*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - الصفحة 9 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-11-29, 21:36   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات النقد الادبي القديم


مفهوم النقد الأدبي ووظيفته
مدخل:


إن مفهوم النقد الأدبي العام يحمل معنى أخلاقيا يهدف إلى ذكر العيوب فيقال مثلا : " نقد فلان فلانا " أي أعابه ولامه على فعل أو عمل سيئ ما ، وأصل لفظة "نقد " يعود إلى العملة التي بتداولها القدم والتي تجمع على " نقود ولهذه الكلمة عدة مشتقات يقال : " نقد الدراهم ، وانتقده " وسميت العملة بالنقد لأنها تنقد ، والنقد بالنسبة للمصرفي هو تفحص الدراهم وتحديد قيمتها أو كشف صححيها من زائفها والناقد هنا هو البصير والخبير بشؤون النقود يتفحصها ويحللها ويقيمها ، وقد انتقل هذا المدلول إلى مجال الأدب فصار كذلك يعنى بنقد الإنتاج الأدبي وتقييمه وإصدار الحكم عليه نظرا لما بين المصرفي وناقد الأدب من أوجه التشابه في مهمة كل منهما ، فالنقد الأدبي هنا له مدلول اصطلاحي يعنى بتقدير العمل الفني ومعرفة قيمته ودرجته في الجودة في الأدب أو غيره من الأعمال الفنية الأخرى كالتصوير أو الموسيقى أو النقش ...الخ والنقد الأدبي لا يعني مجرد تشخيص العيوب أنما يعني تقدير العمل الفني والحكم عليه بالحسن أو القبيح أي من حيث الجودة والرداءة .

- بين المبدع والناقد:
إن المبدع أي الفنان حرفي عمله الفني ، أما الناقد فمقيد بشروط الموضوعية وبقوانين النقد ومعاييره عند الحكم على العمل . وقد يكون الناقد نفسه مبدعا وقد لا يكون أي هو مجرد ناقد كما يلاحظ لدى العديد من النقاد في تاريخ النقد العربي وقد يلاحظ أحيانا اختلاف الأحكام النقدية حول العمل الأدبي والأمر ذلك يعود إلى اختلاف درجات الأذواق والأحاسيس بين النقاد ولكن بالرغم من ذلك يبقى هناك حد مشترك بين النقاد لا يمكن الخروج عنه .
ومن مميزات النقد الأدبي أنه أقرب إلى العلم منه إلى الفن فالفرق مثلا بين البلاغة وبين النقد أن للبلاغة جانب فني تسعى إلى تعليم المنشئ الإتيان بتعابير فنية بليغة ، أما النقد فإنه يبين الأسس التي تقدر بها تلك العبارة البليغة الجميلة أي أن البلاغة تعني بالشكل أما النقد فيعني بالشكل والمضمون ولذلك يميل الناقد أحيانا إلى مهاجمة المبدع لأن الناقد مقيد بقواعد تمنعه من التحليق في الخيال المفرط الذي نلمسه في العديد من الأعمال الإبداعية .

************************************************** ************************************************** ************************

"المحاضرة الأولى"


النقد في العصر الجاهلي:

أوليات النقد الأدبي عند العرب : تعود بداية النقد العربي إلى العصر الجاهلي وكان وراء ظهوره عوامل أهمها : خروج العرب من جزيرتهم والاتصال بالبلدان الأخرى المجاورة كالشام والعراق وبلاد فارس بدافع التجارة أو الحروب يضاف إلى ذلك مظاهر التعصب القبلي الذي كان سائدا بين القبائل وقد كان لهذه العوامل أثرها في ظهور النقد الأدبي وازدهاره ورغم أن بدايته كانت ساذجة بسيطة فإنه قد ساعد على تطوير شعرهم بما يقدم من ملاحظات حيث كان الناس معجبين بالشعر يستمعون ويتأملون قصائد الشعراء ويشيرون إلى مواطن القوة ومواطن الضعف فيفضلون شاعرا على آخر لفحولته وحسن إصابته أو ما تفرد به في شعره عن غيره ...الخ

أوليات الشعر الجاهلي :
لم يظهر الشعر الجاهلي هكذا ناضجا كما هو بين أيدينا ، إنما مر بضروب ومراحل طويلة من التهذيب حتى بلغ ذلك الإتقان الذي أصبح عليه في أواخر العصر الجاهلي وكذلك الشأن بالنسبة للنقد ، فقد ظهر مع بداية الشعر وما وصل إلينا من شواهد نقدية لا يدل على البداية الأولى لهذا النشاط وما بين أيدينا من أحكام نقدية إنما تعود إلى أواخر العصر الجاهلي كذلك بعد أن خطـــــــــــــــــــا هو الآخر خطوات ومن مظاهره ما كان يجرى فيما يسمى «بالأسواق» تارة التي يجتمع فيها الناس من قبائل عدة فيتذاكر الناس فيها الشعر ويلتقي فيها الشعراء ومن صور النقد الجاهلي ما كان يجري في بلاط ملوك الحيرة وغسان حيث يلتقي الأمراء والأعيان بالشعراء فيستمع فيها الحضور إلى ما قال الشاعر في مدح الممدوح فيعقبه نقاش وأحكام حول المآخذ ،وما أورده الشاعر من معاني تليق بمقام الممدوح ....الخ ، فهذه النماذج هي أولى الصور النقدية التي وصلتنا من العصر الجاهلي أما قبلها فمغمور وغير معروف لم يصل إلينا منه شيء يذكر.
ومن أبرز مظاهر النقد الجاهلي ما كان يجري في سوق عكاظ المشهورة التي كانت سوقا تجارية وموعدا للخطباء والدعاة وكانت في آن واحد بيئة للنقد الأدبي يلتقي فيها الشعراء كل عام ليتنافسوا ويعرضوا ما جاءت به قرائحهم من أشعار، ومما ذيع في كتب الأدب أن الشاعر النابغة الذبياني كانت تضرب له قبة حمراء ، من جلد في ناحية من السوق فيأتيه الشعراء ، ليعرضوا عليه أشعارهم ومما يروى في ذلك أن الأعشى أنشد النابغة مرة شعرا ثم أنشده حسان بن ثابت ثم شعراء آخرون ثم أنشدته الخنساء قصيدتها في رثاء صخر أخيها التي قالت فيها :
وان صخرا لتأتم الهداة به * * * كأنه علم في رأسه نار
فقال النابغة: لولا أن أبا بصير" يعني الأعشى" انشدني من قبل لقلت أنك اشعر الأنس والجن .
وقد أعاب العرب كذلك على النابغة بعض الإقواء الذي لوحظ في شعره في قوله:
امن آل مية رائح أو مغتدي * * * عجلان زار زاد ، وغير مزودِ.
زعم البوارح أن رحلتنا غدا * * * وبذاك حدثنا الغداف الأسودُ.
حيث اختلفت حركة الروي مما يؤدي إلى خلل موسيقي وقد فطن النابغة إلى ما وقع فيه ولم يعد إلى ذلك في شعره .
وأورد حما د الراوية أن شعراء القبائل كانوا يعرضون شعرهم على قريش فما قبلته كان مقبولا وما ردته كان مردودا،وقد قدم عليهم مرة علقمة بن عبدة فأنشدهم قصيدة يقول فيها :
هل ما علمت وما استودعت مكتوم؟ فقالوا: هذا سمط الدهر أي رائع وسيبقى في ذاكرة التاريخ .
وقد سمع طرفة بن العبد المتلمس مرة ينشد بيته :
وقد أتناسى الهم عند احتضاره بناج عليه الصيعرية مكدم .
فقال طرفة :استنوق الجمل لان الصيعرية سمة في عنق الناقة لا في عنق البعير .
ونلاحظ من خلال هذه الشواهد أن النقد الجاهلي كان يعنى تارة بملاحظة الصياغة أي الشكل وتارة أخرى بملاحظة المعاني من حيث الصحة والخطأ ومن حيث الانسجام المطابق للسليقة العربية فقد ذمً الإقواء في شعر النابغة لأنه اخل بالانسجام وسلامة الوزن وحسن الصياغة لان الشعر عند الجاهليين هو حسن الصياغة وحسن الفكرة والمعنى وهو نظم محكم ومعنى مقبول وإلا ما كان شعرا فالمعنى الذي أورده المتلمس في بيته الشعري إنما هو معنى فاسد مرفوض لأنه اسند صفة لغير ما تسند إليه .
فهذه القيم والمبادئ هي أهم المجالات التي جال فيها النقد في العصر الجاهلي التي تجنح إلى الحكم على الشعر من حيث المعنى تارة والمبنى تارة أخرى والتنويه بمكانة الشعراء وقدراتهم أما الذهاب إلى البحث مثلا في طريقة نظم الشاعر أو فحص مذهبه أو البحث في صلة شعره بالحياة الاجتماعية فذلك كان مازال غائبا لم يلتفت إليه الناقد إذ كان يأخذ الكلام منقطعا عن كل مؤثر اجتماعي خارجي وحتى عن بقية شعر الشاعر فهو نقد جزئي انطباعي أساسه السليقة والانطباع الذاتي .
على أننا لا ننفي أن غرض الناقد كان يسعى أحيانا إلى وضع الأمور في مواضعها ووضع كل شاعر في المكانة التي هو جدير بها فحركة الروي في شعر النابغة كما أشرنا آنفا لابد أن تكون واحدة وذلك بطرح الإقواء والبعير ينبغي أن يوصف بما هو من صفاته أصلا لا بصفات غيره وان الشعراء ينبغي أن يصنفوا وفق قدراتهم فلا يقدح الضعفاء على الفحول ويعني هذا أن للناقد الجاهلي قيما فنية كان يحرص على تحقيقها حيث يقرر الأحكام تارة في مجال الصياغة وتارة في مجال المعاني غير أن النقد الجاهلي على العموم إنما هو قائم أساسا على الإحساس بأثر الشعر في نفس الناقد والحكم دائما مرتبط بهذا الإحساس قوة وضعفا عماده الذوق والسليقة وليست هناك مقاييس تقاس بها الأحكام فما الذي فضل به النابغة الخنساء على الأعشى؟ وما الذي كان رائعا في بيته؟ فهي أحكام لاتقوم على تفسير أو تعليل ، وعلى قواعد محددة ، فالنابغة اعتمد في حكمه على ذوقه الأدبي دون ذكر الأسباب والعرب حين نفرت أسماعهم من الإقواء في شعر النابغة ، إنما فعلوا ذلك استجابة لسليقتهم ، ورفض طرفة للمعنى الذي جاء في بيت المتلمس نابع من الفطرة العربية التي تأبى وصف الشيء بغير وصفه أو ما فيه .
روي أن حسان بن ثابت سئل عن بيت القصيد في قصيدته يفتخر فيها فأجاب بأنه الذي يقول فيه :
لنا الحفنات الغر يلمعن بالضحى * * * وأسيافنا يقطرن من نجدة دما .
فأعاب عليه النابغة بأنه افتخر ولم يحسن الافتخار لأنه أورد كلمات غيرها اقرب وأوسع مفهوما ، فقد ترك الجفان والبيض والإشراف والجريان واستعمل الحفنات والغر واللمعان وهي دون سابقتها فخرا .
فالبيت فيه امتحان لقدرات الشاعر على أدراك اللفظة الصحيحة في مكانها الصحيح وتؤدي المعنى بشكل أقوى حيث علق النابغة على محتوى البيت مخاطبا حسانا :
أقللت أسيافك وجعلت جفانك قلة ويعني بذلك أن على الشاعر أن يكون عليما باللغة ويحسن وضع المفردة لما تدل عليه والربط بين الدال والمدلول ، ومن الشواهد النقدية ما ورد في قصة «أم جندب» حين تنازعا علقمة الفحل وامرؤ القيس وادعى كلاهما انه اشعر فاحتكما إليها فقالت لهما: قولا شعرا على روي واحد وقافية واحدة تصفان فيه الخيل ففعلا فانشد بها زوجها امرؤ القيس قائلا:
فللسوط ألهوب وللساق درة * * * وللزجر منه وقع احوج منعب
وقال علقمة :
فأدركهن ثانيا من عنانــــــه * * * يمر كمر الرائح المتحلب
فقضت أم جندب لعلقمة على امرئ القيس لان فرس امرئ القيس يبدو كيلا بليدا لم يدرك الطريدة إلا بالضرب والزجر والصياح خلاف فرس علقمة الذي انطلق بسرعة الريح ولم يحتج إلى الإثارة فهو ابرع وسرعته طبيعية أصيلة ويلاحظ أن أم جندب ، اعتمدت في حكمها على بعض القواعد وهي :
وحدة الروي والقافية ووحدة الغرض حتى تبدو بحق براعة كل شاعر في إطار الشروط المحددة ، ونستنتج من هذا أن النقد الجاهلي لم يكن يعتمد دائما على مجرد السليقة والفطرة بل كانت له أحيانا شبه أصول وقواعد يعتمد عليها .


************************************************** ************************************************** *********************

المحاضرة الثانية "

نقد الموازنة:


هو ذلك النقد الذي يدور حول موضوع واحد او في قضايا متقاربة اوفكرة واحدة مشتركة قصد التعرف على أفكار كل أديب و اكتشاف خصائص كل نص في معناه او مبناه . و في صوره وأسلوبه ولغته المأخوذة من مادة واحدة.
و الموازنة ليست عملية فكرية و عقلية فحسب . بل هي بالإضافة إلى ذلك عملية ذوقية و جمالية . لأن الناقد أثناء ملاحظته للأعمال الإبداعية المشتركة و المتشابهة إنما يعتمد في ذلك كذلك على ذوقه الأدبي الذي يعطيه القدرة للقيام بعملية التقييم بين العملين .
فنقد الموازنة يقوم على الملاحظة و الفهم و الإدراك ثم الحكم . فهو نوع من الوصف أو نوع من النقد يقوم على الملاحظة للتمييز بين العناصر المتشابهة و المختلفة في الموضوع الواحد للوصول إلى الحكم النهائي .
و يعتبر نشاط الموازنة نشاطا عربيا أصيلا له إرهاصات و امتداد في المورث الأدبي وفي التراث النقدي بالخصوص. وقد ظهر في شكل بداية ساذجة يتميز بطابع العفوية عمادها الذوق الفني الفطري التأثري الذي لا يستند على قواعد موضوعية معينة . و الشواهد النقدية في التراب النقدي العربي تثبت أن عملية الموازنة و المفاضلة عملية قديمة قدم الشعر العربي حيث تعود بدايتها إلى العصر الجاهلي . إذ كثيرا ما كان العرب القدامى يقومون بهذا النشاط عند الحكم على الشاعر أو على الشعر أو عند التنويه بصاحبه لما في شعره من عناصر الجودة سواء في الصياغة أو في المضمون . ومما ذيع في كتب الأدب ما كان يجري في سوق عكاظ . الذي سبق الإشارة إليه . و ما كان يقوم به النابغة في هذا المجال . حيث كانت تضرب له فيه قبة حمراء من جلد فيأتيه الشعراء يعرضون عليه أشعارهم . و كثيرا ما وازن القدماء بين القصائد الشعرية و بين الشعراء واستخلصوا في الكثير من الأحيان بعض أوجه التشابه و الاختلاف . وقد نوهوا بالبعض بما كان لهم من براعة و إمكانيات خاصة . ومن خلال عملية المفاضلة هذه أعجبوا ببعض القصائد واعتبروها درة أو يتيمة . ولاحظوا بعض الخصائص التي تميز بها شاعر عن آخر . فقد لقبو النمر بن تولب بالكيس لحسن شعره وسموا طفيل الغنوي: طفيل الخيل لمهارته و براعته في وصفه لها . وسموا قصيدة سويد بن أبي كاهل بالقصيدة اليتيمة التي تقول فيها:
بسطت ربيعة الحبل لنا *** فوصلنا الحبل منها ما اتسع.
وكانت موازنتهم تقوم أساسا على ملاحظة حسن الصياغة و حسن الفكرة : فهل المعنى مقبول . أو غير مقبول . وهل النظم مقبول أو غير مقبول . والى أي مدى تحقق ذلك الانسجام و الصقل المطابق للسليقة الغربية.
ومن مظاهر الموازنة عندهم ما ذكر عن أم جندب حين تنازع علقمة الفحل وامرؤ القيس . وزعم كل من هما أنه الأشعر .
فتحاكما إلى أم جندب الطائية زوج امرىء القيس التي ذكرنا من قبل ومن صور الموازنة كذلك ما قام به ربيعة بن حذار الأسدي في حكمه على شعر شعراء تميم الذين كانوا في مجلس شراب . واختلفوا إذ زعم كل واحد منهم أنه اشعر . فاحتكموا إليه . فقرأ كل واحد منهم بعض شعره عليه . وبعد ان وازن بين ما سمع من شعر . أخذ يصف شعركل شاعر ومايتميز به . فقال :اما عمرو فشعره برود يمانية تطوي وتنشر . واما انت يا زبرقان فكانك جل حتى جزروا قد نحرت فاخذ من اطاييبها وخلطة بغير ذلك . ولا ما انت يا عبدة فشعرك كمزادة اخكم خرزها فليس يقطر منها شيء .
نلاحظ ان احكام الناقد فيها تشبيهات مستمدة من الواقع فكما ان لحم الشاة تتباين درجات جودته وحسن مذاقه فكذلك تفاوتت جودة شعر الزبرقان حيث فيه الجيد والرديىء . وقد شبه الناقد شعر عبدة بن الطيب بالمزادة التي احكم خرزها دلالة على قوة بناء شكل شعره وصياغته حيث لاتوجد فيه اللفظة الزائدة او العبارة المهلهلة أي أن أسلوب شعره محكم رصين.
ولهذا النشاط حضور مستمر واسع في الحركة النقدية العربية حيث ازدادت أهمية بعد العصر الجاهلي وتوسع خاصة عند شعراء النقائض بسبب اشتداد جزيرة النزعة العصبية القبلية . ورجوعها من جديد بعد أن خمدت في صدر الإسلام . بسبب اشتغال الناس بالفتوحات . وما يلاحظ في موروثنا النقدي أن أكثر النقاد العرب القدماء كانوا يقرون باستقلالية البيت الشعري الواحد. لذلك كانوا ينشدون المتعة الفنية في كل بيته في معزل عن غيره من أبيات القصيدة . وان البيت الجيد عندهم هو ما كان موجزا يسهل حفظه ويرسخ معناه في العقل و القلب. ولذلك نجد عندهم ما يسمى ببيت القصيد . أو واسطة العقد . وأغزل بيت. وأهجى بيت. وأمدح بيت. ووصفهم الشاعر فلان بأنه أشعر الشعراء ....الخ . غير
إن هدا المقياس لم يكن هو المقياس الثابت دائما لدى نقدة الشعر كلهم، إذ هناك الكثير منهم من قال بضرورة التلاؤم والتلاحم بين العمل الأدبي بحيث يؤدي فيه كل بيت وظيفته كما تؤدي أعضاء الجسم فيتحقق بذلك التكامل العضوي.
ونجد هذا اللون في عملية المفاضلة عند ابن سلام الجمحي في كتابه " طبقات الشعراء" حيث راح من خلال عملية الموازنة يقسم الشعراء إلى طبقات جاهليين وإسلاميين، وإلى شعراء مدن وبادية، ولاحظ من خلال العملية كثرة شعر بعض وقلة شعر البعض الآخر، وتعدد الأغراض لدى البعض ومحدوديتها عند البعض الآخر ...إلخ، وعلى أساس عملية الموازنة وضع الشاعر في المكانة التي ينبغي أن يكون فيها حتى لا يقدم الناس الشعراء الضعاف على الفحول.


تطبيق

فطن العرب الجاهليون إلى روعة النغم في الشعور إلى جودة المعاني وعرفوا بطبعهم ما هو حسن من عناصر الشعر وما هو رديء عرفوا أن من لصياغة ما هو سهل، وما هو جزل، وما هو عذب سائغ، وعرفوا أن من المعاني ما هو صحيح مستقيم، وما فيه زيغ وانحراف، عرفوا ذلك طبعا ل تعلما، فلم يكن عجيبا أن يتكلموا فيعربوا ، وأن ينظموا فيصححوا الوزن دون أن يكون لهم عهد بنحو أو صرف أو عروض.
السـؤال: اشرح الأحكام القديمة الواردة في النص مبينا مقياس الجاهليين في معرفة الشعر الجيد والرديء مدعما شرحك ببعض الشواهد من نقد العصر الجاهلي.




************************************************** ************************************************** ******************


المحاضــرة الثالثة

موقف الإسلام من الشعر : يبدو موقف الإسلام من خلال موقف الرسول إلى الشعر و الشعراء و له فيه موقفان موقف اعتبر الشعر أداة هجينة كشعر الخمريات و الغزل الماجن و شعر الهجاء الذي يمس كرامة الغير و يؤدي مسامهم و يخدش أحاسيسهم ، خاصة ذلك الهجاء الصادر من المشركين ضد الإسلام و المسلمين لما فيه من مس بأعراض المسلمين و ضرر بالعقيدة الإسلامية ، و قد عارض الرسول (ص) هذا اللون من الشعر و رفضه و عاقب الخصوم المشركين الذين تقولوا عليه و على المسلمين فيما نظموه من شعر في هجائه و هجاء العقيدة الإسلامية .
أما الموقف الثاني فيتمثل في إعجاب الرسول (ص) و حبه لسماع الشعر النظيف الذي يحمل القيم والأخلاق الحسنة الذي لا يتعارض مع التعاليم و المبادئ الإسلامية و خاصة ذلك الذي بنافع عن الإسلام و المسلمين فقد كان الرسول (ص) كثيرا ما يستمع إلى شعر حسان بن ثابت فيؤثره على غيره فيما قال من شعر في نصرة العقيدة الإسلامية الجديدة و قد اعتبر هذا اللون من الشعر سلاحا حادا لا يستغني عنه صاحب دعوة و قد كان الرسول (ص) يحث على سماع و نظم الشعر الجيد بل كان يكافئ عليه ، و لعل حثه لحسان على نظم الشعر و عفوه عن كعب بن زهير لدليل على تذوقه للشعر و على موقفه الإيجابي منه فقد كان عربيا فصيحا يحب الكلام الحسن و البليغ و إذا اعتبر الشعر سلاحا حادا يتصدى به للخصوم المشركين و بها جمعهم بنفس الوسيلة نظرا لما كان للكلمة من أثر على النفس و قد قالوا "جرح السيف يزول و جرع اللسان يطول" أي أن أثر الكلمة في النفس أقوى من جرح السيف و قد حث الرسول حسان بن ثابت الذي كان شاعر الرسول للرد على شعراء المشركين و جعل شعره سلاحا يتصدى به لهم ، و قد كان جزع قريش من هجاء حسان شديدا لما في معانيه من صفات الهجاء المقذع ، اللاذع ، و قد كان المسلمون أنفسهم يعتمدون عليه اعتمادا كليا للدفاع عنهم و التصدي لخصومهم المشركين و نصرة الدعوة الإسلامية خاصة في سنواتها العشرة الأولى لأنهم كانوا يرون فيه الملكة الشعرية أقوى و أنضج مما في غيره من شعراء المسلمين إذ وجدوا في معاني شعره ما يشبه الأسلحة الماضية التي تريح نفوسهم و تشفى غليلهم من حيف الخصوم.
و قد ورد في القرآن تصنيف الشعراء إلى صنفين ( )شعراء مؤمنون لم يخرجوا عن حدود التعاليم الإسلامية ، و شعراء ضالون بما قالوا من شعر هجين غير أنه و بالرغم من نبذ الإسلام لشعر هؤلاء فإنه بقي مسامحا معهم لأنهم يقولون ما لا يفعلون و ثمة فرق بين القول و الفعل و مجرد القول فالشاعر و إن ظل بشعره فإنه مجرد قول لم يربط بين القول و الفعل. و لذلك تسامح الإسلام مع الشاعر مقدرا طبيعته البشرية التي يتجاذبها الخير و الشر فقد أعطى الإسلام للشاعر حق القول و أعطاه حريته و لكن عليه أن يتحمل تبعه ما يقول من وجهه نظر الدين و الأخلاق و المجتمع.
ثم إن الإسلام نظر إلى النفس البشرية في طبيعتها في حالة ضعفها و قوتها واعترف لها بصفة الضعف و لكي حثها على الاجتهاد و التدبر لتصل إلى الفضيلة و التحلي بالقيم العالية ، و لذلك ففي الوقت الذي حرم فيه أفلاطون الشعر كون الشاعر قد يفسد الأخلاق أو يسئ إلى سمعة الآلهة نجد الرسول (ص) يتذوق الشعر و يعجب بأساليبه الجيدة و بمعانيه التي تتلاءم مع دعوته و قد قال (ص) لا تترك العرب الشعر حتى تترث الإبل الحنين".
و قد كان كثيرا ما يخوض في مسائل الشعر مع الوافدين إليه من المسلمين و يلتقي بالشعراء أنشد الرسول (ص) قول عنترة
و لقد أبيت على الطوى و أظله حتى أنال به كريم المأكل .
** فقال (ص) ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة.**
و للخلفاء الراشدين آراء و أحكام نقدية تبين نظرتهم الإسلامية إلى الشعر فقد ظلت وقود العرب المسلمين بعد وفاة الرسول تفد إلى المدينة فيخوضون في أخبار رجالات الجاهلية من شعراء و أبطال و أجواد و كثيرا ما كان الخليفة يشاركهم الحديث و يخوض معهم فيما يخوضون من نقاشات ، و من أبرز الخلفاء الذين عرفوا بذلك ، عمر بن الخطاب ، فقد كان عالما بالشعر و ذا بصيرة فيه يتذوق أساليبه الجميلة معجبا بالشعر الذي يلتزم الأخلاق الحسنة و بالمقابل كان ينهي عن شعر الخمرة و الهجاء و الغز الفاحش و يعاقب عليه و أن بدا في موقف عمر هذا بعض الصرامة مع الشعراء الذين قالوا في أعراض لا ينبغي القول فيها فإنه موقف طبيعي لأنه موقف خليفة شديد التدين حريص على سلامة الإسلام و المسلمين يسعى إلى بناء مجتمع إسلامي بنية سليمة.
و يتلخص موقف عمر فيما ورد عنه من آراء في الشعر و الشعراء ، فقد تحدث مرة مع و فد عطفان حين و فد إليه فسألهم قائلا : أي شعرائكم الذي يقول :
-أتيتك عاريا خلقا ثيابي * على خوف تظن به الظنون
-فألقين الأمانة لم تخنها * كذلك كان نوح لا يخون
قالوا : النابعة ، قال : فأي شعرائكم الذي يقول :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * و ليس وراء الله للمرء مذهب
قالوا : النابغة . قال : هذا أشعر شعرائكم ، أي لأن النابغة أشعر شعراء قومه غطفان على كثرتهم .
و قال عمر مرة لبعض ولد هرم بن سناق : انشدني بعض مدح زهير أباك ، فأنشده فقال عمر: إذ كان ليحسن فيكم القول . قال : و نحن و الله إذ كنا لنحسن له العطاء فقال عمر : قد ذهب ما أعطيتموه و بقي ما أعطاكم.
و يروي أن ابن عباس قال : قال لي عمر ليلة مسيرة إلى الجابية في أول غزوة غزاها ، هل تروي لشاعر الشعراء ؟ قلت : و من هو ؟ قال الذي يقول :
و لو أن حمدا خلد الناس أخلدوا * و لكن حمد الناس ليس بمخلد .
قلت : ذلك زهير . قال : فذلك شاعر الشعراء قلت . و بم كان شاعر الشعراء ؟ قال : لأنه كان لا يعاضل في الكلام ، و كان يتجنب وحشي الشعر و لم يمدح أحدا إلا بما فيه .
إن قيم المال تزول و قيم الأفعال الحسنة تبقى عبر الزمان ،و قد خلد زهير ما قام به هدم بن سنان من جميل الأفعال بما قدم من ماله الخاص لإخماد حرب داحسن و الغبراء التي اشتعلت بين قبيلتي عبس و ذبيان و قد أسهم عمر بن الخطاب في إنضاج و تطوير الحركة النقدية بما أورد من تعليل و تفصيل لم نعهده في النقد الجاهلي الذي كان مجملا غير معلل .
فزهير في نظر عمر بن الخطاب سهل العبارة لا تعقيد في تراكيبه و لا وحش في ألفاظه ، و معانيه بعيدة عن الغلو و الإفراط في الثناء الكاذب فهو لا يمدح الرجل إلا بما فيه من فضائل وشعر زهير يكمن في أنه حسن العبارة و المعاني و جميل الصياغة و نلمس هنا أن ملاحظات عمر ليست جزئية كما كان الأمر في نقد العصر الجاهلي الذي اقتصر على نقد الشكل تارة و المضمون تارة أخرى و نادر ما يعني بالشكل و المضمون كما نلاحظ عند عمر بن الخطاب الذي تناول بالتقييم شعر زهير من حيث المبنى و المعنى.
أما نبذ عمر شعر الهجاء مثلا و معاقبه أصحابه عليه فلأن هذا اللون ينال من أخلاق المهجو ويشوه صورته و يحط من مروءته و عرضه ، فهو نوع من القذف يرفضه الإسلام و يعاقب عليه من يحرص على إقامة حدود الله و العمل بشريعته و قد أورد الرواة أن الحطيئة هجا الزبرقان بن بدر بقصيدة مما جاء فيها :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ** واقعد فإنك أتت الطاعم الكاسي
فشكاه الزبر قان إلى عمر ، فأمر بسجنه لما في البيت من قذف و مس بعرض الزبرقان ولم يطلق سراحه إلا بعد أن أخذ عليه أن لا يهجو أحدا من المسلمين و بعد أن قال الخطيئة يعتذر من سجنه :
ماذا تقول الأفراخ بذى مرخ ** زغب الحواصل لا ماء و لا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ** فاغفر عليك سلام الله يا عمر.
و لا يختلف موقف علي بن أبي طالب من الشعر و الشعراء عن موقف عمر ، فهو موقف متأثر بالإسلام و بكتابه الكريم و مستمد منه و لم يقل الإمام على فيما قال في الشعر و الشعراء إلا من وجهة نظر الإسلام فنظرته نظرة متسامحة مع الفنان الشاعر متطابقة مع نظرة الإسلام ، فهو لم يعتبر قول الشاعر مثلا في الخمرة يوجب الحد مثل شربها و ذلك عملا بما جاء في القرآن الكريم "و أنهم يقولون ما لا يفعلون ..."
إن الإسلام أعطى الفنان حرية واسعة و لم يجعله عبدا لا يفعل إلا ما بما عليه دون إرادة ، و إذ يدعوه إلى سلوك اجتماعي مقبول فإنه لم يسلبه حرية الموقف الشخصي و حرية التفكير و التعبير شرط أن لا يؤذي غيره و أن يتحمل عواقب أقواله و أفعاله ، و من أشهر النصوص الواردة عن الإمام علي و التي يبدو فيها العديد القيم و المعايير النقدية الجديدة المستمدة من نظرة الإسلام للشعر ما تحدث به في البصرة بين بعض المتخاصمين حول الشعر ، قال : "كل شعرائكم محسن و لوجمعهم زمان واحد و غاية واحدة و مذهب واحد في القول لعمنا أيهم أسبق إلى ذلك وكلهم قد أصاب الذي أراد و أحسن فيه ، و إن يكن أحد أفضلهم فالذي لم يقل رغبة و لا رهبة امرؤ القيس بن حجر فإنه كان أصبحهم بادرة و أجودهم نادرة".
إن الإمام علي لا يرفض و لا يستثنى أي لون أو غرض من أغراض الشعر حتى الوثنى منه مادام شعرا جميلا باعتباره تراث العرب جميعا و ذلك بغض النظر عن عقيدة أو جنس أو لون صاحبه ، و نلمس في أحكام على تحطيمها للعصبية القبلية و الفكرية و الجنسية التي ألغاها الإسلام ، و لأن المقياس النقدي المعتمد على عصبية الدم أو الجنس أو اللون ليست من مقاييس النقد الصحيح إطلاقا ، ثم هناك إشارة في النص إلى صعوبة المقايسة بين شاعرين أو أكثر في عصرين أو في غرضين مختلفين و ذلك لعدم توفر الشروط الموضوعية التي تسمح بذلك ، و فضلا عما في النص من قيم فنية و معايير نقدية جديدة فيه كذلك إشارة إلى ضرورة توفر الحرية للشاعر لأنه لا شيء يقتل الإبداع و يجفف القريحة كالخوف و النطق بلسان الغير لا بلسان الشاعر ، فالشاعر لا يكون شاعرا حقا و هو يقول غير ما يشعر به هو حق أو يخش القول فهو في ذلك عبد يقول ما لا يشعر و يضمر.


للتطبيـــــــــق

كان عصر البعثة حافلا بالشعر ، فياضا به ، و إن ضعف في بعض نواحيه، فالخصومة بين النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه من ناحية ، و بين قريش و العرب من ناحية أخرى كانت عنيفة حادة لم تقتصر على السيف و اللسنان ، بل امتدت إلى البيان و الشعر ، و إلى المناظرات و الجدل ، و إلى المناقضات بين شعراء المدينة و شعراء مكة ، و غير مكة من الذين خاصموا الإسلام و ألبوا العرب عليه.
كان شعراء قريش و من والاهم يهجون النبي و أصحابه ، و كان شعراء الأنصار يناقضون هذا الهجاء و لعل ذلك أول عهد حقيقي للنقائض في الشعر العربي ، و لعل تلك الروح هي التي أنهضت هذا الفن في الشعر ، فازدهر في العصر الأموي ازدهارا تاما هذه المناقضات بين مكة و المدينة كانت تدعو إلى النقد ، و إلى الحكم ، و إلى الإقرار و الادعان ، و كان العرب يقدرون هذا التهاجي ، و يؤمنون بما فيه من قوة ، و يفصحون عمّا فيه من لذغ و إيلام .
كانت قريش تجزع كل الجزع من هجاء حسان ، و لا تبالي بشعر ابن رواحة ، و كان ذلك قبل أن تسلّم فلما أسلمت رأت في الشعرين رأيا آخر ، فقد كان حسان يطعن في أحسابهم ، و يرميهم بالهنات التي تنال من العزة الجاهلية ، و كان عبد الله ابن رواحة يعيرهم بالكفر ، ثم أسلموا وكان شعر ابن رواحة هو الذي يحز قلوبهم حزا ، فهم كانوا يرون أن حسانا أعظم الشعراء الخصوم ، و يرون معانيه أحد و آلم من معاني أي أنصاري آخر ، و هم إذن يرون الهجاء المقذع المرّ ما تعرض للحرم و الأنساب ، لا ما تعرض للعقيدة والدين .
و من جهة أخرى كان المهاجرون و الأنصار يعدون حسانا الشاعر الذي يحمي أعراض المسلمين ، يبعثون في طلبه حين تفد الوفود ، و يفزعون إليه حين تأتيهم القوارض ، فيبلغ من حاجتهم ما لا يبلغه صاحباه ، و الكلام كثير في أن النبي صلى الله عليه و سلم قدم المدينة فتناولته قريش بالهجاء ، و هجوا الأنصار معه ، و أن عبد الله بن رواحة ردّ عليهم فلم يصنع شيئا ، و أن كعب بن مالك لم يشف النفس ، و إنما الذي صنع و شفى ، وصب على قريش من لسانه شآبيب شر هو حسان ، و الكلام كثير في استماع النبي لحسان ، و في إيثار النبي لحسان ، و في أن المسلمين كانوا يعتمدون اعتمادا حقيقيا على حسان في هذا الضرب من النضال لأنهم كانوا يرون معانيه من الأسلحة الماضية التي تجزع منها قريش ، و هنا روح النقد ظاهرة : واضحة في مكة و المدينة : فحســـان بـــن ثابت كان أعظم شعراء الحلبتين عند قريش و المسلمين في السنوات العشر التي أقامها النبي عليه السلام في دار الهجرة.
تاريخ النقد الأدبي عند العرب، لطه أحمد إبراهيم

المطلوب: استخرج الأحكام النقدية التي يتضمنها النص ثم أشرحها حسب ترتيبها مبينا موقف قريش من شعر حسان بن ثابت وابن رواحة معللا سبب اختلاف موقف قريش من شعر الشاعرين قبل و بعد إسلامها.


************************************************** ************************************************** *********************



المحاضرة الرابعة


النقد الأدبي القديم : النقد في العصر الأموي

نما النقد الأدبي في العصر الأموي وازدهر في بيئات ثلاث هي : الحجاز و العراق و الشام ، وقد تلوّن في كل بيئة بلون الحياة و الظروف الاجتماعية و السياسية التي أحاطت بكل بيئة، لأن الأدب انعكاس للواقع ، وباختلاف ظروف كل بيئة اختلف الشعر فأدى ذلك إلى اختلاف النقد بين هذه البيئات .

1 - النقد في بيئة الحجاز :

ازدادت أهمية منطقة الحجاز ومكانتها في صدر الإسلام وخلال الحكم الأموي مما كانت عليه أضعاف مضاعفة ، فقد أصبح الحجاز - وخاصة أثناء خلافة الأمويين - خزانة للأموال التي جمعها الأمراء وقادة الجيوش الإسلامية من خلال الفتوحات للعديد من الأمصار. وقد لجأ إليه بسبب ما كان عليه من ثراء واستقرار العديد من أعيان العرب وأثريائهم من مختلف الجهات.
وقد نجم عن هذا الاستقرار والترف ظهور الجواري غير العربيات جئن من مختلف النواحي، فظهر الغناء وفشا بعض الفساد. وقد كان الحجاز من ناحية أخرى مركزا دينيا يدرس فيه القرآن، ويشرح فيه الحديث من قبل أهل العلم بالدين و الفقه، فصار العديد من الرجال المسلمين يفدون إليه من مختلف الأقطار الإسلامية ليأخذوا عن رجاله علمهم بالكتاب و السنة، ومما استنبطوه من أحكام شرعية في مختلف القضايا ، وقد أصبح الحجاز نتيجة لهذه العوامل مركزا دينيا وبيئة للهو و الترف في آن واحد .
وقد ازداد بمرور السنين تدفق الأموال من الشام " مركز الخلافة " على أهل الحجاز لجلب ولائهم وتأييدهم وإسكات المعارضين للخلافة وصرف نظرهم عن المطالبة بالسلطة نتيجة للخلاف الذي كان حول من هو أحق بالخلافة بين الأمويين وبين علي بن أبي طالب، وبين من شايعوا عليا (
وقد استمال ذلك الجوُّ المترف الهادئ الناسَ نحو الأخذ بمتع الحياة وأسباب اللهو كالغناء و الموسيقى مما طبع الحياة هناك بطابع يندر وجوده في البيئات الأخرى .
وقد عكس هذا الجو وهذه الحياة الناعمة ذوقا أدبيا جديدا أدى إلى بروز جيل جديد متفائل مرح، وقد عبر أحد رجالات ذلك العصر قائلا : " إنما الدنيا زينة فأزين الزينة ما فرح النفس وقد فهم قدر الدنيا من فهم قدر الغناء " .
وقد عكس الشعراء في شعرهم هذا الجو المرح حيث مالوا هم كذلك إلى شعر الغزل الذي رسموا فيه صورا عن واقع الحياة في بيئتهم، وامتد ذلك إلى النقد كذلك حيث انكب النقاد حول هذا اللون من الشعر يحللون ويبحثون ما فيه من مظاهر الضعف أو القوة و الجمال . ومن أبرز الأسماء الناقدة شخصيتان هامتان هما : ابن أبي عتيق الذي ينتمي نسبه إلى أبي بكر الصديق، و السيدة سُكَيْنَة بنت الحسين بن أبي طالب حفيدة الرسول (.
وقد ترجمت أحكام السيدة سُكينة النقدية ذوقَ جيل ذلك العصر، وكان العديد من الشعراء يفدون إليها ويلتقون بها في مجالسها ، ولعلّ إن وجود رجل ناقد لا يثير التساؤل فإن وجود ناقدة أنثى بهذا الحجم قد أثار تساؤلات عدة دلالة على ما أصبحت تحظى به المرأة من مكانة اجتماعية وتقدير واحترام، وعلى حضور صوتها في تطوير الشعر وتوجيهه على المنوال الذي يليق بالمرأة العربية المتحضرة الجديدة ، وحتى لا يصور الشاعر المرأة من وجهة نظره فقط التي قد يعارض مع ما يليق بها ، وصار لا يجوز أن يقول الشاعر ما يزعج المرأة أو ما يتعارض مع ذوقها وإحساسها الرهيف الذي أصبحت تتقبل به النص الشعري .
و نجمت عن التباين الزماني والحضاري بين الحياة العربية القديمة و الحجازية المتحضرة الجديدة المطالبة بصور ومعان شعرية مغايرة لما كان عليه الحال في العصر الجاهلي فقد رفع الإسلام من شأن المرأة ومكانتها في المجتمع، ومن ثم راحت تخوض فيما يخوض فيه الرجل سواء بسواء، فكان دخولها حقل النقد واحدا من العوامل ، يضاف له عامل السلوك المتحرر عند الجواري المثقفات المجلوبات و القادمات من البلدان المتحضرة المفتوحة، فهذه العوامل شجعت المرأة الحجازية على الخوض في مناقشات أدبية ونقدية حول مضامين الشعر وقضايا الأدب بصفة عامة ، فراحت السيدة (سُكَيْنَة) تتأمل النصوص الشعرية وتفحص الصورة التي رسمها الشاعر للمرأة وتحاول أحيانا أن تجري عليها بعض التعديلات حتى تتلاءم مع ذوق المرأة من خلال ما كانت تبديه من ملاحظات ، وقد قال عنها صاحب الأغاني يصفها : " إنها كانت من أجمل نساء عصرها ، وكانت برزة تجالس الأجلاء من قريش ويجتمع إليها الشعراء ، وكانت ظريفة مزاحة " .
وقد كان لنسبها الكريم أثره في أحكامها النقدية التي كانت مرجعيتها ذلك الاحترام و التقدير الذي يكنه الرسول (h) للمرأة المستمد من روح القرآن ، إذ قال الرسول (h) : " مَا هَانَ النِّسَاءَ إِلاَّ لَئِيمٌ ، وَمَا أَكْرَمَهُنَّ إِلاَّ كَرِيمٌ " .
هذه هي القيم التي أرادت السيدة سكينة أن تغرسها للمرأة في النص الشعري ، بعد أن كان بعض شعراء الحجاز حين يصف المرأة يصفها من الأعلى إلى الأدنى ، وجعل بعضهم نفسه في أشعاره فلكا تدور حوله النساء، كما هو الأمر مع عمر بن أبي ربيعة الذي قلب مفهوم الغزل ، كما يبدو في بعض قصائده ، وأن بعضهم شهّر بالمرأة ، وبعضهم الآخر أبدى شيئا من الإهمال وعدم التقدير حين يصف المرأة ، وهي صور من التقاليد الباقية من العصر الجاهلي التي لم تعد في نظر سكينة مقبولة، لأن ذلك الامتهان أو الذل الذي كان في العصر الجاهلي قد ولى وعلى الشاعر أن يعتبر المرأة مادة غير مبذولة وغير رخيصة، وأن يسلك معها سلوك الرجال الفرسان الشجعان .
ومما ورد عنها من شواهد نقدية في هذا الموضع حكمها على بيت جرير:
طرقت صائدة القلوب وليس إذا حين الزيارة فارجعي بسلام .
فلاحظت أن في البيت خلالا قائله : أفلا أخذت بيدها ورحبت بها، وقلت : ادخلي بسلام ، أنت رجل عفيف .
فقد فرقت الناقدة بين الكلام عن الأحاسيس العاطفية وبين الأخلاق، فالشاعر هنا يتكلم عن العواطف لا عن الأخلاق ، وفرق كبير حين يستقبل الإنسان شخصا ما وحين يستقبل عزيزا عليه .
وقد روت عنها كتب الأدب نماذج كثيرة من نقدها الظريف ، فقد سمعت " نُصَيْبا" يقول:
أَهِيمُ بِدَعْدٍ مَا حَيِيتُ فَإِنْ أَمًُتْ فَوَاحُزْنَا مَنْ ذَا يَهِيمُ بِهَا بَعْدِي
فعابت عليه صرف نظره إلى من يعيش مع " دَعْد " بعده ورأت الصواب أن يقول:
أَهِيمُ بِدَعْدٍ مَا حَيِيتُ فَإِنْ أَمُتْ فَلاَ صَلُحَتْ دَعْدٌ لِذِي خُلَّةٍ بَعْدِي .
وقد امتد هذا اللون من النقد في موضوع الغزل إلى نساء أخريات، فقد عاتبت " عَزَّةُ " " كُثَيِّرًا" في وصفه لها بالمظاهر الشكلية غير الطبيعية ، وقالت له لما لا تقول مثل ما قال امرؤ القيس في وصفه المرأة :
أَلَمْ تَرَنِي كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقًا وَجَدْتُ بِهَا طِيبًا وَإِنْ لَمْ تَتَطَيَّبِ.
وقد استرققت " عَزَّة " قول "الأحْوَص" وفضّلته على كثير في بعض معانيه في وصف المرأة مثل قوله :
وَمَا كُنْتُ زَوَّارًا وَلَكِن الْهَوَى إِذَا لَمْ يُزَرْ لاَبُدَّ أَنْ سَيَزُورَ.
وكان "ابن أبي عتيق" من رجال هذا التيار النقدي الذي يفحص ويدرس هذا اللون من شعر الغزل المعبر عن الحياة المترفة المتحضرة ؛ ومن شواهد نقده في هذا الموضوع أنه سمع مرة عمر بن أبي ربيعة ينشد شعرا في غرض الغزل :
بينما ينعتنني أبصــــــــرنني دون قيد الميل يعدو بي الأغرّ
قالت الكبرى أتــعرفن الفتى ؟ قالت الوسطى : نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمــــتها قد عرفناه وهل يخفى الــقمر ؟
فقال ابن أبي عتيق معلقا على مضمون ما قال : أنت لم تنسب بها إنما نسبت بنفسك ،أي كأنه لم يتغزل بالمرأة إنما تغزل بنفسه .
وقد برز إلى جانب هؤلاء النقاد نفر من الشعراء مارسوا النقد إلى جانب الشعر، فقد سمع عمر بن أبي ربيعة " كُثَيِّرًا " يقول :
ألا ليتنا يا عَزُّ ( ) كنا لدى غنى بعيرين نرمى في الخلاء ونعـــــزب ( )
كلانا به عر( ) فمن يرنا يـــقول على حسنهما جرباء تعـدي وأجرب
إذا مـــا وردنا الــماء صاح أهله علـــينا فما ننفك نُرمى ونُضــــرب .

فقال عمر : تمنيت لها ولنفسك الرّق و الجرب و الرمي و الطرد و المسخ ، فأي مكروه لم تتمن لها ولنفسك ، لقد أصابها منك قول القائل : " معاداة عاقل خير من مودة أحمق " .
وقد حدد النقاد الحجازيون مقياس الغلو و المبالغة في رسم العاطفة، ومن ثمة صار إذا ما عبر الشاعر عن عاطفته بغُلُوّ أو بصورة خارجة عن المألوف كانت غريبة مضحكة تشبه النوادر. قال عمر لبن أبي ربيعة شعرا فيه غلو :
ومَــــــن كانَ مَحْـزُونًا بإهْرَاقِ عَبْرَةٍ وهــيَ غَرْبُهَـــا فلْيَأتِنَا نَبْكِهِ غَدَا
نُعِنْهُ عَلى الأثْكَال ( ) إنَ كانَ ثَاكلاً وإنْ كان مَحزونًا وإن كَان مقصِدَا ( )
فمضى بن أبي عتيق إلى عمر وقال له : جئناك لموعدك ، قال : وأي موعد بيننا ، قال : قولك : " فليأتِنَا نَبْكِهِ غَدَا " . وقد جئناك و الله لا نبرح أو تبكي إن كنت صادقا أو ننصرف على أنك غير صادق ثم مضى وتركه.
إن مثل هذه الصور زائدة عن اللزوم في التعبير عن الأحاسيس العاطفية و المواقف و بالتالي فهي صور ساخرة غير مقبولة لأنها غير صادقة.

************************************************** ************************************************** *******************

المحاضرة الخامسة

2 - النقد في بيئة العراق :

اختلف الشعر في بيئة العراق عما كان عليه في الحجاز والشام، فالشعر في العراق يشبه إلى حد كبير الشعر الجاهلي في مضمونه وأسلوبه، ويعود ذلك إلى عامل العصبية القبلية التي عادت إلى الظهور من جديد بعد أن تلاشت في صدر الإسلام حيث نبذها الإسلام، وكانت أغلب موضوعات الشعر في العراق في الافتخار و الاعتزاز وهجاء الخصوم بالهجاء المر المقذع. أما غرض الغزل وغيره من الأغراض الأخرى، فكانت ليست ذات أهمية وقليلة الرواج، فانحصر الشعر غالبا في تلك النقائض التي حمل لواءها بالخصوص الشعر الثالوث الخطير : الفرزدق وجرير و الأخطل الذين جعلوا من العراق أشهر مكان للتنافس و التباري في هذا اللون من الشعر .
وقد ساعد على انتشار شعر النقائض وولوع الناس به في سوق الشعر الذي كان يشبه سوق عكاظ في الجاهلية، يفد إليه الناس من كل جهة، ويجتمع فيه الشعراء ينشدون الأشعار في صورة تشبه ما كان عليه في الجاهلية من مفاخرة بالأنساب وتعاظم بالكرم و الشجاعة وإبراز ما لقوم كل شاعر من فضائل وأيام .
وقد كان لكل شاعر حلقة ينشد فيها شعره ويحمس أنصاره في جو مملوء بالهرج و النقاش حتى قيل أن والى البصرة ضج بما أحدثه هؤلاء الشعراء من صخب واضطراب في أوساط الناس فأمر بهدم منازلهم.
وقد احتفظ العديد من الكتب النقدية القديمة بصور ونماذج من هذه الحركة الشعرية و النقدية، وما كان يجري بين جرير و الفرزدق والأخطل حيث يقوم الشاعر بنظم قصيدة في هجاء خصمه والافتخار بذاته وبقومه على وزن خاص وقافية خاصة ، فيقوم الآخر بنقضها بنظم قصيدة مماثلة ويحوّلها إلى هجاء مضاد على نفس الوزن و القافية . وقد تشكلت في هذا الإطار ثلاثة معسكرات ، كل واحد تعصب لشاعر وفضله على خصمه والتمس محاسن شعره فيشيعها، ويبحث عن معايب الآخر فيشهّر بها .
وقيل إن الأخطل تحالف مع الفرزدق ضد جرير لكن جريرا أفحمهما . وقيل أن كذا وأربعين شاعرا تحالفوا ضده فأسكتهم لقدراته ومهارته في هذا الفن، وقد كانت هذه الخصومات سببا في غلبة هذا الاتجاه على الشعر والنقد في العراق حتى اعتبر الشاعر غير السائر على طريقة هؤلاء في المدح و الهجاء شاعرا متخلفا ضعيفا .
قال ذو الرمة مرة للفرزدق : مالي لا ألحق بكم معشر الفحول ؟ فقال له : لتجافيك في المدح و الهجاء واقتصارك على الرسوم و الديار . أي أنه مازال ينظم على منوال القدماء ولم يساير الظروف . لذلك لا نجد أثرا لمثل ذلك النقد الذي كان في الحجاز أو الشام وإنما نجد نقدا آخر يتلاءم مع طبيعة البيئة العراقية، وما كان فيها من شعر حيث اتجه النقاد هناك إلى الموازنة بين الشعراء، وأي الثلاثة أشعر ؟ وسموا هذا قضاء وسموا الذي يحكم قاضيا ، وسموا الحكم و الحاكم أي الناقد " حكومة " .
و قال جرير في الأخطل لما فضل الفرزدق عليه :
فدعوا الحكومة لستموا من أهلها إن الحكومة في بني شيبان
غير أن هذا النوع من النقد لم يكن الوحيد في العراق لأن هناك بعض الشعراء من قال شعرا خارج شعر النقائض، ولذلك راح بعض النقاد يعنى بمميزات شعر الشاعر ، وما تفرد به عن غيره، و البحث عن مواطن ضعفه وقوته وموازنته بغيره وإصدار الحكم عليه ، كحكم الفرزدق على النابغة الجَعْدِيّ بأنه صاحب " خُلْقَان " و البيت يساوي عنده آلاف الدراهم و البيت لا يساوي إلا درهما. وحكمه على ذي الرمة بجوده شعره لولا وقوفه عند البكاء على الدِّمَن، وكذا حكم جرير على الأخطل بأنه يجيد مدح الملوك ، وموازنة الأخطل بين جرير و الفرزدق بأن جريرا يغرف من بحر، والفرزدق ينحت من صخر .
وإلى جانب نقد الموازنة في شعر النقائض، وكذا النقد الذي يعنى بإبراز ما تفرد به بعض الشعراء في شعرهم عن غيرهم ، فهناك نقد يعنى بالمعاني الجزئية في شعر الشاعر دون موازنته بغيره ، فقد نقد الحجاج الفرزدق حين مدحه في قوله :
من يأمن الحجاج و الطير تتقى عقوبته إلا ضعيف العزائم
فقال الحجاج : الطير تتّقى كل شيء حتى الثوب و الصبي. وفضّل عليه قول جرير فيه نفس المعنى :
من يأمن الحجاج أما عقابه فمُرٌّ وأما عهدُه فوثِيق .
* البحث في السرقات الأدبية :
وقد ظهر هذا الضرب من النقد الأدبي انطلاقا من نظرة الإسلام لمفهوم السرقة حيث اعتبرها انحرافا اجتماعيا، وقد حرم السرقة بجميع أشكالها. وذهب بعض الشعراء ينسبون لقبائلهم شعر شعراء قبائل أخرى ، وأحيانا ينسبون لأنفسهم البعض من جيد الشعر الجاهلي حتى يظهروا بمظهر الفحول فيعلو مقامهم ويذيع صيتهم ، وللفرزدق تهم عديدة ، فقد كثرت مصادرته لشعر غيره، كما تذكر بعض الروايات تُهَمَ الأصمعي له بأن تسعة أعشار شعره سرقةٌ. و تذكر روايات أخرى سرقة الأخطل لمعاني الأعشى في الخمرة . وكان كذلك يستعين بأشعار "تَغْلب" في خصومته مع الفرزدق، وتارة يستعين بشعرائها في نظم قصائده، واتهم " كُثَيّر عَزّة " بالسرقة من شعر "جَمِيل بُثَيْنَةَ" حين يتغزّل بعَزّة .. وقد كان لأخبار سرقة الشعر صدى واسع في أوساط الشعراء ولدى العامة أيضا .
وإلى جانب هذا كان في العراق حركة أخرى أدبية ونقدية مغايرة هي حركة متأثرة بالإسلام وبتعاليمه تسمى حركة الخوارج، التي كان لها شعر قوى رائع ابتعدت فيه عن المدح و الهجاء ، بل كان شعراؤها يهدفون إلى إرضاء عواطفهم بالاستهانة بالموت في سبيل الله و الحث على الشجاعة وإنكار شهوات النفس وتسخيرها لإرضاء الله ، مستخلصين ذلك من قوله تعالى :  إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يَُقْتَلُونَ  ( سورة التوبة ، الآية 111) .
ولهم في هذا شعر يفيض بقوة إيمانهم وشدة شجاعتهم . وقد امتدت نزعتهم هذه إلى نقدهم حيث راحوا يهوّنون من شعر الشعراء الذين يتكسبون ويتمسحون بالأمراء ليمدحوهم بما ليس فيهم حتى ينالوا المال و المكانة، ويرون أن الشاعر الحق هو من صدق في قوله واتقى الله في شعره. وواضح أن الخوارج يزنون الشعر بميزان ديني أخلاقي، أما غيرهم فيزنونه بميزان فني بحث ، غير أن دور الخوارج في الحقل الأدبي ضعُف بضعفهم سياسيا.

3 - النقد في بيئة الشام :

فإن كان أكبر مظهر الأدب في بيئة الحجاز هو الغزل وأكبر مظهر للأدب في العراق هو الفخر والهجاء فإن أكبر مظهر للأدب في الشام هو المديح ، ولذلك اختلفت الحركة النقدية في الشام على ما كانت عليه في الحجاز و العراق ، فقد عاشت الحركة النقدية هناك في بلاط الخلفاء الأمويين ، وفي قصور وُلاّتهم في مختلف الأقاليم و الأمصار ، وسبب ذلك هو أن دمشق كانت عاصمة الخلافة الأموية يفد الشعراء إلى خلفائها من كل الجهات، و كان بنو أمية عربا أقحاحا فصحاء يتذوقون الشعر ويعجبون به ويطربون لسماعه ويكافئون الشعراء عليه، و كنت قصورهم شبه منتديات للشعر ومراكز للفصاحة والادب في ذلك الوقت











 


رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 21:50   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات النقد العربي الحديث


المحاضرة الأولى والثانية

مختصر الأولى : ليس هناك مقرر محدد للمادة والمطلوب في الامتحان ما سأعطيه في المحاضرات النظرية فقط .

وستوزع مفردات المقرر على جزءين

1- سنتعرف فيه إلى أول مؤلف في النقد الأدبي العربي الحديث وهو قسطاكي الحمصي : صاحب كتاب "منهل الوراد في علم الانتقاد".

2- سنتعرف إلى بعض القضايا النقدية التي قاربها بعض النقاد العرب أو اختلفوا حولها .

المحاضرة الثانية

ما هو النقد الأدبي ؟ ....

هل الدراسة الأدبية نقد أبي ؟ بالتأكيد لا

ما هو تعريف نظرية الأدب .

ثمة مقولة لسقراط "كل إنسان فان , سقراط إنسان سقراط فان"

فكل شيء يبدأ بمقدمة لينتهي إلى نتيجة تنطلق من تلك المقدمة لتشكل نظرية .

ومفهوم النظرية متشعب : في الطب نظرية , في الجغرافية نظرية, في الفلك ...في كل العلوم يمكن أن يكون هناك نظرية .....

إلا أن من طبيعة النظرية أنها عرض للزوال أما نظرية أخرى تثبت بطلانها

أول نظرية في الأدب هي نظرية المحاكاة , ابتكرتها المغامرات الفكرية الأولى للإنسان , وهي التي قال بها أفلاطون ثم أكملها أرسطو , وهي التي تقول : إن الواقع صورة عن صورة ثانية في عالم المثل , هذه النظرية استمرت لنحو سبعة عشر قرنا لم يفكر الإنسان في نقضها .

متى يمكن أن تنقض النظرية ؟

عندما تقدم معطيات جديدة تكشف عن خطأ فيها ,

ثم ظهرت نظرية الخلق , ثم نظرية التعبير ثم نظرية الانعكاس , بقي ذلك إلى القرن العشرين الذي شهد وحده ظهور ما يزيد على مئة نظرية للأدب , فطوال سبعة عشر قرنا عرف الإنسان نظرية أدبية واحدة , في القرن العشرين وحده ابتكر الإنسان ما يزيد على مئة نظرية أدبية ,

ماذا نعني بهذه النظرية؟

نظرية الأدب هي مجموعة المبادئ والأفكار والآراء التي تعنى بالأدب , ولكن ليس كل الآراء والأفكار والمبادئ يمكن أن تشكل نظرية أدبية , بل هي الآراء المتسقة والمترابطة فيما بينها

عندما تتفق الأفكار وتترابط وتتجانس فيما بينها حول مفهوم الأدب يمكن أن نسمي هذه الأفكار نظرية للأدب .

وما دامنا نقول "مجموعة" فنستطيع أن نستنتج من هذا الكلام أن نظرية الأدب ليست فعالية فردية , بمعنى أنه لا يمكن للإنسان أن يبتكر نظرية للأدب

صحيح أن أفلاطون وأرسطو هم من أوائل الذين ابتكروا نظرية وهي نظرية المحاكاة , لكن آراء أفلاطون وأرسطو وأفكارهما كانت مستندة استنادا مطلقا إلى مجموعة من المقولات والآراء السابقة لهما .

الآراء والأفكار فعالية جماعية مشتركة تنضج كالطبخة , إذا لابد أن تكون الآراء منسجمة فيما بينها متسقة ومترابطة .

قلنا في تعريف نظرية الأدب هي مجموعة المبادئ والأفكار والآراء التي تعنى بالأدب ,

ماذا نقصد بعبار "تعنى بالأدب"

نقصد ها هنا ماهية الأدب والأنواع الأدبية ووظيفة الأدب.

ما هو الأدب؟

الأدب هو السلوك الراقي والأدب ليس علما بل فنا وما كان فنا لا يكون مستندا إلى العلم في أصله , لكنه يتطور بالعلم هو في جذره ليس علما .

هناك شيء يخلقه الله في الإنسان يسمى موهبة , وإذا تم استخدام هذه الموهبة وفق مقاييس علمية نسميها آنذاك موهبة قد تطورت .

والأدب هو فن لكن ليس أي فن , إنه فن القول , عندما تتعدد فنون القول ونتخلى عن الشيء اسمه الإبلاغ أو التواصيل لنصل إلى مرحلة أكثر رقيا وسموا في الفن عندما نسمي هذا القول أدبا .

اللغة هي وسيلة الأدب الأساسية , كما نقول إن وسيلة الموسيقا لأساسية هي الأصابع ووسيلة الرسم الأساسية هي الريشة , فالأدب فن القول يستخدم اللغة وسيلة على نحو يتجاوز قصد الإبلاغ ليصبح فنا , لكن هذا الفن القولي لا يهمه أن يبلغ رسالتك يهمه أن يرتقي لمحتوى الرسالة لقيمة الرسالة .

عندنا قصيدة "عيناك" لبدر شاكر السياب

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر

أو شرفتا راح ينأى عنهما القمر

عيناك حين تبسمان تورق النجوم

عندما نقف عند قوله : "عيناك حين تبسمان تورق النجوم" نجد بدر شاكر السياب يقدم لنا معلومة عن عيني حبيبته , لكن هذه المعلومة مغايرة تماما لما يمكن أن نتوقعه , عندما تتخلى اللغة عن مهمتها الأساسية وهي الايصال تصبح فنا قوليا , وهذا الفن القولي نسميه عند ذلك أدبا .

...........

تاريخ الأدب

هل الذي يقدم مجوعة من المبادئ والأفكار التي تعنى بالأدب يمكن أن نسميه ناقدا أدبيا ؟

بالتأكيد لا .

من يتتبع تاريخ الأدب هل يمكن أن نسميه ناقدا أدبيا ؟

بالتأكيد لا .

النهج أو المنهج هو الطريق الذي نسلكه من أجل الوصول إلى نقطة محددة أما المنهج النقدي : فهو الطريقة التي نستخدمها في دراسة نص أدبي

النقد الأدبي

اتفقنا خطأ ولمدة طويلة من الزمن أن كلمة نقد تعني تقييم الجديد من الرديء . والنقد ليس كذلك .

النقد هو وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة , وليس إظهار العيوب أو المحاسن

فمثلا إذا أمسكنا القلم ووضعناه في القارورة نكون حينها قد مارسنا فعلا مجافيا للمنطق ولكن عندما تمسك القلم وتضعه على الطاولة مثلا أو في موضعه الصحيح أو في حاملة أقلام عندها تكون قد قمت بعمل صائب .

فالنقد إذا وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة فإذا تمكن الإنسان من وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة عندئذ نستطيع أن نقول عنه إنه يمتلك حسا نقديا فهو يميز بين مكان ومكان .

ويقصد بالنقد الأدبي قراءة النص الأدبي وتفكيكه ثم إعادة ترتيبه من جديد

قد نعرف مكونات النص الأدبي عندما نعيد ترتيب المكونات على نحو لا يستطيع أن يفعله أحد إلا الناقد عندها أسمي ذلك الشخص تاقدا أدبيا .

هنالك تعريف آخر بسيط للنقد الأدبي

لنفترض أن لدينا قصة أو قصيدة عندما نريد أن نشتغل على نص شعري مثلا : ماذا نفعل ؟

ندرس الأخيلة , الأفكار , الإيقاع , الصور البيانية , هذا ليس نقدا أدبيا ولا علاقة له بالنقد الأدبي

النقد الأدبي هو أنعرف ما الذي جعل من هذا النص الذي بين أيدينا قصيدة ....

سنتعرف مستقبلا إلى شيء يقول إن الأدب استعمال خاص للغة , لا يستطيع أن يستخدم اللغة على هذا النحو إلا الأديب

فالعينان عند السياب قد يكون رآهما الكثير لكن السياب وحده اكتشف هذ السمات الساحرة في تلك العيون ,

الآن ما الذي يجعل الكلام أدبا ؟

عندما نستطيع أن نكتشف العناصر المكونة لأدبية هذا الكلام نستطيع آنذاك أن نسمي أنفسنا نقادا

ومع الأسف نحن ندعي أننا نقاد ولذلك نتشابه

الناقد الأدبي كالأديب تماما لا يشبه أحد , ويجب ألا يشبه أحدا

وعليه أن يكون لديه ما نسميه "البصيرة "

لذلك نستطيع أن نعرّف النقد الأدبي تعريفا بسيطا كما قلنا

فعندما ترغم صاحب القصيدة الشاعر على القول أو على الصراخ :يا ألله هل أنا فعلت ذلك حقا , عند ذلك نستطيع نسميك ناقدا

لكن عندما يقرأ نصك وأنت تشرح فيه ما قال فحينها لا نستطيع أن نسميك ناقدا .

"النقد الأدبي هو اكتشاف العناصر المكونة لأدبية النص وإعادة ترتيبها من جديد

والحمد لله رب العالمين



[size=4]المختصر المفيد

· أول نظرية في الأدب هي نظرية المحاكاة

· وهي التي قال بها أفلاطون ثم أكملها أرسطو , وهي التي تقول : إن الواقع صورة عن صورة ثانية في عالم المثل

· ويكن نقض النظرية عندما تقدم معطيات جديدة تكشف عن خطأ فيها

· نظرية الأدب هي مجموعة المبادئ والأفكار والآراء التي تعنى بالأدب , ولكن ليس كل الآراء والأفكار والمبادئ يمكن أن تشكل نظرية أدبية , بل هي الآراء المتسقة والمترابطة فيما بينها

· عندما تتفق الأفكار وتترابط وتتجانس فيما بينها حول مفهوم الأدب يمكن أن نسمي هذه الأفكار نظرية للأدب .

· نظرية الأدب ليست فعالية فردية , بمعنى أنه لا يمكن للإنسان أن يبتكر نظرية للأدب

· الآراء والأفكار فعالية جماعية مشتركة تنضج كالطبخة

· الأدب هو السلوك الراقي والأدب ليس علما بل فنا وما كان فنا لا يكون مستندا إلى العلم في أصله , لكنه يتطور بالعلم

· والأدب هو فن لكن ليس أي فن , إنه فن القول , عندما تتعدد فنون القول ونتخلى عن الشيء اسمه الإبلاغ أو التواصيل لنصل إلى مرحلة أكثر رقيا وسموا في الفن عندما نسمي هذا القول أدبا .

· اللغة هي وسيلة الأدب الأساسية

· فالأدب فن القول يستخدم اللغة وسيلة على نحو يتجاوز قصد الإبلاغ ليصبح فنا , لكن هذا الفن القولي لا يهمه أن يبلغ رسالتك يهمه أن يرتقي لمحتوى الرسالة لقيمة الرسالة .

· عندما تتخلى اللغة عن مهمتها الأساسية وهي الايصال تصبح فنا قوليا , وهذا الفن القولي نسميه عند ذلك أدبا .

· المنهج النقدي : فهو الطريقة التي نستخدمها في دراسة نص أدبي

· النقد هو وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة , وليس إظهار العيوب أو المحاسن

· فالنقد إذا وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة فإذا تمكن الإنسان من وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة عندئذ نستطيع أن نقول عنه إنه يمتلك حسا نقديا فهو يميز بين مكان ومكان .

· ويقصد بالنقد الأدبي قراءة النص الأدبي وتفكيكه ثم إعادة ترتيبه من جديد

· قد نعرف مكونات النص الأدبي عندما نعيد ترتيب المكونات على نحو لا يستطيع أن يفعله أحد إلا الناقد عندها أسمي ذلك الشخص تاقدا أدبيا .

· النقد الأدبي هو أنعرف ما الذي جعل من هذا النص الذي بين أيدينا قصيدة

· الأدب استعمال خاص للغة , لا يستطيع أن يستخدم اللغة على هذا النحو إلا الأديب

· عندما نستطيع أن نكتشف العناصر المكونة لأدبية هذا الكلام نستطيع آنذاك أن نسمي أنفسنا نقادا

· الناقد الأدبي كالأديب تماما لا يشبه أحد , ويجب ألا يشبه أحدا

· وعليه أن يكون لديه ما نسميه "البصيرة "

· فعندما ترغم صاحب القصيدة الشاعر على القول أو على الصراخ :يا ألله هل أنا فعلت ذلك حقا , عند ذلك نستطيع نسميك ناقدا

· "النقد الأدبي هو اكتشاف العناصر المكونة لأدبية النص وإعادة ترتيبها من جديد










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:05   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات وتطبيقات علم الدلالة



السلام عليكم ورحمة الله

هذه محاضرات في علم الدلالة حسب المقرر لهذا المقياس ،للسنة الثانية بالمدرسة العليا للأساتذة .حاولنا جاهدين الاقتصار على ما هو ضروري ومفيد وبأسلوب مبسط نظرا لطبيعة التكوين عن بعد.
وقد بذلنا أقصى جهد لتصحيح الأخطاء المطبعية أو التي كانت نتيجة السهو،ومع ذلك فربما فاتنا تصحيح بعض الأخطاء رغم التدقيق ، نعتذر لكم لذلك .
ولا بد من الإشارة هنا إلى أننا اعتمدنا عددا من المراجع والمصادر، وكان لبعضها النصيب الأوفر مثل كتاب علم الدلالة للدكتور أحمد مختار عمر ،نظرا لكون البرنامج قد وضع اعتمادا على فهرس هذا الكتاب أصلا ، وإذا كنا لا نشير دائما إلى المرجع حتى لا نثقل المحاضرة ( لأن طبيعة المحاضرة تختلف عن طبيعة تأليف الكتاب ) ، وكذلك كتاب (دلالة الألفاظ) للدكتور إبراهيم أنيس .وكان ذلك أيضا بالنسبة لكتابي الدكتور حلمي خليل حول المولد والمعاجم .
وننصحكم بالرجوع إلى هذه الكتب بالإضافة إلى المراجع الأخرى المذكورة في قائمة المصادر والمراجع.
نتمنى لكم التوفيق.
أوليات
المحاضرة الأولى: تقديم البرنامج و قائمة المصادر و المراجع
1- تمهيد عام للمادة و يشمل:
- تقديم حول اللغة و حياة الإنسان
- كيف بدأت اللغة - حاجة الإنسان إلى اللغة - و العلاقة بين اللغة و التفكير و الحضارة و العمران (العلم، الأدب، الازدهار و التقدم).
المحاضرة الثانية: إشارة سريعة إلى (فرضيات) نشأة اللغة الإنسانية.
2- علم الدلالة - تعريف عام - من المعاجم اللغوية و المختصة - وآراء الباحثين - الدلالة
و المعنى.
الدال و المدلول و العلاقة بينهما - أنواع الدلالة.
3- البنية اللغوية - مستويات هذه البنية و علاقة ذلك بالدلالة.
أنواع الدلالات: الصوتية، الصرفية، النحوية، البلاغية و الأسلوبية، الدلالة الاجتماعية.
تفصيل:
تعريف علم الدلالة ( لغة): اسم مصدر من دلّ، يدل، دلالة (بالفتح و الكسر) = الجمع دلائل
و دلالات يراجع في ذلك معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا – مج/2
و الدلالة في الاصطلاح : كيفية دلالة اللفظ على المعنى ( يراجع كتاب التعريفات للشريف الجرجاني).
مفردات مقياس علم الدلالة.
أولا : علم الدلالة
- مدخل إلى دراسة الدلالة: [ مفهومه، موضوعه، غاياته، أنواعه]
- علاقة علم الدلالة بعلوم اللغة : [ الدلالة و الأصوات، الدلالة و الصرف، الدلالة و النحو، الدلالة و المعجم].
- علاقة علم الدلالة بالعلوم الأخرى :[ الدلالة و التعبيرات الاصطلاحية، الدلالة و الفلسفة، الدلالة و علم النفس، الدلالة و علوم الاتصال، الدلالة و علم العلامات].
ثانيا : نشأة علم الدلالة وتطوره
- عند القدماء : [الدرس الدلالي عند اليونان، الهنود، العرب]
- عند المحدثين : [الدرس الدلالي عند الغربيين، الأمريكيين، العرب]
ثالثا : أنواع المعنى :
- [ المعنى الأساسي، المعنى الإضافي، المعنى الأسلوبي، المعنى النفسي، المعنى الإيحائي]
رابعا : مناهج دراسة المعنى
- نظرية السياق : [ السياق اللغوي، السياق العاطفي، سياق الموقف، السياق الثقافي]
- نظرية الحقول الدلالية
- النظرية التحليلية.
خامسا : التغييرات الدلالية :
[ أسبابها، أشكالها، مجالاتها، العلاقات الدلالية { الترادف، الاشتراك، التضاد}]
الوحدة الدلالية.
2. قائمة بعدد من المراجع
إبراهيم أنيس
- دلالة الألفاظ
- اللهجات
- الأصوات اللغوية

إبراهيم بن مراد : دراسات في المعجم العربي
ابن سيدة : المخصص
ابن جني : الخصائص
أبوهلال العسكري : الفروق في اللغة
ابن قتيبة : تأويل مشكل القران
أمين فاخر : دراسات في المعجم العربي
أحمد مختار عمر: علم الدلالة
توفيق شاهين: علم اللغة العام
تمام حسن: اللغة العربية معناها و مبناها
حسين نصار: المعجم العربي نشأته و تطوره
حلمي خليل: دراسات لغوية معجمية
الرازي أحمد بن حمدان: كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية
ستيفان أولمان : دور الكلمة في اللغة
شاكر سالم: مدخل إلى علم الدلالة
صلاح رواي: المدارس المعجمية العربية
عبد الله درويش: المعاجم العربية
فايز الداية: - علم الدلالة العربي
- الجوانب الدلالية في نقد الشعر
محمد حسن عبد العزيز: مدخل إلى علم اللغة
محمود فهمي حجازي: علم المصطلح
المعاجم
ابن منظور: لسان العرب
الجرجاني السيد الشريف: التعريفات
الجوهري: الصحاح
الشيباني أبو عمرو: كتاب الجيم
الفراهيدي الخليل بن أحمد: كتاب العين
الفيروز أبادي: القاموس المحيط
مجمع اللغة العربية بالقاهرة: - المعجم الكبير
- المعجم الوسيط
- المعجم الوجيز
هانس دير: معجم العربية المعاصرة : عربي / انجليزي
كتب مترجمة
تشو مسكي : البنى التركيبية
مظاهر النظرية التركيبية
دوسوسير: دروس في اللسانيات العامة
مارتينيه: مبادئ اللسانيات العامة

مقالات
عدنان الخطيب: المعجم العربي بين الماضي و الحاضر. مجلة مجمع دمشق ج/2، مج/4 ص 194

أحمد شامية: مستويات الدلالة و المعنى مجلة المبرز العدد8 المدرسة العليا للأساتذة.
من المراجع الأجنبية:
- Bloomfield – ********
- J.R Searle : meaning and speech acts
- S. Ullmonn: meaning and style
- R. Bartles: Elements of semiology
- Ogden and Richards: the meaning of meaning
مقدمة عامة
لابد قبل الحديث عن الدلالة من الحديث عن اللغة، لاسيما أن الدلالة اللغوية هي الأهم و الأوسع و الأكثر تعقيدا و أنها هي الموضوع الأساسي في علم الدلالة بالإضافة إلى الإشارة إلى أنواع الدلالات الأخرى.
و يمكن القول بإيجاز أن اللغة هي الإنسان أو أن اللغة أهم خصائص الإنسان التي تميزه عن غيره من المخلوقات الحية ،و تجعل له هذه المكانة و المهمة التي خلق لها (الخلافة في الأرض) حتى أننا يمكن أن نعرّف الإنسان بأنه حيوان ذو لغة، و إن كان الإنسان قد تميز بعقله و تفكيره و قابليته للتطور و الرقي
و التقدم في الحضارة و العمران، فان ذلك كان بفضل هذه المزية المعجزة ( مزية اللغة) فالله تعالىـ كما جاء في كتابه الكريم ـ " خلق الإنسان، علمه البيان "، " و علم آدم الأسماء كلها"
و بغض النظر الآن عن كيفية نشأة اللغة الإنسانية حسب الفرضيات المشهورة فإننا يمكن أن نؤكد أن هذه اللغة للإنسان هي من الضرورات الحيوية التي ما كان للإنسان أن يستطيع الاستمرار و التطور بدونها، و تأتي ترتيبا بعد الهواء و الماء و الغذاء و ذلك نظرا لإمكانيات الإنسان الجسدية الضعيفة التي ما كان قادرا بها لولا اللغة و التفكير و هما مرتبطان، ما كان قادرا على مواجهة قوى الطبيعة الطبيعية
و الحيوانية و بالتالي ما كان قادرا على الاستمرار و لكنها حكمة الله و إرادته بأن تستمر الحياة إلى حيث قدّر سبحانه و تعالى لها.
و ليست اللغة في الواقع ـ و أهم غاياتها تأمين التواصل و الاتصال ـ ليست الا علاقة بين صورة صوتية
( ألفاظ ) وصورة مفهومية ( معان ) يتم الربط بينهما ذهنيا، فسواء نشأت اللغة ابتداء في صورتها المكتملة أو كانت قفزة نوعية في طرائق الاستدلال و التواصل فهي تعتمد على ربط العلاقة بين الدال
و المدلول.
و من هنا كان الاهتمام بالدلالة، و علم الدلالة غاية عند الأصوليين و المناطقة و اللغويين (طبعا) و علماء النفس.........
و كان لهذا العلم علاقة بكل هذه العلوم (الإنسانية) بل إن للدلالة علاقة بكل أنواع المعرفة و في شتى مجالات الحياة.
حصة تطبيقية حول تعريف علم الدلالة la sémantique
يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح : " اللسان في حد ذاته نظام من الأدلة المتواضع عليها ، فاللسان على هذا الاعتبار ليس مجموعة من الألفاظ يعثر عليها المتكلم في القواميس أو يلتقطها بسمعه من الخطابات ثم يسجلها في حافظته ، كما أنه ليس أيضا مجموعة من التحديدات الفلسفية للاسم والفعل والحرف أو القواعد المسهبة الكثيرة الشواذ ، بل هو نظام من الوحدات يتواصل بعضها ببعض على شكل عجيب وتتقابل فيها بناها في المستوى الواحد التقابل الذي لولاه لما كانت هناك دلالة ".
المطلوب : حلل النص محددا منه تعريف علم الدلالة ووحدته .
التحليل :
ـ نظام :أي مجموعة من العناصر اللغوية التي ترتبط بعضها مع بعض وفق علاقات معينة
ـ يتواصل : أي وجود تلك العلاقات المبنية على أساس الاتفاق والاختلاف ،
تهتم اللسانيات بنظام دلالي خاص ، هو النظام اللغوي ووحداته هي الأدلة اللغوية ، جمع الدليل اللغوي ، ويدرسها علم الدلالة (la sémantique ) الذي هو فرع من اللسانيات .لكن تتنوع الأدلة في المجتمع إذ نجد الأدلة اللغوية وغير اللغوية حيث تنتظم كلها في نظم دلالية خاصة . والعلم الذي يهتم بها جميعا هو علم الدلالات أو ما يعرف بالسميولوجيا ( la sémiologie ) واللسانيات فرع منه .
ان كلمة دليل تعني عموما أن العنصر ( أ ) يدل على العنصر ( ب ) لكن نميز هنا بين الدليل والمؤشر والرمز ونميز بينها بوجود النية في التبليغ وعدم وجودها .
فنمثل للمؤشر ب : ـ أعراض المرض كضعف الجسم الذي يمكن أن يدل على نقص في التغذية
ـ الدخان الذي يدل على اشتعال النار
فهي مؤشرات طبيعية تدل على معان معينة دون أن تكون هناك نية للتبليغ

الدليل :نمثل له ب : ـ الراية الحمراء التي تدل على منع السباحة
ـ أرقام الهاتف
ـ قوانين المرور
الرمز : نمثل له ب : ـ الميزان الذي يدل على مفهوم العدل. يشترك الدليل والرمز في كونهما يحملان نية للتبليغ ، لكنهما يختلفان في نوعية العلاقة التي تربط بين العنصرين (أ ) و ( ب ) فالرمز مرتبط كثيرا بشكله ، واختياره ليس عشوائيا ولا اعتباطيا بل وفق ما يحمله ذلك الشكل من معنى .
أما الأدلة فتمت بالاتفاق والتواضع والاصطلاح بين الناس لتحقيق غرض التبليغ ، والعلاقة التي تربط العنصرين ( أ) و( ب) ، كمكونات الدليل في هذه الحالة ، علاقة غير حتمية ، عشوائية ،اعتباطية ناتجة عن الاتفاق و التواضع والاصطلاح فلا توجد بين كلمة (جهاز) ومعناه أية علاقة طبيعية كما لا توجد أية علاقة طبيعية بين اللون الأحمر والأمر بالوقوف في إشارات المرور .
فنقول إذن إن علم الدلالة يدرس المعاني اللغوية وعلاقة الألفاظ بمعانيها .
ووحدته هي الدليل اللغوي وهو أصوات يستعملها الإنسان للإبانة عن المفاهيم والأشياء.
ملاحظة : لتوضيح أكثر ارجع إلى كتاب خولة طالب الابراهيمي ، مبادئ في اللسانيات ،دار القصبة للنشر
*****************
المحاضرة رقم 2
علم الدلالة
تعريف علم الدلالة: العلم هو دراسة ظاهرة معينة و الوقوف على ماهيتها و جزئياتها و ما يتعلق بها دراسة موضوعية، و الدلالة (بالتعريف) قد يختلف تعريفها بين الباحثين و لنأخذ مثالا لتعريفها من كتاب التعريفات للجرجاني السيد الشريف حيث قال: الدلالة هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر و الأول هو الدال و الثاني هو المدلول . و هي إما دلالة مطابقة أو دلالة تضمن أو دلالة التزام وكل ذلك يدخل في الدلالة الوضعية لأن اللفظ الدال بالوضع يدل على تمام ما وضع له بالمطابقة و على جزئه بالتضمن و على ما يلزمه في الذهن بالالتزام، كالإنسان فانه يدل على تمام الحيوان الناطق بالمطابقة،
و على جزئه بالتضمن و على قابل العلم بالالتزام (انظر كتاب التعريفات للجرجاني علي بن محمد- الدار التونسية للنشر 1971 ص 55-56)
و في القاموس المحيط دلّه عليه دلالة ( و يثلث) و دلولة فاندل: سدده إليه...........(الفيروز أبادي- القاموس المحيط- دار العلم للجميع- بيروت ج/3 ص 377)
إن الحديث عن الدلالة الوضعية هنا يدفعنا إلى الحديث عن نوعي الدلالة أو الدال و هما الدال اللغوي
و الدال غير اللغوي.
و في الدراسات اللسانية الحديثة تقسيم لأنواع (الدليل) الذي ينتج عن ارتباط الدال بالمدلول ارتباطا ذهنيا . دليل
دال مدلول
فالدال اللغوي (اللفظ/ الكلمة/ الوحدة الدالة) في رأي الباحثين بغض النظر عن بعض الاستثناءات هو دال وضعي اعتباطي أي أن علاقته بالمدلول علاقة عرفية تواضعية (و ستأتي على تفصيل ذلك على حينه)
أما التقسيم فيبينه الشكل البياني التالي:

الدليل

موضوع غير موضوع


لغوي غير لغوي طبيعي عقلي
(اعتباطي دائما) (الغيم يدل على المطر) (الأب اكبر من الابن)

اعتباطي غير اعتباطي
(أرقام الهاتف) (الميزان يدل على العدالة)

هذا و قد أشار الزمخشري في كتابه (المفصل) إلى هذه الاعتباطية (الوضع) عندما عرف الكلمة بقوله: (الكلمة هي اللفظ الدال على معنى مفرد بالوضع).
و بالعودة إلى (الدلالة) في اللسانيات الحديثة (البنوية) فعند سوسور هناك دال (لفظ) و هناك مدلول (معنى) أو مفهوم و الدال و المدلول وجهان لورقة واحدة و لا يمكن الفصل بينهما/ و إن تحليل الدال يؤدي إلى تحليل المدلول (ينظر: سوسور، دروس في الألسنية العامة- ترجمة صالح القرمادي و محمد الشاوش و محمد عجينة، ص 174).
و للتأكيد على أن الدلالة تتم من الارتباط الذهني بين الدال و المدلول فقد أوضح تلاميذ سوسور هذه العلاقة من خلال ما يعرف بمربع سوسور للدلالة حسب الشكل التالي :
مربع سوسور للدلالة
صورة حسية للدال صورة حسية للمدلول
(لفظ) (الشيء في الواقع)
صورة ذهنية صورة ذهنية للمدلول
للدال
الدلالة


لأن سوسور يبدو أنه حصر عناصر الدلالة في الدال و المدلول ،و أهمل الموضوع وهو الشيء
أو المرجع الذي تحيل اليه العلاقة الدلالية ،و هو في ذلك يلتقي – في هذه الثنائية – مع ابن سينا الذي حصرها بين اسم (مسموع) و معنى، في حين يرى (بيرس) أن العلاقة ثلاثية: الصورة (الدال) و المفسرة (المدلول) و الموضوع، و هو ما تحيل إليه العلامة، أي الشيء.
أما الغزالي فيرى أن الأشياء لها أربعة مراتب عندما قال " ان للشيء وجودا في الأعيان ثم في الأذهان ثم في اللفظ ثم في الكتابة، فالكتابة دالة على اللفظ ، و اللفظ دال على المعنى الذي هو في النفس ،و الذي في النفس هو مثال الموجود في الأعيان.
(عن مجلة تجليات الحداثة، معهد اللغة العربية العدد/2، 1993 ص 34).

صورة لهذا لفظ كلمة [ شجرة (كتابة)]
الشكل في الذهن (شجرة باللسان)

شجرة في الحقل
مفهوم علم الدلالة و موضوعه:
للحديث عن علم الدلالة (sémantique) و موضوعه أو لتوضيح ذلك ، لابد من تحديد علاقة علم الدلالة بعلم اللغة وذلك باعتبارين الأول: أن يكون علم الدلالة فرعا من فروع علم اللغة (اللسانيات) ، و الثاني أن يكون علم اللغة (الدلالة اللغوية على الخصوص) فرعا من علم الدلالة أو علم العلامات الذي يطلق عليه مصطلح (العلامية) أيضا. فموضوع العلامية (العلامات و الإشارات و الأدلة بمفهومها الواسع لغوية كانت أم غير لغوية و هذا ما ذهب اليه اللساني السويسري (سوسور).
و اذا بدأنا بالاعتبار الأول (كون علم الدلالة فرعا من اللسانيات( لابد من العودة إلى مستويات البنية اللغوية و هي على الشكل التالي: ( للملاحظة ) هناك من لا يدخل المستوى البلاغي والمستوى الدلالي في هذه المستويات ).
المستوى البلاغي / علام البلاغة و الأسلوب
المستوى الدلالي
المستوى النحوي / علم النحو و التراكيب
المستوى الصرفي / علم الصرف
المستوى الصوتي / علم الأصوات علم الدلالة

و هنا نلاحظ أن المستوى الدلالي في هذا البناء هو مستوى يتقاطع مع جميع المستويات الأخرى ،لأن الدلالة حاضرة و ناتجة عن تفاعل كل هذه المستويات، حتى المستوى الصوتي الذي يقال أنه مستوى الوحدات غير الدالة . وينبغي الإشارة هنا إلى أن هذا التقسيم هو تقسيم نظري افتراضي، فاللغة تعمل لأداء مهمتها وفق نظام اللغة الذي يندمج فيه كل هذه الأنظمة. فعلى مستوى العمل و الأداء ليس هناك مستويات منفصلة ،و إنما التقسيم إلى هذه المستويات لضرورة البحث و التحليل و الدراسة اللغوية. فالمتكلم الذي يتكلم وفق نظام اللغة (اللسان) لا علاقة له بهذه المستويات التي لها أنظمة خاصة بها.

- على أية حال يبدو لنا في هذا التحليل أن علم الدلالة الذي يبحث في أحد تلك المستويات هو فرع من علم اللغة أو اللسان.

- أما بالاعتبار الثاني فيظهر لنا في المستوى الأدائي أن علم اللغة (الدلالة اللغوية) هو أهم عناصر علم العلامات ، إلى جانب عناصر دلالية أخرى غير لغوية، و أن العناصر اللغوية هي المعوّل عليها في الاتصال الذي يقوم أساسا على فهم العلاقة بين الدال و المدلول . بل أن اللغة حاضرة دائما في كل فروع الدلالة لغوية كانت أم غير لغوية.
و إذا كنا سنولي اهتمامنا للدلالة اللغوية (الدليل اللغوي) دون التفصيل في الأدلة غير اللغوية (عدا إشارات فقط، و بما أننا نستعمل مصطلحات مثل ( لغة، لسان، كلام) فلابد من محاولة تحديد مفهوم هذه المصطلحات ، و إن كانت متداخلة أحيانا في أذهان الناس بل و في أذهان الطلبة و الباحثين في علوم اللغة.
و قد لا نحتاج هنا إلى التفاصيل التي تدرس في علم اللغة أو اللسانيات و لكن يمكن أن نوضح هذه المفاهيم بما يلي:
- من الشائع بين اللسانيين أن مادة علمهم ليست الكلام و لا اللسان و إنما هي اللغة (ينظر عبد السلام المسدي: مباحث تأسيسيه في اللسانيات ص 168) .
و يلاحظ هنا أن هناك ثلاثة مصطلحات لثلاثة مفاهيم ، و كلها تمثل ما يسمى بالظاهرة اللغوية التي ترتقي من (الكلام) و هو كلام الأفراد كما نسمعه أو نحادثهم فيه و هذه هي المرتبة الفردية و هذا الذي يمكن أن نسجله على آلة التسجيل، ثم تأتي مرتبة (اللسان) و تتطابق مع منزلة الوجود النوعي و هو الاشتراك في معرفة ما يتم التحاور به ضمن كل مجموعة لغوية (اللسان العربي أو الانجليزي أو الصيني)
أما مرتبة اللغة فهي تتطابق مع جملة من القوانين التي إن أطلقت صدقت على كل لسان من الألسنة البشرية (المرجع السابق ص170).
و هنا تبدو اللغة أعم من اللسان، و تدرس من خلال ما يسمى باللسانيات العامة مقابل اللسانيات الخاصة التي تدرس نظام كل لسان بشري على حدة.
و في سياق أخر يذكر أن اللسان أعم من اللغة مع إمكان استعمال كل مصطلح لمفهوم الآخر.
و الحقيقة أن الظاهرة اللغوية تستوعب المفاهيم الثلاثة السابقة (الكلام، اللسان، اللغة) فاللغة (لغة الناس/ البشر) و اللسان (لسان الجماعة اللغوية) و الكلام (كلام الأفراد).
اللغة مفهوم كلي و اللسان مفهوم نمطي و الكلام مفهوم انجازي (السابق ص 172)، اللغة جنس، اللسان نوع، الكلام شخص.
اللغة (صورة القانون) ، اللسان ( نموذج العرف)، الكلام (نموذج السلوك).

إن اللساني يدرس البنية اللغوية في جوانبها الصوتية و الصرفية و التركيبية و الدلالية ثم يعمل على كشف ارتباط هذه البنية بوظائفها الاجتماعية.
بعد هذا يظهر لنا أن موضوع علم الدلالة هو الأدلة بشكل عام و الدليل اللغوي بشكل خاص ، و علاقة الدوال بمدلولاتها و.يتفق عدد كبير من الباحثين على أن السيمياء كنوع من اللسانيات كان من أثر اللغوي الفرنسي بريال (1883)، باعتبار أن هذا العلم يدرس الدلالات و القوانين التي تتحكم في تغير المعاني
أو أن الموضوع هو المعنى. ( ينظر سالم شاكر : مدخل إلى علم الدلالة ، ترجمة محمد يحياتن ، ديوان المطبوعات الجامعية . الجزائر 1992ـ ص4 )
أما غاية هذا العلم فهي خاصة و عامة، فالغاية الخاصة هي أن علم الدلالة – مثل أي علم آخر- يسعى إلى الاستقلالية و امتلاك الأدوات و المناهج الرياضية ، و هنا ينبغي الإشارة إلى الاهتمام بهذا العلم حيث ظهر في عام 1923 كتاب عنوانه (the meaning of meaning) لمؤلفيه Richards و Ogden.
و أما الغاية العامة فهدف علم الدلالة كغيره من العلوم الإنسانية – و بالاستعانة بها و بالتعاون معها – هو الإسهام في ترقية الحياة الإنسانية في جميع المجالات، و تسهيل عملية الاتصال و التعاون و التفاهم المشترك و ضبط المصطلحات و المفاهيم في جميع العلوم لاسيما في العلوم الحديثة و وسائل الاتصال
و خاصة في محيط العولمة و التقارب ، إن لم نقل الاندماج الفكري على الأقل بين الأمم و الشعوب.
و كان أحد الباحثين قد حدد هدف علم الدلالة الإجرائي بأنه حصر صور الأوضاع الدلالية كأنظمة قابلة للتحليل ( ينظر بوجراند: النص و التطبيق و الإجراء).
حصة تطبيقية حول الدليل اللغوي le signe linguistique
يقول دو سوسير :" يظن بعض الناس أن اللسان إنما هو في أصله مجموع الألفاظ أي قائمة من الأسماء تطلق على عدد من المسميات . وفي تصوره هذا نظر، من عدة وجوه: انه يفترض وجود معان جاهزة قبل وجود ألفاظها ثم إننا لا نتبين به هل الاسم هو جوهر صوتي أم نفساني......ويشعرنا أيضا أن ارتباط الاسم بالمسمى هو عملية في غاية البساطة وهذا بعيد جدا عن الواقع...... إن الدليل اللغوي لا يربط مسمى ما باسمه الملفوظ بل مفهوم ذلك الشيء أو تصوره الذهني بصورة لفظه الذهنية فهذه الصورة الصوتية ليست هي الصوت المادي لأنه شيء فيزيائي محض بل انطباع هذا الصوت في النفس والصورة الصادرة عما تشاهده حواسنا . فالدليل اللغوي إذن كيان نفساني ذو وجهين ويسمى دليلا لغويا المركب المتكون من المفهوم والصورة الصوتية ( صورة اللفظ في الذهن )...ولكن نقترح لفظة الدليل للدلالة على الكل واستبدال لفظتي المفهوم والصورة الصوتية بلفظتي الدال والمدلول ".
دروس في اللسانيات العامة لدوسوسير ص97
ترجمة د عبد الرحمان الحاج صالح ص45 من مجلة اللسانيات

المطلوب : استخرج من النص المفاهيم الدلالية واشرحها.
الإجابة :أهم المفاهيم الدلالية الواردة في النص هي :
أ ـ الدليل اللغوي: وهو وحدة علم الدلالة، نعرفه بأنه اللفظ الدال على شيء أو معنى معين و ركيزته المادية هي الصوت .
ب ـ الصورة الصوتية (le signifiant) هي انطباع الصوت في الذهن .
ج ـ الصورة الذهنية : ( Le signifié)هي انطباع الشيء في الذهن .

دوسوسير في هذا النص ينفي فكرة سادت ،وهي أن الألفاظ ألقاب للمسميات ويبين لنا الدليل اللغوي لا يربط بين لفظ ومسماه ( الشيء والمعنى ) إنما يربط بين المفهوم والصورة الصوتية في قوله " إن الدليل اللغوي .........لفظه الذهنية ".
يعني هذا أننا لا ننظر إلى الدليل اللغوي كحقيقة مادية لأننا لا نتحدث عن المعنى كشيء جاهز ولا عن الألفاظ كمجموعة من الأصوات نسمعها في قوله " يفترض وجود معان جاهزة ................نفساني ".
لكن دوسوسير يتصور الدليل اللغوي كيانا ذهنيا مكونا من دال هو الصورة الصوتية ومدلول هو المفهوم الذي يتصوره الإنسان لذلك الشيء الخارجي، أي الموجود خارج ذهن الإنسان والذي ندرج فيه كل الأشياء المادية والمعنوية التي تحيط بنا و نسميه المرجع أو المدلول عليه.
فالدليل اللغوي إذن يتكون عندما يريد الإنسان الحديث عن المرجع ( الشيء ) فيبحث في نظامه التقديري
عن المفهوم الذي ينطبق على ذلك المرجع وقد تعلمه وورثه عن أفراد مجتمعه ، والمسمى المدلول أو ( الصورة الذهنية ) . ثم يعبر عنه بصورة صوتية وهي ( التصور الذهني للأصوات الذي يتم في ذهن الإنسان ) وهنا تتم عملية تكوين الدليل اللغوي ، ويمكننا التمثيل له بالشكل التالي :
دال ( صورة صوتية)
المرجع دليل لغوي
مدلول (صورة ذهنية )

أما عن ميزات الدليل اللغوي فهي :
أ ـ الاعتباطية arbitraire ) أي لا يوجد في اللفظ ما يدل حتما على معناه ، ونعطي لذلك مثلا توضيحيا كلمة شجرة.
فلو كانت الشين مثلا تدل على الأوراق والجيم على الساق والراء على الأغصان لقلنا بطبيعية العلاقة وحتميتها ، لكن ، بما أن الأمر عكسي فنقول بأنها علاقة اعتباطية وضعية ناتجة عن التواضع والاتفاق بين بني البشر .والدليل على ذلك اختلاف اللغات ففي اللغة العربية نستعمل ـ مثلا ـ كلمة ( كرسي ) للدلالة على شيء معين ،في حين يستعمل الناطق باللغة الفرنسة كلمة (chaise) للدلالة على الشيء ذاته ، فأي الأصوات من الكلمتين تدل على المعنى أكثر من الأخرى ؟

ب ـ الخطية liniaire) بما أن الركيزة المادية للدليل اللغوي هي الصوت فانه يتسلسل عند إحداثه تسلسل الزمن في خط واحد أفقي يسمى مدرج الكلام ، مثلا كلمة ( صدق ) التي تنطق حروفها متسلسلة ص+د+ق وإذا تغير التسلسل ق+ ص+ د تغير المعنى.
**********************
المحاضرة رقم3
علاقة علم الدلالة بعلوم اللغة
كنا في المحاضرة السابقة قد بينا العلاقة المتبادلة بين علم الدلالة (العلامية) و علم اللغة (اللسانيات) حيث أنها علاقة عموم و خصوص أو كلّ و جزء.
و قد ذكرنا أن علم الدلالة – كغيره من العلوم – ، يعتمد أساسا على اللغة كأداة في كل ما يتعلق بهذا العلم ، و نبين بعد ذلك بشيء من التفصيل علاقة (الدلالة) بعناصر (مستويات) البنية اللغوية بافتراض استقلالية هذه العناصر نظريا فقط.
و بشكل عام ينصرف مفهوم علم الدلالة إلى الدلالة اللغوية.

أولا: علاقة علم الدلالة بالأصوات (المستوى الصوتي).
مازلنا نذكر حين حديثنا عن المستوى الصوتي أن الأصوات [ الحروف / (حروف البناء)] وحدات غير دالة ، و هي القطع الصوتية الصغرى التي تتشكل منها بجمع بعضها إلى بعض الوحدات الدالة (الكلمات). هذه القطع الصوتية الصغيرة التي تظهر في التقطيع الثاني عند البنويين الوظيفيين (مارتينيه). و هنا يجب أن نشيرإلى أن هناك ما يسمى بالوحدات الدلالية التي هي أقل من الكلمة و تتمثل في (المورفيم المتصل) مثل السوابق و اللواحق و الضمائر المتصلة بل أن هناك وحدة دلالية أقل من المورفيم ، مثلا دلالة الحركات على تاء الفاعل ( كتبتم ، كتبت ،كتبتما ..) أنظر أحمد مختار عمر ص34.
هذه الأصوات في الواقع تدرس من جانبين. الجانب الأول : هو من حيث طبيعتها الفيزيائية
– الفيزيولوجية، و الجانب الثاني: من حيث وظيفتها (الدلالية) في بنية الكلمة أو الوحدة الدالة و لذلك صار للأصوات علمان أحدهما: علم التصويت و الثاني : علم وظائف الأصوات، حيث تدرس وظائف هذه الأصوات من خلال التقابلات الثنائية التي تظهر القيمة الدلالية أو المعنوية للصوت بالاشتراك مع أصوات أخرى.
فالفرق الدلالي بين قال و مال جاء من التقابل بين (ق) و (م).
و تبدو علاقة الدلالة بالأصوات جلية هنا. و هناك كلمات يتغير أحد أصواتها و لا تتغير دلالتها مثل: الصراط مقابل السراط. و السقر، و الزقر، و الصقر، و هذا ما يسمى كيفيات أو وجهات أداء. و لابد من الإشارة أيضا إلى أن هناك من يرى أن الصوت (الحرف) الواحد منفردا له قيمة تعبيرية (دلالية) خاصة به.
و قد ذهب عدد من الباحثين إلى هذا الرأي و من هؤلاء ابن جني ت 392ه. الذي أورد في كتابه الخصائص عددا من العناوين و الأمثلة التي تؤكد قناعته بهذا الرأي، من ذلك تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني. و باب في إمساس الألفاظ أشباه المعاني. فالصوت (الحرف) مفردا أو مركبا يحمل قيمة دلالية في ذاته ،و ليس ذلك بغريب على ابن جني الذي لم يخف ميله إلى النظرية التي ترى أن أصل اللغات إنما هو من الأصوات المسموعة، فهذا المذهب عنده وجه صالح و متقبل.
و هناك أمثلة كثيرة غايتها تأكيد القيمة التعبيرية (الدلالية) للحرف الواحد، مركبا في الكلمة من ذلك: نضح و نضخ، قال تعالى " فيها عينان نضاختان "و بما أن النضخ أقوى من النضح فقد جعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف، و الخاء لغلظها لما هو أقوى منه، و كذلك : قضم و خضم ، فالقضم للصلب اليابس و الخضم للرطب. و كان أحمد بن فارس (توفي 395ه) قد وضع معجما سماه: (مقاييس اللغة) وجه فيه كل جهده لاستنباط الصلات بين الألفاظ و دلالاتها، و لكنه غالى و تكلف، كما فعل ابن جني.

و لم يكن علماء العرب و حدهم الذين يعتقدون بهذه القيمة التعبيرية للأصوات (الحروف)، فمن المحدثين الغربيين (جسبرسن) الذي يلخص آراء المحدثين في الصلة بين الألفاظ و الدلالات فتعرض لمقال
(همبلت) الذي يزعم أن اللغات بشكل عام تؤثر التعبير عن الأشياء بواسطة ألفاظ أثرها في الأذن يشبه أثر تلك الأشياء في الأذهان، و هذا ما يسمى بالمناسبة الطبيعية بين الألفاظ و معانيها ،و إن كان يرى أن هذه الصلة كانت في البداية، و لكنها تطورت حتى أصبحت العلامة غامضة.
و كان جسبرسن يضرب بعض الأمثلة عن المناسبة الطبيعية، من ذلك أن طائرا في أوربا يسمى(كوكو) فهو يصيح فيصدر صوتا هو – كوكو -.
ويمكن أن نمثل لهذا كذلك بكلمة الصفق و هو الصفع على الوجه، و هو ما يشبه الصوت الصادر عن ذلك.

و من مظاهر الدلالة الصوتية (النبر) فالنبر و الاعتماد بقوة أو الضغط على مقطع ما أو كلمة ما يجعل لها معنى خاصا . وفي لغات أخرى يحدد موضع النبر نوع الكلمة ، اسما أو فعلا .
و من مظاهر الدلالة الصوتية كذلك، النغمة الكلامية ففي اللغة الصينية قد يكون للكلمة الواحدة عدة معان يفرق بينهما النغمة.
و مثال ذلك في العربية قولنا هكذا) فقد تكون بمعنى الاستفهام إذا كان المتكلم يريد الاستفسار عن كيفية عمل شيء ، و قد تكون للشجب و الاستنكار، و قد تكون للإقرار و الإخبار.
و مما يتعلق بهذه الدلالة الصوتية ما ذكر من أن بعض اللغات تعبر عن الأصول المختلفة للفعل ،أي لحدوث الفعل من الفاعل بكلمات إضافية تدل من حيث الإيقاع الصوتي على تلك الحالة أو الكيفية، من ذلك ما ذكره الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه (دلالة الألفاظ) من أن من لغات وسط إفريقيا أن الفعل الذي يدل على مطلق المشي هو (zo) :
و يمشي منتصبا : ZO KA KA
يمشي بنشاط و حماس : ZO DES DES
يمشي بسرعة: ZO TYA TYA
يمشي متثاقل : ZO BOHO BOHO

( ارجع إلى ص69/70 من هذا الكتاب / مكتبة الأنجلو مصرية ط/5 1984)

حصة تطبيقية حول علاقة علم الدلالة بمستويات التحليل اللساني

أ ـ علاقته بالمستوى الصوتي:


النص الأول :
يقول ابن جني في باب إمساس الألفاظ أشباه المعاني : " اعلم أن هذا موضع شريف لطيف وقد نبه عليه الخليل وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته .قال الخليل كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدا فقالوا صر ، وتوهموا في صوت البازي تقطيعا فقالوا صرصر،
وقال سيبويه في المصادرالتي جاءت على الفعلان أنها تأتي للاضطراب والحركة ، نحو الغليان والغثيان فقابلوا توالي حركات المثال بتوالي حركات الأفعال ".
الخصائص ج2 ص152

النص الثاني :
و يقول أيضا : " فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث ، فباب عظيم وواسع ونهج متلئب عند عارفيه ، ذلك لأنهم كثيرا ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها ، فيعدلونها بها ويحتذونها عليها بذلك أكثر مما نقدره وأضعاف ما نستشعره من ذلك كقولهم خضم وقضم ، فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب ، والقضم للصلب اليابس نحو قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك " .
الخصائص ج2 ص 157
النص الثالث :
أما في باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني فيقول :" من ذلك قول الله سبحانه :" ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " أي تزعجهم وتقلقهم . فهذا في معنى تهزهم هزا ، والهمزة أخت الهاء ، فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين . وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز لأنك قد تهز ما لا بال له ، كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك ".

الخصائص ج2 ص146 ـ147


المطلوب : حلل هذه النصوص مبرزا أهم الظواهر الدلالية .

التحليل : نلاحظ في النص الأول أن ابن جني قد التفت إلى وجود صلة بين صوت الجندب والفعل الذي يدل عليه " صر " . وبسبب تشابه صوت البازي وصوت الجندب مع وجود اختلاف في الكيفية ، جاء الفعل الذي يصف صوت البازي مضعفا " صرصر " .
فنجد ابن جني يركز على تقارب المعاني نتيجة لتقارب جرس الأصوات ، ويفرق بين المعاني نتيجة لاختلاف الجرس .ويضيف ابن جني ما قاله سيبويه في هذا الباب " أن المصادر التي جاءت على الفعلان ، أنها تأتي للاضطراب........... حركات الأفعال ".فالمصادر التي على وزن " فعلان " ـ بفتح الفاء والعين ـ تدل على الحركة المصاحبة للحدث .
ثم يوضح في النص الثاني أثر الأصوات في المعاني ، فالصوت الرخو يدل على المعنى الرخو وبالمقابل يدل الصوت الغليظ على المعنى الغليظ ويعطينا مثالا لذلك كلمتي :الخضم التي تدل على أكل الرطب
و القضم لأكل الصلب اليابس.
أما في النص الثالث فيوضح لنا أن تقارب الحروف أو الأصوات ناتج عن تقارب المعاني ويقدم مثالا لذلك كلمتي الهز و الأز المتقاربتين في المعنى ومعناهما : تزعجهم وتقلقهم . أما إذا نظرنا إلى الكلمتين من الناحية اللفظية فنجد أنهما لا تختلفان إلا في حرف الهاء والهمزة وهما حرفان متقاربان أيضا من الناحية الصوتية فالهاء مخرجه الحلق وهو المخرج ذاته للهمزة .
فتتصور من مجموع هذه النصوص أن ابن جني يريد القول بوجود العلاقة الطبيعية بين الحرف ومعناه أو ما يسمى بالقيمة التعبيرية للحرف الواحد ، إذ تتقارب المعاني أحيانا نتيجة تقارب مخارج الحروف، وترتبط قوة المعاني بقوة الحروف .

ملاحظة : هذه فكرة توضيحية وعلى الطالب أن يتعمق في الشرح والتعليل كنموذج تدريبي .
تابع للمحاضرة رقم 3
علاقة الدلالة بعلم الصرف (الدلالة الصرفية).
بالرجوع إلى المستوى الصرفي من مستويات البنية اللغوية نذكر أن عناصر هذا المستوى هي (المفردات أو الكلمات أو الوحدات الدالة) التي تنشأ من جمع الأصوات (الوحدات غير الدالة) بصورة اعتباطية (مع التحفظ هنا على هذه الاعتباطية) ليكون لدينا وحدات لها دلالة مفردة (بالوضع) كما ذكر الزمخشري في كتابه (المفصل). هذه الوحدات ذات الدلالة المفردة تأخذ أشكالا صرفية مختلفة و هي التي تسمى الصيغ الصرفية ، و لكل صيغة دلالة معينة بالإضافة التي دلالة المادة الصوتية التي تتشكل منها. فللأأسماء
و الأفعال و الأوصاف (المشتقات المختلفة) دلالة إضافية تحددها الصيغة. فلكل فعل من الأفعال (الماضي، المضارع و الأمر) و بصورها المختلفة (المجردة و المزيدة ) هيئة صرفية تدل على المعنى أو على جزء من المعنى . مثل: فعل، يفعل، افعل، استفعل، تفاعل............و كذلك فاعل، مفعول، مفعل، مفعل، فعال، مفعال.

و قد تدل صيغة واحدة على عدة معان يحددها السياق، مثل صيغة اسم الفاعل و المفعول.
(مختار) ، بضم الميم ، المتحولة من البنيتين العميقتين: مختير و مختير، بفتح الياء في الأولى وكسرها في الثانية ،و من ذلك الصيغة التي تدل على اسم الزمان و المكان و اسم المفعول و المصدر الميمي (مسعى) على وزن مفعل ، ومن ذلك أيضا : الفعل ضاع يضوع ،التي تدل على الظهور
و الاختفاء و ندرك ذلك بالرجوع إلى المضارع: ضاع يضيع و ضاع يضوع ،و كذلك رام يروم و يريم (حلمي خليل مقدمة لدراسة فقه اللغة ص 182).
إن علم الصرف الذي يدرس هذه الصيغ (هذه الوحدات) التي تعد من المفردات على الرغم من أنها قد تتألف من أكثر من وحدة دالة حسب مبدأ تحديد الوحدات الدالة بناء على المعنى، أقول إن علم الصرف هنا يتقاطع مع علم الدلالة لأن الأصل في تصريف الصيغة الأولى إلى صيغ مختلفة الحاجة إلى الدلالات المختلفة التي نحتاج إليها ضمن النظام اللغوي لتؤدي اللغة وظيفتها بشكل كامل و دقيق.
حصة تطبيقية حول علاقة علم الدلالة بالمستوى الصرفي

النص
يقول ابن جني في " باب في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية " : اعلم أن كل واحد من هذه الدلائل معتد مراعى مؤثر إلا أنها في القوة والضعف على ثلاث مراتب ، فأقواهن الدلالة اللفظية ثم تليها الصناعية ثم تليها المعنوية ولنذكر من ذلك ما يصح به الغرض فمنه جميع الأفعال ، ففي كل واحد منها الأدلة الثلاثة ، ألا ترى إلى قام ودلالة لفظه على مصدره ودلالة بنائه على زمانه ودلالة معناه على فاعله ، فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه ، وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من المعنوية من قبل أنها وان لم تكن لفظا فإنها صورة يحملها اللفظ ويخرج عليها و يستقر على المثال المعتزم بها ، فلما كانت كذلك لحقت بحكمه وجرت مجرى اللفظ المنطوق به ، فدخلا بذلك في باب المعلوم والمشاهدة و أما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم الاستدلال وليست في حيز الضروريات ".

الخصائص ج3 ص98

المطلوب : حلل النص ، واستخرج أهم المفاهيم الدلالية المتضمنة مع التمثيل .
التحليل :
أبرز ابن جني في هذا النص أنواع الدلالات في الكلمة الواحدة، بحيث فصل بينها وجعلها مستقلة عن بعضها البعض وصنفها حسب قوتها مبتدئا بالأقوى دلالة وهي الدلالة اللفظية ثم الدلالة الصناعية وأخيرا الدلالة المعنوية . ثم بين أن الأفعال تشتمل على هذه الأنواع من الدلالات مجتمعة.
أ ـ الدلالة اللفظية : عرفها ابن جني بقوله أنها " دلالة لفظه على مصدره " .، وهو يقصد دلالة الجذر .
ويوضح لنا الأمر بمثال هو الفعل قام ودلالة لفظه هي دلالة جذره أي الجذر (ق، و، م ) الذي يدل على حدث يختلف عن معنى الجذر ( س ، م ، ع ) مثلا ، فلكل جذر إذن دلالة خاصة به تميزه عن جذر آخر.
ب ـ الدلالة الصناعية : عرفها ابن جني بقوله أنها " دلالة بناء الفعل على الزمن " ، ويقصد بها دلالة الوزن أو الصيغة الصرفية . فالكلمة في اللغة العربية تتكون من الجذر + الوزن ،و لكل وزن دلالة خاصة به ،إذ نجد مثلا أن كلمتي (قام ومقام ) تشتركان في نفس الدلالة اللفظية وهي دلالة الجذر (ق ، و ، م) لكن معناهما مختلف نتيجة تباين وزنيهما مما ينتج عنه تباين في معنى كل وزن :
ـ فوزن قام هو ( فعل ) الذي يدل على حدث القيام في الزمن الماضي،
ـ و وزن مقام هو( مفعل) الذي يدل على معنى اسم المكان
يتبين لنا أن الصيغ الصرفية تلعب دورا كبيرا في الدلالة على معنى الكلمة .
فصيغ الأفعال بأنواعها : الماضي والمضارع و الأمر تدل على الحدث وزمانه ،وما يتصل بهذه الأفعال من حروف وما يدخلها من التضعيف ، فتضعيف العين مثلا يدل على قوة الحدث وكثرته مثل : اخضر واخضوضر .
وتحمل صيغ الأسماء العديد من المعاني التي تتنوع بتنوعها ، كأسماء الفاعلين وأسماء المفعولين وصيغ المبالغة والتصغير والنسب والجموع ، فلكل منها معنى تؤديه .
ويمكننا التعرف على معاني تلك الأوزان بالرجوع إلى كتب الصرف .
ج ـ الدلالة المعنوية :عرفها ابن جني بقوله "دلالة معناه على فاعله " أي دلالة فاعل الفعل.
فالدلالة المعنوية للفعل ( قام ) هي الفاعل الذي قام بالفعل ( هو ).
والدلالة المعنوية في الاسم (قافلة ) هي : قافلة ، سيارة ، كواكب ... أي مختلف المعاني الأصلية
و المجازية .
يمكن أن نمثل لمختلف تلك الدلالات بالشكل التالي :

دلالة الفعل قام

دلالة لفظية دلالة صناعية دلالة معنوية
( دلالة الجذر ق ،و ، م ) ( دلالة الوزن ( فعل) ( دلالة الفاعل هو )
الذي يدل على وقوع الحدث
في الزمن الماضي.
و يختلف بالتالي في دلالته
عن وزن المضارع
( يفعل) و باقي الأوزان
الأخرى ).






دلالة الاسم سيارة

دلالة لفظية دلالة صناعية دلالة معنوية
(دلالة الجذر س ، ي ، ر ) ( الوزن فعالة يدل ( آلة تنقل ميكانيكية
مثلا على السرعة قافلة، كواكب ......
والكثرة....) وهي معاني تتحدد
هنا حسب السياق الذي
وردت فيه )

ملاحظة : لانجد كل هذه الأنواع من الدلالات إلا في الأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة .
تمرين :
1 ـ بين أنواع الدلالة التي تتضمنها الكلمات التالية حسب تقسيم ابن جني لها :

1ـ هاتف ، 2 ـ صه ، 3 ـ من ، 4 ـ نعم ( بكسر النون وتسكين العين ) ، 5 ـ يسلم .

2 ـ ما المعنى المستفاد من الصيغ المتقابلة التالية ( استعن بالمعاجم العربية ) :
أ ـ القوام ( بكسر القاف ) والقوام (بفتحها)
ب ـ الذل ( بكسر الذال ) والذل ( بضمه )
ج ـ حاسوب ، حاسب
تابع للمحاضرة رقم 3
الدلالة و علم التراكيب (الدلالة النحوية).
يقول الجرجاني عبد القاهر في كتابه المشهور (دلائل الإعجاز في علم المعاني) : (إن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها و لكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد .....) (دلائل الإعجاز ص353).
إن ما يقال من أن الوحدات الدالة في المستوى الصرفي تتشكل من تجمع لعناصر من الوحدات غير الدالة (الأصوات) دون صدور ذلك عن نظام عقلي (إن نظم الحروف هو تواليها في النطق فقط....) (انظر دلائل الإعجاز ص353).( مع التحفظ على ذلك). فان ذلك لا ينطبق على تشكيل الجمل من الوحدات الدالة و إنما يتم ذلك بالتآلف بين هذه الوحدات فيأتلف بعضها و لا يأتلف بعضها الآخر، كما يذكر الجرجاني نفسه في كتابه الجمل (اعلم أن الواحد من الاسم و الفعل و الحرف يسمى كلمة، فإذا ائتلف منها اثنان فأفادا ( .....) يسمى كلاما ويسمى جملة ( الجمل ص107) .
و على هذا تكون الإفادة ليس معنى المفردات في حد ذاتها . و هو ما يوضحه في قوله السابق في الدلائل.
و إنما الإفادة هنا في هذا المستوى (مستوى التراكيب) أو المستوى النحوي هو تعريف المخاطب (بفتح الطاء ) و إبلاغه بالعلاقات النحوية أو ما يسمى بمعاني النحو، و هو المعنى الاسنادي الذي يربط بين الوحدات داخل التركيب فيفهم من الذي قام بالفعل أو اتصف بالوصف و على من وقع هذا الفعل، و مع ترابط عناصر التركيب بما في ذلك الملحقات مثل الحال و التمييز و غيرها، حيث يوضع كل عنصر في موضعه المناسب لصحة المعنى، وإلا لن يفهم المخاطب ، بفتح الطاء ، (السامع) أي معنى مع أنه من المفترض أنه يعرف المعاني المفردة للألفاظ و إنما المعنى المقصود هنا هو معنى النحو، أو الوظائف النحوية. و يرى الجرجاني أن ذلك النظام يقوم على ربط الكلمات ببعضها يقول " ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النطق بل أن تناسقت دلالاتها وتلاقت معانيها ، على الوجه الذي اقتضاه العقل (ص35) .
وكان الجرجاني قد ضرب مثلا ببيت امرئ القيس ـقفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ـ فقال
ما معناه أننا لو غيرنا ترتيب الكلمات فهل يعني قول امرئ القيس مبينا بعد ذلك .
وقد عدّ بعضهم الجملة (التركيب) هي الوحدة الدلالية الأساسية.
وهذا لا يعني –طبعا- أن المعاني المعجمية (الاجتماعية) بمعزل عن فهم المعنى لأن اللغة تعمل بنظام متفاعل تتداخل فيه المستويات ، و يظهر ذلك عند تشو مسكي فيما يسمى مبدأ السلامة النحوية ،
و يضرب لذلك الأمثلة ، فقد يكون التركيب سليما نحويا من حيث الإسناد، و لكنه لا يؤدي للمخاطب (بفتح الطاء ) معنى صحيحا مثال ذلك : (شرب الجدار النجمة المؤمنة) . و إنما قد يكون ذلك فيما يسمى باختراقات الشعراء مثل. ( شربتني قهوتي ) .
و إذا كنا قد ركزنا هنا على الجرجاني فلأنه ركز على العلاقة بين النحو و البلاغة أو الإبلاغ و ليس الإبلاغ إلا نقل المعاني و تبادلها بين المخاطب ( بفتح الطاء ) و المخاطب (بكسر الطاء ) .و من هنا كان لعلم الدلالة علاقة متينة بعلم النحو فليست اللغة إلا مجموعة من العلاقات بين الألفاظ و دلالاتها ،و هذا ما تؤكده كثير من المذاهب اللسانية الغربية الحديثة.
حصة تطبيقية حول علاقة علم الدلالة بالمستوى التركيبي :

النص الأول :
يقول عبد القاهر الجرجاني :" اعلم أن ههنا أصلا أنت ترى الناس فيه في صورة من يعرف من جانب وينكر من آخر ، وهو أن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها و لكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد ، وهذا علم شريف وأصل عظيم ، والدليل على ذلك أنا إن زعمنا أن الألفاظ التي هي أوضاع اللغة ، إنما وضعت ليعرف بها معانيها في أنفسها ، لأدى ذلك إلى ما لا يشك عاقل في استحالته ....."
دلائل الإعجاز ص469
النص الثاني :
و يقول أيضا :" ليت شعري كيف يتصور وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى ، ومعنى اخر












رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:10   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات في علم العروووووض

الـــــدرس الأول)) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصطلحات عروضية:

لكل علم مصطلحاته وهذه المصطلحات هي المفتاح لهذه العلوم والدارس لعلم العروض ينبغي أن يحفظ المصطلحات العروضية قبل الدخول في هذا العلم وسأبدأ بعرض المصطلحات

البيت الشعري :تتألف كل قصيدة من عدد من السطور المتوازية يسمى كل سطر بيتا شعري.
الشطر:يتألف كل بيت من جزأين متوازيين كل جزء يسمى شطرا
صدرالبيت : يسمى الشطر الأول(ما هو الشطر؟) الصدر
العجز:ويسمى الشطر الثاني عجز البيت
التفعيلات: الملاحظ أن الكلام يتألف من حروف بعضها ساكن والآخر متحرك
والتفعيلة هي مجموعة من الحركات والسكنات مرتبة على نحو معين فمثلا إذا كانت الكلمة مؤلفة من خمس حروف حرف متحرك يليه ساكن ثم متحرك فمتحرك ثم ساكن فهي تشكل تفعيلة تسمى(فَاعِلُنْ) (لاحظ حركات التفعيلة)
وعدد التفعيلات في العروض ثماني وقبل البدء بعرض التفعيلات أنوه إلى أنه يرمز للحرف المتحرك بــ/ وللساكن بــ ه والتفعيلات هي :
فَاعِلُنْ /ه//ه ( أي متحرك -ساكن-متحرك-متحرك-ساكن )
فَعُوْلُنْ //ه/ه (لاحظ حركات التفعيلة وقارنها بالرموز)
مُسْتَفْعِلُنْ /ه/ه//ه
مُفَاعَلَتُنْ //ه///ه (الألف في اللغة العربية دائما ساكنة وما قبلها مفتوح)
مُتَفَاعِلُنْ ///ه//ه
فَاعِلاتُن /ه//ه/ه
مَفَاعِيْلُنْ //ه/ه/ه
مَفْعُوْلاتُ /ه/ه/ه/ (لاحظ أنها التفعيلة الوحيدة التي تنتهي بمتحرك)

ملاحظة:يجوز أن يلحق كل تفعيلة بعض التغيرات كحذف بعض الحروف أو تسكين
متحرك فيها
ويسمى هذا التغيير جوازا أو زحاف وسنعرض الجوازات
خلال دراستنا للبحور

العروض والضرب:تسمى التفعيلة الأخيرة من صدر البيت(ما هو صدر البيت؟)عروض والتفعيلة الأخيرة من العجز ضرب ويسمى ما سواهما الحشو
البحر : مجموعة من التفعيلات مرتبة علي نحو معين وفي العروض ستة عشر بحرا لكل بحر تفعيلاته وسندرسها جميعا بشكل مفصل إن شاء الله
السبب الخفيف: كل حركة يليها سكون مثل كلمة(لَمْ)/ه
السبب الثقيل: كل حركتين متتالتين مثال: لَكَ //
الوتد المجموع:متحركان فساكن مثال: على //ه
الوتد المفروق:متحركان بينهما ساكن مثل : قامَ/ه/
الفاصلة الصغرى:ثلاثة متحركات فساكن مثل:عَلِمَتْ ///ه

الفاصلة الكبرى:أربعة متحركات فساكن مثل:يَعِظَكُمْ ////ه

الآن لاحظ أن تفعيلة فعولن مثلا
تتألف من وتد مجموع //ه وسبب خفيف/ه (فَعُوْ://ه لُنْ:/ه)
قم بتحليل باقي التفعيلات


الدرس الثاني))...................

التقطيع والكتابة العروضية

مقدمة هامة :الحركات في اللغة العربية ثلاث ومعها السكون وهي الفتحة (ألف قصيرة) والضمة (واو قصيرة) والكسرة(ياء قصيرة) أما السكون فهو سلب الحركة
الآن حاول التدرب على نطق الحروف مع هذه الحركات كل على حدة
ثم حاول نطقها ساكنة ...(ماذا تلاحظ ؟؟) تلاحظ أنك لا تستطيع لفظ الحرف ساكنا إلا مع الحرف الذي قبله وكما هو معلوم فإن العربية لا يتتالى فيها ساكنان أي أنك في كلمة مثل (لن) لا تستطيع لفظ النون وحدها لأنها ساكنة بل تحتاج إلى الحرف الذي قبلها والذي هو بكل تأكيد متحرك (لماذا؟؟)

التقطيع العروضي:الاعتماد في التقطيع العروضي على اللفظ لا على الكتابة فإذا أردت تقطيع الشعر يجب ان تقرأ قراءة متأنية بالحركات ولا علاقة بالكتابة في التقطيع العروضي فكما قلنا أن الاعتماد على اللفظ فكل ما يلفظ يحتسب وإن لم يكن مكتوبا وكل ما لا يلفظ لا يحسب وإن كان مكتوبا وهذا مثال للتوضيح:
كلمة هذا (حين تقرأها تلفظ ألفا بعد الهاء وهذه الألف تحسب في العروض حتى وإن لم تكن مكتوبة )
وكلمة قالوا (لاحظ أنك لا تلفظ الألف الفارقة بعد واو الجماعة رغم أنها مكتوبة ولأنك لا تلفظها لا تحسب في العروض)
وهناللك ملاحظات عامة في التقطيع العروضي ينبغي على الدارس تعلمها لأنها تفيده كثيرا في التقطيع وهي:
1- التنوين تلفظ نونا ساكنة لذلك تحسب في العروض حرفا ساكنا (كتابٌ//ه/ه) لاحظ أنك تلفظ نونا ساكنة بعد الباء وكما أسلفنا لأنها تلفظ فهي تحسب في العروض
2- الشدة حرفان الأول ساكن والثاني متحرك
3-المدة حرفان الأول متحرك والثاني ساكن
4- همزة الوصل تسقط أثناء الكلام مثلا :شاهدت استقبال(لاحظ أنك أثناء اللفظ تنتقل مباشرة من التاء إلى السين دون المرور بالألف وكأنها كتبت هكذا (تس) لذلك تهمل هذه الهمزة أما إذا جاءت همزة الوصل في أول الكلام فتحسب
5-إذا كانت اللام شمسية تحذف وإذا كانت قمرية تثبت
مثلا : الطالب(لاحظ انك تحذف اللام في اللفظ) (ملاحظةالحرف بعد اللام الشمسية دائما مشدد)
6- إذا انتهت الكلمة بياء أو ألف أو واو ساكنة ثم جاء بعدها أل التعريف أو همزة وصل تحذف (بالإضافة إلى حذف همزة الوصل أو ألف أل التعريف واللام إذا كانت شمسية )
مثال: مشى الأستاذ (لاحظ في اللفظ تحذف ألف مشى +ألف أل التعريف )
أو مثلا :لاموا افتتاني (ننتقل مباشرة من الميم المضمومة إلى الفاء كم حرف حذفنا ولماذ؟؟)

7-أيضا لدينا ميم الجمع إذا كانت مضمومة وما قبلها متحرك أوجب إشباع الحركة بحرف من جنسها أي واو (منهُمُ) تحسب الضمة في التقطيع واوا (هذا فقط مع ميم الجمع تذكر ذلك )
8- إذا انتهى الشطر(ما هو الشطر؟) بحرف متحرك تشبع حركته بحرف من جنس الحركة يعني إذا كانت فتحة تشبع ألفا وإذا كانت ضمة واو وإذا كانت كسرة ياء ....(تذكر الإشباع في حالتين فقط ميم الجمع ونهاية الشطر المتحرك)

بشكل عام هذه هي قواعد التقطيع العروضي ويبقى لدينا

الكتابة العروضية :

الآن بعد أن تعلمت التقطيع اللفظي لكي يسهل عليك الامر أكتب ما قطعته لفظيا
ولا اعتبار لقواعد اللغة والإملاء هنا
أي اكتب كما تلفظ فمثلا (كتابٌ) في الكتابة العروضية تصبح = كتا بن
فقد قلنا أننا نكتب حس اللفظ ونحن لفظنا التنون نونا ساكنا

طريقة الكتابة العروضية :
في الكتابة العروضية ليسهل عليك الأمر اكتب الكلمة متصلة ببعضها وعندما تقف على ساكن اقطعها وابدأ من جديد مثلا (رَأَيْتُ الشَّمْسَ ساطِعَةً)
في الكتابة العروضية تصبح : رأي تش شم س سا طعتن
كيف : لاحظ في المقطع الأول (رَ أَ يْ)(لاحظ حركات الحروف:
متحرك فوصلناه بالحرف الذي يليه وهو أيضا متحرك لذلك نصله بالحرف الذي يليه وهو كما تلاحظ ساكن الآن نقطع الكلمة ونبدأ بمقطع جديد أليس ذلك سهلا ؟؟؟)

الترميز :الآن بعد الكتابة العروضية جاء دور الترميز وكما قلنا في الدرس الأول نرمز للحرف المتحرك بــ / وللساكن بــ ه
وبكل سهولة يمكنك وضع الرموز فقط لاحظ المقاطع في الكتابة العروضية
فالحرف الأخير في كل مقطع ساكن وما قبله متحرك لاحظ
كل مقطع من كم حرف يتألف فإذا كان المقطع من ثلاثة حروف فهذا يعني أنه يتألف من متحرك فمتحرك ثم ساكن فقط ضع تحته الرموز //ه
والآن انتهى الدرس ولكن يجب التدرب كثيرا على التقطيع والكتابة العروضية فتكون بذلك قطعت شوطا مهما في إتقان العروض



((الدرس الثالث))

مقدمة في البحور الشعرية :قلنا سابقا أن البحر الشعري يتألف من مجموعة تفعيلات مرتبة على نحو معين تشكل شطري البيت الشعري
وكما ذكرنا أيضا أن التفعيلات في العروض ثماني تفعيلات(ما هي؟؟)
وقد يتكون البحر من تفعيلة واحدة تتكرر لأربع أو ثلاث مرات في الشطر الواحد
أو يتألف من تفعيلتين تتكرران على نحو معين وتسمى الأبحر التي تشكلها تفعيلتان بالأبحر الممتزجة
عدد البحور في العروض ستة عشر بحرا شعريا
اكتشف الخليل خمسة عشر منها وأضاف تلميذه الأخفش الأوسط البحر السادس عشر وسماه المتدارك لأنه تداركه على الخليل
والبحور بحسب الدوائر العروضية هي:
1-البحر الطويل
2-البحر المديد
3-البحر البسيط
4-البحر الكامل
5- البحر الوافر
6-بحر الهزج
7-بحر الرجز
8-بحر الرمل
9-البحر السريع
10-البحر المنسرح
11-البحر الخفيف
12-البحر المضارع
13- البحر المقتضب
14-البحر المجتث
15-البحر المتقارب
16- البحر المتدارك
وسندرس كل بحر على حدا وبالتفصيل إن شاء الله
وقبل البدء هناك أمر هام يجب على دارس العروض معرفته وهو أن البحر الواحد قد يستوفي جميع تفعيلاته فيسمى تاما وقد يحذف من كل شطر التفعيلة الأخيرة فيسمى مجزوءا
وقد يحذف شطر كامل فيسمى البحر مشطورا وقد يحذف ثلثا البحر فيسمى منهوكا

ولكن هذا بشكل عام فليس كل البحور تستعمل تامة ومجزوءة ومنهوكة
فهنالك بحور (كالطويل مثلا )لا تستعمل إلا تامة أي بكامل تفعيلاتها في الشطرين
وهنالك بحور (كالمضارع مثلا) لا تستعمل إلا مجزوءة أي أنها لا تكون بكامل تفعيلاتها أبدا وهذه الأمور تتضح أكثر عند دراسة كل بحر وسنعرف عندها إمكانيات استعمال هذه البحور تامة أو مجزوءة أو مشطورة أو منهوكة ....ولكن نقول أن الأكثر والأشهر استعمال البحور تامة وإليك هذا المخطط لإيضاح المصطلحات المذكورة :فمثلا لوكان البحر يتألف من تفعيلة مستفعلن(وهذا وزن بحر الرجز) تتكرر ثلاث مرات في الشطر الواحد فلو قطعنا البيت الشعر ووجدنا أن الشاعر استنفذ أو استعمل جميع التفعيلات في الشطر أي أن الوزن جاء هكذا :


مستفعلن مستفعلن مستفعلن =مستفعلن مستفعلن مستفعلن
فهذا يعني أن الشاعر نظم على الرجز التام أو نقول أن قصيدته من تام الرجز
ولكن لوجاءت التفعيلات على الشكل التالي:

مستفعلن مستفعلن x =مستفعلن مستفعلن x
نلاحظ أن تفعيلة من كل شطر قد حذفت هذا يعني أن الشاعر استعمل مجزوء الرجز ولو جاءت التفعيلات على النحو الآتي

مستفعلن مستفعلن مستفعلن=x x x
من شطر واحد نجد أن الشطر الثاني قد حذف وهذا يعني أن الشاعر استعمل مشطور الرجز ولو جاء الوزن :

مستفعلن مستفعلن x x x= x

حذف ثلثا التفعيلات(هي بالأصل تسع في بحر الرجز حذف ست) يعني أن الشاعر استعمل منهوك الرجز

وهكذا بالنسبة لباقي البحور
وكما أسلفت ليس كل البحور تستعمل تامة وكجزوءة ومشطورة ومنهوكة والرجز وحده يستعمل على هذا النحو لذلك اتخذناه مثالا
وستتضح الصورة أكثر عند دراستنا للبحور كل بحر على حدا
ليس الدرس بالصعوبة التي تعتقدها أعد القراءة والتركيز ستجده سهلا .....












رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:11   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الرابع))

سنبدأ الآن بدراسة البحور بحر بحرا ....والبداية ستكون مع البحر الطويل ....

البحر الطويل :وسمي بذلك لأنه أطول البحور فعدد حروف تفعيلاته 48 حرفا وهو بحر لا يستعمل إلا تاما ....
وزنه في الأصل:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن ......فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

ولكنه لا يستعمل هكذا فعروضه مقبوضة دائما (القبض هو حذف الحرف الخامس )
أي أن وزنه المستعمل :

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ......فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

وقد وضع الشاعر صفي الدين الحلي أبياتا من الشعر تعد ضوابطا لوزن البحور
وما قال في ضابط الطويل :
طويل له بين البحور فضائل......فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن


العروض والضرب :

بداية أذكر أن العروض هي التفعيلة الأخيرة في الشطر الأول أما الضرب فهو التفعيلة الأخيرة في الشطر الثاني
ولكل عروض أضرب خاصة بها ...

وكما ذكرنا فإن للبحر الطويل عروض واحدة فقط وهي (مفاعلن)
ولها ثلاثة أضرب (أي أن الشاعر يختار أحد هذه الأضرب ويستعمله في كل القصيدة ولا يجوز له التنويع بين الأضرب)


الضرب الأول
: صحيح (مفاعيلن )
مثال :
كلانا بكي أو كاد يبكي صبابة .....إلى إلفه واستعجلت عبرة قبلي
كلا نا بكى أو كا ديب كي عب رتن....إلى إل فهي وس تع جلت عب رتن قب لي
//ه /ه //ه /ه /ه //ه /ه //ه //ه ....//ه /ه //ه /ه /ه //ه /ه //ه /ه /ه
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ........فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيل
ن

الضرب الثاني
: مقبوض مثل العروض مفاعلن)
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا .....ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ستب دي لكل أي يا مما كن تجا هلن....ويأ تي كبل أخ با رمن لم تزو ودي
//ه /ه //ه /ه /ه //ه /ه //ه //ه ....//ه/ه //ه /ه /ه //ه /ه //ه //ه
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن .........فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن

الضرب الثالث
: (فعولن )

أقول وقد ناحت بقربي حمامة ....أيا جارتا هل تشعرين بحالي
أقو لوقد نا حت بقر بي حما متن ....أيا جا رتا هل تش عري نبحا لي
//ه/ //ه /ه /ه //ه /ه // //ه........//ه /ه //ه /ه /ه //ه / //ه /ه
فعول مفاعيلن فعولن مفاعلن ......فعولن مفاعيلن فعول فعولن


جوازات الحشو :

فعولن : يجوز ان يصيبها القبض (حذف الخامس الساكن ) فتصبح فعول وهو حسن
كما في المثال السابق

ويجوز أن تأتي عولن (فعلن) ويسمى ذلك بالخرم أي حذف أول متحرك
ويجوز ان يجتمع فيها القبض والخرم (ويسمى ذلك بالثلم) أي حذف الأول وحذف الخامس فتصبح : عول


مفاعيلن : يصيبها القبض (ما هو القبض؟؟) فتصبح مفاعلن

ويصيبها الكف(حذف السابع) فتصبح مفاعيل

هذا هو البحر الطويل بشكل عام ....

وإليكم هذه الأبيات كتدريبات على البحر الطويل :


قال المتنبي :
وما الدهر إلا من رواة قصائدي .....إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا

قال أبو فراس:
أراك عصيَّ الدمع شيمتك الصبر .....أما للهوى نهي عليك ولا أمر



...((الدرس الخامس ))...

البحر البسيط ...

نتابع مع بحور الدائرة الأولى ونحط اليوم مع البحر البسيط وهو من أكثر البحور الشعرية استعمالا ولا يوجد شاعر معروف لم ينظم عليه

وهذا البحر يستعمل تاما ومجزوءا وسنبدأ الحديث في هذا الدرس عن تام البسيط أما المجزوء فسيكون الحديث عنه في الدرس القادم إن شاء الله


...................((البسيط التام))..................
وزنه في الأصل :
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن.......مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن

ولكنه لا يستعمل هكذا فالعروض مخبونة وجوبا(الخبن حذف الثاني الساكن) فتصبح فعلن ///ه بدلا من فاعلن /ه//ه

وضابطه قول الحلي:
إنَّ البسيط لديه يبسط الأمل .....مستفعلن فاعلن مستفعلن فَعِلُنْ


العروض والضرب:

كما أسلفت القول للبحر البسيط عروض واحدة مخبونة وجوبا (فَعِلُنْ) ولها ضربان: ( أذكر بأنه على الشاعر أن يختار ضرب واحده ويلتزمه حتى نهاية القصيدة ولا يجوز له التنويع بين الأضرب)

الضرب الأول : مخبون مثل العروض(ما هو الخبن؟) فَعِلُنْ...
مثاله قول المتنبي:

الخيل والليل والبيداء تعرفني .........والسيف والرمح والقرطاس والقلم

ال خي لول/لي لول/بي دا ءتع/رفني.وس سي فور/رم حول/قرطا سول/قلم
مستفعلن...فاعلن..مستفعلن..فعلن.()مستفعلن ...فاعلن..مستفعلن..فعلن

قد يسأل سائل لماذا لم تحذف ألف أل التعريف في الخيل والجواب أنها جاءت في بداية البيت


الضرب الثاني:

مقطوع القطع :حذف أول الوتد المجموع ) فعْلن (العين ساكنة)/ه/ه

مثال:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه....لا يذهب العرف بين الله والناس

من يف علل/خي رلا/يع دم جوا/زيهو..لا يذ هبل/عر فبي/نل لا هون/نا سي
مستفعلن...فاعلن ....مستفعلن...فعلن..مستفعلن ...فاعلن...مستفعلن..فعْلن



جوازات الحشو:

1.مستفعلن: يجوز فيها :

الخبن: حذف الثاني الساكن فتصبح متفعلن //ه//ه وهو حسن في أول تفعيلة من الصدر والعجز وقبيح في سواهما

الطي: حذف الرابع الساكن فتصبح مستعلن وتنقل إلى مفتعلن /ه///ه
وهو غير حسن وقليل

الخبل: اجتماع الطي والخبن أي حذف الثاني وحذف الرابع فتصير متعلن ////ه وهو قبيح ويجدر بالشاعر اجتنابه ...


2.فاعلن:

يجوز فيها الخبن : فتصبح فعلن ///ه وهو حسن وكثير

وسنتكلم عن مجزوء البسيط فبي الدرس القادم بإذن الله


الدرس السادس

((مــــــــــجزوء البسيط))

قلنا سابقا أن المجزوء هو البحر التام الذي حذف آخر تفعيلة من كل شطر
عندها تصبح التفعيلة الأخيرة من الشطر الأول عروض وكذلك الأخيرة في الشطر الثاني ضرب

ومجزوء البسيط وزنه الأساس:
مستفعلن فاعلن مستفعلن .....مستفعلن فاعلن مستفعلن
العروض والضرب:
لمجزوء البسيط عروضان هما تذكر انه لكل عروض أضرب خاصة بها يجب ان يختار الشاعر واحدة منها)


العروض الأولى : صحيحة ولها ثلاثة أضرب (أي أن الشاعر إذا اختار هذه العروض عليه أن يستخدم أحد الأضرب الخاصة بها )

الضرب الأول :مذيل (التذييل زيادة حرف ساكن) فتصبح مستفعلن مستفعلان /ه/ه//ه ه
قد يسأل سائل كيف يلتقي ساكنان لأقول هذا يجوز إذا كان الساكن الأول حرف مد (حرف علة) لأن حروف المد في الأساس حركات مشبعة
نستنتج من ذلك ان يجب أن يكون الحرف ما قبل الأخير في هذا الضرب حرف علة وهذا ما يسمى بالردف في علم القافية
مثال:
إنا ذممنا على ما خيّلت......سعد بن زيدٍ وعمرا من تميم
إن نا ذمم/نا على/ما خي يلت....سع دب نزي/دن وعم/رن من تمي م
مستفعلن فاعلن مستفعلن .....مستفعلن فاعلن مستفعلان

الضرب الثاني:
صحيح كالعروض مستفعلن:
ماذا وقوفي على ربع عفا .....مخلولقٍ دارسٍ مستعجم
ما ذا وقو/في على /رس من عفا....مخ لو لقن/دا رسن/مس تع جمي
مستفعلن فاعلن مستفعلن .....مستفعلن فاعلن مستفعلن

الضرب الثالث مقطوع (القطع حذف الخامس المتحرك) فتصبح مستفلن وتنقل إلى مفعولن /ه/ه/ه
مثاله:
سيروا معا إنما ميعادكم ...يوم الثلاثاء بطن الوادي
سي رو معن/إن نما /مي عا دكم...يو مث ثلا /ثا ءبط/نل وا دي
مستفعلن فاعلن مستفعلن .....مستفعلن فاعلن مفعولن

العروض الثانية : مقطوعة (مفعولن) ولها ضرب وحيد مقطوع مثلها
مثاله:
ما هيّج الشوق من أطلال....أضحت قفارا كوحي الواحي
ما هي يجش /شو قمن/أط لا لي....أض حت قفا/رن كوح/يل وا حي
مستفعلن فاعلن مفعولن.............مستفعلن فاعلن مفعولن

جوازات العروض والضربهذه الجوازات خاصة بالعروض والضرب ولا يجوز تطبيقها على الحشو)

العروض المقطوعة وضربها(مفعولن) يلحقهما الخبن (حذف الثاني الساكن)سويا
فتصيران معولن وتنقلان إلى فعولن//ه/ه
وهذا الوزن يسمى مخلّع البسيط وهو وزن مشهور وسائغ
مثاله قول الحلاج:
فمنّ بالعفو يا إلهي ....فليس أرجو سواك أنت
فمن نبل/عف ويا/إلا هي....فلي سأر/جو سوا/كأن تا
متفعلن /فاعلن../فعولن....متفعلن /فاعلن../فعولن
2. مستفعلان: يلحقها الخبن فتصير متفعلان //ه//ه ه

3.مستفعلن في الضرب فقط أي أنها في العروض يجب أن تبقى صحيحة)
يجوز في هذا الضرب:
الخبن (ما هو الخبن؟) فتصير متفعلن
الطي (حذف الرابع الساكن) فتصير مفتعلن
الخبل(اجتماع الطي والخبن) متعلن وهو قبيح


جوازات الحشو :

فاعلن في حشو المجزوء يجب أن تبقى صحيحة ولا يلحقها زحاف
أما جوازات مستفعلن فهي ذات الجوازات في البحر التام



((الدرس السابع))
...............((البـــــــحر المــــــديد))..............

وهو البحر الأخير من بحور الدائرة الأولى
ووزنه في الأصل :
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن......فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن

إلا أن هذا البحر لا يستعمل إلا مجزوءا
فيصبح وزنه:
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن .....فاعلاتن فاعلن فاعلاتن



العروض والضرب
:
للبحر المديد ثلاثة أعاريض وهي:

العروض الأولى: صحيحة(فاعلاتن) ولها ضرب وحيد صحيح مثلها (فاعلاتن)
ومثالها قول المهلهل بن ربيعة:
يا لبكرٍ أنشروا لي كليبا ......يا لبكر أين أين الفرارُ؟
يا لبك رن/أن شرو/لي كلي بن
فاعلاتن /فاعلن/فاعلاتن
يا لبك رن/ أي نأي/ نل فرا رو
فاعلاتن /فاعلن/فاعلاتن


العروض الثانية: محذوفة (فاعلن) ولها ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: (فاعلانْ)/ه//ه ه وقد شرحنا في درس سابق أنه يجب أن تأتي السكون الثانية بعد حرف مد وهذا ما سميناه بالردف أي أن الحرف ما قبل حرف الروي يجب أن يكون حرف مد(علة)

ومثال هذا الضرب:
لا يغرَّنَّ امرأً عيشه...كل عيش صائر للزوالْ

لا يغر رن/ نم رأن/عي شهو
فاعلاتن /فاعلن/فاعلن

كل لعي شن/ صا ئرن/ لل زوا لْ
فاعلاتن /فاعلن/فاعلانْ


الضرب الثاني
: محذوف مثل العروض (فاعلن) ومثاله:
اعلموا أني لكم حافظ .....شاهدا ما كنت أو غائبا
اع لمو أن/ ني لكم / حا فظن
فاعلاتن /فاعلن/فاعلن

شا هدن ما/ كن تأو / غا ئبا
فاعلاتن /فاعلن/فاعلن

الضرب الثالث: أبتر (فعْلن) /ه/ه وهذا الضرب قليل في هذا البحر ومثاله:
إنما الذلفاء يا قوتة....أخرجت من كيس دهقان
إن نمذ ذل/فا ءيا/ قو تتن
فاعلاتن /فاعلن/فاعلن

أخ رجت من/كي سده/قا ني
فاعلاتن /فاعلن/فعْلن

وقد ذكر أبو الحسن الأخفش أن الضربين الأخيرين شاذان ولا يقاس عليهما


العروض الثالثة
: محذوفة مخبونة (فعلن)///ه
ولها ضربان :

الضرب الأول: مثلها (فعلن)///ه ومثاله:
للفتى عقل يعيش به ....حيث تهدي ساقه قدمه
لل فتى عق/ لن يعي/شبهي
فاعلاتن /فاعلن/فعلن

حي ثته دي/سا قهو/قدمه
فاعلاتن /فاعلن/فعلن

وهذا الوزن هو الأكثر شيوعا
الضرب الثاني: أبتر (فعْلن) /ه/ه

ربَّ نار بتُّ أرمقها ....تقضم الهنديَّ والغارا

رب بنا رن/ بت تأر/مقها
فاعلاتن /فاعلن/فعلن

تق ضمل هن/دي يول/غا را
فاعلاتن /فاعلن/فعْلن

جوازات العروض والضرب:يجوز في فاعلاتن الخبن(ما هو الخبن؟) فتصبح فعلاتن///ه/ه

جوازات الحشو:
1. فاعلاتن يجوز فيها :
الخبن فتصبح : فعلاتن ///ه/ه وهو حسن في المديد
الكف : (حذف السابع) فتصبح فاعلاتُ /ه//ه/ وهو صالح ولكنه نادر
الشكلاجتماع الخبن والكف) فتصبح فعلاتُ ///ه/ وهو قبيح لا يستعذب
2.فاعلن يجوز فيها :
الخبن فتصبح فعلن///ه











رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:12   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

((الدرس الثامن ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــ((البحر الوافر))ـــــــــــــــــــــــــــــ

نبدأ الآن مع بحور الدائرة الثانية
وسنكون مع البحر الوافر يستعمل هذا البحر تاما ومجزوءا

الوافر التام

وزنه في الأساس :
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن.........مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن

ولكنه لا يستعمل هكذا فالعروض والضرب مقطوفتان وجوبا (فعولن)
وضابطه قول الحلي:

بحور الشعر وافرها جميل .....مفاعلتن مفاعلتن فعولن



العروض والضرب:


للوافر التام عروض واحدة مقطوفة (فعولن)
ولها ضرب واحد مثلها

ومثالهما :

لنا غنم نسوقها غزاز.....كأن قرون جلتها عصي

لنا غنمن/ نسو قها/غزا زن
مفاعلتن / مفاعلتن / فعولن

كأن نقرو/نجل لتها/ عصي يو
مفاعلتن / مفاعلتن / فعولن


جوازات الحشو :مفاعلتن يجوز فيها :
1.العصب(تسكين الخامس) تصبح مفاعَلْتن//ه/ه/ه وتنقل إلى مفاعيلن وهذا الجواز كثير جدا وحسن

2. العضب: حذف الأول المتحرك فتصبح فاعلتن /ه///ه وتنقل إلى مفتعلن وهو قليل

3.النقص :وهو اجتماع العصب والكف(تسكين الخامس وحذف السابع) تصبح مفاعيلُ //ه/ه/ وهو قليل

4. العقل: حذف الخامس المتحرك فتصبح مفاعتن //ه//ه وتنقل إلى مفاعلن
وهو قبيح


((الدرس التاسع ))

...................((مــــــــجزوء الوافر))...........


وزنه: يتألف مجزوء الوافر من أربع تفعيلات مقسمة على شطرين :

مفاعلتن مفاعلتن .......مفاعلتن مفاعلتن

العروض والضرب :
لمجزوء الوافر عروض واحدة صحيحة (مفاعلتن) ولها ضربان :
الضرب الأول : صحيح مثلها (مفاعلتن) ومثاله :

غزالٌ زانه الحور .....وساعد طرفه القدر
غزا لن زا/نهل حورو....وسا عدطر/فهل قدرو
مفاعيلن مفاعلتن .....مفاعلتن مفاعلتن

الضرب الثاني : معصوب (مفاعلْتن )ساكن اللام وينقل إلى مفاعيلن

أعاتبها وآمرها ......فتغضبني وتعصيني
أعا تبها/واا مرها ....فتغ ضبني/ وتع صيني
مفاعلتن مفاعلتن ....مفاعلتن مفاعلتن


جوازات الحشو : جوازات مفاعيلن في المجزوء هي ذاتها في التام
((الدرس العاشر))

ــــــــــــــــــــــ((البحر الكامل))ــــــــــــــــــــــــــ

البحر الكامل:
يستعمل هذا البحر تاما ومجزوءا

الكامل التام

وزنه :
متفاعلن/ متفاعلن/ متفاعلن 0000متفاعلن/ متفاعلن/ متفاعلن

وضبطه الحلي بقوله:
كمل الجمال من البحور الكامل0000متفاعلن متفاعلن متفاعلن


العروض والضرب
:للكامل التام عروضان تتوزعان خمسة أضرب

العروض الأولى: صحيحة (متفاعلن) ولها ثلاثة أضرب:
1_الأول:صحيح مثلها (متفاعلن) ومثاله:
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى 0000وكما علمت شمائلي وتكرمي

وإذا صحو/تفما أقص/صرعن ندن
متفاعلن/ متفاعلن/ متفاعلن

وكما علم/تشما ئلي/وتكر رمي
متفاعلن/ متفاعلن/ متفاعلن

2_الثاني:مقطوع (متفاعل)///ه/ه وينقل إلى فعلاتن ومثاله:
وإذا دعونك عمهن فإنه000نسب يزيدك عندهن خبالا

وإذا دعو/نكعم مهن/نفإن نهو
متفاعلن/ متفاعلن/ متفاعلن

نسبن يزي/كعن دهن/نخبا لا
متفاعلن/ متفاعلن/ فعلاتن


3_الثالث:أحذ مضمر(الحذذ:حذف الوتد المجموع من أخر التفعيلة والإضمار تسكين الثاني المتحرك) متْفا /ه/ه وينقل إلى فعلن وهذا الضرب قليل الاستعمال وغير مستساغ ومثاله:
لمن الديار برامتين فعاقل000درست وغير آيها القطر

لمند ديا/ربرا متي/نفعا قلن
متفاعلن/ متفاعلن/ متفاعلن


العروض الثانية: حذاء (متفا)///ه وتنقل إلى فعلن ولها ضربان :
1_الأول:أحذ مثلها (فعلن) مثاله:
دمن عفت ومحا معالمها000هطل أجش وبارح ترب

دمنن عفت/ ومحا معا/لمها
متفاعلن/ متفاعلن/ فعلن

هطلن أجش /شوبا رحن/تربن
متفاعلن/ متفاعلن/ فعلن

2_الثاني:أحذ مضمر(فعلن) /ه/ه
لو قيس وجد العاشقين إلى......وجدي لزاد عليه ما عندي
لو قي سوج/دل عا شقي/نإلى
مستفعلن/ مستفعلن/ فعلن

وج دي لزا/دعلي هما/عن دي
مستفعلن/ متفاعلن/ فعلن



جوازات العروض والضرب:

العروض الصحيحة والضرب الصحيح متفاعلن
يجوز فيهما:
1_الإضمارتسكين الثاني المتحرك) فتصبح متفاعلن وتنقل إلى مستفعلن وهو حسن
2_الوقص(حذف الثاني المتحرك) فتصبح مفاعلن وهو صالح فيه ولكنه قليل
3_الخزل(تسكين الثاني وحذف الرابع) فتصير مفتعلن وهو قبيح

الضرب المقطوع (فعلاتن ) يجوز فيه الإضمار فيصير متفاعل وينقل إلى مفعولن

جوازات الحشو:
متفاعلن يصيبها:
1_الإضمارتسكين الثاني المتحرك) فتصبح متفاعلن وتنقل إلى مستفعلن وهو حسن

2_الوقص(حذف الثاني المتحرك) فتصبح مفاعلن وهو صالح ونادر وقال البعض ليس بالحسن

3_الخزل(تسكين الثاني وحذف الرابع) فتصير مفتعلن وهو قبيح


(("الدرس الحادي عشر"))

ــــــــــــ"مجـــ ــــــــــزوء الكـــ ـامل"ــــــــــــــــــــــ
يستعمل الكامل مجزوءا ووزنه :

مُتَفاعِلُن مُتَفاعِلُن.........مُتَفاعِلُن مُتَفاعِلُن

العروض والضرب:
لمجزوء الكامل عروض واحدة صحيحية "متفاعلن" ولها أربعة أضرب:

1. الأول : مُرَفَّل "متفاعلاتن" ///ه//ه/ه (الترفيل هو زيادة سبب خفيف على آخر التفعيلة) وكما ذكرنا سابقا علل الزيادة تختص بالأبحر المجزوءة
ومثال هذا الضرب:

وكأنَّ رجع حديثها ......قطع الرياض كُسِيْنَ زهرًا
وكأن نرج/عحدي ثها.......قطعر ريا/ضكسي نزه رن
متفاعلن /متفاعلن........متفاعلن /متفاعلاتن

2.الضرب الثاني: مُذَيَّل "متفاعلان " ///ه//ه ه والتذييل هو زيادة ساكن في الآخر بعد الوتد المجموع

جدثٌ يكون مقامه.....أبدًابمختلف الرياح
جدثن يكو/نمقا مهو....أبدن بمخ/تلفر ريا حْ
متفاعلن /متفاعلن.......متفاعلن /متفاعلانْ

3.الضرب الثالث: صحيح مثل العروض "متفاعلن" :
وإذا افتقرت فلا تكن ..........متجشعا وتجمّلِ
وإذف تقر/تفلا تكن...........متجش شعن/وتجم ملي
متفاعلن /متفاعلن.........متفاعلن /متفاعلن

4.الضرب الرابع: مقطوع "متفاعِلْ=فعلاتن" ///ه/ه وهذا الضرب هو الأقل استعمالا :
وإذا هم ذكروا الإسا ......ءة أكثروا الحسنات
وإذا همو/ذكرل إسا.......ءتأك ثرل/حسناتي
متفاعلن /متفاعلن......متفاعلن /فعلاتن


جوازات العروض والضرب:


العروض: يلحقها الإضمار "تسكين الثاني"فتصبح "مستفعلن"
أيضا يلحقها الوقص فتصبح "مفاعلن"
وكذلك يصيبها القطع فتصبح فعلاتن وهذا نادر وقال بعضهم شاذ

الضرب: يلحقه الإضمار


جوازات الحشو في المجزوء هي ذات الجوازات في التام











رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:14   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات في السيميولوجيا

السميولوجيا والصورة الصحفية


الفصل الأول: السميولوجيا والصورة الصحفية
المبحث 1: ماهية السيمولوجيا
المطلب 1: مفهوم السيمولوجيا
السيميولوجيا لغويا مشتقة من الكلمة اليونانية(Semeon ) والتي تعني العلامة Logos الذي يعني الخطاب وتجدها مشتقة في كلمات مثل Sociologie علم الاجتماع وThéologie علم الأديان وبامتداد أكبر كلمة Logos تعني العلم هكذا يصبح تعريف السيمولوجيا على النحو الآتي: علم العلامـات .
إصطلاحا: السيمولوجيا منهج يهتم بدراسة حياة الدلائل داخل الحياة الاجتماعية. يحيلنا إلى معرفة كل هذه الدلائل وعلتها وكينونتها مجمل القوانين التي تحكمها، فالكون مركب دلائل وبذالك كانت السيمولوجيا بحسب " دي سوسيتر" علم يعرفنا على وظيفة هذه الدلائل والقوانين التي تتحـكم فيها .
ومن خلال هذه التعريفات فان السيمولوجيا تعني دراسة العلامة وهي على مستويين :
• المستوى الأنطولوجي ويعني ماهية العلامة.
• المستوى البراجماتي ويعني بفعالية العلامة وتوظيفها في الحياة العملية .
وإن تاريخ السيمولوجيا يعود إلى بداية الميلاد إلى ألفي سنة مضت، ويرى " ايكو" أن الرواقيين هو أول من قال بأن العلامة دال ومدلول وأن السيميائيات المعاصرة ارتكزت في فلسفتها وبعدها الفكري على اكتشافات الرواقيين وأن العلامة هي كل أنواع السيميائيات
وظلت السيميولوجيا لفترة طويلة تظهر كنظرية عامة للغة التي ظهرت منذ القدم تحتوي ضمنيا على نظرية السيميوطيقية وبذلك تمت الولادة الفعلية للسيميوطيقية على يد عالم المنطق الأمريكي " شارل ساندريرس" (1839-1914) لأنه كان أول من حاول
تكوين علم مستقل بها غير أنه كان لابد من انتظار " فردينانرد و دسيوسير" لكي نشهد الظهور الحقيقي للسيميولوجيا في شكل العلم الذي ندرسه اليوم .
وبالإضافة إلى هذين الأصلين الذين أشار إليهما مختلف الدارسين لتاريخ السيميولوجيا بما فيهم " جوليا كريستفا" ولقد أضاف " تود ورف" ، منابع أخرى تتمثل في مجهودات
" أرسن كسيراف" وخاصة في كتابه ( Les philosophies des formes symboliques) فقد أورد موارد أساسية تبرز اللغة في صور أوسع من مجرد أداة للتواصل.
المطلب 2:اتجاهات السيميولوجيا
السيميولوجيا علم يدرس حياة العلامات في كنف الحياة الاجتماعية .
حسب تعريف " دي سوسير" إذ أن تحديد السيميولوجيا يوحي لما يمكن أن يكون موضوعا لهذا العلم، لكنه لا يقدم عناصر تساعد على قيامه. يجدر القول أن "دي سوسير" في هذه المرحلة من البحث كان حريصا بصفة خاصة على تحديد اللسانيات العامة وبالأخرى موضوع هذه اللسانيات العامة.
نظرا للخلافات بين "بيرس" و"دي سوسير" في مفاهيم السيميائية والتنظير لها ظهر اتجاه سيميولوجي يستفيد من الفلسفة الماركسية على يد الباحثة البرتغالية "جوليا كريستيفا" وفي هذا السياق نحاول أن نتعرف على هذه الاتجاهات السيميولوجية الحديثة التي ترتبت عن وظيفة العلامة وهي كالتالي : ( سيميولوجيا التواصل، سيميولوجيا الدلالة وسيميولوجيا الثقافة).
1- سيميولوجيا التواصل: " المدرسة الأوربية "
يذهب أصحاب هذا الاتجاه وهم " بريتو " و" مونان " إلى أن العلامة تتكون من وحدة ثلاثية المعنى ( الدال، المدلول والقصد ) وهم يركزون على الوظيفة الاتصالية وأن التواصل مشروط بالقصدية وإرادة المرسل في التأثير على الغير حيث يعرف هذا الاتجاه السيميولوجيا بأنها دراسة طرق التواصل أي دراسة الوسائل المستخدمة للتأثير على الغير .
وإذا كان " دي سوسير" قد ذكر أن اللغة هي نظام من أنظمة الاقتصاد فقد ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى بلورة هذه الفكرة وإشباعها والتفصيل فيها فمثلا عند " يويسنس " و" بريتو " أساسا متينا لوصف آلية أنظمة الاقتصاد الغير اللغوية وطرائق توظيفها ومن بين هذه الأنظمة : الإعلان، الشفرة، طرف، أرقام، حافلات وغرف الفنادق.... وقد نمى هذا الاتجاه وتطور مع نشأة العلوم الخاصة بالاتصال وتقدمها وارتبط أيضا بتطور علوم الدلالة .
2- سيميولوجيا الدلالة: " المدرسة الأمريكية "
يعتبر أنصار هذا الاتجاه ويمثلهم " بارث " أن العلامة وحدة ثنائية المعنى ( الدال والمدلول ) فقد حدد في كتابه ( الأساطير ) أن السيميائية تقوم على العلاقة بين العلامة الدال والمدلول. فالعلامة مكونة من دال ومدلول، يشكل صعيد الدوال صعيد العبارة ويشكل صعيد المدلولات صعيد المحتوى.
3- سيميولوجيا الثقافة:
تنطلق سيميولوجيا الثقافة من اعتبار الظواهر الثقافية موضوعات التواصلية وأنساق دلالتها والثقافة عبارة عن إسناد وظيفة الأشياء الطبيعية وتسميتها وبذلك تكون مجالا لتنظيم الأخبار في المجتمع الإنساني. واعتبارا من أن حصيلة عمل الإنسان تكمن في سلوكات لها معاني والسلوكات ليست سوى إنجاز لبرامج معينة. فعليه تكون الثقافة برامج وتعليمات تتحكم في سلوك الإنسان ويكون السلوك الإنساني تواصلا لا يتحقق إلا بالاعتماد على بنية سلوكية إنسانية. فالموضوع الثقافي قد صار المحتوى الممكن لأية عملية تواصلية ويعني ذلك أن قوانين التواصل هي قوانين ثقافية.
والحصيلة هي أن كل ظاهرة ثقافية تبدو وحدة دلالية وأن المدلول يضحى وحدة ثقافية .

المطلب 3:مجالات السيميولوجيا
يعني مفهوم السيميولوجيا في الطب الممارسة التي ينكشف بموجبها المرض بالاعتماد على الدلائل أو القرائن أو ما يسمى بالأعراض التي يحملها المريض .
وبفضل " شارل سندرس بيرس " ( 1839 – 1914 ) و" فريدناند دي سوسير "
( 1857 – 1913 ) أصبحت السيميولوجيا علما يشمل كل نظام من الدلائل كما حددها " دي سوسير " لفظية كانت أو غيرها ومن تم يكون علم اللسان جزءا من هذا العلم العام. يقول دي سوسير: " إن اللسان البشري وهو أكثر الأنظمة التعبيرية تعقيدا وانتشارا وهو أكثرها تمثيلا للعملية السيميولوجية، من هذا المنطلق يمكن أن يصبح النموذج العام للسيميولوجيات " .
وبهذا يكون " دي سوسير " قد أولى أهمية قصوى للغة والمجتمع أي الوظيفة الاجتماعية للدليل والاتصال.
بناءا على الأهمية التي توليها السيميولوجيا للدلائل ووظيفتها يمكن أن نستنبط مجالات وهي:
1- تحليل المدلولات : تهتم السيميولوجيا بالدرجة الأولى بالمدلولات أي الدال والمدلول أي أن هدف السيميولوجيا الأول هو اكتشاف واختراع المدلولات وترى انه لا يمكن إرسال دال بدون أن يكون بواسطة المدلول.
2- العلامات الغير لسانية : وتضم العلامة اللمسية، الشمية والذوقية.... أي المتعلقة بالحواس والأكثر استعمالا هي العلامات السمعية، البصرية والأيقونية وهي :
أ‌- العلامات السمعية البصرية: إن لظهور السينما وظهور التلفزيون وبدخول الصوت سنة 1927م ساعد على توسيع مجالات التواصل الإنساني وبالتالي مجال من مجالات السيميولوجيا والتطور التكنولوجي للوسائل السمعية البصرية جعل للاتصال دور فعال في شبكة السمعي البصري.
ب‌- العلامات الأيقونية: مصطلح " أيقوني " يطلق حسب " شارل سندرس بيرس " على أنظمة التمثيل القياسي المميز عن الأنظمة اللسانية.
المصطلح يتكون من كلمة يونانية قديمة تعني الصورة " Image "... والصورة في المجتمعات الغربية قبل كل شيء صورة لله. التمثيل يمر عبر التمثيل الغيبي ( من هنا المرجع الأول لكلمة "ايقونة" "Icône" ) بعد هذا أصبحت الصورة شيئا فشيئا تأخذ دور عماد الخيال.من هنا تم الربط الذي ظل دائما بين(صورة/خيالي، Image/ Imaginaire ).

اللغة الصامتة: إن الاتصال بين الشخصين لا يعني فقط مبادلات شفوية وحتى في إطار الاتصال الكلامي. التعبير يستطيع أن يكون بطريقة غير لسانية كالحركات، الإشارات الإيماءات.....الخ وهذا النوع من المبادلات متعدد ومتنوع وهذا ما يطلق عليهم وسائل
الاتصال الذاتية، فالأفراد لا يقتصر كلامهم بالكلمات بل أيضا بأجسامهم وحركاتهم وتنظيمهم في المكان والزمان وهنا يتشكل ما سماه " Hall " باللغة الصامتة

*المبـحث الثاني : الصــورة )مفاهيم ، نبذة تاريخية ) .
المطـلب الأول : مفهوم الصـورة .
تعـرف الصورة عـلى" أنـها وسـيط حافـل بالرمـوز و الـدلالات و الأنسـاق و المعانـي و هـي فـي ثباتـها تحمـل جزئيـة مكانـية بمعـنى أنهـا مفـردة فـي سـياق التـتابع كأنهـا كلمـة فـي سيـاقات الجـمل التـي تفصـح عـن طبيعـة المكـان " .
وهـي أيـضا كـل تقـليد تمـثيلي مجسـد أو تعبـير بصـري معـاد ،فـهي معطى حسـي للعضـو البصـري حسـب "fulchigmoni" أي إدراك مبـاشر للعـالم الخـارجي فـي مظـهره المضيء . (2)
و يعرفها " هاوزر " على أنها " تباينات مستقلة منفصلة قابلة للتطبيق على مضامين مختلفة " . (3) ولعل في هذا عمقا تأويليا يرتبط بكون الصورة منطوية على المضمون فهي محملة بالمعاني و لكنها غائبة بهذا القدر أو ذاك .
أما " روبـيرت " يقـول بأنـها : " إعــادة إنتـاج طبـق الأصـل أو تمـثل مشـابه لكـائن أو لشـيء ".(4)
و مـن الوجـهة السيمـيولوجية الصـورة هـي علامـة دالـة تعتـمد على منظـومة ثلاثـية من العلاقـات بيـن الأطـراف التالـية : مادة التعـبير و هـي الألـوان و المسـافات ، و أشكـال التعبـير .(5)

(1) طاهر عبد مسـلم ، عبقرية الصورة و المكان : التعبير ، التأويل ، النـقد ، دار الشروق للنشـر و التوزيع المنارة ، ط1 ، 2002 ، ص98 .
(2) حميد سلاسي ، ما هي الصورة ، مجلة علامات ، العدد 5 ، 1996 .
(3) طاهر عبد مسلم عبقرية الصورة و المكان : التعبير، التأويل، النقد، مرجع سابق ص 99
(4)حميد سلاسي ، ما هي الصورة ، مرجع سابق .
(5)صلاح فضل ، قراءة الصورة و صور القراءة ، دار الشروق ، ط1 ، 1997 ، ص 6.

ولقد استـخدمت الصـورة مـنذ آلاف السنـين مـن طـرف الـيونان القدامـى وإنسـان العصـر لدوافـع عديدة ، فعـندما كـان الإنسـان الفرعـوني يخـلف المـوت ولـه رغـبة كبيـرة فـي الخلـود فـكر فـي التحنـيط .
ومـع اختراع آلـة التصـوير الفوتـوغرافي ظـهرت مـعه الصـورة الفوتوغرافية وعادت فكرة المطابـقة وقـضت على النـزعة الـفنية التشـكيلية ، فاكتشاف التصويـر الفوتـوغرافي مـر بعـدة مـراحل ساهـمت فـي تقـديم إضافـات عديـدة لتـطوير الصـور وهـذا مـا سـهل عـلى الإنـسان القـدرة عـلى التفـاهم والاتـصال .
فأصـبحت الصـورة الفوتـوغرافية تعـرف على أنـها تصـوير ضـوئي للـواقع وليس الواقـع ذاتـه ، فـهي تشبـه الواقـع فـي شكلـه الظاهـري ، وإذا ما حللـنا كلـمة فوتـوغرافـيا ، نـجدها ذات أصـل إغـريقي تعـني الكـتابة بالضـوء أو الرسـم بالضـوء .
ومن هنـا نسـتطيع الـقول أن الصـورة الفوتوغرافية مـا هي إلا تسـجيل ضوئي للواقـع على سطـح حسـاس (1)
وتعـود جـذور التصـوير الضـوئي للأبـحاث الـتي قـام بها العـرب ومـن بيـنهم الخازنـي" أبـو الفتح عبـد الرحمـان المنـصور " والـذي وضـع أسـس التصـوير الضوئي من خـلال اكتـشافه لظاهرة الأجسـام المقلـوبة داخـل الـغرفة المظـلمة_(2).

(1) محمود سامي عطا الله ، السينما و فنون التلفزيون ، العربية للطباعة و النشر، القاهرة ، ط1 ،1997 ،ص15.
(2) عبد الجبار محمود علي ، التصوير الصحفي ، دار المعرفة ، ط1 ، 1980 ، ص6 .
أطلـق علـيها اسم " الخيمة المتنقـلة " ولـم تتـسم صورها بالـدوام لعـدم وجـود مـواد كيميائـية تثبـت الصـورة ولقد مرت بعـدة تعـديلات منـها تصـغير الحـجم واستخدام مجموعة من العدسات ، وبعدها جاء العالم الفرنسي نيـبس 1822 وأحـدث نـقلة نوعية للصورة باكتـشافه للمادة الحسـاسة للضوء وسمـيت أول صـورة فوتـوغرافية ب:" motographie " وتعني وصـف الشمس .
أما في سنة 1939 م استنتج الفرنسي"داجير" عن طريق الصدفة عملية الطبق الفضي النحاسي ، حيث طلاه بمركبات كيميائية داخل الظلام و استطاع بذلك طبع الصورة عليه تدريجيا غير أن الطبق الواحد لا يصلح إلا لصناعة موجب صورة واحدة ، و في نفس السنة أعلن الإنجليزي " فوكس تابلوت " عن أسلوب طبع الصورة على الورق بدل الأطباق المعدنية و أصبح بالإمكان طبع عدد كبير من الصور على ورقة واحدة و من هنا كانت الانطلاقة الأولى لفن التصوير الحديث (1) .
أمـا بدايـة التصـوير المـلون فكـان "جيمس كلارك " هـو أول مـن وضـع الأسـس الأولـى للتصويـر الشمـسي الملـون سـنة 1861 ، هـذا ما أتـاح للمهتمين بفـن التصويـر فرصـة كبـيرة ، حيـث توصلت شـركة "كوداك" سنـة 1935 لصناعـة أول شـريط ملون فـي العـالم .
وكانـت للنظريـات الضـوئية الـتي وضعهـا العالـم الكبـير "أبو الحسن ابن الهيثم " في القـرن الحادي عشر ، و طورهـا "نيوتون" في القـرن السابـع عشـر و كـان له الفضـل الكبـير فـي إرسـاء علـم التصويـر الشمسـي ، لأن الضـوء يعتـبر أحـد العنصريـن الأساسيـين في صناعـة الصـورة .

(1)عبد العزيز سعيد الصويعي ، فن صناعة الصحافة ماضيه و حاضره و مستقبله ، المنشأة العامة للنشر و التوزيع و الإعلان ، طرابلس ، د.ط ، ص56.
و ظهـرت بعـد ذلك عـدة نظـريات تقـرّ هـذه النظـريات بظاهـرة انعكـاس الضـوء و انكسـاره و غيرهمـا ، و توصـل العلـم فـي القرن التاسـع عشـر إلى النظريـة الموجيـة التـي أثبـتت أن النقـطة المضيئـة ترسـل الضـوء عـلى هيـئة موجـات تنتشـر حولهـا فـي كـل الجـهات .
أمـّا فـي القـرن العشريـن فقـد عرف نظـريات أخرى منـها نظـرية الكـم التي قررت أن الضـوء ينطـلق من مصدره كالمـقذوفات المتـتالية ، يحتـوي كل مقـذوف عـلى طاقـة صغيـرة تحسـب بدقـة.(1)

. (1) عبد العزيز سعيد الصويعي ، فن صناعة الصحافة ماضيه و حاضره و مستقبله ، مرجع سابق ، ص56ـ57









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:22   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات في الادب الشعبي

الادب الشعبي تحديد مفهومه وخصائصه"



الأدب الشعبي تحديد مفهومه وخصائصه عند الباحثين العرب

لاشك أن إسم (الأدب الشعبي) مصطلح عربي أي مؤلف من ألفاظ عربية خالصة في العصر الحديث، وإذا إبتكر العرب هذه الصيغة فقد استعار الباحثون العرب المفهوم من الكلمة الغربية (فولكلور Folklore) في فترة الخمسينيات منهم أحمد رشدي صالح وفاروق خورشيد وفوزي العنتيل ونبيلة إبراهيم وحسين النصار ، ويواجه الباحثون العرب في تحديد مفهوم الأدب الشعبي مشكلة وضع مقايس معينة .ويرتبط الأدب الشعبي في الأبحاث العربية بتعريفات محددة ستكون محاورها الأساسية نقطة إنطلاقنا لمحاولة التوصل إلى تحديد مفهوم الأدب الشعبي.
"إن الأدب الشعبي لأية أمة هو أدب عاميتها التقليدي الشفاهي ،مجهول المؤلف ،المتوارث جيلا بعد جيل".
التقليد : إن مايمثل الأصل في تسمية (أدب العامة التقليدي) متضمن في مفهوم الأدب الشعبي بشكل ملخص إذ نتبنى تعبير الأدب الشعبي للدلالة على مجموعة من الأشكال التقليدية (الأساطير – الحكايات الخرافية – القصص – الأمثال – الأغاني – السير...) وسواء أكانت هذه الأنواع التقليدية شفوية أم أعيدت كتابتها وانتقلت فيما بعد من جيل إلى جيل. غير أن حصر الأدب الشعبي في العراقة يعني بالضرورة اعادة إنتاج إبداعات الأدباء السابقين. إن التقليد مناقض للتطور. والأدب الشعبي ظاهرة اجتماعية تعبر باستمرار عن حاجات جديدة.
تؤدي عراقة الأدب الشعبي دورا هاما في دراسة الحياة الذهنية والروحية لأسلافنا الأقدمين وضبط التاريخ الإجتماعي لهذه المراحل الأولى من المجتمع البشري ، وقد ترتب على عراقة الأدب الشعبي قيام ظاهرة خاصة به ثار حولها جدل وهي اهتمامه بالأسطورة والخرافة والخارقة، فيوصف بذلك بأنه أدب محافظ من حيث الشكل والمحتوى، غير أن هذا الرأي خاطئ إذ يسقط أهم صفات الأدب الشعبي وهي واقعيته. إن الوهم والخرافة والغيب حقائق واقعية عند مؤسس ذلك الأدب وجمهوره.
هناك تداخل بين الأدب الشعبي والمعتقدات الدينية القديمة، فالعمل الأدبي الشعبي لا يتم إلا بالغناء والرقص والتمثيل، فالشعر والأغاني هي من الفنون التي تطورت مع الرقص والموسيقى وارتبطت بالعقائد والطقوس والسحر. وقد ارتبط في اللغة العربية قول الشعر بالإلهام والشيطان، حيث قيل لكل شاعر شيطانه، وتظهر وظيفة الشعر المقفى أو المعنى في تأثيره السحري أكثر من تأثيره الجمالي.
ومن الصعب ربط ظهور الأدب الشعبي بتاريخ معين، وقد ظل الأدب الشعبي مقرونا بالإنسان الأول الذي برز فوق سطح الأرض وهو الذي أطلق عليه علماء الأنتروبولوجيا والأنثولوجيا إسم الإنسان البدائي صاحب المستوى الحضاري البسيط، وقد مارس الإنسان البدائي صراعا مع الطبيعة وقواها فشكلت هذه الممارسات رصيده الثقافي والأدبي فتوارثها أبناؤه عبر العصور، ويتمثل هذا الأدب البدائي في الملاحم والأساطير والحكايات الخرافية وحكايات الحيوانات، وقد احتوت هذه الأنواع العناصر السحرية والدينية كالصراع مع الآلهة وتضمنت التاريخ الإجتماعي، إن غياب الكتابة وانعدام التدوين قد أضاع جزءا كبيرا من هذا الأدب، يرى أحمد رشدي صالح أن أدب الملاحم الشعبية سابق على الدين. وأن قصص الجان القصيرة أو القصص الإخبارية وأغاني العمل قد سبقت الملاحم بدورها بفترة طويلة.
وينبغي أن نميز بين الواقعية في الأدب المدرسي والواقعية في الأدب الشعبي، في الأدب الأول فإن الواقعية تعبير عن المذهب الفني يوظفه الأدباء من أجل التقرب إلى الشعب، ومن عناصر المذهب الواقعي في الأدب المدرسي اللغة العامية، الأمثال، شخصيات مستعارة من التاريخ، إلخ.....
غير أن هذه النزعة اصطناعية بخلاف الأدب الشعبي فإن واقعيته طبيعية عفوية، تدل على فطرة الشعب كيف يكون الأدب الشعبي واقعيا وهو يزخر بالرموز الخيالية والغريبة والعجيبة كالطقوس والقوى الغيبية والسحرية والخروج عن المكان والزمان فأين تتمثل واقعيته ؟
إن الأدب الشعبي مرتبط شكلا ومضمونا بقضايا الشعب إن الخروج عن المألوف ما هو إلا قراءة بطريقة خاصة للواقع. إن العجز عن تحقيق الرغبات والإنشغالات يؤدي بالمبدع إلى اللجوء إلى الخيال، إن الرموز والسحر والخيال والغرابة تعبير عن حرمان اجتماعي يهدف إلى إعادة النظام إلى أصله والتوازن في الإنسان.

جهل المؤلف : إن شرط جهل المؤلف غير وارد في تعريف الأدب الشعبي ذلك أن عددا كبيرا من المؤلفين يذكرون اسماءهم في آخر القصيدة وتاريخ نظمها أحيانا.
وقد دلت الأبحاث منذ نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 عن خطأ افتراض مؤلفات انتجها الإبداع الشعبي اللاشخصي وكشفت الأبحاث المنظمة عن حياة الرواة وأعمالهم ممن يسمون "حملة التراث الشعبي" عن الدور الهام الذي تؤديه كل جوانب النشاط الفردي المختلفة كالمهارة والتدريب والموهبة والذاكرة والخيال، إن كل مؤد للأعمال الشفاهية إنما هو مبدعها في آن واحد، إن مجهولية العمل الأدبي وعدم انتسابه إلى مؤلف يرجع إلى أن أسماء المؤلفين لم يكشف عنها في أغلب الأحيان لأنها لم تدون وصارت وسيلة حفظها ذاكرة الشعب فقط. غير أن الحال لم يكن كذلك في كل مكان دائما، إذ أن عددا من الأغاني المؤلفة قديما والحديثة نسبيا تحتفظ بأسماء مؤلفيها وترد هذه الأسماء عادة في آخر الأغنية داخل صياغات صوتية (الوزن، القافية، التجانس). وقد أصبحت هذه الحيلة التي لجأ إليها الشعراء للإحتفاظ بأسمائهم في النصوص معروفة الآن على نطاق واسع، إن أسماء كثير من مؤلفي الأغاني ستظل مجهولة لأنهم لم يسجلوا أسماءهم حين ألقوا هذه الأغاني وإنما نشروها عن طريق الرواية، ومع ذلك نؤكد أن المجهولية لا تعني أن النتاج الشفوي غير شخصي أو ينقصه المؤلف، إن المجهولية ليست سمة خاصة بالأدب الشعبي عند مقارنته بالأدب المدون، لقد أصبح الإبداع الشخصي مع بداية العصر الرأسمالي ينسب إلى مجموع الشعب ضمانا لحياة مؤلفيه وحماية أسمائهم، وفي العصر الإقطاعي كان مؤلفو الآداب المدونة وأصحاب الأعمال الفنية في ميدان فنون الحفر arts graphiques (العمارة، النحت، التصوير) لا يميلون في الغالب إلى نسبة أعمالهم إلى شخوصهم.
إن مفهوم (المؤلف الجماعي) موجود في الفكر الحديث عند مفكرين مختلفين تماما هما : لوسيان غولدمان وميشيل فوكو. فالأول حاول بلورة المفهوم من خلال منظور ماركسي قائلا بأن الكاتب أو الأديب لا يعبر عن ذاته بقدر ما يعبر عن الوعي الجماعي أو قل أنه فيما يعبر عن ذاته ينضج بوعي جماعة ما أو طبقة ما أو فئة ما.
أما ميشيل فوكو فقد طرح فكرة (موت) المؤلف أو إمحاء المؤلف، فالمؤلف ليس فردا ولا صوتا واحدا وإنما حصيلة مجموعة الأصوات والأفكار التي يتلقاها من المحيط وتخترقه فيسجلها على الورق، بمعنى آخر فإنها له وليست له.
وقد يكون معرفة الشاعر سببا في انتشاره بين العامة ولا سيما إذا كان مبدعا بارعا، ولا تخلو مجالس العامة من المقارنة بين الشعراء والمفاضلة بينهم، وقد يحملون الشعراء على التباري في قرض الشعر ويحكمون في النهاية على الشعر الضعيف.
وترجع فكرة حصر الأدب الشعبي في الأثر المجهول المؤلف إلى الإعتقاد بأن هذا النوع يحظى باهتمام الجماعة الشعبية غير أن ممارسة الجماعة للنص الأدبي أمر مشترك بين المؤلف المجهول والمؤلف المعروف، إن ممارسةالجماعة للنص الأدبي معناه أن تجد فيه ما يعبر عن وجدانها بالطريقة التي تفهمها، إن الأثر المعروف المؤلف ليس عاجزا دائما عن تحقيق هذه الوظيفة، كما أن اشتراط (التجهيل) يؤدي إلى إلغاء الأدب الشعبي الحديث، ويبدو الرأي القائل بأن اطلاق الأدب الشعبي على الأثر المجهول المؤلف والأثر المعروف المؤلف سيؤدي إلى تحديد الموضوع مبالغا إذ أن اطلاق الأدب الشعبي على الأثرين يؤدي بالعكس إلى توسيع الإطلاق من جهة وتوحيده من جهة ثانية وحتى لا يصبح الأدب الشعبي الحديث والأدب المعروف المؤلف أنماطا خارجة عن الأدب الشعبي والأدب الرسمي معا.
حيث يكون صاحب النص مجهولا (الحكايات – الأمثال – الألغاز) وقائل النص معروفا (نصوص الشعر).
"الأدب الشعبي هو أدب العامية سواء أكان مطبوعا أم مكتوبا، مجهول المؤلف أو معروفا متوارثا أم أنشأه معاصرون، معلمون"
أدب العامية : يذهب هذا التعريف إلى أن العامية شرط جوهري في تحديد مفهوم الأدب الشعبي ، وبقدر ما تشكل اللغة جزءا هاما من العمل الأدبي فإن المحتوى لا يقل عنها أهمية وهما عنصران متداخلان من الصعب الفصل بينهما.
ويمكن أن نوجز تقديم هذه الإشكالية في النقاط التالية :
أ/- ليس كل ما يكتب بالفصحى يكون بالضرورة أدبا رسميا فقد لاحظنا مثلا أن كثيرا من الآثار الأدبية الخالدة كتبت أو رويت بالفصحى البسيطة وهي مع ذلك تصنف في الآداب الشفوية أو الشعبية ومنها ألف ليلة وليلة والسير العربية، فالفصحى إذن ليست شفيعا لهذا الأدب من أن يكون شعبيا. فشعبيته لا تكمن في عامية لغته على الرغم من أن بعض هذه الآثار السردية تلتجئ في بعض الأطوار إلى الإعتراف من العامية لغايات فنية طورا ولعجز الرواة والساردين، فيما يبدو عن العثور على ألفاظ فصيحة طورا آخر.
ب/- فما كل ما يكتب بالعامية كذلك يعد بالضرورة أدبا شعبيا، وتجري هذه السيرة على ما يكتبه المثقفون من مسرحيات وروايات وكلمات أغان بالعامية التي لا ينبغي أن ترقى إلى درجة الأدب الشعبي.
جـ/- إن صفة الشعبية التي تلازم أجناسا من الأدب وضروب من القول لا تكمن إذن في العامية ولا في الفصحى، وإذا كانت العامية أداة الأدب الشعبي بوصفها من مقوماته وأنها عامل مشترك بين الأثر المجهول المؤلف والمعروف فإنه لا ينبغي الخيار في استخدام اللغة التي يريدها المبدع الشعبي عامية أو فصحى فمن الخطأ أن نطلب من المبدع الشعبي الذي ينتمي إلى الطبقة الدنيا التعبير بالفصحى والعامة الذين يخاطبهم عاجزون عن فهمها.
3- "الأدب الشعبي هو المعبر عن ذاتية الشعب المستهدف تقدمه الحضاري ، الراسم لمصالحه، يستوي فيه أدب الفصحى وأدب العامية، وأدب الرواية الشفاهية وأدب المطبعة".
ذاتية الشعب : لا يقدم هذا التعريف تحديدا واضحا للأدب الشعبي بقدر ما يميل إلى التعميم، من الصعب الإهتداء إلى تحديد المقصود من ذاتية الشعب، إن كلمة الذاتية يمكن أن نفهم منها دلالات مختلفة ولكنها لا تحدد مفهوما خاصا بالأدب الشعبي.
التقدم الحضاري : هو قول عام ذلك أن المطلوب من المبدع – شعبيا أو رسميا – أن يهدف إلى تحقيق هذه الوظيفة الحضارية، إن هذه الخاصية متوفرة في الأدب الشعبي ولكنها أوضح في الأدب الرسمي ثم إن التصور الذي يملكه الأدب الشعبي في مجال الحضارة محدود ويختلف حتما عن الرؤية التي يتضمنها الأدب الرسمي، يعبر المبدع الشعبي عن حياة اجتماعية بسيطة ومحلية.
4- "الأدب الشعبي هو القول التلقائي العريق المتداول بالفعل، المتوارث، جيلا بعد جيل المرتبط بالعادات والتقاليد".
القول التلقائي : يحدد معجم العلوم الإجتماعية التلقائية على أنها "القدرة على الإستجابة بأسلوب مباشر والتكيف مع وضعية معينة" إن الفعل التلقائي هو الذي يحدث بنفسه بدون تفكير سابق ودون إثارة، وهو التعبير في الحال عما نشعر به وكما نشعر به، قول يصدر تحت تأثير العواطف واندفاعها دون الإستناد إلى تحليل أو حساب، ولقد استخدم الباحثون العرب جميع هذه الأوصاف لتحديد معنى هذا المحور، غير أن المصطلحين التلقائية – القول – يعودان إلى دلالة واحدة ضمن هذا السياق المحدد بوصفهما يرتكزان على اقتران كلمتين مترافدتين، وتتمثل الكلمة الأولى في التلقائية التي تدل على مجموعة من الأفعال التي تتوقف على اندفاع السلوك الطبيعي القائم على الوضوح والحرية (تحرر الفاعل من كل عقدة أو نوع من التقويم أو التهذيب أو التكيف) وتتمثل الكلمة الثانية في القول وتدل على استعمال كل واحد منا للقول في نطاق حر من أجل التعبير (تبليغ الأفكار أو الآراء من خلال نظام الأصوات المنطوقة) وبذلك يكون القول عندما نخاطب به الغير انتاجا تلقائيا نخلص في أغلب الأحيان من قواعد لغة النخبة ومن ثم يمكن القول أن تسمية (تلقائي القول) لا تدل على مفهوم بقدر ما تصبح كلمة زائدة لأن الإشكالية الحقيقية لا تتمثل في التلقائية من جهة والقول من جهة ثانية، ولكن تكمن فيما بين الشفوي والمكتوب (وسائل انتقال الأدب الشعبي) ، ويعتبر الأدب الشعبي مخزون المعرفة البسيطة ويقوم هذا المخزون أساسا على ذاكرة متكونة من الملاحظات والأحكام والنصائح الناتجة عن تجربة بشرية طويلة ولذلك يبدو لنا أن مصطلح تلقائية القول الذي اعتبره بعض الباحثين العرب محورا ما هو في الحقيقة إلا تسمية مرادفة للقول المرتبط باللهجة.
التداول والتوارث أو التناقل الجماعي : أسهمت الرواية في نقل التراث العربي الرسمي، كان القرآن الكريم والحديث الشريف يرويان شفاهيا، ويعتبر الفقهاء التواتر من المصادر الهامة، وتظل الرواية أداة هامة في نقل الأدب الشعبي الموزع بين المقلدين والمبدعين من الرواة ولكن لا يمكن أن تكون الرواية مع ذلك شرطا أساسيا، إن اشتراط الرواية يتضمن عدم الإعتراف بالأدب الشعبي المطبوع مثل ألف ليلة وليلة والسير الشعبية، وقد زادت الطباعة هذا الأدب المكتوب انتشارا بين الناس.
إن الرواية أعم من موضوع الأدب الشعبي، إن التراث العربي وصلنا عن طريق الرواية قبل أن توجد وسائل الطباعة والنشر، وقد اتخذ الجاهليون الرواية وسيلة لحفظ أشعارهم.
إن التواتر عند الفقهاء يعتبر من المصادر الهامة في السند كالإجماع، وإذا كانت الرواية لم تصبح قيدا للتراث العربي المدرسي فإنها بالنسبة للأدب الشعبي أداة للحفاظ عليه ولكنها لا ينبغي أن تكون شرطا.
وقد ظل الشعر الجاهلي غير مكتوب نحو قرنين وظلت تتناقله الرواة شفاها وتعرض للخطأ والتغيير ومع ذلك فهو يندرج ضمن الأدب المدرسي، والجدير بالذكر في هذا الصدد أن عددا من الدارسين يقدمون المادة الشعبية كما لو أنها جاءت من مصادر معروفة أو كما لو كانت أدبا مقروءا ولا أدبا مرويا مسموعا ومن ثم يعالجون هذه المادة الشعبية بالمعايير نفسها التي يدرس بها الأدب المدرسي، وقد وقع في هذا الخطأ دارسي الأدب العربي القديم الذي كان معظمه شفويا من ناحية الأصل والمنشأ ومن ناحية التقديم والعرض.
إن الأدب الشعبي جوهرة محصورة في ذاكرة شعب معين، فهو يؤلف الرأسمال الثقافي الذي يعكس الملامح المتميزة لجماعات بشرية مختلفة، إن الأدب الشعبي صدى الماضي لا يصاب بالإتلاف أو الإبتدال، ينتقل من جيل إلى جيل باستمرار ليصل إلينا متأثرا ببصمات الزمان.
كيف ينتقل الأدب الشعبي من جيل إلى جيل آخر ؟ ماهي السبل التي سلكها الأدب الشعبي للوصول إلينا ؟
اعتمد الأدب الشعبي في تناقله على قناتين أساسيتين :
1- القناة الشفاهية
2- القناة الكتابية
ويقوم هذان الأسلوبان المتعلقان بالتناقل على التفاعل المتبادل بينهما من خلال مقابلة نظيرية Bijection وهي (مقابلة بين عنصر واحد من مجموعة وعنصر واحد معين من مجموعة أخرى) وذلك اعتمادا على بعض السمات التي تكون سببا في تعارضهما، إن الإستعانة بالبصر في النقل المكتوب وبالسمع في النقل الشفاهي فعل ضروري ومسلم به، وقد توارث الأجيال الأدب الشعبي من الممارسة العائلية، من فم الشيوخ في المقاهي العمومية أو من فم المداحين وهم المغنون العموميون الذين ينشرون الأدب الشعبي في الأسواق وينقل كل واحد منهم الأدب الشعبي بالطريقة الشفاهية أثناء حفل أو تجمع أو حديث مع القدامى، ويعود أصل النقل المكتوب عند الغير إلى الثقافة الصادرة عن الكتب حيث يتم ترسيخ الأدب الشعبي في الذاكرة البشرية.
ويمكن للإنسان أن ينتج بالكتابة نصا شفاهيا روي إليه ويستطيع أيضا أن يقرأ نصا مكتوبا وأن يرويه شفاهيا بعد ذلك لشخص معين. وهكذا يمكن أن يتحول الإنتاج الشفاهي إلى انتاج مكتوب والعكس صحيح بعد أن يطرأ عليه تعديلات سلبية أو إيجابية في الذهن البشري المبدع، ومن هنا فإن العلاقة النظيرية بين النقل الشفاهي والنقل المكتوب مشروعة ، ويمكن أن نسوق للدلالة على هذه العلاقة الموضوعية بين القناتين عددا من الأعمال الشعبية كالحكاية والأغنية والسيرة التي انتقلت من مرحلة الأدب الشفاهي إلى مرحلة الأدب المدون كما هو الشأن بالنسبة لسيرة عنترة بن شداد وأبي زيد الهلالي والأميرة ذات الهمة، ويعتبر العكس صحيحا كذلك إذ كثير من النصوص التي ثبت أصلها أصبحت موضوعا للأدب الشفاهي مثل (الوقائع الدينية والتاريخية « Recueils de faits religieux et historiques ».
لا نعلم الكثير عن العمليات التي يتم عن طريقها نقل الأدب الشعبي يجب أن نحاول معرفة ممن تعلم الراوي مادته والطرق التي اعتمد عليها في ذلك والزمن والظروف التي أحاطت بسماعه لها لأول مرة وما حدث بعد ذلك وعدد المرات التي استمع إلى هذه المادة في حالة الإعادة وقيامه هو بأدائه لغيره أو ترديدها لنفسه فقط والأسباب التي دعت إلى ذلك في كلتا الحالتين والدور الذي يقوم به الراوي في أداء ما يعرفه في حدود السماع فقط أم إنه يغير في النص ويحذف ويعدل ويضيف وأسباب ذلك وتحديد طبيعة المواقف التي تم ذلك فيها العلاقة القائمة بين هذا الأداء والجمهور.
ومن الطرق الصالحة لإنتقال الأشكال الأدبية التي تعتمد أساسا على الكلمة ومنها الأدب الشعبي هي الإنتقال عن طريق المصادر المطبوعة ولا سيما في المجتمعات الحديثة، إذ يمكن تسجيل النصوص الشعبية وإتاحتها للقادرين على القراءة الذين يمكنهم بعد ذلك أن يروون فيها، والمشكلة التي تبدو في نطاق الأدب الشعبي بأشكاله المختلفة أن الحكاية والمثل واللغز والأغنية تخضع بدون شك في ذلك لقانون واحد ولكن يؤثر الشكل الخاص لكل منها وطبيعته على عملية الإنتقال، فالحكاية والأغنية على سبيل المثال مختلفتان في انتقالهما بين الأفراد والجماعات، وتظهر تغييرات محددة أثناء الإنتقال إذ تبقى بعض العناصر أو يحتفظ بها الراوي وتسقط عناصر أخرى أثناء ذلك، وترتبط هذه العمليات بفترات زمنية وأسباب محددة منها العوامل السيكولوجية كالتذكر والنسيان.
5- "الأدب الشعبي هو الأدب الذي يصدر عن الشعب فيعبر عن وجدانه ويمثل تفكيره ويعكس اتجاهاته ومستوياته الحضارية" .

الإرتباط بالعادات والتقاليد للتعبير عن وجدان الشعب :
يحتوي الأدب الشعبي مجموعة من العناصر التي تعود أساسا إلى الماضي إلا أنها متميزة بالتغيير الذي يطرأ عليها عبر الزمن، وتختفي هذه الرواسب في ثناياها الحكمة والتجارب وأساليب العيش القديمة، ويعبر كل شعب من خلال العادات والتقاليد عن أفراحه وأحزانه، ويذاع الأدب الشعبي في مناسبات تقليدية مثل الزواج والولادة والوفاة وأماكن العمل والتسلية والأسواق العمومية، ويعتمد في هذه الأماكن والظروف نفسها على الأدب الشعبي لإدانة فعل أو حكم على سلوك معين، ويكتسب الأدب الشعبي وزنا اجتماعيا وسياسيا وثوريا ضخما، كما يعد الأدب الشعبي اللغة الوحيدة التي لم تتقلص إلى شعار فهو لغة ذات علاقة جدلية مع الواقع وتتمتع بقدرة كبيرة على تفسيره، إن الأدب الشعبي وعي فردي وجماعي ويعبر عن حياة الأمة بجميع شرائحها في كافة مناطقها، ويغطى الأدب الشعبي باستمرار كل احتياجات الشعب اليومية، ويقوم تناقل الأدب الشعبي من جيل إلى جيل على التغيير في الشكل والثبات في المضمون ويساعد الأدب الشعبي على نقل الخطاب الفلسفي والروحي الموغل في القدم.
يتجذر تناقل الأدب الشعبي في موروثات عشرة قرون ويرسخ في ذاكرة الجماعة إما بالكتابة كالوقائع الدينية والتاريخية على سبيل المثال أو بالكلام المقولب (وهو سلوك مكرر على نحو لا يتغير تعوزه الصفات الفردية المميزة) كالأمثال والأساطير والحكايات والسير، ويرتبط الأدب الشعبي المستمد من التجربة البشرية قبل ظهور الكتابة بالتناقل من جيل إلى جيل إلا أن هذه الإرادة حصرته في قوالب جاهزة قريبة من السلوك المكرر، وتعتبر الكتابة الوسيلة الهامة التي اعتمد الأدب الشعبي عليها لتناقله عبر الأجيال إلى جانب الرواية.
إن اقصاء الأدب الشعبي واحتقاره بمثابة الحد من تعبير الشعب والقضاء على قوته الإبداعية ، إن هذه السلطة الخلاقة هي التي تساعد على إعادة النظر في نظام القيم الذي يقوم على التمييز الواضح بين الخير والشر في المجتمع.
6- "إن الأدب الشعبي لا يمكن أن يكون شعبيا إلا إذا استقبلته الجماعة الشعبية بأسرها ورددته".
الجماعية : يتميز الأدب الشعبي بالروح الجماعية، فالجماعة هي التي تشكل النص حسب مزاجها وظروفها، ويعبر المبدع الشعبي عن وجدان الجماعة، ولا يعني هذا أن دور الفرد معدوم في الأدب الشعبي بقدر ما يدل على أن الجماعة لا تهتم بصاحب النص أكثر من انشغالها بالنص الأدبي ذاته.
اهتم كثير من الباحثين بالبحث عن مصدر انتاج العمل الأدبي، وانشغل هؤلاء بما إذا كان الفرد أو الشعب هو مؤلف الأثر الشعبي، ويعتبر عدد من العلماء فعلا أن الأدب الشعبي إعداد جماعي وغير فردي مقابل الأدب المدون الذي يعد فرديا وشخصيا. إن هذه الفرضية التي ظلت في صالح الأدب الشعبي وقتا طويلا صارت غير مقبولة الآن لأنه لا يمكن أن نتصور عملا شعبيا ألفه شعب بأسره، ومن هنا يبدو لنا أن الأدب الشعبي انتاج مجهول، ويصبح النص الشعبي ممثلا لحدث معين ومتناقل من جيل إلى جيل عن طريق الرواة، ومهما كان دور الفرد في تكوين العمل الشعبي مثلما نجد ذلك في حالات الأغنية الشعبية أو الشعر الشفاهي فإن الإنتاج لا يكون شعبيا إلا إذا استوعبته الجماعة وتداولته، ويتمكن الإنتاج الشعبي من التأقلم والإنتشار عندما يقوم الشعب باسترجاعه، يتخلى المؤلف إن كان موجودا عن العمل الذي انتجه ويصبح جزءا أساسيا من الجماعة التي ينتمي إليها ويتحول بذلك إلى مؤد ويشارك كل مؤد بما فيه المؤلف في العمل الشعبي ولكن لا يصنعه أحدهم بمفرده، ولا يصبح الإنتاج شعبيا بأتم معنى الكلمة إلا بعد أن يدخل عدد لا حصر له من الرواة، تعديلات وتنقيحات وتحويرات عليه، يتحول الأدب الشعبي إذن باستمرار ولكن هذا التعديل مرتبط أساسا بالظروف التي انجز فيها هذا العمل الشعبي نفسه، إذ يحاول المؤدون تعديل آثارهم الشعبية حسب مزاجهم وطبيعة مستمعيهم .
إن الرواوي لا يستطيع أن ينتج نصا بمعزل عن الجمهور، ويتحدد معنى تدخله في النص الأدبي من خلال هذه العلاقة القائمة بين الراوي والجمهور، وتفترض عملية التواصل بين المرسل والملتقى جملة من عوامل تؤدي دورا هاما في صياغة الأثر الأدبي وتشكيله صورة ومعنى. تسيطر على الجمهور حاجات عديدة، وتتفاوت هذه الحاجات من فئة اجتماعية إلى أخرى حسب العمر (الشباب – الكهول – الشيوخ) والجنس (الذكور والإناث) ويعمل الراوي على أشباعها، وتختلف قدرات الرواة على الرواية وطاقاتهم على الحفظ والتذكر ومن ثم فإن النص يتعرض باستمرار للتغيير أثناء انتقاله في المجتمع، ولكن حجم هذا التغيير وأهميته تختلف باختلاف العناصر التي يصيبها التغيير، فالتغيير في مكان الأحداث وزمانها أو في الشخصيات يعد تغييرا بسيطا ولكن التغيير في حبكة الأحداث وتسلسلها أو في وضع نهاية مختلفة يعد أمرا هاما وهو ما يحدث عادة أثناء انتقال الحكاية، وإذا كان الأدب الشعبي يتعارض مع الكتابة فإنه من الطبيعي أن نقدر أن هؤلاء الأميين سوف يكونون المهتمين بالأدب الشعبي المحافظين عليه القادرين على ترديده. ولكن إن ترديد الأدب الشعبي موجود دائما بين الناس جميعا ويرتبط بمناسبات عديدة.
إن نصوص الأدب الشعبي بأنواعه المختلفة تتقبل الإضافة والحذف والتعديل دائما بينما تعيش الأنواع الأدبية الخاصة على حالتها التي ابدعها بها مؤلفها، ويؤثر جمهور كل من الأدبين (الشعبي والمدون) في طبيعة كل منهما، يمكن للكاتب أن يعيش بعيدا عن الناس منعزلا في مكان خاص لا يشاركه فيه أحد أثناء ابداعه ولا يمكن للراوي أن ينعزل عن المستمع فلا بد أن يكون على صلة مباشرة به وأن يواجهه.
إن الكاتب أو الشاعر يشبهان جهاز الإرسال ويصبح الجمهور جهاز الإستقبال، وتوجد علاقة مباشرة بين المرسل والمستقبل.
لا يوجد رد فعل مؤثر مباشر من جانب الجمهور فيما يتعلق بالأدب المكتوب فإن الإرسال (الأثر الأدبي) هنا يعد مكتملا ومنتهيا قبل أن يصل إلى المستقبل وهو الجمهور أو القراء بينما نجد في نطاق الأدب الشعبي، ظهور ردود فعل مباشرة أثناء عملية الإرسال (أي أثناء الأداء) ومن هنا فإن الصورة النهائية التي يبدو بها هي نتيجة التفاعل المتواصل بين المرسل (الراوي – المغني) وبين الملتقى (الجمهور المستمعين) وتؤثر طبيعة الجماعة من حيث السن (الشباب – الكهول – الشيوخ) والجنس (الذكور أو الإناث) والثقافة (القراءة والكتابة – الأمية) في تنوع أساليب رواية النص ومضمونه، يتغير الأدب الشعبي إذن باستمرار ولكن هذا التعديل مرتبط بالظروف التي أنجز فيها هذا العمل الشعبي نفسه، إذ يحاول المؤدون تعديل نصوصهم الشعبية حسب مزاجهم وطبيعة مستمعيهم والمدة الزمنية التي وضعت في تصرفهم، فهم يختزلون العمل الشعبي أو يمددون فيه، يطورونه ويفصلونه أو يحذفون مقطعا منه حفاظا على أصالته إن الأدب الشعبي ملك الجميع وغير معقول أن تكون الجماعة باسرها مصدرا له.
يقول هابرلاندت M. Haberlandt أن من أهم واجبات علم الفولكلور أن ينتبه إلى وجود أولئك الأفراد المبدعين الذي تمكن معرفتهم بالإسم في كل مجال من مجالات الثقافة الشعبية الحية بين الناس وعليه يتحتم علينا أن نعدل بعض الشيء من مفهوم (الثقافة الشعبية الجماعية) ذلك أن الإبداع الثقافي الفردي كامن في كل ثقافة جماعية من هذا النوع والفرق بين شعب وآخر وعصر وآخر هو في عدد وأساليب هذه الشخصيات الإيجابية المبدعة.









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:23   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

ولا يركز علم الفولكلور بالدرجة الأولى على فردية الإبداع الشعبي أي على الصورة الفردية التي يخرج بها الأثر الأدبي إلى الناس وإنما هو يهتم أولا وقبل كل شيء بالرصيد المشترك الشائع بين الأغلبية، ولكن لا يمكن فهم هذا الرصيد المشترك الشائع إلا عن طريق هذا الشيء المتفرد، ودراسة حياة حملة هذه المنتجات الشعبية المتفردة والمتميزة بسمات مبدعيها، فكثير من الصور التي اتخذها التراث المشترك لا يمكن فهمها دون اعتبار دور القوى المبدعة للإنسان الشعبي الفرد، فتحديد اسهام هذا الفرد في التراث الجماعي أمر ضروري ومنهجي في ميدان الدراسات الشعبية.
إن المقصود بالقوة الإبداعية للجماعة الشعبية هو ابداعات الأفراد الموهوبين قد تكون معروفة بالإسم في البداية إلا أنها سرعان ما تدخل ضمن الرصيد المشترك لا يمكن لأحد أن يدعى إزاءه حق شخصي لأنها لا تستند إلى مؤلف معين إن النوع الشعبي هو انتاج شخص مبدع صاحب موهبة ولكن حينما يوجد فيه تعبير معين أو اصطلاح أو صورة غير موفقة أو غير مفهومة للكافة تعمد الجماعة إلى تغييرها من تلقاء نفسها وتجعل كل اجزاء هذا النوع الشعبي سهلا على نطاقها وفهمها، هذه المشاركة هي التي تسمو بالنوع الشعبي إلى درجة فنية راقية إلى الحد الذي تجعله بشكله المتداول فوق مستوى الفرد المبدع.
كان الرومانسيون يرجعون مثلا أسباب التنويعات والروايات المتعددة لحكاية واحدة إلى الأخطاء أو سوء الفهم والإضطراب وغيرها من أسباب كثرة تداول مواد الأدب الشعبي، فيرجعونه إلى الربط غير الواعي بين موتيفات متعددة من حكايات متباينة في حكاية واحدة وليس إلى الخلق الواعي.
إن فرد السرد سواء كان مقلدا أو مبدعا لا يمارسه بين الجماعة سوى أفراد قلائل دائما، إن امثال هؤلاء الرواة لا سيما المبدعون منهم ليسوا كثرة سواء بين الطبقة الدنيا أو العليا، إن المقلد وهو الطراز الملتزم بالرواية الأصلية هو الشائع بين الناس ، فهو يعيش على افراز القلة من المبدعين.
إن الإهتمام بالنص وممارسته من قبل الجماعة على الرغم من أنه من أهم مميزات الأدب الشعبي فإنه قضية نسبية فهناك قصائد شعرية نشرت في المجلات أو لدى بعض الأفراد ولم تدخل حياة الجماعة الشعبية وقد لا تسمع بها اطلاقا.
إن الجماعية هو أن يكون العمل الأدبي مجهول المؤلف لا لإن دور الفرد في إنشائه معدوم ولا لأن العامة اصطلحوا على أن ينكروا على الخالق الفرد حقه في أن ينسب إلى نفسه ما يبدع بل لأن العمل الأدبي الشعبي يستوي أثرا فنيا بتوافق ذوق الجماعة وجريا على عرفهم من حيث موضوعه وشكله ولأنه لا يتخذ شكله النهائي قبلما يصل جمهوره شأن أدب المطبعة وأدب الفصحى عامة بل يتم له الشكل الأخير من خلال الإستعمال والتداول، ثم إن وسيلة إذاعته وهي النقل الشفاهي لا تلزمه حدودا جامدة بحيث يكون من المستطاع أن يضاف إليه أو يحذف منه أو يعاد ترتيب عناصره أثناء انتقاله من موطن إلى آخر.
من هو مؤلف الأدب الشعبي ؟ أهو الشعب كمجموع أم فرد مجهول يعبر عن روح المجموع، ثم يتناقل الرواة ما ألفه بالإضافة والحذف ؟

الجماعية :
الجماعية بالمعنى السياسي أو الإجتماعي المعروفة به هي مبدأ اشتراكي قائل بسيطرة الدولة أو الشعب على جميع وسائل الإنتاج والنشاطات الإقتصادية.
الجماعية في الأدب والفن تعني تيارات الطليعية (وخاصة مذاهب التعبيرية والتجريدية والفعالية والفعالية مذهب خلقي يعني بمتطلبات الحياة الفعلية ومنجزاتها أكثر من عنايته بالمبادئ النظرية هذه التيارات تحاول أن تنقص من النظرة المستقلة الذاتية لصاحب التكوين الفني، في سبيل إثبات الجماعية التي ينبغي عليها أن يكون لها المقام الأول وقد حاول جماعة من الفنانين الذين يدعون إلى الجماعية توحيد صفوفهم وجهودهم في التكوين الفني الواحد لإثبات قوتهم.
ويرى بعض الفلاسفة أن فكرة الجماعية في الفن والأدب هي فكرة خاطئة مستندين إلى أن أصل جوهر التكوين أو الخلق الفني ماهو إلا نظرة ذاتية للفنان يخرج منها إلى الإيضاح وإلى التعبير وإلى عكس الأشياء من وجهة نظر واحدة هي وجهة نظره فقط
الجمهور :
أصل الكلمة اللاتينية Publicus وهي تعني مجموعة المشاهدين والسامعين للعرض الفني، كما تعني المستقبلين لكل عمل فني آخر والجمهور مهما كانت شاكلته، واعيا أم غير واع ، أميا كان أم متعلما هو في النهاية الحكم الحقيقي والفعلي على مختلف الإنتاجات الفنية في أي فرع من الفروع، وفي العروض الحديثة يمكن أن يقوم الممثل بالتمثيل وممارسة فنه ومهنته وسط قاعة الجماهير بما يتشابه مع بعض العصور سابقا كما في دراما السوق في القرون الوسطى أو في الإتصالات بين الممثل وجمهوره في كوميديا الفن (الكوميديا دي لارتي) والعكس يمكن أن يحدث اليوم فإن يصعد الجمهور إلى خشبة المسرح لأماكن معدة له ليشاهد التمثيل في مواجهة لبقيته ووجها لوجه مع صالة الجمهور.
7- الأدب الشعبي هو مجموعة العطاءات القولية والفنية والفكرية والمجتمعية التي ورثتها الشعوب التي أصبحت تتكلم العربية وتدين بالإسلام"
الموروث التاريخي :
يدل هذا التعريف على أن الأدب الشعبي ليس وليد الجزيرة العربية وحدها وإن كانت أصلا رئيسيا فيه ولكنه نتاج رقعة جغرافية وحضارية واسعة شاركت شعوبها التي تعبر بالعربية وتدين بالإسلام في صنعه بموروثها القديم عبر مراحل التاريخ، ويتضمن الأدب الشعبي آثار الفلسفات والعقائد سواء التي انتجتها الشعوب صاحبة هذا الأدب أو التي تتعلق بالبلدان المجاورة لها.
ولا يتحدد معنى الأدب الشعبي دون صلته بكل هذه التأثيرات، ولا يمكن أن نتجاهل التأثير الذي مارسه الموروث التاريخي على الأدب الشعبي.
إن الموروث التاريخي مقوم أساسي للأدب الشعبي، وأن النقاد والدارسين لم يلتفتوا إلى الموروث القديم بصورة كافية، واعتبروه مرة عقبة في سبيل استمرار العقيدة الدينية ومرة مجرد ظواهر لا قيمة لها، أو الوقوف على موروث الجزيرة العربية وحدها وعزل آثار المناطق الجغرافية والتاريخية الأخرى التي اسهمت في تكوين حصيلة الأدب الشعبي بمختلف أنواعه.
ماذا نعني بارتباط الأدب الشعبي بالعنصرين العربية والإسلام، هل نعني أنه الأدب الخارج عن الجزيرة العربية والمرتبط تاريخيا بالعطاء الصادر من الجزيرة العربية والذي يرجع إلى الأصول العربية قبل الإسلام وبعده ؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل استطاع العرب أن يزيلوا الموروث الحضاري للشعوب التي دخلت الإسلام منذ سنواته الأولى وكونت من البداية المنطقة الحضارية العربية التي صمدت أمام كل محاولات تفتيتها حتى اليوم، وبمعنى آخر هل تخلت شعوب المنطقة التي تمسكت بانتمائها العربي عن موروثها الحضاري والشعر القديم بمجرد دخولها إلى الإسلام دينا واستخدامها العربية لغة رسمية ؟

إن سبب الخلاف بين العلماء في تحديد مفهوم الأدب الشعبي يعود أساسا إلى عنايتهم بالشروط الخارجة عن ماهية النصوص الأدبية، وقد وضعت هذه القيود في مرحلة الإهتمام بدراسة الأدب الشعبي (الرواية والتوارث وجهل المؤلف – الجماعية – التقليد أو العراقة – اللغة العامية والفصحى – العادات والتقاليد – الوجدان الشعبي – الذاتية الشعبية – التقدم الحضاري – القول التلقائي) وهي شروط لا تقتصر على التعبير الشعبي بقدر ما يشترك في بعض منها الأدب المدون ، وتعتبر هذه الشروط الآن جزءا من تاريخ الأدب الشعبي وهي شروط لا تحدد مفهوم الشعبية في الأدب، ينبغي أن ينصب الإهتمام في تحديد الشعبية على النص الأدبي قبل صاحبه الذي أبدعه والظروف التي أحاطت به ، إن الجماعة تتفاعل مع النص الذي يعبر عن همومها ، إن تعريف الأدب الشعبي يكمن في خصائص أخرى ينفرد بها النص الشعبي في نظر صاحبه وتفكيره وإحساسه وتذوقه ، كالإعتقاد الشديد بالغيب والإلتجاء إلى اصطناع حيز غير جغرافي والتعامل المطلق مع المجهول والإقبال على التعايش مع الكائنات الخارقة وغيرها من العناصر الغريبة والشاذة والمألوفة التي يتألف منها الواقع المعيش L’histoire Vécue









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:24   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الأدب الشعبي والأدب العامي ومجالهما
1- إشكالية المصطلح :
نحاول أن ندرس الأدب الشعبي والأدب العامي من المنظور اللغوي والدلالي ولكن قبل ذلك ينبغي أن نحدد المصطلحين (الشعبي) و(العامي).
إن السؤال عن الشعب قد وارد الدارسين في القرن 18 الذي ازدهر فيه الإحساس بالفردية والإتجاه العقلاني في التفكير.
أما الأسباب التي دفعت الدارسين إلى البحث عن مفهوم الشعبية فإنها تتمثل فيما يلي :
1/- العامل العلمي : عندما بدأ العلماء يهتمون بفلسفة التاريخ كان من الطبيعي أن يتساءلوا عن الروح الشعبية التي تفوق القوة الفردية في تأثيرها في التطور التاريخي .
2/- العامل الإجتماعي الوطني :كان نتاجا لإعجاب المؤلفين والكتاب الرومانسيين بكل ماهو شعبي وقومي وتدل عبارة (ج ماير) على هذا الإعجاب حينما قال "لقد خلع الكتاب الرومانسيون معطف الشحاذين عن الشعب الألماني وألبسوه معاطف الملوك وتيجانهم"
إن الفترة الرومانسية وهي التي شعر فيها الباحثون بعقدة الذنب تجاه الشعب الذي أهمل طويلا، في دراستنا وأحاديثنا اليومية العامة.
يرى هوفمان كراير في بحث نشره عام 1902 أن كلمة الشعب تحتوي على مفهومين أحدهما سياسي يستخدم مصطلح الأمة والآخر اجتماعي أو حضاري يستعمل مصطلح الشعب ويعتقد هوفمان أن الدراسات ينبغي أن تهتم بالشعب صاحب المفهوم الحضاري
يعاني مصطلح (الشعبي) في الأصل غموضا والتباسا دلاليا إذا أخذنا بالحسبان تعدد المعاني Polysémie الذي يتميز به. إن المؤلفين والدارسين الذين يستخدمون مصطلح الأدب الشعبي لا يعطون جميعا الدلالة نفسها لكلمة (شعبي) بمعنى أن هذه الكلمة ذات قدرة على تقديم عدد وافر من الدلالات وبذلك تتضح مشكلة هذا المصطلح في كونه شكل التعارض بين ما هو عليه الواقع بكل أبعاده الإجتماعية والسياسية والجغرافية والتاريخية والثقافية وبين ما تتطلبه خصوصيات هذا الصنف من الأدب.
في دراساتنا وأحاديثنا اليومية نستعمل مصطلح (الشعبي) فماذا نريد مثلا بقولنا : الأدب الشعبي، الثقافة الشعبية، المهرجان الشعبي، الثورة الشعبية، الأغنية الشعبية الخ... للإجابة هن هذه الأسئلة نقول في البداية أن القدامى من العرب والمسلمين كانت لهم فكرة وعند البعض منهم دراسات عن هذه المادة العريقة ولكنهم وظفوا مصطلحات أخرى للدلالة عليها، وقد ذكر ابن خلدون على سبيل المثال أن أهل أمصار المغرب يسمون القصائد بالأصمعيات نسبة إلى الأصمعى راوية العرب في اشعارهم وأهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع بالشعر البدوي، أو الشعر الهلالي كما استخدم صفى الدين الحلي مصطلح الأدب العاطل.
إن الموروث الشعبي في نظر المؤرخين الأوائل شيء يتصل بالعامة التي غالبا ما أعطيت أوصافا سلبية كالغوغاء أو الدهماء أو أنها – على تعبير إخوان الصفا – تضم النساء والصبية واللاحقين بهم في العقل من الرجال، فلقد شكل التضاد الثنائي بين الخاصة، العامة أحد المحاور الأساسية للرؤية العربية الإسلامية التي سادت المجال الإجتماعي والتاريخي المعروف منذ القدم، فالتقدم من شأن الخاصة وهو موجود في الحضر أما العامة فهم جهلاء ويمثلون عقبة في طريق الحضارة.
إن هذا الفهم عن الخاصة والعامة موجود ايضا إلى حد كبير في كتابات الرحالة بل هو جزء من نظام الفكر الذي كان سائدا في عصورهم وخصوصا أن الدين الإسلامي يقر مسألة التراتيب الإجتماعية، إلا أننا نجد اختلافا في معايير التمايز بين الطبقتين، فبينما أوضح إخوان الصفا أن العقل (أو العقلانية) أساس للتنفرقة بين مراتب الناس رأى الجاحظ في التخصص في العمل والمعرفة معيارا للتراتب الإجتماعي في حين نظر ابن بطوطة إلى الخاصة والعامة من خلال ممارسات الحياة اليومية كالطعام والشراب والملبس والمراسيم والإحتفالات.
وإذا كان مصطلح الأدب الشعبي متكون من ألفاظ عربية فإن مفهومه مستمد من الفولكلور الذي اقترحه وليام جون تومز سنة 1846 في حين نجد مصطلح (العامي) أعرق من حيث الإستعمال حيث ميز العرب القدماء المادة الحية التي جمعوها بأنها "الذائعة بين العوام" كما كان الكتاب أمثال الجاحظ ومن عاصره يسمون هذه المادة أدب العامة، ويرجح الباحث التلي بن الشيخ أن تسمية الأدب العامي لا تخلو من تأثير سياسي ذلك أن هذا الوصف يوحي بأن وضع الطبقات الدنيا يختلف عن مكانة الخاصة، أن تسمية الأدب العامي لا تخلو كذلك من تأثير إجتماعي حيث إن بنية التركيب الإجتماعي قبل عصر النهضة الحديثة كانت قائمة على أساس طبقي يفاضل بين أنماط التعبير حسب الوضع الإجتماعي، وقد كان الأديب متأثرا بهذا الواقع ينظر إلى أدب العامة نظرة احتقار وازدراء. وقد كان أحد الأدباء إذا استهجن شيئا قال "هذا من سقط العامة" أو "عقيدة العامة كذا" و"ذلك من سفاف العامة" أو "من أباطيل العوام وأوهامهم" و"هذا ما لم تستطع أن ترتفع إليه العامة".
إن كلمة Popular في اللغة الإنجليزية تدل على الشيوع أكثر من دلالتها على كون الشيء شعبيا. فالشعبي يفترض الشيوع علاوة على العمق الزمني البعيد ولكن الشيوع لا يدل حتما على شعبية المادة فأغاني مطرب مشهور اليوم قد تكون شائعة ولكنها ليست بالضرورة أغاني شعبية. فالشعبي أمر يرجع إلى الشعب أو خاص بالشعب. ويعرف سانتيف Saintyves صفة شعبي تمييزا لها عن كلمة رسمي officiel بأنها ما يمارس أو ينتقل transmission بين الشعب مع استبعاد كل ما تقوم السلطة القائمة بفرضه أو تعليمه.
ويرى أريكسون ARIXON خصائص أخرى لهذا المصطلح. فالعنصر الشعبي في نظره يجب أولا أن يكون جزءا من الشعب وألا يكون شيئا يتمسكون به لفترة قصيرة من الزمن ثم يجب ثانيا أن يكون شامل الظهور داخل الجماعة البشرية ومتكيفا مع ثقافتها.
ونعتبر أن مصطلحنا العربي (الشعبي) ليس في الواقع ترجمة لكلمة popular الإنجليزية ولكنه ترجمة لمصطلح سانتيف الأصلي وأقرب في راينا للدلالة عليه ولا سيما إذا أخذناه بمضامينه الإجتماعية والسياسية السائدة.
لقد جاء الخلط في هذه الدلالة من سوء استعمالنا لكلمة (شعبي) فهي في قاموس حياتنا اليومية تدل على كل ما هو أدنى الدرجات فالقماش الرخيص يطلق عليه إسم القماش الشعبي والفول أساسي في الوجبات الشعبية والأحياء العتيقة والفقيرة في المدينة تسمى الأحياء الشعبية . ومن هنا يرى الباحث عبد المالك مرتاض أن إطلاق مصطلح (الشعبي) على كل نتاج أدبي مروي أو مكتوب بلغة عامية أو مكتوب بلغة فصحى منطقيا غير مستقيم، ويبرر موقفه هذا بأن هذا الإطلاق الشائع ساذج ولا ينبغي له أن يرقى إلى مستوى المصطلح النقدي الدقيق المفهوم الصارم حيث أن الشعبي لدى عامة الناس يطلق تهجينيا على كل ما هو مفتقر إلى الرقي والسمو فكأن مثل هذه الإطلاقات تعني كل موروث سواء أكان راقيا أم رديئا. ويلاحظ أن مصطلح الشعبي ورثه العرب عن علم الأنتروبولوجيا الذي تأسس بالغرب. ولذلك قرر رفض هذا المصطلح الساذج لأمرين : لأنه يهجن كل ما ينتمي إلى الشعب ثم إن الشعبي يطلق على كل نتاج خيالي يعول على الشفوية أساسا، مع أن هذه الشفوية لم تكن تعني في بداية أمرها (الشعبي) كما نلاحظ ذلك في سيرة الشعر العربي قبل الإسلام والآثار الأدبية الإغريقية قبل انتشار الكتابة فكأن الشفوية تعني الأسطوري والكتابة تعني العلمية، ويعتقد هذا الباحث كذلك أن الدارسين يتعاملون مع مصطلح الشعبي بكثير من التجاوز حيث أصبح يطلق على كل أدب مروي أو مكتوب بلغة فصيحة مثل ألف ليلة وليلة والسير العربية أو عامية وهي لغة معظم الآداب الشفوية على اختلاف أجناسها ولكن هذا الأدب في حاليه الإثنتين يصطبغ بصبغة خيالية تميزه عن الأدب المدرسي. ويوجز الباحث تقديم هذه الإشكالية في نقاط : ليس كل ما يكتب بالفصحى يكون بالضرورة أدبا رسميا إذ كثير من الأثار الخالدة كتبت أو رويت بالفصحى البسيطة وهي مع ذلك تصنف في الآداب الشعبية وليس كل ما يكتب بالعامية أيضا يعد بالضرورة أدبا شعبيا.
إن شعبية هذا الأدب تكمن في خصائص أخرى كالإعتقاد بالغيب والتعامل مع المجهول واصطناع حيز غير جغرافي والتعايش مع الكائنات الخارقة. ورغم أن ملاحظات الباحث صحيحة إلى حد ما فإنه مع ذلك لم يقدم إقتراحا فيما يخص تسمية هذا الصنف من الأدب وعندما نحاول أن نعالج إشكالية المصطلح من الناحية الإجتماعية نواجه تساؤلات عديدة قد يتمثل الشعب في الفلاحين وسواد الشعب كما هو الحال بالنسبة لتجار الأثريات Antiquaires وجامعي الحكايات وبعبارة أخرىنقصد بذلك الطبقات الدنيا في مقابل الطبقات العليا، وقد نفكر في الطبقات ذات الثقافة المحدودة أو التعليم البسيط في مقابل النخبة والكتاب والعلماء، ويمكن أن نشير بالشعب إلى الطبقة الغليظة والخشنة في مقابل الطبقة الأنيقة الرشيقة اللبقة.
وقد نقصد بذلك أيضا التعمير Peuplement بالمعنى الذي يمكن أن نقول أن التعمير الألماني هو جرماني والتعمير الروسي سلافي والتعمير الجزائري أمازيغي وعربي. وهل نفكر في الأمة أو الإثنية أو نظام الروابط التي توحد أعضاء السكان أنفسهم لأنهم يتقاسمون اللغة ذاتها والتاريخ نفسه والدين نفسه والقواعد نفسها والإقليم نفسه ؟ وهل نريد بذلك بالعكس الشعب في نطاق علاقته مع السيادة الوطنية، هذا الشعب الذي يرى مونتسكيو وروسو أنهما خاضعان بل تابعان للأمير أو الملك في النظام الملكي أو السلطاني ولكنهما يمثلان الحائز الشرعي المترتب عن السيادة في النظام الجمهوري.
إن كل هذه الأبعاد حاضرة في عبارة الأدب الشعبي كما يتصورها الغربيون، إن مصطلح الشعبي يأخذ دلالات متنوعة وحسب التاريخ الثقافي للبلدان التي استعمل فيها، إن الرجوع إلى الشعب في البلدان الجرمانية مثلا منذ "خطابات للأمة الألمانية" للفيلسوف فخت FICHTE (1807) يرمي بالدرجة الأولى إلى الألمان عامة من حيث هم أمة مبعثرة مشتتة بين دول متعددة، والإشارة إلى كلمة الشعب اليوم ولا سيما بعد توحيد ألمانيا تدل على الجنسية الألمانية والأثنية، وعندما يقول بوسلايف BOUSLAÏEV أن الأدب الشعبي هو (لفظ الشعب بأسره) فإنه لا يرجع إلى الشعب الروسي بقدر ما يشير إلى الشعوب السلافية حتى ولو أن جل أعمالهم الأدبية مثل بروب PROPP (مورفولوجية القصة) موجهة إلى القومية الروسية، كما أن مصطلح الأدب الشعبي يختلف معناه في الثقافة الأمريكية حيث أن الوضعية التاريخية لأمريكا تختلف جذريا عن أوربا، إن مصطلح (الشعبي) أو (التقاليد الشعبية) في الدراسات الأمريكية يقول بن أموس BEN AMOS أداة التفكير وليس موضوعا للبحث لأن موضوع البحث هو الأدب أو التراث أو الفولكلور، ويسندون هذا الموضوع إلى مكونات سكانية محددة وهي الإنجليز والسود وقبائل الهنود الحمر وأهل كندا الناطقين باللغة الفرنسية وأهل المكسيك.
إن الإهتمام بهذه المكونات السكانية ليس بسبب العرق بقدر ما هو محصور في أن المعارف والممارسات والرموز مهددة بالزوال والإتلاف ولا يمكن تعويض هذه العناصر الشعبية والحفاظ على المتشابه والحي منها سواء من خلال الثقافات البدائية أو الثقافات ذات المستوى المتحضر البسيط وهو ما يعني البحث عنها في الطبقات الدنيا من المجتمع الأمريكي. وهكذا نجد أن كل البلدان الغربية تعطي لنفسها الأسلاف والأجداد الذين تختارهم شعوبها. وتمثل هذا الأسلاف رموز الهوية الوطنية وذلك بتجنيد القوى الإجتماعية حولها. إن سربيا كثيرا ما تجعل أبطال معركة كوسوفو مرجعا لها (1389) حيث أدى النزاع مع مسلمين البوسنة إلى إحياء النعرة العرقية من جديد. إن كل الدول الغربية تحاول أن تواجه منذ العهد القديم تحديين : إدراك التأخر بالنسبة للتطور وتأكيد فرديتها بتجنيد قوى المجتمع بأسره حول رموز الهوية الوطنية.
وقد يكون من المفيد في هذا المقام أن نشير إلى كلمة شعب كما وردت في لسان العرب. إن الشعب هو ما تشعب من قبائل العرب، والشعب : القبائل إذن يمكن أن نستخلص منها أنها تعني أكبر الوحدات البشرية تكوينا وأنها ترمز إلى الكل أو المجموع، وعلى هذا الأساس يمكن النظر إلى الشعب باعتباره مجموع الناس بطبقاتهم المختلفة سواء أكانت إثنية أو مهنية أو دينية، إن كلمة الشعب لا تستخدم في الدراسات الأثنوغرافية لتعني الطبقة المدنية مقابل الطبقة الحاكمة كما هو شائع في السياسة والإعلام. وكأن الشعبي عندنا هو الإنسان الذي يرتدي جلبابا أو برنوسا أو عمامة أو عباءة وأن يتردد على مقاهي القرية فقط.
وإذا كان بعض الباحثين يتحفظون في إدماج الطبقة الحاكمة في مجموع الناس فإن ذلك ينطبق فقط على الفترة المعروفة في التاريخ العربي بعصر الإنحطاط حيث شكل الحكام لفترات زمنية طويلة ومتعاقبة طبقة غريبة عن الناس سواء في انتمائها العرقي أو الثقافي. ويرى الباحث موسى الصباغ أن أول معاني الشعبية هو الإنتشار الذي يعود مصدره إلى التشعب الوارد في لسان العرب. وبما أن الشعوب تمتد في تاريخها إلى جذور عميقة موغلة في القدم والعراقة فإن المعنى الثاني للشعبية هو الخلود. ومن ثم فإن كلمة شعبي عندما نطلقها على الشيء لابدّ أن يتسم بالإنتشار والخلود في المكان والزمان، وعليه فإن ماهية كل جنس أدبي أو فني خاضعة بالضرورة لهذين الملمحين (الإنتشار والخلود) أو بمعنى آخر (التراثية والتداول) وذلك سواء في اللغة أو الدلالة.


وهنا يتحتم علينا أن نقف عند آراء الباحثين الذين عرضوا لمفهوم الشعب بالنسبة للدراسة الشعبية. يقوم الباحث بوحبيب بتحليل دلالي لتسمية (أدبي – شعبي) ويرى أنه إذا كانت صفة الشعبي تشير إلى كيان اجتماعي وسياسي وثقافي (الشعب) فإن هذا الوصف يمكن أن يقصد به ثلاثة احتمالات :
- أدب أنتج من أجل الشعب بصفته قارئا أو متلقيا للأدب.
- أدب يتحدث عن الشعب موضوع للأدب
- أدب أنتجه الشعب ذات جماعية مبدعة.
1/- إن الأدب الذي ينتج من أجل الشعب قد ينطبق على أدب المؤسسات وأدب التجمعات معا.
2/- الأدب الذي يتحدث عن الشعب يشمل كل الآثار أو الأشكال التي تعالج السلوك الجماعي وهذا مالا يقبل التصنيف في خانة واحدة.
3/- ويطرح الإحتمال الثالث أشكالا منهجيا : الشعب شخصية معنوية مجردة من الملامح بينما الأدب عملية ابداعية فردية أصلا فكيف يكون الأدب من انتاج جماعة غير محددة في الزمان والمكان نجد منهم من وسع رقعة الجماعة الشعبية بحيث شملت الشعب كله في مستوياته الثقافية والإجتماعية المختلفة.
ميز بعض الباحثين ومنهم نبيلة ابراهيم بين معنى الشعبية في التعبير الفني ومعنى اصطلاح الشعب عندما نتحدث عن الشعب الجزائري مثلا فإنما نعني كل فرد مهما كانت درجة مستواه العلمي أو الإجتماعي ولكن عندما ننطق بعبارة الأدب الشعبي أو التراث الشعبي أو الموروث الشعبي فإننا نكون على وعي تام بأننا نعني نتاج جماعة بعينها وليس الشعب بأسره.
فماهي هذه الجماعة ؟ ولماذا أصبحت موضوعا للدراسة دون غيرها ؟......
إن كل فرد من الشعب الواحد يحتوي في سلوكه على قدر من الشعبية ولهذا ينبغي أن يكون الحس الشعبي مقياسا بدلا من الجماعة الشعبية.
ومن الباحثين من حصر الجماعة الشعبية في الإهتمامات النفسية المشتركة وإن تكن متفرقة ولا تجمعها مساحة محددة من الأرض، ويذهب أصحاب هذا الرأي الثاني أن التعبير الأدبي لا ينبثق عن جماعات مشتة ومتباينة وإن جمعها الإقليم واللغة والدين والتاريخ. إن أفراد هذه الجماعة يتقاربون فكريا واجتماعيا فضلا عن العناصر الحضارية العامة، وإن لم تجمع بينهم مساحة جغرافية محددة، ومنهم من قصرها على الجماعة المرتبطة برقعة محددة من الأرض الأم وجمع بين أفرادها عادات وتقاليد ومعتقدات، وتشمل الفلاحين والعمال والصيادين والبدو.
إن النمط الأول من الجماعة يستخدم أفرادها أشكال التعبير الشعبي بدرجات متفاوتة سواء في النوع أو في الدرجة، أما الجماعة الثانية وإن جمع بينها السلوك الفكري فإنها لا تعد حاملة لكل أشكال التعبير الشعبي. وتحتفظ الجماعة الثالثة بحصيلة هائلة من أشكال التعبير بحيث نلجأ إليها لجمع المادة ولذلك ترى أنه من الضروري تحديد خصائصها، تحدد الباحثة نبيلة ابراهيم هذه الخصائص فيما يلي :
1- ترتبط الجماعة الشعبية بالأرض القديمة التي احتوت تراث قرون وتعيش بإحساس بوحدة الحياة وتداخل الواقع مع الغيب.
2- الإحساس بالقدسية بالنسبة إلى مفهوم المكان وتشيد فيه رموزا للقدسية كالجامع أو الكنيسة أو الضريح، أما المكان الآخر غير الخاضع لمراقبتها فهو يقف معارضا للمكان الأول من حيث يصبح مأوى للمخلوقات الوهمية والغيبية، كما تعيش في الزمن المطلق ومن هنا الإحساس بالصلة الوثيقة بين الأحياء والأموات وتزور الأموات في قبورهم في المواسم والأعياد، ولذلك تحرص على إحياء احتفالاتها بصفة دورية، وتزحزح الشخوص التاريخية من الواقع إلى الخيال أو المثال حيث تقترب من البطولة الأسطورية.
3- ترتبط هذه الجماعة بالطبيعة سواء بالنبات أو الحيوان أو الطير وبجميع مظاهر الطبيعة.
ومن جهة أخرى يرى بعض النقاد أن التعبير الشفاهي (Littérature Orale) المستخدم في فرنسا يتضمن تناقضا في الكلمات لأن الأدب (Littérature) مشتق من مصدر (Lettres) ويشير مفهومه بالتحديد إلى عمل مدوّن وليس إلى عمل شفاهي. فهو يؤكد على أولية الكتابي عاى الشفاهي. ولذلك يفضل النقاد استعمال مصطلح التراث الشفاهي Traditions Orales الأكثر غموضا ولكنه خالي من التناقض. ثم لا ينبغي الخلط بين الأدب المعبر شعبيا Littérature d’expression populaire بمعنىالذي يعبر عن أفكار الشعب وعواطفه وأخلاقه وبين الأدب المنتشر شعبيا Littérature de Diffusion Populaire الموصوف غالبا بالأدب الهامشي، أدب الجوالة سابقا والروايات المسلسلة والروايات البوليسية أو الروايات السوداء، والروايات المصورة، وهو ما أطلق عليه الباحث ريشارد هو قار تسمية (ثقافة الفقير Culture du pauvre) إن الأدب المعبر شعبيا يكتسب صفته الشعبية بالتعبير في حين أن الرواية الشعبية على سبيل المثال Roman Populaire يتوقف انتشارها بين الشعب على الغاية والمقصد والمصير La destination.
كما يستخدم النقاد في فرنسا مصطلح para littérature شبه الأدب، وهو الإنتاج المطبوع الذي يدرج خارج الأدب، وقد أطلق العلماء هذه التسمية على هذا الصنف من الإنتاج خلال الملتقى (حوار حول شبه الأدب) في سيريزي سنة 1967.
إن هذا المصطلح يترجم العلاقة الغامضة التي تربط هذا الإنتاج بالمؤسسات الأدبية. ويزعم بعض الباحثين أن شبه الأدب موجه للشرائح الإجتماعية التي تعيش على هامش التبادلات الثقافية المهيمنة، ويحيل هذا المصطلح إلى التمييز بين المتعلمين أو المثقفين من جهة والمحرومين من التفكير العلمي وروح النقد والقدرة على إصدار حكم على عمل أدبي أو فني من جهة أخرى، ولكن شبه الأدب ليس أسلوب تعبير جماعة محددة ولا يعبر عن قيم طبقة أو زمرة من القراء خاصة، إن شبه الأدب إنتاج يرمي
إلى إقامة رباط مباشر مع الجمهور. وقد وضع الإنجليز القدامى نظاما تدريجيا يتكون من مستويات عديدة :
- الأدب النخبوي Littérature Higt Brow
- الأدب المسلي littérature Middle Brow
- الأدب الشعبي الخالص Littérature Low Brow
نلاحظ أن هذا التمييز بين عدد من أساليب الإنتاج يجرى الإنفصال فيه بواسطة طبيعة الأعمال الأدبية بدلا من التركيب الإجتماعي للجمهور، إن شبه الأدب مجسد في الصحافة والإذاعة والتلفزة والمجلات حيث تنتقل قصص شبه الأدب وإشكاله وشخصياته من المطبوع إلى الصورة ومن الصورة إلى المطبوع.
هل الشعب اليوم هو الفلاحون الذين درسهم جريم في بدايات القرن 19 وهل يدخل معهم (مع الفلاحين) الأميون الذين درسهم علماء الأنتروبولوجية وكانوا قبل معرفتهم الكتابة يتناقلون معارفهم عن طريق الكلمة المنطوقة ؟ أو أنهم هؤلاء الناس الذين يتجردون من الفولكلور (التراث) لأنهم يفتقدون التقاليد الفنية أو الأدبية كما ذكر ذلك (اكسندر كراب) أو لأنهم يفتقدون الطبقة المثقفة كما ذكر (ريتشارد دورسون) هل يتضمن مفهوم الشعب الناس في المجتمعات الصناعية والمدنية أو أن هؤلاء الناس يفتقدون المادة الشعبية (الفولكلور) (التراث) من هو الشعب إذن ؟
إن هذه القضية في غاية الأهمية في الدراسات الشعبية يرى 'الآن دندس) أن بعض علماء الفولكلور لا يزالون يربطون – خطأ- بين الشعب ومجتمع الفلاحين أو المجموعات الريفية. إذا قبلنا أو سلمنا بهذا المفهوم الضيق للشعب كان علينا عند التعريف أن ننتهي إلى أن الناس الذين يسكنون المدينة أو المركز الحضري لم يكونوا يوما من الشعب أو أنهم أصبحوا يشكلون مجتمعا خارج نطاق الشعب أوأنهم ليس لهم فولكلور.
يرى (تومز) عندما صاغ لأول مرة مصطلح الفولكلور أن الشعب يصبح هو ذلك (الجزء من السكان الذي احتفظ بالعادات وآداب اللياقة القديمة) أي الفلاحين وأهل الريف وهذا المفهوم للشعب هو الذي دفع (اندرولانج) إلى تعريف الفولكلور بأنه (دراسة الرواسب أو الموروثات الثقافية) ويذهب (ردفيلد) إلى أن الشعب (جماعة محافظة ملتزمة بالقديم) وأن مصطلح الشعب يشمل الفلاحين والأجلاف الذين لا يعتمدون على المدينة اعتمادا كاملا. أما (أودم) فيري أن الشعب يعني (جماعة تاريخية يرتبط أفرادها بتراث مشترك وشعور خاص بالتعاطف قائم على خلفية مشتركة)

ويعرف (بتش) الشعب معتمدا على التمييز بين هؤلاء الذين يغلب عليهم الجانب العاطفي في تفكيرهم وممارستهم للحياة وبين هؤلاء الذين تسيطر عليهم العقلانية والمنطقية فيقول (إننا نفهم من كلمة FOLK ذلك الحشد الكبير من أولئك الذين تتميز حياتهم الداخلية بصفة عامة بمشاعر حادة وخيال حي، في حين نجد في دنيا المتعلمين أن التفكير المنطقي هو المسيطر فعلا أو ينبغي أن يكون كذلك.)
والشعب عند (فايس) نوع من السلوك الذي يساهم كل فرد فيه بنصيب وهو عبارة عن موقف عقلي وروحي يحدده التراث والمجتمع.
ويدل الشعب في المفهوم الأثنولوجي على (العامة من الناس الذين يشتركون في رصيد أساسي من التراث القديم)
- حاول الكاتبان (لاكور) و(سافارد) أن يحددا مفهوم الشعب فذهبا إلى أن الشعب لا يعرفه الباحث بموطن السكن أو بالعادات أو بالفقر والغنى أو الطبقة الإجتماعية أو باستعمال السياسيين، لا ينبغي أن نميز بين الريفي والحضري أو بين العامل والبرجوازي، بل يجب البحث عن الشعب التلقائي والمادة هي كل ما تنتجه العبقرية الشعبية من أفكار وعادات ومشاعر وخلق وابتكار... إنها كل ما يعبر عن أصالة الشعب عن طريق المثل أو المحاكاة وكل ما تفجره طبيعة الشعوب عن تجارب في كل لحظة.
إن الكاتبين يقولان "إننا لانستطيع أن نجد الشعب في أي مكان بل إن الشعب يتحدد وجوده تبعا لعوامل جغرافية أو اجتماعية محددة. فالشعب يجب أن يكون مختلفا عن الخاصة كما أن الفوكلور مختلف عن مأثورات الطبقات العليا وتراثها. ومهمة دارس الفةلكلور هي أن يتعرف على العبقرية الشعبية من خلال المأثورات الجماعية المجهولة المؤلف التي تعبر عن الحاجات الروحية والمادية للإنسان الشعبي.
ولعلنا نلاحظ من استقراء هاتين العبارتين أنهما يريان أن الإهتمام الرئيسي لدارس الفولكلور يجب أن يكون (الشعب) الذي يعتبر جزءا من السكان بالإضافة إلى الموروثات الشفاهية المجهولة المؤلف الجماعية.
لقد استخدم المؤلفان تعبيرات مثل (شعب تلقائي) (العبقرية الشعبية) (الطبيعة الشعبية) (الماثور الجماعي) (المجهول المؤلف) وهي كلها تعبيرات ذات طابع رومانسي لعلهما متأثران بمثاليات هردر وشلينج والأخوين جريم إذ تظهر عند هؤلاء الرومانسيين صورة هؤلاء الناس التلقائيين الذين يبدعون الشعر والأغاني والحكايات. كما أنهم تحدثوا أيضا عن التدفق الشعري الأصيل في الطبيعة الإنسانية، المجهول الأصل الذي يعود إلى بداية التاريخ واستمر حيا من خلال الشعب حتى اليوم، إن علماء الفولكلور الفرنسيين مازالوا متأثرين بهذه الأفكار وينظرون إلى الفولكلور على أنه عمل فني محض لم تزيفه المدنية والكتب وأنه مؤلف من قبل الجماعة. وهكذا فإن المؤلفين (لاكورسيير وسافارد) تأثرا بالنظرية الرومانسية.
لقد ناقش هانري دافنسون) مؤلف "كتاب الأغاني Le livre de chansons 1965 P 39-40"
المشكلة من ناحية احتمال وجود مثل هذا الشعب من وجهة نظر الأمة الفرنسية، فهو يرى أن هذا المفهوم إذا كان صحيحيا .، فإنه يجب أن يكون هناك جزء من الأمة قد انفصل تماما عن (الخاصة) وأن هذا الجزء يفترض أنه مكون من أفراد أميين لا يعرفون القراءة والكتابة وفي استطاعتهم تطوير ثقافة جمالية خاصة بهم، وأن الباحثين إذا ذهبوا لدراسة هؤلاء الناس فإنهم سيجدون مواد كثيرة تناسب غرضهم ولكنهم سيجدون أيضا أن بعضا من انتاجهم يجب أن يستبعد لأن مؤلفيه معروفون في حين أن ذلك ليس صحيحا، فالمجتمعات الحديثة لم تعد تعرف تلك الطبقة أو الجماعة المعزولة عن بقية الشعب بحيث لا تؤثر فيه ولا تتأثر به، فالمدرسة والراديو والجرائد تنقل إلى كل إنسان تقريبا في أي مجتمع المعلومات والمعارف المختلفة.
إن المؤلفين (لاكور سييروسافارد) يوحيان بأنهما لم يكونا مهتمين بهذا المفهوم عن الشعب، فهو ليس الأفراد ولا الجماعات أو المجتمعات ولكنه آثار جمالية موجودة في بعض الأفراد، وتتبعا بعض الأغاني والحكايات القديمة التي اعتقدا أنهما تحتوي على قيمة أدبية كبيرة، هذه الحكايات والأغاني يمكن أن توجد كما يقولان في أي مكان وبين أي فئة من فئات المجتمع، وبدلا من جمعها حيثما وجدت ودراستها ذهبا إلى الميدان تحت تأثير بعض أفكار الرومانسيين الألمان ونسبا كل المضامين للأفراد الذين أمدوهم ببعض آثار الأدب الشعبي وهكذا قسما المجتمع إلى قسمين :
· الأول : الشعب وهو على السبيل المثال الأفراد الذين يعرفون بعض الأغاني والحكايات والأمثال وما إلى ذلك التي يتذكرونها من الماضي البعيد.
· الثاني : الخاصة وهم أصحاب الثقافة الرفيعة المتعلمة من الكتب.
الحقيقة أن المعرفة أو الجهل ببعض الأغاني والحكايات لا تصلح اساسا معقولا أو مقوما صالحا لتمييز مجموعة من الأفراد على أنهم شعب أو لبناء دراسة علمية. فالإختلافات بين الأفراد والجماعات من وجهة نظر علماء الإجتماع والأنثربولوجيا تأتي من أنهم نتاج بناء اجتماعي يتضمن أشياء كثيرة ويتأثر بدرجة التغير الثقافي الذي ينعكس على الأفراد والجماعات، إن الدراسة التي تنتخب بشكل عشوائي عناصر معينة من ثقافة مجموعة واحدة قد تصلح كأساس لدراسة أدبية أو غير ذلك ولكنها لا تستطيع أن تدعى القدرة على شرح أو وصف العبقرية الشعبية (Génie Populaire) لمجموعة أو مجتمع (أو الإصالة الشعبية) (l’authenticité Populaire) إن الفلاحين مثلا أكثر قدرة من غيرهم أن يحتفظوا لمدة أطول بالعادات والأغاني والحكايات وغيرها وأن يتذكروا أكثر من الذين يسكنون المدن حيث تنشأ أشياء جديدة كل يوم.
إن ما يحتفظ به الفلاحون ليس ملكا لهم وحدهم، فهم يشتركون فيه مع غيرهم من الناس ، فقد نجد أغنية كانت شائعة في مدينة الجزائر العاصمة في الأربعينات أو الخمسينات أو الستينات وما تزال تتردد في بعض القرى حتى اليوم فلا تشير إلى أنها من صنع الفلاحين الذين يغنونها حاليا ولذلك لا يمكن أن نستنتج منها عن العبقرية الشعبية للجماعة التي تنتمي إليها المغنية أو المغني، إن الأغنية التي ترددها قروية من المدينة في الراديو أو التلفزيون ليس دليلا على وجود اختلافات جوهرية بين الأفراد، إن الفرق يمكن أن يوجد بين الأغاني المختلفة نفسها وليس بين الناس الذين يغنون، وقد يقول أحدنا أن الأغنية التي كانت شائعة في الربعينات ليست فولكلورا وليست قديمة قدما كافيا من هم إذن المبدعون لهذه الأشكال المجهولة الأصل ؟ هل أبدعها الشعب ؟ هل أبدعها المتعلمون ؟
وإذا سلمنا مع المؤلفين الرومانسيين بأن هذا الفولكلور هو تراث الأفراد الذين لم تدنسهم الكتابة أو التعليم وأن أشكال التعبير التي كانت الطبقات الإجتماعية الدنيا طوال التاريخ تعبر بها عن نفسها قد ظلت بعيدة عن الخاصة مجهولة، هل الحال كان كذلك دائما ؟

أجاب (لورد راجلان Lord Raglan ) و (تشارلس لويس Charles Lewis) (والبرت دوزات Albert Dauzat) بالنفي وأكدوا أن هذه الأشكال يمكن ان يكون الخاصة قد اشتركوا في ابداعها وتداولتها في الفترة نفسها، لا ينبغي أن يكون فرد على قدر من الموهبة والعلم بهذا الشكل وأسلوب تكوينه لكي يبدع مما يجعله يختلف عن غيره في المجتمع.
إن مصطلح الشعب يمكن أن يشير كما يرى (الآن دندس) إلى مجموعة من الناس تشترك في عامل واحد مشترك على الأقل، وليس من المهم في هذه الحالة ما إذا كان هذا العامل الذي يربطها عامل مشترك أو مهنة مشتركة أو دين واحد ولكن المهم أن يكون أفراد المجموعة مرتبطين مع بعضهم البعض بقدر من التقاليد والموروثات التي يعتبرونها خاصة بهم وتتيح لهم أن تكون لهم حياة شعبية.

وتذهب إحدى النظريات إلى أن المجموعة يجب أن تتضمن على الأقل شخصين، ولكن الحقيقة أن معظم المجموعات تتكون من كثير من الأفراد. وقد لا يعرف عضو المجموعة كل الأعضاء الآخرين ولكن المرجع أنه يعرف الجوهر المشترك للتراث الخاص بالجماعة، والتقاليد التي تساعد هذه الجماعة على أن يكون عندها الإحساس بذاتية معينة خاصة بها ومن ثم فإذا كانت الجماعة تتألف من الصيادين أو الفلاحين أو أعمال البناء فإن الفولكلور سيكون من إنتاجهم.
ويمكن أن يشكل طلاب الجامعة في هذه الحالة جماعة لها فولكلورها الخاص بها الذي يعبر عن الحياة الجامعية وعاداتها وتقاليدها ونظرة الطلاب إليها.
وعلى الرغم من أن الرأي الذي ذهب إليه (آلان دندس) قريب من الصواب إلا أننا ينبغي أن نشير إلى أن الجماعات المختلفة سواء أطلقنا عليها إسم الشعب أو جماعة شعبية لا يعني أن هذه الجماعات تستقل بنفسها عن غيرها من الجماعات التي تكون المجتمع بل أنها تشترك مع بعضها البعض في عناصر كثيرة أثمرها التفاعل المستمر والتأثير والتأثر المتبادل بينها جميعا ويبدو منصهرا في ثقافة شعبية واحدة.
ويرى (جيرامب) في مقال له عنوانه (ماهو الفوكسكندة) أن روح الشعب التي كثر استعمالها تعني تجاربه الداخلية وهو يعني هنا التجارب الجماعية وليس الفردية، والشعب يستعين بالأسطورة والحكاية واللغز والمثل والأغنية والشعر والسيرة للتعبير عن هذه التجارب والخبرات التي تكشف عن هذه التجارب معتقداته وتقاليده وعاداته وأعرافه وقيمه.
عرف (جيرامب) الشعب بأنه تلك الجماعة العضوية التي تشترك معا في تكوين الحضارة، وهذه الجماعة ليست من وجهة نظر الأمة جميعها، ولكنها تلك الجماعة التي تنشأ في الأرض الأم وترتبط بها ارتباطا قويا، مما يجعلها تعيش في شكل وحدة عضوية متماسكة.
وفي عام 1946 صدر كتاب رائد للباحث (ريتشارد فايس) تحت عنوان "الدراسات الشعبية السويسرية" وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يختص بدراسة التراث الشعبي السويسري فإنه أحدث صدى كبيرا لما يحتوي عليه من دراسات نظرية على جانب كبير من الأهمية، وقد عارض فيه اختصاص الدراسات الشعبية بطبقة بعينها دون الأخرى، وذلك أن كل فرد من وجهة نظره ينتمي من ناحية السلوك الروحي إلى ما هو شعبي وما هو فردي معا بمعنى أن (فايس) لا يبحث عن الشعب من ناحية تكوينه الإجتماعي بل من ناحية سلوكه الروحي، ومن ثم يمكن أن يكون كل فرد موضوعا للدراسات الشعبية بناء على درجة الشعبية في تكوينه الروحي والفكري ومقياس هذه الشعبية يتحدد بدرجة ارتباط الفرد بمجتمعه وتراثه.
إن مدرسة النقد الإجتماعي الماركسي يعطي للنعوت (حكاية شعبية/تراث شعبي/خيال شعبي) معنى طبقيا يقوم على المفهوم الإجتماعي لكلمة "شعب" وكأن وظيفة التراث الشعبي أو الثقافة الشعبية/ محصورة في التعبير عن الصراع الطبقي، بين الجماهير العاملة والفئة الحاكمة، إن كتاب باكتين Bakhtine يتوخى هذه الطريقة في تأويل ظاهرة الكرنفال في التراث الشعبي الغربي، وقد غاب على ذهن المؤلف أن الحفلة الكرنفالية (La fête carnavalesque) حفلة جماعية تشارك فيها كل الأصناف الإجتماعية دون تمييز.
تجاه هذه الأبعاد فإن المشكلة العويصة المطروحة بإلحاح شديد هي التي تمثل أساسا في تعريف الواقع، ماهو الواقع ؟ ماهي عناصره أو مكوناته ؟ هل على سبيل المثال يمكن أن نعتبر المعتقدات والخرافات والخوارق والقوى الغيبية جزءا من الواقع وعل أي مستوى ؟
وبعبارة أخرى هل يمكن استبعاد وحذف من تصورنا للواقع التأثيرات الحقيقية بسبب أنها تبدو لنا مشبوهة في ملاحظتنا النقدية، أن الناقد أو الأديب الكلاسيكي لن يقبل بسهولة مثل هذا التعريف للواقع. بل سيرفض الحكايات الخيالية وسيتردد من ادماج الطقوس السحرية والدينية بوصفها عنصرا مكونا للأدب ويفضل عند اللزوم أن يخصص لها فصلا خاصا يتضمن المظاهر الزخرفية والغريبة، ونستنتج مما سبق أنه هناك أبعادا مختلفة للواقع وطرقا عديدة للتحليل وتفاعل القوى الحاسمة لأفكارنا ونشاطاتنا بشكل مخالف، ولعل السبب العميق يتمثل في الإختلافات المتنوعة المتصلة بتصورات المجتمعات المتعددة، إذ نلمس فرقا شاسعا على سبيل المثال بين التصور الغربي العقلاني الفاقد لصفة القداسة وبين التصور الثقافي الإفريقي الذي يؤمن بالقوى الحيوية في الحياة اليومية.
إن الخروج عن المألوف ماهو إلا قراءة بطريقة خاصة للواقع، إن العجز عن تحقيق الرغبات والإنشغالات يؤدي بالمبدع إلى اللجوء إلى الخيال فالرموز والسحر والغرابة تعبير عن حرمان اجتماعي يهدف إلى إعادة النظام إلى أصله والتوازن في الإنسان.
يلاحظ رومان جاكوبسون أن في كل تركيب نحوي يوجد عنصر أساسي ينظم ويحول العناصر الأخرى ويضمن تكاملية البنية. فهو يطلق إسم الخاصة الغالبة Dominante على المبدأ الذي يحكم في كل رسالة لفظية. وفي شبه الأدب تثبت الخاصة الغالبة داخل كل جنس أو شكل وتحدد وتوضح خصوصيته، إن رواية شبه الأدب لا يتوقف سوى على سلطة الخاصة الغالبة التي تمتص مجموع الدلالة وتؤثر في كل شخصية وكل حدث أو فعل وتمنحهم جميعا مكانه ووظيفته، وعلى سبيل المثال نجد الخاصة الغالبة في الرواية البولسية تتمثل في اللغز والتحقيق وتنحصر بالنسبة للرواية الخيالية في المفهوم أو المتخيل. وتتمثل الخاصة الغالبة فيما يتعلق بالرواية الجاسوسية في الأسرار والأخبار والعدو الخارجي، إلا أن الخاصة الغالبة غير كافية لأعداد تصنيفة Typologie متعلقة بمجموعات شبه الأدب ولذلك يجب الأخذ بالإعتبار المعطيات الفضائية والزمانية.
ومن هنا نستطيع أن نحدد مجموعة من الصفات التي تميز الأدب العامي عن الأدب الشعبي.
وقد حصر الباحث محمود ذهني هذه الصفات فيما يلي :
1- يستخدم الأدب العامي اللهجة المحلية التي تحررت من الأعراب ولهذا أطلق عليه صفى الدين الحلي إسم الأدب العاطل ووصفه بأن إعرابه لحن وفصاحته لكن وقوة لفظه وهن لذلك فإن ورود ألفاظ فصيحة أو معربة في الأدب العامي يعتبر عيبا بنفس القدر الذي يعتبر ورود ألفاظ عامية في الأدب المدرسي نقصا فادحا، ومن هنا فإن لغة الأدب العامي لاترقى إلى التعبير عن الفكر إذ نجدها مختصرة يصعب كتابة أصواتها غالبا وتختلف في دلالة كثير من مفرداتها. إن كلمة (بز) تعني في الغرب الجزائري الطفل الصغير وفي الشرق تعني عند البعض الصغير الطائش وعند البعض الآخر صفة للشتم بمعنى لقيط. إن الأدب العامي يتوسل بالكلمة ولكنها غير كافية للتعبير عن الغاية لذلك يستعين بالحركة التمثيلية والإشارية (حركة اليد، العين، الرأس).
2- يقتصر الأدب العامي على البيئة المحلية ويعبر عن احتياجات الإنسان فيها.
3- يعبر الأدب العامي عن اهتمامات محصورة في نطاق أصحابها دون أن يستطيع التطرق إلى القضية الإنسانية العامة أو انشغالات الجماهير الواسعة.
4- يتناول الأدب العامي موضوعات الساعة ولهذا يكاد يكون أدبا موسميا لا يعيش إلا في حدود المشكلة التي يعالجها، فإذا ما انتهت المشكلة فقد هذا الأدب جانبا كبيرا من قيمته، فهو من حيث هذه الخاصية أقرب ما يكون شبيها بالرسوم الكاريكاتورية التي تكن قوية التأثير وقت ظهورها المرتبط بحدث معين فإذا مر الزمن على هذا الحدث فقدت قيمتها.
5- وبما أن الأدب العامي محصور في نطاق إقليم ضيق يكون دائما معروف القائل منسوبا إلى صاحبه في حدود المكان والزمان بعكس الأدب الشعبي الذي ينتسب إلى فرد هو أول من أوجده ولكن دوامه يدل على تداوله بين الشعب.
6- يعتمد الأدب العامي على صوتيات الكلام ولذلك يتجه إلى الموسيقى كعامل مساعد، ولذلك كانت معظم ألوانه منظومة. قدم صفى الدين الحلى دراسة كاملة عن الأدب العامي يقول "ومجموع فنونه عند سائر المحققين سبعة فنون لا اختلاف في عددها بين أهل البلاد وإنما الإختلاف بين المغاربة والمشارقة فنين منها، والسبعة المذكورة هي عند أهل المغرب ومصر والشام : الشعر القريض والموشح والدوبيت والزجل والمواليا والكان كان والحماق".
7- يتوقف الأدب العامي على فن الغناء فأصبح لا يصل إلى الناس إلا بواسطة الأغنية وصار الزجال يطلق عليه لقب الشاعر الغناي، إن الغناء الشعبي أسبق الفنون إلى الظهور ولاسيما الغناء الجماعي الذي استخدمه البدائيون في الحرب والسلم معا .وفي بث روح التماسك بين أفراد القبيلة في مواجهة الخطر الخارجي أو من الحيوانات أو من الطبيعة وكذلك في المراسم والطقوس الدينية، وقد أدى فن الغناء بالأدب العامي إلى فقدان ذاتيته. وتعد الأغنية النموذج المفضل لتوضيح حدود الأدب العامي والأدب الشعبي وبيان رواج نصوصهما الغنائية. يرى الباحث محمد عيلان أن مسميات الأغنية تتعدد في الأدبين العامي والشعبي، فقد تنسب إلى المكان مثل أغنية أوراسية، أغنية صحراوية، أو تنسب إلى القبائل والأعراش مثل أغنية قبائلية، ترقية، سوفية أو إلى أفراد لهم قدسيتهم في ذهن العامة أمواتا أو أحياء كالأولياء الصالحين وهو نوع من الغناء الروحاني الصوفي يعد من آثار تمجيد السلف والتعلق بسلوكه وطقوسه وقد تنسب الأغنية إلى الأحداث مثل أغنية ثورة التحرير(يا أمي لا تبكي علي)، وقد تنسب إلى الزمن دون تحديد كقولهم أغاني عصرية أغاني عام الشر، عام الروز، عام الماريكان وهي الأغاني التي تعبر عن أحداث وقعت أثناء الحربين العالميتين، وهي معروفة بالشرق الجزائري، وقد تنسب إلى علم معروف فيقال أغنية فولكلورية نسبة إلى الفولكلور الذي يطلق أحيانا على المادة موضوع الدراسة وأحيانا أخرى على العلم الذي يدرسها بأدواته ومناهجه، تندرج أغاني الحاج رابح درياسة أو عبد الحميد عبابسة وخليفي أحمد ضمن الأدب الشعبي لأنها تستمد مادتها من الشعر الملحون، بينما تعد أغاني (مول الشاش) و(أسا نزها) أو (صب الرشراش) وأغاني الشعبي العاصمي الذي طوره المرحوم الحاج محمد العنقاء وبعض الشيوخ الآخرين من الأدب العامي.
وهناك من الأغاني المعروفة في الأدب العامي باسم الراي، والرأي أصلا من بكائيات الأندلس فهو لحن لأغاني الندب لأن الأندلسيين الفارين من بلادهم التي استرجعها الإسبان والذين نزل بعض منهم بمنطقة الغرب الجزائري كانوا يبكون مدنهم بقولهم (ياراي ياراي لو أنك كذا) وفي مجال الأغنية العامية يمكن أن نشيد بالمرحوم دحمان الحراشي الذي استطاع أن يطور الأدب العامي وينقله إلى مستوى الأدب الشعبي ويتجاوز الحدود ومثال ذلك (يا رايح وين مسافر).
وينفرد الأدب العامي بأن يكون أكثر أداء للأغنية المقاومة، أما الأدب الشعبي بالنسبة للباحث محمد الفاسي في البلاد العربية فإنه نقصد به قبل كل شيء ما قيل من نثر أو شعر باللغة القريبة من الفصحى سواء عرف قائله أو كان مجهولا ومن أشكاله السير الشعبية والملاحم والقصص والخرافات والأساطير والألغاز والأمثال والنوادر ونداءات الباعة والنكت والأغاني والأذكار والشعر الصوفي والحكم.
أما عند الغرب فإن الأدب الشعبي يطلق على الخصوص على ما يروج بين الناس من أجناس دون أن يعرف القائل أو ما ألف بخصوص طبقات الشعب التي ليست لها ثقافة تؤهلها لتذوق الإنتاجات الأدبية لكبار الكتاب والشعراء وتفهمها. ويطلق من جهة ثالثة كذلك على المؤلفات التي تتعرض لوصف الأحوال الإجتماعية لطبقات الشعب العامة، وبما أن اللغة العامية عند أهل الغرب ليست بعيدة عن لغة الكتابة فإن الإنتاجات الأدبية الشعبية ضعيفة .
وتوجد ظاهرة مشتركة بين الأدب العامي والأدب الشعبي وهي أن هناك من الأدب العامي ما يتحول إلى أدب شعبي وكذلك يتحول الأدب الشعبي إلى أدب عامي ويخضع كل منهما في الإنتقال من مرحلة إلى أخرى لعملية التغيير تجعله قادرا على التعبير عن الرغبات الفنية للجمهور.









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:28   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

مناهـــــج دراســـــة الفولكلور

يتمثل هدف علم الفولكلور في دراسة الجوانب المادية والروحية عند الشعوب، ويعود السبيل إلى ذلك إلى الظروف التاريخية والإجتماعية التي مرّ بها هذا العلم وتنوع موضوعاته والخلفيات الثقافية لرواده. ومن هنا تعددت النظريات واختلفت الإتجاهات والمذاهب ثم تركزت هذه الأبحاث مع مرور الزمن واعتمدت على مناهج واضحة.
ويعتمد علم الفولكلورعلى مجموعة من المناهج الأساسية هي : المنهج التاريخي والجغرافي والإجتماعي والنفسي والوظيفي والبنائي وقد ساعدت كل منها على تفسير العلاقات القائمة بين الشعب والثقافة الشعبية.

1- المنهج التاريخي :

يعتبر المنهج التاريخي أقدم مناهج الفولكلور لأنه ارتبط منذ بدايته بالدراسات الأدبية واللغوية. ويقوم هذا المنهج على الكشف عن أصول النصوص الشعبية وتحديد علاقاتها بالظروف التاريخية التي مرت عليها من خلال تبادل الثقافات المختلفة، ويساعد هذا المنهج على معرفة مظاهر الإتفاق والإختلاف بين النصوص الشعبية في المراحل الزمنية المتعاقبة من أجل الوصول إلى فهم التطور الذي قطعته عناصر الفولكلور، والتعرف على العوامل المحلية والأجنبية التي أدت دورا هاما في تشكيل المادة الشعبية في مرحلة محددة، ومن هنا يفيد هذا المنهج في إجلاء الغموض الذي تتعرض إليه عناصر الفولكلور، ولكن الغلو في استعمال هذا المنهج قد يجر الباحث إلى الخوض في مشكلات فرعية، ولذلك اعتبر علماء الفولكلور الجمع بين النظرة التاريخية والنظرة الجغرافية ضرورة ملحة.


2- المنهج الجغرافي :

تعتبر النظرة الجغرافية قديمة وماثلة في مختلف مراحل تطور العلم واستطاعت اليوم أن تبلغ قدرا وافرا من الدقة. إذا كان المنهج التاريخي يسعى إلى تحديد البعد الزماني للظاهرة الشعبية فإن المنهج الجغرافي يهتم أساسا ببعدها المكاني.
يتوقف تنظيم البيئة على الموقع الجغرافي الذي يثير بدوره عند الجماعة كثيرا من الإحتياجات البشرية ويعمل على اشباعها. وتنحدر أو تتشكل عناصر الفولكلور طبقا لهذه الإحتياجات، ويظهر هذا المنهج الجغرافي إذن في ارتباط عناصر الفولكلور بالظروف الجيولوجية والمناخية والإقتصادية...إلخ وتختلف علاقة عناصر الفولكلور بالبيئة الطبيعية من حيث الضعف والقوة. إن الصلة القائمة بين بعض عناصر التراث الشعبي والظروف الجغرافية محدودة كالأغاني والأمثال والألغاز والحكايات الخرافية والأعمال الدرامية الشعبية، بينما تظهر أهمية المنهج الجغرافي في الجانب المادي من الفولكلور إذ يتعذر دراسة أدوات النشاط الزراعي والحرفي إلا في نطاق البيئة المحلية.
يجب ألا تبالغ في تقرير أثر الموقع الجغرافي على تشكيل عناصر الفولكلور وصياغته لأن أكثر النماذج الشعبية ليست نتاجا طبيعيا وحسب ولكنها وليدة إبداع العقل البشري للإنسان الذي يعيش في المكان.

3- المنهج الإجتماعي :

يسعى المنهج الإجتماعي إلى دراسة ظروف المجتمع وطبيعة العلاقات والنظم الإجتماعية، ويهتم أصحابه بالجماعة التي تحمل الفولكلور باعتباره انعكاسا مباشرا لأساليب حياتها وتفكيرها.
إن تعرض الجماعات الشعبية إلى التفكك وإعادة ترتيبها بعد أن كانت متميزة بالتماسك والعزلة ظاهرة شائعة في المجتمعات النامية، ومن هنا جاء الإهتمام أكثر بالدراسة الإجتماعية للفلكلور.
يحاول المنهج الإجتماعي أن يحدد رصيد الطبقات الإجتماعية من الفولكلور بجميع مياديه : الأدب الشعبي، العادات والتقاليد، المعتقدات، الفنون والمنتجات المادية الشعبية، كما يتناول المنهج الإجتماعي التفاوت القائم بين الجماعات الشعبية في الريف والمدينة من الفولكلور سواء أكان من حيث الكم أم النوع. ولا يتمثل هذا الإختلاف في رصيد الفئات من عناصر التراث الشعبي فقط ولكن في ثراء العناصر الشعبية أو فقرها ودرجة السلوك الشعبي عند هذه الفئات ويبين المنهج الإجتماعي الدور الذي تقوم به هذه الجماعات المتنوعة في حمل هذا التراث الشعبي وتناقله عبر الأجيال والعمل على الإبداع فيه وتعديله بالحذف والإضافة. كما يهتم بإبراز تميز الفئات أو الطوائف بأنواع من عناصر الفولكلور وذلك من حيث العمر والجنس (الذكور أو الإناث) ويركز المنهج الإجتماعي كذلك على دراسة حركة التراث الشعبي داخل البيئة الإجتماعية وتعيين خطوطها العمودية أو الأفقية (من الكبار إلى الأطفال – من أسفل إلى أعلى – من أعلى إلى أسفل ... إلخ) ورصد التغيرات التي تطرأ على المادة الشعبية. ومن هنا يمكن القول أن مركز الفرد في المجتمع وسلوكه فيه يكشفان عن قوانين ومشكلات إجتماعية هامة، كما تساعد عناصر الفولكلور على تصور أبعاده هذه المشكلات الإجتماعية ومدى تأثيرها على السلوك الفردي.

4- المنهج النفسي :

ارتبط موضوع الأرض الأم بالدراسات النفسية للشعوب، ويعني الباحثون بذلك تلك الأرض التي نشأ عليها الإنسان البدائي بتصوراته ومعتقداته، وتبحث مدرسة علم النفس التركيبي التي يتزعمها يونغ عن العناصر الشعبية التي تكون اللاشعور الجمعي. وقد أطلق يونغ على هذه الرواسب أو البقايا العقلية البدائية التي تعيش مع الإنسان المتحضر حتى اليوم مصطلح النمط الأصلي، ومن تم تركز المنهج النفسي حول الكشف عن التجارب النفسية ذات الطابع الجماعي ومغزاها وعلاقتها بالأصول الأولى للحضارات.
وينصب الحديث عن المنهج النفسي في تحديد طبيعة مواد التراث الشعبي ودوافع التمسك بها والمستويات المتميزة بها.

1- التحليل السيكولوجي لمواد الفولكلور :

إن الشعب هو موضوع الدراسة في علم الفولكلور وذهب بعض الباحثين، منهم (هوفمان كراير) أن الشعب هو أولئك الناس الذين يتميزون بنوع من الفكر البدائي وبأنهم لا يبتكرون الثقافة وإنما يتداولونها نقلا عن الجماعات أكثر تطورا اجتماعيا وفكريا.
جاء مفهوم (ريتشارد فايس) عن الثقافة التقليدية يؤكد أن في داخل كل إنسان يوجد سلوك رسمي وسلوك شعبي ولذلك يصبح كل إنسان في المجتمع موضوعا للدراسة في علم الفولكلور.
يمكن أن تمثل الأبعاد النفسية إسهاما هاما في فهم الإنسان ولكن الإقتصار عليها يمكن أن تهمل الطبيعة الشاملة للإنسان ومقومات تفرده وتميزه.
حاولت المدرسة الفلندية في ميدان القصص الشعبي أن تربط منهجها التاريخي الجغرافي بنظرة سيكولوجية إلى المادة الشعبية. ليست الأساطير في نظر بعض رواد هذه المدرسة مجرد حكايات عن الآلهة وحسب وإنما مستودعات التجربة الإنسانية.

2- المصادر النفسية للفلوكلور :

يرتبط اهتمام الدراسة للتراث الشعبي بالعوامل النفسية التي ساهمت في صياغة عناصره التي مازالت تعيش فيها وتؤثرعلى حياتها واستمرارها. إن الموقف النفسي الذي صدر عنه العنصر الشعبي في يوم من الأيام قد لا يكون واضحا عند الإنسان الشعبي في الحاضر وقد ينكر حامل التراث الشعبي المعاصر ارتباطه به.
حاول (أدولف باخ) أن يفسر العوامل الأساسية في نشأة عناصر الفولكلور كالحاجة إلى التسلية واللعب. إن الحكاية الخرافية في نظره تروى منذ البداية تحت تأثير التسلية. وكان الباحثون القدامى ينظرون إلى أحداثها باعتبارها محاولة لتقليد مختلف الأحداث التي تطرأ على العالم الطبيعي بظواهره المتعددة، وإذا كانت بعض الحكايات الخرافية تتضمن بعض التصورات الدينية القديمة فإنها تحتوي مع ذلك بعض الأفكار ذات طبيعة أخرى، حاول البعض تفسير الألغاز باعتبارها رواسب لإختيارات الحكمة القديمة بينما رأى الباحثون الآخرون أن اللغز نشأ منذ العهد القديم تعبيرا عن رغبة الإنسان في اللهو.
ليست جميع العناصر الشعبية نقلا مباشرا لبعض الأشكال الدينية والسحرية القديمة ولكنها من إبداع الفنان أو الفرد الشعبي العادي. إن المرح وحب الفكاهة والميل إلى اللهو والدعابة من المصادر النفسية لظهور بعض عناصر الفولكلور.

3- المستويات السيكولوجية في الفولكلور :

ينصب الإهتمام هنا على تحديد المستويات السيكولوجية المتنوعة التي يمكن أن تندرج ضمن تراث الشعوب، أو بمعنى آخر تحديد مدى التزام بعض عناصر الفولكلور بأساليب أو خصائص الثقافة الكلاسيكية (التربية والتعليم). وتتناول هذه الدراسة السيكولوجية كذلك السمات البدائية العامة في ثقافة شعب معين، كما تعد العلاقة بين الثقافة والشخصية من ميادين البحث في علم النفس الذي يتناول تأثير الإنسان في الثقافة أو تأثره بها. وما يؤخذ على هذا المنهج النفسي عموما هو مغالاة أصحابه في البحث عن أعماق الإنسان الشعبي فتتحول دراسة الفولكلور إلى سيكولوجية.

المنهج البنائي :

تمثل المدرسة البنائية أبرز النظريات في ميدان العلوم الإجتماعية واللغوية وعلم الفولكلور، وقد حاولت هذه المدرسة أن تطور أسلوبا جديدا في تناول التراث الشعبي.
شغلت النظرية البنائية في العصر الحديث كافة فروع المعارف البشرية واعتمدت أساسا على الإحصاء والرسوم البيانية.
ويتعرض هذا المنهج في نظر العلماء "لدراسة الشكل بوصفه كلا بعد تحليله إلى عناصره الصغيرة بهدف وضع هذا الشكل في التصنيف المناسب له وعلاقته بالبيئة الحضارية التي يعيش فيها".
إن الأبحاث التي تناولت الأدب الشعبي من خلال المنهج البنائي متنوعة ويمكن حصر اتجاهاتها في نوعين : اتجاه فلاديمير بروب واتجاه كلود ليفي شتراوس.
1- بروب والتحليل المورفولوجي للحكايات الشعبية :
دخل المنهج البنائي في الدراسات الشعبية على يد فلاديمير بروب في كتابه (مورفولوجية الحكايات الخرافية الروسية) وكان يعني بها تلك الأنماط التي ظهرت في تصنيف (آرن طومسون) من رقم 300 إلى 749، ولما ترجم الكتاب رأى الباحثون أن التحليل المورفولوجي الذي قام به بروب ينطبق على أكبر عدد من القصص الشعبي العالمي.
عرف بروب التحليل المورفولوجي بأنه "وصف للحكايات وفقا لأجزاء محتواها وعلاقة هذه الأجزاء بعضها ببعض ثم علاقتها بالمجموع".
ويهدف اتجاه بروب إلى وصف النظام الشكلي للحكايات الشعبية وفقا للتتابع الزمني للأحداث. ومعنى هذا أن منهج بروب في التحليل يسير في اتجاه أفقي. وقد أطلق على هذا الإتجاه (تحليل البناء التركيبي)
Analyse structurale Syntagmatique.
درس بروب بناء الحكاية الذي يتكون من مجموعة الأحداث التي تؤدي وظائف مستقلة وينتهي بروب إلى أن بناء الحكاية قائم على وحدات خاصة تتمثل في الأحداث التي تؤلف الثوابت ويمكن التعرف عليها عن طريق الشكل دون المضمون، تتمثل الثوابت عند بروب في الوظائف دون الظروف، ليست الشخصيات وأبعادها وحدات نمطية، إن المهم هو الحدث ووظيفته أما معرفة فاعل الحدث أو وسيلته فإنها لا تدخل في بناء الحكاية.
يبلغ عدد الوحدات الوظيفية (Unités fonctionnelles) التي تسيطر على الحكايات إحدى وثلاثين وإذا كانت هذه الوظائف لا تورد في كل حكاية فإنها لا تخرج عن حدودها.
يورد بروب في مقدمة الحكاية قائمة من الوظائف ويرى بروب أن هذه الوظائف السبع مجرد تمهيد.
1- غياب (تغيب أحد أفراد الأسرة عن البيت).
2- تحريم أو منع (تحذير البطل من فعل شيء محدد).
3- ارتكاب المحظور أو انتهاك التحريم (عدم الإستجابة للتحذير).
4- استدلال (يبذل الشرير محاولة للإستدلال أو الإستطلاع).
5- الحصول على معلومات (يتلقى الشرير معلومات عن ضحيته).
6- خداع (يحاول الشرير خداع ضحيته ليأخذ مكانه أو ممتلكاته).
7- مشاركة لا إرادية في الجريمة (وقوع الضحية في الشرك ومساعدتها الشرير دون قصد) تبدأ الحركة الفعلية في الحكاية من الوظيفة الثامنة التي يعتبرها بروب ذات أهمية خاصة.
8- نذالة (يحدث الشرير الضرر بأحد أفراد الأسرة).
9- استدعاء للعون أو اانجدة (التعرف على الضرر وأمر البطل بإصلاحه).
10- إبطال الفعل (قبول البطل إصلاح الضرر).
11- رحيل (يترك البطل منزله أو يغادر موطنه لأداء المهمة).
وتؤدي الوحدات 8-9-10-11 إلى مرحلة التأزم في الحكاية.
12- اختبار (يخضع البطل لإمتحان من أجل الحصول على أداة سحرية أو مساعدة من الشخصية المانحة).
13- رد فعل البطل (يستجيب البطل للمساعدة التي قدمتها له الشخصية المانة).
14- الأداة السحرية (توضع الأداة السحرية تحت تصرف البطل).
15- انتقال من مكان لآخر أو من مملكة إلى أخرى (ينتقل البطل إلى العالم المجهول حيث تكون حاجته).
16- صراع (المقابلة أو المواجهة بين البطل والشرير في معركة).
17- علامة (يرسم البطل بعلامة أو إمارة أي يصاب البطل بجرح نتيجة هذا الصراع).
18- انتصار (يهزم البطل الشرير فيهرب منه أو يقتل على يده).
19- اصلاح الضرر (زوال خطر الشرير ويحصل البطل على حاجته).
20- عودة (يعود البطل ويتخذ طريقه قافلا إلى بلده أو بيته).
21- مطاردة (يقتفي الشرير أثر البطل).
22- انقاذ (يهرب البطل من المقتفين لأثره).
23- الوصول متخفيا (يصل البطل إلى بيته أو إلى بلد آخر دون أن يتعرف عليه أحد)
24- تزييف (يدعى البطل المزيف القيام بالعمل غير الموجود، وغالبا ما يكون هذا البطل المزيف أخا للبطل الحقيقي).
25- مهمة صعبة (يكلف البطل بعمل صعب الإنجاز أو التحقيق).
26- تنفيذ (ينفذ الابطل ما اقترحه عليه).
27- تعرف (يتم التعرف بالبطل).
28- افتضاح (يكتشف أمر البطل المزيف).
29- تحول في المظهر (يظهر البطل في شكل أو وضع جديد).
30- عقاب (يعاقب البطل المزيف).
31- زواج أو تتويج / زواج وتتويج (يتزوج البطل أو يتزوج ويعتلي العرش معا).
إن دوائر هذه الوظائف متشابهة في الحكايات الشعبية.
2- اتجاه ليفي شتراوس :

ويمثل الإتجاه الثاني في النظرية البنائية العالم الفرنسي كلود ليفي شتراوس ويسمى (تحليل البناء النموذجي) Analyse structurale paradigmatique
اقتحم ليفي شتراوس ميدان الدراسة البنائية للأدب الشعبي بمقال يحمل عنوان (الدراسة البنائية للأسطورة).
ويقوم منهج ليفي شتراوس على (استخلاص الوحدات المتعارضة من النص بقصد الكشف عن البناء الإجتماعي الذي تعيش الأسطورة في كنفه) وهو يعني مجموعة الألفاظ التي يجمعها اشتقاق واحد كما يعني مجموعة الألفاظ ذاتالطابع المتجانس في المعنى وإن ظهرت متعارضة مثل الحب والكراهية والفرح والحزن والقسوة والشفقة بمعنى مجموعة من التراكيب أو الألفاظ ذات دلالات ذهنية أو نفسية مترابطة كامترادفات مثل الحياة والموت.
نظر كيفي شتراوس إلى النص من الداخل لا من الخارج كما استخدم النظام العمودي في ترتيب عناصره معارضا في ذلك (بروب).
ويمكننا هذا التحليل من الربط الوثيق بين الوحدات الأساسية للحكاية والنظام الإجتماعي الذي تعيش الحكاية في نطاقه إن خروج البطل إلى المغامرة ثم عودته إلى عائلته بعد أداء مهمته والتحريم الذي يرفض عليه والضرر الذي يعود عليه بسبب ارتكاب المحظور عوامل تكشف نظاما اجتماعيا محددا.
يعتبر منهج بروب تجريبيا قابلا للتطبيق على الأنواع الأدبية الشعبية الأخرى. بينما يعد منهج كلود ليفي شتراوس تأمليا ولكنه من الصعب تطبيقه على الأشكال الشعبية الأخرى منها الأسطورة، وهو السبب الذي يفسر النتائج التي حققها أنصار منهج بروب وعلى رأسهم (ألان دندس) و (ميهاي بوب). بينما تميزت أعمال أنصار منهج ليفي شتراوس بالتعقيد والنتيجة المحدودة.

المنهج الوظيفي :
لم تكتسب كلمة (الوظيفية) دلالتها ذات الطابع التخصصي إلا في القرن 19 في الرياضيات أولا ثم في البيولوجيا وبعد ذلك في العلوم الإجتماعية.
تطورت الوظيفة انطلاقا من فكرة أن المجتمع كلّ ومتصور في شكل مؤسسة، والدور الذي تؤديه أجزاؤه إحداها مقابل الأخرى أو تجاه الكل.
ارتبطت الوظيفة بمجموعة من المفاهيم الأساسية التي استعملتها من سبنسر Spenser إلى دور كايم.
إن المدرسة الوظيفية بأتم معنى الكلمة (ظهور الأنتروبولوجية الإجتماعية الأنجلوسكسونية التي يمثلها كل من مالينفسكي malinowski وبراون Brown) جديرة باهتمام خاص دونما أن ننسى أن علم الإجتماع والأنتروبولوجية الإجتماعية حاولا باستمرار (ولا سيما البلدان الأنجلوسكسونية) أن يصححا الضعف الذي تميز به المنهج الوظيفي، وبعبارة أخرى أن كل من مالينفسكي وراد كليف براون شارك في تدعيم النظرية الوظيفية في ميدان الأنتروبولوجية وعلم الإجتماع.
من الضروري أن نميز في البداية بين الوظيفية العلمية في ميدان علم الإجتماع والأنتروبولوجية التي تدعو إلى دراسة الظواهر الثقافية والإجتماعية، والوظيفية في ميدان الفولكلور التي تتمثل في دراسة عناصر المادة الشعبية.
تميزت الوظيفية في ميدان الفولكلور بمجموعة من الباحثين منهم فرانز بواس وفان جنب Van Gennep ووليام باسكوم W. Bascom.
ويعتبر فرانس بواس أحد الرواد الأوائل للنزعة الوظيفية الذين ساهموا في دراسة الفولكلور والثقافة وإقامة العلاقة بين الأدب الشعبي والأسطورة والفلسفة والدين من جهة والحياة اليومية للشعوب باعتبار أن هذه العلوم الإنسانية تعبير منظم عن الأفكار والموفق والقيم الشعبية.
ويحدد وليام باسكوم أركان الدراسة الوظيفية للفولكلور بثلاثة عناصر أساسية هي :

1- السياق الإجتماعي للفولكلور :
وينصب على دراسة موقع العناصر الشعبية في الحياة اليومية كما يهتم بزمان رواية مختلف أشكال الفولكلور ومكانها وطبيعة الرواة وجمهورهم والأساليب والوسائل التي تستعمل في هذا الشأن.
2- السياق الثقافي للفولكلور :
ويقصد به العلاقة القائمة بين عناصر الفولكلور وبقية جوانب الثقافة وكذلك مدى انعكاس عناصر الفولكلور ثقافة الجماعة كاللغة والشعائر الدينية والنظم والأساليب التقنية والمعتقدات والإتجاهات السائدة والعادات.
3- وظائف الفولكلور :
ويبين هذا الركن أداء مختلف العناصر الشعبية لوظائفها في الثقافة. فالأساطير على سبيل المثال تضفى الشرعية على الممارسات السلوكية.
يعتبر (مالينوفسكي) و (جيمس فريزر) و (راد كليف براون) من رواد الدراسة الوظيفية، ويمكن أن نبرز جوانب هامة من هذا المنهج من خلال عقد مقارنة موجزة بين الباحثين الثلاثة.
يتفق مالينوفسكي مع فريزر في وعيهما بالطبيعة الإنسانية المعقدة، ويتميز مالينوفسكي بالحرص الشديد على المنهج الوظيفي وتوضيح الأسس التي تقوم عليها.
ويتفق مالينوفسكي مع براون في معارضتها للمنهج التاريخي وفي أن كلا منهما طور المنهج الوظيفي، ولكن الباحثين يختلفان في مدى الإهتمام بالعمل الميداني. إذ اعتمد مالينوفسكي على النشاط الميداني وقدم من خلال الإتصال المباشر بالجماعات الشعبية والمعايشة الفعلية لها، صورة واضحة عن مظاهر حياتها الإجتماعية والسيكولوجية والفنية، بينما كان الحس الشعبي غائبا عند براون.
ارتبط – عند مالينوفسكي – النجاح في العمل الميداني بالجانب النظري، وتعتبر هذه الدراسة النظرية أن سلوك الإنسان البدائي مزيج من العقلانية والخرافة. إذ يكتسب الإنسان الشعبي نوعا من المعرفة العملية ويستخدمها بطريقة عقلانية لمواجهة احتياجات حياته. ولا يمكن أن يتحقق هذا الهدف إلا عن طريق المنهج الوظيفي.
وتتضمن الوظيفة في نظره على معان مختلفة تبعا لإختلاف مسنويات البناء الإجتماعي.
يختلف مالينوفسكي مع فريزر في مفهوم السحر والدين والعلم، وفي وظيفة كل منها في البيئة البدائية والحضارية، فقد نظر فريرز إلى هذه الجوانب الثلاثة باعتبارها نشاطات مستقلة يؤدي كل منها دورا في مرحلة حضارية مختلفة بينما نظر مالينوفسكي إلى السحر والدين والعلم على أنها نشاطات متداخلة في حياة الشعوب..









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:28   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الفولكلــــــــــــور


مقدمة تاريخية :

- البدايات – المصطلح : يعتبر "وليم جون تومر William Jhon Thoms" أول من صاغ مصطلح "فولكلور" في رسالة بعث بها في مجلة "ذي اثنيون The Athenacum" في سنة 1846. وقد اعترفت جمعية الفولكلور الإنجليزية بهذا المصطلح عند تأسيس سنة 1877.
وقد جاء هذا الإصطلاح ليخلف عبارة "الآثار الشعبية القديمة (الأثريات) التي كانت تستخدم في دراسة المأثورات والعادات والتقاليد.
يتألف اصطلاح فولكلور من مقطعين Folk ويعني الناس وLore ويعني معرفة أو حكمة، وتعني الكلمة بذلك معارف الناس أو حكمة الشعب- وهناك من العلماء من يرى أن المصطلح هو ترجمة للكلمة الألمانية "فولكسكندة VOLKSKUNDE" التي عرفتها الدراسات الألمانية بداية القرن 19 – البدايات- المادة الفولكلورية :
لعل الإهتمام بالمادة الفولكلورية يعود إلى تلك الكتب التي كتبت حول بعض الأجناس البشرية أو الشعوب والأقوام مع نهاية العصور الوسطى مثل كتاب "جرمانيا" GERMANIA لتاسيتوس الذي نشر في القرن الخامس عشر (15) ولقي اهتماما كبيرا من طرف الدارسين الألمان وأعيد طبعه عدة مرات. وحذا الدارسون خذوه فظهرت عدة دراسات ترمي إلى وصف سكان بعض المناطق وتؤرخ لحياتهم مثل كتابات سبستيان فرانك SBASTIAN FRANK الذي توخى فيها، وصف الأحياء والمدن الألمانية في القرن السادس عشر وقد استمر الإهتمام بالمواد الفولكلورية في الفرون التالية. ونضج هذا الإهتمام في ألمانيا على يد الأخوين "ياكوب جريم" و"فلهلم جريم" في منتصف القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، واتسمت معالجاتهم للمادة الفولكلورية بالمنهجية العلمية فجمعها منظما وعملا على تحليلها وتصنيفها وشرحها. لقد يسر الأخوان جريم للناس الإطلاع على المادة الفولكلورية وقاما بتبسيطها لتكون في متناول الجميع ورغم أن علم الفولكلور اليوم لايسمح بإجراء تعديلات وتغييرات مشابهة لتلك التي أجراها الأخوان جريم على المادة الفولكلورية (إعادة الصياغة) فلا شك أن لهما فضل لفت الأنظار إلى أهمية هذه المادة وتقريبها إلى نفوس الناس وتخليدها في منشورات ظلت تلقى اقبالا كبيرا من طرف القراء إلى يومنا هذا. –لم يكتف الأخوان جريم بعملية الجمع والتنظيم والتصنيف بل تجاوزها إلى محاولة التنظير فقالا بانحدار الحكايات الأوروبية من التراث الهندو أوربي وأن الحكايات الموجودة في عصرهم ما هي إلا بقايا أساطير مندثرة وإذا كانت مثل هذه النظريات قد تجوزت الآن ولم تبق مقبولة، فإنه كان لها فضل إثارة نقاشات واسعة لاسيما بعد أن أنارت السبيل أمام الدارسين لإكتشاف نظريات مجدية في تحليل المادة الفولكلورية إلى جانب جهود الأخوين جريم أسهمت المجلات المحلية التي ازداد عددها في القرن التاسع عشر وراحت تتنافس في نشر التراث المحلي لأقاليم ألمانيا وخاصة تلك المأثورات القديمة التي تعود إلى فترات سابقة على العهد المسيحي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تأصلت الإتجاهات العلمية المنهجية في مجال الدراسات الفولكلورية ويلاحظ أن الألمان في هذه الفترة وجهوا عنايتهم للثقافة المادية وما يتعلق بالتقاليد والأعراف وأهملوا إلى حد ما الأدب الشفاهي غير أن هذه الحركة العلمية سرعان ما اتسعت وغطت مختلف المجالات مع بداية القرن العشرين فظهرت دراسات "إريس شميدت Erich Smidt " "وجون ماير John Meir" "وفلهلم بسلر Vilhelm Passler وأدولف شبامر Adolf Spamer الذين تناولوا تاريخ الفولكلور ووصفوا أنواعه ودرسوا المخطوطات القديمة وفسروا كثيرا من النماذج الفولكلورية وقد اهتم الألمان أساسا بوضع الموسوعات الفولكلورية وتجميع الأنماط المتشابهة والتعليق عليها ووضع الحواشي، ونجد "كورت رانكه Kurt Ranke" مؤسس الجمعية الدولية للقصص الشعبي يصدر موسوعة ابتداء من سنة 1950 للحكايات الشعبية وموسوعة ثانية للحكايات الخرافية بهدف تغطية مختلف أقطار العالم، كما يعتبر أرشيف الأغنية الشعبية الألمانية في "فرايبورخ Freiburg" المركز الرئيسي لدراسات الأغنية الشعبية وتتمتع فهرسته بشهرة عالمية كبيرة.
ويعد كتاب "فريدريش زايلر Friedrich Seiler" عن الأمثال الشعبية الألمانية من أفضل الدراسات في هذا المجال.
أما في فينلندا فقد كانت عملية جمع ملحمة الفاليفالا نقطة البداية في الإهتمام الجاد بالمواد الفولكلورية الفنلندية. قام "إلياس لونروث" بجمع مختلف الروايات الشفهية من قصص شعري يتداوله الناس غناء متنقلا من منطقة إلى أخرى رغم قساوة الطبيعة وعدم توفر طرق المواصلات، وقام بتنظيمها ثم نشرها لتصبح الملحمة الوطنية للشعب الفنلندي عملا وطنيا بالدرجة الأولى وقام الدارسون بتنظيم عملية الجمع والفهرسة والنشر، وأسسوا أرشيفا ومعهدا للدراسات الفولكلورية لازال إلى اليوم يعتبر المعاهد العالمية ادمامة، ويجب الا ننسى أن الدارسين الفلنديين هم الذين قدموا لنا "المنهج التاريخي الجغرافي" الذي اشتهر في القرن 19 ولا زالت له قيمة تاريخية حتى اليوم. ولعله من الجدير بالملاحظة أن نسجل بأن إهتمام الدارسين الفنلنديين يالمادة الأدبية الشفهية كان طاغيا.
وبعد مرحلة التركيز على "الكاليفالا" بتأثير العالم "الياس لونروث" إتسع مجال اهتمام الدارسين الفنلدنيين فراحوا يهتمون بمختلف أنواع المأثورات، ومن أبرز هؤلاء الدارسين "كارل كرون" الذي أصدر سنة 1886 الجزء الأول من كتابه "الحكايات الشعبية"فضمنه "حكايات الحيوان" ليلحق به بعد ذلك حكايات الملوك سنة 1893. وقد اكتملت المنهجية العلمية في عملية الجمع والتدوين عند هذا الدارس فوجدناه يعتمد على المادة التي أخذت من الناس مباشرة دون إجراء أي تعديل أو تغيير وقد توجت الأعمال العلمية لكارل كرون بحصوله على أول منصب أكاديمي لتدريس الفولكلور في جامعة هلنسكي سنة 1898. وهو بذلك يعد أول من شغل منصب الأستاذية في هذا العلم في العالم. أكد كارل كرون في مؤلفاته على الطبيعة الفنية للفولكلور كما أكد طبيعته العالمية. واصل الباحث الفنلندي الشهير "أنتي آرن" جهود كارل كرون وأغنى مكتبة التراث الشعبي العالمي بـ "فهرس أنماط الحكايات الشعبية" الذي نشره سنة 1910 وقام بتنقيحه الباحث الإنجليزي "ستيث تومسن" وأعيد نشره بالإنجليزية تحت عنوان Type indexe of folk tales. ويعد هذا الفهرس أساسا لمعظم الدراسات الفولكلورية تحتذيه فهارس الحكايات الشعبية في مختلف أرجاء العالم. وقد ظهرت في فنلندا عدة جمعيات فولكلورية من أهمها جمعية أصدقاء الفولكلور التي تأسست سنة 1907 وأصدرت سلسلة من الدوريات نشرت فيها مواد فولكلورية وأبحاثا وتعليقات حول هذه المادة.
ويحتوي أرشيف الفولكلور الفنلندي على ما يقرب مليونين ونصف مادة فولكلورية مسجلة على بطاقات وأشرطة بالإضافة إلى المخططات التي خلفها رواد الدراسات الشعبية في فنلندا. ويضم الأرشيف مكتبة ضخمة وقاعات للدراسة وقاعات للندوات والتسجيل الصوتي ويحتوي على أكبر قدر من الدراسات العالمية حول الفولكلور بجميع لغات العالم. ويجد فيه الزائر عددا كبيرا من الخبراء والمتخصصين في الفولكلور الذين يتقنون عددا من لغات العالم ويقومون بتسهيل مهمة الباحثين الذين يقصدون الأرشيف وإذا كنا قد أشرنا من قبل إلى الدافع الوطني الذي حذا بالباحثين الفنلنديين إلى جمع ملحمة الكاليفالا تجدر بالإشارة إلى أن هذه الملحمة تعتبر مصدر اللغة الفنلندية الحالية وركيزة الأدب الفنلندي وقد لعبت دورا مهما في توحيد هذه اللغة وهذا الأدب وشدت من تماسك الشعب الفنلندي بحيث أصبحت موجودة في كل بيت فنلندي إذ ينشأ الأطفال على سماعها وقد دخلت أشعارها في البرامج الدراسية في جميع مستويات التعليم وأصبحت دراستها جزءا رئيسيا في دراسة الأدب واللغة الفنلندية.


بدأ الإهتمام بالمادة الفولكلورية في بريطانيا متأخرا ويشير مؤرخي الدراسات في هذه البلد إلى بدايات الإهتمام بالمادة الفولكلورية البريطانية إلى كتاب "وليم كامدن William Kamdem" عن لندن 1605 غير أن الدراسات الفولكلورية البريطانية عرفت دفعا جديدا في منتصف القرن الثامن عشر مع انبعاثات الحركة الرومانسية وكان للألمان تأثير كبير في هذا المجال على الدارسين البريطانيين، وقد عرفت هذه الفترة أعمال الأسقف "توماس بيرسي Thomas Percy" كما قام "السير ولتر سكوت Sir Waltir Scott" بجمع مجموعة كبيرة من الأغاني الشعبية القصصية BALLD والأشعار الشعبية، غير أنه كان كثيرا ما يعدل ويجري بعض التغييرات في الصياغة فقد كان شاعرا يقدم المادة الفولكلورية بأسلوب الشعري ولا يتروع عن إضافة أبيات من عنده. ونهج تلميده "روبرت شامبرز Robbert Chaumbers" نفس النهج فنشر سنة 1825 كتابا عن التقاليد السائدة في "أدنبرة" وكتابا آخر عن الأشعار الغنائية السائدة في اسكتلندا ويلاحظ على هؤلاء الدارسين الذين تشكلت أذواقهم واهتماماتهم في ظل الإتجاه الرومانسي ولعهم بالعناصر الفولكلورية التي تعود إلى عهود غابرة في التاريخ وفترات موغلة في القدم كما شغفوا بالمظاهر الشاذة والأشياء العجيبة والطريفة وخاصة منهم أولئك الدارسون المستكشفون الذين رحلوا إلى المناطق المستعمرة في إفريقيا وآسيا وسجلوا عادات الشعوب المستعمرة وتقاليدها وشيئا من تراثها.
وقد نشطت في هذه الفترة حركة الجمعيات المحلية التي كان يترأسها أفراد من الفئات الأرستقراطية في جمع مواد فولكلورية تتعلق بالأثريات الشعبية والعادات وبعض الصناعات القديمة وتقاليد الإحتفالات والأمثال والألعاب الشعبية واللهجات المحلية. كما أن المجلات والصحف البريطانية أصبحت تخصص صفحات لنشر المواد الفولكلورية، وقد ازدهرت هذه الجهود في منتصف القرن التاسع عشر وحل مصطلح "فولكلور" في بريطانيا كبديل لمصطلح "الأثريات الشعبية" بعد أن استعمله "وليم جون تومز" في مقالاته المنشورة بالمجلات.
وقد توجت هذه الجهود بتأسيس جمعية الفولكلور الإنجليزية سنة 1878 ونلاحظ أن الدارسين البريطانيين في القرن التاسع عشر وبداية هذا القرن جعلوا من العادات والتقاليد المحور الأساسي الذي تقوم عليه الدراسات الفولكلورية، وقد دعا مجموعة من الباحثين وعلى رأسهم "جورج لورانس جوم Sir George L. Gomme" إلى تطوير مظاهر الحياة القديمة لتتأقلم مع ظروف حياة معاصريهم، غير أنهم سرعان ما تخلوا عن هذه الفكرة ليسعوا من أجل بناء حياة ما قبل التاريخ من خلال مخلفات هذه العهود الموغلة في القدم فركزوا اهتمامهم حول تراث البدائيين ومعتقداتهم وأنماط حياتهم وتعد كتابات أدوارد تايلور EDWARD TAYLOR من الأبحاث البارزة في هذا المجال خاصة كتابه "الإنسان البدائي" المنشور سنة 1871. ولا شك أن النصف الثاني من القرن التاسع عشر يعد الفترة الأكثر ازدهارا في تاريخ الدراسات الشعبية البريطانيا إذ ظهرت فيها دراسات مجموعة من الباحثين كان لهم فضل كبير في تطوير الدراسات الفولكلورية ليس فقط على مستوى بريطانيا بل في العالم من أمثال "أدوين سيدن هارتلاند EDWIN SIDNY HARLAND" وأندرو لانج ANDREW LANG وألفريد نت ALFRED NUTT . وكان يمكن أن تؤتي هذه الجهود ثمارها في هذا القرن لو احتضنت الجامعات البريطانية الدراسات الفولكلورية وهو ما لم يحدث وما كان له أترسلبي على هذه الدراسات إذ بدأت تأفل مع أفول نجم الإمبراطورية البريطانية مع بدايات هذا القرن.
وقد عرفت الدول الأوربية الشرقية نفس الإهتمام بالمادة الفولكلورية في القرن التاسع عشر وازداد هذا الإهتمام بعد انتصار الثورات الإشتراكية فيها إذا أصبح لتراث الجماهير والشعب العامل حضوة خاصة واهتماما خاصا من طرف المؤسسات العلمية والجامعات.









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:29   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اللغز في وضع اللغة مفردة تعني ''لغز اليربوع جحره وألغزه'' أي حفره ملتويا وسكنه، واتخاذه مثلا هو الذي نقل المعنى الحقيقي إلى مفهوم اصطلاحي مجازي- التعمية في الكلام تحايلا على المتلقي، وقد اتخذت في العامية الجزائرية اسما آخر حيث تعرف بالأحجية، وتبقى دائما لفظا مخالفا للمعنى، فاشتقاق الأحجية من الحجا -العقل والذكاء والنباهة، لكن الأحجية أصبحت تعقيدات وأغاليط كلامية يتعاطاها المازحون لاختبار ذكاء الآخر، وتوسع مجال استعماله مجرى انتشارهما، ومن الخطأ اعتبار الألغاز مجرد كلمات مبهمة المعنى تطرح في اللقاءات والأمسيات الجميلة بين الأصحاب والمعارف، فهو عمل أدبي شعبي أصيل أصالة الأنواع الأدبية الأخرى، ربما كانت الغاية من الألغاز والأحاجي في بعض أطراف الوطن العربي ليشمل أحيانا الحكاية الخرافية والتعبير كناية عن التبلد والغباء. واللغز نمط من أنماط الأدب الشعبي، عمره عمر الأسطورة والحكاية الخرافية، ساير انتشاره التسلية البريئة في الثقافة الشعبية، والتربية العملية المباشرة، معتمدة الاستعارات والكنايات والمجازات، كون العقل البشري عادة يعجز عند التجريد عن إدراك العلاقة الدلالية بين اللفظ ومضمونه، ولا يتمكن من ذلك إلا حين ينضج ويرقى في سلم المعرفة ومضامين القيم.
إذا سلطنا الضوء وركزنا الاهتمام على مدى انتشار الألغاز فإنه يتبين لنا لأول وهلة أنها قليلة الكم قصيرة النص، لكننا بجرد البحث والجمع والترتيب نقف على ثراء وتنوع هذا النمط من الأدب الشعبي بمعانيه الغزيرة وأذواقه الرفيعة، ونخلص إلى أن سبب تقلص مجالاتها إنما هو الغزو الحضاري لباديتنا العربية، وتعدد الثقافات الوافدة والحياة أصبحت غير سابقة الحياة، وحضارة اليوم غير حضارة الأمس والريادة صارت للوسائل التكنولوجية الحديثة، وما صاحبها من تدرج العسر نحو اليسر في مجالات الحياة.
وقد نتبين من القراءة المتأنية والتأمل الدقيقة لمعاني الأحاجي والألغاز نجد المضمون مغزى عميقا ومقاصد هادفة تنم على ذكاء العقلية الشعبية وتمسكها بالقيم عبر القرون الغابرة، وبلاغتها تتجلى في قدرتها على ربط اللفظ الظاهر المنطوق بالمعنى الباطن المقصود، وتجعل النظرة الجوهرية إلى روح الأشياء واحدة عند الشعب،على الرغم من تباين الألفاظ المعبر عنها باختلاف المناطق واللهجات، الشيء الذي يزيد من صعوبة تحديد نشأة اللغز وموطنه وتطور جوره الحضاري وذلك راجع إلى استئثار الشيء موضوع اللغز بتفكير العام في أزمنة مختلفة وأمكنة متباينة ومتباعدة.
ويظل مسرح الألغاز، مجالس السمر في أوقات السهر بين أشخاص متقاربين السن أو تجمعهم مواطن العمل، أو روابط الدم ومناسبات، ومواضيعها تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الجمع، وهي تخضع لبعض القواعد والمبادئ
- تشيع بين النساء أكثر مما تشيع بين الرجال.
-تشيع بين العجائز أكثر مما تشيع بين الفتيات.
-تشيع بين الشيوخ أكثر مما تشيع بين الشباب والكهول.
وهي تعتمد على السجع والجمل القصير وهو ما ييسر تداولها بين الناس بسهولة، وقد تؤثر في المهتمين والمثقفين أكثر من تأثير العلمية الرفيعة، خاصة وأنها بموضوعاتها المتميزة المتصلة بحياة الإنسان واهتماماته اليومية، وفي غالب الأحيان تستغل استغلالا جيدا في التوجيه الأخلاقي والصحة النفسية خاصة إذا اجتمع الكبار-الجدات والأجداد- مع الصبيان، ومادامت بعض الأشياء، والحيوانات، والنبات، تسترعي انتباه الإنسان أو تجلب اهتمامه فقد نجد بعض الألغاز تتكرر مع صنف وآخر، وهي تتناول محاور عديدة أهمها: الموت والحياة - أوقات العبادة- أوقات الغرس والجني-- السلاح- الرسالة- المرأة الحامل- الدجاجة والبيضة - الساعة - الحذاء - البصر - الجهد- الشمس - النبات واستعماله ،الخ.
وبتصنيفها نجد أنها تتناول عبر ..محاور كبرى:
1 الإنسان وأعضاء جسمه
2 الحيوان والطير.
3 الآلات والأسلحة.
4 النباتات والفواكه.
5 مظاهر الطبيعة
6 الآداب العامة.
7 المؤسسات'' الجامع - المسجد - الكتاب- المتجر- الورشة.
8 الأوضاع المستجدة.
إن فن الألغاز تعج به الآداب الشعبية، فهو ليس ترفا ثقافيا لا يعني إلا خيالا جامحا وتسلية عابرة، بل هو صور ودلالات عميقة تمس الحضارة والتاريخ تعني التربية والتعليم وحفظ القيم، له وظيفته الاجتماعية كربط الصلات بين الأفراد والجماعات وترسيخ القيم وإيصال المعارف تبعا للتجارب السالفة.
وقل ما يكون ذا غاية سطحية عابرة،وهو ما يمكن استغلاله كأداة لحفظ الذاكرة الشعبية، وما وسعته من تراث.
عند ما نمر باللغز مثلا:
كيف حال الاثنين؟ ''الرجلين''--صاروا ثلاثة. ''الرجلين''.

وحال الجماعة؟ '' الأسنان''..تفرقوا
ندرك أن اهتمام الحبيب بحبيبه يبدأ بالسؤال عن صحته. ومن منطوق اللغز:
مزود، صوف، يبات يشوف.
نجد ثلاث دلالات حضارية على الأقل:
أولا المزود ويدل على البيئة الحضارية، البادية، حيث المزود وسيلة ادخار الحبوب والطحين.
ثانيا: ذكر الصوف له أكثـر من دلالة فالحضري لا يرى الصوف إلا مصنعا، لكن البدوي يعايشه في كل مراحله.
ثالثا: يبات يشوف كناية عن الكلب، وهو ما يبرز أهمية وجود الكلب في كل بيت بالبادية.
من هذا المنظور، لا بد لنا أن نتفق على حدود معقولة لأرضية مشتركة في تصورنا لمشروع تطورا لمجتمع العربي في إطار العالم الإسلامي بوجه عام، لأننا مازلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق هذا المشروع على مستوى الممارسة الميدانية، بالقدر الذي يتيح للأمة أفرادا ومؤسسات أن تتخلص تدريجيا من أعباء الصراعات الهامشية التي ما يزال العالم العربي يشهدها وتتخذ أحياد أبعادا عقائدية فيبرز على شكل جدال بين الرجعيين والتقدميين، بين أصحاب النظرة المستقبلية ودعاة القدوة السلفية، ..الخ.
ومهما يكن من أمر فإن التطور الذي نريد هو ذلك الذي لا يتنكر للتراث ولا يقطع الصلة بالماضي، ويعتمد لغة متخلصة من الشوائب التي علقت بها خلال عقود من ويلات الاستعمار، وما رافقها من ظواهر سلبية أثناء المحن، لغة طيعة نقية ينسكب فيها الفكر العربي الأصيل، وتصاغ بها الإبداعات والمعاني، وأساليب التثقيف المبني على أسس صحيحة، قد ينكر علينا البعض ربط سياسة التسيير بمآثر التراث، ولكن جوابنا أننا مقتنعون بان الانغلاق في الماضي موت، وإهماله أو الانفصال عنه انتحار، وفي تراثنا ما يمكن استغلاله









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:31   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

تطبيق

التفسير النفسي لنموذج من الحكايات الشعبية الخرافية( بقرة اليتامى)التفسير النفسي لنموذج من الحكايات ا


التفسير النفسي لنموذج من الحكايات الشعبية الخرافية( بقرة اليتامى)
ملخص الحكاية: كان لامرأة طفلان؛ بنت وولد. قبل أن تتوفى حذرتهم من شرب الماء الراكد، كما أوصت زوجها أن لايبيع البقرة التي تملكها. تزوج الأب امرأة لها بنت. عرفت بأن الطفلين يتغذيان
من حليب البقرة ولذلك هما يتمتعان بالصحة والجمال. غارت منهما فدفعت بابنتها إلى الاقتراب من البقرة والرضاع من ضرعها، لكن البقرة رفستها وفقأت عينها، قامت زوجة الأب ببيع البقرة، ثم بحرق قبر الأم الذي يلتجئ إليه الطفلان فيوفر لهما بدوره الغذاء، ودفعت بهما إلى الرحيل من موطنهما الأصلي، أثناء الطريق شرب الولد من الماء الراكد فتحول إلى غزال بحث اليتيمان عن ملجأ، كبرت البنت وكانت فائقة الجمال عاشت مع أخيها عند عجوز، تزوجت البنت من شاب وأخذت عليه عهدا بأن لايذبح أخاها الغزال، تبعت زوجة الأب ربيبتها و التحقت بها، وظلت معها هي وابنتها العوراء، بايحاء من زوجة الأب قامت البنت العوراء باستدراج الفتاة اليتيمة نحو البئر ودفعتها فيه، وأخذت مكانها، وعندما استفسرها الشاب عن سبب قبحها، ذكرت له بأن ذلك بسبب طبيعة ماء بلاده، كان الشاب قد شاهد ما حصل فأنقذ زوجته الحقيقية وأخفاها عن الأعين في مكان أمين، عاقب الشاب البنت العوراء ،وبعد تكليفها بمهام شاقة ذبحها ووضعها في تليس وقدمها لأمها.فندبتها هذه الأخيرة. (المصدر: البطل الملحمي والبطلة الضحية في الأدب الشفوي الجزائري، الملحق، عبد الحميد بورايو، الديوان الوطني للمطبوعات، الجزائر، 1998).

إن الملاحظ لهذه الحكاية يستوقفه دور الأم فيها منذ أول وهلة. ويمثل هذا الدور الدليل الواضح على الحضور المكثف لنموذج"الأم" طيلة تطور أحداث القصة.إذن يمثل النمط الأصلي للأم الكبرى المدخل الواضح لدراسة هذه القصة وتحليلها من منظور علم النفس التحليلي اليونغي نسبة إلى "كارل غوستاف يونغ". يجد متلقي الرواية نفسه في مواجهة وجهين لهذا النمط الأصلي؛ الوجه السلبي الذي جسدته زوجة الأب الشريرة، والوجه الإيجابي الذي مثله دور الأم الضحية، التي تبدت في عدة صور خلال مراحل تطور الحكاية؛ في البداية تجلت في شكل نبعين من عسل وسكر يغذيان الطفلين المحرومين من الغذاء من طرف زوجة الأب الشريرة، ثم في شكل البقرة الحنون التي تسقيهما حليبا طيبا يساعد جسميهماعلى النمو، وقد ظل نفس الدور منوطا بضرع البقرة الملتصق بالجلد الذي حمله الأب من السوق إلى ولديه. يمثل توفير الغذاء للطفولة الملمح الأساسي الذي تتأكد من خلاله إيجابية النمط الأصلي. على العكس من ذلك يمثل التسبب في الحرمان من الغذاء الملمح السلبي لهذا النمط الأساسي.تتجسد إيجابية النمط أو سلبيته أيضا من خلال الثنائي: الجمال/ القبح، فالأثر السلبي لنمط الأم الكبرى يظهر من خلال التشوهات التي تصيب الأبناء؛ فمتن الحكاية يذكر بقبح ابنة زوجة الأب الشريرة، أما الولدان اللذان تمتعا بحماية النمط الأصلي في صورته الإيجابية فقد تغنت الرواية طويلا بتمتعهما بالجمال وحسن البناء الجسدي، مما أثار غيرة الزوجة الشريرة. أبرزت الحكاية ملمحا ثالثا على جانب كبير من الأهمية، ميز بدوره بين إيجابية النمط وسلبيته، هو التبعية المطلقة للأم ، وهو وجه سلبي طبع علاقة زوجة الأب الشريرة بابنتها وانعكس عليها، فظلت مسيرة من طرف أمها مما تسبب في هلاكها في نهاية القصة بينما تمتع الشقيقان باستقلال نسبي عن أمهما بعد وفاتها، وخاضا تجربة الحياة فتكونت شخصيتهما وحققا نضجا مرحليا خلال كل قسم من أقسام الحكاية.

جعلت الحكاية الشقيقين اليتيمين يمثلان فضاء الصراع الذي احتدم بين التوجهين السلبي والإيجابي للنمط الأصلي، وبالتالي فهما النموذجان الممثلان للشخصية البشرية في خوضها للصراع النفسي في علاقتها بالنموذج الأصلي الموروث للام الكبرى المستكن في أعماق اللاشعور. وقد قدمتهما الحكاية على أنهما النموذجان المثاليان الجديران بالإقتداء، وجعلت نهايتهما نهاية سعيدة مبشرة بالخلاص من عقدة الارتباط بالأم التي تولد معنا وتظل في أعماق لاشعورنا، تتحين الفرصة للبروز خلال مراحل العمر المختلفة. ومثلت البنت الشوهاء النموذج السيء لسيطرة عقدة الارتباط بالأم، والذي سرعان ما يتحول إلى عائق لنمو الشخصية، وسببا في اللاتوازن الذي عبرت عن مغزاه القصة في نهايتها عن طريق بيان النهاية الكارثية التي تعرضت لها بنت زوجة الأب الشريرة.

إلى جانب النمط الأصلي المتعلق بالأم، تبرز الحكاية نمطا أصليا آخر لا يقل أهمية عن النمط السابق، وهو "القرين" و" القرينة"؛ لقد مثل الشقيقان اليتيمان هذا النمط، كل منهما بالنسبة للآخر، بحيث جسدت الفتاة نمط" القرينة" بالنسبة للطفل، بينما جسد الولد نمط" القرين" بالنسبة للفتاة. وقد تميزت قرينة الفتى بالملمح الايجابي، فساعدته على اجتياز الصعوبات، ومكنته من النضج النفسي، وتغليب الشعور في النهاية، وتجاوز مرحلة اللاشعور بينما مثل القرين بالنسبة للفتاة القوى السلبية التي كانت تشدها للمرحلة اللاشعورية، فتكبح نموها النفسي وتعرضها للخطر، وتخلق عراقيل في سبيل تطور قواها النفسية تقول نبيلة إبراهيم عن هذا النمط:" ...القرين أو القرينة جزء خفي في الإنسان مرتبط به وملازم له فهو جزء من محتوى اللاشعور" ولعل التحول السحري إلى حيوان والذي أصاب الطفل(تحوله إلى غزال) يمثل سمة لاشعورية تؤكد ما ذهبنا إليه تقول الدكتورة نبيلة إبراهيم:" ومن المعروف أن الحيوان المسحور في الحكايات الخرافية يرمز إلى هذا الجزء البهيمي
أو الغريزي الذي يمكن أن يقود الإنسان إلى متاهات اللاشعور المظلمة









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:39   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات الادب الاندلسي

المحاضره الاولى
تاريخ حضارة الأندلس
تاريخ الحضـارة الأندلسـية
ظهرت الحضارة الأندلسية عند قيام طارق بن زياد فتح بلاد الأندلس، حيث كانت شبه الجزيرة الأيبرية (اسـبانيا) تحت حكم الملوك القُوط الذين هاجـروا اليها من داخل اوروبا وقد عانى الاسبان كثيرا من ظلمهم وسوء ادارتهم وقد كانوا يتحـينون الفُرص للتخلص منهم.
حـانت الفرصــة عـندما جــاء مـلك القـُــوط لذريــق إلـى الحـكــم بعــد ان اغتـصـــب الحُـكـم من المـلـك الشــرعـي واغتياله فقد طلب بعـض الاسبان النجدة من موسى بن نصــير الذي أرســل قـائداً شـــاباً مع جـيـش صـغـير مـن المســلمين. كان هذا القــائد هو (طــارق بن زيــاد) الذي وطأت اقدامه هو وجيـشـه ارض الاندلـس في شـهر رجـب 92هـ 711م عــند المضيق المسـمى باســمه لهـذا اليوم (جبل طارق).
لم تكن سيطرة المسلمين على اسـبانيا كاملة تماماً اذ بقيت جيوب صغيرة للأسبان في الشمال والشمال الغربي في المناطق الجبلية الوعرة كانوا ينفذون منها للهجـوم والتخريب. لم يَدرْ في خلد المسـلمين الفاتحين. إن هذه الجـيوب الصـغيرة سوف تكون نواة لممالك الاسـبان مستقبلاً لينطلقـوا منها في التهـام ممالك الاسـلام في اسـبانيا الواحدة تلو الاخـرى عندما ضعف المسلمون ولم يكن طموح الاسـبان لينتهي إلاّ بطـرد المسـلمين بصورة نهائية كما سوف نرى.
تسمية الأندلس يعود أصل تسمية الأندلس بالأندلس إلى أسـاطير واحتمالات، إن الغالبية العظـمى من المؤرخين العـرب والمسلمين وخاصـة مؤرخـي العصور القديمة، يعتمدون على الروايات والقصص الدينية في البحث عن أصول شعب أو أرض ما.
• يذكُر كثير من المؤرخيـن العـرب أن الأندلس سُميت بهذا الاسـم نسبة إلى أندلس بن يافث بن نوح الذي هو أول من عمّرها.
• كما ذكـر ابن خـلدون إنّ أول من سـكنها بعد الطـوفان لسفينة نـوح قوم يُعـرفون بالأندلـش ـ بشين مُعجـمة ـ ثم عـرّب هذا الاسم بعد ذلك بسين مهملة.
• أما عبد الرحمن الحجي فإنه يذكر في كتابه (التاريخ الأندلسي) أن أصل مصطلح الأندلس مأخوذ من قبائل الوندال (Vandalos) التي تعود إلى أصل جرماني، احتلت شبه الجزيرة الأيبيرية حوالي القرن الثالث والرابع وحتى الخامس الميلادي، وسميت باسمها فاندلسيا Vandalusia أي بـلاد الوندال ثم نُطقت بالعربية الأندلس.
• ذكر النويـري أن النصارى أي الأسـبان، تسمي الأندلس إشـبانية باسـم رجل صلب فيها يقـال له إشبانش وقيل: باسم ملك كان لها في الزمان الأول اسمه إشـبان بن طيطش.
• على مرّ السـنين دخل الكـثير من الاسبان في الاسلام وكثر التزاوج بين الفاتحـين والأسـبان، بحيث نشأ جيل كبير من المولودين الذين يحملون في عـروقهم دماء اسبانية إضـافة إلى الدمـاء العربية والبربريـة وقد ارتقى الكـثير منهم في مناصب الدولة العالية مثل ابن حزم الاندلسـي الذي اعتنق جده الاسلام.
• دخلت الاندلـس المرحـلة الثـانية من تاريخـها السياسي عندما فوّضت أركان الخـلافة على بنـي أمية في دمشق حيث هزم اخـر خلفائهم مروان بن محمد امام جـيوش العباسـيين في معركة الـزّاب سنة 132هـ.
• ولى هائماً على وجهه وكأن الارض لا تسع لهربه بما وسعت ليلقى حتفه على يد العباسيين ولتـبدأ مرحلة دموية كان الامويون وقُـودُها، حيث أذاق بنو العباس الامويين حَرِّ الحـديد وبَأْسَ السـيف وجرعوهم مرارة الذل والهوان وشـردوهم وراء كل حجرٍ ومدرْ. نجا من تلك المذابح شـاب اموي اسمه عبد الرحمن استطاع عبور الفرات وهـرب إلى شمال افريقيا.
وبمسـاعدة اخواله البربر استطاع العـبور إلى الاندلـس استطاع عبدالرحمن الملقب (الداخـل) من تأليف القـبائل اليمانية التي كانت ناقـمة على هيمنة القـبائل القيسـية وبمساعدة البربر استطاع ان يخضع الاندلس لسيطرته وان يبايعوه أهـل الاندلس اميـراً عليها سنة 138هـ 755م. حاول الخليفة ابو جعفر المنصور عبثاً إِخضاع عبدالرحمن الداخل حيث اسـتطاع عبدالرحمن الناصر هذا الذي لقبـه المنصور بـ(صقر قريش) أن يهـزم جيش المنصور وأن يبرد برؤوس قادة الجـيش إلى المنصور لتصله إلى مكـة اثناء موسم الحج.
-اتخذ عبدالرحمن قرطـبة عاصـمة له وبدأ ببنـاء وتوسـعة مسجدها فدخلت قرطبة مرحلة مزدهرة اصبحت معها فيما بعد محط الانظار ومهد الحضارة
استمرت السُّـلالة الاموية في حكـم الاندلس حيث بلغت أوج حكمها في زمن عبدالرحمن الثـالث الذي دام حكمه لأكثر من خمسين عاماًً وامتد سُلطانه إلى شمال افريقيا وليقهر الأسبان وليجعل من (اسبانيا) قبلة الامصار وعروس اوروبا. إليها تشدّ الرحـال لطـلب العلم والأدب والفنـون وحتى صارت اللغة العربية هي لغة العلم حتى في اوروبا.
• بدأ حُكـم عبدالرحمن الثالث في سنة300هـ وانتهى عام 350هـ واستطاع أن يخلع على نفسه لقب أمير المؤمنين وسمّى نفسه الناصر لدين الله.
• وبهذا اصبحت دار الاسلام يحكمها ثلاثة خلفاء هم: (الامـوي والعباسـي والفاطمـي) في آن واحد.
• جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
• 1. عصر الولاة الحــاكــم من الى الملاحضات
• طـارق بـن زيــاد 92 93 أول من دخلها وأميرا للجيش
• موسى بن نصير اللخمي 93 94
• أبو عبد الرحمن بن موسى بن نصير 94 95
• * هناك عدد كبير من الحكام لا يسع 59 138
الوقت لذكرهم ونوجز هنا في ذكر
الحكام الذين كانت لهم صبغة في
حكم الأندلس.
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
2. الحكام الأمويون في الأندلس (الأمراء) من الى ملاحظات
أول الحكام من الأمراء 138 172 مدة حكمة 34 سنة وتمتاز بطابعها الشامي
أبو المطرف "الداخل" عبد الرحمن
بن معاوية صقر قريش



جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
الحاكم من الى الملاحظات
أبو المطرف "الناصر لدين الله" 300 350 دام ملكه خمسين حولاً وكان عهداً زاهراً وبلغت الأندلس أوج حكمها
عبدالرحمن (3) بن محمد
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
3- عصر الطوائف من الى الملاحظات
استطاعت الأسر القوية أن تستقل ببعض الأقاليم فهناك 629 633 ثم دخول بن الأحمر وأخيرا سقطت في أيدي القشتاليين
بنو جهور في قرطبة- بنو ذي النون في طليطلة-
بنو هود في سَرَقُسْطة- بنو الأفطس في بطليموس
- بنو عبد العزيز في بلنسية- بنو عبّاد في أشبيليا
أخر الحكام كان من عمال بني هود
* في عام 633هـ سقطت (غرناطـة) والأندلس في أيدي الأسبان.
مدن الاندلس قرطبه:
مدينة أندلسية تقع في الغرب الأسباني تتفرع سـفوح جبالها من سـلسلة جبال سيرا مورينا، الممتدة شـمالي المدينـة. وتمتد قرطـبة على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكـبير الذي ينحني طفيفا في مجراه نحو الغـرب، مُؤلفا أهم طريق طبيعي في أسبانيا الجنوبية. وقرطبة مدينة
إيبيرية قـديمة البناء كان اسـمها
(إيبيري بحت) وترجم للعربيـة إلى
قرطبة.
سقوط قرطبه: دخول ايزابيـلا وفريـديناند الى غرناطة عشـية سقوطها.
اشبيليه: تقع إشبيبلة إلى الجنوب الغربي من قرطبة وفي شـمال قادس على مسـيرة (60) ميلا من ساحل المحيط الأطلسي. والاسم القديـم لمدينة إشبيلية هو إشبالي من أصل إيبيري، ثم تحول هذا الاسم إلى اسم لاتينيHispalis
بعد أن غزاها الرومان عام 205 قبل
الميلاد، وعَرَّبَ المسلمون هذا الاسم
إلى إشبيلية ومن هذا الاسم المتعرِّب
اشتق الأسـبان الاسم الحالي
غرناطه: تقع غرناطة على بعد267ميلا جنوب
مدينة مدريد (عاصمة أسبانيا). وهي
إحدى ولايات الجنوب الأسباني وتطل
على البحر المتوسط من الجنوب ونهر
شنيل وبساتين قصور الحمراء وتَلِّها العالي وهي تعلو قرابة (669) م فوق سطح البحر مما جعل مناخها غاية في اللطف والجمال. ومنه اشتق اسمها، حيث تعني كلمة غرناطـة عند عجم الأندلس "رمتنة" وذلك لحسنها وجمالها
بلنسية: بلنسية مدينة شهيرة تقع شـرقي مدينتي
تدميـر، وقرطـبة، وتتصـل بزمام إقليم
مدينة تدمير، وبلنسية مدينة برية بحـرية
ذات أشجار وأنهار، وتعرف باسم مدينـة
التراب. ويغلب على شـجرها القراسـيا،
ولا يخلو منها سهل ولا جبل، وينبت في ضواحيها الزعـفران، وكان الروم قد ملكـوها عام 487هـ ـ 1094م، واستردها المُلثمون (المُوحِدُون) عام 495هـ ـ 1101م.
طليطله: طُليطلة مدينة أندلسية عريقة في القـدم تقع على بعد 75 كم من مدريد العاصمة الأسبانية. وتقع على مرتفع منيع تحيط به أودية عميقة وأجراف عميقة، تتدفـق فيها مياه نهر تاجة.
ويحيط وادي تاجـة بطليطلة من ثلاث جهـات مُسـاهما بذلك في حصانتها ومنعتها.
عمارة الاندلس: بلغت الأندلس أوج ازدهارها في ظـل ”عبد الرحمن الناصر“ أول خليفة أموي في الأندلس بعد أن اتخذ منها عاصمة لدولته وجعلها كبرى المدن الأوروبية في عهده وأكثرها أخْـذاً بأسباب الثقـافة.
لقد أصــبحت قـرطـبة مقر خــليفة المســلمين في العــالم الغربـي، وكانت قرطـبة العاصـمة الكبـرى لإسـبانيا، يَفِـد إليها الملـوك والسفراء يقدمون للخـليفة فروض الطاعـة والـولاء. فقد كانت الدولة المسـيحية حتى القرن الحـادي عشر أشبه بالمحمية للدولة الإسلامية. وفـي هـذا العهــد نافـســت قرطـبة بأُبَّـهَـتِها وعــمرانها وحــالتها الثقــافيـة كبريات المـدن الإسـلامية كالقـاهـرة، ودمشــق، وبغـــداد والقيروان حتى أطلق عليها الأوروبيون (جوهرة العالم).
علماء اندلسيون: رَاجَت الثقافة في الأندلس وعزّزها الخـلفاء فنقلوا من الشرق العبّاسي أهم ما صُنـّف في العلوم وأسسوا المعاهد في المـدن والقـرى وشيّدوا المكاتب, وشجّعوا الحركة العقليّة.
من العلماء والأطباء ابن البيطار أحد مشـاهير الأطباء في ذاك العصر الذي بحث في رحلاته الطويلة عن الأعشاب حتى اصبح حجّة في معرفة انواعها وأصنافها وأماكنها وخصائصها. ومن مؤلفات ابن البيطار:
1. تفسير كتاب ديسقوريدس.
2. الإبانة والأعلام بما في المناهج من خلل وأوهام.
3. الجامع لمفردات الأدوية والأغذية.
4. الأفعال الغريبة والخواص العجيبة.
5. رسالة في تداوي السّموم.
6. المغنى في الأدوية المفردة.
7. ميزان الطبيب.
• اشتهر في قرطـبة كثير من العلماء المسلمين في شتى مجالات المعرفة. فمن العلماء الشرعيـين كان أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الشهير بإبن حزم وهو فقيه من أكبر علماء المذهب الظاهري.
• وكذلك محمد بن فتوح بن عبد الله
الحميدي وكان مؤرخا ومن الفقهاء
ظاهري المذهب.
• ومن أطباء الأندلس أبو داود سـليمان بن حسـان الأندلسي الشهير بابن جلجل وكان بارزا في حَقْـلي الطـب والنبات، وكذلك أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد ولد قريبا من قرطبة ودرس العلوم الدينية وكان قاضيا.
• وكذلك أبو القاسم خلف بن العباس الزهراوي وكان من أشهر أطباء وجراحي عصره.
• ومن علماء النبات اشتهر أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد المعروف بإبن وافد وكان فقيها بالعقاقير والأدوية وعالما بالفلاحـة، وأبو جعفر أحمد بن محمد الأندلسي الغافقي وكان من كبار الأطـباء والنباتيين في الأندلس.
• ومن الفيزيائيين أبو القاسـم العباس بن فرناس وكـان صاحب أول محاولة بشرية للطــيران وكانت له دراية بعلم الكيمياء وتوصل إلى اكتشافات في هذا المجال.
• ومن الجغـرافيـين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحسيني المعروف بالشريف لإدريسي وكان كتابه (نزهـة المشـتاق) الذي أهـداه إلى (روجـيه الثاني النورماندي) ملك صقلية من أعظم الكتب وهو رحالة وعالما بالأدوية المفـردة الفلك والنبات.
• ومن الفلكيين ابن الزرقالي الذي صنع أصـطرلابا عـرف باسمه, وحظـي بأهمية كبرى في ميدان علم الفلك, وكـان أكبر راصد في عصره. شارك في وضع جداول فلكية لمدينة طليطلة نقل عنها (كوبرنيك).
• ومن الأطباء الفلاسفة كان أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد وكان أوحد أهل زمانه في الفقـه وتميز في علم الطب وله فيه مؤلفات كثيرة.
• ويعتبر ابن رشد الفـقيه الطبيب
الفيلسـوف، اشـتهر في أوروبا
شـهرة كبيرة حيث اعـتمد على
مؤلفاته في القـرون الوسـطى.
ولد ابن رشد في سنة520هـ وهي نفـس السـنة التي توفى فيها جده. ونشـأ في مدينة قرطبة. وحفظ القرآن الكريـم، وحفظ كتاب الموطأ للإمام مالك، ودرس الفقـه ونبغ فيـه، كما درس علوم الحساب والفلك وعلم الهيئة ثم درس الطـب وتعمق في دراسته، وفي عام 565هـ تولى القضاء في أشـبيليه، ثم في قرطبة عام 567هـ، واشتهرت أحكامه بالعدل والنزاهة، فتولى قاضي القضاة وألف عدة كتب منها: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" وكتاب "تهافت التهافت" وألف في الطب كتاب "الكليات”.
• أهم المراكـز الثقافيـة والتعليميـة: جامعة قرطبة التي أسسها عبد الرحمن الثالث بجوار الجامع الكبير، من أشهر المؤسسات الثقافية.
• مكتبة قرطبة والتي كـانت تحوي علـى أكـثر من 4000 مجلد.
• مدرسة مسلمة المجريطي في الكيمياء والرياضيات والفـلك.
• مدرسة أبو القاسم الزهراوي في الطب.
أهم المواقـع التاريخيـة: قلعة الملك في الخضراء.
• الحـمامات: كان أهل قرطبة يسترخون في حمامات عامة وخاصة كلها مُدفأة وتجري فيها المياه الساخنة والباردة.
• وكانت الحـمامات العامة تعتبر من أهم المنشـآت المدنيـة في المدينة لكـثرتها وتعـددها من جـهة، ولارتباطها الوثيـق بالطـهارة المتأصلة بعـمق في الإسلام من جهة أخرى، وقد تميزت قرطـبة بوجـه خاص بكـثرة حـماماتـها حتى قيل إن عددها بلغ 300 حمام.
• ومن الآثار الإسـلامية الباقـية في قرطبة حـمامان الأول صغير المسـاحة، عـثر عليه عام 1321هـ 1903م في جوف الأرض في المنطـقة المعـروفة بساحة الشهداء داخل نطاق القصر الخلافي بقرطبة.
مثقـفو وشـعراء الأندلس:
• هناك العديد من المثقفين والشعراء الأندلسيين نُوجِـز بعضاً من الذين وضعوا بصماتٍ تاريخيةٍ في تاريخ الأندلسي في المديح والهجاء والغزل والرثاء.
• لقد انتشرت المدارس في قرطبة حتى لم يعد فيها شخص واحد لايجيد القراءة والكتابة. واشتهرت قرطبة بالعلمـاء والشـعراء، والكثير منهم كانوا من أهـل الحكم أو البيت الحاكـم مثل الخليفة الحكم، والشاعر أبي عبد الملك مروان حـفيد عبد الرحمن الثالث، والخليفة المستعين بالله، والوزير أبو الغيرة بن حزم وهو ابن عم فيلسوف قرطبة الشـهير محمد بن حـزم، والوزير عبد الملك بن جهور، والوزير المصحفي، بالإضافة إلى عشرات بل مئات العلماء في كافة المجالات كـابن طُفيل وابن رشد وابن باجه في الفلسفة، وأبو عبد الله القرطبي في العـلوم الشرعية، والقاضي أبو الوليد الباجي وأبو الحسن على بن القطان القرطبي في الحديث النبوي، ومنذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة، وزَرْيَاب الموسيقى، وابن عبد ربه اللغوي الأديب، وغيرهم وغيرهم.
• ابن خفاجة الأندلسي (450-533هـ). إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجه الهواري الأندلسـي أبو إسحـاق. من أعلام الشعراء الأندلسيين في القرنيـن الخامس والسادس. عُرِف عنه بالتأنق في مظهره ومطعمه، ولم يشـتغل بعمل ولم يتزوج قـط. وكان نزيه النفس سمي بـ”الجنّّان“ اشـهر قصـيدة له ”وصف الجبل“ وهي تشف عن رؤيته للموت والحياة، ويصـور من خـلالها كيف أن الجبل يحس السأم لطول بقائه ويتمنى الموت والفناء. اشتهرت أبياته التي تصـف الأندلس وطبيعتها الجميلة:
• يا أَهْـل أندلـس لله دَرّكُمُ ** ماءٌ وظِلٌ وأزهَـارٌ وأشْجَارُ
• ما جنّةٌ الخلدِ إِلاّ في ديَاركم ** ولو تخيرتُ هذا كنت أختارُ
• من قصائد ابن خفاجة الاندلسي (حلو اللمى)
• وأغيـدٌ حُلْو اللّـمى, أمْلـَـدٌ يُذْكِي عَلـى وِجْنَتِه الجَمْـرُ
• بِـتُّ أُنَاجِـيْـه , ولا رِيْـبـَةٌ تَعَـلّق بِـي فِيـه , وَلا وِزْرُ
• وَالليْـلُ سِتْرٌ وَدُونِـنَا وَمُرْسِلٌ قَدْ طَـرّزتْهُ أَنْجُـمُ حُمْـرُ
• أبْكِي وَيُشْجِيْني , فَفِي وِجْـنَتِي مَاءٌ , وَفِيْ وِجْـنَتَيْه خَـمْرُ
• وَأقْـرَأُ الْحُسْـنَ بِـهِ سُـورَةٌ أنَ لَها , مِنْ وَجْهِهِ , عَـشْرُ
• وَبأت يُسْـقِيْني وَتَحْـت الدُّجَى مَشْمُولةٌ, يَمْزُجُـها الْقَـطْرُ
• وابْتَسَمتْ , عَنْ وَجْـهِهِ , لَيْلَـةٌ كَأَنّهُ , فِـي وَجْهِـهَا , تَغْرُ
ابو البقاء الرُندي
هو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي. من أهل (رُنـدة) قرب الجزيرة الخضراء، من حُفـاظ الحديث والفقهاء. كان بارعا في منظوم الكلام ومنثوره مجيدا في المديح والغزل والوصف والزهد، ولكن ترجـع شُـهرته إلى قصيدةٍٍ نظمها بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية.
وفي قصيدته التي نظمها يستنصر أهل العُدوة الإفريقية من بني مُرين لما أخذ ابن الأحـمر محمد بن يوسـف أول سـلاطين غرناطة يتنازل للأسـبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم وأملا في أن يبقى له حكمه المُقلقـل في غرناطة وتُعرف قصيدته بمرثية الأندلس وفيها يقول:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَاتَم نُـقْصَانُ
فَلا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسَانُ
هِيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدتُها دُولٌ
مَنْ سَرّه زَمَنٌ سَاءَتْه أَزْمَانُ
وَهَذِهِ الدّارُ لاَ تُبْقِى عَلَى أَحَدٍ
وَلاَ يَدُومُ عَلَى حَالٍ لهَاَ شَانُ
يُمَزِّقُ الدَّهْرُ حَتْماً كُلَّ سَابِغَةٍ
إِذَا نَمَتْ مَشْرَفيّاتٌ وقُرْصَانُ
أيْنَ الملُوكُ ذَوِيْ التيِّجَانِ مِنْ يَمَنٍ
وَأيْنَ مِنْهمُ أَكَالِيْلٌ وَتِيْجَـانُ
وَأيْن مَا شَادَه شَـدّادُ من إِرَمٍٍ
وَأيْن مَا سَاسَه في الفُرسِ سَاسَانُ
وأيْن مَا حَازَه قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ
وَأيْنَ عَـادٌ وشَدّادٌ وقَحْطَانُ
أتى عَلى الْكُلِّ أَمْرٌ لا مَرَدَّ له
حَتَّى قَضَوا فَكَأن القَوم ما كَانُوا
وَصَار ما كان مِنْ مُلْكٍ ومِنْ مَلِكٍ
كَمَا حَكَى عَنْ خَيَال الطّيْف وسْنَانُ
من الشعراء السجناء:
 الشاعر الشريف الطـليق (ت 396 هـ) الذي سجن وهو فتى يافع مع جـماعة من الأدباء فلم يزل يأخذ عنهم حتى (ثري تربه وطار شعره) فكان السجن له المدرسة التي علمته الأدب وفتحت قريحته الشعرية.
 الشاعر يوسف بن هارون الرمادي 403 هـ الذي سجن على يد الحكم المستنصر لأشعار كان ينظُـمها هو وجـماعة من الشـعراء يتبارون في هجاء الخليفة، وضع في سجنه كتابا سماه (الطـير).
 الشـاعر عبد الملك بن غصـن الحجـازي (ت 454هـ) في سجنه وضـع رسـالة في (صفة السجن والمسجون والحزن والمحزون) واودعها الف بيت من شعره في الاستعطاف، وكانت سببا في العفو عنه.
 ابن الابار (ت 658هـ) ألف أثناء نفيه الى بجاية مؤلفه (أعتاب الكتاب).
 وكان من بين الشعراء الأندلسيين الذين سُجنوا عدد لا بأس به من كبار شعراء الأندلس وأدبائها من امثال:
 يحيى بن الحكم الغزال، وابن شهيد وابن زيمن والمعتمد بن عباد، وابن حزم الأندلسي، ولسان الدين بن الخطيب.
ادبيات وشاعرات:
من أشـهر شاعرات الأندلس حسانة التميمية وقمر البغدادية وكانتا في زمن الإمارة الأموية (138ـ316هـ)، وعائشة بنت أحمد القرطبية والغسـانية البجـانية في زمن الخـلافة الأموية (316ـ422هـ)، ولادة بنت المستكفي وأم العـلاء الحجارية وأم الكـرم بنت المعتصـم بن صـمادح في زمن ملوك الطوائف (422ـ483هـ) و نزهـون بنت القلاعـي الغرناطية في زمن المرابطين، و حفصة بنت الحاج الركونية وحمدة بنت زياد المؤدب في زمن الموحدين
نزهون بنت القلاعي الغرناطية: شـاعرة مرحة حُلوة الحديث ذات طبع ندي معطاء ونفس شـفافة عرفت بسرعة البديهة روي أنها كانت تقرأ يوماً على أبي بكر المخزومي الأعمى فدخل عليهما أبو بكر الكتندي فقال مخاطباً الشاعر المخزومي الأعمى لو كنت تبصر من تجالسه؟ وصمت المخزومي بُرهـة يفكر! ولكنه لم يجرْ جواباً، وبسرعة فائقة أجابت عنه نزهون فقالت:
لَغَدَوتَ أخْرَسَ منْ خَلاخِلِه
البدرُ يطْـلُع مِنْ أزِرّتِـهِ
والغُصْـن يَمْرحُ في غَلائِلِهِ
غـاية المُنَى: هي شـاعرةٌ أندلسيةٌ لطيفةٌ جيء بها إلى المعتصم بن صمادح راغبا في امتحانها ليعرف مستواها الادبي فقال: ما إسمك؟ قالت: غاية المنى قال: أجيزي؟
فقال: اسألوا غاية المنى؟؟
من كَسَا جِسْمي الضّنَا .......
فقالت: على الفور:
أرَانِـي مُتَـيّماً .. سَيقُولُ الْهَوىَ أَنَا
صفية بنت عبدالله الرّي: شاعرة لم تعش طويلا ودعت الشباب وهي تتألق بهجة وحيوية لم يعثر على أخبارها إلا القليل القليل، ذات مرة عابتها امرأة على رداءة خطها فقالت:
وعَائِبَةً خَطِّـي فَقُلْتَ لَها اقْصِرِي
فَسَوفَ أُرِيكِ الدُّرَّ فِيْ نَظْمِ أَسْطُرِي
نادَيْتُ كَفِّـي كَيْ تَجُودَ بِخَطِّهَا
وَقَـرّبْتُ أقْـلاَمِي وَورقي وَمِحْبَرِي
فَخَطَّـتْ بِأبْيَـاتٍ ثَلاَثٌ نَظَمْتُها
لِيَبْدُو بِهَا خَـطِّي وَقُلْت لَهَا انْظُـرِي
• بثينة بنت المعتمد بن عباد: بنت ملك شـاعر وبنت شاعرة ظريفة فلا عجب إن أُشربت حُب الشـعر منذ أن كانت بُرعماً يتفتح للحياة، إذ حلت بأبيها النكبة المعروفة وسُبيت فأصبحت من جملة العبيد تباع في الأسواق واشتراها رجل من اشبيليا ثم وهبها لأبنه ولكنه لما أراد البناء بها امتنعت وأعلنت عن نفسها وقالت لا يكون ذلك إلا بموافقة أبي وكتبت له قصيدة تحكي له قصتها في اسى وحسرة فتقول:
اسمع كَلامِي واسْتَمِعْ لِمَقَالَتِي .. فَهِي السُّلُوك بَدَتْ من الأجيادِ
لا تُنْـكِروا أنِّي سُبِيتُ وأنَّني .. بِنْتٌ لِمَلكٍ من بَنِـي عـبادِ
نساء اندلسيات:
• كما اشتهرت المرأة الاندلسية في المجال الثقافي، فنذكر القرطـبية ولاّّدة بنت الخـليفة المُسْـتكفي الشاعرة الأديبة صاحبة الصالون الأدبي الشهير، ومريم ابنة يعقوب الشاعرة الأديبة.
• وعائشة بنت أحمد التي كانت مُربية ومُعلمة لولد المنصور ابن أبي عـامر أشـهر وأقوى وزراء الدولة الأموية في الأندلس.
التراث الاندلسي:
يوجد في الأندلس ثرواتٌ نفيسةٌ من التراث كانت تنافس الثروات في بغداد ودمشق والقيروان وبلاد النيـل والدولة العثمانية وعند سقوط غرناطة وأشبيلية نُهبت وسُرقت هذه الثروات إلى اسبانيا ومنها ما تم تصديره إلى فرنسا وإلى انجلترا
المخطوطات النادره: يوجد في الأندلس مخطوطات عديدة وقديمة وموثقة توثيق تأريخي منها القرآن الكريم الذي كتب في خط اليد الاندلسي، وكذلك مخطوطة ابن البيطـار وهذه المخطوطات ما زالت محفوظة في المتحف الأسباني
العملات في الاندلس: استخدمت في العصر الأندلسي عدة أشكال من العملات الأسلامية ضرب عليها ”الشـهادتين“ على الوجهـين وأسماء الحكـام آنذاك
مقتنيات وحلي اندلسية: تتميز الحلي الأندلسية بعراقتها ودقـة صياغتها حيث كانت تلبسها النساء في المناسـبات وكانت تصنع من الفضة وبعض المعـادن الأخرى مثل الذهب والنحاس
محققين وكتاب معاصرين: من الكتاب الذي كتبوا عن تاريـخ الأندلس كُثر، نستخلص منهم الكتاب البارزين الذين أثروا الساحة العربية بتحقيقاتهم الأندلسية ومن هؤلاء الكتاب، الكاتب الكبير”إحسـان عباس“ الذي حقـق الكثير في التأريخ الأندلسي. فعباساً كان أكثر اهتماماً بالشعر في الأندلس وخارجها. وقد بدأ اهتمامه التحقيقي بالنشرات العـلمية لدواوين الأندلسيـين والصقليـين, مثل: "ابن حمديس الصـقلي (1960), والرصـافي البلنـسي (1960), والأعلى التطـيلي (1963), والكتيبة الكامنة للسان الدين ابن الخطيب في أشـعار الأندلسيين (1963), والتشبيهات من أشعار أهل الأندلـس لابن الكتاني (1966), وتحفة القادم لابن الأبّار (1986), ومعجـم الشعراء الصقلـيين (1995)".
الدكتور والشاعر والمترجم ”عبد الله حمادي“ خريج جامعـة مدريد المركزية في إسبانيا عام1980م ومتخصص في الأدب الأندلسي والإسباني واللاتينو أميركي، ويعـمل حـاليا أستاذا لمادة الأدب في جامعة قسـنطينة بالجزائر، كما يتولى رئاسة قسم الترجمة فيها. وطيلة سنوات دراسته في إسبانيا جعلته يحتك بأدبائها، وشعرائها القـدامى والمحـدثين وكأن شـيئا غامضا يجذبه إلى أعماق الأندلس ليكون مصدر إلهامه. ولهذا جالت معظـم مؤلفاته في فلك الأندلس ومدى تأثيرها على الأدب الإنساني عامة والإسباني خاصة، من مثل: مدخل إلى الشعر الإسباني المعاصر، قصائد غجرية وأندلسيات
يأتي كتابه الجديد القديم "الأندلس بين الحلم والحقيقة" الجديد لأنه صدر في العام الحالي2004 والقديم لأنه
وليـد مطـلع التسعـينيات تَمخـّض مـن خلال
فكــرة التبــادل الشــعوري والفكـــري بيــن
الضـفـتين: الأندلس من جـهـة والســـاحـل
الأفريقي الشـمالي من جهة أخـرى. ورُغـم
استكمال مادته فإنه لمْ يـرَ النـور في أوانه
بســبب الظـروف الأمنـيـة التـي عــرفتـها الجــزائر في تلك الفتـرة المعروفة بعشرية الدماء والدموع.
 الشـعر في قرطـبة تأليـف: د. محمد سعيد محمد صادر
عن المجمع الثقافي ‏2003‏‏. يتكـلم الكـاتب عن في كـتابه الشعر في قرطبة حيث يقول:” تعد قرطبة مركزاً مهماً للعلوم والفنون ولم تصل إلى هذه المكانة إلا بفضل
القادة العظـام ومنهم عبدالرحمن الثالث،
فجعلوا البلاد تعـيش في اسـتقرار الذي
جعل رقعة قرطبة تتسع والحـياة الأدبية
تنشط مع التشجيع المتواصل من قبل ولاه الأمر للشعراء.
من النساء في العصـر الحديث كـتبت الأديبة والمؤلفة: رضوى عاشور عن الحياة الأندلسية في
كتابها (ثلاثية غرناطـة) سـنة النشـر
2001 ومؤلفها يقع في 502 صفحـة
وأبرزت جـميع المراحل التي مرت بها
الاندلـس وهـو كـتاب قيِّـمٌ للغايـة.
تواريخ سقوط بعض المدن الاندلسية:
• برشـلونة 74هـ 985م قــرطــبـــة 633هـ 1236م
• قرطاجـــنة 640هـ 1242م
• مرســــــيـة 641هـ 1443م
• لشــــــبونـة 645هـ 1247م
• إشـــــبيـليـة 646هـ 1248م
• جبل طارق 702هـ 1310م
• رنــــــــــدة 890هـ 1485م
• غــرناطــة 898هـ 1492
• ليـــــــون 392هـ 1002م
• سـلمنـقـة 446هـ 1055م
• مــدريـد 476هـ 1084م
• طليطــلة 477هـ 1085م
• سرقسطة 512هـ 1119م
• مـــــاردة 619هـ 1222م
• يابســـــة 632هـ 1235م
الخاتمه: لا بد لنا ان نعرج ولو باختصار على الجانب الحضاري لمسـلمي الاندلس. فقد ترعرعت حضارة زاهية في ربوع الاندلس كان لسانها العربية ومادتها الاسلام. وقد شملت هذه الحضارة مختلف الجوانب كالزراعة والصناعة والتجارة، الادب والفن،المعمار والفلسفة وفن الحروب والفروسية. فقد انشأ المسلمون نظام ري استطاع ان يحي الكثير من ارض الموات وتحولت ارض اسبانيا الى مروج خضراء، وقد دخل الفاتحون معهم المحاصيل الزراعية التي لم تكن معروفة في اسبانيا من قبل مثل النخيل والرز وقصب السكر. كما برعوا في تربية دود القز وصناعة الحرير، أما بالنسبة للفن المعماري فنظرة فاحصة إلى قصر الحمراء ومسجد قرطبة وقصر اشبيلية جديرة أن تثبت ما وصل إليه المسلمون من درجة عالية من الرقي في الفـن المعماري والذي لا يزال محط انظار العالم إلى وقتنا الحاضر.

المحاضره الاولى
تاريخ حضارة الأندلس
تاريخ الحضـارة الأندلسـية
ظهرت الحضارة الأندلسية عند قيام طارق بن زياد فتح بلاد الأندلس، حيث كانت شبه الجزيرة الأيبرية (اسـبانيا) تحت حكم الملوك القُوط الذين هاجـروا اليها من داخل اوروبا وقد عانى الاسبان كثيرا من ظلمهم وسوء ادارتهم وقد كانوا يتحـينون الفُرص للتخلص منهم.
حـانت الفرصــة عـندما جــاء مـلك القـُــوط لذريــق إلـى الحـكــم بعــد ان اغتـصـــب الحُـكـم من المـلـك الشــرعـي واغتياله فقد طلب بعـض الاسبان النجدة من موسى بن نصــير الذي أرســل قـائداً شـــاباً مع جـيـش صـغـير مـن المســلمين. كان هذا القــائد هو (طــارق بن زيــاد) الذي وطأت اقدامه هو وجيـشـه ارض الاندلـس في شـهر رجـب 92هـ 711م عــند المضيق المسـمى باســمه لهـذا اليوم (جبل طارق).
لم تكن سيطرة المسلمين على اسـبانيا كاملة تماماً اذ بقيت جيوب صغيرة للأسبان في الشمال والشمال الغربي في المناطق الجبلية الوعرة كانوا ينفذون منها للهجـوم والتخريب. لم يَدرْ في خلد المسـلمين الفاتحين. إن هذه الجـيوب الصـغيرة سوف تكون نواة لممالك الاسـبان مستقبلاً لينطلقـوا منها في التهـام ممالك الاسـلام في اسـبانيا الواحدة تلو الاخـرى عندما ضعف المسلمون ولم يكن طموح الاسـبان لينتهي إلاّ بطـرد المسـلمين بصورة نهائية كما سوف نرى.
تسمية الأندلس يعود أصل تسمية الأندلس بالأندلس إلى أسـاطير واحتمالات، إن الغالبية العظـمى من المؤرخين العـرب والمسلمين وخاصـة مؤرخـي العصور القديمة، يعتمدون على الروايات والقصص الدينية في البحث عن أصول شعب أو أرض ما.
• يذكُر كثير من المؤرخيـن العـرب أن الأندلس سُميت بهذا الاسـم نسبة إلى أندلس بن يافث بن نوح الذي هو أول من عمّرها.
• كما ذكـر ابن خـلدون إنّ أول من سـكنها بعد الطـوفان لسفينة نـوح قوم يُعـرفون بالأندلـش ـ بشين مُعجـمة ـ ثم عـرّب هذا الاسم بعد ذلك بسين مهملة.
• أما عبد الرحمن الحجي فإنه يذكر في كتابه (التاريخ الأندلسي) أن أصل مصطلح الأندلس مأخوذ من قبائل الوندال (Vandalos) التي تعود إلى أصل جرماني، احتلت شبه الجزيرة الأيبيرية حوالي القرن الثالث والرابع وحتى الخامس الميلادي، وسميت باسمها فاندلسيا Vandalusia أي بـلاد الوندال ثم نُطقت بالعربية الأندلس.
• ذكر النويـري أن النصارى أي الأسـبان، تسمي الأندلس إشـبانية باسـم رجل صلب فيها يقـال له إشبانش وقيل: باسم ملك كان لها في الزمان الأول اسمه إشـبان بن طيطش.
• على مرّ السـنين دخل الكـثير من الاسبان في الاسلام وكثر التزاوج بين الفاتحـين والأسـبان، بحيث نشأ جيل كبير من المولودين الذين يحملون في عـروقهم دماء اسبانية إضـافة إلى الدمـاء العربية والبربريـة وقد ارتقى الكـثير منهم في مناصب الدولة العالية مثل ابن حزم الاندلسـي الذي اعتنق جده الاسلام.
• دخلت الاندلـس المرحـلة الثـانية من تاريخـها السياسي عندما فوّضت أركان الخـلافة على بنـي أمية في دمشق حيث هزم اخـر خلفائهم مروان بن محمد امام جـيوش العباسـيين في معركة الـزّاب سنة 132هـ.
• ولى هائماً على وجهه وكأن الارض لا تسع لهربه بما وسعت ليلقى حتفه على يد العباسيين ولتـبدأ مرحلة دموية كان الامويون وقُـودُها، حيث أذاق بنو العباس الامويين حَرِّ الحـديد وبَأْسَ السـيف وجرعوهم مرارة الذل والهوان وشـردوهم وراء كل حجرٍ ومدرْ. نجا من تلك المذابح شـاب اموي اسمه عبد الرحمن استطاع عبور الفرات وهـرب إلى شمال افريقيا.
وبمسـاعدة اخواله البربر استطاع العـبور إلى الاندلـس استطاع عبدالرحمن الملقب (الداخـل) من تأليف القـبائل اليمانية التي كانت ناقـمة على هيمنة القـبائل القيسـية وبمساعدة البربر استطاع ان يخضع الاندلس لسيطرته وان يبايعوه أهـل الاندلس اميـراً عليها سنة 138هـ 755م. حاول الخليفة ابو جعفر المنصور عبثاً إِخضاع عبدالرحمن الداخل حيث اسـتطاع عبدالرحمن الناصر هذا الذي لقبـه المنصور بـ(صقر قريش) أن يهـزم جيش المنصور وأن يبرد برؤوس قادة الجـيش إلى المنصور لتصله إلى مكـة اثناء موسم الحج.
-اتخذ عبدالرحمن قرطـبة عاصـمة له وبدأ ببنـاء وتوسـعة مسجدها فدخلت قرطبة مرحلة مزدهرة اصبحت معها فيما بعد محط الانظار ومهد الحضارة
استمرت السُّـلالة الاموية في حكـم الاندلس حيث بلغت أوج حكمها في زمن عبدالرحمن الثـالث الذي دام حكمه لأكثر من خمسين عاماًً وامتد سُلطانه إلى شمال افريقيا وليقهر الأسبان وليجعل من (اسبانيا) قبلة الامصار وعروس اوروبا. إليها تشدّ الرحـال لطـلب العلم والأدب والفنـون وحتى صارت اللغة العربية هي لغة العلم حتى في اوروبا.
• بدأ حُكـم عبدالرحمن الثالث في سنة300هـ وانتهى عام 350هـ واستطاع أن يخلع على نفسه لقب أمير المؤمنين وسمّى نفسه الناصر لدين الله.
• وبهذا اصبحت دار الاسلام يحكمها ثلاثة خلفاء هم: (الامـوي والعباسـي والفاطمـي) في آن واحد.
• جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
• 1. عصر الولاة الحــاكــم من الى الملاحضات
• طـارق بـن زيــاد 92 93 أول من دخلها وأميرا للجيش
• موسى بن نصير اللخمي 93 94
• أبو عبد الرحمن بن موسى بن نصير 94 95
• * هناك عدد كبير من الحكام لا يسع 59 138
الوقت لذكرهم ونوجز هنا في ذكر
الحكام الذين كانت لهم صبغة في
حكم الأندلس.
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
2. الحكام الأمويون في الأندلس (الأمراء) من الى ملاحظات
أول الحكام من الأمراء 138 172 مدة حكمة 34 سنة وتمتاز بطابعها الشامي
أبو المطرف "الداخل" عبد الرحمن
بن معاوية صقر قريش
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
الحاكم من الى الملاحظات
أبو المطرف "الناصر لدين الله" 300 350 دام ملكه خمسين حولاً وكان عهداً زاهراً وبلغت الأندلس أوج حكمها
عبدالرحمن (3) بن محمد
جدول يبين حكم الأندلس حسب الفترات الزمنية.
3- عصر الطوائف من الى الملاحظات
استطاعت الأسر القوية أن تستقل ببعض الأقاليم فهناك 629 633 ثم دخول بن الأحمر وأخيرا سقطت في أيدي القشتاليين
بنو جهور في قرطبة- بنو ذي النون في طليطلة-
بنو هود في سَرَقُسْطة- بنو الأفطس في بطليموس
- بنو عبد العزيز في بلنسية- بنو عبّاد في أشبيليا
أخر الحكام كان من عمال بني هود
* في عام 633هـ سقطت (غرناطـة) والأندلس في أيدي الأسبان.
مدن الاندلس قرطبه:
مدينة أندلسية تقع في الغرب الأسباني تتفرع سـفوح جبالها من سـلسلة جبال سيرا مورينا، الممتدة شـمالي المدينـة. وتمتد قرطـبة على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكـبير الذي ينحني طفيفا في مجراه نحو الغـرب، مُؤلفا أهم طريق طبيعي في أسبانيا الجنوبية. وقرطبة مدينة
إيبيرية قـديمة البناء كان اسـمها
(إيبيري بحت) وترجم للعربيـة إلى
قرطبة.
سقوط قرطبه: دخول ايزابيـلا وفريـديناند الى غرناطة عشـية سقوطها.
اشبيليه: تقع إشبيبلة إلى الجنوب الغربي من قرطبة وفي شـمال قادس على مسـيرة (60) ميلا من ساحل المحيط الأطلسي. والاسم القديـم لمدينة إشبيلية هو إشبالي من أصل إيبيري، ثم تحول هذا الاسم إلى اسم لاتينيHispalis
بعد أن غزاها الرومان عام 205 قبل
الميلاد، وعَرَّبَ المسلمون هذا الاسم
إلى إشبيلية ومن هذا الاسم المتعرِّب
اشتق الأسـبان الاسم الحالي
غرناطه: تقع غرناطة على بعد267ميلا جنوب
مدينة مدريد (عاصمة أسبانيا). وهي
إحدى ولايات الجنوب الأسباني وتطل
على البحر المتوسط من الجنوب ونهر
شنيل وبساتين قصور الحمراء وتَلِّها العالي وهي تعلو قرابة (669) م فوق سطح البحر مما جعل مناخها غاية في اللطف والجمال. ومنه اشتق اسمها، حيث تعني كلمة غرناطـة عند عجم الأندلس "رمتنة" وذلك لحسنها وجمالها
بلنسية: بلنسية مدينة شهيرة تقع شـرقي مدينتي
تدميـر، وقرطـبة، وتتصـل بزمام إقليم
مدينة تدمير، وبلنسية مدينة برية بحـرية
ذات أشجار وأنهار، وتعرف باسم مدينـة
التراب. ويغلب على شـجرها القراسـيا،
ولا يخلو منها سهل ولا جبل، وينبت في ضواحيها الزعـفران، وكان الروم قد ملكـوها عام 487هـ ـ 1094م، واستردها المُلثمون (المُوحِدُون) عام 495هـ ـ 1101م.
طليطله: طُليطلة مدينة أندلسية عريقة في القـدم تقع على بعد 75 كم من مدريد العاصمة الأسبانية. وتقع على مرتفع منيع تحيط به أودية عميقة وأجراف عميقة، تتدفـق فيها مياه نهر تاجة.
ويحيط وادي تاجـة بطليطلة من ثلاث جهـات مُسـاهما بذلك في حصانتها ومنعتها.
عمارة الاندلس: بلغت الأندلس أوج ازدهارها في ظـل ”عبد الرحمن الناصر“ أول خليفة أموي في الأندلس بعد أن اتخذ منها عاصمة لدولته وجعلها كبرى المدن الأوروبية في عهده وأكثرها أخْـذاً بأسباب الثقـافة.
لقد أصــبحت قـرطـبة مقر خــليفة المســلمين في العــالم الغربـي، وكانت قرطـبة العاصـمة الكبـرى لإسـبانيا، يَفِـد إليها الملـوك والسفراء يقدمون للخـليفة فروض الطاعـة والـولاء. فقد كانت الدولة المسـيحية حتى القرن الحـادي عشر أشبه بالمحمية للدولة الإسلامية. وفـي هـذا العهــد نافـســت قرطـبة بأُبَّـهَـتِها وعــمرانها وحــالتها الثقــافيـة كبريات المـدن الإسـلامية كالقـاهـرة، ودمشــق، وبغـــداد والقيروان حتى أطلق عليها الأوروبيون (جوهرة العالم).
علماء اندلسيون: رَاجَت الثقافة في الأندلس وعزّزها الخـلفاء فنقلوا من الشرق العبّاسي أهم ما صُنـّف في العلوم وأسسوا المعاهد في المـدن والقـرى وشيّدوا المكاتب, وشجّعوا الحركة العقليّة.
من العلماء والأطباء ابن البيطار أحد مشـاهير الأطباء في ذاك العصر الذي بحث في رحلاته الطويلة عن الأعشاب حتى اصبح حجّة في معرفة انواعها وأصنافها وأماكنها وخصائصها. ومن مؤلفات ابن البيطار:
1. تفسير كتاب ديسقوريدس.
2. الإبانة والأعلام بما في المناهج من خلل وأوهام.
3. الجامع لمفردات الأدوية والأغذية.
4. الأفعال الغريبة والخواص العجيبة.
5. رسالة في تداوي السّموم.
6. المغنى في الأدوية المفردة.
7. ميزان الطبيب.
• اشتهر في قرطـبة كثير من العلماء المسلمين في شتى مجالات المعرفة. فمن العلماء الشرعيـين كان أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الشهير بإبن حزم وهو فقيه من أكبر علماء المذهب الظاهري.
• وكذلك محمد بن فتوح بن عبد الله
الحميدي وكان مؤرخا ومن الفقهاء
ظاهري المذهب.
• ومن أطباء الأندلس أبو داود سـليمان بن حسـان الأندلسي الشهير بابن جلجل وكان بارزا في حَقْـلي الطـب والنبات، وكذلك أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد ولد قريبا من قرطبة ودرس العلوم الدينية وكان قاضيا.
• وكذلك أبو القاسم خلف بن العباس الزهراوي وكان من أشهر أطباء وجراحي عصره.
• ومن علماء النبات اشتهر أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد المعروف بإبن وافد وكان فقيها بالعقاقير والأدوية وعالما بالفلاحـة، وأبو جعفر أحمد بن محمد الأندلسي الغافقي وكان من كبار الأطـباء والنباتيين في الأندلس.
• ومن الفيزيائيين أبو القاسـم العباس بن فرناس وكـان صاحب أول محاولة بشرية للطــيران وكانت له دراية بعلم الكيمياء وتوصل إلى اكتشافات في هذا المجال.
• ومن الجغـرافيـين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحسيني المعروف بالشريف لإدريسي وكان كتابه (نزهـة المشـتاق) الذي أهـداه إلى (روجـيه الثاني النورماندي) ملك صقلية من أعظم الكتب وهو رحالة وعالما بالأدوية المفـردة الفلك والنبات.
• ومن الفلكيين ابن الزرقالي الذي صنع أصـطرلابا عـرف باسمه, وحظـي بأهمية كبرى في ميدان علم الفلك, وكـان أكبر راصد في عصره. شارك في وضع جداول فلكية لمدينة طليطلة نقل عنها (كوبرنيك).
• ومن الأطباء الفلاسفة كان أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد وكان أوحد أهل زمانه في الفقـه وتميز في علم الطب وله فيه مؤلفات كثيرة.
• ويعتبر ابن رشد الفـقيه الطبيب
الفيلسـوف، اشـتهر في أوروبا
شـهرة كبيرة حيث اعـتمد على
مؤلفاته في القـرون الوسـطى.
ولد ابن رشد في سنة520هـ وهي نفـس السـنة التي توفى فيها جده. ونشـأ في مدينة قرطبة. وحفظ القرآن الكريـم، وحفظ كتاب الموطأ للإمام مالك، ودرس الفقـه ونبغ فيـه، كما درس علوم الحساب والفلك وعلم الهيئة ثم درس الطـب وتعمق في دراسته، وفي عام 565هـ تولى القضاء في أشـبيليه، ثم في قرطبة عام 567هـ، واشتهرت أحكامه بالعدل والنزاهة، فتولى قاضي القضاة وألف عدة كتب منها: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" وكتاب "تهافت التهافت" وألف في الطب كتاب "الكليات”.
• أهم المراكـز الثقافيـة والتعليميـة: جامعة قرطبة التي أسسها عبد الرحمن الثالث بجوار الجامع الكبير، من أشهر المؤسسات الثقافية.
• مكتبة قرطبة والتي كـانت تحوي علـى أكـثر من 4000 مجلد.
• مدرسة مسلمة المجريطي في الكيمياء والرياضيات والفـلك.
• مدرسة أبو القاسم الزهراوي في الطب.
أهم المواقـع التاريخيـة: قلعة الملك في الخضراء.
• الحـمامات: كان أهل قرطبة يسترخون في حمامات عامة وخاصة كلها مُدفأة وتجري فيها المياه الساخنة والباردة.
• وكانت الحـمامات العامة تعتبر من أهم المنشـآت المدنيـة في المدينة لكـثرتها وتعـددها من جـهة، ولارتباطها الوثيـق بالطـهارة المتأصلة بعـمق في الإسلام من جهة أخرى، وقد تميزت قرطـبة بوجـه خاص بكـثرة حـماماتـها حتى قيل إن عددها بلغ 300 حمام.
• ومن الآثار الإسـلامية الباقـية في قرطبة حـمامان الأول صغير المسـاحة، عـثر عليه عام 1321هـ 1903م في جوف الأرض في المنطـقة المعـروفة بساحة الشهداء داخل نطاق القصر الخلافي بقرطبة.
مثقـفو وشـعراء الأندلس:
• هناك العديد من المثقفين والشعراء الأندلسيين نُوجِـز بعضاً من الذين وضعوا بصماتٍ تاريخيةٍ في تاريخ الأندلسي في المديح والهجاء والغزل والرثاء.
• لقد انتشرت المدارس في قرطبة حتى لم يعد فيها شخص واحد لايجيد القراءة والكتابة. واشتهرت قرطبة بالعلمـاء والشـعراء، والكثير منهم كانوا من أهـل الحكم أو البيت الحاكـم مثل الخليفة الحكم، والشاعر أبي عبد الملك مروان حـفيد عبد الرحمن الثالث، والخليفة المستعين بالله، والوزير أبو الغيرة بن حزم وهو ابن عم فيلسوف قرطبة الشـهير محمد بن حـزم، والوزير عبد الملك بن جهور، والوزير المصحفي، بالإضافة إلى عشرات بل مئات العلماء في كافة المجالات كـابن طُفيل وابن رشد وابن باجه في الفلسفة، وأبو عبد الله القرطبي في العـلوم الشرعية، والقاضي أبو الوليد الباجي وأبو الحسن على بن القطان القرطبي في الحديث النبوي، ومنذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة، وزَرْيَاب الموسيقى، وابن عبد ربه اللغوي الأديب، وغيرهم وغيرهم.
• ابن خفاجة الأندلسي (450-533هـ). إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجه الهواري الأندلسـي أبو إسحـاق. من أعلام الشعراء الأندلسيين في القرنيـن الخامس والسادس. عُرِف عنه بالتأنق في مظهره ومطعمه، ولم يشـتغل بعمل ولم يتزوج قـط. وكان نزيه النفس سمي بـ”الجنّّان“ اشـهر قصـيدة له ”وصف الجبل“ وهي تشف عن رؤيته للموت والحياة، ويصـور من خـلالها كيف أن الجبل يحس السأم لطول بقائه ويتمنى الموت والفناء. اشتهرت أبياته التي تصـف الأندلس وطبيعتها الجميلة:
• يا أَهْـل أندلـس لله دَرّكُمُ ** ماءٌ وظِلٌ وأزهَـارٌ وأشْجَارُ
• ما جنّةٌ الخلدِ إِلاّ في ديَاركم ** ولو تخيرتُ هذا كنت أختارُ
• من قصائد ابن خفاجة الاندلسي (حلو اللمى)
• وأغيـدٌ حُلْو اللّـمى, أمْلـَـدٌ يُذْكِي عَلـى وِجْنَتِه الجَمْـرُ
• بِـتُّ أُنَاجِـيْـه , ولا رِيْـبـَةٌ تَعَـلّق بِـي فِيـه , وَلا وِزْرُ
• وَالليْـلُ سِتْرٌ وَدُونِـنَا وَمُرْسِلٌ قَدْ طَـرّزتْهُ أَنْجُـمُ حُمْـرُ
• أبْكِي وَيُشْجِيْني , فَفِي وِجْـنَتِي مَاءٌ , وَفِيْ وِجْـنَتَيْه خَـمْرُ
• وَأقْـرَأُ الْحُسْـنَ بِـهِ سُـورَةٌ أنَ لَها , مِنْ وَجْهِهِ , عَـشْرُ
• وَبأت يُسْـقِيْني وَتَحْـت الدُّجَى مَشْمُولةٌ, يَمْزُجُـها الْقَـطْرُ
• وابْتَسَمتْ , عَنْ وَجْـهِهِ , لَيْلَـةٌ كَأَنّهُ , فِـي وَجْهِـهَا , تَغْرُ
ابو البقاء الرُندي
هو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي. من أهل (رُنـدة) قرب الجزيرة الخضراء، من حُفـاظ الحديث والفقهاء. كان بارعا في منظوم الكلام ومنثوره مجيدا في المديح والغزل والوصف والزهد، ولكن ترجـع شُـهرته إلى قصيدةٍٍ نظمها بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية.
وفي قصيدته التي نظمها يستنصر أهل العُدوة الإفريقية من بني مُرين لما أخذ ابن الأحـمر محمد بن يوسـف أول سـلاطين غرناطة يتنازل للأسـبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم وأملا في أن يبقى له حكمه المُقلقـل في غرناطة وتُعرف قصيدته بمرثية الأندلس وفيها يقول:
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَاتَم نُـقْصَانُ
فَلا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسَانُ
هِيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدتُها دُولٌ
مَنْ سَرّه زَمَنٌ سَاءَتْه أَزْمَانُ
وَهَذِهِ الدّارُ لاَ تُبْقِى عَلَى أَحَدٍ
وَلاَ يَدُومُ عَلَى حَالٍ لهَاَ شَانُ
يُمَزِّقُ الدَّهْرُ حَتْماً كُلَّ سَابِغَةٍ
إِذَا نَمَتْ مَشْرَفيّاتٌ وقُرْصَانُ
أيْنَ الملُوكُ ذَوِيْ التيِّجَانِ مِنْ يَمَنٍ
وَأيْنَ مِنْهمُ أَكَالِيْلٌ وَتِيْجَـانُ
وَأيْن مَا شَادَه شَـدّادُ من إِرَمٍٍ
وَأيْن مَا سَاسَه في الفُرسِ سَاسَانُ
وأيْن مَا حَازَه قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ
وَأيْنَ عَـادٌ وشَدّادٌ وقَحْطَانُ
أتى عَلى الْكُلِّ أَمْرٌ لا مَرَدَّ له
حَتَّى قَضَوا فَكَأن القَوم ما كَانُوا
وَصَار ما كان مِنْ مُلْكٍ ومِنْ مَلِكٍ
كَمَا حَكَى عَنْ خَيَال الطّيْف وسْنَانُ
من الشعراء السجناء:
 الشاعر الشريف الطـليق (ت 396 هـ) الذي سجن وهو فتى يافع مع جـماعة من الأدباء فلم يزل يأخذ عنهم حتى (ثري تربه وطار شعره) فكان السجن له المدرسة التي علمته الأدب وفتحت قريحته الشعرية.
 الشاعر يوسف بن هارون الرمادي 403 هـ الذي سجن على يد الحكم المستنصر لأشعار كان ينظُـمها هو وجـماعة من الشـعراء يتبارون في هجاء الخليفة، وضع في سجنه كتابا سماه (الطـير).
 الشـاعر عبد الملك بن غصـن الحجـازي (ت 454هـ) في سجنه وضـع رسـالة في (صفة السجن والمسجون والحزن والمحزون) واودعها الف بيت من شعره في الاستعطاف، وكانت سببا في العفو عنه.
 ابن الابار (ت 658هـ) ألف أثناء نفيه الى بجاية مؤلفه (أعتاب الكتاب).
 وكان من بين الشعراء الأندلسيين الذين سُجنوا عدد لا بأس به من كبار شعراء الأندلس وأدبائها من امثال:
 يحيى بن الحكم الغزال، وابن شهيد وابن زيمن والمعتمد بن عباد، وابن حزم الأندلسي، ولسان الدين بن الخطيب.
ادبيات وشاعرات:
من أشـهر شاعرات الأندلس حسانة التميمية وقمر البغدادية وكانتا في زمن الإمارة الأموية (138ـ316هـ)، وعائشة بنت أحمد القرطبية والغسـانية البجـانية في زمن الخـلافة الأموية (316ـ422هـ)، ولادة بنت المستكفي وأم العـلاء الحجارية وأم الكـرم بنت المعتصـم بن صـمادح في زمن ملوك الطوائف (422ـ483هـ) و نزهـون بنت القلاعـي الغرناطية في زمن المرابطين، و حفصة بنت الحاج الركونية وحمدة بنت زياد المؤدب في زمن الموحدين
نزهون بنت القلاعي الغرناطية: شـاعرة مرحة حُلوة الحديث ذات طبع ندي معطاء ونفس شـفافة عرفت بسرعة البديهة روي أنها كانت تقرأ يوماً على أبي بكر المخزومي الأعمى فدخل عليهما أبو بكر الكتندي فقال مخاطباً الشاعر المخزومي الأعمى لو كنت تبصر من تجالسه؟ وصمت المخزومي بُرهـة يفكر! ولكنه لم يجرْ جواباً، وبسرعة فائقة أجابت عنه نزهون فقالت:
لَغَدَوتَ أخْرَسَ منْ خَلاخِلِه
البدرُ يطْـلُع مِنْ أزِرّتِـهِ
والغُصْـن يَمْرحُ في غَلائِلِهِ
غـاية المُنَى: هي شـاعرةٌ أندلسيةٌ لطيفةٌ جيء بها إلى المعتصم بن صمادح راغبا في امتحانها ليعرف مستواها الادبي فقال: ما إسمك؟ قالت: غاية المنى قال: أجيزي؟
فقال: اسألوا غاية المنى؟؟
من كَسَا جِسْمي الضّنَا .......
فقالت: على الفور:
أرَانِـي مُتَـيّماً .. سَيقُولُ الْهَوىَ أَنَا
صفية بنت عبدالله الرّي: شاعرة لم تعش طويلا ودعت الشباب وهي تتألق بهجة وحيوية لم يعثر على أخبارها إلا القليل القليل، ذات مرة عابتها امرأة على رداءة خطها فقالت:
وعَائِبَةً خَطِّـي فَقُلْتَ لَها اقْصِرِي
فَسَوفَ أُرِيكِ الدُّرَّ فِيْ نَظْمِ أَسْطُرِي
نادَيْتُ كَفِّـي كَيْ تَجُودَ بِخَطِّهَا
وَقَـرّبْتُ أقْـلاَمِي وَورقي وَمِحْبَرِي
فَخَطَّـتْ بِأبْيَـاتٍ ثَلاَثٌ نَظَمْتُها
لِيَبْدُو بِهَا خَـطِّي وَقُلْت لَهَا انْظُـرِي
• بثينة بنت المعتمد بن عباد: بنت ملك شـاعر وبنت شاعرة ظريفة فلا عجب إن أُشربت حُب الشـعر منذ أن كانت بُرعماً يتفتح للحياة، إذ حلت بأبيها النكبة المعروفة وسُبيت فأصبحت من جملة العبيد تباع في الأسواق واشتراها رجل من اشبيليا ثم وهبها لأبنه ولكنه لما أراد البناء بها امتنعت وأعلنت عن نفسها وقالت لا يكون ذلك إلا بموافقة أبي وكتبت له قصيدة تحكي له قصتها في اسى وحسرة فتقول:
اسمع كَلامِي واسْتَمِعْ لِمَقَالَتِي .. فَهِي السُّلُوك بَدَتْ من الأجيادِ
لا تُنْـكِروا أنِّي سُبِيتُ وأنَّني .. بِنْتٌ لِمَلكٍ من بَنِـي عـبادِ
نساء اندلسيات:
• كما اشتهرت المرأة الاندلسية في المجال الثقافي، فنذكر القرطـبية ولاّّدة بنت الخـليفة المُسْـتكفي الشاعرة الأديبة صاحبة الصالون الأدبي الشهير، ومريم ابنة يعقوب الشاعرة الأديبة.
• وعائشة بنت أحمد التي كانت مُربية ومُعلمة لولد المنصور ابن أبي عـامر أشـهر وأقوى وزراء الدولة الأموية في الأندلس.
التراث الاندلسي:
يوجد في الأندلس ثرواتٌ نفيسةٌ من التراث كانت تنافس الثروات في بغداد ودمشق والقيروان وبلاد النيـل والدولة العثمانية وعند سقوط غرناطة وأشبيلية نُهبت وسُرقت هذه الثروات إلى اسبانيا ومنها ما تم تصديره إلى فرنسا وإلى انجلترا
المخطوطات النادره: يوجد في الأندلس مخطوطات عديدة وقديمة وموثقة توثيق تأريخي منها القرآن الكريم الذي كتب في خط اليد الاندلسي، وكذلك مخطوطة ابن البيطـار وهذه المخطوطات ما زالت محفوظة في المتحف الأسباني
العملات في الاندلس: استخدمت في العصر الأندلسي عدة أشكال من العملات الأسلامية ضرب عليها ”الشـهادتين“ على الوجهـين وأسماء الحكـام آنذاك
مقتنيات وحلي اندلسية: تتميز الحلي الأندلسية بعراقتها ودقـة صياغتها حيث كانت تلبسها النساء في المناسـبات وكانت تصنع من الفضة وبعض المعـادن الأخرى مثل الذهب والنحاس
محققين وكتاب معاصرين: من الكتاب الذي كتبوا عن تاريـخ الأندلس كُثر، نستخلص منهم الكتاب البارزين الذين أثروا الساحة العربية بتحقيقاتهم الأندلسية ومن هؤلاء الكتاب، الكاتب الكبير”إحسـان عباس“ الذي حقـق الكثير في التأريخ الأندلسي. فعباساً كان أكثر اهتماماً بالشعر في الأندلس وخارجها. وقد بدأ اهتمامه التحقيقي بالنشرات العـلمية لدواوين الأندلسيـين والصقليـين, مثل: "ابن حمديس الصـقلي (1960), والرصـافي البلنـسي (1960), والأعلى التطـيلي (1963), والكتيبة الكامنة للسان الدين ابن الخطيب في أشـعار الأندلسيين (1963), والتشبيهات من أشعار أهل الأندلـس لابن الكتاني (1966), وتحفة القادم لابن الأبّار (1986), ومعجـم الشعراء الصقلـيين (1995)".
الدكتور والشاعر والمترجم ”عبد الله حمادي“ خريج جامعـة مدريد المركزية في إسبانيا عام1980م ومتخصص في الأدب الأندلسي والإسباني واللاتينو أميركي، ويعـمل حـاليا أستاذا لمادة الأدب في جامعة قسـنطينة بالجزائر، كما يتولى رئاسة قسم الترجمة فيها. وطيلة سنوات دراسته في إسبانيا جعلته يحتك بأدبائها، وشعرائها القـدامى والمحـدثين وكأن شـيئا غامضا يجذبه إلى أعماق الأندلس ليكون مصدر إلهامه. ولهذا جالت معظـم مؤلفاته في فلك الأندلس ومدى تأثيرها على الأدب الإنساني عامة والإسباني خاصة، من مثل: مدخل إلى الشعر الإسباني المعاصر، قصائد غجرية وأندلسيات
يأتي كتابه الجديد القديم "الأندلس بين الحلم والحقيقة" الجديد لأنه صدر في العام الحالي2004 والقديم لأنه
وليـد مطـلع التسعـينيات تَمخـّض مـن خلال
فكــرة التبــادل الشــعوري والفكـــري بيــن
الضـفـتين: الأندلس من جـهـة والســـاحـل
الأفريقي الشـمالي من جهة أخـرى. ورُغـم
استكمال مادته فإنه لمْ يـرَ النـور في أوانه
بســبب الظـروف الأمنـيـة التـي عــرفتـها الجــزائر في تلك الفتـرة المعروفة بعشرية الدماء والدموع.
 الشـعر في قرطـبة تأليـف: د. محمد سعيد محمد صادر
عن المجمع الثقافي ‏2003‏‏. يتكـلم الكـاتب عن في كـتابه الشعر في قرطبة حيث يقول:” تعد قرطبة مركزاً مهماً للعلوم والفنون ولم تصل إلى هذه المكانة إلا بفضل
القادة العظـام ومنهم عبدالرحمن الثالث،
فجعلوا البلاد تعـيش في اسـتقرار الذي
جعل رقعة قرطبة تتسع والحـياة الأدبية
تنشط مع التشجيع المتواصل من قبل ولاه الأمر للشعراء.
من النساء في العصـر الحديث كـتبت الأديبة والمؤلفة: رضوى عاشور عن الحياة الأندلسية في
كتابها (ثلاثية غرناطـة) سـنة النشـر
2001 ومؤلفها يقع في 502 صفحـة
وأبرزت جـميع المراحل التي مرت بها
الاندلـس وهـو كـتاب قيِّـمٌ للغايـة.
تواريخ سقوط بعض المدن الاندلسية:
• برشـلونة 74هـ 985م قــرطــبـــة 633هـ 1236م
• قرطاجـــنة 640هـ 1242م
• مرســــــيـة 641هـ 1443م
• لشــــــبونـة 645هـ 1247م
• إشـــــبيـليـة 646هـ 1248م
• جبل طارق 702هـ 1310م
• رنــــــــــدة 890هـ 1485م
• غــرناطــة 898هـ 1492
• ليـــــــون 392هـ 1002م
• سـلمنـقـة 446هـ 1055م
• مــدريـد 476هـ 1084م
• طليطــلة 477هـ 1085م
• سرقسطة 512هـ 1119م
• مـــــاردة 619هـ 1222م
• يابســـــة 632هـ 1235م
الخاتمه: لا بد لنا ان نعرج ولو باختصار على الجانب الحضاري لمسـلمي الاندلس. فقد ترعرعت حضارة زاهية في ربوع الاندلس كان لسانها العربية ومادتها الاسلام. وقد شملت هذه الحضارة مختلف الجوانب كالزراعة والصناعة والتجارة، الادب والفن،المعمار والفلسفة وفن الحروب والفروسية. فقد انشأ المسلمون نظام ري استطاع ان يحي الكثير من ارض الموات وتحولت ارض اسبانيا الى مروج خضراء، وقد دخل الفاتحون معهم المحاصيل الزراعية التي لم تكن معروفة في اسبانيا من قبل مثل النخيل والرز وقصب السكر. كما برعوا في تربية دود القز وصناعة الحرير، أما بالنسبة للفن المعماري فنظرة فاحصة إلى قصر الحمراء ومسجد قرطبة وقصر اشبيلية جديرة أن تثبت ما وصل إليه المسلمون من درجة عالية من الرقي في الفـن المعماري والذي لا يزال محط انظار العالم إلى وقتنا الحاضر.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:15

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc