام الذي انصهرت فيه بقية العوامل وتمحورت حوله.

1- الحركة الوطنية:

منذ عشرينيات هذا القرن أخذت الحركة الوطنية في التبلور والنضج فأخذت تخطو نحو التنظيم، وظهرت الأحزاب بدءاً "بنجم شمال افريقيا" الذي أنشئ في 1926، ثم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، ثم الحزب الشيوعي سنة 1936 ثم حزب الشعب سنة 1937، وكان امتداداً جديداً لنجم شمال افريقيا وتحول إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946، ثم أحباب البيان والحرية سنة 1944، الذي أصبح الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري سنة 1945.

وبغض النظر عن النشاط السياسي الذي هو المجال الأول لهذه الأحزاب، إلا أن الوجه السياسي كان يخفي وراءه أبعاداً ثقافية وحضارية عميقة، أو يمكن القول إن الظاهرة الفكرية والثقافية، حكمت الظروف أن تتجلى في البعد السياسي.

تغزوت منتديات المغرب العربي الكبير :: دراسات أدبية :: دراسات في القصة العربية القصيرة شاطر | المزيد!
نشأة و تطور القصة الجزائرية
كاتب الموضوع رسالة
Admin
Admin


عدد المساهمات: 103
تاريخ التسجيل: 11/06/2008


موضوع: نشأة و تطور القصة الجزائرية الإثنين يونيو 23, 2008 3:39 pm
نتعرض فيما يلي إلى ما نعتبره من أهم العوامل التي ساعدت على نشأة القصة القصيرة وتطورها، قبل الاستقلال.

والفصل بين هذه العوامل ليس سوى طريقة تقتضيها ضرورة الترتيب المنهجي لأنها في جوهرها مترابطة متشابكة يحدث فيها من التأثر والتأثير المتبادلين مايصعب معه القول بأسبقية هذا العامل أو ذاك.

ولكن يبدو لنا أن الحركة الوطنية، كانت عاملاً وكانت في الوقت نفسه الإطار العام الذي انصهرت فيه بقية العوامل وتمحورت حوله.

1- الحركة الوطنية:

منذ عشرينيات هذا القرن أخذت الحركة الوطنية في التبلور والنضج فأخذت تخطو نحو التنظيم، وظهرت الأحزاب بدءاً "بنجم شمال افريقيا" الذي أنشئ في 1926، ثم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، ثم الحزب الشيوعي سنة 1936 ثم حزب الشعب سنة 1937، وكان امتداداً جديداً لنجم شمال افريقيا وتحول إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946، ثم أحباب البيان والحرية سنة 1944، الذي أصبح الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري سنة 1945.

وبغض النظر عن النشاط السياسي الذي هو المجال الأول لهذه الأحزاب، إلا أن الوجه السياسي كان يخفي وراءه أبعاداً ثقافية وحضارية عميقة، أو يمكن القول إن الظاهرة الفكرية والثقافية، حكمت الظروف أن تتجلى في البعد السياسي.
2- دور الصحافة:

عندما أشرنا سابقاً إلى أن الصحافة لم تعر اهتماماً كبيراً للأدب، وأعطت الأولوية للإصلاح والسياسة، فذلك لا ينفي أنها احتضنت المحاولات الأدبية الأولى، لأن الأدب كغيره من النشاطات كان ينظر إليه بوصفه.

وسيلة تخدم القضية الوطنية ويجب أن يوظف لهذه الغرض.



وبدا لنا -مع ذلك- أن العناية بالأدب فضلاً عن فنيته لم تكن كافية نظراً لظهور الصحافة العربية في الجزائر مبكراً.

فجريدة "المبشر" كانت ثالث جريدة معربة على مستوى العالم بعد "التنبيه" و"الوقائع" المصريتين، إذ صدرت عام 1847.(14)

وازدهر النشاط الصحفي منذ العشرينيات على وجه الخصوص، بفضل نضج الحركة الوطنية، وتعدد الأحزاب.

ويمكن أن تقرر -مع الدكتور "عبدالملك مرتاض"، الذي أفرد فصلاً مفيداً للصحافة العربية في الجزائر في كتابه نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر).

إن من يدرس النهضة الأدبية والثقافية، بوجه عام، المعاصرة في الجزائر، لن يجد محيصاً من أن يقرر بأن الصحافة العربية كانت ذات أثر بعيد على إذكاء النهضة الأدبية في الجزائر وإغنائها).(15)

وبعدما رأينا اهتمام الصحافة الشامية بالأدب، وترجمة القصة القصيرة بالذات، لم نر مايماثل ذلك المسعى بالنسبة للصحافة العربية في الجزائر، بعكس "القريبة منا والتي عنيت صحيفتها "الرائد" بنقل قصة عن الإسبانية وأخرى عن الإيطالية في سنة 1862، وازداد الاهتمام بالمسائل الثقافية مع تأسيس جريدة "الحاضرة" سنة 1888.

وتلتها مجلة "السعادة العظمى" سنة 1904، ثم مجلة "خير الدين" سنة 1906.

كما اهتمت المجلتان اللتان ركزتا على الأدب بالتعمق والاتجاه إلى طرح القضايا الأدبية ومناقشتها وقد قادت "السعادة العظمى "أول ثورة على الشعر، وجاءتنا بمفهوم "الشعر العصري" بينما أقدمت "خير الدين" على تبني نشر أول قصة تونسية".(16)



إن غلبة النزعة الإصلاحية باتجاهها التقليدي في الأدب، قد أعاقت نمو حركة أدبية عصرية، في الوقت الذي اعتنت بالأدب في حدود توظيفه من أجل تحقيق الأهداف السياسية.

فهي بذلك قد لعبت دوراً مزدوجاً لا يخلو من تناقض، ويشير الأعوج واسيني إلى هذه الفكرة نفسها فيقول: وإذن فمن المؤكد أن الصحف التي ظهرت في هذه الفترات كان لها الأثر الكبير، بشكل ما على قيام النهضة الفكرية وترعرعها، هذا بالإضافة إلى الصحف التي ظهرت فيما بعد وكان بعضها مقتصراً على جوانب دينية إصلاحية بحتة، أعاقت تطور المجال الإبداعي، أو على الأقل حصرته، وحدده في الشعر، مثل الشهاب والبصائر الأولى والثانية)(17) .

3- دور المقالة:

من المعروف أن المقالة -بحكم حجمها وقدرتها على احتضان موضوعات اجتماعية وسياسية- كانت سلاحاً قوياً في أيدي المثقفين عامة والمصلحين بصفة خاصة.

وهي من المرونة بحيث تسمح لكاتبها أن يحاصر موضوعه اليوم ليعالج موضوعاً آخر غداً، وفي ذلك فرصة فريدة لمواكبة الأحداث المتسارعة للنظر فيها وتحليلها وبالتالي مساعدة المتلقي من خلالها.

وهي بالنسبة للقارئ شكل غير متعب، تقرأ في جلسة واحدة أو هو متنقل راكباً، ففيها بالنسبة له -فرصة لمتابعة المستجدات فضلاً عن كونها محل ثقة لا تعوض، بحكم كونها معربة.

ولاشك أنها -بالإضافة إلى كل ذلك- ساحة يتمرن فيها الناشئون على الكتابة.

فلا غرو أن نجد هذا اللون الأدبي قد طغى على سائر الألوان الأخرى، في الصحافة الجزائرية العربية. وهي الصحافة التي لم ينشئها أصحابها من أجل المتعة والترف الذهني، ولكن لخدمة أهداف محددة واضحة.

ولقد وجدوا في الطابع القصصي، مايطعم كتاباتهم ويغذيها حتى لا تأتي ثقيلة مملة، فعمدوا إلى المزج بين المقال والقصة، وكأنهم في ذلك يؤكدون تواصلهم مع الأسلاف الذين ابتكروا هذه الأساليب ووظفوها قصداً، كما في استطرادات الجاحظ وفي فلسفة "حي بن يقظان" المتأدبة، وفي "تداعياتالحيوانات على الإنسان" لإخوان الصفا وغيرها من الأعمال الخالدة في الأدب العربي.

4- التأثير المشرقي:

يمكن القول أنه بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الأدب العربي يتوفر على رصيد مهم من الكتابات القصصية القصيرة والطويلة، بفعل تعمق الاحتكاك بالغرب وامتزاج الثقافات ونشاط الترجمة وتعلم العرب لغات أجنبية كثيرة ومختلفة.

وفي الوقت الذي كان فيه الاستعمار الفرنسي يمارس على الجزائر سياسة الحصار والعزلة، لم يقف الجزائريون مكتوفي الأيدي، بل ابتكروا أساليب مختلفة للمقاومة واسترجاع الذات الضائعة. ولم يكن لديهم أفضل من التوجه نحو المشرق العربي، فتم التواصل بطرق شتى:

منها رحلات المشارقة إلى الجزائر مثل "محمد عبده" و"أحمد شوقي" ورحلات الشخصيات الجزائرية إلى المشرق ومنهم "حمدان الونيسي" و"ابن باديس والبشير الإبراهيمي والورتلاني وأحمد رضا حوحو وغيرهم..."...

ومنها تبادل الوفود كرحلة "جورج أبيض" إلى الجزائر عام 1921، وفرقة "عز الدين" المصرية عام 1922، والفرقة المصرية للتمثيل الموسيقي والوفد الصحفي المصري.

ومنها تبادل الكتابات بين المشارقة والمغاربة، بحكم الأيام التي جمعت بينهم سواء على مقاعد الدراسة، أو من أجل التخطيط للنهضة الإصلاحية.

ومنها أن الجزائريين نشروا كتاباتهم في الصحف العربية المشرقية، وأن من المشارقة من أعيد نشر كتاباتهم في صحف جزائرية، وغيرها من الوسائل التي يهتدي إليها أهل المقاومة، كلما حاول المستعمر أن يضيق عليهم الخناق.

ويؤكد الدكتور "عبد الملك مرتاض" ظاهرة التفاعل بين الجزائر وبلدان المشرق العربي في المجال الثقافي والأدبي فيقول:

وإذا كان المشارقة بحكم ظروف تاريخية .....) استطاعوا أن يكونوا سباقين إلى الاغتراف من ينبوع الثقافة العربية التراثية، وحتى الثقافة الغربية العصرية، فإن المغاربة ومنهم الجزائريون، كانوا أول الأمر في موقف الآخذ من الثقافة العربية المشرقية، فعلى الرغم من وجود كثير من الذين كانوا يتقنون العربية إلى جانب الفرنسية من الجزائريين، فإنهم كانوا شديدي الحذر من الاغتراف من الثقافة الغربية، فكانوا يلتمسون متاعهم الروحي في الأدب العربي المشرقي على الرغم من أنه لا يعدو أن يكون قد استمد إما من التراث العربي القديم، أو التراث الغربي الحديث".(18)

على أن هناك من لا يكتفي بالعوامل التي أوردناها، فيضيف الحافز الفني، ويرجع الفضل إلى جيل الشباب الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانوا يتميزون بروح جديدة سئمت قيود الماضي والمحافظة المتشددة.

ومن هؤلاء من سموا أنفسهم أخوان الصفا) ومن بينهم أحمد رضا حوحو وعبد الرحمن شيبان..

وفي اختيار التسمية وحده، دلالة على التشبه بتلك الحركة التمردية التي عرفها القرن الرابع الهجري/ العباسي، وانطبع تمردهم بسلوك طريق العلم والمعرفة والأدب، في تنظيم حافظ على سرية تامة من أجل التغيير الطويل المدى.

وقد أوضح الدكتور "عبد الله ركيبي" أنه كان للقصص الشعبي دور مؤثرٌ أيضاً.

فالواقع الجزائري الذي كان يموج بتداول السير الشعبية وقصص البطولات والقصص الدينية والخرافات والسحر والأمثال -وهي من ألصق بالواقع اليومي للمواطن- جعل من هذه الأشكال التعبيرية- على مر الزمن واشتداد التحدي الاستعماري وتصاعد موجات الغزو الثقافي- فسحة للتنفيس وأداة للتعويض وسنداً لإثبات الذات وتأكيد حضور الهوية.

وبما أن الطابع القصصي ظاهرة تغلب عليها أشكال التعبير في الأدب الشعبي - بما فيه الشعر الملحون الذي كثيراً ماتأتي قصائده مطعمة بنسيج قصصي له بداية ووسط ونهاية- فإن الأدب الشعبي- دون شك- خلفية ثقافية تمارس تأثيرها في الكتابة الثقافية.



ومما يلفت الانتباه إلى أن الذهنية الشعبية كانت مولعة بالقص، حتى أنها تضفي القصصية أحياناً، على أدوات جامدة لتجسيد علاقة اجتماعية معينة.

ومن ذلك، وضعهم علاقة تشابه بين "القايد" والدف، حيث وجه الشبه بينهما الحجم وفخامة الصوت، وترجموا صوته على أنه يردد "الدراهم، الدراهم، الدراهم...".

وعلاقة تشابه ثانية بين شكل الناي وصوته الضعيف وبين الفلاح الفقير والذي يردد قائلاً: "منين، منين، منين...".

وعلاقة تشابه ثالثة بين الطبل وبين الجابي الذي يرافق "القايد"، عادة، والذي يقول: "دبر، دبر، دبر..".

قد لا يظهر التأثير والتأثر بين الأدب الشعبي والكتابة الأدبية بصفة مباشرة، لكن خفاء الشيء لا يعني انعدامه.

قد لا يظهر بسبب مايوجد من تمايز بين العامية والفصحى. نقول التمايز حتى لا نقول الهوة، لأن العامية في الجزائر تضيق الحدود بينها وبين الفصحى، ولعل ذلك ماشجع "البشير الإبراهيمي" -وهو المختص المتضلع في أسرار اللغة العربية- أن يفرد لهذا الموضوع بحثاً مخطوطاً بعنوان:"بقايا فصيح العربية في اللهجة العامية بالجزائر".

وفي الوقت الذي نستغرب فيه أن يكون ازدراء اللون الأدبي القصصي، من أسرار تأخر ظهور القصة القصيرة في المغرب، كما ذهب إلى ذلك الباحث "أحمد المديني"(19) ، فإننا نؤكد مع "عبد الله ركيبي" العكس تماماً.
كان "المقال القصصي" هي البذرة الأولى لبداية القصة فإن "الصورة القصصية" هي البداية الحقيقية للقصة الجزائرية القصيرة"(23) .

وأول صورة قصصية ظهرت عائشة)(24) .

وقد طبع هذا النص ضمن مجموعة قصصية لـ "محمد سعيد الزاهري" بعنوان "الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير" وذلك عام 1928.

ويرى الدكتور عبد الملك مرتاض: أن أول محاولة قصصية عرفها النثر الحديث في الجزائر تلك القصة المثيرة التي نشرت في جريدة الجزائر)(25) .

وهو يقصد قصة فرانسوا والرشيد) لسعيد الزاهري المنشورة عام 1925.

وذهبت الدكتورة عايدة أديب بامية إلى أن أول قصة منشورة هي قصة "دمعة على البؤساء" التي نشرتها جريدة "الشهاب" في عدديها الصادرين يومي 18 و 28 أكتوبر عام 1926)(26) .

ويشير الأستاذ "عبد الله بن حلي" إلى أن النص الذي مس إلى حد ما الهيكل القصصي هو "عائشة"، يقول:

ومحاولة "عائشة" تمدنا بفكرنا عامة عن استخدامه للإطار القصصي، فهي المحاولة الوحيدة التي تمس إلى حد ما الهيكل القصصي)(27) .

ويقصد أنها الوحيدة من بين ما جمعه كتاب محمد السعيد الزاهري المشار إليه آنفاً.

والذي يهمنا هو هذا الاحتياط بقوله إلى حد ما)، دلالة على أن نص "عائشة" لم يتوفر على مايسمح بادراجه في فن القصة القصيرة. وهو يبين في موضع آخر قائلاً:

الحقيقة الأولى التي لا جدال فيها هي أن الكاتب أحمد رضا حوحو هو الرائد الذي وضع اللبنة الأولى للقصة العربية الحديثة في الجزائر. والحقيقة الثانية هي أنه الكاتب الوحيد الذي تحمل عِبأها مدة لا تقل عن عشر سنوات كاتباً وناقداً ومترجماً في زمن خلت فيه القصة من كتابها)(28) .

بينما "صالح خرفي" قد نسب الريادة في كتابة القصة إلى "محمد بن عايد جلالي" مرة في كتاب(29) ، وفي كتاب آخر يقول عن "رمضان حمود": وريادة أخرى لـ رمضان) في هذه القصة التي نشرت في العشرينات بعنوان "الفتى".....) فهو بذلك أول من جرب كتابة القصة في الأدب الجزائري الحديث)(30) .

فإذا كانت القصصية وحدها، هي الدافع إلى التحديد التاريخي لنشأة القصة عامة والقصة القصيرة بصفة خاصة، فلم السكوت عن نص مثل: "حكاية العشاق في الحب والاشتياق"، لمحمد بن إبراهيم مصطفى، ولو أن لغته ليست فصحى خالصة.؟



يبدو -في تقديرنا- أنه مادمنا نعترف باغتراف الأدباء الجزائريين من الأدب المشرقي إلى حد التقليد أحياناً، مادمنا ندرج القصص الجزائرية التي كتبت في المهجر في مسار تطور القصة القصيرة في الجزائر، وهي القصص التي كتبها الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة، وعبد الله ركيبي ومحمد الصالح الصديق وفاضل المسعودي وعثمان سعدي وأبو العيد دودو والجنيدي خليفة...).

فما المانع من الإقرار بأن القصة الجزائرية القصيرة نشأت جنباً إلى جنب مع القصة التونسية على يد "محمد العريبي" منذ 1935، كما نشأت الحركة الوطنية ذاتها في المهجر منذ تأسيس نجم شمال افريقيا.

إن طبيعة الظروف الجزائرية حتمت أن يكون المولد في المهجر سواء أكان المولود سياسياً أم أدبياً، فلذلك مايبرره في الواقع.

وإننا لا نميل إلى هذا الرأي الأخير، بدافع التعصب الوطني الضيق، وإنما بالنظر إلى الظروف الموضوعية، باعتبار أن "محمد العريبي" لم تكن كتاباته مقالات قصصية ولا صوراً قصصية، بل تجاوزتهما إلى مستوى أكثر نضجاً حمل الباحثين على أن يجعلوه إلى جنب "علي الدوماجي" من أبرز المؤسسين لنشأة الفن القصصي في تونس.

وبالاعتماد على أعمال عبد الملك مرتاض وعبد الله ركيبي وعبد الله بن حلي) يمكن تمييز المراحل التالية في تطور القصة القصيرة في الجزائر:

1- مرحلة المقال القصصي:

- كان الكاتب يميل فيه كثيراً إلى الوصف إلىحد إثقال النص.

- انصب الاهتمام على الحداث، والميل إلى النقل الحرفي للواقع.

- كان المقال القصصي عبارة عن مزيج من القصة وغير القصة.

- إنه خليط من المقالة والرواية والمقامة والحكاية.

- شخصيات ثابتة لا تنمو مع الحدث.

- النبرة الخطابية المحملة بالوعظ والإرشاد لأهداف إصلاحية.



2- مرحلة الصورة القصصية:

- الاهتمام برسم الحدث كماهو.

- رسم الشخصية في ذاتها وفي ثباتها بطريقة لا تتفاعل فيها مع الحدث.

- الحوار يعبر عن أفكار الكاتب في إسقاط واضح.

- عدم التركيز بالاستطراد في ذكر التفاصيل والجزئيات.

- السرد يختفي فيه الإيحاء ويسيطر الوعظ.

- وصف الواقع دون تحليله.

- اعتماد الأسلوب المسترسل والجُمل الطويلة والتراكيب القوية القديمة بروح تعليمية واضحة.

3- مرحلة القصة الاجتماعية:

وأبرز من يمثلها "أحمد رضا حوحو" من 1947 إلى 1956. ومادام الأستاذ "عبد الله بن حلي" قد بحث القصة الاجتماعية والقصة المناضلة أو المكتوبة خارج الوطن بما فيه الكفاية في رسالته المذكورة، فلا ضرورة لاجترار ماقيل بشأنهما.

4- مرحلة القصة المكتوبة خارج الوطن:

وهي التي كتبها الأدباء الجزائريون المقيمون خارج الوطن.

وقد ساعدهم وجودهم في بلدان عربية على مواكبة تطور الأدب العربي عامة والفن القصصي منه خاصة، واستفادوا مما ترجم من الآداب الأجنبية إلى اللغة العربية، ووجدوا فرصاً سهلة لنشر أعمالهم، فقد كان ينظر إليهم على أنهم ممثلو الثورة الجزائرية، أهل للعون والتشجيع بغض النظر عن المستوى الفني لأعمالهم


نشأة و تطور القصة الجزائرية
موقع https://taghzout.mam9.com/t8-topic









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 11:32   رقم المشاركة : 95
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.

نشأة و تطور القصة الجزائرية
من طرف ريانية العود في الأحد مايو 15, 2011 10:55 pm


نشأة و تطور القصة الجزائرية
من طرف ريانية العود في الأحد مايو 15, 2011 10:55 pm


نتعرض فيما يلي إلى ما نعتبره من أهم العوامل التي ساعدت على نشأة القصة القصيرة وتطورها، قبل الاستقلال.

والفصل بين هذه العوامل ليس سوى طريقة تقتضيها ضرورة الترتيب المنهجي لأنها في جوهرها مترابطة متشابكة يحدث فيها من التأثر والتأثير المتبادلين مايصعب معه القول بأسبقية هذا العامل أو ذاك.

ولكن يبدو لنا أن الحركة الوطنية، كانت عاملاً وكانت في الوقت نفسه الإطار العام الذي انصهرت فيه بقية العوامل وتمحورت حوله.

1- الحركة الوطنية:

منذ عشرينيات هذا القرن أخذت الحركة الوطنية في التبلور والنضج فأخذت تخطو نحو التنظيم، وظهرت الأحزاب بدءاً "بنجم شمال افريقيا" الذي أنشئ في 1926، ثم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، ثم الحزب الشيوعي سنة 1936 ثم حزب الشعب سنة 1937، وكان امتداداً جديداً لنجم شمال افريقيا وتحول إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946، ثم أحباب البيان والحرية سنة 1944، الذي أصبح الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري سنة 1945.

وبغض النظر عن النشاط السياسي الذي هو المجال الأول لهذه الأحزاب، إلا أن الوجه السياسي كان يخفي وراءه أبعاداً ثقافية وحضارية عميقة، أو يمكن القول إن الظاهرة الفكرية والثقافية، حكمت الظروف أن تتجلى في البعد السياسي.
2- دور الصحافة:

عندما أشرنا سابقاً إلى أن الصحافة لم تعر اهتماماً كبيراً للأدب، وأعطت الأولوية للإصلاح والسياسة، فذلك لا ينفي أنها احتضنت المحاولات الأدبية الأولى، لأن الأدب كغيره من النشاطات كان ينظر إليه بوصفه.

وسيلة تخدم القضية الوطنية ويجب أن يوظف لهذه الغرض.



وبدا لنا -مع ذلك- أن العناية بالأدب فضلاً عن فنيته لم تكن كافية نظراً لظهور الصحافة العربية في الجزائر مبكراً.

فجريدة "المبشر" كانت ثالث جريدة معربة على مستوى العالم بعد "التنبيه" و"الوقائع" المصريتين، إذ صدرت عام 1847.(14)

وازدهر النشاط الصحفي منذ العشرينيات على وجه الخصوص، بفضل نضج الحركة الوطنية، وتعدد الأحزاب.

ويمكن أن تقرر -مع الدكتور "عبدالملك مرتاض"، الذي أفرد فصلاً مفيداً للصحافة العربية في الجزائر في كتابه نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر).

إن من يدرس النهضة الأدبية والثقافية، بوجه عام، المعاصرة في الجزائر، لن يجد محيصاً من أن يقرر بأن الصحافة العربية كانت ذات أثر بعيد على إذكاء النهضة الأدبية في الجزائر وإغنائها).(15)

وبعدما رأينا اهتمام الصحافة الشامية بالأدب، وترجمة القصة القصيرة بالذات، لم نر مايماثل ذلك المسعى بالنسبة للصحافة العربية في الجزائر، بعكس "القريبة منا والتي عنيت صحيفتها "الرائد" بنقل قصة عن الإسبانية وأخرى عن الإيطالية في سنة 1862، وازداد الاهتمام بالمسائل الثقافية مع تأسيس جريدة "الحاضرة" سنة 1888.

وتلتها مجلة "السعادة العظمى" سنة 1904، ثم مجلة "خير الدين" سنة 1906.

كما اهتمت المجلتان اللتان ركزتا على الأدب بالتعمق والاتجاه إلى طرح القضايا الأدبية ومناقشتها وقد قادت "السعادة العظمى "أول ثورة على الشعر، وجاءتنا بمفهوم "الشعر العصري" بينما أقدمت "خير الدين" على تبني نشر أول قصة تونسية".(16)



إن غلبة النزعة الإصلاحية باتجاهها التقليدي في الأدب، قد أعاقت نمو حركة أدبية عصرية، في الوقت الذي اعتنت بالأدب في حدود توظيفه من أجل تحقيق الأهداف السياسية.

فهي بذلك قد لعبت دوراً مزدوجاً لا يخلو من تناقض، ويشير الأعوج واسيني إلى هذه الفكرة نفسها فيقول: وإذن فمن المؤكد أن الصحف التي ظهرت في هذه الفترات كان لها الأثر الكبير، بشكل ما على قيام النهضة الفكرية وترعرعها، هذا بالإضافة إلى الصحف التي ظهرت فيما بعد وكان بعضها مقتصراً على جوانب دينية إصلاحية بحتة، أعاقت تطور المجال الإبداعي، أو على الأقل حصرته، وحدده في الشعر، مثل الشهاب والبصائر الأولى والثانية)(17) .

3- دور المقالة:

من المعروف أن المقالة -بحكم حجمها وقدرتها على احتضان موضوعات اجتماعية وسياسية- كانت سلاحاً قوياً في أيدي المثقفين عامة والمصلحين بصفة خاصة.

وهي من المرونة بحيث تسمح لكاتبها أن يحاصر موضوعه اليوم ليعالج موضوعاً آخر غداً، وفي ذلك فرصة فريدة لمواكبة الأحداث المتسارعة للنظر فيها وتحليلها وبالتالي مساعدة المتلقي من خلالها.

وهي بالنسبة للقارئ شكل غير متعب، تقرأ في جلسة واحدة أو هو متنقل راكباً، ففيها بالنسبة له -فرصة لمتابعة المستجدات فضلاً عن كونها محل ثقة لا تعوض، بحكم كونها معربة.

ولاشك أنها -بالإضافة إلى كل ذلك- ساحة يتمرن فيها الناشئون على الكتابة.

فلا غرو أن نجد هذا اللون الأدبي قد طغى على سائر الألوان الأخرى، في الصحافة الجزائرية العربية. وهي الصحافة التي لم ينشئها أصحابها من أجل المتعة والترف الذهني، ولكن لخدمة أهداف محددة واضحة.

ولقد وجدوا في الطابع القصصي، مايطعم كتاباتهم ويغذيها حتى لا تأتي ثقيلة مملة، فعمدوا إلى المزج بين المقال والقصة، وكأنهم في ذلك يؤكدون تواصلهم مع الأسلاف الذين ابتكروا هذه الأساليب ووظفوها قصداً، كما في استطرادات الجاحظ وفي فلسفة "حي بن يقظان" المتأدبة، وفي "تداعياتالحيوانات على الإنسان" لإخوان الصفا وغيرها من الأعمال الخالدة في الأدب العربي.

4- التأثير المشرقي:

يمكن القول أنه بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الأدب العربي يتوفر على رصيد مهم من الكتابات القصصية القصيرة والطويلة، بفعل تعمق الاحتكاك بالغرب وامتزاج الثقافات ونشاط الترجمة وتعلم العرب لغات أجنبية كثيرة ومختلفة.

وفي الوقت الذي كان فيه الاستعمار الفرنسي يمارس على الجزائر سياسة الحصار والعزلة، لم يقف الجزائريون مكتوفي الأيدي، بل ابتكروا أساليب مختلفة للمقاومة واسترجاع الذات الضائعة. ولم يكن لديهم أفضل من التوجه نحو المشرق العربي، فتم التواصل بطرق شتى:

منها رحلات المشارقة إلى الجزائر مثل "محمد عبده" و"أحمد شوقي" ورحلات الشخصيات الجزائرية إلى المشرق ومنهم "حمدان الونيسي" و"ابن باديس والبشير الإبراهيمي والورتلاني وأحمد رضا حوحو وغيرهم..."...

ومنها تبادل الوفود كرحلة "جورج أبيض" إلى الجزائر عام 1921، وفرقة "عز الدين" المصرية عام 1922، والفرقة المصرية للتمثيل الموسيقي والوفد الصحفي المصري.

ومنها تبادل الكتابات بين المشارقة والمغاربة، بحكم الأيام التي جمعت بينهم سواء على مقاعد الدراسة، أو من أجل التخطيط للنهضة الإصلاحية.

ومنها أن الجزائريين نشروا كتاباتهم في الصحف العربية المشرقية، وأن من المشارقة من أعيد نشر كتاباتهم في صحف جزائرية، وغيرها من الوسائل التي يهتدي إليها أهل المقاومة، كلما حاول المستعمر أن يضيق عليهم الخناق.

ويؤكد الدكتور "عبد الملك مرتاض" ظاهرة التفاعل بين الجزائر وبلدان المشرق العربي في المجال الثقافي والأدبي فيقول:

وإذا كان المشارقة بحكم ظروف تاريخية .....) استطاعوا أن يكونوا سباقين إلى الاغتراف من ينبوع الثقافة العربية التراثية، وحتى الثقافة الغربية العصرية، فإن المغاربة ومنهم الجزائريون، كانوا أول الأمر في موقف الآخذ من الثقافة العربية المشرقية، فعلى الرغم من وجود كثير من الذين كانوا يتقنون العربية إلى جانب الفرنسية من الجزائريين، فإنهم كانوا شديدي الحذر من الاغتراف من الثقافة الغربية، فكانوا يلتمسون متاعهم الروحي في الأدب العربي المشرقي على الرغم من أنه لا يعدو أن يكون قد استمد إما من التراث العربي القديم، أو التراث الغربي الحديث".(18)

على أن هناك من لا يكتفي بالعوامل التي أوردناها، فيضيف الحافز الفني، ويرجع الفضل إلى جيل الشباب الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانوا يتميزون بروح جديدة سئمت قيود الماضي والمحافظة المتشددة.

ومن هؤلاء من سموا أنفسهم أخوان الصفا) ومن بينهم أحمد رضا حوحو وعبد الرحمن شيبان..

وفي اختيار التسمية وحده، دلالة على التشبه بتلك الحركة التمردية التي عرفها القرن الرابع الهجري/ العباسي، وانطبع تمردهم بسلوك طريق العلم والمعرفة والأدب، في تنظيم حافظ على سرية تامة من أجل التغيير الطويل المدى.

وقد أوضح الدكتور "عبد الله ركيبي" أنه كان للقصص الشعبي دور مؤثرٌ أيضاً.

فالواقع الجزائري الذي كان يموج بتداول السير الشعبية وقصص البطولات والقصص الدينية والخرافات والسحر والأمثال -وهي من ألصق بالواقع اليومي للمواطن- جعل من هذه الأشكال التعبيرية- على مر الزمن واشتداد التحدي الاستعماري وتصاعد موجات الغزو الثقافي- فسحة للتنفيس وأداة للتعويض وسنداً لإثبات الذات وتأكيد حضور الهوية.

وبما أن الطابع القصصي ظاهرة تغلب عليها أشكال التعبير في الأدب الشعبي - بما فيه الشعر الملحون الذي كثيراً ماتأتي قصائده مطعمة بنسيج قصصي له بداية ووسط ونهاية- فإن الأدب الشعبي- دون شك- خلفية ثقافية تمارس تأثيرها في الكتابة الثقافية.



ومما يلفت الانتباه إلى أن الذهنية الشعبية كانت مولعة بالقص، حتى أنها تضفي القصصية أحياناً، على أدوات جامدة لتجسيد علاقة اجتماعية معينة.

ومن ذلك، وضعهم علاقة تشابه بين "القايد" والدف، حيث وجه الشبه بينهما الحجم وفخامة الصوت، وترجموا صوته على أنه يردد "الدراهم، الدراهم، الدراهم...".

وعلاقة تشابه ثانية بين شكل الناي وصوته الضعيف وبين الفلاح الفقير والذي يردد قائلاً: "منين، منين، منين...".

وعلاقة تشابه ثالثة بين الطبل وبين الجابي الذي يرافق "القايد"، عادة، والذي يقول: "دبر، دبر، دبر..".

قد لا يظهر التأثير والتأثر بين الأدب الشعبي والكتابة الأدبية بصفة مباشرة، لكن خفاء الشيء لا يعني انعدامه.

قد لا يظهر بسبب مايوجد من تمايز بين العامية والفصحى. نقول التمايز حتى لا نقول الهوة، لأن العامية في الجزائر تضيق الحدود بينها وبين الفصحى، ولعل ذلك ماشجع "البشير الإبراهيمي" -وهو المختص المتضلع في أسرار اللغة العربية- أن يفرد لهذا الموضوع بحثاً مخطوطاً بعنوان:"بقايا فصيح العربية في اللهجة العامية بالجزائر".

وفي الوقت الذي نستغرب فيه أن يكون ازدراء اللون الأدبي القصصي، من أسرار تأخر ظهور القصة القصيرة في المغرب، كما ذهب إلى ذلك الباحث "أحمد المديني"(19) ، فإننا نؤكد مع "عبد الله ركيبي" العكس تماماً.

وجملة القول فإن القصة الشعبية الجزائرية على اختلاف مضامينها وأساليبها وأشكالها لعبت دوراً واضحاً في ملء الفراغ الأدبي في فترة ضعف فيها الأدب العربي كما أنها عبرت عن روح الشعب الجزائري وتعلقه بماضيه ودفاعه عن وجوده وكيانه"(20) .

وتتأكد ظاهرة تأثير الأدب الشعبي في الكتابة القصصية على وجه الخصوص وبشكل واضح ومباشر في نشأة القصة التونسية.

إذن فقد انكبت جماعة "العالم الأدبي" على الحكاية الشعبية تستلهمها وتتكئ عليها في كتاباتها، واتسعت بذلك رقعة هذا الاتكاء وأصبحت حقاً مشاعاً تغرف منه دون حساب. ونشرت روح الحكاية الشعبية ظلالها واضحة جلية في محاولاتهم إلى درجة أن فقرات كثيرة منها لا تعدو أن تكون ترجمة صريحة لأجزاء كثيرة من الحكاية الشعبية..".(21)

فأما مصدر الاختلاف في تحديد تاريخ وتعيين كاتب لنشأة القصة القصيرة، فيعود -في نظرنا- إلى الارتكاز على القصصية في غالب الأحيان دون سائر الأدوات الفنية التي بها أو بمعظمها -على الأقل- يكتمل البناء الفني.

لذلك نجد "عبد الله ركيبي" يحسن التخلص من تحديد تاريخ للنشأة ليقول عن المقال القصصي:

بعد "المقال القصصي" الشكل البدائي الأول الذي بدأت به القصة الجزائرية القصيرة. وقد تطور المقال القصصي عن المقال الأدبي بل تطور عن المقال الإصلاحي بالدرجة الأولى)(22) .

ولكن ليقرر لاحقاً:

إذا كان "المقال القصصي" هي البذرة الأولى لبداية القصة فإن "الصورة القصصية" هي البداية الحقيقية للقصة الجزائرية القصيرة"(23) .

وأول صورة قصصية ظهرت عائشة)(24) .

وقد طبع هذا النص ضمن مجموعة قصصية لـ "محمد سعيد الزاهري" بعنوان "الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير" وذلك عام 1928.

ويرى الدكتور عبد الملك مرتاض: أن أول محاولة قصصية عرفها النثر الحديث في الجزائر تلك القصة المثيرة التي نشرت في جريدة الجزائر)(25) .

وهو يقصد قصة فرانسوا والرشيد) لسعيد الزاهري المنشورة عام 1925.

وذهبت الدكتورة عايدة أديب بامية إلى أن أول قصة منشورة هي قصة "دمعة على البؤساء" التي نشرتها جريدة "الشهاب" في عدديها الصادرين يومي 18 و 28 أكتوبر عام 1926)(26) .

ويشير الأستاذ "عبد الله بن حلي" إلى أن النص الذي مس إلى حد ما الهيكل القصصي هو "عائشة"، يقول:

ومحاولة "عائشة" تمدنا بفكرنا عامة عن استخدامه للإطار القصصي، فهي المحاولة الوحيدة التي تمس إلى حد ما الهيكل القصصي)(27) .

ويقصد أنها الوحيدة من بين ما جمعه كتاب محمد السعيد الزاهري المشار إليه آنفاً.

والذي يهمنا هو هذا الاحتياط بقوله إلى حد ما)، دلالة على أن نص "عائشة" لم يتوفر على مايسمح بادراجه في فن القصة القصيرة. وهو يبين في موضع آخر قائلاً:

الحقيقة الأولى التي لا جدال فيها هي أن الكاتب أحمد رضا حوحو هو الرائد الذي وضع اللبنة الأولى للقصة العربية الحديثة في الجزائر. والحقيقة الثانية هي أنه الكاتب الوحيد الذي تحمل عِبأها مدة لا تقل عن عشر سنوات كاتباً وناقداً ومترجماً في زمن خلت فيه القصة من كتابها)(28) .

بينما "صالح خرفي" قد نسب الريادة في كتابة القصة إلى "محمد بن عايد جلالي" مرة في كتاب(29) ، وفي كتاب آخر يقول عن "رمضان حمود": وريادة أخرى لـ رمضان) في هذه القصة التي نشرت في العشرينات بعنوان "الفتى".....) فهو بذلك أول من جرب كتابة القصة في الأدب الجزائري الحديث)(30) .

فإذا كانت القصصية وحدها، هي الدافع إلى التحديد التاريخي لنشأة القصة عامة والقصة القصيرة بصفة خاصة، فلم السكوت عن نص مثل: "حكاية العشاق في الحب والاشتياق"، لمحمد بن إبراهيم مصطفى، ولو أن لغته ليست فصحى خالصة.؟



يبدو -في تقديرنا- أنه مادمنا نعترف باغتراف الأدباء الجزائريين من الأدب المشرقي إلى حد التقليد أحياناً، مادمنا ندرج القصص الجزائرية التي كتبت في المهجر في مسار تطور القصة القصيرة في الجزائر، وهي القصص التي كتبها الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة، وعبد الله ركيبي ومحمد الصالح الصديق وفاضل المسعودي وعثمان سعدي وأبو العيد دودو والجنيدي خليفة...).

فما المانع من الإقرار بأن القصة الجزائرية القصيرة نشأت جنباً إلى جنب مع القصة التونسية على يد "محمد العريبي" منذ 1935، كما نشأت الحركة الوطنية ذاتها في المهجر منذ تأسيس نجم شمال افريقيا.

إن طبيعة الظروف الجزائرية حتمت أن يكون المولد في المهجر سواء أكان المولود سياسياً أم أدبياً، فلذلك مايبرره في الواقع.

وإننا لا نميل إلى هذا الرأي الأخير، بدافع التعصب الوطني الضيق، وإنما بالنظر إلى الظروف الموضوعية، باعتبار أن "محمد العريبي" لم تكن كتاباته مقالات قصصية ولا صوراً قصصية، بل تجاوزتهما إلى مستوى أكثر نضجاً حمل الباحثين على أن يجعلوه إلى جنب "علي الدوماجي" من أبرز المؤسسين لنشأة الفن القصصي في تونس.

وبالاعتماد على أعمال عبد الملك مرتاض وعبد الله ركيبي وعبد الله بن حلي) يمكن تمييز المراحل التالية في تطور القصة القصيرة في الجزائر:

1- مرحلة المقال القصصي:

- كان الكاتب يميل فيه كثيراً إلى الوصف إلىحد إثقال النص.

- انصب الاهتمام على الحداث، والميل إلى النقل الحرفي للواقع.

- كان المقال القصصي عبارة عن مزيج من القصة وغير القصة.

- إنه خليط من المقالة والرواية والمقامة والحكاية.

- شخصيات ثابتة لا تنمو مع الحدث.

- النبرة الخطابية المحملة بالوعظ والإرشاد لأهداف إصلاحية.



2- مرحلة الصورة القصصية:

- الاهتمام برسم الحدث كماهو.

- رسم الشخصية في ذاتها وفي ثباتها بطريقة لا تتفاعل فيها مع الحدث.

- الحوار يعبر عن أفكار الكاتب في إسقاط واضح.

- عدم التركيز بالاستطراد في ذكر التفاصيل والجزئيات.

- السرد يختفي فيه الإيحاء ويسيطر الوعظ.

- وصف الواقع دون تحليله.

- اعتماد الأسلوب المسترسل والجُمل الطويلة والتراكيب القوية القديمة بروح تعليمية واضحة.

3- مرحلة القصة الاجتماعية:

وأبرز من يمثلها "أحمد رضا حوحو" من 1947 إلى 1956. ومادام الأستاذ "عبد الله بن حلي" قد بحث القصة الاجتماعية والقصة المناضلة أو المكتوبة خارج الوطن بما فيه الكفاية في رسالته المذكورة، فلا ضرورة لاجترار ماقيل بشأنهما.

4- مرحلة القصة المكتوبة خارج الوطن:

وهي التي كتبها الأدباء الجزائريون المقيمون خارج الوطن.

وقد ساعدهم وجودهم في بلدان عربية على مواكبة تطور الأدب العربي عامة والفن القصصي منه خاصة، واستفادوا مما ترجم من الآداب الأجنبية إلى اللغة العربية، ووجدوا فرصاً سهلة لنشر أعمالهم، فقد كان ينظر إليهم على أنهم ممثلو الثورة الجزائرية، أهل للعون والتشجيع بغض النظر عن المستوى الفني لأعمالهم





منقول

ريانية


_________________
[img:2959][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][/img]

ريانية العود
إدارة


عدد المساهمات: 9446
تاريخ التسجيل: 15/01/2011
الموقع: قلب قطر



رد: نشأة و تطور القصة الجزائرية
من طرف عذب الكلام في الخميس مايو 26, 2011 8:57 pm




موقع
https://bairak.yoo7.com/t3763-topic




موقع









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 11:33   رقم المشاركة : 96
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.
شاطر | المزيد!
القصة القصيرة الجزائرية والرواية العربية الجزائرية .. والمسرحية الجزائرية
كاتب الموضوع رسالة
salimmen1
salimmen1


عدد المساهمات: 858
تاريخ التسجيل: 05/07/2008
العمر: 34


موضوع: القصة القصيرة الجزائرية والرواية العربية الجزائرية .. والمسرحية الجزائرية الأحد نوفمبر 02, 2008 11:19 pm
القصة القصيرة


نشأت القصة القصيرة الجزائرية متأخرة عن القصة في المشرق العربي لظروف تتصل بالثقافة العربية و بالأدباء أنفسهم و بثقافتهم الخاصة وتكوينهم الفكري الذي ارتبط بالتراث ارتباطا كليا منذ البدايات الأولى للنهضة الأدبية في الجزائر و ارتباط الأدب بالحركة الإصلاحية، بدعوتها و مبادئها و أهدافها و هي في مجملها تستند إلى الدين والإصلاح وتتسم بالمحافظة في النظرة و الرؤية، و من ثم فإن الأدباء الذين اعتنقوا هذه الفكرة حصروا أنفسهم في نطاق ضيق لم يستطيعوا الخروج عنه و بالتالي لم يحاولوا أن يجربوا في مجال الفنون الأدبية الجديدة مثل القصة القصيرة.

و قد تأخر ظهور القصة لأسباب كثيرة و مختلفة نوجزها على النحو التالي:-
ا- الاستعمار الذي وضع الثقافة القومية في وضع شل فاعليتها و حركتها مما نتج عنه تأخر الأدب الجزائري عامة و لا سيما أحدث فنونه و هي القصة القصيرة، و قد كان اضطهاد اللغة العربية و محاولة القضاء عليها من طرف الاستعمار الفرنسي عاملا أساسيا في تخلف الأدب و تأخر القصة، فقد جاء رد الفعل من محاولات الحفاظ عليها كلغة البلاد القومية، لغة الثقافة و العلم و الدين، محاولات نعلم جميعا مدى ما استلزمت من تضحيات وجهود شاقة مريرة، و لكنها لم تضع في حسابها ضرورة تطويرها و جعلها لغة صالحة للأدب و أداة مرنة طيعة له.

ب- التقاليد و أبرزها ما يتعلق بوضع المرأة في المجتمع إذا كانت مغلقة لا يسمح لها بالاختلاط أو المشاركة في الحياة السياسية و الاجتماعية، و لهذا كان من الصعب أن تعالج القصة علاقة الرجل بالمرأة أو أن تتعرض إلى هذا الموضوع.
ج- ضعف النشر .
د- انعدام وسائل التشجيع الكافية للأديب القصاص كي يكتب و ينتج و يجرب.
ه- عدم وجود المتلقي لهذا الإنتاج لو صدر ، و كيف يوجد في ظل الأمية التي فرضتها سلطات الاستعمار الفرنسي على شعب الجزائر كي يظل متخلفا.


• تطور القصة القصيرة في الجزائر:

يمكن حصر العوامل التي أدت إلى تطور القصة القصيرة الفنية في الجزائر في أربعة نقاط:
1 – اليقظة الفكرية :
إن من أهم الأسباب التي أثرت في تطور القصة القصيرة في الجزائر هي اليقظة الفكرية التي صاحبت اليقظة السياسية عقب الحرب العالمية الثانية و انتفاضة »ماي« سنة1945.

فهذه اليقظة كانت تعبيرا عن موقف حضاري أحس فيه الشعب الجزائري إحساسا عنيفا بشخصيته و قوميته و عروبته و ماضيه، فظهرت القصة القصيرة التاريخية التي تلح على مقومات الشخصية الجزائرية ، رغم أن إنتاجها كان نزرا يسيرا.

و قد جاءت هذه اليقظة نتيجة تحرر الشعوب عامة و نتيجة مشاركة الشعب الجزائري في الحرب خاصة .هذه الحرب التي كانت نهايتها قتل الجزائريين بالجملة في مظاهرات »ماي« الصاخبة التي قوبلت من جانب الاستعمار بالقمع و التنكيل .

2 – البعثات الثقافية للمشرق العربي:

اتسع نطاق هذه البعثات بصورة أكثر عن ذي قبل ، و توثق الاتصال بالأقطار العربية التي فتحت صدرها للجزائريين ليدرسوا في مدارسها و جامعاتها فاتصلوا بالثقافة العربية في منابعها ، و الثقافة الأجنبية في ترجماتها ، و اطلعوا على نماذج منة القصة القصيرة العربية التي كانت قد بلغت درجة من الجودة و الإتقان ، و وجدوا في هذه البيئات تفتحا أكثر.

3 – الحافز الفني لكتابة القصة:

بدأ الأدباء في محاولات جادة لكتابة القصة القصيرة - في أواخر الأربعينات و أوائل الخمسينات وهي الفترة التي بدأ فيها التطور القوي لها – و لكن هذه المحاولة تعددت حوافزها :
- فهناك من كتب بدافع ملء الفراغ و الشعور بأن الأدب الجزائري قد خلا من القصة القصيرة.

- و هناك من كتب القصة للتجربة أو بدافع الحماس بسبب الثورة ، فأراد أن يسجل أحداثها أو يصور بعض أبطالها .

- و لكن هناك من كتب القصة بدافع فني . بدافع أدبي يحقق فيه ذاته ووجوده. وهذا النوع هو الذي استطاع أن يساهم في تطور القصة القصيرة الجزائرية و أن يوصل التجربة في هذا المجال .

4 – الثورة:
لا شك أن الثورة فتحت مجالا أكثر لكُتّاب القصة القصيرة ، فغيرت كثيرا من نظرتهم إلى الواقع . فبعد أن كان الحديث عن الواقع لا يعدو أن يكون تسجيلا له ، أصبح التعبير عن هذا الواقع و تصويره هو هدف كتّاب القصة القصيرة.

فظروف النضال كشفت للكتاب عن إمكانيات ضخمة و تجارب جديدة دفعتهم للبحث عن جديد، سواء أكان ذلك في الموضوع أو في المضمون أو في الشكل .

و ظهرت موضوعات جديدة تتحدث عن الاغتراب و عن الهجرة،و عن الحرب والثورة و آثارهما. تصف الجبل و تدين الاستعمار، و تصور مشاركة المرأة في الثورة والنضال ...
و من هنا ظهر في القصة البطل الإنسان الذي يخاف و يتغلب على خوفه، و اختفى البطل الفريد الخارق للعادة.

وعموما يمكن القول بأن كتاب القصة القصيرة الفنية –أو بعضهم على الأقل – في هذه المرحلة عنوا بهيكل القصة و بنائها ، الأمر الذي يوضح وعيهم بفن كتابتها.

و هذا لا يعني أن القصة القصيرة قد توفرت فيها كل الخصائص أو السمات الفنية ، و إنما يعني أنها خطت خطوة جديدة في تطورها واقتربت كثيرا من النضج. هذا وإن وجدت آلي جانب النماذج الجيدة قصص أخرى ساذجة لم ترق إلى مستوى القصة الفنية


الرواية العربية


كان ظهور الرواية متأخرا إذا ما قيس بالأشكال الأدبية الحديثة الأخرى مثل المقال الأدبي و القصة القصيرة و المسرحية ، بل إن هذه الأشكال الجديدة تعتبر حديثة بالقياس إلى مثيلاتها في الأدب العربي الحديث.

ولا شك أن الناس تعودوا قراءة الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة بالفرنسية و ترجمت معظم الروايات بهذه اللغة إلى العربية و بات الناس يرددون أسماء كتابها و يعرفون عنهم الشيء الكثير، بينما لا يكادون يعرفون عن كتاب النثر الجزائري الحديث إلا قليلا.

ولعل هناك ظروفا كثيرة أسهمت في جعل من يكتب باللغة القومية مجهولا إلى حد ما ، في حين أنها أسهمت في التعريف بمن يكتب باللغة الأجنبية في الجزائر حتى إن بعض الدارسين للأدب الجزائري الحديث في البلاد العربية حين عرضوا لهذا الأدب درسوا الآثار المكتوبة باللغة الأجنبية و لم يشيروا من قريب أو بعيد إلى من يكتب باللغة القومية فضلا عن الباحثين في البيئات الأوربية شرقا و غربا الذين احتفلوا بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية في الجزائر حتى إن بعضهم اعتبر أن الكتاب الفرنسيين الذين ولدوا فوق التراب الجزائري من الكتاب الجزائريين، و ذهبوا مذاهب شتى في البحث عن الأدلة التي ساقوها لتأكيد غرضهم، و قد أسهمت في هذه الضجة التي أثيرت حول هذا الأدب عوامل شتى منها ؛أن أجهزة الإعلام و الثقافة الفرنسية قد روجت لهذه الفكرة لتظهر أن الثقافة الفرنسية خلقت كتابا بارزين في الجزائر ، و أن الاستعمار لم يكن كله شرا ، و أن ما زرعه هذا الاستعمار من حضارة في الجزائر- حسب زعمه – قد أثمر هذه النماذج الأدبية الجيدة شعرا و نثرا و احتفلوا بكتابه و قدموا لهم الجوائز التشجيعية ليس تقديرا لتفوق الكتاب الجزائريين ، ولكن للدعاية و تشجيع الأدب الفرنسي طالما هناك هؤلاء الكتاب يعبرون باللغة الفرنسية .

وقد أثر هذا الموقف على الدارسين للأدب الجزائري في بيئات أخرى فترجموه ، و لكن بعضهم أعجب بما فيه من أصالة و عمق و بما فيه من مضامين جديدة خاصة و أن معظمه دار حول الثورة و حول الشعب الجزائري و نضاله ضد الاستعمار ، و عبّر عن ذلك بجرأة و قدرة و فهم عميق لمطامح الشعب الجزائري و أشواقه.

يضاف إلى هذا أن المهتمين بالأدب الجزائري عامة سواء من الجزائريين أو من غيرهم لم يعرِّفُوا به إلا في السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة..
أما فيما يتعلق بالرواية العربية الجزائرية فإن للنقد عذرهم في عدم الحديث عنها ، لأنها ظهرت أخيرا ، فهي من مواليد السبعينات بالرغم من بذورا ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية يمكن أن نلحظ فيها بدايات ساذجة للرواية العربية الجزائرية سواء في موضوعاتها أو في أسلوبها و بنائها الفني، فهناك قصة مطولة بعض الشيء كتبها »أحمد رضا حوحو« و سماها »غادة أم القرى« و هناك غيره من كتاب الرواية.

أما تأخر ظهور الرواية الفنية إلى فترة السبعينات ، يرجع إلى أن هذا الفن صعب يحتاج إلى تأمل طويل و إلى صبر و أناة ثم يتطلب ظروفا ملائمة تساعد على تطوره و عناية الأدباء به .و في مقدمة هذه العوامل :
- أن الكتاب الجزائريين الذين كتبوا باللغة القومية أدبا عربيا اتجهوا إلى القصة القصيرة لأنها تعبر عن واقع الحياة اليومي خاصة أثناء الثورة التي أحدثت تغييرا عميقا في الفرد، فكان أسلوب القصة ملائما للتعبير عن الموقف أو عن اللحظة الآنية و عن التجربة المحدودة بحدود الفرد . أما الرواية فإنها تعالج قطاعا من المجتمع و رحابه واسعة تحتاج إلى تأمل طويل.
و فوق هذا فإن كتّاب الرواية في الجزائر لم يجدوا أمامهم نماذج جزائرية يقلدونها أو ينسجون على منوالها كما كان الأمر بالنسبة للكتاب باللغة الفرنسية الذين وجدوا تراثا غنيا ونماذج جيدة في الأدب الفرنسي ، و مع ذلك فإن كتاب الرواية العربية قد أتيح لهم أن يقرأوا في لغتهم عيونا واسعة في الرواية العربية الحديثة و المعاصرة، و لكنهم لم يتصلوا بهذا الإنتاج إلا في فترة قريبة بسبب الظروف التي عاشوها و عاشتها الثقافة القومية في الجزائر، لذلك فإن البدايات الحقيقية التي يمكن أن تدخل في مفهوم الرواية هي التي ظهرت منذ سنوات قليلة، أي في السبعينات مثل قصة ( ما لا تذروه الرياح) لمحمد عرعار، (ريح الجنوب) للكاتب القصصي (عبد الحميد هدوقة) التي كتبت فيما يبدو قبل السابقة و لكنها طبعت بعدها، ثم ظهرت في السنتين الماضيتين روايتان (للطاهر وطار) و هما على التوالي (الزلزال) ثم (اللاز).


المسرحية


بعض الدارسين للمسرح الجزائري الحديث يعتبرون أن ميلاد المسرح الجزائري تم ما بين 1919-1927 ، أي أن البدايات الأولى ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، حيث ظهرت الحاجة إلى مسرح يعالج الواقع الجزائري و يصطنع اللغة و التمثيل و يهتم بالمسرح أداة للنقد و بالفكاهة سبيلا لترقية الذوق و الشعور.

غير أن الباحثين يكادون يجمعون على أن انطلاق المسرح الجزائري بدأ في سنة 1926 وحتى السنة التي حاول فيها الجزائريون خلق مسرح عربي يستخدم اللغة العربية الفصحى وسيلة للتعبير والتمثيل، و هذه المحاولة تندرج في مجال المحاولات التي قام بها رواد المسرح العربي في بلدان عربية أخرى مثل سوريا و مصر منذ القرن الماضي و هذه المحاولة تنبع من الفكرة التي تدعو إلى النهضة الحديثة التي تستفيد من الغرب و من تقدمه الثقافي و الحضاري. و لعل زيارة (جورج إيفي) في بداية العشرينات من القرن الحالي كان لها أثرها في تشجيع المهتمين بقيام مسرح جزائري يتخذ العربية الفصحى أداة للتعبير فقد مثلت هذه الفرقة مسرحيات تاريخية أو مترجمة بلغة عربية فصحى، و لكن الباحثين يرجعون سبب إقبال الجمهور على هذا النوع من المسرحيات إلى عدم فهمه لها سواء من قام بتمثيلها من الجزائريين أو غيرهم نظرا إلى الأمية المنتشرة و ضعف الثقافة العربية في البيئة الجزائرية لارتباط النهضة الأدبية بالحركة الإصلاحية و هي حركة تركز على الدين و على الإصلاح الاجتماعي قبل الاهتمام بالجوانب الأدبية أو الفنون الأدبية التي لم تكن معروفة في الأدب العربي القديم مثل القصة و المسرحية و غيرهما من الأنواع الأدبية الحديثة في الأدب الجزائري.

ومع هذا فإن ( زيارة فرقة جورج أبيض ) كان لها أثرها في الأوساط المسرحية، وبدأ المسرح الجزائري يخطو خطوات جدية، بحيث مثلت مسرحيات ذات مضامين جديدة وتكونت فرق مسرحية و فنية لعبت دورا جادا في خلق مسرح جزائري بلغة عربية فصحى استمر إلى غاية 1926 .

غير أن هذا المسرح توقف للأسباب التي ذكرناها و لغيرها، مما نتج عنه توقف المسرحية باللغة القومية ليحل محله مسرح جزائري استخدم اللهجة الدرامية حتى قيام الثورة بل وأثناءها وما بعد الاستقلال.

على أن الباحثين أمثال محي الدين باش تارزي، و ارليت روت و كذلك و كذلك جروة علاوة وهبي الذي اعتمد فيما كتب عن المسرح على المؤلفين السابقين، إن هؤلاء عرضوا لهذا المسرح بشيء من التفصيل و تحدثوا عن المراحل التي مر بها المسرح الشعبي أي باللهجة العامية و اعبروا أن المرحلة الأولى تبدأ من عام 1926 إلى سنة 1934 وهي مرحلة عني فيها المسرح بالمشاكل الاجتماعية و مالت المسرحية إلى الفكاهة في أسلوبها وإلى الهزل في طريقة التعبير فيها.

أما المرحلة الثانية تمتد ما بين 1934 إلى قيام الحرب العالمية الثانية، و في تلك المرحلة لعب (رشيد القسنطيني) الدور الأساسي ممثلا ثم مؤلفا و ممثلا و اتجه إلى النقد بأسلوب فكاهي هزلي مما أثار السلطة الاستعمارية فضيقت عليه الخناق و فرضت على المسرح الجزائري الرقابة الشديدة، غير أن هذا المسرح توقف نوعا ما أثناء الحرب.
و بعض الباحثين يرون أن المسرح الجزائري بعد سنة1945 و حتى السنة التي انتهت فيها الحرب ووقعت فيها حوادث مايو 1945 بالجزائر واستشهد فيها آلاف مؤلفة من الجزائريين حين طالبوا بالحماية والاستقلال، هذه الفترة تعتبر لدى بعض الباحثين بداية للمسرح الجاد الذي استمر أثناء الثورة و أنشئت غرفة تابعة لجبهة التحرير الوطني قدمت عروضا خارج الوطن و بعد الاستقلال تنوعت هذه الفرق من هواة ومحترفين و واكبت النهضة الأدبية و الاجتماعية و عبرت عن القضايا التي حدثت بعد الاستقلال حتى اليوم.

ويمكن أن نميز ثلاث اتجاهات في المسرح الجزائري العربي الحديث، الاتجاه التاريخي، والاتجاه الاجتماعي، و الاتجاه الثوري النضالي.
هذه بصفة مقتضبة الجوانب الهامة التي تكون الرصيد الأدبي للمجتمع الجزائري ، والتي يمكن أن تكون جزءا من الرصيد الثقافي العام الذي يمثل الذاكرة الجماعية لهذا الشعب عبر التاريخ.

القصة القصيرة الجزائرية

موقع https://salimprof.hooxs.com/t845-topic









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 11:34   رقم المشاركة : 97
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.
المقدمة

نقصد بمصطلح"القصة" في هذا البحث فن القصة القصيرة من دون بقية الأنواع القصصية الأخرى، ويعد هذا الفن أبرز الفنون الأدبية رواجاً ونضجاً في الأدب الجزائري المعاصر، وذلك بعدما تقلص سلطان الشعر عقب الحرب العالمية الثانية فاسحاً المجال للأنواع الأدبية الجديدة، وخاصة القصة لتقوم بتصوير حياة الإنسان الجزائري في تطوره الفكري ونموه الاجتماعي والحضاري خلال حرب التحرير وعهد الاستقلال.‏

ولقد حفلت القصة منذ عام 1947م بتطور الرؤية الفنية، ويقظة الوعي الثوري خصوصاً بعد أن تدعمت هيئة تحرير مجلة"البصائر" بانضمام أحمد رضا حوحو إليها حيث رجع من الحجاز في مطلع عام 1946م، كما كان لأحداث الثامن من ماي 1945م أثر فعّال في بلورة الاتجاهات الفكرية الوطنية آنذاك.‏

[size=12]وتمتدّ هذه الدراسة من سنة 1947م إلى سنة 1985م، وحددت بدايتها بالسنة التي رجعت فيها مجلة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى الصّدور بعد توقّف دام نحو تسع سنوات.‏

[size=12]ومن هنا يسوغ لنا دراسة القصة العربية في الجزائر من حيث قضاياها الفنية وأبعادها الجمالية عند عدد من الكتاب الذين أرسوا أصولها، ونحاول أن نحدّد مسارها الفني، ونرصد مراحل تطورها، ومستواها الجمالي الذي بلغته في مرحلة ما قبل الثورة التحريرية، ومرحلة الثورة والاستقلال، ومرحلة السبعينات إذ أن جلّ الدراسات التي عالجتها توقفت عند السنوات الأولى للاستقلال رغم أن مجموعات قصصية كثير ظهرت بعد ذلك، خصوصاً منذ عام 1972م، وقد تجلى فيها تطور نظرة الكتاب إلى الفن تطوراً كبيراً سواء من حيث الرؤية الفنية، أم من حيث الموضوعات ثم إن جلّ البحوث التي صدرت إلى حد الآن ركزت على المضمون أي على الجانب الفكري، من دون إعطاء الجانب الفني عناية كبيرة، مع أن القصة القصيرة"فن" قبل كل شيء له خصائصه التي تجعله يستقل بذاته وعناصره من دون سائر الأنواع الإبداعية الأخرى.‏

[size=12]ثم إن معظم تلك البحوث قد ركزت على بعض الجوانب من فن القصة القصيرة تركيزاً غير مكتمل، لأنها تناولت الفنون الأدبية الأخرى كالشعر، والمسرحية، والرواية، والخطابة، ومزج بعضهم بين الأدب الجزائري المكتوب باللغة العربية والأدب المكتوب باللغة الفرنسية، أو بين الفنون الأدبية ذات التعبير الفرنسي، وبين بعض الأشكال الفنية الشعبية، مع أن مجالاتها تخص الدراسات الشعبية والأنتروبولوجية، فمثلاً درست الدكتورة سعاد محمد خضر"الأدب الجزائري المعاصر" بجميع فنونه المكتوبة باللغة الفرنسية، وأيضاً الأشعار الشعبية الناطقة باللهجة القبائلية، ودرس الدكتور عبد الله خليفة ركيبي"القصة الجزائرية القصيرة 1928- 1962م" المكتوبة باللغة العربية، والقصة القصيرة التي كتبها أدباء جزائريون باللغة الفرنسية، وتناولت الدكتورة نور سلمان"الأدب الجزائري في رحاب الرفض والتحرير 1830- 1962" الشعر، والشعر العامي، والمسرح، والقصة، وعالج الدكتور عبد الملك مرتاض"فنون النثر الأدبي في الجزائر 1931- 1954م" كالمقالة، والقصة، والمسرحية، والخطابة، والمذكرات، والسير الذاتية. ودرس عبد الحفيظ حرزلي"صورة الجزائري في القصة العربية الجزائرية"1962- 1976". ودرس أيضاً محمد الأخضر طالب"الالتزام في القصة الجزائرية المعاصرة في فترة ما بين‏

[size=12](1931- 1976م).‏

[size=12]وهكذا لم يخصص أحد من الدارسين بحثاً مفرداً للقصة القصيرة المكتوبة باللغة العربية بحيث يدرس تطور بنيتها الفنية، بل بقيت الأبحاث في إطار تاريخ الأدب، ودراسة مضمونه الفكري والاجتماعي والسياسي.‏

[size=12]إن الهدف من هذا البحث هو محاولة رصد ملامح التطور الفني للقصة العربية في الأدب الجزائري المعاصر، وإبراز خصائصها الفنية وإكمال دراسة جمالياتها.‏

[size=12]وقد قسمناه إلى أربعة فصول:‏

[size=12]1- جعلنا الفصل الأول بعنوان"القصة القصيرة: المصطلح والبناء والأنواع"، وحاولنا فيه إرساء الجانب النظري من مصطلح"القصة" ومبدأ "القصّ "عند العرب ومفهوم القصة القصيرة عند غيرهم منذ نشأته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى يومنا. كما حاولنا تحديد أهم أركان القصة القصيرة وأصولها الفنية، وملامحها مما يميزها عن غيرها من أنواع القص الأخرى، إذ ليس كل ما يكتب وينشر تحت اسم"القصة" يعد قصصاً فنياً.‏

[size=12]2- عالجنا في الفصل الثاني: القضايا الفنية في"القصة الإصلاحية" ومهدنا لذلك بالنشأة والتطور والمراحل التي قطعتها، وأبرز كتابها، كأحمد رضا حوحو الذي تميز بتنوع المصادر الثقافية والأدبية، وغيره من الكتاب.‏

[size=12]3- الفصل الثالث بعنوان: "القصة الفنية" منذ عام 1956 إلى 1972م، وقد مهّدنا له بأثر الثورة التحريرية في تطور القصة وثرائها، سواء من حيث الشكل الفني، أو من حيث الموضوعات الجديدة، وفصّلنا في الحديث عن تجربة أعلام هذه المرحلة من خلال طرائق بناء الحدث، والشخصيات، وأنواعها، ومصادرها ووقفنا طويلاً عند ابن هدوقة، ودودو، ووطار.‏

[size=12]4- وأما الفصل الرابع فجعلناه بعنوان: "القصة الجديدة" وعرضنا فيه لجيل الأدباء الشباب الذين بدأوا الكتابة مع السبعينات في ظروف الحياة الثقافية الجديدة، فحدّدنا تاريخ ميلاد هذه الحركة الأدبية، وملامحها الفنية وطرائق كتابها في عرض القصة التجريبية التي ظهرت كشكل قصصي متميز بعد عام 1972م، من دون أن نغفل فئة الملتزمين بالقواعد الفنية من أدباء جيل السبعينات.‏

[size=12]ولئلا نثقل الحواشي بتراجم حياة الأعلام صنعنا ملحقاً خاصاً بسير الكتاب الذين درسنا نتاجهم وألحقناه بآخر البحث.‏

[size=12]إن المراجع الأدبية التي صدرت حول القصة في الجزائر، ككتاب الدكتور عبد الله خليفة ركيبي"القصة الجزائرية القصيرة"، والقصة العربية في عهد الاستقلال للدكتور محمد مصايف يسّرت لنا الفائدة الطيبة للدخول في القضايا الفنية في هذا البحث، وقد أفدنا أيضاً من بعض البحوث التي أنشئت حول الفنون الأدبية الجزائرية على قلتها.‏

[size=12]ويصعب على الباحث في مثل هذا الموضوع أن يوفيه حقّه لما يجد من صعوبة كبيرة في تحديد أركان القصة القصيرة، ومصطلحاتها ومراجعها. ثم هنالك مشكلة غزارة المادة الإبداعية في المراحل التي شملتها دراستنا"1947- 1985م" والتي تستغرق مئات القصص.‏

[size=12]وقد دفعنا هذا إلى مطالعة المراجع مطالعة دقيقة، والتعويل على النفس، ولقاء عدد من الأدباء كعبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار وأحمد منور.‏

[size=12]وأما منهجنا في هذا البحث، فهو منهج تحليل النصوص الأدبية لتحديد ملامح التطور الفني للأدب في مراحله التاريخية وجعل النص الإبداعي أساساً لتكوين فكرة ما عن الكاتب، والاستئناس بالمراجع، وكتب النقد العام، والنقد الأدبي، فكثيراً ما أيدنا أفكارنا وأحكامنا النقدية بها، ذلك أن أصحابها جدّوا في الوصول إلى أحكام نقدية كانت في معظمها تبلغ عمق الحقيقة.‏

[size=12]ولا شكّ في أن اختلاف النقاد كان يدعونا إلى التروي الطويل قبل الخروج بالحكم أو تقرير"قاعدة" ما.‏

[size=12]وبهذا كله حاولنا أن نرسم إطاراً عاماً لفن القصة في الأدب الجزائري المعاصر، بحدوده الفنية وأصول صياغته، وركبنا من كل ذلك وجهة نظر شاملة. وقد يكون لعملنا هذا فائدة في لمّ شتات الكثير من هذا الفن.‏

[size=12]وبعد، فالأمل أن يكون هذا البحث قد وفّى"القصة الجزائرية القصيرة" بعض حقّها، وحسبنا أننا بذلنا أقصى ما نستطيع من الجهد في البحث، والإطلاع، ومددنا في الطريق الذي شقه الأساتذة: الدكتور عبد الله خليفة ركيبي، والدكتور محمَّد مصايف والدكتور عبد الملك مرتاض.‏

[size=12]وفي الختام لا يسعني إلا أن أرفع تحية حارة إلى العاملين في معهد اللغة والأدب العربي، بجامعة عنابة، كما لا يسعني إلا أن أنوه بجهود الأساتذة الدكاترة الذين قرؤوا هذا البحث، وأبدوا ملاحظاتهم حوله وهم الدكاترة: المرحوم الدكتور: نسيب نشاوي مشرفاً. والدكتور عبد الله خليفة ركيبي رئيساً، والدكتوران: مختار نويوات والأعرج واسيني عضوين.‏
https://al9annass.ibda3.org/t477-topic









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 11:37   رقم المشاركة : 98
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.

بحث حول الأدب الجزائري المعاصر
3 فبراير ,2009


المتتبع‎ ‎لما تعج به الساحة النقدية الجزائرية من قراءات وتحليلات للنصوص الإبداعية‎ ‎في مختلف ‏الأجناس الأدبية من قصة ورواية وشعر ومسرح، يلاحظ أن ثمة حركة‎ ‎نقدية تواكب ما ينتج وينشر‎.‎
وللإحاطة بهذا المجهود‎ ‎النقدي والتعرف على مساره وتوجهاته جاءت فكرة كتاب “أسئلة ورهانات ‏الأدب‎ ‎الجزائري المعاصر”، وهو في حقيقته باكورة يوم دراسي شاركت فيه مجموعة من‎ ‎الأساتذة ‏الجامعيين‎.‎
يتعلق الأمر‎ ‎بالتساؤل عن حدود العملية النقدية وآفاقها والأدوات الإجرائية التي‎ ‎توظفها، وكذا محاولات ‏التأصيل النقدي في الجزائر، خاصة في هذه الآونة التي‏‎ ‎تعيش فيها حالة محك حقيقي في المحيط ‏الاجتماعي على مستوى النخبة والعامة،‎ ‎وحتى على مستوى المثقف الهاوي‎.‎
وقد رأى منسق الكتاب‎ ‎الأستاذ جعفر يايوش أن يجمع هذه المقاربات النقدية في محاولة لكسر حاجز‎ ‎الصمت إزاء موضوع أصبح يُرى -حتى من طرف الأكاديميين- بمحجر عين ضيق‏‎ ‎وازورَّ عنه ‏الكثيرون إلى موضوعات أخرى، وكأن الأمر بضاعة كاسدة ذهب‎ ‎زمانها ونفق سوقها‎.‎

واقع النقد الجديد‎ :
يرى‎ ‎الدكتور عز الدين المخزومي الأستاذ المحاضر في جامعة وهران أن النقد‎ ‎الجزائري المعاصر ‏عرف تحولا في المفاهيم التي صارت غير قادرة على مواكبة‎ ‎العصر وتحولاته السريعة والمتجددة، ‏وذلك اقتداء بما عرفه النقد المعاصر من‎ ‎تطور في بعض الدول العربية مثل لبنان وسوريا والمغرب ‏ومصر، حيث نشطت‎ ‎الحركة النقدية بترجمة الكثير من المؤلفات الغربية التي تمثلت المناهج‎ ‎النسقية ‏التي سادت النقد عندهم‎.‎
قاد هذا التحولَ في‎ ‎الجزائر أساتذة جامعيون مثل عبد الحميد بورايو وعبد الملك مرتاض ورشيد‎ ‎مالك ‏ومجموعة كبيرة من النقاد الشباب الطموحين إلى التغيير والتجديد‎ ‎مواكبة لوح العصر والاطلاع عن ‏كثب على الحركة النقدية الغربية وكل‎ ‎مستجداتها‎.‎
ومن هنا يمكن القول إن‎ ‎الصورة الحقيقية للنقد الجزائري المعاصر لا توجد في الكتب المطبوعة بقدر‎ ‎ما هي موجودة في الرسائل الجامعية، مع ملاحظة أن هذه الدراسات الأكاديمية‎ ‎بقيت حبيسة جدران ‏الجامعات ورفوف مكتباتها ولم يخرج منها إلا أقل القليل‎.‎
ولهذا فإن البحث عن‎ ‎الوجه الحقيقي للنقد الأدبي الجديد في الجزائر لا يمكن تلمسه بصورته‎ ‎الكاملة إلا ‏في المكتبات الجامعية، سواء في الدراسات التطبيقية التي‎ ‎تناولت أجناسا أدبية مختلفة، أم في دراسات ‏نقد النقد‎.‎
ويشير المؤلف إلى أن‎ ‎الحركة النقدية لم تعد كما كانت سابقا في متناول الجميع بمن فيهم النقاد‎ ‎الأحرار ‏من خارج أسوار الجامعة، ذلك أن طبيعته أصبحت طبيعة فلسفية لا يخوض‎ ‎غمارها إلا خاصة ‏الخاصة من دارسي الأدب‎.‎

النقد في الجزائر خاصة وفي‎ ‎العالم العربي عامة أصبح في إطاره العام تابعا لمفاهيم ومعايير النقد‎ ‎الغربي، ولم يحاول إيجاد توازن بينه وبين متطلبات واقع الأمة التي تتخبط‎ ‎في صراعات تزداد حدة في ‏ظل العولمة التي هيمنت على واقع شعوبها‎

كما‎ ‎أن إشكالية الضبط المنهجي لمفهوم الممارسة النقدية لا تنطبق على النقد في‎ ‎الجزائر فقط، وإنما ‏على واقع النقد العربي المعاصر بكامله، لأنه يعيش نفس‏‎ ‎التحولات والغايات المرجوة منه‎.‎
فالضبط المنهجي يقوم‎ ‎على الوعي النقدي الذي يتأصل ويتبلور نتيجة الوعي بالذات، وهو أساس ‏مقومات‎ ‎الشخصية المتشكلة من القيم الحضارية والفكرية والدينية للأمة‎.‎
وبناء على هذا المبدأ‎ ‎يتشكل الضبط المنهجي للممارسة النقدية الأدبية حتى تتغلب المفاهيم الدخيلة‎ ‎بما ‏تحمله من قيم الآخر على القيم الذاتية فتميعها وتصبح تابعة لها‎.‎
وهذا ما يشهد عليه‎ ‎الواقع، فالنقاد يطبقون كل ما يقرؤون بحذافيره، دون مراعاة لمتطلبات‎ ‎الواقع ‏الفكري ودرجة التخلف في المجتمعات العربية، مما جعلهم يجنحون في‏‎ ‎آفاق بعيدة عن واقع المجتمع‎.‎
وبقدر ما استفاد النقاد‎ ‎من الانفتاح على الثقافات الحديثة وما احتوته من حركات فلسفية وفنية‎ ‎ونقدية، ‏ازداد الإنسان العربي إقصاء وعزلة لأنه لم يعد قادرا على متابعة‎ ‎مسيرة النقد‎.‎
ويؤكد المؤلف أن النقد‎ ‎في الجزائر خاصة وفي العالم العربي عامة أصبح في إطاره العام تابعا -إلى‎ ‎حد بعيد- لمفاهيم ومعايير النقد الغربي، ولم يحاول إيجاد توازن بينه وبين‏‎ ‎متطلبات واقع الأمة التي ‏تتخبط في صراعات تزداد حدة، خاصة في ظل العولمة‎ ‎التي هيمنت على واقع شعوبها، على الرغم ‏من أن وظيفة الناقد في دستور‎ ‎النقاد تكمن في ربط النقد بالمجتمع‎.‎
إن التبعية الكاملة‎ ‎للنقد الغربي تظهر في غزو المصطلحات التي يكتنفها الغموض لأنها تحمل في‎ ‎مضمونها شحنات معرفية وعقائدية مرتبطة بأبعاد الثقافة التي أوجدتها‎.‎
وقد نبه الكثير من‎ ‎النقاد إلى ضرورة التمسك بالخصوصية مقاومة للانفلات، والعودة إلى‎ ‎المصطلحات ‏النقدية العربية وتطويرها، بدلا من الانبهار بالمصطلح الغربي‎ ‎ونقله بعوالقه الغربية إلى الثقافة العربية‎.‎
الأستاذ الدكتور بشير بويجرة المحاضر بجامعة وهران ينظر إلى القضية من زاوية مغايرة يراها ‏البعض مناقضة لراهن الممارسة النقدية‎.‎
ويتصدر الإشكال من وجهة‎ ‎نظره قضية اللغة بشقيها الإبداعي والقرائي النقدي، لكون اللغة عرفت ‏أوضاعا‎ ‎وحالات لم تجربها بقية الأقطار العربية بدءا بالعهود الإسلامية وحكامها‎ ‎غير العرب إلى ‏المراحل الاستعمارية التي طبعتها الحروب، مما أثر سلبا على‎ ‎العملية الإبداعية وعلى اللغة العربية ‏وأساليبها‎. ‎
يركز المؤلف هنا على‎ ‎اللغة لكونها الآلية الوحيدة الفعالة في تقييم النص وتأشيرة تداوله، وفي‎ ‎هذا ‏المضمار يمكن التأكيد أن المنظومة المفاهيمية للعمل الأدبي في الجزائر‎ ‎تعاني من حالة اللاستقرار ‏واللاوضوح لكونها محصورة بين ثلاثة فضاءات‎ ‎تتصارع حول تلك المنظومة هي: فرنسا الممثلة ‏للعالم الغربي بصفة عامة،‎ ‎والشرق العربي ثم المغرب وتونس‎.‎
وليس أدل على ذلك من‎ ‎التذبذب المشهود في توظيف كثير من المفاهيم النقدية عبر المنابع والمجامع‎ ‎الأكاديمية، مما انعكس سلبا على تعاطي القارئ العادي أو الأديب الناشئ مع‎ ‎الظاهرة الأدبية. ولعل ‏أبرز مظاهر ذلك تتجلى في الاهتمامات الكبرى الطاغية‎ ‎على اهتمامات النقاد الجزائريين حتى الساعة ‏وهي: قضية كتابة الأدب‎ ‎الجزائري باللغة العربية أم الغربية‎.‎
وكذا العناية -بقدر مبالغ فيه- بأعلام‏‎ ‎الرواية الجزائرية مثل كاتب ياسين ومحمد ديب والطاهر وطار ‏ورشيد بوجدرة‎ ‎وغيرهم، ليس حسب الطرح الفني والنقدي وما تتطلبه آليات القراءة المعاصرة‎ ‎ولكن ‏باعتبار ذواتهم الشخصية‎.‎

الممارسة النقدية وإشكاليات التصنيف:
‎”‎حال النقد في الجزائر من حال‎ ‎الأدب والثقافة ونظام التعليم وغيرها، ومن الطموح الزائد أو من التعسف ‏أن‎ ‎نحكم على الجهود النقدية بغير ما أفرزه الواقع العام في هذه التجربة‎ ‎المحدودة‎”‎
التصنيف‎ ‎السياسي للأدب عرفُُُ درج عليه أدبنا التراثي إذ صنفت العصور الأدبية على‎ ‎أساس الفترات ‏السلطانية، وضعف الأدب وقوته رهين بالفترة التي كثيرا ما‎ ‎يكون ظلا لها‎.‎
ومن هذا المنظور اعتبر‎ ‎الدكتور مخلوف عامر الأستاذ بجامعة سعيدة أن الحركة الأدبية في الجزائر‎ ‎مرتبطة بالخطاب السياسي منذ عشرينيات القرن الماضي على الأقل‎.‎
فجمعية العلماء‎ ‎المسلمين الجزائريين كانت حركة بعث لإحياء الأصول وعملت على توظيف كل‎ ‎الأدوات المتاحة بما فيها اللغة العربية وآدابها لخدمة القيم التي أنشئت‎ ‎من أجلها، وهي “قيم ماضوية” ‏بعيدة كل البعد عن مستجدات الحركة الأدبية‎ ‎والنقدية في العالم‎.‎
فساد الاتجاه المحافظ‎ ‎الذي يجعل الشعر العمودي في المقام الأول ثم المقالة التي تصلح للدعاية‎ ‎والوعظ، وتأخر ظهور الأشكال النثرية الحديثة، في حين كانت هذه الأشكال قد‎ ‎خطت خطوات متميزة ‏شكلا ومضمونا في أوساط الأدباء الذين يكتبون باللغة‎ ‎الفرنسية‎.‎
وربما كانت فترة‎ ‎الاستقلال أدعى إلى الميل نحو كتابة الفن القصصي، لكن صورة الثورة ظلت‎ ‎تلاحق ‏كل الكتاب فظهرت روايات لا تتعدى الوصف بهدف التغني بأمجاد الثورة‎ ‎بينما تجاوزت روايات ‏أخرى ذلك إلى النقد‎.‎
على أن الفترة التي برز‎ ‎فيها البعد الاجتماعي في الإبداع وفي المحاولات النقدية على حد سواء هي‏‎ ‎فترة السبعينيات إلى درجة أن الخطاب الرسمي -وهو الخطاب الاشتراكي يومئذ‎- ‎قد انعكس بطريقة ‏آلية في كثير من الأعمال‎.‎
وكثيرا ما أقحم الفعل‎ ‎الأدبي تبعا لهذه الرؤية في معارك وهمية هي في الواقع صدى للحرب الباردة‎ ‎وتوازناتها الدولية، فهوجمت الإمبريالية والرجعية.. وعزل الأدب المتخم‎ ‎بالنزعة المؤدلجة نفسه وابتنى ‏أصحابه لأنفسهم برجا عاجيا بعيدا عن تطلعات‎ ‎الجماهير وآلامهم وآمالهم وظلت كتبهم تتناسخ ‏مضامينها‎.‎
من جهته اعتبر الأستاذ‎ ‎جعفر يايوش منتصف الثمانينيات فترة بروز بعض الروايات الواقعية ذات‎ ‎الوظيفة النقدية السياسية التي تناولت أزمة الديمقراطية والحركة الفكرية‎.‎
واستخلص أن هذه الأعمال‎ ‎جاءت لتجعل من الرواية مساحة تتمثل الأنساق الفكرية المتصلة بالمواقف‎ ‎السياسية الرسمية وغير الرسمية، ومن ثَم رهن النص الإبداعي بحسب تلك‎ ‎المواقف التي أصبحت ‏مقياسا جوهريا في الممارسة النقدية، إلا أنها سقطت في‎ ‎شرك التبسيطية والتقريرية المباشرة فصادرت ‏الكثير من الخصوصيات الجمالية‎ ‎للنص‎.‎
لكن مع بداية‎ ‎التسعينيات ظهرت موجة جديدة في الرواية الجزائرية تحررت من أسر الرواية‎ ‎الكلاسيكية لتعبر عن انسداد الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، محاولة‎ ‎نقده من زوايا ‏أيديولوجية متباينة‎.‎
فظهرت كتابة أدبية‎ ‎جديدة لجيل جديد من الشباب لم يكن معروفا، خرجت كتابته -التي انحصرت ‏بشكل‎ ‎واضح في النص الروائي- من رحم المعاناة الجزائرية‏‎.‎
ومن هنا يجد الناقد‎ ‎نفسه أمام إشكالية تصنيف هذه الكتابة الشبابية الجديدة، خاصة تلك التي‎ ‎كسرت ‏طوق الرواية الحديثة وتجاوزتها، مثل كتابات بشير مفتي وحميدة العياشي‎ ‎وأحلام مستغانمي، سواء ‏على مستوى الموضوع أم على مستوى تقنيات الكتابة‎.‎
‎”‎النقد ليس سوى أحد تجليات‎ ‎المشهد العام المتأزم، مع أن الأزمة ليست بالضرورة أزمة تدهور كما ‏يتبادر‎ ‎إلى الأذهان عادة، بل قد تكون أزمة تطور‏‎”‎
ومن‎ ‎خلال دراسة مستفيضة لنماذج روائية كروايتي “ذاكرة الجسد” و”فوضى الحواس‎” ‎لأحلام ‏مستغانمي ورواية “أرخبيل الذباب” لبشير مفتي ورواية “يصحو الحرير‎” ‎لأمين الزاوي وغيرها، خلص ‏الكاتب إلى أهم السمات الخاصة بالرواية‎ ‎الجزائرية لأدب الأزمة التي تنضوي تحت صنف الرواية ما ‏بعد الحديثة‎.‎
من هذه السمات التلاعب‎ ‎بالأزمنة بالانتقال المفاجئ من زمن إلى آخر عبر تقنية تكسير خطية السرد،‎ ‎وكذا إلغاء الحدث الرئيسي كعنصر محرك للنص الروائي، ناهيك عن تعدد‎ ‎الشخصيات واختفاء البطل ‏باتباع مذهب اللامعقول مع الإكثار من العبثية‎ ‎والميل إلى الواقع المأساوي والنهاية المفتوحة‎.‎
كما سجل المؤلف ظاهرة‎ ‎جديدة بدأت تطفو على سطح الرقعة الروائية هي ظاهرة التحطيم اللساني ‏بتوظيف‎ ‎اللهجة المحلية والعامية إلى جانب اللغات الأجنبية من فرنسية وإسبانية، بل‎ ‎الوصول إلى أدنى ‏التعبير الشفهي الشعبي بالاقتراب من لغة السوقة وعامة‎ ‎الناس‎.‎
وهنا يرى أن ركاكة‎ ‎الأسلوب الطاغية أحيانا عند تمحيصها توحي أنها كانت بفعل واع من الروائي‎ ‎قصد تعرية الواقع في أجلى صور تدنيه وانحطاطه‎. ‎
وفي آخر الكتاب يؤكد‎ ‎الأستاذ جعفر يايوش أن حال النقد في الجزائر من حال الأدب والثقافة ونظام‎ ‎التعليم وغيرها، وأنه من الطموح الزائد أو من التعسف أن نحكم على الجهود‎ ‎النقدية بغير ما أفرزه ‏الواقع العام في هذه التجربة المحدودة‎.‎
فالخطاب الرسمي منذ‎ ‎استقلال البلاد أحدث فجوة كبيرة بين معرب ومفرنس، كما أننا لم نجعل من‎ ‎اللغة الفرنسية غنيمة حرب مثلما قال كاتب ياسين ذات يوم، ولم تظهر لدينا‎ ‎نخبة متميزة في البحث ‏الفلسفي ولا في الترجمة ولا في مجالات متخصصة، ناهيك‎ ‎عما يشوب تدريس الأدب من رداءة في ‏كل الأطوار التعليمية‎.‎
من هنا لا يمكن –والحال‎ ‎هذه- إلا أن نقنع بأن النقد ليس سوى أحد تجليات المشهد العام المتأزم، وأن‎ ‎الأزمة ليست بالضرورة أزمة تدهور كما يتبادر إلى الأذهان عادة، بل قد تكون‎ ‎أزمة تطور‎.‎

موقع


https://www.2algeria.org/%D8%A7%D9%84...A7%D8%B5%D8%B1









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 11:46   رقم المشاركة : 99
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.


تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرةhttps://www.4shared.com/file/Tbq_5lU4/______.htm



تطور الفن القصصي واهم خصائصهhttps://www.4shared.com/document/JDRrHGQf/____.htm
تطور القصة والمسرحية https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=85625

البنية السردية للقصة الجزائرية القصيرة
i3.makcdn.com/userFiles/b/a/badisfoughali/office/1219699661.doc









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 12:13   رقم المشاركة : 100
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.

ملف القصة القصيرة


جميلة طلباوي
28/03/2010
قراءات: 1230
تعرّف القصة القصيرة على أنّها لون سردي لا يزيد عن عشرة آلاف كلمة يهدف إلى إحداث تأثير مفرد مهيمن ويمتلك عناصر الدراما. وفي أغلب الأحوال تركز القصة القصيرة على شخصية واحدة في موقف واحد في لحظة واحدة. وحتى إذا لم تتحقق هذه الشروط فلا بد أن تكون الوحدة هي المبدأ الموجه لها. والكثير من القصص القصيرة يتكون من شخصية

(أو مجموعة من الشخصيات) و رغم أنّها عرفت انتشارا كبيرا في القرن الماضي إلا أنّنا نلاحظ في القرن الحالي تحوّل بعض كتاب القصة القصيرة إلى كتابة الرواية و القصة القصيرة جدا ،الشيء الذي جعلنا نفتح ملف القصة القصيرة لنطرح من خلاله إشكالية : أيّ مستقبل للقصة القصيرة ؟

هل نحن نعيش تحولا سرديا ليصير عصرنا عصر الرواية بلا منازع؟

أسئلتنا طرحناها على مجموعة من النقاد و الروائيين و كتاب القصة القصيرة ضمن هذا الملف:





الدكتور منسي حبيب- جامعة سيدي بلعباس - الجزائر




القصة القصيرة أي مستقبل؟

ليس غريبا أن يظهر جنس أدبي تستدعيه ظروف خاصة، وتسرع في إيجاده، فيقبل عليه كثير من الكتاب، لأنه يناسب الوضعية التي يحيونها، من جهة ويناسب حجم المساحة المتاحة للنشر من جهة أخرى، فإذا اختفت الدواعي المشار إليها فقد يختفي الجنس الأدبي كلية. وقد شهدنا ذلك على سبيل التمثيل في جنس الموشح في الأدب الأندلسي، حتى وإن استمر البعض في كتابة الموشح في أشكال أخرى من الشعر الحديث.

وإذا كانت القصة القصيرة تساير ظهور الصحافة وتجد لنفسها على صفحاتها القليلة فسحة للنشر، فإنه قد تحتم عليها منذ البدء أن يكون لها من الخصائص الفنية والقواعد الكتابية: أسلوبا وعرضا، ما يناسب تلك المساحة في الصحف والمجلات. بيد أننا مع القصة القصيرة ننظر أولا إلى مجالها الخاص نشرا، قبل أن ننظر إلى طبيعتها باعتبارها فنا اكتسب من المقومات ما يجعله جنسا متفردا، يغاير القصة والرواية.

كانت هذه الطبيعة الخاصة في القصة القصيرة عاملا دفع برؤساء تحرير المجلات والصحف إلى التشدد في المعايير، فلا يسمحون إلا بظهور العمل الذي لن يزري بقدر المجلة، ولا يحط من قيمتها، فاستكتبوا أولا أسماء لها من الشهرة والمكانة الأدبية ما يدفع بالمجلة إلى أعلى أرقام المبيعات، كما عمد بعضهم إلى نشر قصص مسلسلة اتخذت في كتابة حلقاتها طابع القصة القصيرة محترمة التكثيف اللغوي، والاكتفاء بالفكرة الواحدة، والغوص عميقا في الدلالات المرتبطة بها. حتى لكأنك تحتاج إلى قراءات متعددة للنص الواحد لتبلغ أقاصيه. وشكلت لجان قراءة من كبار الكتاب لمراقبة الوافد في الأقلام الجديدة.

لقد كان ذلك العمل الدقيق، الباب الذي فتح أمام العديد من الأسماء في أمريكا وإنجلترا وفرنسا، وغيرها من الدول التي انتهجت السبيل عينة، فعُرفت الأسماء الجديدة وأقبل عليها القراء من جهة، وشجعتها المجلات والصحف من جهة أخرى، وأجرت لها الجوائز والألقاب.. حينها التفت أصحاب دور النشر إليها، فكان إغراء التحول من القصة القصيرة التي هي بعض صفحات في مجلة إلى كتاب قائم بنفسه يحمل اسم صاحبة.. لقد كان الإغراء شديدا، وكان التحول سريعا.

هناك حقيقة أخرى لابد من الإشارة إليها.. ذلك أن المعايير التي وضعت للقصة القصيرة، معايير كلاسيكية، بمعنى أن واضعوها كانوا مرتبطين في تشخيصهم للجنس الجديد بالرواية العتيدة، فانتهى بهم المطاف إلى تسطير خصائص لا تبتعد كثيرا عن عما هو معروف في الرواية الرومنسية والواقعية وغيرها.. أما الإغراء الذي تقدمه الرواية فهو إمكانية التجريب خاصة مع الرواية الجديدة التي فسحت المجال أمام الكاتب ليتجاوز المتعارف عليه إلى إثبات ما يريده هو من الفن. بعيدا عن التقنينات والمعايير التي يراها البعض أنها تثقل كاهل الرواية، وترغمها على استكتاب نص واحد أبدا. وربما أغرى هذا الزعم كثيرا من الكتاب للتحول من القصة القصيرة إلى الرواية ظنا منهم أنهم سيدخلون مجالا سهلا يتمتع بحرية لا يحدها حد ولا يشترط فيها شرط. فكان هذا الوهم سببا في وجود كثير من السخافات التي تمتلئ بها صفحات الروايات اليوم بزعم أو بآخر.

هل يحق لنا أخيرا أن نسأل هذا السؤال؟ هل انتهت القصة القصيرة؟

إنني من الذين يؤمنون أن الموضوع الفني يختار شكله، وليس أمام الفنان إلا الاستجابة. فالموضوع الذي يريد أن يتمظهر في الرسم كان له ذلك لأنه لن يكون أكثر جودة وتأثيرا في غيره من الأشكال. والذي يختار أن يكون صوتا فلأن الصوت أنسب له من غيره. وهكذا.. صحيح أننا نستطيع أن نعالج الموضوع الواحد في الفنون كلها، ولكن الذي لا نستطيعه حتما هو أن نلمس عين الجوهر فيه ونحن نفعل ذلك. إن جوهر الفكرة في الفنون شبيه بالماسة التي تتعدد صفحاتها ولكل صفحة منها بريقها الخاص ولونها المتميز، فإذا زعم زاعم أنه أمام الماسة يشاهد وجوها واحدة قلنا له لقد فاتك ما في الماس من روعة التعدد في الجوهر. إني أخال الفكرة على هذا النحو يكتب فيها هذا فيجلي بريقا، ويكتب فيها ذاك فيجلي بريقا آخر. وهكذا دواليك من فن إلى فن. وتتجلى العبقرية في صفاء الرؤية ووضوح التجلية وهنا يتمايز الكتاب والفانون.. إنه مجال الصفاء واكتمال التجربة.

فإذا شعر الأديب أن فكرته لا تحتاج إلى كثير من الثرثرة، ولا إلى واسع من البسط، وأنها إن خرجت مكتنزة ممتلئة كانت أكثر تأثيرا في قارئها اختار لها شكل القصة القصيرة، واستجاب لداعي التكثيف فيها، واقتصد في اللفظ، وأخرج الجملة على مقاس العبارة، وجعل الأساليب خادمة لا مخدومة، وانتهى به المطاف إلى فكرة تتحدث بنفسها عن نفسها، قلنا له هنيئا إنك من كتاب القصة القصيرة.

وللقصة القصيرة على صفحات المواقع والأندية ما كان لها في الصحف والمجلات شريطة أن تحتفظ لنفسها بطابع الصرامة الذي اكتسبته من قبل وأن لا تسف باعتمادها لغة الشعر الحديث، في سج جمله، وإغراقه في الذاتية النرجسية المريضة، التي لا تتعدى الحديث عن هو وهي. وكأن العالم وهمومه قد اختصرت في هذا الفضاء الخلابي.. إنها الورطة التي وقع فيها الشعر الحديث والسجن الذي سجنه في كبار شعرائه ابتداء من نزار وانتهاء بآخر قصيدة يكتبها شاب في مخدعه.

إن القصة القصيرة لا تصلح أبدا لمثل هذا التأنيث المريب لأنها أشبه بفلسفة فكرة رأت أن تتمظهر في ثوب القص.





الأستاذ عبد القادر رابحي(أستاذ بجامعة سعيدة):



عن منطق السرد وتفريعات(شجرة الأجناس الأدبية)

شغلت إشكالية تطور الأساليب الإبداعية النقاد و المفكرين منذ القدم. وقد تحول الانشغال بهذا التطور إلى اشتغال على أسبابه الفنية والجمالية و دواعيه الفكرية و التاريخية، فبحث النقاد في نشأة الجنس الأدبي و تبلور أشكاله و تمظهراته اللغوية و الدلالية عبر مختلف المراحل و العصور.

ولم يكن الاهتمام بإشكالية الهاجس الجمالي التي تدفع المبدع إلى إبداع هذه الأجناس الجديدة وتوليدها من بعضها ليفلت من دائرة اهتمام الفلاسفة اليونانيين ومن جاء بعدهم ،نظرا لما يحمله العمل الأدبي من قيمة أخلاقية وفلسفية نظر إليها الفلاسفة اليونانيون كما نظر إليها غيرهم، من باب ما يمكن للعمل الأدبي أن يمرره إلى المتلقي من هذه القيم، فيتم بذلك ما يسعى الفلاسفة إلى توصيله على هذه المتلقي.

وإذا كانت الأساطير اليونانية - على الأقل من وجهة نظر الفكر الغربي- هي أقدم ما وصلنا من مرويات دُونت فيما بعد و أصبحت معروفة بهذا الاسم، فإن تسارع عملية تدوين المرويات في الحضارة اليونانية وفي غيرها من الحضارات، قد أدى إلى تسارع طرائق تسجيلها ومن ثمة تعدد تمظهراتها على مستوى الكتابة،مما أدى، مع مرور الأزمنة و المراحل، إلى ميلاد أشكال جديدة للتعبير الأدبي الذي ما انفك يزداد اختلافا عن التعبير العادي العام نظرا لما يحمله من خصائص جمالية كانت في صلب اهتمام هؤلاء النقاد و هم يحاولون ضبط الأطر اللغوية و الدلالية التي تجعل من أية كتابة أدبية مختلفة عن الكتابة غير الأدبية من جهة، و مختلفة عن الكتابة الأدبية التي سبقتها من جهة أخرى.

و على الرغم مما يمكن أن يحسب لهوميروس من سبْقٍ- من وجهة النظر الغربية دائما- في التأسيس لانتقال العمل الأدبي من الشفوية إلى التدوين، من خلال أعماله الشعرية المطولة (الإلياذة و الأوديسة)التي أعلنت ميلاد جنس أدبي جديد هو الملحمة، فإن ما يمكن تسميته بـ(شجرة الأجناس الأدبية) سيشهد تفريعات جديدة على مستوى أشكال التعبير الأدبي نظرا لما شهده الفكر البشري من تطور على مستوى ضبط المفاهيم الأخلاقية وتحديد المعايير الفنية و الجمالية التي يجب أن تتوفر في العمل الأدبي. نرى ذلك جليا في ما بذله الفلاسفة اليونانيون عامة و أرسطو خاصة في كتابه (فن الشعر) من مجهود تنظيري عميق و هو يحاول أن يجد الغاية المثلى التي يمكن أن يستخلصها الدارس لجنس أدبي جديد وُلِدَ بشكله الحالي في اليونان بطريقة تراكمية من صلب الشعر الغنائي الذي كان الشعراء الجوالون يلقونه في الأسواق و المحافل في الأعياد و المناسبات. و هذا الجنس الأدبي هو المسرح الذي طوّره رواد المسرح اليونانيون (أسخيلوس) و (سوفوكليس) و (يوربيدس)، فأضافوا للفرجة التي كان يُحدِثها الشاعر الغنائي و هو يقرأ القصائد الطويلة التي كانت تحكي عن أمجاد اليونانيين و تاريخهم ممثلا واحدا، ثم ممثلين اثنين، ثم أكثر من ذلك من مستلزمات نقلت النص الأدبي مما يسميه النقاد المعاصرون بـ(السرد) الذي كان من خصائص الأسطورة إلى ( الحوار) الذي ولّدته متطلبات التطور التي شهدها المجتمع اليوناني، فانتقلت بذلك العملية الإبداعية من طرائق فنية و جمالية قديمة على طرائق فنية و جمالية جديدة للتعبير عن نفسها

لقد أخذ فن المسرح بوصفه جنسا جديدا على المجتمع اليوناني، من جنس (الأسطورة) حكايتها، أي قصتها، و من الشعر بنيته، أي إطاره، و من الشعر الغنائي طرائق تعبيره القولية و الجسدية(Verbales et Gestuelles Expressions) و حاول من خلال كل ذلك أن يحافظ على ما سيسميه (غريماس) لاحقا بمنطق السرد المتوفر في كل أشكال التعبير القصصية، دون الخروج عن عناصر (الوحدة العضوية) و (الحبكة) و (العقدة) و( الحل) التي كانت متوفرة في الأجناس الأدبية السابقة بنسب مختلفة.

و قد أدى توفر هذه العناصر في العمل المسرحي بأرسطو إلى اعتباره عملا متكاملا يحقق الفرجة من خلال (المحاكاة) التي يقوم بها الممثل من جهة، و يحقق (التطهير) (Catharsis)الذي يحدث للمتفرج عند مشاهدته لمسرحية من المسرحيات من جهة ثانية. و لعله بسبب هذين العنصرين (المحاكاة و التطهير) أُطلق على المسرح اسم (أبو الفنون).

و سنرى أنه، و منذ أن اكتملت البنية الفنية و الجمالية لفن المسرح بوصفه جنسا أدبيا جديدا أضيف على شجرة الأجناس الأدبية، لم تنفتح العملية الأدبية على مخاض يشي بميلاد جنس أدبي جديد. و قد بقيت أشكال التعبير الأدبي تعيد نفسها من خلال استعمالها للأجناس الأدبية نفسها طيلة الفترة التي شهدتها الحضارة اليونانية ثم الحضارة الرومانية وما تلاها من تراكم أدبي وفني و جمالي شهدته الحضارة الأوربية حتى العصر الكلاسيكي. و لم تكن (الأدبية) التي سادت خلال الحضارة الرومانية من وجهة نظر النقاد الغربيين أنفسهم، إلا مرحلة محاكاة للأجناس التي كانت موجودة في الحضارة اليونانية. فمثلما كان (فرجيل) الروماني و ملحمته (الإنياذة) التي تؤرخ لأمجاد الرومان يمثلان المعادل الموضوعي لـ (هوميروس) و ملحمته (الإلياذة) التي أرخت لأمجاد اليونان، كان (هوراس) الروماني و كتابه (فن الشعر) يمثلان المعادل الموضوعي لـ(أرسطو) اليوناني و كتابه (فن الشعر).

و على الرغم من مرور أزمنة طويلة على ميلاد هذه الأجناس و تبلورها، إلا أن منطق الحكم النقدي على الأعمال الأدبية الكثيرة التي شهدتها هذه الفترة كان يخضع للمنطق الجمالي نفسه الذي حددت معظم أُطرهِ الفنية و الجمالية الفترةُ اليونانية و ما شهدته من تفاعل فكري و فلسفي و تلاقح تاريخي و اجتماعي انعكسا على العملية الأدبية، فتغيرت بموجب ذلك النصوص الأدبية في بنياتها الشكلية و أساليبها اللغوية و أنساقها الدلالية في العصر اليوناني، وركنت إلى الجمود فيما تلاها من العصور الأخرى. و كأن ميلاد الجنس الأدبي الجديد إنما يجب أن يخضع لآلية تسارع تاريخية و فكرية و فلسفية و اجتماعية لكي يتم بموجب كل ذلك تكوّن الرحم الذي يحمل هذا الجنس، و خلق المكان الذي يستقبله، و تهيئة الشرط الإنساني الذي يدعمه بالرؤية النقدية المقنعة فيتهيأ له بذلك شرط البقاء و أحقية الاستمرار.

و يلاحظ مؤرخو الأجناس الأدبية أن هذه الأجناس قد بقيت على حالها حتى في العصر الكلاسيكي القريب من عصرنا الحالي، لا في تصنيفاها بوصفها أجناسا فحسب، و لكن في بنيتها الفنية و الجمالية التي تحيل إليها بوصها أجناسا، و ذلك على الرغم مما شابها من تغير في الموضوعات( غياب البعد الأسطوري الخرافي و حضور البعد الديني المسيحي)، و ما شابها كذلك من تغيّر في طرائق التعبير اللغوي (غياب البلاغات اللغوية المرتبطة باللغات القديمة اليونانية و اللاتينية و تبديلها ببلاغات مرتبطة بما يحمله العصر الكلاسيكي من مستجدات)، و ما شابها من تغير في الموضوعات التي تطرحها هذه المستجدات.

غير أن العصر الكلاسيكي(1550/1675) كان يحمل في طياته بذورا خفية لحركية إبداعية في غاية السرعة و التعقد بدأت تظهر في العديد من النصوص التي كانت تعتبر مهمشة أو مارقة في ذلك الوقت، و التي كانت إنذارا بقرب ميلاد هذه الحركية. و ذلك من خلال تخلي أصحابها عن الأسس التي بني عليه المذهب الكلاسيكي في تطبيقه المفرط و الصارم لقواعد الفن الأدبي كما جاء بها أرسطو في كتابه الشهير (فن الشعر). وقد مكن هذا (الخروج) عن (الأدبية) التي سنّها أرسطو و احترمها الكلاسيكيون، من التمهيد لما سيحدث من وعي في دينامية الفكر الغربي التي لم ترضخ للقراءة الكلاسيكية للموروث اليوناني التي دامت ما يقارب السبعة قرون، و إنما حاولت جاهدة أن تعيد قراءة هذا الموروث قراءة جديدة وفق ما مكنته منها تجليات التفكير العقلي في عصر النهضة ممثلة في الفيلسوف ديكارت، بناء على الاكتشافات العلمية و الثورة الصناعية و التغير الاجتماعي.

و لعل هذه العناصر الثلاثة هي التي مكنت بطريقة أو بأخرى من ميلاد المذهب الرومانسي الذي سيحمل بوادر التغيير على مستوى إعادة تشكيل النظرية الأدبية وفقا للمعطيات الإبداعية التي كانت موجودة في أرض الواقع، و المرتبطة هي الأخرى بالتغير الاجتماعي الحاصل في بنية الفرد الأوربي. لقد أدت دينامية الحراك الحضاري المتولد عن التفكير العقلي من جهة و التطبيقات العلمية من جهة ثانية إلى إعادة النظر في العديد من المفاهيم الفنية و الجمالية التي لم تعد تطبيقاتها على مستوى النص الأدبي تتناسب مع روح العصر.

و قد ظهرت في خضم التغييرات في النظرة للعمل المسرحي إلى التخلص من القالب الذي كان يُصبُّ فيه وهو الشعر، فأبصح المسرح يُكتب نثرا ، و انفصل الشعر في الإبداع الغربي لأول مرّة عن الأجناس الأخرى اللصيقة به. و بات يُنظر إليه على أنه جنس أدبي لوحده. و بناء على ذلك ، ونظرا لاعتبارات تاريخية مرتبطة ببداية استعادة أوروبا لقوتها، انفصلت حكايات البطولات الجديدة للإنسان الغربي عن الشعر و أصبحت هي الأخرى تُكتب نثرا ( روايات الفرسان)، مثلما قلت الملاحم الأدبية بشكلها الذي كانت تظهر به سابقا.

و لعل أهم عامل حاسم في تغير الأجناس الأدبية في العصر الرومانسي (1675/1800) هو تخلي الأجناس الأدبية الأخرى عن الشعر بوصفه إطارا و قالبا لصيقا بها. و قد مكّن هذا التخلي الشعرَ من أن يصبح جنسا أدبيا يكتب بذاته و من أجل ذاته. و قد وجد الرومانسيون في ذلك حرية كبرى للتعبير عن عواطفهم بطريقة لا ترضخ لمعايير مسبقة مما أدى على تطور الشعر واستقلال نظريته الأدبية عن الأجناس الأخرى.

و بالمقابل، مكن هذا الانفصالُ الكتاب و المبدعين من كتابة المسرح بأساليب نثرية في غاية التطور والاختلاف بالنظر إلى ما كان سائدا في المذهب الكلاسيكي. كما مكن هذا الانفصالُ كتاب الملاحم من كتابة قصصهم المطولة في شكل روايات كانت بمثابة النواة الأساسية لميلاد الجنس الجديد و هو الرواية التي ستترسخ في القرن الثامن عشر بطريقة جذرية نظرا لما استطاعت أن تطوّره من بنية فنية وجمالية انعكست على موضوعاتها و بنياتها و أساليبها. و لعل هذا ما جعل المذهب الرومانسي من أكثر المذاهب الأدبية ثورية، و ذلك بالنظر إلى تخليه عن الرؤية الإبداعية والنقدية التي كانت تسيطر على مفاهيم النظرية الأدبية بصفة عامة في العصر الكلاسيكي، و محاولته تجاوزها إلى آفاق إبداعية جديدة فتحتها مستجدات العصر الجديد الفكرية و الجمالية و فرضتها تغيراته التاريخية و الاجتماعية.

و لعل عودة النثر بوصفه عاملا أساسيا في أشكال التعبير الأدبي، قد أدت إلى صياغة النص الأدبي صياغة لغوية تعتمد على معايير بلاغية و فنية وجمالية غير مرتبطة بالبلاغات التي كان المنظر يفرضها على النص من خلال استعمال الكاتب للشعر بوصفه إطارا مفروضا. كما أن عودة النثر قد أحيت الرغبة في الحكي دون الخضوع لموازين الشعر، و من ثمة أحيت عنصر السرد الذي أصبح أكثر اهتماما من طرف النقاد، و من طرف النظرية الأدبية.

و الأكيد أن هذه العناصر كلها قد أدت إلى بلورة نشأة الرواية بوصفها جنسا أدبيا أستطاع أن يعكس مجمل القيم الأخلاقية والفسلفية والجمالية التي حاول أرسطو أن ينظر لها في فن المسرح. إن تغير النظرة إلى هذه القيم ناتج عن شمولية الحراك الاجتماعي الذي شهدته المجتمعات الغربية في أروربا. و هو ناتج كذلك إلى عمق المقاربات التي كان يحملها الفلاسفة والمفكرون في دراستهم لبنية هذه المجتمعات. و من هنا، كانت الرواية عبارة عن ملحمة حقيقية تعكس الحراك التاريخي والاجتماعي الذي شهده عصر النهضة. و لذلك، فهي لم تكن طفرة أدبية وليدة الصدفة التاريخية و لا وليدة التكديس المعرفي، و إنما كانت وليدة لحظة وعي عميق بما يمكّن العصر من التعبير عن نفسه بطريقة صادقة. و لعلنا بهذا نفهم التعريف الذي صاغه ناقد متأخر هو جورج لوكتش والذي يقول إن (الرواية هي ملحمة بورجوازية).

إن انتقال المجتمع الأوروبي من البنية الإقطاعية التي كانت تحكم معظم اقتناعاته الفكرية و الجمالية، إلى البنية البورجوازية المدعمة بالتفكير العقلي والتطبيقات العلمية، قد سرّع عملية الانتقال إلى صياغة هوية أدبية جديدة على مستوى الأشكال وعلى مستوى المضامين. و قد أدت هذه الهوية الجديدة إلى تفرّع جنس القصة القصيرة عنها بطريقة تحيل إلى تفرع (الخرافة) عن (الأسطورة) أو تفرع (القصيدة) عن ( الشعر الغنائي المطول).

وإذا كانت الرواية قد اصبحت تمثل الجنس الأكثر كتابة والأكثر قراءة في العصر الحديث، فإنه يجب التذكير بأن (شجرة الأجناس الأدبية) إنما انطلقت:

- من الأصل إلى الفرع من حيث المواضيع( من قصة خلق الإنسان في بداية التكوين إلى قصة أي إنسان كان في أي مكان)،

-و من الأكبر إلى الأصغر من حيث طرائق التعبير (من الأسطورة بوصفها جنسا مفتوحا بإمكان الأجيال أن تضيف إليه إلى القصة القصيرة المغلقة التي لا تحتمل أية إضافة)،

- و من المركب إلى البسيط من حيث عدد الأجناس ( الأسطورة التي تكتب شعرا، أو الملحمة التي تحكي أسطورة بقالب شعري، إلى القصة التي تحكي قصة بأسلوب قصصي).

و بناء عليه، فإن تفريعات (شجرة الأجناس الأدبية ) عادة ما تحترم طبيعة النمو التي تخضع لمعايير غائبة عن رؤية الناقد الاستباقية، و لكن درْسَها حاضرٌ في رؤية الناقد الاستخلاصية. و هي معايير تَمكَّن الناقد من استخلاصها بناء على معاينته لهذه الشجرة معاينة مكنته من القول بأن تفرع أي جنس جديد عن هذه الشجرة إنما هو خاضع لأطر فنية و جمالية مرتبطة بشرط تاريخي خضع هو الآخر لفترة بيات شتوي(Hibernation) لا يمكنه أن يعرف مدّته مسبقا. و لعله لهذا السبب كانت الإبداع يسبق التنظير للإبداع، و النص الإبداعي يسبق النص النقدي.

و قد يكون تأخر الناقد عن العملية الإبداعية هو الذي جعله يلاحظ أنه على الرغم من اختلاف أشكال التعبير القصصية و اختلاف تجلياتها السردية ، إلا أن السرد يظل واحدا في منطقه الباطن لا يتغير . ذلك ما لاحظه أرسطو في كتابه فن الشعر من خلال حصر مساحة السرد بين وضعيتين أساسيتين: وضعية سعيدة و وضعية تعيسة. و هما نقطتا البداية و النهاية التي يمر من خلالهما البطل بمرحلة (ارتكاب الخطأ) و من ثمّة (التحوّل). ولعل هذا ما جعل غريماس و الشكلانيين الروس عامة يجتهدون داخل المساحة التي حددها أرسطو لإيجاد واحد و ثلاثين وظيفة في كل قصة محكية مهما كان الجنس الذي حكيت به ومهما كان المكان،ومهما كان الزمان . و هي الوظائف نفسها التي شكلت ما سمّوه بـ(منطق السرد)( logique du récit) الذي لا يخرج عن التأريخ لحادثة ميلاد الإنسان و موته سواء عُبِّر عنها بأكبر الأجناس و أقدمها (الأسطورة)، أو بأصغر الأجناس و أحدثها (القصة القصيرة جدا).





د. علي القاسمي(قاص و ناقد)-عراقي مقيم بالمغرب الأقصى


تحوُّل الكتّاب من القصة القصيرة إلى الرواية لا يعني أبداً نهاية زمن القصة القصيرة.

يبدأ معظم كتّاب السرد العرب بكتابة القصة القصيرة تمهيداً لكتابة الرواية، ظناً منهم بأن القصة القصيرة أسهل لقصرها. ولكن تحوُّل الكتّاب من القصة القصيرة إلى الرواية لا يعني أبداً نهاية زمن القصة القصيرة، فهي جنس أدبي قادت إلى مولده ظروف اجتماعية واقتصادية وإعلامية معينة، وهذه الظروف ما زالت قائمة. فالصحافة التي شجعت ظهور القصة القصيرة وازدهارها، ما تزال في حاجة لها لتُشبع نهم القرّاء الذين يستمتعون بها، حتى في الصحافة الإلكترونية. وتشير الدراسات الإحصائية، في أمريكا مثلاً، إلى أن ما يُنشَر من القصص القصيرة سنوياً يفوق بكثير ما يُنشر من الروايات، وأن ما يُرصَد من جوائز للقصة القصيرة أكثر بكثير من جوائز الرواية. وأخيراً فإن القصة القصيرة ملائمة لروح عصر السرعة، الذي فرض تناسل القصة القصيرة فولدت في أحضانها القصة القصيرة جداً. وعلاوة على ذلك، فإن طبيعة الإنسان الاجتماعية تدفعه إلى أن يحكي ما يقع له من أحداث طريفة فيبوح به لصديق حميم يأتمنه، ليخفف من وقع تلك الأحداث على نفسه."

يبدأ معظم كتّاب السرد العرب بكتابة القصة القصيرة تمهيداً لكتابة الرواية، ظناً منهم بأن القصة القصيرة أسهل لقصرها. ولكن تحوُّل الكتّاب من القصة القصيرة إلى الرواية لا يعني أبداً نهاية زمن القصة القصيرة، فهي جنس أدبي قادت إلى مولده ظروف اجتماعية واقتصادية وإعلامية معينة، وهذه الظروف ما زالت قائمة. فالصحافة التي شجعت ظهور القصة القصيرة وازدهارها، ما تزال في حاجة لها لتُشبع نهم القرّاء الذين يستمتعون بها، حتى في الصحافة الإلكترونية. وتشير الدراسات الإحصائية، في أمريكا مثلاً، إلى أن ما يُنشَر من القصص القصيرة سنوياً يفوق بكثير ما يُنشر من الروايات، وأن ما يُرصَد من جوائز للقصة القصيرة أكثر بكثير من جوائز الرواية. وأخيراً فإن القصة القصيرة ملائمة لروح عصر السرعة، الذي فرض تناسل القصة القصيرة فولدت في أحضانها القصة القصيرة جداً. وعلاوة على ذلك، فإن طبيعة الإنسان الاجتماعية تدفعه إلى أن يحكي ما يقع له من أحداث طريفة فيبوح به لصديق حميم يأتمنه، ليخفف من وقع تلك الأحداث على نفسه."





عيسى بن محمود (قاص جزائري):


راهن القصة القصيرة و توجه كتابها إلى كتابة الرواية

و قبل الإجابة لا بأس من الإشارة إلى مقولة روبرت لويس ستيفنسون أنه ليس هناك إلا ثلاثة طرق لكتابة القصة أن تأخذ الحبكة و من ثم تجعل الشخصيات ملائمة لها أو أن تختار الشخصية أولا ثم تختار لها الأحداث و المواقف التي تنتمي لها , أو أن تأخذ ثالثا جوا معينا و تجعل الفعل و الأشخاص في فلكه معبرين عنه مجسدين له-
و هو ما قد تشترك فيه الرواية مع أن هاته الأخيرة تتسع لأحداث فرعية و أبطال و شخصيات و زمان و مكان متعدد ' الوقت الذي يحد فيه كاتب القصة القصيرة من امتدادها عازفا عن المقدمات الطويلة و الزوائد و الاستطراد ' فهي في نظر البعض : ( وجبة غنية إذا توفر لها طاه ماهر و كانت لديه الرغبة في التقيؤ على الورق)*
و بعيدا عن التنظير لهذا الجنس الأدبي فقد عرف تطورا بدءا من سرعة انتشاره إلى ازدياد مقروئيته إلى ظهور رابطات و اتحادات و جمعيات تنتصر له و بروز أقلام جادة و نشريات و صحف تهتم به'
و بالعودة إلى التساؤل نجد أن القصة القصيرة تطورت و انتشرت بالموازاة مع الرواية دون أن تحد إحداهما من أفق الأخرى بل تراوح بعض الكتاب بين الرواية و القصة فقد يتوقف احدهم عن إتمام رواية ليكتب قصة و من ثم العودة ثانية مثلما أتت -رمانة- لدى الطاهر وطار و أتت انف حنان بعد مشوار طويل مع الرواية.
لكن الأمر يختلف مع القصة القصيرة جدا بالنظر إلى الاشتراك في الإيجاز و التوتر و الوحدة فهل نعدهما معا جنسا واحدا أم أن هذا التنظيم ق ق ج جنس أخر و إن تعددت تسمياته بين : الومضة ' المشهد القصصي' الأقصوصة' خواطر قصصية ؟ معتمدة على خبرات المستمع أو القارئ لفهمها' أو كما يراها د.احمد حلس : (تشبه نوعا من أنواع الخبر العاجل لا تشبع المثقف و لكن تشبع من يريد التقاط الومضة)*. و هو موضوع متروك للنقاد مع أن محاولة التنظير للقصة القصيرة كما يرى السيناريست عيسى شريط كمحاولة وصف مرآة لشخص همجي لم ير مرآة في حياته.
لا يعد انتصارا للقصة القصيرة إن قلنا إنها ما دامت جنسا قائما غير محدود بكم من سطر أو صفحة أو كلمة ' تستلذ فيها قراءة أكثر من قصة تتناول نفس الفكرة ' و ما دامت لها القدرة على التجدد و التفاعل و الاستفادة من الروافد الجديدة كالتقنيات السينمائية في المزج بين العناصر و إعادة إنتاج الدلالة و الغوص مع علم النفس التحليلي و الخيال العلمي و التقنية الرقمية ' فسيظل الكتاب ينتجون لنا قصصا قصيرة تشكل كل واحدة تجربة جمالية بذاتها تتبوأ مكانتها إلى جانب الرواية.
وأرى أن مخاض كتابة القصة القصيرة ليس نفسه مخاض القصيدة بشتى تسمياتها أو الرواية أو المقال.
القصة القصيرة لحظة صدق في القبض على الوهج في الزمان و المكان و بالأدوات المناسبة ' و إن لحظة الميلاد ليست خيارا '
و أن عدد كتاب القصة القصيرة يزداد في انتظار جرأة النقد على مماشاة هذا الزخم يظل القاص وحده يدير الدفة في انتعاش واضح للنشر الورقي و تفاعل كبير داخل الفضاء الالكتروني.



-----------.
* الاديب حسن غريب احمد: التقنيات الفنية و الجمالية المتطورة في القصة القصيرة.
* ندوة ق ق ج ملتقى الصداقة الثقافي







وجدان عبد العزيز (قاص و ناقد عراقي):


الفن خلود ، أوعيته الأجناس الأدبية

حينما نتحدث عن الأجناس الأدبية ، نتحدث عن حدود مرسومة ومعروفة لايمكننا أن نلغيها بالكامل ، ولكن هناك سمات مشتركة مخفية وظاهرة تغوي هذه الأجناس نفسها في العبور والتمتع بمجانسة بعضها البعض الآخر عبر تقنيات اللغة المتعددة بهاجس إظهار المعنى وإجلاء الحقيقة التي فرضت هذا العبور واتخذت من التجاور بين هذه الأجناس طريقا تتخطى هذه الحدود والمصاهرة مع بعضها كما فعلت العولمة بين شعوب العالم ، فلكل شعب خصوصيته وحضارته ، لكن العولمة من جوانبها الايجابية استغلت المشتركات الإنسانية بين هذه الشعوب .. وكما لهذه الأجناس الأدبية قدرتها على استيعاب المعاني بما تحمله من أسرار اللعبة الكتابية ..

إذن على الكاتب أن يتقن أسرار الدخول وأسرار تحميل المعاني سواء كان الجنس سردي ام شعري ولكل مقام حديث تُجرى فيه مواضعات ذات دقائق في المداخل والمخارج .. وهي تشكل اختبار لقدرة الكاتب على اختيار الجنس وتحميله المعاني المطروحة في الطريق كما قال عنها الجاحظ قبل ألاف السنين وهنا يتجلى الأسلوب ويتميز .. فالكاتب يقع في ميزان الضعف والقوة حاملا قلقه وباحثا عن مساحات التعبير والتنفيس ، فيلجأ الى ضرورة تقديم جنس معين دون غيره ، لتنشأ حالات من الترويج لهذا الجنس ويشتد إقبال مبدعي الأدب عليه ولا يعني خروج باقي الأجناس من الخدمة أو احتضارها كما يُظن ، فلابد من إيجاد الدالة الزمنية وإرهاق الإنسان المبدع بالقلق والبحث أن يجد ضالته في القصة القصيرة او الرواية او في المساحات الشعرية المفتوحة ببث الإغواء والتعبير عن الذات الخاصة والذات الموضوعية ، فنقول فلان قاص او روائي وفلان شاعر وفلان رسام أو كاتب لايركن لجنس واحد ..

وهكذا يمكننا أن نقول أن السرد واحد من أقدم الفنون القولية ، نزع وارتدى عدة أثواب وتواصل مع إرهاصات التجديد كما هو حال القصة القصيرة ، غير أنها لا تحتمل أن تعالج عددا من القضايا لعدد من الشخصيات عبر أجيال مختلفة ، لاحتياجها إلى التكثيف اللغوي والمعالجة المركزة خلاف الرواية شقيقتها في السردية التي تحتمل هذا وهنا اختلاف بينهما والاتفاق هو أن القصة القصيرة تحوي العناصر الأساسية لتقنية الرواية ، لكنها تأتي بشكل مضغوط ومركز حتى قالت الناقدة الأميركية (برولكس) : (بأن القصة القصيرة شكل أدبي صعب يتطلب اهتماما اكبر من الرواية من اجل السيطرة والتوازن) ، ولكن الحديث قد يتوقف عند الذين يكتبون الرواية ، لأنهم الأقدر على تملك ناصية الكتابة والتعامل مع التقنيات السردية بسبب كبر الإدارة ونشوب صراعات جانبية وأحداث مختلفة ، ورغم هذا فان القصة القصيرة عالم فني متكامل بذاته ومحطة بقاء دائم لكثير من المبدعين وستبقى مغرية في اجتذاب الكتاب ، لأنها فن خادع بإغرائه ، فهي مع فارق الإبداع مثل الشعر وهي أي القصة القصيرة ، قد تنحرف من فن القص الى مسائل تعبيرية كثيرة ضمن إطار فن التجريب وهو أمر تتيحه قضاياها أكثر من أي فن أدبي آخر .

إذن هذه التقنيات التي جنّست وقعّدت بين الأنواع الأدبية أكدت عبر مسارها التاريخي ، بان لاموت لإحدى هذه الأنواع ، بسبب خصوبة التوالد واستيعاب حديث المقال في لحظة وجوده ، وهنا استخلص رأيا تحصّل من خلال نضح المعاني ، ولان المعنى سائل يأخذ قالبا معينا ، ليرسم صورة في المخيلة تندلق على الورق .. لتكون شعرا أو قصة ، هذه النتيجة دعتني أن انفي موت أو احتضار أي جنس أدبي ، بل هناك تجاور خفف إجراءات سمة العبور بين هذه الأجناس ، فالبقاء تحصيل حاصل لكل الأجناس ، لأنها تسعف الكاتب في استقبال إرهاصاته الإنسانية ومساهمته في بناء مسارات البحث عن الحقيقة والجمال ..



سعدي صبّاح (قاص جزائري): القصة القصيرة أكثر الأنواع الأدبية رواجـاً لأنها تناسبت مع عصر السرعة

الفنون تداخلت .. القصة الطويلة على سبيل المثال والرواية القصيرة " الميني رواية " فأحيانا أعتبر التسميات في رأيي تسلّطا على الأدب وأجناسـه ، حقيقـةً كل مبدع يطمح أن يصل ما وصل إليه يوسف السباعي على سبيل المثال وغيره الذين حُوِّلت أعمالهم إلى مسلسلات وهذا كما قد أشرتِ لا تطمح إليه الميني قصة مثلا التي ظلت تتطور على هامش الرواية أما القصة القصيرة الطويلة فأنا لم أنتقل من القصة إلى الرواية لكنني أريد أن أفعل ما فعله أبو القصة الجزائرية حوحو الذي أطلق على أول رواية جزائرية " قصة " واستراح ، فقصّتنا القصيرة قد سافرت بعيداً وقطعت شوطـاً يتوجّب الوقوف عنده لأنها استطاعت أن تنافس أكثر الفنون وأعني بنات الخليل بن أحمد ومن خلال اطّلاعنا على الكتابات اكتشفنا عيبنا وأعني الخلط بين القصة والقصة القصيرة والحقيقة أنها تحمل برحمها كل الألوان السردية والحكائية وهي ذات جذور في الأدب العربي ومنها قصص القرآن وأنها من الفنون الحديثة التي عرفها الأدب العربي ، وعصرنا هذا وستبقى على حد قول الدكتور عز الدين إسماعيل: " أكثر الأنواع الأدبية رواجـاً لأنها تناسبت مع عصر السرعة كما استطاعت أن تنال نصيبها بسرعـة من الصحف اليومية والمجلات وكذا الإذاعـة أيضــاً " .. وآراء المتكلمين تؤكّد أنه لا خوف على القصة من الرواية أو حتى من الفنون الأخرى لأنها لا محالة تستهوي الناس الذين أخذتهم السرعة وأنها تلائم عصر الحاسوب وعلى هذا الأخير تنافسها

القصة الومضة أو القرص المضغوط لما تتوفر عليه من التكثيف وعنصر الدهشة وأعتقد أن هناك تعايش إن صحّ هذا التعبير والفن فنّ والكل له نصيبه .. فهناك من ينزوي برواية وآخر يظلّ يقتنص الومضات على الحاسوب لكن المقروئية محتشمة في هذا العالم الذي يعجّ بالفضائيات .





علاوة كوسة (قاص و ناقد) :


للقصّة القصيرة سموّها و جمالياتها

لكم آمنت بأن الفن أوسع من أن يؤطر ،والإبداع أفسح من أن يقولب ،والأدب أرحب وأفسح من أن يشكل في قوالب وأجناس ...وأن كان ذلك فلا يعدو إلا أن يكون تموضعا وصياغة لتسهيل التصنيف على الدارسين المهتمين ،والباحثين المختصين .

وأردت من خلال هذه الإطلالة أن أخص بالقول أحد أهم الأجناس الأدبية ألا وهو القصة القصيرة التي لها تاريخها المشع في مشهدنا الأدبي الإبداعي الجزائري من مرحلة التأسيس على يد قصاصين كثيرين من أمثال أحمد رضا حوحو ،الذي يعتبر رائدا للقصة القصيرة وكذا الطاهر وطار وزهور ونيسي ،عمار بلحسن وجيلالي خلاص ...إلى أن يأتي جيل التجنيس باقتدار ووعي فني ويمثلهم -ذكرا لا حصرا -عيسى شريط ،السعيد بوطاجين ،عز الدين جلاوجي ،الخير شوار ، محمد بغورة ،عيسى بن محمود ، السعيد سلوم و الطيب طهوري.. وغيرهم كثير،

ولكن هناك ظاهرة ملفتة تستحق الوقوف على عتباتها وهي أن كثيرا من كتاب القصة القصيرة قد تحولوا بعد تجربة متباينة زمنيا إلى كتابة الرواية ،ومن هنا كانت الكتابة في هذا الجنس الأدبي - القصة القصيرة -معبرا إبداعيا إلى جنس آخر - الرواية - لسبب

أولآخر،ومن هؤلاء الأديب المتعدد إبداعيا عز الدين جلاوجي الذي شرف القصة بمجموعتين هما : لمن تهتف الحناجر؟.. ثم تلتها : صهيل الحيرة ،وبعدها انتقل مباشرة إلى الرواية (الفراشة والغيلان-راس المحنة - سرادق الحلم و الفجيعة - الرماد الذي غسل الماء)-

ولكن يبدو أنه جرب بعدها في القصص القصيرة جدا ولكن اهتماماته انصبت في الرواية ، الأمر نفسه بالنسبة إلى الخير شوار الذي أطل على جبهة القصة القصيرة بغرة إبداعية بمجموعته ‘' زمن المكاء'' ثم تحول بعدها إلى الرواية بنص متميز "حروف الضباب" .

والأمثلة كثيرة على هذا التحول من جنس إلى أخر خاصة إلى الرواية من بعد كتابة القصة ،وحتى من الشعر إلى الرواية كما حدث مع الشاعر الشاب رابح ظريف وعز الدين ميهوبي .

واعتقد أن الدوافع متباينة من كاتب -متنقل- إلى أخر ، فالبعض غامر في انتقاله على أساس التجريب، والبعض على أساس ضيق شَعرَ به في جنس واحد غير قادر على احتواء ذواته ، وآفاقه التخييلية ، كما لا ننكر أن البعض ذهب إلى الرواية منجذبا بتيار الموضة الإبداعية من منطلق أن الرواية ديوان هذا العصر وذلك ما صرح به كثير من كتاب القصة وحتى الشعراء.



ولكن برغم هذا الرحيل الجماعي إلى عوالم الرواية فإنه يبقى للقصة سموها ،جمالياتها وأسئلتها التي تطرحها ومراميها التي تتناولها بخصوصياتها ، وقد وعى هذا كثير من القصاصين الجزائريين المعاصرين وأبدعوا أيما إبداع شكلا ومضمونا في هذا الفضاء القصصي ، وشهدت القصة القصيرة بهم تطورا محسوسا خاصة بعد أكتوبر 1988 حيث انفتح هذا الجنس الأدبي على كثير من الآفاق والرؤى بوعي ،وكمتتبع ودارس للقصة الجزائرية المعاصرة أتفاءل خيرا لها فسيرورتها مشجعة ، وصيرورتها إلى الأفضل مغرية بالدرس والبحث والمتابعة.



جميلة طلباوي
موقع



https://www.alnoor.se/article.asp?id=73030









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 12:26   رقم المشاركة : 101
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.
حديث المطـابع > مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر
PDA
View Full Version : مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر

داليا الهواري
21-03-2007, 01:14 AM
مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر - مخلوف عامر

المقدمة
تعد القصة القصيرة فنا حديثاً في الأدب العالمي بالقياس إلى فنون أدبية أخرى. وهي بالنسبة للساحة الأدبية الجزائرية أكثر حداثة.‏
وهناك ظواهر تميز القصة الجزائرية القصيرة جديرة بالاهتمام والدراسة ولعل من أبرزها:‏
1-انتشارها منذ الاستقلال بشكل يفوق -كميا- بقية الأنواع الأدبية وهذا الانتشار يثير عدة تساؤلات:‏
هل مصدره سهولة كتابة القصة القصيرة أم استسهالها أم التمكن من نشرها في الصحافة بشكل سريع؟؟‏
2-كثيرون من الذين تحمسوا لكتابة القصة القصيرة في بداياتهم، أخذوا يهجرونها إلى كتابة "الرواية".‏
3-إن لنشأة وتطور القصة الجزائرية القصيرة علاقة بالتربية الثقافية والأدبية الجزائرية، وعلاقة أخرى بالمحيط العربي والمشرقي منه خاصة.‏
"فهل نمت في التربة الجزائرية حقاً؟ وخرج القصاصون من "معطف" (أحمد رضا حوحو) أم أن كتابنا كانوا أكثر صلة بما يفد إلينا من الأدب العربي المشرقي؟‏
تلكم الظواهر والتساؤلات كانت من الدواعي التي جعلتني أختار بحث هذا الموضوع لعلي أتوصل -بعد غربلة هذا الإنتاج القصصي الكثير- إلى الوقوف على مظاهر التجديد فيه.‏
ذلك لأن البحوث الجامعية والكتب التي عالجت موضوع القصة القصيرة في الجزائر، إما أنها نحت منحى تاريخياً وصفياً مثل: كتاب القصة الجزائرية القصيرة) لـ "عبد الله خليفة ركيبي"، وإما أنها أضافت إلى التاريخ والوصف دراسة الشكل الفني والموازنة بين القصة في تونس والجزائر والمغرب ولم تتجاوز فترة زمنية محددة مثل: رسالة "عبد الله بن حلي" (القصة العربية الحديثة في الشمال الافريقي).‏
وإما أنها بالرغم من محاولتها تغطية فترة زمنية أطول، إلا أنها بقيت أسيرة المنهج التقليدي مثل: رسالة "أحمد شريبط" (الفن القصصي في الأدب الجزائري المعاصر).‏
وإما أنها دراسات- بالإضافة إلى اصطناعها المنهج الوصفي التقليدي- اقتصرت على نماذج قليلة لا تمثل القصة الجزائرية القصيرة في تنوعها، ومنها:‏
(القصة القصيرة العربية الجزائرية في عهد الاستقلال) لـ "محمد مصايف" و(قراءات في القصة الجزائرية لـ "أحمد منور").‏
فأما الصعوبة الأولى التي واجهتني فتتمثل في الجهد الذي كان يجب بذله للإطلاع على كل المجموعات القصصية المطبوعة كشرط أساسي قبل الانتقال إلى الفرز والتمحيص بصرف النظر عن التمكن من تحقيق هذا الشرط.‏
وأما الصعوبة الثانية، فتتمثل في عدم استفادتي بشكل كاف من أحدث ما بلغته المناهج النقدية المعاصرة، الأمر الذي ترتب عليه بعض القصور في تحليل النماذج القصصية.‏
وقد آثرت أن أطلع على أقصى ما يمكن من الإنتاج القصصي، ولاّ أعول على تصريحات القصاصين واعترافاتهم، بل انطلق من النص أساساً، لقناعتي بأن الكاتب الناجح هو نصُّه لحظة الكتابة، وهو خارج الكتابة شخص آخر.‏
وارتأيت أن أقسِّم البحث إلى أربعة فصول، تتصدرها مقدمة، فمدخل عام وتعقبها خاتمة.‏
المدخل خصصته لملامح الحركة الثقافية والأدبية في الجزائر بصفة عامة لإعطاء صورة تقريبية عن التربية التي احتضنت الإنتاج القصصي.‏
الفصل الأول، لخصت فيه بعض المبادئ النظرية التي تتصل بالقول الأدبي عامة، وبـ "القصصية" خاصة، لكونها تشكل منطلقات أستند إليها أو إلى بعضها في القسم التطبيقي لاحقاً.‏
والفصل الثاني تعرضت فيه لمناقشة أصول القصة القصيرة وتعريفاتها. بصفة عامة كخطوة رأيتها ضرورية للدخول في الحديث عن ظروف نشأة القصة القصيرة وتطورها في الجزائر، مقتصراً على المحطات الأساسية في مسارها حتى لا يأتي البحث ناقصاً من هذا الجانب من جهة، وحتى لا أجتر كل ما قيل عن هذا الموضوع في مراجع معروفة من جهة أخرى.‏
والفصل الثالث، بحثت فيه العوامل التي أثَّرتْ في جيل المعربين منذ الاستقلال، على أساس أن الإنتاج القصصي- جيدهُ ورديئهُ- لا شك مطبوع بتلك العوامل، وأنها تركت بصمات واضحة في آثار القصاصين.‏
والفصل الرابع والأخير- وكان طبيعياً أن يكون أطول الفصول- أفرد للتطبيق على نماذج تبين أنها من أرقى ما بلغته التجربة القصصية في الجزائر منذ الاستقلال.‏
داليا الهواري
21-03-2007, 01:17 AM
الفصل الأول القول الأدبي والقصصية
كان اليونان قد فسروا الظاهرة الأدبية بنسبتها إلى آلهةٍ تسكن جبال الأولمب، وفسرها العرب بعدهم بنسبتها إلى شياطين تسكن وادي عبقر.‏
لكن هذا التفسير أو ذاك ليس من شأنه أن يثير الاستغراب أو الاستصغار، لأنه- وان جانب الصواب- ينم عن حدس سليم في تلمس الظاهرة الأدبية المتميزة. من حيث هي ظاهرة إنسانية، لكنها تجعل الأشياء تبدو وكأنها غير مألوفة، أو لأن "الفنان لايعيد إنتاج المرئي، بل يجعل مرئيا ما ليس مرئياً"(1) .‏
من الطبيعي جداً أن يحتار الإنسان أمام ظاهرة غير عادية، صادرة من آخر يشبهه أو يتساوى معه في كل شيء إلا في إنتاج ما هو غير عادي بواسطة اللغة. ومن الطبيعي، بل من الضروري أن تدفعه الحيرة إلى البحث عن إجابة تطمئنه.‏
أما اليوم فقد صار بديهياً أن يُنسب العمل الأدبي إلى الواقع. إلا أن هذه الواقعية- وإن لم تكن سوى تجلٍّ لعالم المثل في صورة غير وافية- فقد عادت في عهد لاحق لتصبح تجلياً لذات المبدع، ثم أصبحت متكأ لتفسير النص الأدبي تفسيراً تعسفياً آلياً، وربما ضجر بعضهم من هذه الآلية في الوقت الذي لم ينكر فيه المصدر الواقعي للأدب والفن، فقال بواقعية بلا ضفاف.‏
"كل الأعمال الأدبية مصدرها الواقع، وتأثيرها في الواقع ولكنها ليست بالضرورة- كما يزعم جارودي- واقعية مهما كانت قوتها التعبيرية أو التأثيرية.‏
إن القول بواقعية كل أدب على أساس أن مصدره الواقع أو أنه تعبير جزئي عن جانب من جوانب الواقع، هي دعوة.. لا إلى واقعية بلا ضفاف ولا حدود، بل إلى واقعية بلا مفاهيم، أو دلالات أو مبادئ"(2) .‏
فالظاهرة الأدبية لا يصح تفسيرها تفسيراً غيبياً ولا اختزالها وتبسيطها في واقعية مبتذلة، أو واقعية بلا ضفاف ولو أن:‏
"الواقع هو شعار العصر وهو الكلمة الأولى والأخيرة في كل شيء"(3) .‏
ذلك لأن الظاهرة الأدبية من التعقيد بحيث تستوجب نظرة أعمق حتى لا يختزل العمل الأدبي في دلالته الاجتماعية ويفقد بعدا أساسياً فيه وهو الشكل وحتى لا يصبح الشكل هو المرجع الأول والأخير فيفرغ من نبض الحياة. فيتناغم الشكل والمضمون في كل لا فصام فيه، مظهر من مظاهر التطور والرقي.‏
"في الحقب التي يدرك فيها التطور أوجه، ويصل فيها الفن إلى ذروة امتلائه، يؤلف الشكل والمضمون كلا متناغماً لا فصام فيه، ومتى ما رجحت كفة المضمون على الشكل، ومتى ما انفصل الشكل عن المضمون، يسعنا الجزم بدون أن نجازف بالخطأ أن المجتمع يمر بفترة ولادة أو انحلال"(4) .‏
ومن المعروف أن التركيز على الدلالة الاجتماعية للأدب، كان من أهدافه تحديد وظيفة له وحمل الأدباء على اتخاذه سلاحاً في خدمة ما يلتزمون به من مبادئ، فضلاً عن أن هذه المبادئ كثيراً ما تحدد مسبقا ليصبح العمل الأدبي مجرد قالب تصب فيه تلك المبادئ والتوجهات.‏
غير أن الفهم الذي يستند إلى أدلجة صارخة، ما كان له ليسيطر على كل الأذهان، بل هو ما نبه كثيرين من الأدباء والنقاد إلى ضرورة العناية بخصوصية الأدب والفن وعدم التضحية بها في سبيل ما هو ظرفي عابر.‏
ولم تعد وظيفة الفن منحصرة في ترديد خطاب سياسي/ أيديولوجي، بقدر ما أصبحت أيضاً فرصة لتماثل "الأنا" مع الآخرين، فرصة لفهم العالم والمشاركة في تغييره ولكن دون تغييب بعده الجمالي السحري، لأنه لا يتمكن ولا يمكن من تلك الغاية إلا بفضل جماله وسحره.‏
"إن وظيفة الفن هي دائماً أن يحرك الإنسان بكليته، وأن يسمح "للأنا" بالتماثل بحياة الآخرين، وأن يمكنها مما لم تكنه، وما هي جديرة بأن تكونه ...)، فالفن ضروري لكي يستطيع الإنسان أن يفهم العالم ويغيره، ولكنه ضروري أيضاً بسبب السحر الذي يلازمه"(5) .‏
ولكن السحر لا يعني التفنن في التراكيب اللغوية والصنعة اللغوية المكررة، بل هو الجهد الإبداعي الذاتي، فلا يكتفي باجترار ما يلقن في المدرسة من قواعد، ولا يبدو تلوينا مفتعلا على تراكيب مستهلكة، يخادع بالزخرف الجمالي لكن بدون جمال.‏
"ليس القول الأدبي صياغة تركيبية أو تطبيقية لقواعد لغوية أدبية جاهزة، ليس القول الأدبي إنشاءاً يحفظ أو يتوارث أو يلقن شأن التلقين في تعليمنا المدرسي: تحفيظ تراكيب وصيغ جميلة تعادل الثقافة والقدرة على الكتابة. وليس القول الأدبي رصفا قواعدياً للمفردات، أو توالياً خطياً للألفاظ. بل هو حجم وفضاء: حجمه في الدلالات التي يولدها انتظامه، الدلالات تتولد في حركة الانتظام فتشكل بالعلاقات بينها، فضاء هذه الحركة"(6) .‏
هكذا يتبين أن القول الأدبي ليس تركيباً ولا إنشاءً ولا رصفاً أو تواليا للألفاظ، لذلك فهو لا يحفظ ولا يتوارث ولا يعلم. وكأنه بذلك خرق للقانون اللغوي السائد ليخلق قانونه الخاص، قانون الإبداع الذي هو إضافة في الحقل الأدبي وبذلك سيكون خارقاً، غير عادي، يستحق صفة أثر مُبدَعٍ بفتح الدال) حقاً.‏
يؤكد "رولان بارت" هذه الفكرة بقوله:‏
"والشكل ليس حلية ولا مجموعة قواعد، بل تشخيصاً لأحاسيس ملتصقة بتجاويف الذات وبأعماق الموضوع، وعلى الكاتب أن يواجه العالم والأشياء وأن يختار عزلته أو حضوره مع الآخرين"(7) .‏
ذلك يعني أن اللغة وقواعدها تظل معطى خارجياً، يمكن تملكه بمهارات عالية، ولكن سيبقى سطحياً باهتاً ما لم يجسد الحرارة الداخلية للذات المبدِعة بكسر الدال)، ما لم يشخص حرارة الشعور وعمق الإحساس.‏
أما إذا راح المنتج الأدبي يتتبع تفاصيل الواقع، وينسجها صنعا في نص يرتكز أساساً على المهارات اللغوية والزخرف البلاغي، فذلك مما يثبت الفرق الكبير بين أثر فني وبين أي إنتاج آخر.‏
"الفرق هو فقط أن التفاصيل في الواقع لا يمكن أن تكون حشوا فارغاً أبداً، أما في الأعمال الشعرية فكثيراً جداً ما تنقلب بالفعل إلى بلاغة جوفاء وحَشوٍ آلي في سرد القصة"(8) .‏
كل ذلك يدعو إلى بحث العلاقة بين الواقع والعمل الأدبي من زاوية تتجاوز النظرة الآلية الضيقة، وتتجاوز التجريد والتعميم اللَّذين لا رابط لهما غير الانتساب إلى الواقع بصفته مصدراً أصلياً.‏
فـ "الإنتاج الأدبي ليس انعكاساً للواقع، بل انعكاساً لانعكاس، وفي المسافة القائمة بين الواقع وشكل انعكاسه توجد جملة من العناصر المعقدة تتضمن وتنتج آثاراً أيديولوجية معينة. فالكاتب لا "يكتب أيديولوجيا" بل يعكس بشكل لا مباشر جملة تناقضات اجتماعية تحت تأثير أيدلوجيا معينة"(9) .‏
هذا الفهم من شأنه ألاَّ يقتل جمالية النص الأدبي بدعوى الحرص على الدلالة الواقعية الاجتماعية، وألاَّ يغيب هذا الدلالة بدعوى الحرص على الجمالية. فبالإضافة إلى العلاقة الموجودة بين الكاتب والبعد الأيديولوجي، فإن لعملية التخييل الأدبية استقلاليتها النسبية وهي تشكل البعد الآخر.‏
"بين الكاتب وعمله مسافة ثنائية البعد تحددها عملية الكتابة وسيرورة التخييل الأدبية مسافة بين أيديولوجيا الكاتب والأيديولوجيا التي أنتج تحتها وفيها عمله الأدبي، ومسافة أخرى بين أيديولوجيا الكاتب والأيديولوجيا التي تحكم عمله الأدبي وتنتج آثاراً أيديولوجية معينة"(10) .‏

غير أن النظرة إلى البعد الأيديولوجي، وتحديد علاقته بالعمل الأدبي ليست واحدة عند النقاد والباحثين.‏
إذ في الوقت الذي يغيب فيه البعد الأيديولوجي عن طريق القول بالتزامن البنيوي، يحاول "لوسيان غولدمان" أن يتدارك هذا التغييب عن طريق ما سماه بالبنيوية التكوينية أو التوليدية.‏
فـ "لفظ البنيوية التكوينية يشير إلى أن ما هو مطروح ليس دراسة البنيات من حيث هي كذلك، بصورة سكونية ولا زمنية بل العملية الجدلية لصيرورتها ووظيفتها"(11) .‏
وقد أسس غولدمان نظرته على ثلاثة معطيات:‏
1-البنية الدلالية:‏
ويريد بها العلاقة الكلية بين الأجزاء والعلاقة الداخلية بين العناصر ولكنها بانتقالها من السكونية إلى الحركة والدينامية.‏
و"يوصي غولدمان النقد الأدبي بتبني منظور واسع، لا يغفل التحليل الداخلي للنتاج واندراجه ضمن البنيات التاريخية والاجتماعية ولايغفل كذلك دراسة السيرة الذاتية ونفسية الفنان كأدوات مساعدة. وفي المحلِ الأخير يدعو إلى إدخال النتاج في علاقات مع البنيات الأساسية للواقع التاريخي والاجتماعي"(12) .‏
2-رؤية العالم:‏
ويقصد بها النسق الفكري السابق عن لحظة إنتاج العمل الأدبي، وما يبدو حاسماً عنده ليس رغبة المؤلف ولا طبيعة نواياه، بل الدلالة الموضوعية التي يكتسبها عمله سواء وافق ذلك رغبته أو جاء ضد رغبته في بعض الأحيان.‏
3-قيمة النتاج:‏
وهي تتمثل في القدرة على تقديم رؤية متناسقة، لا يغترب فيها العمل على الواقع لأنه إذا افتقر إلى حرارة الواقع يفقد جماليته، وهذه الأخيرة هي عبارة عن توتر دائم وتجاوز مستمر.‏
هذا التوتر الذي يسميه "حسين مروة" بالانفعال الذي يشكل حافزاً ضرورياً للإبداع ومحركاً له لاستكشاف الخفي وارتياد المجهول: "إن الانفعال ليس أكثر من مدخل إلى العملية الإبداعية، ومذ تبدأ العملية يتحول الانفعال إلى حركة استكشاف وارتياد يصاغ في ضوئها عالم فني يحمل في ذاته قدرة التحول إلى حركة فعل وتغيير في العالم الواقعي- ولن يستطيع أن يحمل هذه القدرة دون معرفة بقوانين حركة العالم الواقعي، ودون موقف معين من هذا العالم"(13) .‏
وإذا كان "غولدمان" يخرق سكونية التزامن البنيوي عن طريق القول بالنسق الفكري السابق عن عملية الإنتاج والذي لا شك أن له حضوره الخاص في الأثر، فإن "غريماس" ينظر إلى الدلالة الأيديولوجية من زاوية أخرى.‏
فهو يقول بالدلالات النووية المولدة للأيديولوجيا داخل العمل الأدبي، وهي تشكل وحدات يمكن تفكيكها. إنها تتميز بكونها ضمنية جوهرية، علاقتها بالخطاب علاقة توليدية.‏
وكأن "غريماس" ينكر على البنيويين الذين استفادوا من جهود "دي سوسير" تحليلهم الشكلاني الذي يغيب البعد الأيديولوجي باعتماده مقولات: النسق والتزامن والتعاقب.‏
فالتزامن لا يوحي بالسكونية فحسب، بل إن التحليل البنيوي في مجموعه يفضي في أحسن الحالات إلى تفكيك العمل الأدبي وإعادة تركيبه مفرغاً من الشحنة الأيديولوجية ومن نبض الحياة.‏
و"الانتظام ليس وقفة زمنية في هذا النهر، ولا يمكن أن يكون كذلك، إلا من موقع التخيل والتجريد، من مسافة زمنية تغيب عملية التخريب الجزئي ولا تسقطها أو تلغيها الوقفة الزمنية بهذا المعنى، ليست وقفة بل نظرة مصوبة نحو ما يميز المرحلي في الزمن"(14) .‏
ولكن غريماس) ينكر أيضاً أن تكون مرجعية النص خارجه.‏

"يرى غريماس أن أيديولوجية النص لا تكمن في مرجعيته وإنما في طاقته على تغيير الدلالات الأصلية المشحونة فيه"(15) .‏
فالنص بالنسبة له حلقة ذات عناصر متحركة، متغيرة، ومن ثم جعل العلامية sémiotique) تعتمد على قاعدتين:‏
أ-الدلالة الأصولية.‏
ب-النحو الأصولي المتفرع إلى علم الصرف وعلم التركيب من ذلك يتضح أن "غريماس" لا ينكر حضور البعد الأيديولوجي ولكنه يجعله داخلياً يخضع لحركة التشكيل الداخلية النامية مع صيرورة العمل الأدبي في تدرجها نحو الاكتمال.‏
وهو يفسر ذلك الحضور من خلال قوله بالدلالات النووية المتضادة أو المتناقضة غير أنه بتجريدها في المربع العلامي، جعلها تفقد الخصوصيات الاجتماعية والتاريخية.‏
ويمكن أن تؤخذ أية مجموعة أخرى من المتضادات والمتناقضات لتصب في هذا المربع العلامي، دون أن يدلنا المربع نفسه على خصوصيات أمة ما أو حضارة ما.‏
علماً بأن اللغة ومنها الدلالات النووية ليست خارج الزمن، وما كان من المتناقضات أو المضادات في حضارة ما وفي حقبة زمنية ما، قد لا يبقى كذلك في حقب أخرى وهكذا.‏
"إن علاقة التاريخ باللغة والتاريخ بالشعب، تتحدد بكون اللغة تعكس الصفة النوعية لتاريخ الشعب، ومن هنا فإن وجود عدد وافر من مفردات عربية في اللغة الإيرانية الراهنة يمكن تفسيره على أساس التأثير العميق الذي مارسه الإسلام والثقافة العربية"(16) .‏
والأمر لا يتعلق بالمفردات فقط سواء أتعلق بما يوجد في اللغة الفارسية أم ما يوجد في اللغة الاسبانية، وإنما يتعدى ذلك إلى البنية الصوتية وكل ما يميز لغة عن أخرى.‏
"هكذا يمكن القول أننا في حقل المفردات كما في حقل الصوتيات نواجه القاعدة نفسها، وهي أن بعض الحالات قد تكشف لنا عن علاقة لا شك فيها بالوقائع والأحداث الخارجية للتاريخ، غير أنه في حالات أخرى تبدو المتغيرات في معجم المفردات رهينة العوامل والمؤثرات الداخلية وحدها"(17) .‏
وما دام الموضوع يرتبط بالقول الأدبي بوصفه خطاباً مكتوباً، وهو بعكس الخطاب الشفهي لا يستعمل الإشارات المساعدة، ولا يشترك المرسل والمرسل إليه في وضعية واحدة، ولا يستطيعان أن يتبادلا الأدوار بحيث يصبح المرسل إليه مرسلاً بكسر السين) والعكس، ولا يتحققان من أثر الخطاب فوراً، فإن الخطاب المكتوب ملزم بتعويض هذه الروافد التي يمتاز بها الخطاب الشفهي، وذلك بتوفير الوسائل اللغوية والأدبية الكفيلة بإيصال الرسالة في شيء من الانسجام وبالقدرة على توقع مواقف وردود فعل المتلقي.‏
ولذلك فإن الكاتب أو المؤلف ينتج عمله في ظرف غير الظرف الذي سيقرأ فيه هذا العمل من قبل شخص آخر. إن وضعية الإنتاج تختلف عن وضعية التلقي. الكاتب ليس متأكداً من طبيعة التلقي ومدى صحته، كما أن القارئ ليس متأكداً من نوايا الكاتب ومقاصده.‏
"الرسالة المكتوبة إذن، لا تعمل سوى أن تضع علاقة بين حالتي ارتياب وعدم تأكد: حالة الكاتب تجاه سلوك قارئة وردود فعله، وحالة القارئ تجاه نوايا الكاتب ومقاصده"(18) .‏
وهذا يؤكد حقيقة سبقت الإشارة إليها، ولا بأس من العودة إليها، لأنها ميزة أصيلة في العمل الأدبي. وهي تتمثل في أن الكاتب/ المبدع مطالب بأن تكون له قدرات خارقة وغير عادية تمكنه من إعادة تشكيل اللغة ليعلو عن المستهلك منها، ويتجاوز التركيب إلى الصياغة والتعبير.‏
"يتميز القول الأدبي ابتداء من عملية التركيب/ الصياغة، أو التركيب العبارة. وربما أمكن القول أن القول الأدبي هو الذي يمعن في الصياغة ليخلق التعبير، وهو الذي بالتالي، يبتعد عن التركيب، وهو، حين يمعن في الصياغة، يمعن أيضاً في الأيديولوجية، ويبالغ في حرف الكلام، في انزياحه، باحثاً عن الواقع"(19) .‏
وإذن هناك دور حاسم لذاتية المبدع وقدرته على الصياغة، والتعبير أسلوب يميزه، لأن الاكتفاء بتكرار اللغة المستهلكة لا يسمح بالارتقاء إلى مستوى الإبداع.‏
"اللغة تعمل وكأنها سلبية، كأنها الحد البدئي للممكن. أما الأسلوب فهو ضرورة تربط مزاج الكاتب بلغته. هناك يجد ألفة التاريخ وهنا في الأسلوب يلتقي ألفة ماضيه الخاص"(20) .‏
يتبين في ضوء هذه النصوص التي تعمدنا إيرادها متتالية، أن العمل الأدبي لا يلتقي فيه الشكل والمضمون على أساس مفتعل مصنوع، لأنهما يخضعان لعملية تشكيل داخلية.‏
والعلاقة بينهما ليست ولادة مسبقة، بل تتم تدريجياً لحظة الكتابة.‏
وما دام الشكل جزءاً من ذات الكاتب ورؤياه، فلا يصح أن ينظر إليه من زاوية تبعيته للمضمون، ولا يمكن الاكتفاء بالقول:‏
"إن الشكل في الحقيقة ليس إلا تعبيراً عن حالة توازن في داخل الشيء بين عناصره المتفاعلة"(21) .‏
ذلك لأن الكتابة لحظة تمتزج فيها الذات بالموضوع، لحظة تأخذ فيها الذات صفة الموضوعية، ويأخذ فيها الموضوع صفة الذات، فهي ملتقى اللغة والأيديولوجيا.‏
"فالكتابة تضفي الموضوعية على "الأنا" تدرجها في سياق التاريخ وتقدم لنا التاريخ "مُذوَّتا" والذات موَّضعَّةً. من هنا تغدو الكتابة عند بارت ملتقى اللغة والأيديولوجيا للذات المشتهية وللتاريخ الموضوعي"(22) .‏
غير أن الكتابة وإن هي اشتركت في خصائص، إلا أنها تتمايز فيما بينها. ولا يمكن للقارئ /الناقد أن يتناول النصوص المكتوبة اعتماداً على نفس المقاييس وبنفس الأدوات.‏
ويرى "جيرارفينيي" أن النصوص تتميز كالتالي:‏
"-نصوص يغلب عليها الطابع القصصي ومنها التحقيقات والروايات والذكريات والعروض..‏
-نصوص يغلب عليها الطابع الوصفي ومنها: ما يقتطف من الروايات والذكريات والتحقيقات وعروض الأحوال والدروس..‏
-نصوص يغلب عليها الطابع التعبيري ومنها الشعر والروايات والمسرحيات والأشرطة المصورة والرسائل الشخصية.‏
-نصوص منطقية استدلالية ومنها: النصوص العلمية والدروس والافتتاحيات والمحاولات والتقارير والرسائل المهنية.."(23) .‏
ومن البديهي أن القصة تندرج ضمن النصوص التي يغلب عليها الطابع القصصي، ومن المعروف أيضاً أن صاحب الريادة في تحليل هذا النوع من النصوص أو في نوع معين منها على الأصح هو "فلاد يمير بروب"، الذي توصل -اعتماداً على منهجية الشكلاني- إلى تحديد إحدى وثلاثين وظيفة.‏
ويعكس القول منذ البدء أن هذا الباحث قد خطا بالتحليل النقدي الأدبي خطوة كبيرة، أفاد منها اللاحقون كثيراً في مراجعة المنطلقات النقدية، والتدرج نحو بلورة رؤية نقدية تعيد إلى النص الأدبي أدبيته، وتنبه القارئ/ الناقد إلى التسلح بأدوات متطورة وإلى ضرورة نبذ التفسير الآلي والتبسيطية والابتذال. فبفضل جهود "بروب" ترسخت القناعة بأن النص بنية منسجمة، تتآلف عناصرها فيما بينها، ولا بد من معالجته على أنه وحدة واحدة لا تتجزأ إلا ليعاد تركيبها.‏
وتأكد أن الخطاب القصصي مرتبط ببنية أخرى ضمنية ثابتة ومحدودة، وأنه يمكن تركيب عدد غير محدود من النصوص القصصية بالاعتماد على مثال يوظف في استعمالات مختلفة.‏
وإن كان يعاب عليه أنه اقتصر على صنف قصصي معين، وبالتالي فإن النتائج التي توصل إليها قد لا يصلح تعميمها على كل ما يغلب عليه طابع قصصي. وإن الوظائف التي حددها تسير في اتجاه واحد، نحو نهاية غائبة، ثم إن في عمله اغفالاً لإحدى الخصائص الأساسية في النص القصصي والمتمثلة في البعد الذاتي والمحيط التاريخي والفكري والأدبي، لأن النص ليس وليد العدم بقدر ما هو حصيلة تراكمات نصية سابقة.‏
ولا شك أن نقاداً وباحثين من أمثال جينات وغريماس وغيرهما، قد استفادوا من جهود "بروب" إلى حد كبير.‏
1-الحكاية: ويقصد بها مجموعة الأحداث التي تجري في إطار زماني ومكاني معين.‏
2-السرد: وهو العملية التي يقوم بها السارد أو الراوي أو الحاكي، وتنتج عنها الحكاية والخطاب القصصي معا.‏
3-الخطاب القصصي: وهو النظام الاصطلاحي الذي يسمح بالتعبير، ويخول للسارد أن يورد حكايته.‏

هناك حقائق يؤكدها بعض الباحثين*)، وهي تتصل بطبيعة الواقع المتعدد المتنوع، والذي يسمح برؤية مجموعة من الأشياء والمناظر دفعة واحدة في لحظة زمنية واحدة وتتصل بطبيعة اللغة ذات البعد الأحادي الخطي، مما استدعى ضرورة ابتكار أبنية تحقق المعية، وابتكار حيل التتابع والتكرار. لأن أحادية البعد الزمني وخطيته لا ينبغي أن توهم بإمكانية التطابق السهل بينه وبين اللغة.‏
فما أكثر ما تكون المدة المعبر عنها في الخطاب أطول في الواقع، وما أكثر ما يكون الحدث الوارد في الخطاب قد تم بحركة أسرع من حركة الجملة.‏
فالزمن ليس واحداً في كل الأحوال والمستويات.‏
هناك زمن الحكاية أصلاً، حيث تخضع مجريات الأحداث لترتيب خاص، وقد تخضع لترتيب آخر في الخطاب القصصي وهو زمن الخطاب أو النص، ويمكن إضافة زمن ثالث يتعلق بالموقع الزمني للسارد بالنسبة للزمنين الَّلذين سبق ذكرهما.‏
وإذا لم يحافظ النص على الترتيب الزمني للحكاية كما في الأصل، فإن ذلك يؤدي إلى نوعين من التنافر الزمني:‏
أحدهما يحدث بفعل الإشارة إلى حدث لم يأت أوانه بعد، والثاني يحدث بسبب العودة إلى حدث سبق ذكره بغرض المقارنة أو الدعوة إلى تأويل جديد لبعض عناصر الحكاية، وقد اصطلح على تسمية النوع الأول السوابق والنوع الثاني اللواحق.‏
وفي علاقة الحدث بالرواية تظهر عدة مستويات، لا بد من أخذها في الحسبان عند تحليل النص القصصي.‏
ذلك لأن حدثاً واحداً قد يأتي مساوياً لرواية واحدة، وقد تتعدد الأحداث وتتعدد معها الروايات، وقد يروى الحدث الواحد أكثر من مرة تكراراً، وقد يروى مرة واحدة ما يحدث أكثر من مرة.‏

وللديمومة ظلها على النص ووظيفتها أيضاً، إذ قد تلخص فترة زمنية طويلة في جملة وأسطر قليلة فيكون- عندئذ- زمن النص أصغر من زمن الحكاية. والوصف قد يمثل حالة توقف، وتأمل لها وظيفتها الذاتية أو الموضوعية، مندرجة في السياق الزمني لأحداث الحكاية، أو خارجة عن إطارها في حالة ثبات. وقد يسقط الزمن نهائياً، إما لأنه ثانوي بالقياس إلى النتائج المنشودة، أو لأنه معروف ولا حاجة إلى ذكره، أو لإضفاء هالة أسطورية وتوفير بُعْدٍ جمالي وهو ما يعرف بالإضمار.‏
وللسرد القصصي زمنه ومستوياته ووظائفه.‏
أ-زمن السرد:‏
1-السرد التابع: وهو الذي يتعلق بذكر أحداث مضت قبل زمن السرد.‏
2-السرد المتقدم: وهو النوع الذي يستشرف ما سيأتي لاحقاً، يقوم بوظيفة استطلاعية.‏
3-السرد الآني: يكون معاصراً لزمن الحكاية، وقد يقتصر على سرد الحوادث، أو يختفي الحدث ليحل محله الحوار الداخلي.‏
4-السرد المدرج: وهو الذي يتدخل بين فترات الحكاية فيكون أكثر تعقيداً.‏
ب- مستويات السرد:‏
المستوى الأول، الابتدائي ويتمثل في كتابة قصة، ويتمثل المستوى الثاني في أن تروى حكاية داخل القصة.‏
ج-وظائفه:‏
العلاقة بين السرد من الدرجة الأولى والسرد من الدرجة الثانية، إما أن تؤدي وظيفة تفسيرية. بحيث تتضح حالة أو وضعية سابقة من خلال ما يسرد لاحقاً في استمرارية زمانية ومكانية.‏
وإما أن تبنى العلاقة على التباين أو المجانسة دون استمرارية مكانية - زمانية وتحضر هذه العلاقة في نص قصصي بغرض التوضيح والمقارنة والتشويق.‏

وأما السارد فإما أن يكون غريباً عن الحكاية، أو أن يكون متضمناً فيها، ويترتب على ذلك وضعيتان:‏
*وضعية يكون فيها الراوي بطل سرده.‏
*وضعية يلعب فيها دور الملاحظ أو المشاهد.‏
وتحدد وظائف السارد كالتالي:‏
-سرد الحكاية يقتضي وجوده أصلاً.‏
-التنسيق وظيفة ضرورية يقتضيها التنافر بالتقديم والتأخير والإدراج والربط بين المقطوعات القصصية والأحداث ومستلزمات الوصف وغيرها..‏
-الابلاغ: لأن النص القصصي من حيث هو رسالة مكتوبة يقتضي مرسلاً ومرسلا إليه وعملية إيصال.‏
-وظيفة انتباهية: قد تأتي عبارات محددة على لسان السارد وغرضها لفت الانتباه.‏
-وظيفة استشهادية: وتتم عندما يلجأ السارد إلى إثبات المراجع أو المصادر التي استقى منها معلوماته أو الأحداث التي هو بصدد الحديث عنها.‏
-وظيفة أيديولوجية أو تعليقية: والمقصود بها أن أن يستطرد السارد إلى تقديم تفسير ما أو تأويل يراه ضرورياً لمزيد من الإيضاح.‏
-وظيفة افهامية أو تأثرية: وهي تتجسد في محاولة اقناع المتلقي بمضمون الرسالة والسعي من أجل التأثير عليه لحمله على تبنيها والعمل لها "وتبرز هذه الوظيفة خاصة في الأدب الملتزم أوالروايات العاطفية"(24) .‏
-وظيفة انطباعية أو تعبيرية: وغالباً ما تتجسد هذه الوظيفة في أدب السيرة الذاتية والشعر الغزلي.‏
وإنه وإن كان هذا التصنيف قد اقتضته المنهجية المعتمدة في التحليل، إلا أنه يصعب الفصل - في تقديرنا- بين الوظيفة الأيديولوجية والوظيفة الافهامية التأثيرية.‏
ذلك لأن الأعمال المعتمدة على التحليل النفسي والتي جعلت نموذجاً للوظيفة الأيديولوجية، على أساس أنها تتطلب خطاباً تفسيرياً أو تأويلياً، لا تختلف بحكم هذه الوظيفة ذاتها عن أعمال توصف بأنها من الأدب الملتزم.‏
وربما كان مفهوم الالتزام، أيضاً صادراً عن تمييز خاطئ بين أدب ملتزم وآخر غير ملتزم، سواء كما فهمه "جون بول سارتر" وعرضه في كتابه ما الأدب؟)، أو كما أملاه وجود اتجاهين: رأسمالي واشتراكي، فإذا كانت الدلالة الاجتماعية هي الداعية إلى هذا التمييز أو الفصل، فإنه غير صحيح. لأن كل نص سيكون ملتزماً بتقديم مضمون ما، أو دلالة معينة، إنما الاختلاف يكمن في نوع هذا الالتزام وطبيعته.‏
"إن كل أدب هو- بالمعنى العام- أدب ملتزم، أي أدب معبر عن دلالة مؤثرة. وليس هناك أدب ملتزم وأدب غير ملتزم ..) ولكن تختلف معاني الالتزام وأبعاده باختلاف مضمون الأدب ودلالته المؤثرة"(25) .‏
ولقد أضاف "غريماس" أن النص القصصي عبارة عن مقطوعات قصصية، وأنه من الضروري أن ينطلق الباحث المحلل من هذه المقطوعات، وكل مقطوعة تتميز بأحداثها وبلغتها، وتقوم على مقياسين:‏
1-مجموعة متكاملة من الأحداث.‏
2-الأسلوب أو التعبير.‏
وعنده أن الملفوظات القصصية أنواع هي: البسيط والصيغي والوصفي والاسنادي.‏
ومما تقدم يمكن أن نخلص إلى الاستنتاجات التالية:‏
-النص الأدبي يتعامل مع اللغة بطريقة غير عادية ويجعل الأشياء المألوفة تبدو وكأنها غير مألوفة، الأمر الذي يميزه عن الكلام العادي وعن غيره من النشاطات.‏
-أدبية الأدب لا ينبغي أن تكون مدعاة لإلغاء المحيط التاريخي والاجتماعي والأيديولوجي، الذي يحضر في النص بصفة أو بأخرى.‏
-هذا البعد الواقعي- بدوره- لا يصح أن يصبح مبرراً لقراءة النص بمرجعه.‏
-النص القصصي- وإن هو انتمى إلى الحقل الأدبي - إلا أن له مميزاته الخاصة وقوانينه التي يمكن اكتشافها والتنظير لها.‏
-لكل واقع قصصي ثلاثة أبعاد هي: الحكاية والسرد والنص أو الخطاب.‏
-للحكاية زمنها وللنص القصصي زمنه، كما قد يكون للسارد زمنه أيضاً، وهذه الأزمنة تتداخل تقديماً وتأخيراً واندماجاً، ولكن في استطاعة الباحث القدير أن يفرز تشابكها ويحدد طبيعة كل منها.‏
-للسرد زمنه ومستوياته ووظائفه.‏
وإذا كان للقصصية تميزها داخل الحقل الأدبي، فإن للقصصية -أيضاً- حقولها الفرعية ولذلك لا بد من أن تؤخذ هذه الأدوات النقدية المبتكرة سواء لدى "جينات" أو "غريماس" أو"بروب" قبلهما بشيء من الحيطة والاحتراز حتى لا تطبق تعسفا على كل النصوص التي يغلب عليها الطابع القصصي بنفس القولبة.‏
وما عرض في الصفحات السابقة من آراء الباحثين الثلاثة، قد ورد مفصلاً ومبسطاً في مرجع سبقت الإحالة إليه وهو مدخل إلى نظرية القصة) الذي أخذنا منه أكثر من غيره.‏
(1) -العيد يمنى): الدلالة الاجتماعية لحركة الأدب الرومنطقي في لبنان بين الحربين العالميتين -دار الفارابي- بيروت 1979 ص68.‏
(2) -العالم محمود أمين): ملاحظات حول نظرية الأدب وعلاقتها بالثورة الاجتماعية -وزارة التعليم العالي- الشركة الوطنية "الشعب الصحافة"، ص21.‏
(3) -بيلينسكي فيساربون غريغوريفتش): نصوص مختارة. ترجمة يوسف حلاق- منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي- دمشق 1980 ص48.‏
(4) -بليخانوف جورج): الفن والتطور المادي للتاريخ- ترجمة جورج طرابيشي- دار الطليعة- بيروت ط1 -نوفمبر 1977، ص41.‏
(5) -فيشر أرنست): ضرورة الفن -ترجمة ميشال سليمان- دار الحقيقة- بيروت 1965-، ص16.‏
(6) -العيد يمنى): في معرفة النص- منشورات دار الآفاق الجديدة- ط1-1983-ص18.‏
(7) -بارت رولان): درجة الصفر للكتابة- ترجمة محمد برادة- الشركة المغربية للناشرين المتحدين- دار الطليعة- بيروت -ط1 أكتوبر 1981.‏
(8) -تشيرنشفكي ن،غ): علاقات الفن الجمالية بالواقع- ترجمة يوسف حلاق- منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق 1983 ص125.‏
(9) - دراج فيصل): الأدب والأيديولوجيا -مجلة الطريق- العدد 5- تشرين الأول- اكتوبر 1979-ص45.‏
(10) -المرجع السابق ص45.‏
(11) -البنيوية التكوينية والنقد الأدبي -مراجعة الترجمة- محمد سبيلا- مؤسسة الأبحاث العربية- ط1-1984-ص عن مقال: "البنيوية التكوينية ولوسيان غولدمان لـ بون باسكاري" ترجمة: محمد سبيلا، ص43.‏
(12) -المرجع السابق: ص48.‏
(13) -مروة حسين): دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي- دار الفارابي- بيروت- لبنان- ط2- 1967- ص299.‏
(14) -العيد يمنى): في معرفة النص- ص66.‏
(15) -مرزوقي سمير)، شاكر جميل): مدخل إلى نظرية القصة- الدار التونسية للنشر- ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر -ص118.‏
(16) -دراسات لغوية في ضوء الماركسية -ترجمة "ميشال عاصي"- دار ابن خلدون- ط1- 1979-ص10.‏
(17) -نفسه: ص27.‏
(18) -Vigner Gerar) - Didactique des langues étrangéres (1) lire= du texte au sens, éléments pour un apprentissage et une enseignemenl de la lecture.‏
collection dirigée par Robert Galisson 1979- p12.‏
(19) -العيد يمني): في معرفة النص ص75.‏
(20) -بارت رولان): درجة الصفر للكتابة -ص35.‏
(21) -العالم محمود أمين): الثقافة والثورة -دار الآداب- بيروت ط1- اكتوبر 1970- ص326.‏
(22) -بارت رولان) درجة الصفر الكتابة- ص9.‏
(23) -Vigner Gerard) lirerd= du rexte au sens- page‏
*) -راجع Kerloc,k Jean pierre) Bourrelier Armand- Colin) La reconstitution du texte methode structurale- imprimerie Nouvelle orléans- 2e- édition- 1980.‏
(24) -مرزوقي سمير):[شاكر جميل)] مدخل إلى نظرية القصة - ص110.‏
(25) -العالم محمود أمين) ملاحظات حول نظرية الأدب وعلاقتها بالثورة الاجتماعية- ص20.‏
داليا الهواري
21-03-2007, 01:36 AM
الفصل الثاني القصة القصيرة في الجزائر نشأتها وتطورها)
كلما أراد الباحث أن يخوض في البحث عن أصول الفن القصصي ومنه القصة القصيرة، يصطدم بعقبة تحيلهُ إلى عقبات، وقد يخرج في نهاية المطاف بنتائج لا تقنع الجميع.
فالبحث في هذه الأصول، غالباً ما يتجه نحو التركيز على ظاهرة القص التي هي ظاهرة بارزة في هذا الفن.
ذلك ما يفسر ظاهرة العودة إلى العصور القديمة لتقصي جذور هذا الفن في النوادر والملاحم والقصص الشعبي وأحاديث السمر والمغازى والكتب السماوية، وخاصة التوراة والانجيل والقرآن.
وإذا كان البحث مشوبا بشيء من الذاتية، ونفخ فيه الباحث من روحه السياسي/ الايديولوجي، وربما العرقي، فإن الأصل سينسب إلى أمهٍ محددة.
فما أكثر النشاطات الإنسانية التي حصرتها المركزية الأوربية في أوروبا، وما أكثر النشاطات التي حصرت في الشرق برد فعل المركزية الشرقية.
ولا تخلو البحوث العربية من محاولات كثيرة لتلمس جذور القصصية في الأدب شعراً ونثراً.
ولقد كان للعرب- حقاً- نوادرهم- وأساطيرهم ومغازيهم وقصصهم وجاء القصص القرآني ليؤكد رسوخ القص ويزيده تنشيطاً.
ولم يكتف العرب المسلمون بما هو متوارث لديهم من انتاجهم، بل نشطت حركة الترجمة مع ظهور التدوين واهتموا بنقل القصص الهندي والفارسي. وظهر في ظل الدولة العربية الإسلامية من الأعمال القصصية، ما كان له تأثير واسع عميق في الكتابة الأدبية في العالم وعلى مر العصور.
ولكن هناك من يريد أن يكون أكثر صراحة وحسماً في نسبة النشأة الأولى للقصة القصية إلى أرض العرب فيقول:
"والغريب في الأمر أنه بينما تستمد القصة القصيرة العربية- بشكل عام- والسورية- بشكل خاص- أصولها وملامحها من القصة الأجنبية، التي رسخ دعائمها كل من ألن بو، غوغول، موباسان وتشيخوف) فإن أول ميلاد للأدب القصصي في العالم كان من أرض العرب"(1) .
ويضيف الباحث نفسه في موضع آخر محدداً:
"إن نوادر جحا كانت إذن البدايات الحقيقية لفن القصة القصيرة"(2) .
وإذا كانت Nouvilia) الايطالية وNouvellen) الألمانية وNews) الانجليزية، كلها تعني الأخبار الحديثة التي لم يمر عليها زمن طويل، وإذا كانت Nouvelle) الفرنسية تعني القصة، والمصطلحات: كلمة حكاية العربية)، وكلمة Conte) الفرنسية، وكلمة) Tale الانجليزية تعني جميعها سرد مغامرات لا تستند على الواقع الحياتي للإنسان، وإنما على الخيال والأساطير وتهدف إلى التسلية"(3) "فإن الذي نخلص إليه هو أن مصطلح القصة القصيرة، نقل عن المصطلح الانجليزي Short Story)، وعن المصطلح الفرنسي) Nouvelle) وهما- في رأينا- اسمان لمصطلح واحد ومدلول واحد"(4) .
ويذكر أن بدايات القصة القصيرة من حيث الحجم لا من حيث الشكل الفني المكتمل في تاريخ الآداب الغربية، كانت قد ظهرت.
"في القرن الرابع عشر في روما داخل حجرة فسيحة من حجرات قصر الفاتيكان، كانوا يطلقون عليها اسم "مصنع الأكاذيب" اعتاد أن يتردد عليها في المساء نفر من سكرتيري البابا وأصدقائهم للهو والتسلية وتبادل الأخبار.. وفي مصنع الأكاذيب هذا كانت تخترع أو تقص كثير من النوادر الطريفة عن رجال ونساء ايطاليا بل وعن البابا نفسه مما دعا الكثيرين من الأهالي إلى التردد على هذه الندوات حتى لا يهزأ بهم في غيبتهم"(5) .
ويرى البعض أن ظهور شكل القصة القصيرة، بدأ بعدة محاولات، و"يرجع إلى العصور الوسطى حيث ظهرت محاولات لأشخاص أمثال "بوتشيو" في "الفاشيتيا" و"بوكاشيو" في "قصص الديكاميرون" وتشوسر" في "حكايات كانتربرى"(6) .
وهكذا استمر فن القصة القصيرة في التطور إلى أن اكتمل نضجه على أيدي الرواد المعروفين.
"ادجار الان بو في أمريكا سنة 1809 إلى سنة 1849م) وجي دي موباسان في فرنسا من سنة 1850 إلى سنة 1893م) وانطوان تشيكوف في روسيا من سنة 1860 إلى سنة 1904م)(7) .
وفي الواقع لا يخلو تراث أي أمة من الظاهرة القصصية، ولا يقتصر وجودها على الكتب المقدسة، وإنما توجد في معظم الأشكال الأدبية "رسمية" و"شعبية" فإذا اتخذت القصصية في ذاتها مقياسا للتدليل على نشأة القصة القصيرة أوالرواية في هذا الأدب أو ذاك، فإن كل عرق سيجد ضالته في تراثه.
ولذلك فإن المنطق المعقول يقتضي أن تكون فترة النضج واكتمال الشكل الفني هي بداية التأريخ الحقيقي.
وهذا لا يتناقض مع أن كاتباً ما يتمكن في لحظة معينة، وبفضل عوامل مختلفة أن يعصر التراكمات السابقة من الثقافة والمعرفة الأدبية فينشيء نموذجاً جديداً، ويأخذ مواصفاته من كل ما سبق ليختلف عن كل ما سبق.

وإذا ما تأملنا الفنون الأدبية المختلفة فسنجدها -تخضع جميعها إلى هذه القاعدة.
وبالنسبة للقصة القصيرة بالذات يجمع أغلب الدارسين والنقاد على أن نشأتها، كانت في القرن التاسع عشر على يد الأمريكي "ادجار ألان بو"، ثم ساعد حجمها واحتضان الصحافة لها على أن تنتشر في سائر أنحاء العالم بسرعة قلما توفرت للأشكال الفنية، خاصة أن الموضوعات سريعة التطور بحكم التأثير التاريخي المباشر فيها، بعكس الأشكال التي يعرف عنها أنها بطيئة التطور ميالة إلى المحافظة.
ولنا في الشعر العربي العمودي مثال واضح يؤكد هذه الظاهرة، إذ استمر يعانق مستجدات الحياة ويحتضن مايطرحه الواقع المتطور فترة طويلة من الزمن قبل أن تصبح الحاجة إلى ابتكار شكل شعري جديد أمراً ملحاً.
وللنقد دور كبير في هذا البطء. فلعل "الخليل بن أحمد الفاراهيدي "لما أحصى البحور والأوزان التي سار عليها الشعر العربي حتى عهده، وما كان يقصد أن يجعلها قوانين أبدية، تصلح لكل زمان ومكان. لكن الذين رسخوا هذا الاعتقاد هم أولئك الذين اتكأوا على عمله وجعلوا منه قواعد نهائية.
انطلق "ادجار ألان بو" في تعريفه القصة القصيرة من وحدة الانطباع، ومن أنها تقرأ في جلسة واحدة. ورأى "سومرست موم" أنها قطعة من الخيال وركز "فورستر" على الحكاية، واعتمد "موزلي" على عدد الكلمات.
وقال "هيدسون" أن ما يجعل عمل الفنان قصة قصيرة هو الوحدة الفنية. "ويرى" شكري عياد" أنها تسرد أحداثاً وقعت حسب تتابعها الزمني مع وجود العلية"(8) .
بينما يلتقي الناقد الارلندي فرانك أكونور Frank acoonor) مع "حسن اليافي" في جعلها أشبه بالقصيدة الشعرية من حيث "التغني بالأفكار والوعي الحاد بالتفرد الإنساني"(9) .
وإذا نحن أمعنا النظر قليلاً في كل هذه التعريفات، فإننا سنجد كلاً منها يستند إلى واحدة أو أكثر من خصائص القصة القصيرة، ليستنتج منها تعريفاً شاملاً. فوحدة الانطباع أو القصر المعبر عنه بعدد الكلمات أو بالقراءة في جلسةٍ واحدة، أو الحكي أو الشاعرية كلها مميزات لا تخلو منها القصة القصيرة.
فإذا كان لا بد للتعريف من أن يتأسس على الخصائص، فالأجدر أن يكون جامعاً.
لأن وحدة الانطباع في حد ذاتها مسألة نسبية، قد لا تختص بها القصة القصيرة وحدها.
فهي أثر تتركه النادرة والنكتة والخاطرة والقصيدة الشعرية ولم لا تتركه الرواية أيضاً في ذهن قارئ يستوعب النص ويتمكن من تحريكه في رحابة ذهنية طيعة؟
وعدد الكلمات قضية جزئية بالقياس إلى البنية الفنية، وقد نصادف أعمالاً في حجم القصة القصيرة من حيث عدد الألفاظ، وربما تنسب إلى الرواية أسبق من القصة.
لا شك أن التركيز والتكثيف يمكنان من القبض على لحظة حياتية عابرة، ولا يسمحان بتسرب الجزئيات والتفاصيل، ويحتم هذا الموقف على الكاتب أن يستغني عن كل ما يمكنه الاستغناء عنه من الألفاظ والعبارات، وكل ما من شأنه أن يثقل النسيج القصصي ويبدو حشواً يرهل النص ويضعف أثره الجمالي.
أما كونها قطعة من الخيال، فذلك أمر بديهي. إلا أن الأكثر بداهة هو ألا يكون عنصر الخيال خاصية في القصة القصيرة دون غيرها.
إذ الخيال قوام كل عمل أدبي ناجح، وفي غيابه لا معنى للحديث عن أدب. هكذا يتبين أن الاعتماد على خاصية واحدة لتعريف القصة القصيرة- ولو أن الخاصية أبرز من غيرها- يظل يشوبه النقص ولا يفي بالغرض المنشود. ولعل الباحث المغربي "أحمد المديني "قد شعر بقصور كل واحد من التعريفات السابقة مأخوذة على حدة، فقال موفقاً بينها جميعاً:
"وبالاجمال نستطيع القول، أن القصة القصيرة تتناول قطعا عرضياً من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفاً تستشف أغوارهما، تاركة أثراً واحداً وانطباعاً محدداً في نفس القارئ وهذا بنوع من التركيز والاقتصاد في التعبير وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد فيها الوحدة الفنية شرطاً لا محيد عنه، كما أن الأقصوصة تبلغ درجة من القدرة على الإيحاء والتغلغل في وجدان القارئ كلما حومت بالقرب من الرؤية الشعرية"(10) .
هذه الخصائص توجد في معظم الكتب التي تعرضت لبحث موضوع القصة القصيرة وسنعتمد فيما يلي على ثلاث عينات، من الكتب لـ "المعاصرة" في محاولة للإحاطة بما تتفق وتختلف فيه حول مميزات هذا الفن. وهي:
1-التطور الفني لشكل القصة القصيرة في الأدب الشامي الحديث لنعيم اليافي.
2-فن القصة القصيرة بالمغرب، لأحمد المديني.
3-القصة الجزائرية القصيرة، لـ "عبد الله ركيبي".
هذا الترتيب المقصود، يبين مواطن الاتفاق والاختلاف في تحديد ما يسميه "نعيم اليافي" معالم القصة القصيرة، ويدرجه "أحمد المديني" في تطور بنائها، بينما يتعرض له عبد الله الركيبي على أنه يشكل "سمات" القصة القصيرة.
وفي بعض الحالات تتكرر بعض "المعالم" بدون مبرر، فالذي يسميه "نعيم اليافي" وحدة الانطباع، يكون بالنسبة للمتلقي، أو بتعبير آخر، أنتج هذا المصطلح انطلاقاً من الأثر الذي تتركه القراءة في ذهن القارئ. لكن وحدة الانفعال تكون بالنسبة للمنتج نفسه، خاصة وأن هذا المعلم هو الذي يجعل القصة القصيرة قريبة من القصيدة الشعرية ولا نجد فرقاً بين ما يسميه التوازن بين العناصر وبين التناسب أو التوقيت. لأنه، إذا كان النسيج القصصي متماسكاً مبنياً بنجاح، فإن العناصر المكونة له لا بد أن تستقر في حالة ما، لا بد أن تتزامن.
ولا يمكن الفصل بين ائتلاف العناصر المادية/ اللغة، واللحظة الزمنية التي يتحقق فيها ذلك الائتلاف.
كما يصعب التسليم بما يذهب إليه "أحمد المديني" من أن الحكاية تلغى ويفقد المعنى. ولا فرق بين اختلال تسلسل الوحدات وبين تداخل الأزمنة. ولا مبرر لأن تورد كل واحدة منهما مستقلة عن الأخرى، لأن الاختلاف هو ذاته التنافر الزمني.
هذا الذي نميل إلى تسميته بالأدوات الفنية، يستخدم بتفاوت بين الكتاب، وبتفاوت أيضاً لدى الكاتب الواحد، من عمل إلى آخر.
وليس المطلوب من كاتب القصة القصيرة أن يستخدم كل هذه الأدوات في أي عمل يقدم عليه، وإنما يكفي أن يفهم طبيعة هذا الفن ومميزاته من حيث البناء، ثم يكفيه أن يحتال "فنياً" بواسطة التنافر الزمني أو أن يجعل التداعي ركيزة أساسية أو الرمز أو الشاعرية أو الحكاية ذاتها.
لا خلاف في أن من أوتي القدرة على أن يوفر لعمله أكبر حظ من هذه التقنيات، سيكون عمله أغنى وأكثر خصوبة، على ألا يتم ذلك بفعل الصنعة والتلفيق.
ولقد شهدت الساحة الأدبية العربية محاولات كثيرة أرادت أن تمتطي موجة الشعر "الحر"- وهو شعر التفعيلة على الأصح- فعمدت إلى رصف الكلمات والأشطر لإدعاء الشاعرية والتجاوز، بينما لم تكن في واقع الأمر سوى أصوات متطفلة لا علاقة لها بالإبداع. فلا غرابة أن توجد الظاهرة نفسها في أوساط من يتهافتون على كتابة القصة القصيرة.
أسباب تأخر ظهورها:
أ- تأخر ظهورها في المشرق العربي:
من المسلم به اليوم، كما كان دائماً، أن العلاقة بين المشرق والمغرب العربيين لم تنقطع أبداً منذ الفتوحات الإسلامية.
وإذا لم يقتصر التأثر والتأثير على المجال الأدبي فلعله في هذا المجال والمجال الديني أقوى وأعمق.
ولذلك فإن تأخر ظهور القصة القصيرة في المغرب العربي عامة وفي الجزائر بصفة خاصة، يعود أيضاً إلى تأخر ظهورها في المشرق العربي.
ففي المشرق العربي برزت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر مظاهر التأثير الأجنبي الغربي، حيث لعبت الكنيسة الأرثوذوكسية دوراً كبيراً في حركة التبشير عن طريق البعثات.
وتأسست الإرسالية الأمريكية سنة 1886، قبل أن تتحول فيما بعد إلى ماعرف بالجامعة الأمريكية في لبنان.
في هذه المرحلة التاريخية كانت منطقة الشام تتأهب للدخول في عصر جديد، فأخذت الطبقة الإقطاعية تضعف تدريجياً وتفقد مواقعها أمام النمو المتزايد للطبقة الوسطى المتعطشة إلى الاستفادة من منجزات الغرب، في كل الميادين، ومنها الميدان الثقافي والأدبي.
فسارعت إلى إنشاء الصحف وبناء المدارس والاهتمام بالكتاب طبعاً ونشراً و توزيعاً، ليس لأغراض علمية ومعرفية محضة، ولكن -أيضاً- لأنها أصبحت تجارة رائجة مربحة.
ولقد لعب النصارى المسيحيون دوراً مهماً في تعميق الاحتكاك بين العرب وغيرهم، خاصة وأنهم كانوا في الغالب يحسنون أكثر من لغة.
ويورد الدكتور "نعيم اليافي" أن من مميزات الصحافة في الشام، أنها اهتمت بالأدب منذ انطلاقتها بخلاف الصحافة المصرية التي ركزت على الناحية العملية والعلمية.
وبالرغم من أن ترجمة القصة القصيرة قد أخذت مسار ذا اتجاهات ثلاثة:
الأول باتجاه الترجمة عن اللغة الفرنسية. والثاني: باتجاه الترجمة عن اللغة الإنكليزية منذ نهاية القرن التاسع عشر، من خلال جهود "نسيب شعلاني" في مجلات الضياء فتاة الشرق، المورد الصافي).
والثالث باتجاه الترجمة عن اللغة الروسية من خلال "خليل بيدس" في مجلة "النفائس العصرية".
إلا أن البدايات لم تكن مبكرة لأنه:
ومنذ سنة 1870 وهي السنة التي صدرت فيها "الجنان" وجدنا أن أول قصة قصيرة مترجمة عن الأجنبية كانت عن الفرنسية وتكاد المجلة تتجه هذا الاتجاه الفرنسي الخالص، فقد ترجمت أكثر من ثلاث عشرة قصة قصيرة عن الفرنسية طول فترة صدورها، وعندما احتجبت كان علينا أن ننتظر حتى نهاية القرن لنرى مجلة أخرى كالضياء تفرد للترجمة عن الفرنسية صدرها وإنما ترحب بها جنباً إلى جنب مع القصص المترجمة عن بقية اللغات"(11) .
فإذا كانت هذه هي حال المشرق العربي في اتصاله بفن القصة القصيرة، وهو الذي كان سباقاً، فكيف بالمغرب العربي، وخاصة الجزائر التي أراد الاستعمار الفرنسي أن يجعل منها جزيرة معزولة عن العالم العربي؟.
ب- سيطرة الفكر السلفي:
أشرنا في موضع سابق أوباختصار شديد، إلى أن سيطرة الفكر السلفي لا يصح النظر إليها من زاوية واحدة ولو اختلفت الظروف.
ذلك لأن الفكر السلفي في فترة البعث والإحياء، كان يشكل درعاً يتصدى به "الأهالي" للغزو الثقافي الاستعماري الذي اشتدت موجاته في القرن التاسع عشر.
والفكر السلفي الذي كان يتغذى من الكتاتيب والمساجد والزوايا، وكان يلعب دوراً مزدوجاً، فهو يعود إلى الماضي ويتمسك به ليتحصن ضد الثقافة الاستعمارية الدخيلة، خاصة وأن هذه الثقافة قد عمدت في كثير من الأحيان إلى محاربة الدين الإسلامي عن طريق الحملات التبشيرية، مما يجعل رد فعل السكان المحليين عنيفاً.
إن العودة إلى التراث كانت عند بعضهم ملجأ يهربون إليه إذا ماضاقت بهم السبل وكانت عند بعضهم الآخر سلاحاً يشهر في وجه العدو، هذا العدو الذي يسعى إلى طمس هوية الشعب المغلوب.
ثم إن هذه المحافظة نفسها، على التراث والثقافة القديمة، تعني المحافظة على مراكز اجتماعية معينة. إذا لم يكن الاهتمام بالكتاتيب والمساجد والزوايا خاصة، اهتماماً مجانياً أو خالصاً للعلم والمعرفة بالنسبة لجميع المهتمين، بل كانت تدر على القائمين عليها كثيراً من الهدايا والأموال والصدقات والأوقاف.
والفئة التي جعلت الثقافة تلعب هذا الدور الأخير، حرصت - فيما بعد- على مايضمن لها مركزها الاجتماعي، وهو عدم المساس بالمستعمر مادام هو لا يمس مصالحها.
لقد عقدت شبه هدنة بين الغالب والمغلوب، وهو مايفسر تعامل كثيرين منهم مع الاستعمار.
وكان ينمو في أحشاء هذا الاتجاه، اتجاه آخر اصطلاحي جنيني، نابع من التفاوت الطبقي والظلم الاجتماعي، وكان يعبر عن آمال الفئات المتوسطة والفقيرة، وينادي بالرجوع إلى أصول الإسلام الصافية.
فأنصار هذا الاتجاه أصبحوا يدركون بأن العقيدة الدينية، طغت عليها العادات، وأثقلتها الخرافات، وحان الوقت ليقلع الناس عن الجهل الذي كاد أن يؤدي بهم إلى عبادة "أولياء" من دون الله، ولا منقذ لهم إلا العودة إلى أصول الدين ومنابعه الصحيحة.
هذا الاصلاح الجنيني كان رائده، الشيخ "محمد طفيش" الذي ولد عام 1818 وتوفي 1914.
وظهرت ثمرة جهوده في أنه خلف مجموعة من التلاميذ بقوا أوفياء له، ومن أبرزهم "إبراهيم بيوض" والشاعر "أبو اليقظان" اللذان شاركا في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
إلا أن الاتجاه السلفي مهما تمايز، بقي في المجال الأدبي يعزف على نفس الوتر التقليدي.
لذلك جعلوا الشعر يحتل الصدارة في اهتماماتهم الأدبية والنقدية معتمدين على مقاييس قديمة لا إبداع فيها سوى مايتعلق بالموضوعات الجديدة التي فرضها واقع القرن العشرين ومتطلباته حركة التحرر الوطنية، وما تستلزمه الروح الإصلاحية في توظيفها الأدب لخدمة أهدافها.
أما ماعدا ذلك فلا يعدو أن يكون اجتراراً للأحكام اللغوية الجاهزة والنظرة التجزيئية والاحتفال الزائد بالوزن والقافية واتخاذ الماضي مقياساً في كل شيء. وإن دعا "رمضان حمود" ثم "أحمد رضا حوحو" بعده إلى التجريد، أو عبر كل منهما عن ضيقه من القيود إلا أن دعوتهما لم يكن لها صدى وضاعت في زحمة التيار السلفي المتشدد وفرعه الإصلاحي الذي لم يكن اهتمامه بالأدب إلا من حيث هو وسيلة للإيقاظ وشحذ الهمم قبل كونه متعة وجمالاً.
ج- التخلف الثقافي العام:
لم يكن في صالح الاستعمار أن يشجع على الثقافة والعلم، بل كان حريصاً على بقاء الأمية وانتشار الجهل.
وبمحاربته اللغة العربية، حارب آدابها، ليس فقط طمعاً في أن يحل اللغة الفرنسية محلها ولكن -وهذا أهم- لأن اللغة العربية وماترفده لصيقة بالدين الإسلامي، وتشكل ركيزة أساسية في هوية الشعب الجزائري. وإذا ماعمد المستعمِرون بكسر الميم) إلى العناية بالتعليم، فما ذلك إلا بهدف تكوين الموالين له من المتعلمين والمثقفين وإيهامهم بإمكانية ادماجهم في المجتمع الفرنسي وهويته، وهي إمكانية لم يؤمن بها الاستعمار ولم يصدقها يوماً، وكان من أسباب نجاحه أنه وجد من يصدقها ويتبعها. ولعل الاتجاه الاندماجي أن يكون من أبرز النتائج التي حققتها "المركزية الأوروبية" لأن أنصار هذا الاتجاه عبروا عملياً عن انبهارهم ببريق الحضارة الأجنبية الوافدة إلى حد الدعوة إلى القطيعة مع الموروث ومع الماضي.
واقتنعوا فعلاً بأن الخلاص لا يتم إلا بنبذ القديم والتعلق بالجديد الآتي من وراء البحر.
وكان هؤلاء محل سخرية عند المحافظين، لا يرون فيهم سوى مقلدين ممسوخين، وتبنيهم الثقافة الأجنبية بديلاً عن الثقافة المحلية/ الوطنية وزواجهم من نساء أجنبيات لا يعدو أن يكون من باب تقليد المغلوب للغالب.
وقد سخر "أحمد رضا حوحو" في بعض كتاباته من الزواج بالأجنبيات، كما نظم الشاعر الأمين العمودي أبياتاً تلخص "نظرة المحافظين" وموقفهم من ظاهرة الزواج هذه فقال في الدكتور "سعدان" الذي كانت زوجته فرنسية وكان له معها طفل يسمى صالحاً:
حي الطبيب لا تمهل قرينته
فهو سليمان ، والمادام بلقيس

له غلام أطال الله مدته
تنازعت العرب فيه والفرنسيس

لا تعذلوه إن خان ملته
فنصفه "صالح" والنصف "موريس")

ولا نجد أحسن تعبيراً وأدقه عن الوضع الثقافي المتخلف، ما كتبه "جون بول سارتر"، إذ يقول:
"أردنا أن نجعل من إخواننا المسلمين، شعباً من الأميين. ويبلغ عدد الجزائريين الأمين 80%. وقد كان الأمر يهون لو أننا لم نحرم عليهم استعمال لغتنا.. ولكن متطلبات النظم الاستعمارية أن يحاول سد طريق التاريخ على المستعمرين.
ولما كانت المطالب القومية في أوروبا تعتمد دائماً على وحدة اللغة، فقد حرم على المسلمين استعمال لغتهم بالذات.
إن اللغة العربية تعتبر في الجزائر لغة أجنبية منذ عام 1830 إنهم مايزالون يتحدثون بها. ولكنها كفت عن أن تكون لغة مكتوبة إلا بالقوة لا بالفعل، وليس هذا كل شيء.
فإن الإدارة الفرنسية قد صادرت دين العرب لكي تبقيهم في التجزئة والتفتت وهي تختار رجال الدين الإسلامي من بين عملائها، وقد حافظت على أحط أنواع الخرافات التي تفرق بين الناس ....).
إنها تحرصُ على عدم انتشار الثقافة وتحافظ على معتقدات الإقطاع...".(12)
هذه صورة حية بشهادة مثقف وفيلسوف كبير من جنسية فرنسية وأصل فرنسي، تؤكد أن السيطرة الاستعمارية كانت عاملاً قوياً -إن لم يكن الأقوى- في انتشار الأمية والجهل، وعقبة أولى في طريق التقدم الثقافي والعلمي.
د- ضعف النقد والترجمة:
لم تعرف الساحة الأدبية في الجزائر خلال النصف الأول من هذا القرن حركة نقدية جديرة بهذه التسمية.
ويعود ذلك إلى جملة من العوامل لعل من أهمها:
القمع الاستعماري وسيادة الاتجاه التقليدي، يضاف إلى ذلك أن المتنورين أنفسهم من المثقفين سواء بالعربية أو بالفرنسية انصب اهتمامهم على المجال السياسي قبل غيره.
وإن الاتجاه التقليدي نفسه لم يرث قدراً كافياً من التراث العربي القديم في الأدب والنقد بسبب العداء وانتهاج سياسة الإقصاء التي مورست ضد اللغة العربية من قبل الأتراك والفرنسيين معاً.
والصحافة الوطنية لم تلعب دوراً مشجعاً -بما فيه الكفاية- للأدب والنقد، ورغم أن ظهورها كان مبكراً نسبياً ظهرت الصحافة المكتوبة بالفرنسية منذ الاحتلال وظهرت الصحافة المكتوبة بالعربية وذات التوجه الكولونيالي سنة 1847، وهي جريدة المبشر).
أما بالنسبة لحركة النشر، فزيادة على كونها ضعيفة، قد اهتمت بنشر الكتيبات الدينية وطبع جرائد ومجلات الحركة الإصلاحية بالدرجة الأولى.
ويبدو أن الموقف من الاستعمار قد فصل بشكل واضح بين المثقفين بالعربية والمثقفين بالفرنسية، وكانت الفئة الأولى في الغالب الأعم ممن لا يعرفون غير العربية، الأمر الذي لم يمكنهم من الاستفادة من النقد الأدبي الفرنسي.
"وتجسد النقد في جرائد جمعية العلماء المسلمين من خلال مجموعة من النُقَّاد الإصلاحيين وفي مقدمتهم الشيخ البشير الإبراهيمي وعبد الوهاب بن منصور، وأحمد بن ذياب وحمزة بكوشة وعبد الرحمن رحماني ومحمد الجيجلي، ومحمد الكبوش وأحمد رضا حوحو وغيرهم... غير أن هؤلاء ركزوا جهودهم على المقال الأدبي الذي كان له طابع سياسي إصلاحي ديني ورأوا أن الفن يتجدد عندهم باللغة والأسلوب، والفكر يتجدد بالإسلام وعلوم الدين والثقافة- بالتراث والقومية بالعروبة".(13)
ولم يعن الجزائريون بالترجمة أيضاً ، لا لأنهم ورثوا تقليدياً اعتداداً زائداً بأدبهم العربي وبالشعر منه خاصة، بل -أيضاً- لأنهم كانوا يعملون لأجل القطيعة مع كل ماهو فرنسي.
هكذا لم نشهد حركة تتجه نحو الترجمة عن اللغات الأجنبية، كما رأينا في منطقة الشام منذ نهاية القرن الماضي، وحتى ماترجم في هذه المنطقة أو في غيرها من البلدان العربية، لم يكن يصل إلى الجزائر بفعل الحصار الذي ضربه الاستعمار على البلاد.
نظراً لهذه الأسباب وغيرها مما لم نذكره إن وجدت، تأخر ظهور القصة القصيرة.
ولأنها فنٌ جديد تقتضي نشأتها - فضلاً عن تطورها وازدهارها- محيطاً جديداً اجتماعياً وثقافياً، فلا غرو أن تنمو نمواً بطيئاً متأرجحة بين القصصية والمقال الإصلاحي تارة وبين القصة والصورة القصصية تارة أخرى، قبل أن تطالها رياح التجديد.
نتعرض فيما يلي إلى ما نعتبره من أهم العوامل التي ساعدت على نشأة القصة القصيرة وتطورها، قبل الاستقلال.
والفصل بين هذه العوامل ليس سوى طريقة تقتضيها ضرورة الترتيب المنهجي لأنها في جوهرها مترابطة متشابكة يحدث فيها من التأثر والتأثير المتبادلين مايصعب معه القول بأسبقية هذا العامل أو ذاك.
ولكن يبدو لنا أن الحركة الوطنية، كانت عاملاً وكانت في الوقت نفسه الإطار العام الذي انصهرت فيه بقية العوامل وتمحورت حوله.
داليا الهواري
21-03-2007, 01:38 AM
- الحركة الوطنية:
منذ عشرينيات هذا القرن أخذت الحركة الوطنية في التبلور والنضج فأخذت تخطو نحو التنظيم، وظهرت الأحزاب بدءاً "بنجم شمال افريقيا" الذي أنشئ في 1926، ثم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، ثم الحزب الشيوعي سنة 1936 ثم حزب الشعب سنة 1937، وكان امتداداً جديداً لنجم شمال افريقيا وتحول إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946، ثم أحباب البيان والحرية سنة 1944، الذي أصبح الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري سنة 1945.
وبغض النظر عن النشاط السياسي الذي هو المجال الأول لهذه الأحزاب، إلا أن الوجه السياسي كان يخفي وراءه أبعاداً ثقافية وحضارية عميقة، أو يمكن القول إن الظاهرة الفكرية والثقافية، حكمت الظروف أن تتجلى في البعد السياسي.
ونرى من الأفيد أن نورد جرداً لأهم المحطات التاريخية التي مرت بها الحركة الوطنية، والتي لا نشك أنها كانت العصب الرئيس لسائر النشاطات:
ولو أنها تبدو مقحمة بسبب أن الموضوع هو القصة القصيرة.
1907- 1908 - إنشاء الفيدرالية الجزائرية للحزب الاشتراكي.
1910- اضراب عمال الميناء في سكيكدة وعنابه. وقد نظم المضربون موكباً يتقدمه علم آخر وبه نجمة وهلال.
1914: - قصف البواخر الحربية الألمانية لموانئ سكيكدة.
- انتفاضة بني شقران.
1916:- في بداية هذا القرن العشرين، سنشهد أشكالاً جديدة من المقاومة ضد الاستعمار. وتتمثل في تطور ما يشبه حرب العصابات. من ذلك ماقام به "بوزيان القلعي" في غرب البلاد و"ابن زلماط في الأوراس.
- انعقاد مؤتمر رابطة حقوق الإنسان في باريس. حيث برز مبدأ "حق الشعوب في تقرير مصيرها".
1917:- قيام الثورة الاشتراكية في روسيا بقيادة لينين، وتأسيس أول دول عمالية في تاريخ الإنسانية.
- انتفاضة شعبية في الأوراس.
1919:- أول بيان شيوعي يتعلق بالاستعمار يؤكد على أن كل حزب ينتمي إلى الأممية الثالثة من واجبه أن يفضح وبدون شفقة ممارسات الامبرياليين في المستعمرات، ويدعم فعلاً لا قولاً فقط، كل حركة تحرر في المستعمرات ويشترط إبعاد المستعمرين الامبرياليين.
1925:- إنشاء الفيدرالية الجزائرية للحزب الشيوعي الفرنسي.
1926:- إنشاء نجم شمال افريقيا في فرنسا. والذي كان رئيسه الأول شيوعياً وهو:
- "حاج علي عبد القادر" و"رئيسه الشرفي "الأمير خالد".
1927 أكتوبر):- الرابطة المعادية للامبريالية تبعث ثمانين ممثلاً إلى روسيا، بمناسبة الاحتفال بذكرى الثورة الاشتراكية، وكان من بينهم "الأمير خالد".
- إنشاء جمعية الطلبة المسلمين لشمال افريقيا في باريس.
1929:- حل نجم شمال افريقيا، بحجة المساس بأمن التراب الوطني.
1930:-أول تصادف مع ذكرى الاحتفال بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر.
منشورات سرية وزعت بالفرنسية وبالعربية تدعو إلى فضح هذه الخدعة وإلى استنهاض الشعوب المستعمرة لتتحرر.
- تنظيم مؤتمر العمال العرب بحضور ثمانين مندوباً من بينهم تسعة وستون من الجزائريين. صادق المؤتمر على بيان يدعو هذا المؤتمر أيضاً على لائحة تطالب باستقلال الجزائر.
1913:- تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
1933:- تأسيس الحزب الوطني الثوري بإيعاز من الأممية الشيوعية. وكانت مهمته الرئيسة هي تحرير الجزائر وشمال افريقيا من نير الاستعمار الفرنسي.
1934:- نجم شمال افريقيا يقرر تغيير تسميته لتصبح "نجم شمال افريقيا الغراء".
1936:- ظهور الجبهة الشعبية في فرنسا، وتكثيف النشاط السياسي والنقابي في الجزائر.
- الشيوعيون وفيدرالية المنتخبين وجمعية العلماء يعقدون المؤتمر الإسلامي الجزائري بهدف تنشيط العمل الوحدوي.
1936 14 جويلية):- نجم شمال افريقيا يشارك مع الجبهة الشعبية في فرنسا باريس) بأربعين ألف مواطن من شمال افريقيا تحت شعار "حرروا شمال افريقيا" "حرروا سوريا" "حرروا العالم العربي".
17 أكتوبر):- المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الجزائري.
1937:- حل نجم شمال افريقيا.
11 مارس): تأسيس حزب الشعب الجزائري.
1938:- فرحات عباس ينشئ الاتحاد الشعبي الجزائري).
1939:- إنشاء الكشافة الإسلامية الجزائرية.
سبتمبر) بداية الحرب العالمية الثانية.
29 سبتمبر):- قرار حل الحزب الشيوعي الفرنسي، والحزب الشيوعي الجزائري وحزب الشعب الجزائري.
1940 16 أفريل):- وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس.
30 جويلية):- وفاة "قدور بلقايم" السكرتير الأول للحزب الشيوعي الجزائري في سجن "سركاجي".
19428 نوفمبر): نزول الحلفاء بشواطئ شمال افريقيا.
1943 6 جويلية): يسمح للنقابات باستئناف نشاطاتها.
15 أوت):- استئناف الحزب الشيوعي الجزائري نشاطه بصفة شرعية.
1944 14 مارس): - ميلاد "حزب أحباب البيان والحرية".
1945 8 ماي):- المظاهرات الشعبية العارمة والتي راح ضحيتها : 45000.
24 أكتوبر): - انطلاق حملة الحزب الشيوعي الهادفة إلى إطلاق سراح المعتقلين في أحداث 8 ماي، والتضامن مع الضحايا.
-"ايناش عمر" أحد قدماء نجم شمال افريقيا ينشئ حزب الوحدة المغربية.
- تأسيس الجمعية النسوية.
ديسمبر): - إنشاء المنظمة السرية أو الخاصة التابعة لحركة انتصار الحريات الديمقراطية.
19485جانفي):- ميلاد لجنة تحرير المغرب العربي.
1950 أفريل):- الحزب الشيوعي الجزائري يقترح على حركة انتصار الحريات الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، إنشاء اتحاد د القمع والمؤامرة الاستعمارية.
11 و12 نوفمبر): دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري تنادي بضرورة تكثيف الجهود لإنشاء جبهة وطنية ديمقراطية من أجل الاستقلال الوطني والسلم.
1951:- إنشاء الجبهة الوطنية من أجل الدفاع عن الحريات واحترامها مابين حركة انتصار الحريات الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري والحزب الشيوعي الجزائري وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
1952 21،22،23):- المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الجزائري يصدر اللائحة النهائية تدعو إلى:
- النضال من أجل الاستقلال الوطني والخبز والسلم والأرض.
- من أجل انتخاب جمعية وطنية ذات سيادة، منتخبة من طرف كل الجزائريين، هذه الجمعية تعمل على إقامة الجمهورية الديمقراطية الجزائرية.
1953 أفريل):- المؤتمر الثاني لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، يوصي بإنشاء مركزية نقابية جزائرية.
- أول نوفمبر، نداء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لخلق جبهة وطنية ديمقراطية.
- ديسمبر، نداء اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية من أجل مؤتمر وطني جزائري.
1954 23 مارس):- ميلاد اللجنة الثورية للوحدة والعمل، بهدف إعلان الكفاح المسلح.
1954 جوان):- إنشاء الاتحاد الوطني للنقابات الجزائرية U G S A).
10 أكتوبر) ميلاد جبهة التحرير الوطني F L N).
1954 أول نوفمبر):- تصريح جبهة التحرير الوطني وإعلان الكفاح المسلح.
- تصريح المكتب السياسي للحزب الشيوعي الجزائري، نشر في جريدة "الجزائر الجمهورية" في اثنين نوفمبر.
5 نوفمبر):- حل حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
- مصالي الحاج يؤسس الحركة الوطنية الجزائرية المناوئة لجبهة التحرير الوطني M N A).
1955 ماي):- مضاعفة العمل المسلح في كل أنحاء البلاد.
20 جوان):- دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري في باب الواد، تدعم الكفاح المسلح بالمشاركة الواسعة وإنشاء المنظمة السرية المسماة "المكافحون من أجل الحرية".
Les combattans de la liberation).
5 جويلية):- إضراب وطني تنظمه جبهة التحرير الوطني.
30 جويلية):- آلاف الجزائريين يتظاهرون في فرنسا.
13 سبتمبر):- حل الحزب الشيوعي الجزائري من طرف الحكومة.
20 سبتمبر):- إضراب التجار الجزائريين بمناسبة انعقاد دورة الأمم المتحدة.
26 سبتمبر):- تصريح واحد وستين من المنتخبين المسلمين المتضمن رفض الإدماج.
30 سبتمبر):- الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة تسجل القضية الجزائرية في جداول أعمالها.
1956 16 فبراير):- إنشاء اتحاد نقابات العمال الجزائريين U S T A) المرتبط بالحركة الوطنية الجزائرية M N A).
24 فبراير):- تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين المرتبط بجبهة التحرير.
نهاية أفريل):- محادثات بين جبهة التحرير الوطني والحزب الشيوعي الجزائري لتوحيد الكفاح، بعدما كان المرشح الشيوعي قد هرب من صفوف الجيش الفرنسي بشاحنة محملة بالأسلحة. المرشح هو "هنري مايو") Hanri Maout) التقى كل من "عبان رمضان ويوسف بن خدة" ممثلين عن جبهة التحرير، و"بشير حاج علي والصادق حجرس"، ممثلين عن الحزب الشيوعي.
19 ماي):- الطلبة والثانويون يعلنون الإضراب لتلتحق أعداد كبيرة منهم بالجبل.
19 جوان): تنفيذ حكم الإعدام الأول في كل من "زبانة وفراج".
26 جوان): - البترول يظهر في "حاسي مسعود".
01 جويلية):- الاتفاق بين الحزب الشيوعي وجبهة التحرير ينتهي إلى إدماج المكافحين من أجل الحرية.
Les combattans de la liberation) في جيش التحرير الوطني دون التخلي عن مثلهم وقناعتهم السياسية.
1956:- رسائل الحزب الشيوعي إلى جبهة التحرير بشأن احترام الاتفاق المبرم بينهما.
5 جويلية):- اضراب عام في الجزائر بمناسبة ذكرى الاستيلاء عليها.
20 أوت):- مؤتمر الصومال وصدور وثيقته.
22 أكتوبر):- تحويل الطائرة التي كانت تنقل الوفد الجزائري بوضياف ورفقائه).
1957 23 جانفي، 4 فبراير):- إضراب عام دعت إليه جبهة التحرير، ومعركة الجزائر حتى أوت وسبتمبر.
12 فبراير):- إعدام ثلاثة مواطنين، هم: قدوري ولخاش وفرنان أفتون.
30 مارس):- اليوم العالمي للتضامن مع الجزائر.
20 - 28 أوت):- أول مؤتمر للمجلس الوطني للثورة الجزائرية C N R A).
10 ديسمبر):- الأمم المتحدة تعترف ضمنياً بجبهة التحرير ممثلاً.
1958
28 جانفي):- حل الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين U G E MA).
22 أوت):- حل الودادية العامة للعمال الجزائريين A G T A).
24-25 أوت):- عمليات مسلحة يقوم بها الجزائريون في فرنسا.
19 سبتمبر):- تكوين الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية GPRA)
1959 27-30 أوت):- جولة "ذي جول" Degaulle).
31 أكتوبر):- الاتحاد السوفيتي يؤكد تقرير مصير الجزائر.
16 ديسمبر):- اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية في طرابلس، هواري بومدين يعين قائداً لأركان جيش التحرير الوطني.
1960 13 فبراير):- انفجار أول قنبلة ذرية فرنسية في "رقان".
3-5 مارس):- جولة جديدة يقوم بها "دي جول" في الجزائر.
23-24):- عدة عمليات يقوم بها المغتربون الجزائريون في فرنسا.
9-13 ديسمبر):- حضور "دي جول" إلى الجزائر، مئات الآلاف من الجزائريين يتظاهرون من أجل الاستقلال ويعلنون تأييدهم للحكومة المؤقتة.
1960:- دورة الأمم المتحدة تصادق على لائحة افريقية/ أسيوية تعترف للشعب الجزائري بحقه في الاستقلال. موافقة الاتحاد السوفياتي وامتناع أمريكا.
196117 فبراير): لقاء النقابات الجزائرية والنقابات الفرنسية في جينيف.
30 مارس):- موافقة الحكومة المؤقتة على فتح مفاوضات إيفيان.
مارس- أفريل)- تصاعد عمليات المنظمة السرية OAS).
أفريل):- المحاولة الانقلابية التي قادها الجنرالات شال، سالان...).
20 ماي- 13 جوان):- ندوة إيفيان الأولى بين جبهة التحرير وفرنسا.
1 جويلية):- إضرابات ومظاهرات الجزائريين.
17 أكتوبر):- مظاهرات الجزائريين في باريس. تواجه بقمع دموي كبير.
20 ديسمبر):- الأمم المتحدة تطالب بفتح المفاوضات بين فرنسا وجبهة التحرير.
1962:- ندوة إيفيان الثانية.
19 مارس):- وقف إطلاق النار في الجزائر.
مارس- أفريل- ماي):- تصاعد العمل الإرهابي للمنظمة السريةOAS).
1 جويلية):- استفتاء تقرير المصير في الجزائر، اختيار الاستقلال تم بنسبة 72، 99/3جويلية)- استقلال الجزائر.
5 جويلية):- الاحتفال بعيد الاستقلال.
8 أكتوبر):- الجزائر تصبح عضواً في الأمم المتحدة.
2- دور الصحافة:
عندما أشرنا سابقاً إلى أن الصحافة لم تعر اهتماماً كبيراً للأدب، وأعطت الأولوية للإصلاح والسياسة، فذلك لا ينفي أنها احتضنت المحاولات الأدبية الأولى، لأن الأدب كغيره من النشاطات كان ينظر إليه بوصفه.
وسيلة تخدم القضية الوطنية ويجب أن يوظف لهذه الغرض.

وبدا لنا -مع ذلك- أن العناية بالأدب فضلاً عن فنيته لم تكن كافية نظراً لظهور الصحافة العربية في الجزائر مبكراً.
فجريدة "المبشر" كانت ثالث جريدة معربة على مستوى العالم بعد "التنبيه" و"الوقائع" المصريتين، إذ صدرت عام 1847.(14)
وازدهر النشاط الصحفي منذ العشرينيات على وجه الخصوص، بفضل نضج الحركة الوطنية، وتعدد الأحزاب.
ويمكن أن تقرر -مع الدكتور "عبدالملك مرتاض"، الذي أفرد فصلاً مفيداً للصحافة العربية في الجزائر في كتابه نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر).
إن من يدرس النهضة الأدبية والثقافية، بوجه عام، المعاصرة في الجزائر، لن يجد محيصاً من أن يقرر بأن الصحافة العربية كانت ذات أثر بعيد على إذكاء النهضة الأدبية في الجزائر وإغنائها).(15)
وبعدما رأينا اهتمام الصحافة الشامية بالأدب، وترجمة القصة القصيرة بالذات، لم نر مايماثل ذلك المسعى بالنسبة للصحافة العربية في الجزائر، بعكس "القريبة منا والتي عنيت صحيفتها "الرائد" بنقل قصة عن الإسبانية وأخرى عن الإيطالية في سنة 1862، وازداد الاهتمام بالمسائل الثقافية مع تأسيس جريدة "الحاضرة" سنة 1888.
وتلتها مجلة "السعادة العظمى" سنة 1904، ثم مجلة "خير الدين" سنة 1906.
كما اهتمت المجلتان اللتان ركزتا على الأدب بالتعمق والاتجاه إلى طرح القضايا الأدبية ومناقشتها وقد قادت "السعادة العظمى "أول ثورة على الشعر، وجاءتنا بمفهوم "الشعر العصري" بينما أقدمت "خير الدين" على تبني نشر أول قصة تونسية".(16)

إن غلبة النزعة الإصلاحية باتجاهها التقليدي في الأدب، قد أعاقت نمو حركة أدبية عصرية، في الوقت الذي اعتنت بالأدب في حدود توظيفه من أجل تحقيق الأهداف السياسية.
فهي بذلك قد لعبت دوراً مزدوجاً لا يخلو من تناقض، ويشير الأعوج واسيني إلى هذه الفكرة نفسها فيقول: وإذن فمن المؤكد أن الصحف التي ظهرت في هذه الفترات كان لها الأثر الكبير، بشكل ما على قيام النهضة الفكرية وترعرعها، هذا بالإضافة إلى الصحف التي ظهرت فيما بعد وكان بعضها مقتصراً على جوانب دينية إصلاحية بحتة، أعاقت تطور المجال الإبداعي، أو على الأقل حصرته، وحدده في الشعر، مثل الشهاب والبصائر الأولى والثانية)(17) .
3- دور المقالة:
من المعروف أن المقالة -بحكم حجمها وقدرتها على احتضان موضوعات اجتماعية وسياسية- كانت سلاحاً قوياً في أيدي المثقفين عامة والمصلحين بصفة خاصة.
وهي من المرونة بحيث تسمح لكاتبها أن يحاصر موضوعه اليوم ليعالج موضوعاً آخر غداً، وفي ذلك فرصة فريدة لمواكبة الأحداث المتسارعة للنظر فيها وتحليلها وبالتالي مساعدة المتلقي من خلالها.
وهي بالنسبة للقارئ شكل غير متعب، تقرأ في جلسة واحدة أو هو متنقل راكباً، ففيها بالنسبة له -فرصة لمتابعة المستجدات فضلاً عن كونها محل ثقة لا تعوض، بحكم كونها معربة.
ولاشك أنها -بالإضافة إلى كل ذلك- ساحة يتمرن فيها الناشئون على الكتابة.
فلا غرو أن نجد هذا اللون الأدبي قد طغى على سائر الألوان الأخرى، في الصحافة الجزائرية العربية. وهي الصحافة التي لم ينشئها أصحابها من أجل المتعة والترف الذهني، ولكن لخدمة أهداف محددة واضحة.
ولقد وجدوا في الطابع القصصي، مايطعم كتاباتهم ويغذيها حتى لا تأتي ثقيلة مملة، فعمدوا إلى المزج بين المقال والقصة، وكأنهم في ذلك يؤكدون تواصلهم مع الأسلاف الذين ابتكروا هذه الأساليب ووظفوها قصداً، كما في استطرادات الجاحظ وفي فلسفة "حي بن يقظان" المتأدبة، وفي "تداعياتالحيوانات على الإنسان" لإخوان الصفا وغيرها من الأعمال الخالدة في الأدب العربي.
4- التأثير المشرقي:
يمكن القول أنه بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الأدب العربي يتوفر على رصيد مهم من الكتابات القصصية القصيرة والطويلة، بفعل تعمق الاحتكاك بالغرب وامتزاج الثقافات ونشاط الترجمة وتعلم العرب لغات أجنبية كثيرة ومختلفة.
وفي الوقت الذي كان فيه الاستعمار الفرنسي يمارس على الجزائر سياسة الحصار والعزلة، لم يقف الجزائريون مكتوفي الأيدي، بل ابتكروا أساليب مختلفة للمقاومة واسترجاع الذات الضائعة. ولم يكن لديهم أفضل من التوجه نحو المشرق العربي، فتم التواصل بطرق شتى:
منها رحلات المشارقة إلى الجزائر مثل "محمد عبده" و"أحمد شوقي" ورحلات الشخصيات الجزائرية إلى المشرق ومنهم "حمدان الونيسي" و"ابن باديس والبشير الإبراهيمي والورتلاني وأحمد رضا حوحو وغيرهم..."...
ومنها تبادل الوفود كرحلة "جورج أبيض" إلى الجزائر عام 1921، وفرقة "عز الدين" المصرية عام 1922، والفرقة المصرية للتمثيل الموسيقي والوفد الصحفي المصري.
ومنها تبادل الكتابات بين المشارقة والمغاربة، بحكم الأيام التي جمعت بينهم سواء على مقاعد الدراسة، أو من أجل التخطيط للنهضة الإصلاحية.
ومنها أن الجزائريين نشروا كتاباتهم في الصحف العربية المشرقية، وأن من المشارقة من أعيد نشر كتاباتهم في صحف جزائرية، وغيرها من الوسائل التي يهتدي إليها أهل المقاومة، كلما حاول المستعمر أن يضيق عليهم الخناق.
ويؤكد الدكتور "عبد الملك مرتاض" ظاهرة التفاعل بين الجزائر وبلدان المشرق العربي في المجال الثقافي والأدبي فيقول:
وإذا كان المشارقة بحكم ظروف تاريخية .....) استطاعوا أن يكونوا سباقين إلى الاغتراف من ينبوع الثقافة العربية التراثية، وحتى الثقافة الغربية العصرية، فإن المغاربة ومنهم الجزائريون، كانوا أول الأمر في موقف الآخذ من الثقافة العربية المشرقية، فعلى الرغم من وجود كثير من الذين كانوا يتقنون العربية إلى جانب الفرنسية من الجزائريين، فإنهم كانوا شديدي الحذر من الاغتراف من الثقافة الغربية، فكانوا يلتمسون متاعهم الروحي في الأدب العربي المشرقي على الرغم من أنه لا يعدو أن يكون قد استمد إما من التراث العربي القديم، أو التراث الغربي الحديث".(18)
على أن هناك من لا يكتفي بالعوامل التي أوردناها، فيضيف الحافز الفني، ويرجع الفضل إلى جيل الشباب الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانوا يتميزون بروح جديدة سئمت قيود الماضي والمحافظة المتشددة.
ومن هؤلاء من سموا أنفسهم أخوان الصفا) ومن بينهم أحمد رضا حوحو وعبد الرحمن شيبان..
وفي اختيار التسمية وحده، دلالة على التشبه بتلك الحركة التمردية التي عرفها القرن الرابع الهجري/ العباسي، وانطبع تمردهم بسلوك طريق العلم والمعرفة والأدب، في تنظيم حافظ على سرية تامة من أجل التغيير الطويل المدى.
وقد أوضح الدكتور "عبد الله ركيبي" أنه كان للقصص الشعبي دور مؤثرٌ أيضاً.
فالواقع الجزائري الذي كان يموج بتداول السير الشعبية وقصص البطولات والقصص الدينية والخرافات والسحر والأمثال -وهي من ألصق بالواقع اليومي للمواطن- جعل من هذه الأشكال التعبيرية- على مر الزمن واشتداد التحدي الاستعماري وتصاعد موجات الغزو الثقافي- فسحة للتنفيس وأداة للتعويض وسنداً لإثبات الذات وتأكيد حضور الهوية.
وبما أن الطابع القصصي ظاهرة تغلب عليها أشكال التعبير في الأدب الشعبي - بما فيه الشعر الملحون الذي كثيراً ماتأتي قصائده مطعمة بنسيج قصصي له بداية ووسط ونهاية- فإن الأدب الشعبي- دون شك- خلفية ثقافية تمارس تأثيرها في الكتابة الثقافية.

ومما يلفت الانتباه إلى أن الذهنية الشعبية كانت مولعة بالقص، حتى أنها تضفي القصصية أحياناً، على أدوات جامدة لتجسيد علاقة اجتماعية معينة.
ومن ذلك، وضعهم علاقة تشابه بين "القايد" والدف، حيث وجه الشبه بينهما الحجم وفخامة الصوت، وترجموا صوته على أنه يردد "الدراهم، الدراهم، الدراهم...".
وعلاقة تشابه ثانية بين شكل الناي وصوته الضعيف وبين الفلاح الفقير والذي يردد قائلاً: "منين، منين، منين...".
وعلاقة تشابه ثالثة بين الطبل وبين الجابي الذي يرافق "القايد"، عادة، والذي يقول: "دبر، دبر، دبر..".
قد لا يظهر التأثير والتأثر بين الأدب الشعبي والكتابة الأدبية بصفة مباشرة، لكن خفاء الشيء لا يعني انعدامه.
قد لا يظهر بسبب مايوجد من تمايز بين العامية والفصحى. نقول التمايز حتى لا نقول الهوة، لأن العامية في الجزائر تضيق الحدود بينها وبين الفصحى، ولعل ذلك ماشجع "البشير الإبراهيمي" -وهو المختص المتضلع في أسرار اللغة العربية- أن يفرد لهذا الموضوع بحثاً مخطوطاً بعنوان:"بقايا فصيح العربية في اللهجة العامية بالجزائر".
وفي الوقت الذي نستغرب فيه أن يكون ازدراء اللون الأدبي القصصي، من أسرار تأخر ظهور القصة القصيرة في المغرب، كما ذهب إلى ذلك الباحث "أحمد المديني"(19) ، فإننا نؤكد مع "عبد الله ركيبي" العكس تماماً.
وجملة القول فإن القصة الشعبية الجزائرية على اختلاف مضامينها وأساليبها وأشكالها لعبت دوراً واضحاً في ملء الفراغ الأدبي في فترة ضعف فيها الأدب العربي كما أنها عبرت عن روح الشعب الجزائري وتعلقه بماضيه ودفاعه عن وجوده وكيانه"(20) .
وتتأكد ظاهرة تأثير الأدب الشعبي في الكتابة القصصية على وجه الخصوص وبشكل واضح ومباشر في نشأة القصة التونسية.
إذن فقد انكبت جماعة "العالم الأدبي" على الحكاية الشعبية تستلهمها وتتكئ عليها في كتاباتها، واتسعت بذلك رقعة هذا الاتكاء وأصبحت حقاً مشاعاً تغرف منه دون حساب. ونشرت روح الحكاية الشعبية ظلالها واضحة جلية في محاولاتهم إلى درجة أن فقرات كثيرة منها لا تعدو أن تكون ترجمة صريحة لأجزاء كثيرة من الحكاية الشعبية..".(21)
فأما مصدر الاختلاف في تحديد تاريخ وتعيين كاتب لنشأة القصة القصيرة، فيعود -في نظرنا- إلى الارتكاز على القصصية في غالب الأحيان دون سائر الأدوات الفنية التي بها أو بمعظمها -على الأقل- يكتمل البناء الفني.
لذلك نجد "عبد الله ركيبي" يحسن التخلص من تحديد تاريخ للنشأة ليقول عن المقال القصصي:
بعد "المقال القصصي" الشكل البدائي الأول الذي بدأت به القصة الجزائرية القصيرة. وقد تطور المقال القصصي عن المقال الأدبي بل تطور عن المقال الإصلاحي بالدرجة الأولى)(22) .
ولكن ليقرر لاحقاً:
إذا كان "المقال القصصي" هي البذرة الأولى لبداية القصة فإن "الصورة القصصية" هي البداية الحقيقية للقصة الجزائرية القصيرة"(23) .
وأول صورة قصصية ظهرت عائشة)(24) .
وقد طبع هذا النص ضمن مجموعة قصصية لـ "محمد سعيد الزاهري" بعنوان "الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير" وذلك عام 1928.
ويرى الدكتور عبد الملك مرتاض: أن أول محاولة قصصية عرفها النثر الحديث في الجزائر تلك القصة المثيرة التي نشرت في جريدة الجزائر)(25) .
وهو يقصد قصة فرانسوا والرشيد) لسعيد الزاهري المنشورة عام 1925.
وذهبت الدكتورة عايدة أديب بامية إلى أن أول قصة منشورة هي قصة "دمعة على البؤساء" التي نشرتها جريدة "الشهاب" في عدديها الصادرين يومي 18 و 28 أكتوبر عام 1926)(26) .
ويشير الأستاذ "عبد الله بن حلي" إلى أن النص الذي مس إلى حد ما الهيكل القصصي هو "عائشة"، يقول:
ومحاولة "عائشة" تمدنا بفكرنا عامة عن استخدامه للإطار القصصي، فهي المحاولة الوحيدة التي تمس إلى حد ما الهيكل القصصي)(27) .
ويقصد أنها الوحيدة من بين ما جمعه كتاب محمد السعيد الزاهري المشار إليه آنفاً.
والذي يهمنا هو هذا الاحتياط بقوله إلى حد ما)، دلالة على أن نص "عائشة" لم يتوفر على مايسمح بادراجه في فن القصة القصيرة. وهو يبين في موضع آخر قائلاً:
الحقيقة الأولى التي لا جدال فيها هي أن الكاتب أحمد رضا حوحو هو الرائد الذي وضع اللبنة الأولى للقصة العربية الحديثة في الجزائر. والحقيقة الثانية هي أنه الكاتب الوحيد الذي تحمل عِبأها مدة لا تقل عن عشر سنوات كاتباً وناقداً ومترجماً في زمن خلت فيه القصة من كتابها)(28) .
بينما "صالح خرفي" قد نسب الريادة في كتابة القصة إلى "محمد بن عايد جلالي" مرة في كتاب(29) ، وفي كتاب آخر يقول عن "رمضان حمود": وريادة أخرى لـ رمضان) في هذه القصة التي نشرت في العشرينات بعنوان "الفتى".....) فهو بذلك أول من جرب كتابة القصة في الأدب الجزائري الحديث)(30) .
فإذا كانت القصصية وحدها، هي الدافع إلى التحديد التاريخي لنشأة القصة عامة والقصة القصيرة بصفة خاصة، فلم السكوت عن نص مثل: "حكاية العشاق في الحب والاشتياق"، لمحمد بن إبراهيم مصطفى، ولو أن لغته ليست فصحى خالصة.؟

يبدو -في تقديرنا- أنه مادمنا نعترف باغتراف الأدباء الجزائريين من الأدب المشرقي إلى حد التقليد أحياناً، مادمنا ندرج القصص الجزائرية التي كتبت في المهجر في مسار تطور القصة القصيرة في الجزائر، وهي القصص التي كتبها الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة، وعبد الله ركيبي ومحمد الصالح الصديق وفاضل المسعودي وعثمان سعدي وأبو العيد دودو والجنيدي خليفة...).
فما المانع من الإقرار بأن القصة الجزائرية القصيرة نشأت جنباً إلى جنب مع القصة التونسية على يد "محمد العريبي" منذ 1935، كما نشأت الحركة الوطنية ذاتها في المهجر منذ تأسيس نجم شمال افريقيا.
إن طبيعة الظروف الجزائرية حتمت أن يكون المولد في المهجر سواء أكان المولود سياسياً أم أدبياً، فلذلك مايبرره في الواقع.
وإننا لا نميل إلى هذا الرأي الأخير، بدافع التعصب الوطني الضيق، وإنما بالنظر إلى الظروف الموضوعية، باعتبار أن "محمد العريبي" لم تكن كتاباته مقالات قصصية ولا صوراً قصصية، بل تجاوزتهما إلى مستوى أكثر نضجاً حمل الباحثين على أن يجعلوه إلى جنب "علي الدوماجي" من أبرز المؤسسين لنشأة الفن القصصي في تونس.
وبالاعتماد على أعمال عبد الملك مرتاض وعبد الله ركيبي وعبد الله بن حلي) يمكن تمييز المراحل التالية في تطور القصة القصيرة في الجزائر:
1- مرحلة المقال القصصي:
- كان الكاتب يميل فيه كثيراً إلى الوصف إلىحد إثقال النص.
- انصب الاهتمام على الحداث، والميل إلى النقل الحرفي للواقع.
- كان المقال القصصي عبارة عن مزيج من القصة وغير القصة.
- إنه خليط من المقالة والرواية والمقامة والحكاية.
- شخصيات ثابتة لا تنمو مع الحدث.
- النبرة الخطابية المحملة بالوعظ والإرشاد لأهداف إصلاحية.

2- مرحلة الصورة القصصية:
- الاهتمام برسم الحدث كماهو.
- رسم الشخصية في ذاتها وفي ثباتها بطريقة لا تتفاعل فيها مع الحدث.
- الحوار يعبر عن أفكار الكاتب في إسقاط واضح.
- عدم التركيز بالاستطراد في ذكر التفاصيل والجزئيات.
- السرد يختفي فيه الإيحاء ويسيطر الوعظ.
- وصف الواقع دون تحليله.
- اعتماد الأسلوب المسترسل والجُمل الطويلة والتراكيب القوية القديمة بروح تعليمية واضحة.
3- مرحلة القصة الاجتماعية:
وأبرز من يمثلها "أحمد رضا حوحو" من 1947 إلى 1956. ومادام الأستاذ "عبد الله بن حلي" قد بحث القصة الاجتماعية والقصة المناضلة أو المكتوبة خارج الوطن بما فيه الكفاية في رسالته المذكورة، فلا ضرورة لاجترار ماقيل بشأنهما.
4- مرحلة القصة المكتوبة خارج الوطن:
وهي التي كتبها الأدباء الجزائريون المقيمون خارج الوطن.
وقد ساعدهم وجودهم في بلدان عربية على مواكبة تطور الأدب العربي عامة والفن القصصي منه خاصة، واستفادوا مما ترجم من الآداب الأجنبية إلى اللغة العربية، ووجدوا فرصاً سهلة لنشر أعمالهم، فقد كان ينظر إليهم على أنهم ممثلو الثورة الجزائرية، أهل للعون والتشجيع بغض النظر عن المستوى الفني لأعمالهم.
5- مرحلة القصة الاجتماعية / السياسية منذ الاستقلال:
نرجئ الحديث عن هذه المرحلة إلى حين. فهناك عوامل قديمة موروثة استمرت تمارس تأثيرها على الجيل الجديد، وهناك عوامل أخرى جديدة سنتعرض لها فيما سيتلو.
(1) -عصمت رياض): الصوت والصدى، دراسة في القصة السورية الحديثة- دار الطليعة بيروت- ط1- مارس 1979 ص11.
(2) -نفسه: ص12.
(3) -شريبط أحمد شريبط): الفن القصصي في الأدب الجزائري المعاصر- رسالة لنيل شهادة الماجستير- إشراف الدكتور: نسيب نشاوى 86-87 عن جبور عبد النو) وادريس سهيل) المنهل، دار الآداب ودار العلم للملايين- ط5-1979، ص704.
(4) -المديني أحمد): فن القصة القصيرة بالمغرب -في النشأة والتطور والاتجاهات- دار العودة- بيروت- ص32.
(5) -رشدي رشاد): فن القصة القصيرة - دار العودة -بيروت ط2-1975-ص7.
(6) -ركيبي عبد الله خليفة): القصة الجزائرية القصيرة- الدار العربية للكتاب- ليبيا- تونس- ط3-ص142- عن رشاد رشدي) فن القصة القصيرة، من ص2 إلى ص4.
(7) -نفسه: ص143.
(8) -المديني أحمد)- فن القصة القصيرة بالمغرب ص34.
(9) -نفسه ص34.
(10) -المديني أحمد): فن القصة القصيرة بالمغرب، ص34.
(11) " اليافي نعيم): التطور الفني لشكل القصة القصيرة في الأدب الشامي الحديث، سورية، لبنان-الأردن- فلسطين.. 1870-1965، منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق.
(12) سارتر جون بول): عارنا في الجزائر، ترجمة: عايدة سهيل إدريس، دار الآداب، بيروت ، ط2، نيسان 1958، ص 23.
(13) ابن قرين عبيد الله): النقد الأدبي الحديث في الجزائر- رسالة قدمت لنيل شهادة الماجستير- كلية الآداب والعلوم الإنسانية- قسم اللغة العربية - جامعة حلب- سوريا: إشراف: الدكتور فؤاد مرعي سنة 1987.
(14) واسيني الأعرج: اتجاهات الرؤية العربية في الجزائر - ص55.
(15) مرتاض عبد الملك): نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر- 1952-1954، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر - ط2, 1983، ص 120.
(16) فاسي مصطفى): البطل في القصة التونسية حتى الاستقلال- المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر- 1985، ص 59. عن: الجابري محمد صالح): الشعر التونسي المعاصر. ص 69.
(17) واسيني الأعرج): اتجاهات الرؤية العربية في الجزائر - ص56.
(18) مرتاض عبد المالك): الثقافة العربية في الجزائر بين التأثير والتأثر- منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق - 1981- ص 147-148.
(19) " راجع: المديني أحمد): فن القصة القصيرة بالمغرب.
(20) " ركيبي عبد الله) تطور النثر الجزائري الحديث- 1830-1974- الدار العربية للكتاب- ليبيا- تونس 1978، ص 130.
(21) ابن حلي عبد الله): القصة العربية الحديثة في الشمال الإفريقي - تونس- الجزائر- مراكش- دراسة مقارنة- رسالة ماجستير- جامعة عين شمس، كلية الآداب- إشراف الدكتور: عبد المنعم اسماعيل- ص19.
(22) ركيبي عبد الله): القصة الجزائرية القصيرة، ص 53.
(23) نفسه ، ص 87.
(24) نفسه ص91. المرجع السابق.
(25) شريبط أحمد شريبط): الفن القصصي في الأدب الجزائري المعاصر، ص 64، عن: مرتاض عبد الملك): فنون النثر الأدبي في الجزائر. 1931-1954، ص 162-163.
(26) المرجع السابق- ص 64.
(27) ابن حلي عبد الله): القصة العربية الحديثة في الشمال الإفريقي - ص 39.
(28) المرجع السابق: ص167.
(29) خرفي صالح): صفحات من الجزائر- الشركة الوطنية للنشر والتوزيع- الجزائر- 1972- ص 211-212.
(30) خرفي صالح): حمود رمضان- المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر 1985- ص 14.
داليا الهواري
21-03-2007, 01:40 AM
الفصل الثالث نماذج تطبيقية
النموذج الأول:‏
استمرت حرب التحرير تمد ظلالها على كل الكتابات الأدبية بصفة عامة وعلى الكتابة القصصية بصفة خاصة، حتى أنك لا تقرأ مجموعة قصصية وإلا وقد أفردت بعض قصصها لحرب التحرير مباشرة أو ربط فيها بين الواقع الجديد للقصة وواقع حرب التحرير بخيط رهيف. وهاهي مجموعة الأشعة السبعة) تحتوي على ثلاث عشرة قصة، عشر منها تدور حول الحرب وتدين ممارسات الاستعمار الفرنسي إما في الجزائر أو في تونس.‏
فالفتى الذي يتجول مع فتاته الجميلة المحبوبة، ويرغب في أن يتزوجها، لمايخرج معها يتفسحان، تفسد عليهما الطائرات جولتهما، بل تفجع الفتى في محبوبته، فالحرب تفسد العرس، إنها تقف ضد الحرية والفرح. ومواطن يبعث بطرد ملغم إلى قائد فرنسي ليقتله، ثم لا يلبث أن يذهب هو -بدوره- ضحية انفجار قنبلة وضعت في طريق قطار كان يركبه.‏
وآخر يكره الواقع الاستعماري المر الذي حرمه حتى من الحصول على مهر الزواج، فقرر أن يهاجر للحصول عليه في ديار الغربة، ولكن هيهات أن يعود، فقد مات دون أن يتوصل إلى تحقيق غايته، ذلك هو ثمن المهر ولكنه أيضاً ثمن التفكير في الحلول خارج الوطن.‏
وتحضر المرأة الفرنسية بوصفها رمزاً لفرنسا. فهي ترتبط بالمواطن الجزائري أو الفرنسي برباط الزواج، لكن سرعان مايفترقان أو تحاول الاستيلاء على بيت صديقتها "دنيا" فتضع لغماً ينفجر عليها.‏
تحضر الحرب في أغلب القصص باستغلالها ودمارها ويحضر نقيض الحرب ممثلاً بالثوار أو بالعمل الفدائي. وصورة الحرب في قصص المجموعة، هي صورة الصراع الكتلوي، الكتلة الوطنية ضد الكتلة الاستعمارية. ومايمكن أن يعد جديداً في الموضوع لا يتعدى قصتين:‏
الأولى حلم الصيف):‏
وفيها هذه الزوجة الحريصة على السفر إلى الخارج، لكن زوجها يقنعها -بعد جهد كبير- بالعدول عن فكرتها وتعويضها بالسفر إلى "تونس" وبالرغم من القلق الناشئ من التفكير في اجتياز الحدود وممارسات رجال الجمارك، إلا أنهما يفاجأان بأن لا أحد يوقفهما عند العودة، إذ أعلنت الوحدة بين تونس والجزائر.‏
والثانية الوصية):‏
تصور أباً في المستشفى يتغذى بالسيروم وأبناؤه من حوله يتحاورون حول التركة، إلى أن يقول لهم في الأخير: بأنه لم يترك لهم سوى أم، فهل تقسم الأمهات؟‍‏
فالكاتب إذن يدلي برأيه صريحاً يما يتعلق بالتفكير في تقسيم البلاد، فهو يستنكر الفكرة أصلاً، لأن الجزائر أمنا جميعاً، والأم إذا تقسمت ضاعت.‏
إلا أن الذي يلفت النظر ليس قدم الموضوع أو جدته. وإنما هي الطريقة التي أخذ الكاتب "عبد الحميد بن هدوقة" يهتدي إليها ويجربها، وتتعلق بالتقنيات المستحدثة في قصته "الأشعة السبعة" على وجه الخصوص، والتي نعتبرها مظهراً من مظاهر التجديد في الكتابة القصصية، ولذلك نرى من الضروري أن نتعرض إليها بالتحليل -فيما يلي- بشكل مستقل.‏
الأشعة السبعة:‏
1- تبتدئ القصة بمقدمة وصفية نتعرف من خلالها على الطفل الأبكم الأصم له أم لا يراها وبجوارهم بركة يخشاها سكان القرية جميعاً لأن فيها عملاقاً يختطف العذارى.‏
2- يأتي إلى البركة فيرمي سبع حجرات الواحدة تلو الأخرى، فتشكل سبع دوائر.‏
ب- فتخرج شمس ذات سبعة أشعة وهو يسمع صوتاً يقول "إني عائدة".‏

3- استمر يتردد على البركة، ثم اهتدى إلى أن يحضر سطلاً، يملأه ماء فيسقي‏
ج- جفاف البركة الجرداء.‏
4- كانت الأم -فيما سبق- قد حضرت مع ابنها هذا إلى البركة لتستحم وتأخذ‏
أ- الماء فغاصت في البركة وابتلعت.‏
5- في يوم كان الطفل جالساً عند البركة يرمي الحجرات كعادته، وإذا بسرب‏
د- من الطائرات يمر فوقه متبوعاً بسرب من الغربان.‏
هـ 6- سقطت قنبلة في البركة ودوى انفجارها، وإذا بالحسناء الجميلة تخرج منها‏
7- فينطق الطفل قائلاً "أمي".‏
موضوع القصة الذي هو الحرب ليس جديداً، لكن الجديد هو طريقة التناول. فالكاتب لم يتعرض للحرب بشكل مباشر أو تقريري كما عهد ذلك من قبل.‏
فالعنصر الجديد يظهر في التعامل مع الزمن.‏
زمن الخطاب القصصي أي ترتيب السارد للأحداث في النص القصصي، قد أشير إليه بالأرقام، بينما زمن الحكاية نفسها أشير إليه بالحرف.‏
وبموازنة بسيطة نلحظ التداخل بين الزمنين أومايدعى بالتواتر. المقطوعة القصصية الثالثة في زمن الخطاب هي الأولى في واقع الحكاية.‏
فلو أن القصة من النوع التقليدي المعهود لكانت هذه المقطوعة هي بداية النص القصصي لأنها هي البداية في الواقع.‏
والمقدمة وظيفته توفير المعطيات التي هي العناصر النووية القاعدية في نمو الأحداث وبالتالي بناء القصة. إنها بمثابة احتياطي يمنع من أن تبقى الأحداث فريسة للصدفة.‏
العملاق إمكانية الاختطاف.‏
البكم إمكانية النطق.‏
ماء البركة إمكانية السقي/ الحياة.‏
اللحظة الحاضرة في الواقع وواقع القصة أيضاً هي تمكن الطفل من النطق. واسترجاع النطق الذي فقده هو استرجاع الأم المفقودة أيضاً. والاسترجاع يقع على ما مضى.‏
الحرب مضت ولكنها قائمة في الذاكرة تمارس حضورها دائماً. لم يعمد الكاتب إلى النقل الحرفي للواقع، وإنما خلق معادلاً آخر يختلف تماماً حيث لعبت الخرافة دوراً خيالياً يجعل هذا المعادل المكتوب في الخطاب القصصي يتجرد من المكان والزمان، ليسبح في مساحة فنية لا تحيل إلى واقع الحرب بشكل مباشر فج.‏
وكان للعدد "سبعة" دوره المتميز، خاصة وأنه تكرر فأضفى هالة أسطورية على النسيج القصصي، لما فيه من السحرية ولما يوحي به رمي الحجرات من بعد ديني: رجم الشيطان.. سبع حجرات، سبع دوائر، سبعة أشعة، السقي سبع مرات أيام سبعة.‏
يكفي لهذا العدد أن يقرع الذهن بشكل متكرر ليستحضر القارئ السنوات السبع وهو عمر الحرب التي انتهت الأرض الجرداء فأصبحت معشوشبة. السارد يلعب دور الملاحظ والشاهد، ولذلك يعتمد على الوصف، وهو يؤدي وظيفة التبليغ والتعبير.‏
ثم إن أجزاء القصة ذاتها تتكون من سبع مقطوعات قصصية مما يكون قد تم بقصد أو بغير قصد.‏
ونحن نضيف إلى أسلوب التقابل الذي اهتدى إليه الأستاذ عبد الله بن حلي)(1) . في كتابات ابن هدوقة) ظاهرة التناقض أيضاً.‏
فالفرنسية التي تبيت الخديعة لصديقتها "دنيا" في قصة "الصداقة"(2) ينفجر عليها اللغم الذي وضعته بيدها، والبركة التي تبتلع الأم هي المصدر الذي تسقى فيه الأرض الجرداء، والغربان نذير شؤم، لكن عودة الأم فأل وانفجار القنبلة يخلف الدمار أصلاً، ولكن بعدما هوت القنبلة خرجت الأم.. ومرد هذه الفكرة إلى أن الكاتب يؤمن بأن الظالم يحمل موته في ظلمه. إن الاستعمار في الوقت الذي يقدم فيه على السيطرة، يكون قد خطا خطوة نحو القبر.‏

يبدو من خلال هذه المجموعة أن رؤيا الكاتب لم تأخذ -بعد- حظها من العمق الفكري والفلسفي.‏
فبالإضافة إلى تصوره الصراع في الحرب التحريرية بين كتلتين متجانستين، فإن تصوره للوحدة الوطنية ينحو نحو المثالية إلى حد ما، وتصوره للوحدة مع تونس- وربما مع بقية البلدان العربية- انحصرت في الجمارك والحدود في تفاؤل زائد.‏
إن الجديد في "الأشعة السبعة" يتمثل خصوصاً في هذا النهج الذي أخذ يرتسم في قصص "ابن هدوقة" والذي سعى من خلاله إلى انتشال النص الأدبي من التسجيلية والتقريرية.‏
وإن جاز القول، فإن استرجاع الأم في هذه القصة كان في الوقت نفسه استرجاعاً للقدرة على النطق واسترجاعاً لأدبية النص.‏
على أن هذه المجموعة التي تمثل الأشعة السبعة) قمتها، تتنوع فيها الأدوات الفنية المستخدمة بين السرد بضمير الغائب الذي يضع السارد في موقف الملاحظ والمشاهد ويجعل القصصية تنجذب أكثر نحو طابعها التقليدي وبين الاسترجاع واستخدام المونولوج من حين لآخر، في حين بقيت بعض القصص ومنها قصة البطل) أسيرة النبرة الخطابية الوعظية.‏
ونشير في الأخير إلى ظاهرة أخرى في المسار الأدبي لـ عبد الرحمن بن هدوقة)، وهي أنه جنح إلى الواقعية الحرفية أثناء حرب التحرير، وكأن الواقع كان أقوى من أن يلفه في ثوب من الخيال، فلما وقف على عتبة الاستقلال جعل من "الأشعة السبعة" استراحة يعيد فيها للنص الأدبي ميزته.‏
ثم عاد يجنح نحو الواقعية التقريرية مرة أخرى في رواياته التي كتبت لاحقاً، ريح الجنوب)، نهاية الأمس، بان الصبح)، وكأن واقع الخطاب السياسي الجديد كان أقوى من أن يقاوم كواقع حرب التحرير.‏
ثم لما وقف على عتبة الثمانينات، عاد مرة أخرى يستغل الخرافة والأسطورة والتقاليد في الجازية والدراويش)، وكأنه في ذلك يستحضر الأشعة السبعة) ويعيد كتابتها بنفس جديد.‏
هل معنى ذلك أن الكاتب وقف عاجزاً -أدبياً- أمام خطاب الحرب وأمام خطاب السبعينات فيما بعد، فانقاد إلى الخطاب السياسي لعجزه عن خلق بنية أدبية تخرق الخطاب السائد؟!‏
أم أنه وقف غداة الاستقلال أمام خطاب لم يتبين هويته ومصيره وتكرر معه الموقف نفسه في بداية الثمانينات فاضطر إلى أن يأخذ موقعاً يمكنه من استقراء الخطاب الجديد عن مسافة؟! إن هذه الإشكالية تقتضي بحثاً متأنياً، ليس هذا مجاله.‏
ولكن فضل الكاتب، لا يقتصر على نجاحه في توظيف الخرافة واستثمار التراث، بل يعود أيضاً في الجازية والدروايش)، إلى أنه تفطن إلى أن القرية / الجزائر، يتنازعها مشروعان.‏
ولعل الصراع بين مشروعين هو العمود الفقري في قصص "الطاهر وطار" كما سنرى .‏
النموذج الثاني‏
تتميز كتابات"الطاهر وطار" بوضوح الخط السياسي/ الأيديولوجي الذي يتحرك فيه. فالمجتمع بالنسبة له: يتقاسمه مشروعان: مشروع تمثله الطبقة الكادحة الفقيرة، ومشروع تمثله الطبقة البرجوازية المترفة. ويندر جداً أن تخلو قصصه من استرجاع الماضي.‏
ففيرقصات الأسى)، يصور هذا الشاب القروي الذي يحضر الحفل ويلاحق الراقصة، والقصاب يسرح مع الأنغام نحو ماضيه فنعرف أنه كان معلم قرآن وتزوج فتاة كانت تطلب منه أن يغني لها، إلى أن ماتت على يديه. وفي قصةالزنجية والضابط)، يعالج قضية السلطة في العالم الثالث من خلال الدور الذي يلعبه الضابط رمز الجيش، والصحفي رمز النخبة المثقفة والحزبي رمز جهاز الحزب.‏
يستغل جولة هذا الوفد إلى الصحراء مع المرأة الزنجية لتعرية السلطة، والأدوار التي تتبادلها هذه الفئات من يمين إلى يسار إلى وسط.‏
وفيالحوت لا يأكل)، يستعرض الواقع السياسي العربي المتأرجح بين انكاره الصراع الطبقي وتأكيده على اختيار الطريق الثالث تحت شعار: "لا شرقية ولا غربية" ظل الصياد يراقب صنارته حتى الساعة السادسة ولم تهتز، إلى أن جاءه طفل يخبره أن الحوت مصروع فقد جاءوا صباحاً وصبوا عليه سائلاً.‏
ويريد بالحوت المصروع وضعية الشعب المخدر المغلوب على أمره.‏
وفياشتراكي حتى الموت)، ينتهج أسلوباً استهزائياً بنمذجته شخصية الانتهازي الذي يحمل خطاباً اشتراكياً ولكن ممارساته تتناقض مع ادعاءاته تماماً.‏
فهو يسكن فيلا، ويملك سيارة فخمة، وله طفل سماه"غيفارا" ويتمتع وهو في سيارته بجولة في"الشريعة"، يصب غضبه على البرجوازية، غير أن كل ممارساته غارقة في البرجوازية.‏
وفيزوجة الشاعر)، تتباهى المرأة كثيراً بوضعها، تفضل الفنادق الفخمة، ولا تتردد في التفاخر أمام كل من تراها، لكن زوجها مصر على البقاء في المركز لأن نفقاته أقل ولو هو من الدرجة الأخيرة.‏
وفيالشاعرة الناشئة والرسام الكبير)، يتعرض الكاتب إلى موقف الفنان ودور المخرجين والرسامين والقصاصين والنقاد.‏
وحجر الأساس في قصص المجموعة، وفي كل كتابات"الطاهر وطار" هو انطلاقه من فهم المجتمع من منظور الصراع الطبقي، وعليه يترتب اتخاذ موقف من هذا الصراع، إذ لا يمكن للفنان والأديب أن يكتفي بالمشاهدة والوصف، بل لابد له من أن يتخذ موقفاً من الواقع ومن الحياة، أي من الصراع الدائر في المجتمع. والكاتب لا يخفي انحيازه للفقراء والمضطهدين، أي للطبقة الكادحة إذا ما أردنا الدقة بمصطلحها الماركسي المعروف.‏
إن الجديد الذي يمكن أن ينسب إلى"الطاهر وطار" في الكتابة القصصية ذات اللسان العربي، هو تبنيه الفكر الماركسي ومحاولة ترجمته إلى أعمال أدبية. فالجدة نابعة عنده -أصلاً- من الخطاب السياسي/ الأيديولوجي الجديد، ولكن كان لهذا الخطاب أثره الواضح أيضاً في طريقة الكتابة حيث سعى الكاتب مبكراً إلى القطع مع الطريقة التقليدية وإلى معانقة تقنيات جديدة في الكتابة، نحاول أن نتبين بعضها من خلال قصةالشهداء يعودون هذا الأسبوع).‏
الشهداء يعودون هذا الأسبوع: (3)‏
ب 1 ج2 أ3‏
1 -صاحب الخمَّارة موقفه من العودة قصة ماضيه‏
2 -شيخ البلدية موقفه من العودة قصة ماضيه‏
3 -منسق القسمة موقفه من العودة قصة ماضيه‏
4 -منسق المجاهدين موقفه من العودة قصة ماضيه‏
5 -رئيس الدرك موقفه من العودة قصة ماضيه‏
6 -رئيس القباضة موقفه من العودة‏
7 -الكومنيست موقفه من العودة قصة ماضيه‏
8 -الإمام موقفه من العودة ‏
9 -ابنه موقفه من العودة ‏

داليا الهواري
21-03-2007, 01:41 AM
يشكل خبر وصول الرسالة إلى الشيخ العابد، والد الشيهد"مصطفى"، المثير الأول والمركزي الذي تترتب عنه بقية الأحداث. مضمون الخبر أن ابنه"مصطفى" سيعود قريباً.‏
وبعد حيرة مصحوبة بجملة من التساؤلات، يفكر في التوجه إلى مجموعة من الناس المعروفين في القرية، لعلهم يساعدونه في فك هذا اللغز المحير.‏
هذا المثير الذي هو خبر العودة، ليس عودة ابنه"مصطفى" فقط، ولكن ربما عودة كل الشهداء، يجعل الشيخ العابد يتحرك في اتجاهين:‏
الأول نحو ذاته، يفكر، يتساءل، يتمتم، يقلق، يتذكر.... ولم يكن هناك ما هو أنسب من"المنولوج" لتجسيد هذه الحالة.‏
والثاني يتمثل في تحركه نحو مجموعة من الأشخاص، وعددهم تسعة، إذا ما أضفنا ابنه على سبيل الحصر. وبالإضافة إلى أن مسار الشيخ العابد، والحوار الداخلي أو الثنائيمع غيره) اللَّذين يرافقانه طيلة القصة، هذا المسار نفسه يتشكل من لحظات قصصية أو مجموعة من المقطوعات القصصية، بالإضافة إلى ذلك فإن تحركه في اتجاه كل شخص يتولد عنه ثلاث مقطوعات قصصية على الأقل.‏
ففي حواره مع صاحب الخمارة مقطوعة قصصية أولى، وفي تعبير هذا الأخير من موقفه من عودة الشهداء مقطوعة قصصية ثانية، وفي استحضاره قصة ماضية مقطوعة قصصية ثالثة. وكذلك الأمر بالنسبة لشيخ البلدية الذي نعرف أن أباه كان خائناً وقتله"مصطفى"، ومنسق القسمة الذي وشى بمصطفى مرة ولم تنجح وشايته، ورئيس فرقة الدرك الذي تخلى عن رفاقه في المعركة مع أنه كان مكلفاً بحمايتهم.‏
أما منسق قسمة المجاهدين فقد أدى واجبه خلال حرب التحرير ولم يكن بعد الاستقلال ممن تهافتوا على مصالحهم الدنيوية، والكومينيست- وإن كان موقفه غامضاً أو مهتزاً- إلا أن الشيخ العابد يشهد له بمساهمته في الثورة ويذكر ما أصابه من عذاب.‏
صاحب الخمارة يدعى أنه كان مع"مصطفى" حين انفجر عليه لغم، ولم ينصرف إلا بعدما دفنه، ولكنه في الحقيقة لاذ بالهرب بمجرد ما عرف أن رفيقه قد وضع رجله فوق لغم. وهذا ما يثير في نفسه الشك لأنه لا يستطيع أن يتبين ما إذا كان "مصطفى" قد مات فعلاً أم أنه نجا بعد علاج طويل.‏
المقطوعة القصصية الثالثة بالنسبة لكل من صاحب الخمارة وشيخ البلدية ومنسق قسمه الحزب ورئيس فرقة الدرك، تأتي في شكل"مونولوج"، لأن قصة الماضي المشبوه، من الأسرار التي لا يعرفها إلا صاحبها أو من كان معه ومات، فلا يصلح شاهداً إلا على لسان هؤلاء.‏
ونلاحظ أن البناء القصصي ينطلق من الحاضر ليعود إلى الماضي، ولكن في علاقة جدلية يمكن معها أيضاً للانطلاق من الماضي للوصول إلى الحاضر.‏
صاحب الخمارة تحصل على هذه الملكية باسم الجهاد والشرعية التاريخية، فهو في حقيقة أمره من أولئك الذين استغلوا الفرص بطريقة مفضوحة غداة الاستقلال، فمن الطبيعي ومن مصلحته أن ينكر عودة الشهداء ويرفضها وهو الذي له ماض مشبوه.‏
ويمكن القول بطريقة عكسية، لأن ماضيه مشبوه، فقد سطا على خمارة، واتخذ موقف المستنكر لعودة الشهداء.‏
فحاضر كل شخصية يحيل إلى ماضيها، كما أن ماضي كل شخصية يفسر حاضرها. إذن هناك مجموعة من الشخصيات تقع على نفس الخط من الماضي إلى الحاضر.‏
وشخصيات أخرى تقع على خط نقيض من الماضي إلى الحاضر أيضاً.‏
خط يتميز بالخيانة والتردد في الماضي، والطمع والسبق إلى مراكز القرار في الحاضر وخط يتميز بالشجاعة والنقاوة والنبل في الماضي، وبقي شريفاً محروماً وفياً في الحاضر.‏
الأول بامتداد للتضحية والوفاء والمقاومة وهو الخط الوطني، والنتيجة الحتمية هي أن الوطن في أيد غير أمينة وغير وطنية، في أيد أجهضت المشروع الوطني هذا ما دعا الأستاذ"عبد الله بن حلي" إلى تسميته أسلوب التوازي)(4) وهي تسمية تصدق إلى حد كبير على كتابات"الطاهر وطار" لولا أنها تخلو نوعاً ما من تعيين مضمون محدد.‏
فالتوازي يعني استحالة الالتقاء، ولكن الدلالة الرياضية قد لا تكفي عندما يتعلق الأمر بالحياة الاجتماعية للإنسان.‏
إنهما حقاً مشروعان لا يلتقيان، لكنهما يتماسان يومياً على أرض الواقع، ومن شرارة احتكاكهما تستمر الحياة في المجتمع إما بخطوة إلى الأمام أو بخطوتين إلى الوراء.‏
لذلك نفضل إضافة التناقض إلى التوازي، إذا لم يكن مصطلح التناقض وحده كافياً.‏
وإن ما يفسر ظاهرة استرجاع الماضي، هو أن الخطاب السياسي السائد منذ الاستقلال هو نفسه يسترجع الماضي من زاويته الخاصة ليكون وجوده بتأكيد الشرعية التاريخية.‏
ولكن الخطاب النقيض يجد في الماضي نفسه ما ينقض ادعاء الخطاب السائد، خطاب السلطة الذي يعمد إلى تشويه الماضي.‏
زد على ذلك أن حياة الكاتب نفسها منشطرة بين ماض عاشه في الحرب، وحاضر تنكر لكل المبادئ التي قامت من أجلها هذه الحرب. وليس هناك أصلح وأنفع من الماضي لإدانة الحاضر الموبوء. إنه شاهد على حاضر منحرف، على عربة انفصلت نهائياً.‏
الموازنة بين زمن الواقع وزمن النص القصصي، تبين الطريقة الجديدة في التعامل مع زمن الكتابة.‏
الزمن الواقعي يبدأ بممارسة موقف خلال حرب التحرير، ثم ممارسة أخرى بعد الاستقلال، ثم موقف يمليه الموقع الاجتماعي الحاضر، بينما زمن النص يبدأ من حاضر الموقع الاجتماعي ليعود إلى الماضي.‏
وهكذا نتبين من خلال التصنيف السابق، أن هناك ترقيماً عمودياً، يشير إلى تتابع المقطوعات القصصية تبعاً للأشخاص الذين وجه إليهم الشيخ العابد، وهناك ترقيم أفقي بالأرقام لتعيين زمن الخطاب القصصي، ومعه ترقيم بالحروف يراد به الزمن الواقعي للحكاية.‏
فيتضح أن الزمن الأول في واقع الحكاية هو الثالث في الترتيب الزمني للنص، والثاني منها هو الثالث، والثالث هو الثاني.‏
توظيف الزمن بهذا التركيب المدرج، قصة تتضمن قصة أخرى وتستبطنها، لم يكن معهوداً في الكتابة القصصية التي كانت تخضع لترتيب واقعي عادة، يأتي فيه زمن الحكاية مساوياً في ترتيبه لزمن النص.‏
في هذا النوع من الكتابة، لم تعد وظيفة السارد تعبيرية فقط، على نحو ما مر بنا في"الأشعة السبعة". لكنها تتعدى التعبير إلى السعي من أجل التأثير، لأن الكاتب يريد أن يقنع القارئ في نهاية الأمر، بأن البلاد صارت لقمة يتقاسمها الخونة، وأن الماضي المجيد الذي عرف بتضحيات خيرة أبناء الوطن، أصبح سلعة يتاجر بها الوصوليون والانتهازيون . فلابد من إدانة هذا الواقع ولابد من الثورة عليه.‏
الكاتب، إذن يتبنى خطاباً واضحاً، ويفهم عملية الكتابة على أنها رسالة تؤدى وإلا فقدت مبرر وجودها وضاعت مصداقيتها.‏
الماضي يحضر في النص بوصفه مفسراً أيضاً، يضيء مواقف الشخصيات ويعلل لها، ويبدو أن هذا الربط الآلي بين المواقف المشبوهة في الماضي والمواقف المترتبة عنها في الحاضر، يفتقر إلى شيء من الدقة والموضوعية.‏
فما أكثر المجاهدين الأنقياء الذين انغمسوا في حمأة الرداءة منذ الاستقلال، وما أكثر الخونة الذين بقوا في صفوف الفقراء والمحرومين وضحكوا ممن أصابهم الزيف.‏
الكاتب يلعب دور السارد، ولكن"المنولوج" يساعده على تقمص كل شخصية في القصة. فكأنه يقسم جسمه في جسوم كثيرة، ليتشكل من مجموع البناء موقفه الصريح الذي يجسد خطاباً سياسياً / أيديولوجياً صريحاً أيضاً.‏
على أن ظاهرة أخرى بدأت تلوح في قصص"الطاهر وطار" وفي رواياته -فيما بعد- وهي عنايته بانتقاء الأسماء وإعطائها دلالات تتناسب مع مسمارها في النص.‏
من ذلك -مثلاً- "المانع" في قصةالشهداء يعودون هذا الأسبوع)، إشارة إلى أنه خان وتعامل مع الاستعمار يوم وشى بمصطفى، وكانت نهاية العميل أن يعاقب بالقتل، أما هو"منسق القسمة" فقد منع وعاش.‏
ومثله أيضاً اختيار"عبد المجيد بو الأرواح" في الزلزال)، والتقديم والتأخير في تسمية"الشيخ حسن البنا" الذي يرد فيعرس بغل) باسم: "حسن الشيخ"....‏
النموذج الثالث:‏
في مجموعتهالمومس والبحر)(5) ، أول قصة فيها يعود تاريخ كتابتها إلى سنة 1966 يصور أسرة تترقب موت الجدة، وطالت حيرتهم إلى أن انتقلت الجدة إلى غرفة أخرى ثم إلى فناء الدار، ولما أعادوها إلى الفراش كانت قد أسلمت الروح، وعنوان هذه القصة"موت الجدة".‏
وفي قصتهنقوش على الموجة الثانية)، يصور شخصاً يبيع الغرابيل، وتكتب القصة اعتماداً على هواجس يحركها بوار مصنوعاته، ويحركها تفكيره في البحث عن صناعة أخرى، وكان معجباً بعجوز تفتل الحبال.‏
الشرطة تطارده ورجال الدرك لا يقولون شيئاً. وقد قضى حياته يعيش من الأموات، لأنه يجلس بجوار مقبرة تزورها النساء ويشترين منه الغرابيل.‏
وفي قصةالمطلق)، البطل يكفر بالفقر، وينتهي إلى أن الفقر كفر وهذا هو المطلق وهذه هي الثورة ويخاطب أمه قائلاً:‏
وإذا كان الحكم النهائي دون رحمة فقولي لمن يأتي بعدي: "لقد آثر العيش في المطلق فلا تنتظروه"))(6) .‏
وفي قصةالحب والخفاش والبيضة)، شاب يحب فتاة ولكنها لا تبادله نفس الشعور، فاقترح عليه صديقه أن يرشها بدم خفاش، ولما فشلت المحاولة أشار عليه أن يكتب اسمها على بيضة ويضعها على الجمر، فإن هي تشققت من الجهة التي كتب عليها الاسم كان ذلك دليلاً على حبها له.‏
فلما حدث ذلك كما كان ينتظر ويفضل، فرح وراح يعاكس الفتاة بكل ثقة، لأن البيضة تشققت من الجهة التي كتب عليها الاسم، غير أن الفتاة بصقت على الأرض وانصرفت غاضبة.‏
وفي قصةالفراشة) صورة هذا الطفل الذي يطارد فراشه، ويترقب الجرذون غير مبال بنداءات أمه الملحة على ضرورة عودته إلى البيت، وبينما هو يلاحق الفراشة يصل إلى وسط الطريق فيصطدم بسيارة، أخذ السائق يبكي ويسأل عن والديه، ولكن هيهات أن يجيبه أحد، كانت أمه في الجبل تجمع الخروب وأبوه في الهجرة، ولم يعد بعد.‏
وقصةحانة في الطرف الغربي)، تصوير للجو في الحانة والحديث عن المخدرات. تعمدنا الإشارة إلى الموضوعات التي تتعرض لها قصص"مرزاق بقطاش" لنتبين كيف أن موضوع حرب التحرير أخذت تخف وطأته تدريجياً، وأخذ الاهتمام ينصب أكثر فأكثر وبصفة مباشرة على الناحية الاجتماعية مباشرة.‏
على أنه حتى في الكتابات التي كان موضوعها الحرب لم تخل من البعد الاجتماعي إذ قد تحضر الحرب/ الماضي، كشاهد على سوء الحال التي آل إليها وضع البلاد، وتنكر الحاضر للماضي المجيد.‏
وهذا أمر طبيعي بالنسبة لهذه المجموعة القصصية، فباستثناء قصةموت الجدة) التي كتبت سنة 1960، فإن بقية القصص كلها بين سنتي: 1978 و 1980، وقصةالنباح الأخير) كتبت سنة 1974، وهي تعود إلى فترة الكفاح المسلح.‏
إن لهذا التوجه ما يبرره في الواقع، فلم يعد الخطاب المتكئ على الشرعية التاريخية وتمجيد"الثورة" يقنع الأعداد الكبيرة من الشباب البطالين، ولا الفقراء المحرومين ولا حتى أولئك الذين عاشوا ظروفاً قاسية أثناء حرب التحرير، وتجندوا تحت أصوات خطاب يعد بالعدالة والمساواة والغد الجميل، وإذا هم يفتحون أعينهم على أوضاع وممارسات لا تمت بصلة إلى ذلك الخطاب، والأدهى أن الممارسات المشبوهة قد تصدر من أولئك الذين تبنوا الخطاب القديم أكثر من غيرهم. وبإيجاز لم يعد الخطاب الذي يستند إلى الشرعية التاريخية مقنعاً.‏
قصةالمومس والبحر):‏
الأسلوب الذي اعتمده الكاتب يميز هذه القصة عن سائر قصص المجموعة.‏
ويمكن القول أنها تقاطع قصتين أو أنها قصة تكتب قصة أخرى. أو هي قصة الصحفي والمومس بدل المومس والبحر.‏
تمتد قصة الصحفي بشكل أفقي، انطلاقاً من عزمه على إجراء حديث صحفي، وبما أن حديثاً صحفياً مع مومس يخالف الأعراف، ينشأ في نفسه قلق على نشره.‏
ولكنه مصر على تحقيق رغبته، إلا أنه عندما يطل على البيت يرى مجموعة من الناس، كانوا أربعة يتكئون على السور ويطلون على بيت المومس، مما يخلق في نفسه قلقاً آخر.‏
يواصل سيره واصفاً الممر، وضعية الممر السيئة -هي بدورها- تثير في نفسه قلقاً وشكوكاً. هيئة المرأة التي فتحت له الباب تزيده استغراباً. يبدأ في اكتشاف البيت لكن بمجرد ما ينتبه إلى السكير النائم يتضاعف قلقه وندمه على المجيئ أصلاً. ثم إن ما نغص عليه وجوده منذ دخوله بيت المومس هو ركونها إلى الصمت وكلما طال سكوتها ازدادت وساوسه وقلقه وانشغالاته. ولا يجرؤ على أن يسألها إلا في وقت متأخر جداً.‏
والذي يحيره أنها لا تجيب وإن أجابت فبجمل مختصرة على الأكثر.‏
ولذلك فإن الجمل التي نبست بها طيلة اللقاء هي جمل معدودة، فهي تقول:‏
لقد شرب الكحول))(7) ، كره الحياة))(8) ، تقصد السكير الموجود في البيت وتقول للصحفي: أنك لا تفهم في الدنيا شيئاً))(9) ، وهل هي حياة هذه التي نعيشها))(10) .‏
الصيادون لم يخرجوا هذا اليوم))(11) ، البحر متوحش هذا اليوم.... والصيادون لن يأتوا))(12)‏
لم أعيش هكذا))(13) ، يجب أن تعلم أن هذا السكير كان يعيش عالة علي كان صديقاً لزوجي))(14) .‏
لا تعتقد أني كنت مكرهة على إعالته. كنت أفعل ذلك بمحض إرادتي. كنت أريد الوفاء بالعهد لزوجي))(15) .‏
كان هذا السكير صديقاً لزوجي منذ الصغر))(16) .‏
ما الذي يجبرني على أن أقص عليك تاريخ حياتي؟))(17) .‏
اسمع لقد مات زوجي سنة 1962، ونحن على أبواب عالم جديد))(18) .‏
لقد قتل))(19) . في البداية تبنيت ابن شهيد غير أني لم أستطيع الاعتناء به))(20) .‏
كنت أنتظر المنحة كل ثلاثة أشهر))(21) .‏
لقد انتهى المسكين))(22) مشيرة إلى السكير الذي لفظ أنفاسه.‏
أرجوك أخبر رجال الشرطة))(23) .‏
تعمدنا إيراد كل الجمل التي وردت على لسان المرأة / المومس، ليظهر العدد المحدود جداً للكلام الذي تفوهت به طيلة القصة التي تعتبر قصة طويلة بالنظر إلى حجمها فهي تمتد من الصفحة 14 إلى 47، من جهة، ومن جهة أخرى إنها لم تتكلم إلا ابتداء من الصفحة 33.‏
بإمكاننا أن نتصور تقاطع القصتين أفقياً وعمودياً بالشكل التالي:‏
التفكير في المقابلة- المرور بالسور- بالممر- الدخول - رجل نائم- السؤال‏
مسار الصحفي موت السكير ‏

1- كان عالة علي‏
2- زوجي قتل الجواب‏
3- تبنيت ابن شهيد‏



موقع https://www.alsakher.com/vb2/archive/.../t-109970.html









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 13:00   رقم المشاركة : 102
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.
ح بين الحكايات والصور القصصية، التي حاولت أن تقبض على الزمن القصصي بمعطياته الفنية، لكنها عجزت، فكانت قصة غير ناضجة "يمكن اعتبارها تأسيساً لجنس القصة بمفهومها الجمالي في ما بعد"(14).
واستمرت هذه النمطية في الكتابات مع اندفاع حماسي أحياناً في محاولة لتطوير هذا الفن وتخليصه من ثقل الأسلوب وتحجر اللغة، "فكانت الدعوة صريحة لجرأة قلمية، وتهجم فكري على ما لم يسبق طرقه من
المواضيع"(15).
وعلى هذا يمكن الحديث عن تطور نسبي لفن القصة في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية حيث انتشرت الصحافة العربية في الجزائر، وعادت الحياة إلى سيرتها الطبيعية "فظهر كتاب جدد، أخذوا يعالجون الفن القصصي ويتعاطونه بشيء من الفهم والنجاح معاً كرضا حوحو، أحمد بن عاشور وأبو القاسم سعد الله، وعلى أيديهم اتسعت المضامين، فشملت الوطني الاجتماعي والنفسي"(16).
وقد كان لذلك تأثيره في اقتحام الكتابة في مجال القصة. ومن المرتكز نفسه يمكن اعتبار هذه المرحلة جديدة سواء على مستوى المضامين أو على مستوى النضج الفني الذي ظهرت فيه قصص هذه الفترة، وهذا شيء طبيعي لأن ميلاد القصة الفنية في الجزائر لم يأت إلا بعد مراحل، "فلم يكن تطورها مفاجئاً، وإنما سارت في طريق التطور ببطء"(17).
أولاً: ملامحها إبان الثورة
إن علاقة الأدب الجزائري بالثورة التحريرية لم يعد شيئاً يحتاج إلى تأكيد، كون هذه العلاقة كانت ولا تزال حميمية. فالكاتب الجزائري هذا الممتزج بالأرض روحاً ودماً قد سخر قلمه لينفث من ذاته أجمل ما تقوله الكلمة اعترافاً لهذا الوطن بجميله.
وكان فن القصة قد أطلق من أسره لينافس الشعر، بل وليتجاوزه بخطاب أكثر مصداقية وواقعية، بعد أن وجد الأرضية التي طالما بحث عنها والفضاء الذي اكتفى لأن يكون كمتنفس، وهكذا يمكن الحديث عن قصة بدأت تتلمس بعض عناصر الفنية مع الثورة التحريرية "باعتبار أن هذه الثورة كانت الحلم العذب الذي طالما راود النفوس"(18). وقد فتقت مواهب الكتاب فكانت لهم الدافع لخوض غمار الكتابة في هذا الجنس الأدبي، بعد أن كانوا لا يريدون الحديث عن فن يسمى القصة. تاركين المجال للشعر، حتى غدا الأدب في الجزائر هو الشعر وكفى.. إن الثورة التحريرية قد دفعت بالقصة خطوات إلى الأمام بأن جعلتها تتجه إلى الواقع، تستمد منه مضامينها وموضوعاتها، فتحول محور الارتكاز من التقاليد والحب والمرأة إلى الإنسان والنضال والروح الجماعية، وقد مثل هذه المرحلة أدباء، أبرزهم عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار وعثمان سعدي.
ثانياً: البنية الفنية لقصص الثورة
حين أشرنا إلى أن القصة العربية في الجزائر قد بدأت تعرف النضج مع بداية الثورة، حيث أطلق أسرها وتخلصت من عقدة الشعر إلى جانب الانفتاح الثقافي على العالم العربي فإن ذلك لا يعني الجزم أنها أصبحت تتوفر على السمات الفنية الكاملة لجنس القصة، فقد حافظت في هذه المرحلة على البناء الكلاسيكي ولم تتخلص كلياً من بعض السقطات كاللغة الوصفية الموغلة في التقريرية، والحوار الخارجي الذي ظل يطفو على السطح، ولم يمس عمق الذات، ثم البقاء في دائرة المضمون الثوري الذي أثر على تطورها فنياً.
وقد عبر عن ذلك محمد مصائف فيما يتعلق بكتابات الطاهر وطار، حين يقول:
"إن وطار كاتب فكرة بالدرجة الأولى، وهو أن كتب قصة، فإنما ليعبر عن موقف فكري يشغله منذ زمن، ولعل هذا ما يسمح له أحياناً باعتبار شخصياته شخصيات واسطة"(19).
وهذه الوسطية –في رأينا- هي التي جعلت فن القصة في الجزائر في تلك الآونة يخضع لنمطية سكونية لا يبرحها "فإذا بحثنا عن الحدود الفنية لهذا الجنس ألفينا الحياة الاجتماعية والاهتمامات القومية تطل جميعها على القارئ الواعي من كل سطر من سطور القصة"(20). وهذا ما أثر على بناء القصة فنياً باعتراف النقاد الجزائريين.
ثالثاً: بنية الخطاب القصصي بعد الاستقلال
أ-فترة ما قبل الثمانينيات
هل يمكن الحديث عن ملامح قصة جزائرية متميزة فنياً عن القصة التي كتبت إبان الثورة. الحقيقة أنه لا يمكن ذلك لأن الجيل الذي كتبها في هذه الفترة هو نفسه الذي مارس كتابتها بعد الاستقلال، حيث كان خطابها يحمل الهم ذاته، إن لم نقل أنه ازداد تشعباً فالمضامين التي وجدت القصة نفسها في مواجهتها كانت أكبر مما يتصور، ولذا لا نخال الدارس يحتاج إلى طول تأمل من أجل أن يقتنع بطغيان المحور الاجتماعي على مضمون ما صدر من مجموعات قصصية، حتى كادت هذه الكتابات أن تتوحد في صوت واحد لترسم خطها البياني في عمق التحولات التي كان المجتمع الجزائري مقبلاً عليها، بحيث طغى مصطلح الالتزام الذي يستند –كما هو معروف- إلى خلفية أيديولوجية، هي وليدة تحولات مدارسية شهدتها أوربا مطلع هذا القرن فكان التزام الأديب الجزائري كما يرى وطار "نابعاً من اقتناعه في إطار الأيديولوجية الاشتراكية، وأن يكون كالتزام العامل المناضل الذي لا ييأس من صلاح الأوضاع، ويتحمل من أجل المحافظة على الخط الاشتراكي كل ما يصيبه من أتعاب"(21).
إن هذا النزوح المجتمعي الحاد الذي طبع آفاق عشريتين بعد الاستقلال كان يستمد مرجعيته من متن اجتماعي توحدت فيه كل الرؤى والتصورات "لتنتهي إلى الواقعية منهجاً في معالجة القضايا الحيوية المختلفة"(22). وهي معالجة لم تخرج عن الرصد السطحي لنوعية الصراع، فاعتمدت على الخطاب المباشر "مما أسقطها في الشعارية والسطحية، فابتعدت عن الفن وعن
الجمالية"(23).
ولعل ما يكشف هذا التوحد تحت وطأة عنف المضمون الذي شمل هذا الجنس الأدبي في الجزائر، وجعله يئن تحت سلطة محمول اجتماعي مباشر، وغاية موجهة ما ذهب إليه الطاهر وطار، حيث يشير في مقدمة روايته "اللاز" إلى قولـه: "سأقتطع من عمري سنوات أخرى ساعة، فساعة، لأصنع رسماً جميلاً لبلادي الثائرة بلاد التسيير الذاتي، والثورة الزراعية، وتأميم جميع الثروات الطبيعية والمسيطرة على تجارتها الخارجية والمتصنعة والتثقيفية، والواقفة إلى جانب جميع الشعوب المكافحة في العالم"(24). ومن أجل كل ذلك "نلفي ظل هذه الثورة لا يكاد يزايل كاتباً من الكتاب الجزائريين فمنهم من يؤثر فيه أشد التأثير ومنهم من يؤثر فيه تأثيراً عابراً، لكنه ثابت ملموس"(25).
ولعل الدراسة التي قدمها عبد الملك مرتاض في كتابه القصة الجزائرية المعاصرة، والتي توصل من خلالها –وبدقة إحصائية- إلى عنف المضمون وطغيان البعد الاجتماعي في سبع مجموعات قصصية لكتاب نخالهم يمثلون –بحق- القصة الجزائرية بعد الاستقلال. إن هذه الدراسة لا تترك أمامنا مجالاً للشك في ما أشرنا إليه سلفاً، بحيث استنتج الباحث تقاطع هذه الأعمال في محاور مشتركة لم تخرج في مجملها عن دائرة الفقر، والهجرة،
والأرض"(26). كما توضحه هذه الرسمة.

مج(1)

مج(4)

مج (7)

(فقر+ جهل+ هجرة…)
إن الحديث عن هذا الجيل وإن لم يستطع التخلص من ثقل مرحلة الثورة والتحولات الجديدة التي سايرت الأدب في تلك الفترة لا ينفي عنه كونه حاول أن يتمثل بعض التجارب الفنية التي وصلت إليها القصة العربية على الأقل، مما أدى ببعض كتابها إلى مراعاة المزاوجة بين الإبداعي والمضموني المجتمعي من خلال إطلاعهم على الروافد الفكرية والاحتكاك بالجامعة وطغيان المناهج الحداثية التي ركزت على الجمالية وتعاملت مع اللغة بوصفها بنية فعالة مؤثرة في السياق(27). لكن أغلب هذه الكتابات لم تفلح في الخروج من دائرة هذا الاجتماعي الطاغي، وهي فكرة يدعمها محمد مصائف حيث يشير إلى أن "معظم مواضيع القصة الجزائرية بعد الاستقلال لا تبرح الثورة وما يتصل بها من حديث عن الهجرة خارج الوطن، وآثار الاستعمار كما هو عليه في مجموعة زهور ونيسي-الرصيف النائم- ودودو في –بحيرة الزيتون- ووطار في الطعنات"(28). ولم تبرح القصة خلال هاتين العشريتين إطارها الذي رسمته لنفسها منذ بداية تشكلها مما يدفعنا إلى القول إنها لم تحدد لنفسها خصوصية، وسمات تميزها، مما جعلها تؤول إلى نمطية آلية وتكرارية مقيتة في خضم الواقع برصد أفقي، حتى أن الدارس لقصص هذه المرحلة لا يجد إلا صوتاً واحداً يتكرر عبر هذا التراكم الكتابي وقد ملت الأذن سماعه لأنه خطاب بات يعيد نفسه عبر عشرات القصص المنشورة هنا وهناك، وقد افتقرت إلى ذلك التصور الفني كمفهوم شامل للكتابة، "والاعتماد على الحالات الفردية والجماعية وتحركها المتواصل كتجسيد لمختلف المفاهيم النظرية والأيديولوجية، بل يكتفي بالرصد السطحي(29).
إن قصص هذه المرحلة لم تستطع أن تبلور تجربة فنية متميزة تتمظهر فيها التجليات الجمالية، بل راحت تؤسس التجربة المضمونية بكل عنف وتؤرخ مجتمعة لصيرورة البنية الاجتماعية مما جعل هذا العنف يسمو على كل تفكير في البناء الفني، ويطغى على كل تجريب يخص هذا الفن النثري.
ولعل أقرب شيء يمكن ملاحظته في عقم هذه المرحلة من حيث بنيتها الفنية هو عجز اللغة كأداة قوية في تثوير النص، والسير به بعيداً في عمق الأحداث فكانت غائبة عن ديناميكية الحدث، بحيث لا نشعر بأن هذا الرصف من الجمل إنما يتوحد ويشكل كلا متكاملاً مع تجربة الكاتب، بل نحس أن هناك انفصالاً رهيباً بين هذه اللغة المحكية كنسيج فني، وبين أحداث العمل القصصي.
وعليه فاللغة لم تسهم في كشف الأبعاد الدرامية للموضوع المتناول.
"فبدل أن تكون وسيلة للكشف، وتنمية الموقف الدرامي، فقد أصبحت عائقاً كبيراً يسهم بشكل مباشر في عملية الهروب من التشكيلات الجديدة للغة"(30).
فظلت بعيدة كل البعد في الكثير من المجموعات القصصية عن أداء دورها الفعلي، فهي سطحية لا تتجاوز لغتها البعد المعجمي، ولم تكن ذات ظلال وأبعاد نفسية يكشف من خلالها الكاتب عن أغوار الذات وتناقضات المواقف التي عالجها في تلك النصوص وبالتالي ظلت جامدة تحس أنها موظفة قسراً في كثير من الأحيان بل "أنك لواجد استخدام القاموسية الكلاسيكية، أو الكلام الميسور الأقرب إلى الأذن"(31).
ولعل ما يؤكد أن قصص هاتين العشريتين كانت كائنة بالمادة الاجتماعية أنها لم تكن تملك وعياً فنياً متكاملاً، لأن الصدق الاجتماعي والتاريخي في نظر كتاب هذه المرحلة هو الذي يغذي وينمي الصدق الفني. "ويتيح له الرؤية العميقة، والمضمون المؤثر الفعال"(32).
مع أن الأدب مهما زعم الزاعمون حول مفهومه ورسالته ووظيفته يظل جنساً ينتمي إلى الفن قبل كل شيء، والفن في أدنى مفهوم له يظل محتفظاً بطائفة من القيم الجمالية التي تضفي على الواقع سمة هي التي تكسبه في الحقيقة القدرة على التأثير في النفس. وهذه الانطوائية المضمونية هي التي جعلت فن القصة خلال المرحلة المذكورة يصنف ضمن الأدب الواقعي الحرفي، والذي كان أميناً للمرحلة، مما ولد نقداً مسايراً تمحورت رؤاه حول الطروح الاجتماعية الظرفية، فكان أن تواطأ- على الرغم من تواضعه- مع تلك الكتابات فلم يضايقها، أو يدخل معها في أسئلة الإبداع والنقد الحقيقيين.
وقد أرجع بعض الدارسين ذلك إلى أن الذين كانوا يمارسون الكتابة هم –أغلبهم- الذين مارسوا عملية النقد، مما أنتج تراكمات في الكتابات القصصية والنقدية تتقاطع جميعاً في محور الأدب والمجتمع وخطاباً ذا منظور إيحائي ضعيف، أسقط النص في تكرارية ونمطية "قللت من إنتاجيته الفنية نظراً لفقر الكتابة وعدم أصالتها وربما مدرسيتها"(33). وهذا كله حال دون تمثل –وبعمق- التجارب الفنية المتأصلة التي أثراها النقد الجديد وتلقفها كتاب القصة سواء في العالم العربي أو في غيره، فحتى التراث الذي هو امتداد للحاضر وقراءة في الماضي لم يستطيع كتاب القصة الجزائرية خلال هذه المرحلة امتصاصه على الرغم من إقبالهم عليه، "مما جعله عائقاً في وجه التقدم الفني لخلق لوحة جمالية معاصرة للواقع"(34).
كل هذا جعل فن القصة العربية في الجزائر بعد الاستقلال "خليطاً من القصص لا ملامح لها أو سمات تدل على اتجاه، أو اتجاهات واضحة وهذه الذبذبة بين أساليب مختلفة لا تعطي طابعاً خاصاً للقصة في مرحلة ما بعد الاستقلال"(35).
ب-ملامح القصة الثمانينية:
إن هذا المشهد الموحد للقصة الجزائرية خلال هذه الفترة التي تعرضت لها أو افتقارها إلى الخصوصية الفنية والاكتفاء بالبعد المضموني في أكثر الأحيان، هو ما جعلني أتلمس تجربة جديدة لكتاب جيل الثمانينات الذين –ومن خلال إطلاعي على بعض المجموعات القصصية وقصص منشورة بجرائد ومجلات وطنية- وجدت أنهم يمثلون تجربة جديدة مقارنة بمن سبقهم، ولعل ذلك لا يخلو من منطق فكري وثقافي، اتسمت به مرحلة هذا الجيل نشير إليها في الآتي:
1-فتور عنف المرحلة وتراجع محور المضمون:
إن القصة العربية الجزائرية في مرحلة ما قبل الثمانينيات كانت تعيش فضاءً متميزاً، طغى عليه عنف المضمون، ووظيفة الأدب، حتى غدا هم الكتاب الأوحد هو إخراج أعمالهم في ثوب اجتماعي سواء آمنوا بالفكرة أو لم يؤمنوا، يدفعهم في ذلك التشجيع الذي وجدوه من قبل وسائل النشر ذات التوجه الاجتماعي هي الأخرى حتى أننا أصبحنا أمام قصص هي مجرد بيانات سياسية، أو مقالات فكرية تعبر عن الواقع من خلال العام، دون أن تتوصل قبل ذلك أو من خلال ذلك إلى عقد صلة ما بين هذا العام، وبين الأجزاء، والمكونات الخاصة لهذا الواقع.
"فتصبح بذلك عاجزة عن إقناع غير المنتمين إلى نفس خط كتابها الفكري أو السياسي دون أن يتوافر فيها ذلك الإقناع الفني المفروض فيه أن يتوجه إلى كل الناس"(36). إلا أنه ومع بداية الثمانينات، ونتيجة التحولات الاجتماعية والفكرية التي شهدها العالم، وتقهقر الأنظمة الاشتراكية التي رسخت فكرها وأدبها عبر أنحاء العالم، بدأت الكتابات تتحرر من ربقة هذا التوجه سواء من قبل كتاب سبق لهم وأن تأثروا بهذا الاتجاه أو آخرين تمثلوا المرحلة الجديدة بكل محمولاتها الفكرية والجمالية، فراحوا يخوضون غمار التجريب على مستوى اللغة وتقنيات الكتابة القصصية، وقد تخلصوا من مضايقة المرحلة الأولى التي وحدت مضامين تلك الكتابات.
2-تطور مناهج العلوم وتأثيرها على الخطاب القصصي:
لا نشك لحظة في أن الجامعة الجزائرية قد أدت رسالتها الثقافية على الرغم من الانتقادات بحيث أسهمت في إثراء الدراسات الإنسانية، وإقحام مناهج حداثية كان لها الأثر الكبير في توسيع الرؤى والإقبال على النقد الجديد، وما يطرحه من طموحات في الميدان الفكري والإبداعي، ثم الاحتكاك بالقصة الجديدة أجنبية كانت، أم عربية، وهذا التحول الفكري والاجتماعي في نفس الوقت هو الذي أبرز جيلاً جديداً من القصاصين في تشكيل التجربة القصصية الحداثية بمحمولاتها المضمونية الجمالية وقد استطاعت هذه التجربة أن تؤسس لنفسها فضاءً فنياً لا يمكن تجاهله.
وهذا التحول يمثل –بحق- البعد الجمالي والتجريبي لقصة بدأت تخرج عن المألوف بحيث تخلصت من كثير من طروح سبقتها على المستويين، وتمكنت من توظيف رموز التجديد والحداثة، كما القصة المتطورة بعد اليوم، من تراث وأسطورة وغيرها إلى جانب تقنيات الكتابة الجديدة من سرد وحوار والتي لا يمكن للقصة الحديثة التخلي عنها للخروج من أسر الكلاسيكية.
3-تراجع النقد عن المفهوم السوسيولوجي:
يمكن إرجاع تحول القصة الثمانينية من المنظور الاجتماعي الموحد إلى التجريب على المستويات الفنية إلى تراجع النقد الجزائري عن دفاعه عن المضامين بعد اقتحام المناهج الحداثية عالم الكتابة والتنظير لخصوصيات الخطاب الأدبي، بحيث تخلص بعض النقاد العرب والذين يشكلون الخلفية الأيديولوجية لنقادنا الاجتماعيين من ذلك الهوس المتعلق بمضمون النص الأدبي، وهو ما يشير إليه حسين مروة حيث يقول:
"أنه لا بد أن أشير إلى خطأ شاب عملنا النقدي، وقد اعترفنا به أكثر من مرة، وهو أننا أولينا الجانب المضموني من العمل الأدبي الاهتمام الأكثر على حساب الجانب الفني"(37).
وهذا التحول في الخطاب النقدي المهيمن خلال فترة ما قبل الثمانينات هو الذي جعل القصة العربية في الجزائر تطمح إلى تمثل التجارب الفنية العربية والعالمية، بعيداً عن مضايقة النقد السوسيولوجي الذي بارك نصوصاً تفتقد إلى أدنى شروط الأدبية كونها تواطأت معه في التبشير لمضامين المرحلة. وعلى هذا بدأت التجربة القصصية الجديدة تتشكل حتى تؤسس لنفسها صوتها المتميز، وفضاءها الفني في خضم تحولات أدبية وفكرية مست عوالم الإبداع بشكل عام، وفن القصة بشكل خاص، وهذه الظروف الموضوعية التي سادت الحقبة الثقافية في الجزائر هي التي وجهت الأدب توجيهاً جديداً، وجعلته يقبل على مرحلة مختلفة من الكتابة.
ولذا لا نستغرب حين نجد أن فن القصة في هذه المرحلة قد أعاد تشكيل خطابه السلفي ليعانق فضاء التجريب ويمارس طقوس الإبداع بحرية تطفح بالرؤى التجاوزية والثورية على نمطية المضمون الكسيح الذي غدا عنواناً لفن القصة خلال عشريتين كاملتين. ولعل المعطيات نفسها بمعية الظروف التي أحاطت بالأديب، والتي أسهمت في هذا التحول هي التي تظهر جلياً من خلال الخطاب الأدبي لهذه المجموعات القصصية التي تعبر عن مرحلة أدبية في فن القصص، تتمرد على النمطية المعيارية، وتأخذ من اللغة البنية الأساس لإغناء التجربة الفنية.
ولا نخال دارس هذه المرحلة ينفي هذه الطروح، أو يتجاهل هذا التحول الملحوظ على مستوى اللغة والمضامين. فإذا كانت اللغة قد تخلصت من أسرها، ومن محدودية الدال، وأصبحت نسيجاً في فضاء سيميائي لا محدود، فإن المضمون هو الآخر قد تبنى جدلية عنف الطرح. ولم يعد أسير اللغة التي كانت رهينة مدلولات مرحلة تواطأ فيها –كما أسلفنا- المضمون في تشكيل خطاب موحد همه التبشير بأفكار موجهة إلى متلق كان هو الآخر أسير هذه الجدلية.
إن المضمون في هذه القصص الجديدة لم يعد مغلقاً يبدأ من عالم موحد ضيق الأفق، تحمله لغة لا تعدو أن تكون وسيطاً جافاً ثم تنتهي في قراءة موحدة هي الأخرى وذات مرجعية متصورة مسبقاً. لقد غدا هذا المضمون الجديد مساحة بقدر مساحة اللغة المتمردة على قوانين القاموس، تمرد على الإلزامية السلفية التي خنقت إبداعية القاص في المرحلة السابقة، وجعلته يتنكر لطبيعة الإبداع.
وهكذا جاء الخطاب القصصي الجديد ثائراً متحرراً من السكونية الماضوية وكأنه يريد أن يعانق الأرحب، وأن يتلمس روح الإنسان في جوهره لا في جانب، أو حيز صغير من ذاته ولعل اعتماده –الخطاب- على اللغة الجديدة التي تتخذ من الانزياح مرفأ لها، هو الذي زاد من عنفوانه. وعليه فالخطاب القصصي الجديد من خلال هذا الجيل من الكتاب يمكن اعتباره بنية مؤسسة لمرحلة أخرى في القصة العربية الجزائرية المعاصرة، تخرج عن سلطة النموذج إلى فاعلية التجريب والانفتاح، وتدمير الخطاب الأيديولوجي ذا الطبيعة الأحادية الدغمائية، فتتوحد فنياً لنمذجة حركة تحويلة تناهض الجاهز، وتطمح إلى فاعلية التأويل، بل إلى تدمير الميثاق السردي الكلاسيكي للوصول إلى زمن المغايرة والإدهاش، والقفز فوق الفصل بين الأجناس، أي إلى شعرية الخطاب القصصي.
"إن النقد المتحرر من مطاردة التفسيرات الخارجية التي تقدمها المعارف التاريخية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية، والتركيز على قيمة العمل الجمالية"38- قد مس الحركة الأدبية الجزائرية بشكل عام، بعد أن أطر النقد الاجتماعي النص الإبداعي- النثري خاصة- فترة طويلة. ولعل تراجعه عن عنف الخطاب المضموني يعود –كما سبقت الإشارة- إلى تحولات فكرية واجتماعية مست الكتابة بشكل ملحوظ.
وفي خضم هذا التحرر من أسر هذا الاجتماعي المقنن، عاد كتاب القصة الجدد يفتحون آفاقاً واسعة للإبداع، بحيث تميزت القصة عندهم بعنف خطابي شمل المضمون والشكل في آن. فمن حيث المضامين ألفينا أغلب هذه الأعمال تتطرق إلى مواضيع جديدة ومتعددة مفتوحة على العالم والذات، فهي لا تتقيد بما استهلك من طروح عالجها أغلب كتاب المرحلة المتقدمة. بحيث نجدها مواضيع إنسانية تنأى عن المحلية الضيقة وتنشد عالماً أرحب تتقاسم فيه البشرية همومها، وقد تجلى ذلك في قصص محمد دحو وعلال سنقوقة، ومفتي بشير وكذلك حسين فيلالي.
ولعل المظهرية الفنية التي فتحت لهم المجال واسعاً في ذلك، هي ثورتهم على طروح الشكل والمضمون التي بنى عليها النقد السوسيولوجي أفكاره وإدراكهم أن النص الأدبي كل متكامل تسهم في تشكيله عدة معطيات، وبالتالي اكتسبت هذه الكتابات جرأة في الطرح لم تتوفر في سابقاتها من خلال بنائها الفني المتميز بالتجريب على مستويات اللغة وطرائف السرد.
إن مضامين هذه القصص الجديدة قد تطرقت إلى أصغر الجزئيات في حياة الناس والمجتمع ولكن ليس بتلك الطريقة الفجة التي توظف المباشرة، وسذاجة الطرح "بل إلى شعور المبدع أنه يعيش دائماً في حركة تدفعه إلى أن يكون دائماً غير ذاته وغير الآخرين"39-.
وقد يقودنا هذا التصور للعملية الإبداعية عن هذا الجيل إلى فهم جديد للشكل على خلاف مفهومه عند الجيل السابق فهو لم يعد مجرد لغة وجمل ذات إيقاع خاص، بل تعدى ذلك إلى تمرد على القاموسية اللفظية، وبالتالي تغيرت نظرتهم للكون، "فلم يعودوا ينظرون إليه من حيث هو مجموعة من الأشياء المخلوقة، بل أصبحوا على العكس ينظرون إليه من حيث هو مجموعة من الإشارات والرموز والصور، ولم يعد العالم مكتوباً في نص أصلي أولي بشكل نهائي، وإنما أصبح على العكس كتاباً يكتب باستمرار"40.
وبالتالي فالرؤية الإبداعية لهذا الجيل قد كونت قاموسها الخاص وأبجدية كتاباتها، بحيث قربت مفهوم الفن وطبيعة الإبداع ذاته إلى هذه الأعمال، فكان أن غيبت سلطة الواقع الذي كان يثقل النص بمحمولات فكرية وسياسية كثيرة. ولعل من مميزات النص القصصي الجديد على مستوى المضامين هو عنفها وتنوع مشاربها حتى أن الكتاب التفتوا إلى جزئيات صغيرة تهم الإنسان في عوالمه الداخلية، ولم يكتفوا برسم الظاهر وكأنهم أدركوا –وهذا مؤكد- "أن الفن ليس نسخاً للواقع، وليس نسخاً للطبيعة إنه إبداع في إطار علاقة جدلية بين الداخل والخارج بين التجربة الشخصية والمعطى الموضوعي، بين الخاص والعام، إنه إعادة إنتاج ذاتية كلياً لموضوع ليس ذاتياً كلياً"41-. وهي فلسفة دعمتها نظريات الأدب المتجددة التي حاولت الإبداع والفن عامة، بحيث لم يعد تعبيراً في فراغ، وهو ما يشير إليه بيلنسكي الذي يرى "أن الفن ليس ثمرة فراغ أو نزوة إنه يكلف الفنان عملاً وهو نفسه لا يعرف كيف تنشأ في روحه غرسة العمل الفني الجديد"42. وعليه "تبقي اللغة مرتبطة بالثقافة الإنسانية، وإن الحاجة الاتصالية هي السبب الحقيقي لإنتاجها"43.
https://awladdz.info/vb/archive/index.php/t-33947.html









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 13:05   رقم المشاركة : 103
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.

13 - 08 - 2003, 06:00 AM #6
عبد الله البقالي
قاص مغربي

تاريخ التسجيل: 06 - 2002
المشاركات: 90
القصة في المغرب العربي .
اخترت ان اقدم القصة القصيرة الجزائرية لما عرفته من منحى متميز في تطورها عن القصة القصيرة . و للأمانة اشير الى اني اعتمدت من ضمن ما اعتمدت عليه دراسة انجزها الدكتور و الباحث الجزائري عبد الله خلف ركيبي التي تعد اهم مرجع عن تطور القصة الجزائرية في مراحلها الاولى ما قبل الاستقلال. واتمنى ان اقدم دلك بشكل مرض للجميع .
أ - القصة الجزائرية القصيرة
المهتم بمسار تطور القصة القصيرة الجزائرية يصادف مشاكل شتى تعود الى ندرة المراجع من جهة و الى موقف دعاة التجديد في مرحلة النهضة من القصة القصيرة كفن غير أصيل في الثقافة العربية . دلك امن مسار تطور القصة يظل مكتنفا بالغموض بسبب قلة المراجع وتفرقتها لعدم وجود مكتبة وطنية مستقلة في ظرف تاريخي معين كان يمكن ان تجمع ما كان يكتب . اد ان المكتبات الوطنية كانت خاضعة للتوجيه الاستعماري الدي لم يعن بجمع التراث الجزائري العربي ، بل أكثر من دلك عمل على طمسه و القضاء على معالمه . ولا ادل على دلك من حرقه مكتبة الجامعة الجزائرية . لهدا فالمراجع التي يمكن العودة اليها لانجاز اي بحث او دراسة توجد في حوزة الافراد وهي كما يشير الدكتور عبد الله ركيبي مراجع متمثلة في الصحف و الجرائد التي كانت تتعرض دوما للمصادرة و الحجز . كما ان الدي سلم منها فهي موجودة عند افراد هنا وهناك ومن ثم لا بد لأي باحث من ان ينتقل دوما من مكان لأخر لجمع ما تفرق من مصادر .
كما تجدر الاشارة وحسب نفس المصدر " القصة الجزائرية القصيرة " الى مشكل من نوع اخر أعاق تطور ظهور القصة القصيرة و أخر انطلاقتها ، وقد كان هده المرة من لدن من عملوا على احياء التراث القومي ، و الدين ركزوا بشكل اساسي على الشعر وحده باعتباره ديوان العرب ، ةحتى هدا الجانب لم يصل الى انجاز ابحاث او دراسات بقدرما انصب على التنويه و قوله . في حين فالموقف من القصة القصيرة طل متسما بالحدر معتبرينه فنا لم يوجد مستقلا عند العرب .
يقول الباحث " وجدت ان بدايتها الاولى ترجع الى اواخر العقد الثالث من القرن الماضي حين ظهرت في شكل المقال القصصي الدي هو مزيج من المقامة و الرواية و المقالة الادبية . وقد نشأ المقال القصصي و الرواية بتاثير المقال الديني الاصلاحي فتأثر به شكلا ومضمونا .
التطور
يجمع معظم المهتمين على تاخر نشأة القصة الجزائرية القصيرة ، وقد اشرت في التقديم الى العوامل التي عاقت هدا المخاض اضافة الى ما عاتنه الثقافة العربية . اد في الوقت الدي كان فن القصة قد تم وضع اسسه في الكثير من الاقطار العربية و لصبح له رواده كانت الجزائرما تزال تتلمس طريقها الى هويتها ، ولم تعرف الانطلاقة الا بعد الحرب العالمية الاولى حيث ظهرت حركات سياسية وطنية كانت وراء ظهور الشعور الوطني من خلال نداءاتها باحياء التراث و اللغة و الدين "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"الى جانب "كتلة النواب " و جمعية "نجم شمال افريقيا" التي نادت بالاستقلال .
يضيف الباحث د. ع ر. " هده الفترة هي بداية النهضة في الحركة السياسية التي اثرت في الثقافة فبدأت تنهض هي الاخرى ، بعد ان كانت الثقافة العربية قد وصلت الى تدهور مريع "
وقد ادى الوضع الطويل الدي عاشته الجزائر اثناء الاحتلال الى تأخر الادب عامة و القصة بشكل خاص . وافرز دلك ازدواجية في اللغة و الادب ، فظر تياران في القصة هدان التياران هما التيار العربي و التيار الغربي .
1 - التيار العربي وقد كان نتيجة ما تمخضت عنه الجهود بعد الحرب العالمية الثانية و المرتبط اساسا بدعوة الافراد الى احياء التراث القومي بالرجوع الى الينابيع الاولى ، وتوج هدا بظهور جمعية " العلماء المسلمين الجزائريين " سنة 1931 هده الاخيرة التي اتخدت كشعار لها " لا يصلح اخرهده الأمة الا بما صلح اولها "
وقد ارتبطت الحياة الادبية شعرا ونثرا بهده الحركة . وظهرت تنيجة لدلك مدارس ومعاهد وتكونت طبقة من المثقفين بالعربية ساهمت من ضمن ما ساهمت فيه ظهور القصة العربية ، وهي على عكس الشعر لم تجد الطريق ممهدا ، ومن ثم يفسر طهور القصة بأشكال بدائية تطورت فيما بعد .
ويظهر للدارس ان القصة الجزائرية ظهرت في شكلها البدائي بظهور الصحف العربية اواخر العقد الثالث في شكل " المقال القصصي " و "الصورة القصصية " وقد ظهر معا اواخر العقد الثالث في كتاب " الاسلام في حاجة الى دعاية و تبشير "
يضيف الدكتور عبد اله ركيبي ان القصة الفنية لم تظهر بدايتها الا بعد الحرب العالمية الثانية وتطور بعد دلك بسبب عوامل ومؤثرات لاحقة .
2 - بالنسبة للتيار الغربي فقد اتخد اللغة الفرنسية لدلة للتعبير . وقد نشأ هو الاخر متأخرا بالرغم من انه كان يفترض ان تنشأ القصة الجزائرية بالفرنسية مبكرا الا ان دلك لم يحدث لأن التعليم الفرنسي كان في البداية مقتصرا على الفرنسيين . ورغم انه تمت في وقت سابق اصدار قرار بجعل التعليم اجباريا حتى على الجزائريين فالسكان قابلوا المبادرة بحدر و اعتبواها محاولة للفرنسة . وتجدر الاشارة هنا وكما حدث في معظم دول المغرب العربي فتعليم الاهالي للفرنسية لم يهدف الى اكثر من تكوين موظفين اداريين لخدمة الادارة الاستعمارية . وكما هو معمول به في باقي الدول فقد حرم الجزائريون من التعليم العالي و القلة التي استثنيت كانت من الطبقة البورجوازية الموالية للمستعمر . ولعل هدا يفسر لمادا لم يظهر كتاب يكتبون بالفرنسية في فترة مبكرة بالرغم من ان القصة كانت قد قطعت في الغرب شوطا طويلا . كنا ان الدين اتيحت لهم فرصة التعلم تأثروا بالافكار الليبيرالية وهي التي دفعت بهم الى المناداة بالمساواة و البعض الاخر نادى بالاندماج الكلي . كما ان الادب لم يكن له ليستفيد من هده النخبة التي اهكتها الحروب السياسية التي استنفدت طاقاتها . كما ان هده الفئة لم تؤمن بالافكار الوطنية لتدفع بهاالى ان تعب عن واقع الشعب وكما يقول الباحث " فهؤلاء كانوا منفصلين روحيا زعاطفيا عن الشعب لحد ان البعض منهم انكر وجود وطن جزائري "
بالنسبة للأدب المكتوب بالفرنسية فيما بين الحربين فهو اما "صور قصصية" سادجة تصف المناظر الطبيعية او "قصص شعبية"كتبت بالفرنسية .
ولا يمكن اغفال كما يقول الباحث طبقة ثالثة كانت وسطا بين من تثقفوا ثقافة عربية صرفة وبين من ثقفوا ثقافة فرنسية صرفة ، وهي الطبقة التي درست اللغتين معا . وهده الاخيرة هي التي كان يمكن ان تساهم في تطوير الادب الجزائري مغدية الادب العربي بالثقافة الغربية لكنها مل تؤثر في الاثنين معا . بسبب ان المدارس لا تلقن اكثر مما يحتاجه التكوين للقيام بالوظائف . هده لالطبقة يقول عنها الدكتور عبد الله ركيبيب هي التي عبرت عن الوضع الشاد الدي عاشته اللغة العربية في صراعها مع الاستعمار كما عبرت عن التمزق الدي عاشته هده الطبقة التي لم تنل ثقافة عربية اصيلة و لا ثقافة غربية كاملة .
كخلاصة لما سبق لم يساعد مزدوجو اللغة على وجود قصة جزائرية بالفرنسية كما لم يتم هدا على يد الفئة التي تثقفت ثقافة فرنسية ، وانما حدث هدا بعد الحرب العالمية الثانية حين ظهر كتاب وطنيون يؤمنون بالشعب ويعيشون واقعه ، ولم يجدوا وسيلة للتعبير سوى اللغة الفرنسية التي تعلموها و اتقنوها. وبالرغم ان القصة الجزائرية بالفرنسية قد نشأت بعد الحرب الثانية الا انها بدأت في شكل "الصورة القصصية" اوائل الثلاثينات
ثم تطورت بعد دلك . وبقيام الثورة بدأت القصة الفنية بالغتين تشق طريقها نحو النضج .
__________________
الصيرورة أكبر من ان يختزلها ظرف عابر .
https://www.aljsad.net/showthread.php?t=21624







المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:

اللقب:
مشرفة عآمه
الرتبة:

الصورة الرمزية



البيانات
التسجيل: Jul 2008
العضوية: 1145
المشاركات: 11,460 [+]
بمعدل : 9.69 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 19
نقاط التقييم: 466



صورتك المفضلة MyMMS





التوقيت


الإتصالات
الحالة:

وسائل الإتصال:


مـجـمـوع الأوسـمـة: (الـمـزيـد» ...)





المنتدى : ♣Śťories
بحث شامل لكل ما يخص القصة القصيرة والرواية
ما هي القصة القصيرة ؟؟؟؟؟

ربما لا يوجد تعريف واضح ومحدد لذلك الفن المراوغ شديد التعقيد، شديد الجمال في آن واحد، ألا وهو القصة القصيرة...

وإذا كان القص في اللغة العربية يعني تتبع الأثر، فإن القصة القصيرة تعني أيمًا اعتناء بتتبع أثر لحظات إنسانية حياتية شديدة الأهمية منتقاة من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها.

والقص في جوهره وجهة نظر ذاتية وموقف من الحياة، والقص كظاهرة إنسانية نشاط ينشأ بالضرورة ويتطور منذ طفولة الإنسان، وهي كظاهرة قد وجدت منذ وجدت المجتمعات الإنسانية المبكرة لتلبي حاجات نفسية واجتماعية، ورغم اختلاف الكتاب والنقاد حول وضع تعريف ما للقصة القصيرة فإنهم تلاقوا على أنها "نص أدبي نثري تناول بالسرد حدثًا وقع أو يمكن أن يقع"، أو هي "حكاية خيالية لها معنى، ممتعة بحيث تجذب انتباه القارئ، وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية".

لكن طبيعة القصة القصيرة أنها مثل الفن عمومًا، لا تخضع للتعريفات الشاملة المستقرة، حيث إنها ليست مجرد قصة تقع في صفحات قلائل، بل هي لون من ألوان الأدب الحديث الذي نشأ أواخر القرن التاسع عشر -بماهيته المتعارف عليها الآن، دون الالتفات للتجارب البدائية سواء عربيًّا أو غربيًّا- وهذا اللون له خصائص ومميزات شكلية معينة، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، قال "موباسان": "إن هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة، لا يصلح لها إلا القصة القصيرة لأنها عندما تصور حدثًا معينًا لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده"، وربما كان هذا هو أهم اكتشاف أدبي في العصر الحديث؛ لأنه يلائم روح هذا العصر، حيث إنه الوسيلة الطبيعية للتعبير عن الواقعية التي لا تهتم بشيء أكثر من اهتمامها باستكشاف الحقائق من الأمور الصغيرة العادية والمألوفة.

والقصة القصيرة تروي خبرًا، وليس كل خبر قصة قصيرة ما لم تتوافر فيه خصائص معينة.. أولها أن يكون له أثر ومعنى كلي، أي تتصل تفاصيله وأجزاؤه بعضها ببعض، بحيث يكون لمجموعها أثرًا، كما يجب أن يكون للخبر بداية ووسط ونهاية، حتى يكون هناك ما يسمى بالحدث.

ولقد افترض الكاتب الأمريكي إدجار ألان بو محددا للقصة القصيرة عندما قال: "إنها عمل روائي يستدعي لقراءته المتأنية نصف ساعة أو ساعتين"، وربما كان ما يسعى لتعريفه هو "أنها يجب أن تقرأ في جلسة واحدة".

لكن يبدو التعريف الأشمل هو الذي يطرحه د. الطاهر مكي – الناقد الأدبي هو أنها: حكاية أدبية – قصيرة، وبسيطة الخطة- تحكي حدثًا محددًا طبقًا لنظرة رمزية -الشخوص فيها غير نامية- تُوجِز في لحظات أحداثًا جسامًا معتمدة على مبدأ التكثيف فكرًا ولغة وشعورًا مما يمكنها من النجاح في نقل دفعة شعورية فائرة.
https://www.sqlbe.com/vb/showthread.php?p=335000









رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 19:21   رقم المشاركة : 104
معلومات العضو
دموعي تهون
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية دموعي تهون
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
من فضلك أختي ممكن تساعديني في موضوع بحث يتضمن وصف للخليفة العباسي أبو جعفر المنصور في نظر إبن خلدون.أو تزوديني بمعلومات حول هذا الموضوع.انتظر ردك على أحر من الجمر فلا تبخليني.
شكرا والسلام عليكم










رد مع اقتباس
قديم 2011-10-21, 19:34   رقم المشاركة : 105
معلومات العضو
*أميرة الكون*
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ، اختي بارك الله فيك على المجهودات و ربي يجعلهالك في ميزان حسناتك و ميزان من فقدتي أسكنه الله فسيح جنانه
أود أن اطلب منك أختي بعض المراجع فيما يخص مستويات البحث العلمي أو منهجية البحث العلمي فلدي صديقة تدرس سنة ثانية علوم إجتماعية و هي بصدد إنجاز بحث في مقياس المنهجية فيما ذكرت سابقا فأرجو منك مساعدتي إن امكننك ذلك و بارك الله فيك أخيتي










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مرجع, يبدة, ساساعده

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:20

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc