الإرهاب الدولي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الإرهاب الدولي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-11, 20:58   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 الإرهاب الدولي

الإرهاب الدولي و إشكالية مكافحته.doc

مقدمـــــــة

تعتبر ظاهرة الإرهاب " Le terrorisme" من أخطر الظواهر السلبية التي شاعت في العالم المعاصر، وقد امتد خطرها ليشمل العالم كله، فلم يعد أي مجتمع من المجتمعات بمنأى عنها، وفي الآونة الأخيرة تزايدت العمليات الإرهابية، وتنوعت صورها واتخذت أشكالا جديدة، مما جعلها تشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع الدولي واستقرار مؤسساته وهياكله الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فلا يكاد يمر يوم دون أن تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة عن قيام فرد أو مجموعة بارتكاب أعمال إرهابية تثير الفزع وتشيع الاضطراب وتبعث الرعب في النفوس.
ولما كان سيف القانون هو أحد أهم الأساليب اللازمة لمكافحة هذه العمليات، وأمام تصاعد حجمها وارتباطها بغيرها من الجرائم، فقد سعت الدول إلى إيجاد وسائل قانونية وعملية لمتابعتها وقمعها على المستوى الدولي والداخلي بواسطة سن التشريعات العقابية والتوقيع على عدد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لتوحيد الجهود وبعث روح التعاون الدولي لمكافحتها.
وتبرز أهمية الموضوع من عدة زوايا باعتبار الإرهاب ظاهرة إجرامية تتطلب تسليط الضوء عليها من حيث أسبابها، أبعادها والسبل الكفيلة بمكافحتها ومن خلال هذه المحاور تتجلى الأهمية العملية لبحث الموضوع على إثر ما اكتنف العالم من حوادث إرهابية على نحو يثير الانزعاج والقلق، وفي هذا الإطار تعتبر اعتداءات 11 سبتمبر 2001 من " النماذج المؤثرة " لما يمكن أن تكون عليه المآسي الناجمة عن أعمال الإرهاب الدولي، أضف إلى أن الرد الأمريكي على هذه الاعتداءات لا يعبر في شكله ومضمونه عن المقتضيات الحقيقية لمكافحة الإرهاب الدولي وهو بعيد كل البعد عن القواعد المستقرة في القانون الدولي حتى أصبحت مسألة استخدام القوة للرد على الاعتداءات الإرهابية تحت ذريعة الدفاع عن النفس من أهم المسائل الخلافية في مكافحة الإرهاب الدولي.
وقد وقع اختيارنا على موضوع " الإرهاب الدولي وإشكالية مكافحته على ضوء اعتداءات 11 سبتمبر 2001 " نظرا إلى التساؤلات الكثيرة التي يطرحها بدءا بتعريف الإرهاب في حد ذاته، واختلاطه ببعض المفاهيم مما يستلزم وضع الحدود الفاصلة بين هذه المفاهيم المتقاربة من حيث الظاهر والمتباعدة عنه من حيث المضمون في ظل محاولات بعض الأطراف المتعمدة الخلط بينهما لفرض مفهومه الخاص إضافة إلى الحماس التشريعي والفقهي منذ بداية السبعينيات، والذي لم يتخذ خطا واحدا في رسم وتحليل الظاهرة مما جعل من الصعوبة بمكان القول بوجود سياسة جنائية موحدة بين كل الدول، ففي حين فضلت بعض الدول وضع نصوص تجرم الإرهاب في تشريعاتها الجنائية كأصل آثرت أخرى وضع تشريعات خاصة لمكافحته لا تدخل ضمن التشريع الجنائي، ومن الناحية الموضوعية اعتبرت بعض الدول الإرهاب ظرفا مشددا (إيطاليا، إسبانيا)، في حين جعلته دول أخرى جريمة قائمة بذاتها (ألمانيا، انجلترا، مصر).
وفي ضوء ما تقدم فإن أسئلة كثيرة تقدم نفسها ولعل أولها وأكثرها بداهة وإلحاحا في نفس الوقت هو: ما هو الإرهاب الدولي؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراءه؟
وبما أن موضوع " الإرهاب الدولي" يطرح موضوعا آخر متلازما معه ألا وهو " آليات مكافحته" فإننا نتساءل عن دور الأشخاص الدولية والإقليمية في مكافحة الإرهاب؟ وعن مدى شرعية الرد الأمريكي باستخدام القوة العسكرية ضد أفغانستان والتهديد باستخدامها ضد دول أخرى؟ وبالتالي ما جدوى الخطر الوارد على استخدام القوة الذي جاءت به المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة ؟
وعلى هذا أردنا اعتماد المنهج الوصفي التحليلي وتقسيم الدراسة إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: ماهية الإرهاب الدولي
والذي اعتبرناه الأساس المنطقي للانطلاق في معالجة الموضوع وذلك في مبحثين نتناول فيهما تعريف الإرهاب، أصل نشأته، أسبابه، صوره والهدف من ذلك ليس الوقوف على الأصول التاريخية لهذه الظاهرة فقط بل إن الهدف هو التعرف على التطور الذي طرأ على العمليات الإرهابية من حيث الكم والكيف والأساليب المبتكرة في ارتكابها.
الفصل الثاني: الإطار القانوني لمكافحة الإرهاب الدولي
ويضم مبحثين نتناول فيهما دور هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في مكافحة الإرهاب، وأبرز الاتفاقيات والقرارات الصادرة في هذا الشأن مع التطرق إلى التجربة الجزائرية كنموذج.
الفصل الثالث: مكافحة الإرهاب الدولي بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001
في مبحثين نتناول فيهما الشروط التي يجب توافرها لتبرير اللجوء إلى حق الدفاع المشروع طبقا لقواعد القانون الدولي، وإجراءات مجلس الأمن لمكافحة أزمة 11 سبتمبر وتداعياتها والمناهج التي تتخذها العلاقات بين الأمم والشعوب والذي ساعد على فهم طبيعة النظام الدولي الذي يجري من خلاله تناول موضوع مكافحة الإرهاب.
لننتهي في الأخير بخاتمة تضم عددا من الاستنتاجات وإبداء للرأي في بعض المسائل.


الفصل الأول: ماهية الإرهاب الدولي

يعد الإرهاب أحد الظواهر الإجرامية الخطيرة التي تهدد أمن المجتمع الدولي واستقرار العلاقات الدولية، وتشيع الخوف والرعب في نفوس الأبرياء. والحقيقة المؤكدة أن الإرهاب ظاهرة قديمة قدم التاريخ البشري ولكن في الوقت الحاضر وبعد ذيوع صيت الأعمال الإرهابية تم التركيز على هذه الظاهرة بحماس لم يسبق له مثيل .
وتكمن أهمية الإشارة إلى تطور ظاهرة الإرهاب كونها ضرورة تفرضها مناهج البحث العلمي السليم التي تضعنا أمام الظروف والحوادث التاريخية التي ساهمت في نشأتها، الأمر الذي يضفي مزيدا من الموضوعية على دراسة الظاهرة في وضعها الراهن، والأسباب الحقيقية التي تقف وراءها.
وتشكل هجمات الحادي عسر سبتمبر 2001 التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية الصدمة التي أصابت العالم بأسره وأثبتت فشل الأجهزة الأمنية الأمريكية في الاكتشاف المبكر للعملية كما كان لها الأثر في توجيه الجهود الدولية نحو البحث عن السبل الكفيلة لمكافحته.
وقبل تطرقنا لدراسة الأطر القانونية الدولية لمكافحة الإرهاب ارتأينا أنم نستعرض أولا تعريف ونشأة الظاهرة والأسباب التي تقف وراءها ثم تمييزها عن الصور التي تختلط بها وفقا لما يلي:
المبحث الأول: ظاهرة الإرهاب الدولي ونشأته.
المبحث الثاني: أشكال الإرهاب، أساليبه وتمييزه عن الصور المختلطة به.

المبحث الأول: ظاهرة الإرهاب الدولي ونشأته
سنحاول في هذا المبحث أن نتعرف على مصطلح الإرهاب وعن صورته في الماضي ومدى اتفاقها أو اختلافها عن صورته في الوقت الحاضر وعن تأثير البيئة الدولية بما يسودها من قيم وأفكار، وما يحكمها من قواعد ونظم وما يطرأ عليها من متغيرات متلاحقة على سلوكيات الأفراد والدول في نشأة وتطور هذه الظاهرة.

المطلب الأول: تعريف الإرهاب الدولي
تكمن أهمية تحديد المفاهيم والمصطلحات كونها أحد الطرق المنهجية في إعداد البحوث العلمية التي تتسم بالموضوعية كما له أهمية بالغة في إزالة اللبس والغموض حول أي ظاهرة إجرامية وخاصة الإرهاب كما تميزه عن غيره من مظاهر العنف الأخرى وذلك بوضع خصائص ومعايير دقيقة له، ومن الناحية العملية تكمن أهمية التعريف في دفع الجهود الدولية نحو تبني إستراتيجية ثابتة وموحدة لعلاج هذه الظاهرة والقضاء عليها من جذورها.

الفرع الأول: تعريف الإرهاب لغة
لم يرد في المعاجم العربية مصطلح " الإرهاب" ولكنه عرف بالفعل " رهب" " يرهب" أي خاف وفزع، وتشتق من الفعل المزيد " أرهب" ويقال أرهب فلان فلانا أي أخافه، وقد تكرر لفظ الإرهاب في القرآن الكريم بمعان متعددة تفيد الخوف والفزع والخشية من الله سبحانه وتعالى .
وكلمة " رعب" ظهرت لأول مرة في اللغة الفرنسية سنة 1355 بقلم الراهب " Bersuire" وأصلها لاتيني "Terror" ولها ما يقابلها في جميع اللغات الهندية والأوروبية وهي تعني في الأصل خوفا أو قلقا متناهيا يساوي تهديدا غير مألوف وغير متوقع بصورة واسعة وقد أخذت معنى جديد مع نهاية القرن 19م بعد إعدام " روبسبير" واتهامه بالإرهاب.
وفي المعاجم الإنجليزية والفرنسية ورد لفظ الإرهاب بما يفيد أنه وسيلة لنشر الذعر والخوف باستعمال وسائل عنيفة لتحقيق أهداف سياسية، ويتكون من مقطعين "Terror" و "isme" وهذا المقطع الأخير يدل على التنظيم المحكم الذي تتسم به جرائم الإرهاب.
والإرهابي "Le terroriste" هو من يلجأ إلى العنف لإقامة سلطته، والحكم الإرهابي هو الأسلوب الذي تعمد إليه بعض الحكومات أو الجماعات المتطرفة فكريا ودينيا لتحقيق أهداف إيديولوجية معينة.
ويتضح من خلال المعاجم والقواميس العربية والأجنبية أن جوهر الإرهاب هو الرعب فأصل كلمة "إرهاب" هو "إرعاب" ولكنه جاء مخالفا لمعنى الكلمة المتعارف عليه في اللغة العربية والذي يفيد معنى الخوف المشوب بالاحترام والتوقير.
وقد بلغت أهمية التعريف اللغوي للإرهاب حدا كبيرا دفع البعض إلى أن يتخذ منه أساسا لتعريفه اصطلاحا، ولاستنباط عناصره وخصائصه التي تميزه عن غيره من الظواهر التي قد تختلط به .

الفرع الثاني: تعريف الإرهاب اصطلاحا
إن أهم ما يدور من نقاش على الساحة الدولية هو مشكلة التوصل إلى وضع مفهوم جامع مانع للإرهاب وهو ما ألقى بضلاله على الجهود الدولية لمكافحة الظاهرة، ويرجع سبب ذلك إلى إصرار كل طرف على فرض مفهومه وتعميمه على كل الصور التي لا يعتبرها الغير كذلك. وقد بدأت المحاولات القانونية لإعطاء مدلول للمصطلح أثناء عقد مؤتمرات مكتب توحيد القانون الجنائي من أول اجتماع له في وارسو 1927 ومع ذلك لم يظهر المصطلح صراحة إلا خلال اجتماعات المكتب في الفترة الممتدة بين 1930 و 1935، وفي سنة 1972 دعت منظمة الأمم المتحدة إلى إضافة لفظ دولي "International" إلى المصطلح "Terrorisme"، وإلى إنشاء لجنة متخصصة مهمتها الرئيسية دراسة الأسباب والدوافع الكامنة وراء عمليات الإرهاب الدولي .
وقد جاء في الموسوعة السياسية أن الإرهاب هو " استخدام العنف الغير القانوني أو التهديد به بغية تحقيق هدف سياسي معين في حين عرفه الدكتور إسماعيل صبري على أنه نوع من العنف غير المبرر وغير المشروع بالمقياس الأخلاقي والقانوني الذي يتخطى الحدود السياسية للدول" .
وعرف الإرهاب في مشروع إعداد الاتفاقية الدولية لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية الذي أعدته وناقشته لجنة القانون الدولي سنة 1988 في المادة 11 منه بأن " المقصود بالأعمال الإرهابية الأفعال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما أو سكانها والتي من شأنها إثارة الرعب لدى شخصيات أو مجموعات من الأشخاص أو لدى الجمهور تهدف إلى تدمير أموال عامة وإلحاق الضرر بها..."


أما الأستاذ جورج لوفاسير "G-levasseur" فيعرف الإرهاب على أنه " الاستخدام العمدي والمنظم لوسائل من طبيعتها أن تثير الرعب بقصد الوصول إلى أهداف محددة كالاعتداء على الحق في الحياة أو الحق في سلامة الجسم أو التعذيب أو ارتكاب جرائم عنف بواسطة القنابل أو السيارات المفخخة أو إرسال طرود ملغمة أو الاعتداء على الأموال بالحريق"، في حين يرى الأستاذ جلاسير "Glaser" أنه " يتمثل في الرعب والإكراه بواسطة العنف أو بتوظيفه من أجل بلوغ أهداف غير شرعية".
ويعتبر الدكتور سالدانا "Saldana" أستاذ القانون الجنائي بجامعة مدريد " الإرهاب في مفهومه العام هو كل جنحة أو جناية سياسية أو اجتماعية يؤدي ارتكابها أو الإعلان عنها إلى إحداث ذعر عام يخلق بطبيعته خطرا عاما، فالإرهاب ينطوي على إشاعة الفزع والخوف في نفوس الناس باستخدام وسائل إجرامية متطورة أبرزها التفجير والتدمير وتخريب الممتلكات والمرافق العامة والخاصة علاوة على الاغتيال واحتجاز الرهائن والاعتداء على وسائل النقل البرية والبحرية والجوية، ويون الإرهاب دوليا إذا استهدف مصلحة دولية وبذلك يمكن النظر إليه على أساس أنه جريمة دولية أساسها مخالفة قواعد القانون الدولي العام" .
وفي تعريف آخر للدكتور عبد الله سليمان سليمان أن " الإرهاب عمل مادي ، يندرج ضمن حلقات ترتبط عادة بالهدف الذي يتحرك الإرهابيون لتحقيقه، وعليه لا تعد الأعمال الذهنية والفكرية المجردة عملا من الأعمال الإرهابية المدروسة والمنظمة".
أما الدكتور محمد شريف بسيوني فيرى أن " الإرهاب إستراتيجية عنف مجرم دوليا تحفزها بواعث عقائدية لتحقيق الوصول للسلطة أو القيام بدعاية لمطلب أو لمنظمة بغض النظر عما إذا كان مقترفو أعمال العنف يعملون من أجل أنفسهم أو نيابة عن دولة من الدول".
وتجدر الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية تعد أول تشريع متكامل صور الجرائم الإرهابية ووضع لها شروطها وأركانها بما يتفق والاتجاه الحديث في تعريف الظاهرة ، وتعتبر الحرابة إحدى صور هذا التشريع لما فيها من خروج عن سلطان الدولة ، وقطع للطريق وقتل وترويع للآمنين فضلا عن الاعتداءات على الأموال والأعراض ، وقد جاء على لسان الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله " أن الإرهاب في المصطلح السياسي الإعلامي المعاصر هو في حقيقة الأمر إفساد في الأرض وديننا يحرم ذلك وهو ليس له وطن ولا ين ولا جنسية، لذا فمن الطبيعي التعاون من أجل اجتثاث جذوره تفاديا لشروره وهذا ما كنا وما زلنا نطالب به ونلح في طلب التعاون لمعالجته حتى لا يستفحل خطره" .
ومن خلال ما سبق من محاولات لتعريف الإرهاب يمكن استخلاص أهم العناصر التي تميزه في:
- الأسلوب أو الطريقة المستخدمة وهي كل عمل من أعمال العنف المفاجئ أو التهديد به ضد الأبرياء.
- الرعب والفزع الذي يخلفه في نفوس المستهدفين به كرسائل مقصودة من أجل ابتغاء مصلحة معينة والتي قد تكون فرض مبدأ سياسي أو عقائدي أو بقصد زعزعة ثقة المواطنين بحكوماتهم أو ممثليها .
وتبقى مسألة وضع مفهوم للإرهاب ضرورة ملحة دالك أنها تمكن الهيئات الدولية من اعتماد مرجعية قانونية موحدة من جهة ، كما تضع الدول أمام التزام قانوني واحد غير خاضع لمصالح أي دولة من الدول من جهة أخرى ، وأمام تعثر الجهود الدولية نحو اعتماد اتفاقية دولية شاملة تعنى بتعريف الإرهاب تحول جانب من الفقه إلى اعتباره لا يشكل جريمة في القانون الدولي وعلى حد تعبيرهم " إذ كيف يعاقب على سلوك ما زال غير معرف؟"

المطلب الثاني: التطور التاريخي لظاهرة الإرهاب الدولي
لا شك أن الإرهاب الذي نراه ونطالع أخباره في جميع وسائل الإعلام ليس ظاهرة حديثة، فالتاريخ البشري مليء بأحداث العنف والقتل والتخريب منذ بداياته الأولى، وتعتبر " قصة قابيل وهابيل" المذكورة في القرآن الكريم شاهدا على ذلك، فالحقيقة المؤكدة أن للإرهاب جذور عميقة في التاريخ وإن اتخاذ الثورة الفرنسية للتفرقة بين عصرين للإرهاب يأتي باعتبارها حدثا هاما يفصل بين تاريخ قديم للظاهرة عرفت فيه بالرهبة والفزع وآخر حديث شهد فيه ظهور مصطلح الإرهاب وتطور أشكاله وصوره.

الفرع الأول: الإرهاب قبل قيام الثورة الفرنسية سنة 1789
إذا كانت صور العنف المتقطع قد ملأت الحياة القديمة ، فقد ظهرت أنماط جديدة من العنف المنظم الرامي إلى تحقيق أهداف سياسية على أيدي جماعات كان أهمها جماعة "السيكاري" والتي ظهرت مع مطلع القرن الأول الميلادي و قامت بشن حملة واسعة من الحرائق والتدمير والقتل ضد الرومان عندما كانت فلسطين جزءا من الإمبراطورية الرومانية، وينظر معظم الباحثين إلى أن هذه الحركة تعد أول وأخطر مثال لعصابات الإرهاب في الشرق ورغم كل ما قامت به إلا أنها لم تستطع تحقيق هدفها المتمثل في إعادة بناء هيكل اليهود المعروف " بالمعبد الثاني " والذي دمر على أيدي الرومان سنة 70 م.
ومن جانب آخر فقد عرف التاريخ الإسلامي عددا من حوادث العنف على أيدي أفراد وجماعات منظمة من" الخوارج" ثم تطور الأمر إلى ما كان يعرف بحروب الردة في عهد الخليفة الأول أبوبكر الصديق ثم إلى حادثة قتل الخلفاء الراشدين الثلاثة لدوافع في أغلبها سياسية.
وفي مطلع القرن الحادي عشر للميلاد ظهرت " جماعة الحشاشين" والتي ابتكرت أسلوب الاغتيال كبديل عن الحروب التقليدية لقلة عددها وضعف إمكانياتها حتى أن مصطلح اغتيال في اللغة الإنجليزية "Assassin" مشتق من اسم هذه الجماعة "Ashashin"، وإذا كان القاسم المشترك بينها وبين جماعة السيكاري اليهودية هو قيامهما على أسس دينية فإنه من الواضح اختلاف الأسلوب الذي اتبعته كل منهما حيث اقتصرت الأولى على اغتيال الحكام وهو ما يعرف اليوم بالإجرام السياسي في حين ابتكرت جماعة السيكاري أساليب إرهابية حقيقية مثل تسميم مصادر المياه وهدم المنازل وحرقها.

الفرع الثاني: الإرهاب بعد قيام الثورة الفرنسية
يعتبر مصطلح الإرهاب وليد الثورة الفرنسية وذلك مع قيام الدكتاتورية الثورية المتطرفة وهو ما يبرر استخدام هذا التاريخ كفاصل بين عهدين للإرهاب.


أولا: الإرهاب قبل الحرب العالمية الثانية
ظهر مصطلح الإرهاب في قاموس الأكاديمية الفرنسية لأول مرة سنة 1829 ليصف عهد الرعب الذي كان سائدا بعد قيام الثورة الفرنسية والممتد من 10 أوت 1792 إلى 27 جويلية 1794 وهو تاريخ حكم روبسبير "Robes pierre" والذي وصفه خصومه بالإرهابي "le terroriste" نظرا للأعمال البشعة التي قام بها في سبيل تحقيق المبادئ الثورية التي كان يؤمن بها إيمانا عميقا . فخلال هذه المرحلة احتكرت السلطة حق اللجوء إلى الأساليب الإرهابية وبدعم من جميع المؤسسات الرسمية والأجهزة السياسية والعسكرية حتى أصبح بالإمكان القول أن هذه الفترة تعد إحدى الصور الواقعية لإرهاب الدولة حيث تم النص على المحاكم الاستثنائية كما تم إلغاء كل ضمانات المحاكمة العادلة بل نفذ حكم الإعدام دون محاكمة .

1- مرحلة ما بعد الثورة الفرنسية وبدايات القرن العشرين:
بدأ الإرهاب يتحول من عمل تحتكره السلطات الحاكمة إلى عمل شائع تمارسه الأفراد والجماعات السياسية وقد ظهرت حركتان إيديولوجيتان كانتا مبعث معظم العمليات الإرهابية في العديد من الدول الأوربية حتى نهاية القرن التاسع عشر وهما الحركة الفوضوية والحركة العدمية كما ظهرت بعض الحركات الأخرى تمثل كل منها صورة للصراع السياسي الذي استخدمت فيه أساليب القتل والتخريب مثلما حدث في إيرلاندا، مقدونيا، صربيا وأرمينيا وزادت حوادث الاغتيال السياسي حيث اغتيل قيصر روسيا في 1881 والرئيس الفرنسي كانو "Canot" سنة 1894 ورئيس الحكومة الإسباني كانوفا "Canova" في 1897 وإمبراطورة النمسا إليزابيث في 1898.

2- بداية القرن العشرين وحتى قيام الحرب العالمية الأولى:
مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وإثر انهيار "منظمة إرادة الشعب" في روسيا تكون " الحزب الاشتراكي الثوري" والذي اعتمد على الإرهاب كمنهج وحيد لتحقيق الحرية حيث قام بتنفيذ مجموعة من الاغتيالات في الفترة الممتدة بين 1902 و 1910 كان أبرزها اغتيال وزير الداخلية الروسي " بلهيف" باعتباره أحد رموز النظام القيصري وبذلك أصبح الإرهاب ذو ارتباط وثيق بالفكر الإيديولوجي الثوري وسريعا ما انعكس أثره على الكثير من الحركات الإرهابية في العالم فيما تقوم به من أنشطة ضد أنظمة الحكم واستهداف رموز السلطة.

3- مرحلة ما بين الحربين العالميتين 1918-1939:
شهدت هذه الحقبة تطورا ملحوظا سواء من حيث تنفيذ العمليات الإرهابية أو زيادة حجمها وتنوع صورها إلى أخذ واحتجاز الرهائن واختطاف الشخصيات البارزة إضافة إلى تحويل مسارات الطائرات مما فرض ضرورة التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، وتعتبر حادثة اغتيال ملك يوغسلافيا ووزير خارجية فرنسا سنة 1934 من أهم العمليات والتي تمخضت عنها أولى لبنات التعاون الدولي حيث تم وضع اتفاقية جنيف سنة 1937 في إطار عصبة الأمم خاصة بمنع الإرهاب والمعاقبة عليه.

ثانيا: الإرهاب بعد الحرب العالمية الثانية
مر الإرهاب خلال هذه الفترة بمرحلتين هامتين:
1- المرحلة الممتدة من 1939 إلى 1990:
لقد كانت الحرب العالمية الثانية نقطة تحول وخط فاصل بين تاريخين للإرهاب، تميز الأول بالمحلية وقلة الإمكانيات والثاني إرهاب دولي لا يعرف الحدود يستخدم أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا ووسائل الاتصال وأصبح وثيق الصلة بعصابات الإجرام المنظم مثل عصابات تجارة المخدرات والأسلحة وتبييض الأموال بهدف تمويل أنشطته مما أعطاه القدرة على الاستمرار حتى أضحى الإرهاب كظاهرة إجرامية لا يشكل تهديدا لدولة واحدة فحسب بل لنظام دولي بأكمله ، ليكون بديلا عن الحرب الباردة والحروب التقليدية.
منذ بداية الستينيات اتخذ الإرهاب بعدا جديدا مثيرا للقلق والحيرة مما سرع في حركية تقنين الجريمة الإرهابية ووضع الآليات القانونية لمعالجتها فتم إبرام اتفاقية طوكيو سنة 1963 تتعلق بقمع الجرائم المرتكبة على متن الطائرات واتفاقية لاهاي سنة 1970 ثم اتفاقية مونتريال في 1971، اتفاقية نيويورك في 1973 والخاصة بحماية الشخصيات العامة الدولية ضد الاعتداءات واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وخاصة ما يتعلق منها بالقرصنة البحرية سنة 1983 .
2- مرحلة ما بعد 1990
شهد الإرهاب الدولي طيلة عقد التسعينيات العديد من التطورات والتي تعود أساسا إلى تحولات النظام الدولي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة عليه، الأمر الذي لقي رفضا وتحفظا من طرف الكثير من الأطراف نتيجة لما تتسم به تلك السياسة من تحيز كما تحولت أشكال الإرهاب الدولي عن استخدام العنف إلى اللاعنف وهو ما عرف بالتهديد النووي والكيميائي وغيرها من الأشكال التي لا تعتمد على العنف ، وإن كان عنصر الرعب والرهبة يبقى القاسم المشترك بينهما . وفيما يلي عرض لتطور و خصائص تلك الأشكال :
 الإرهاب التقليدي:
ويتميز هدا الشكل بحجم الدمار و الخسائر المادية و البشرية التي يتسبب فيها وهو ما بدا واضحا في تفجيرات أوكلاهوما و سفارتي الولايات المتحدة في كينيا و تنزانيا سنة 1998 وكدا هجمات 11 سبتمبر2001 و كثيرا ما يكون منفذو هذه العمليات من الفنيين ذوي الخبرة العالية في التعامل مع المتفجرات بل أنها تتطلب في بعض الأحيان معرفة تكنولوجية أعلى من معرفة أجهزة الأمن المناوئة لها.
 الإرهاب النووي:
بات الخوف من الإرهاب النووي يتخذ أبعادا خطيرة سيما مع ما تردد من أخبار عن إمكانية حصول جماعات إرهابية على " رؤوس نووية" من طرف مجموعات الاتحاد السوفيتي السابق في ظل حالة الفوضى التي أصابت الترسانة النووية عقب تفكك هذا الأخير، و تشير التحليلات المطروحة إلى احتمال اكتساب أشكال أكثر بساطة أبرزها ما يعرف " بالقنبلة القذرة" و هي عبارة عن مواد نووية مشعة يمكن وضعها مع متفجرات تقليدية بحيث يؤدي الانفجار إلى انتشار الإشعاع على مساحات شاسعة محدثا بذلك أضرار بشرية ومادية معتبرة .
 الإرهاب البيولوجي :
بعد انتشار ميكروب " الجمرة الخبيثة" في بعض مدن الولايات المتحدة تم تسريبه من طرف بعض الجماعات إلى عدد من الدول الأخرى، و تتنوع الأسلحة البيولوجية ما بين ثلاث فئات هي " البكتيريا" وأشهرها الجمرة الخبيثة و" الفيروسات" و" السموم البكتيرية" إلا أن مسألة استخدامها في العمليات الإرهابية تبقى معقدة إلى حد كبير لان تصنيعها يحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة لا توجد إلا في الولايات المتحدة و روسيا.
 الإرهاب الكيميائي:
يمتاز هذا النوع بسهولة تصنيعه و استخدامه علاوة على ضخامة الخسائر المترتبة عنه وهو على نوعين الأول يشمل المواد الموجهة ضد الأعصاب و الثاني يشمل المواد الموجهة ضد الإنزيمات الموجودة داخل الجسم البشري و المثال الأبرز على هذا النوع هو قيام طائفة " أ وم " الدينية في اليابان باستخدام غاز السارين السام في هجوم على نفق طوكيو سنة 1995 .
 الإرهاب المعلوماتي:
ويتمثل في استخدام شبكات الاتصال و أجهزة الكمبيوتر بالشكل الذي يتسبب في إلحاق الشلل بأنظمة القيادة و السيطرة أو قطع شبكات الاتصال بين الوحدات و القيادات المركزية و تعطيل أنظمة الدفاع الجوي و كان الرئيس الأمريكي السابق " بيل كلينتون" قد أمر سنة 1996 بتشكيل لجنة حماية البنية الأساسية الحيوية ومن بينها شبكات الكمبيوتر ضد الاستخدام غير الشرعي لها.
وتشكل اعتداءات 11 سبتمبر 2001 التي ضربت الولايات المتحدة منعرجا حاسما و نقلة نوعية هامة في تاريخ تطور أشكال الإرهاب و بدت اقرب إلى ما يعرف " بالإرهاب الجديد" أكثر من كونها شكلا من أشكال الإرهاب التقليدي القديم،حيث أصبح يعتمد على شبكات تنظيمية واسعة و تحركه الإيديولوجيات ذات الأساس الديني المتشدد إضافة إلى كونه أكثر تصميما على استخدام أسلحة الدمار الشامل من اجل زيادة الاتجاه التصاعدي في نطاق و حجم العمليات الإرهابية و الآثار التدميرية المترتبة عنها، ومن ثم ليس من قبيل المبالغة القول أن هذه الأحداث كان لها الأثر في تحول النظام الدولي و العلاقات الدولية بحيث أصبح الإرهاب واحدا من الإشكال الرئيسية إن لم يكن الشكل الرئيسي والوحيد للصراع على الساحة الدولية ووصل الأمر إلى حد تبني الرئيس الأمريكي "جورج بوش" صراحة موقفا يقوم على أن: "مكافحة الإرهاب و محاسبة الدول التي ترعاه أصبح الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية". وفي خضم كل هده التغييرات الجوهرية يأتي التغيير الأكبر في مفهوم التهديد فقد صرح الرئيس "جورج بوش"في تقديمه لإستراتيجية الأمن القومي الأمريكي والصادرة في السابع عشر من سبتمبر2002 "...إن أعداء الماضي كانوا يحتاجون إلى جيوش كبيرة وإمكانيات صناعية هائلة لتهديد أمريكا،أما اليوم فان الشبكات المشبوهة من الأفراد بإمكانها إحداث الفوضى والمعاناة في عقر دارنا وبتكلفة تقل عن تكلفة شراء دبابة..."

المطلب الثالث: أسباب الإرهاب الدولي
يشكل الإرهاب ظاهرة اجتماعية إجرامية وصورة خاصة ومتميزة من العنف الذي لا يرجع إلى مصدر واحد بل تبعث على ارتكابه جملة من الأسباب السياسية والاقتصادية والثقافية، ومعرفة هذه الدوافع المختلفة من شأنه التقليل من نسبة حدوث مثل هذه الجرائم كما يجرد العناصر والمنظمات الإرهابية من أية مبررات يستمدون إليها أو إلى أي تعاطف شعبي معهم ولعل أهم هذه الأسباب:

الفرع الأول: الأسباب السياسية
إن أغلب جرائم الإرهاب الدولي تقف وراءها أسباب ودوافع سياسية مما أدى للخلط بينها وبين الجرائم السياسية، ويشمل العامل السياسي كافة الظروف والمتغيرات المتعلقة بالتركيبة السياسية في مجتمع ما فقد يعبر عن رفض بعض الجماعات لمبادئ معينة على أن يتسم هذا الرفض بالعنف الدموي لإثارة الرأي العام ضد السلطات، وإظهار عجزها عن محاربتهم فضلا عن استهداف عملياتها لرموز تلك السلطة ، كما قد تعبر عن رفض السيطرة الاستعمارية وللسياسة العنصرية التي تنتهجها بعض الدول مما يبرر استخدامها للعنف للدفاع عن النفس وهو ما شجع على انتشار بؤر التوتر في معظم دول العالم سيما دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأوروبا بالإضافة إلى التوسع الإمبريالي الذي يحمل في طياته النزعة العدوانية لأنه لا يحترم حدود الغير القومية والتاريخية والدينية، في الوقت الذي يتغنى فيه المجتمع الدولي بالديمقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان . ولا شك أن لمخابرات بعض الدول دور كبير في خلق المنظمات الإرهابية وتمويلها من أجل إشاعة وتحريك الفتن بين بعض الأوساط، وتأجيج الغليان والعنف الداخلي بها خدمة لمصالحها الإستراتيجية بتقديم المساعدات وتوفير الدعم وإيواء عناصرها ورفضها تسليمهم للسلطات المختصة لمحاكمتهم.
إن الحال التي آلت إليها الأوضاع الدولية الراهنة توفر حتما البيئة المواتية لاستفحال ظاهرة الإرهاب ويمكن ذكر بعض هذه الدوافع في:
- سقوط الشيوعية كتحالف عسكري وانفراد الولايات المتحدة بسلطة القرار في المجتمع الدولي.
- الموقف المخزي لمجلس الأمن وعجزه عن اتخاذ موقف قانوني أو أخلاقي جاد فيما يحدث من انتهاكات حقوق الإنسان.
- وجود بؤر للتوتر في معظم دول العالم سواء في الشرق الأوسط أو أمريكا أو أوروبا فضلا عن الرواسب الاستعمارية.

الفرع الثاني: الأسباب الاقتصادية والاجتماعية
ازداد تعاظم دور الاقتصاد في الحياة الدولية كونه المعيار في تصنيف الدول إلى غني وفقير، قوي وضعيف لذلك فقد أصبح التخريب المتعمد للاقتصاديات العالمية من أهم دوافع الإرهاب للفترة الحالية وهذا ما تعرضت له مصر من " تفجيرات الأقصر" سنة 1998 والذي ضرب أهم المناطق السياحية الأثرية كما قامت بعض الجهات المجهولة بتلغيم بعض الأجزاء من البحر الأحمر من أجل حرمان مصر من عائدات قناة السويس والتأثير على دول الخليج باعتبار أن البترول يشكل أحد أهم دعائم الاقتصاد بها .
ويظهر العامل الاجتماعي بوضوح كدافع قوي للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية بسبب تفشي الفقر والبطالة والتضخم وارتفاع الأسعار مما يؤدي إلى العجز عن تلبية ضروريات الحياة الإنسانية الكريمة، وهو ما ينعكس إلى نقمة الفرد على المجتمع نتيجة ما يراه من ظلم وإهدار للحقوق ومع اليأس والإحباط تتراكم الأحقاد في نفسه ولا يجد طريقا لإثبات وجوده وتحقيق ذاته إلا عن طريق العنف والتطرف .

الفرع الثالث: الأسباب الثقافية والدينية
لما كان معظم المتلقين لما يمكن أن نسميه ثقافة الإرهاب هم من الشباب وصغار السن فإن هذا يوضح مدى أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه العوامل الثقافية في دفع هؤلاء الشباب نحو التطرف والاغتراب الفكري والثقافي والتعصب المذهبي مما يؤجج الصراعات والفتن بين طوائف المجتمع الواحد، وهنا يبرز دور التوعية بالثقافة الدينية الصحيحة في ضبط السلوك الاجتماعي وتوجيهه.
كما يمكن أن تدفع على الإرهاب حالة الاضطهاد والاستهانة بالقيم الدينية من جانب الدولة وإهدارها لحقوق الأقليات مما يقودها إلى العنف دفاعا عن تلك القيم ضد الأغلبية أو ضد أجهزة الدولة نفسها وتشهد على ذلك أمثلة كثيرة " كالسيخ في الهند"، " اليهود المتطرفين في إسرائيل" و" جماعات الإسلام السياسي في مصر والجزائر"، كما يعد الخوف من الغزو الثقافي أثر يدفع بالتيارات المتطرفة إلى العنف بحجة محاربة الثقافات الوافدة باعتبارها من الرذائل التي يجب التخلص منها . وبذلك حلت الصراعات الطائفية والمذهبية محل الصراع الدولي وليس أدل على ذلك مما شهده الوضع في أفغانستان أثناء حكم طالبان بزعامة " الملا عمر" حيث تم حضر جميع الأنشطة الثقافية ومنع على المرأة حقوقها في المواطنة والتعبير وهو ما دفع الولايات المتحدة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى إعداد العدة العسكرية لشن الحرب على أفغانستان بذريعة مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذا البلد.

الفرع الرابع: الأسباب التاريخية
تكمن وراء بعض العمليات الإرهابية دوافع تاريخية أساسها الانتقام من دولة سبق لها وأن قامت بتصرفات وحشية أو أعمال إبادة جماعية ضد رعايا دولة أخرى في حقب تاريخية ماضية وخير مثال على ذلك الجرائم التي ارتكبتها منظمة " جيش التحرير الأرميني" ضد الأتراك كنوع من الثأر التاريخي للمذابح التي ارتكبتها تركيا ضد الشعب الأرميني في بداية القرن العشرين وإن كان ذلك لا ينف وجود دوافع سياسية أخرى وهي إقامة دولة أرمينية جنوب تركيا وشمال العراق .
كما أنه من الممكن أن تقع بعض الجرائم الإرهابية لأجل تحقيق بعض المطالب الشخصية البحتة، وتتميز بمخالفتها للقوانين الوطنية الجنائية و في ذات الوقت تتسم بالصفة الدولية سواء بالنظر إلى شخصية الضحايا أو الجناة ومن أهم ما تهدف إليه:
- ابتزاز الأموال من شركات الطيران المختلفة عن طريق خطف الطائرات وطلب فدية تصل أحيانا لملايين الدولارات، ففي سنة 1972 قامت جماعة من الأمريكيين السود بخطف طائرة أمريكية وطلبوا بالمقابل فدية قدرها مليون دولار للإفراج عن المسافرين وبعد ذلك تم الهبوط بها بمطار الجزائر العاصمة .
- الرغبة في مغادرة إقليم الدولة هروبا من تنفيذ الأحكام القضائية كحادثة خطف الطائرة التابعة للخطوط الجوية الأمريكية سنة 1971 والتي حطت بكوبا ليتضح من التحقيقات أن السبب هو مطاردة الشرطة لأحد الخاطفين بسبب ارتكابه لجريمة قتل وفراره من العدالة.

المبحث الثاني: أشكال الإرهاب، أساليبه وتمييزه عن الصور المختلطة به
يخلط البعض أثناء استعراضه وبحثه لصور وأشكال الإرهاب بينها وبين أساليبه وطرق تحقيق تلك الصور وهذا ناتج عن الخلط بين الإرهاب في حد ذاته والعمل الإرهابي وهو ما رأيناه عند استعراضنا تعريف الإرهاب حيث عرَّف العديد من الفقهاء العمل الإرهابي بدلا من الإرهاب وذلك بوضع وصف كامل لصوره المختلفة على أنها هي المقصودة بالإرهاب. وفيما يلي سنتطرق إلى دراسة أهم الأشكال والأساليب الإرهابية وإلى الحدود الفاصلة بينها وبين بعض الصور المختلطة بها.

المطلب الأول: أشكال الإرهاب
إذا كان الإرهاب عمل لا إنساني و لا أخلاقي فان هذا ينطبق على الإرهاب بجميع أشكاله و صوره وأيا كان مرتكبوه، وأشكال الإرهاب لا تقع تحت الحصر فتجارب و ممارسات الدول والجماعات الإرهابية ما زالت تكشف عن صور جديدة له و أمام استحالة الإحاطة بكل هذه الأشكال فإننا سوف نتطرق إلى دراسة أهمها:

الفرع الأول: الإرهاب من حيث مرتكبيه
يمكن تقسيم الإرهاب من حيث مرتكبيه إلى نوعين رئيسيين و هما إرهاب الدول وإرهاب الأفراد و الجماعات.
أولا: إرهاب الدولة:
من الثابت تاريخيا أن الأنظمة الديكتاتورية استخدمت الرعب كأداة للقمع و التحكم في مصير شعوبها حتى أن البعض رأى أن إرهاب الدولة هو الصورة الرئيسية للإرهاب و لكنهم في ذات الوقت يرفضون عبارة "دولة إرهابية" و يفضلون عبارة " وسيلة حكم إرهابية" لان الدول بمعزل عن كل اتهام وفوق كل الشبهات وهو نوعان:
1. إرهاب الدولة الداخلي:
يعرف باستعمال الدولة العسكرية أو السلطوية لوسائل العنف و القمع لإثارة الرعب بين أوساط الشعب من اجل تحقيق أهداف سياسية كالاحتفاظ بالسلطة أو إسكات أصوت المعارضة من خلال تقييد الحريات الأساسية للمواطن و التعسف في استعمال السلطة مثل ما شهدته ألمانيا النازية خلال عهد هتلر.وتجدر الإشارة إلى عدم وجوب الخلط بين الأعمال الإرهابية التي تمارسها الدولة على إقليمها وبين أعمال إبادة الجنس"Le génocide " الذي يمارس ضد الأقليات العرقية أو الدينية.
2. إرهاب الدولة الخارجي:
ويتمثل في صورة قيام دولة بغارات عسكرية ضد مدنيين في دولة أخرى من اجل أهداف إستراتيجية ومن الأمثلة نشير إلى العدوان الأمريكي على الجماهيرية الليبية في 14 أفريل 1986 والعدوان الإسرائيلي على لبنان خلال جوان 2006، كما يمكن أن تتخذ في صورة عمليات الدعم والتمويل وتؤكد بعض الدراسات ضلوع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية في عمليات إرهابية خلال الحقبة الشيوعية .
ثانيا: إرهاب الأفراد والمجموعات
ويطلق عليه كذلك بالإرهاب غير السلطوي لأنه يوجه ضد الدولة من طرف بعض العناصر المناوئة لها من اجل زعزعة النظام السياسي القائم وإحداث تغيير كامل وشامل في التركيبة السياسية والاجتماعية طبقا لمنظور إيديولوجي معين.

الفرع الثاني: الإرهاب من حيث الهدف منه
تختلف الأهداف التي تسعى إليها الحركات الإرهابية و يمكن أن نميز بين الأهداف الإيديولوجية، الأهداف الانفصالية، والأهداف الإجرامية وعلى أساس ذلك تتعدد أشكال الإرهاب على النحو التالي:
أولا: الإرهاب الإيديولوجي " الإرهاب العقائدي"
وفيه يقاتل الإرهابيون بهدف تحقيق إيديولوجية معينة يؤمنون بها مثل ما حدث في روسيا عند قيام الثورة البلشفية سنة 1917، و قد يكون ا لهدف دينيا مثل الذي عرفته القرون الوسطى في أوروبا من خلال محاولات فرض الموالاة للكنسية الكاثوليكية في روما.
ثانيا: الإرهاب الانفصالي " الإرهاب الاثني"
وهذا النوع يقتصر على الأفراد و المجموعات السياسية و يقوم على أسس عرقية أو قومية و غايته الانفصال عن الدولة الأم وفي المقابل الاعتراف بالاستقلال لمجموعة أو جنس معين ومن الأمثلة الراهنة " منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي IRA" و" منظمة إيتا الانفصالية في اسبانيا ETA" و" حركة التاميل في سيريلانكا".
ثالثا: الإرهاب الإجرامي
وهو النوع الذي تحركه دوافع شخصية، اقتصادية أو اجتماعية متخذا أساليب مختلفة مثل الابتزاز، السطو المسلح، أخذ الرهائن، وغيرها من صور الإجرام الفردي والمنظم والذي يرفض البعض إلصاق تهمة الإرهاب به .

الفرع الثالث: الإرهاب من حيث نطاقه
يمكن تقسيم الإرهاب من حيث مداه و امتداد آثاره إلى إرهاب محلي تنحصر ممارساته و عملياته داخل الدولة و إرهاب دولي يمتد عبر مجموعة من الدول.
أولا: الإرهاب المحلي
وهو النوع الذي تمارسه التنظيمات ذات الأهداف المحدودة داخل نطاق الدولة و لا يتجاوز حدودها كما انه لا يوقع ضحايا من الأجانب بمعنى انه يتطلب المحلية في جميع عناصره سواء من حيث منفذي العمليات أو مكان التخطيط و التنفيذ أو حتى بالنسبة لجنسية الضحايا و يرى جانب من الفقه أن الإرهاب المحلي لم يعد له سوى الاسم في الوقت الراهن و انه أصبح صورة نادرة وذلك بسبب تشابك المصالح الدولية إضافة إلى التحالفات الإجرامية بين المنظمات الإرهابية عبر العالم وبين عصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود لتفسح المجال لم يسمى بالإرهاب الدولي.
ثانيا: الإرهاب الدولي
ويقصد به الأعمال الإرهابية التي تتخطى حدود الدول و تتعدى الأوطان و تأتي صفة الدولية سواء لاعتبارات المكان أو الشخص أو المصلحة المستهدفة و تتميز بتعدد المشاركين فيها والمدبرين لها من مخططين ومنسقين ومنفذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة تجمعهم إيديولوجية دينية وسياسية واحدة و تتميز هذه الجماعات بعدم الاستقرار على إقليم واحد إضافة إلى انتشار خلاياها عبر العالم مما زاد في صعوبة تعقبها و متابعة عناصرها.
لقد أصبح الإرهاب الدولي صورة حقيقية للتعبير عن الكراهية و الرفض الشديد للآخر و يؤكد تقرير " لجنة بريمر" التي شكلها " الكونجرس الأمريكي" لدراسة الظاهرة أن الجماعات الإرهابية تتسم بغموض الهدف السياسي حتى انه بات من الصعب الوقوف عند هدف محدد و حسب نفس التقرير فان الهدف هو مجرد الانتقام من الولايات المتحدة الأمريكية حكومة و شعبا .
وما زاد في تفاقم أخطار الإرهاب الدولي و تداعياته غير المسبوقة هو المعطيات الجديدة التي فرضتها العولمة على الساحة الدولية من انفتاح بين الدول و تشابك السياسات الاقتصادية والمالية والمعلوماتية وقد أثبتت أحداث 11 سبتمبر2001 التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية أن الإرهاب الدولي ظاهرة معقدة وخطيرة خاصة وأن الإرهابي يعمل تحت شعار " الغاية تبرر الوسيلة" وهو شعار هدام لكل تقدم في المجتمع وهي كذلك ستلازم المجتمع الدولي طالما ظلت دوافعه السياسية و الاجتماعية و الثقافية قائمة.

المطلب الثاني: أساليب الأعمال الإرهابية
ينتهج الإرهاب في سبيل تحقيق أهدافه أساليب كثيرة تتناسب مع طبيعة الأهداف المبتغاة من جهة ومع مسرح العمليات الإرهابية من جهة أخرى ، وإذا كانت أشكال الإرهاب هي خارج الحصر كما سبقت الإشارة إليه فإن أساليبه تستعصي هي الأخرى وبدرجة أكبر ومن ثمة سنقتصر على بيان الصور الأكثر شيوعا .

الفرع الأول: الاختطاف
يعتبر الاختطاف من الأساليب الإرهابية المستخدمة لتوفير الأموال والدعم المادي للتنظيمات، و قد تقع على وسائل النقل أو على الأشخاص وذلك على النحو التالي:
أولا: اختطاف وسائل النقل
يمارس الإرهابيون أسلوب خطف وسائل النقل سيما الطائرات المدنية وذلك بعد تزايد أهمية النقل الجوي ، وقد شهدت سنة 1968 أكبر عدد من الحوادث حيث بلغ نحو 87 حادثة اختطاف تتراوح أهدافها بين مجرد طلب فدية يستعان بها في تمويل المنظمات الإرهابية ، وبين محاولة شد انتباه الرأي العام العالمي لقضية معينة وحشد أكبر قدر ممكن من الدعاية والدعم لها.إلا أنه وبالمقابل فقد ظهر ما يعرف بجرائم التخريب الجوي والتي تتضمن الاستيلاء على الطائرات بصورة غير قانونية وتفجيرها في الجو مثل حادثة تفجير الطائرة الهندية شمال المحيط الأطلسي سنة 1985 والتي راح ضحيتها 329 شخصا.
ثانيا: اختطاف واحتجاز الأشخاص
ترتكب معظم هذه الجرائم من أجل ممارسة الضغط على طرف معين إما لتحقيق أغراض سياسية أو مكاسب شخصية وذلك بطلب فدية مقابل الإفراج عن الرهائن ومن أهم الشواهد التاريخية عملية احتجاز وزراء دول " منظمة الأوبيك " الإحدى عشر عام 1975 وطلب فدية تقدر بــ25 مليون دولار لإطلاق سراحهم ، وكذا حادثة اقتحام مقر السفارة الأمريكية في كوالالامبور من طرف عناصر من "منظمة الجيش الأحمر الياباني" واحتجاز العاملين بها بما فيهم القنصل الأمريكي للضغط على الحكومة اليابانية للإفراج عن معتقلين سياسيين، وقد تنتهي عملية الاحتجاز بقتل الرهائن وإذاعة الخبر على وسائل الإعلام وشبكات الإنترنت مثل الأسلوب الذي تنتهجه الحركات المسلحة في العراق ضد الرهائن الأجانب .

الفرع الثاني: الاغتيال السياسي
يعد الاغتيال من أقدم الأساليب الإرهابية المستخدمة والذي يقف وراءه أسباب لبث الرعب والخوف في نفوس القادة وإظهار عجز السلطات عن تحقيق الأمن الداخلي ومن أشهر الحوادث حادثة اغتيال الرئيس المصري" أنور السادات" في أكتوبر سنة 1981 ومحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس "حسني مبارك" في أديس بابا سنة 1996، وكذا محاولة استهداف موكب الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة " في 06 سبتمبر2007 بولاية باتنة شرق الجزائر.
وبالمقابل يمكن أن تلجأ إليه الدولة من أجل تصفية عناصر معينة من المعارضة أو لعناصر تابعة للمنظمات التحررية كسلسلة عمليات " الموساد" الموجهة ضد أعضاء " منظمة التحرير الفلسطينية ".


الفرع الثالث: استخدام المتفجرات
لقد أصبح استخدام المتفجرات الأسلوب المفضل للتنظيمات الإرهابية في لتحقيق أهدافها ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها:
- سهولة استخدام المتفجرات فضلا عن سهولة الحصول عليها.
- كفاءة الاستخدام وحجم الخسائر المادية والبشرية التي تخلفها فضلا عن ما تحدثه من ردود فعل وتأثير نفسي في الأوساط الرسمية والشعبية.
- درجة السلامة والأمان الذي تحققه على مستخدميها وذلك بفضل استعمال تقنيات التحكم عن بعد .
- دقة الوصول إلى الشخص أو المكان المستهدف عن طريق تنفيذ العمليات الانتحارية بواسطة الأحزمة الناسفة.
وقد دفعت هده الخطورة إلى تقدم الولايات المتحدة باقتراح لإبرام معاهدة دولية تنظم التعاون بين الدول في سبيل مكافحة الهجمات التفجيرية في الأماكن العامة، والتي يمكن من خلالها إلزام الدول الأطراف بمحاكمة أو تسليم مرتكبيها إلى العدالة، وهو ما تم تقريره في الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل المبرمة في نيويورك بتاريخ 15 ديسمبر 1997، والتي دخلت حيز النفاذ في 23 ماي 2001.

المطلب الثالث: الإرهاب وما يختلط به من صور
إن الإرهاب بوصفه سلوكا عنيفا يهدف إلى تحقيق أهداف وأفكار إيديولوجية قد يختلط بغيره من الصور وهذا الخلط تترتب عليه نتائج هامة تؤثر إلى حد بعيد في طرق مكافحته ومن أهم تلك الصور نجد حروب التحرير الوطنية وجرائم القانون العام وذلك على النحو التالي:

الفرع الأول: حروب التحرير الوطنية
ويقصد بها أعمال المقاومة التي تصدر عن حركات التحرير الوطني و بدعم شعبي لها من أجل نيل الاستقلال ، وقد استفادت هذه الحركات من اعتراف المجتمع الدولي بها من خلال إقرار مبدأ حق تقرير المصير كأحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي مما أضفى الشرعية على العمليات التي تقود لتحقيق هذا الحق .
وقد وضع المؤتمر الدبلوماسي الذي أقر بروتوكولي جنيف الأول والثاني سنة 1977 شروطا لذلك وهو وجوب توجيهها ضد قوات الاحتلال الأجنبي والأنظمة العنصرية، ومن ثم فإن حروب التحرير الوطنية تطلق على النزاعات المسلحة التي تقودها الشعوب ضد السيطرة الأجنبية وتتميز بالعنصر الوطني مما يجعلها تتميز عن الحروب الانفصالية التي تعارض مبدأ الوحدة الإقليمية المنصوص عليه في المادة 02 فقرة 04 من ميثاق الأمم المتحدة والسؤال الذي يبقى مطروحا ما هي الحدود الفاصلة بين أعمال الإرهاب والكفاح المسلح من أجل نيل الاستقلال؟
أولا: من حيث الطبيعة والهدف
تتميز حروب التحرير الوطنية بالطابع العسكري والدعم الشعبي في حين لا تحظى العمليات الإرهابية بأي تأييد كما أن الدافع إلى الكفاح المسلح هو تحرير الأرض وتخليص الوطن من رقبة الاستعمار ومن أهم الشواهد التاريخية قيام " الثورة الجزائرية" ضد الاستعمار الفرنسي 1830-1962 في حين يبقى الباعث على ارتكاب الجريمة الإرهابية مجرد الابتزاز والتخريب وإشاعة العنف والتوتر في العلاقات الداخلية والخارجية.
ثانيا: من حيث الشخص المستهدف
من الواضح أن حركات التحرير تقوم بعملياتها ضد عدو أجنبي وضد أهدافه العسكرية دون أن تطال يدها المدنيين العزل وعلى العكس بالنسبة للأنشطة الإرهابية فباعتبارها ظاهرة إجرامية فإنها توجه في الغالب ضد الأبرياء لنشر الرعب... وتبدو أهمية العنصر الأجنبي في عملية التمييز وإن كان استهداف بعض حركات التحرير لبعض الأهداف البريئة قد أثار النقاش حول شرعيتها وهو ما يراه البعض إساءة إلى نضالها الوطني مما دفعها إلى إعادة حساباتها والعودة للمواجهة المباشرة مع العدو .
ثالثا: من حيث السند القانوني
أوضحنا فيما سبق أن الكفاح المسلح يستند إلى مجموعة من المبادئ التي أقرها القانون الدولي وقد تبنت منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإقليمية موقف الإقرار بشرعية نضال هذه الحركات ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3237 لعام 1974 في دورتها 29 بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ومنحها عضوية مراقب في الجمعية العامة ومنظمات وأجهزة الأمم المتحدة، وفي الدورة 30 لعام 1975 أكد القرار رقم 3375 على أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي لشعب فلسطين .
بالإضافة إلى المبادئ التي أقرتها اتفاقية لاهاي 1907 واتفاقيات جنيف الأربع الخاصة بالمرضى والجرحى والأسرى حيث أضفت الحماية القانونية على كافة ضروب المقاومة، وجاء في وصف الاتفاقية الرابعة لأفراد المقاومة المسلحة بوصف المحاربين وهو ما يعني معاملتهم كأسرى في حال وقوعهم في قبضة العدو وذلك بشروط:
- أن يكونوا تحت قيادة شخص مسئول عن مرؤوسيه.
- أن تكون لهم علامة تميزهم عن غيرهم.
- حمل السلاح بشكل ظاهر.
- ممارسة عملياتهم طبقا لقانون الحرب.
- عدم شرعية العدوان والاحتلال.
لكن هذا الاعتراف بالحق في المقاومة المسلحة لم يلق اعترافا كاملا من طرف القوى العظمى واعتبرتها نوعا من الإرهاب الدولي الذي يجب مواجهته تحت غطاء " الحرب الدولية لمكافحة الإرهاب".

الفرع الثاني: جرائم القانون العام
ترتكب الجرائم الإرهابية في سياق سلوك إجرامي مناف للسلوك الاجتماعي ومخالف للقوانين الوطنية والدولية وبالتالي فإنه من وجهة نظر قانونية ينبغي تجريمها ومتابعة مرتكبيها، وتخضع شأنها شأن الجريمة العادية لإجراءات محاكمة وتسليط عقوبات رادعة وتنفيذها ضمانا لحماية الممتلكات وسيادة مبدأ الشرعية إلا أن الجريمة الإرهابية تبقى تتميز عن الجريمة العادية فيما يلي :
- أنها تعد من الجرائم ا لمركبة والمعقدة وتتكون من سلسلة من الجرائم المتداخلة ذات طبيعة واسعة النطاق وتجري بمخالفة عدد من القوانين المحلية والدولية.
- تتميز بنشاط إعلامي واسع يشكل جزءا كبيرا من حجمها حيث أصبحت تقوم بنشر وقائع العمليات على شبكات الإنترنت من أجل التأثير النفسي وإحداث ردود فعل سريعة حولها.
- تهدف إلى تحقيق أبعاد وغايات سياسية بحيث يمكن أن تتحول إلى سلاح بيد الأنظمة الديكتاتورية لتصفية معارضيها في الداخل والخارج وبيد القوى الدولية المسيطرة لإحداث الاضطرابات وإعاقة تطور المجتمعات النامية.
- الدعم الدولي الذي تحظى به الحركات الإرهابية فغالبا ما تقف خلفها قوى دولية تمدها بالسلاح والأموال كما تسهل لها التنقل عبر أراضيها وتهتم بعض دوائر المخابرات الدولية وتتخذ منه وسيلة لتنفيذ أهداف وسياسات بلدانها .
- الجريمة الإرهابية تعبير عن عنف منظم تقوده مجموعات ومنظمات ذات قدرات وإمكانات تنظيمية كبيرة تتسم عملياتها بالتخطيط المسبق والتنفيذ الدقيق وبذلك أصبح الإرهاب يشكل أحداهم دوائر الجريمة المنظمة العابرة للحدود إلى جانب شبكات المخدرات والمتاجرة بالسلاح.

خلاصة الفصل الأول:
إن الإرهاب كشكل جنائي وجد منذ عدة قرون وقد أصبح أحد أساليب الصراع السياسي الذي يمكن أن تلجأ إليه كل القوى السياسية فقد استخدمته الثورة الفرنسية باسم العدالة واستخدمه الثوار الشيوعيون في روسيا، وكذلك عناصر الثورة المضادة لها، وتأتي صعوبة التوصل إلى تحديد تعريف الإرهاب لاختلاطه بظاهرتي العنف والتطرف، وارتباطه في أذهان الكثيرين بديانات وجنسيات محددة وتجاوزه حدود الدول ليتخذ أبعادا إقليمية ودولية.











الفصل الثاني: الإطار القانوني لمكافحة الإرهاب الدولي

بظهور مشكلة الإرهاب الدولي واستمرار الفشل في التوصل إلى معاهدة دولية جامعة مانعة لمكافحته فقد ظهرت الحلول الجزئية لمواجهة تلك الأعمال التي تتسم بالخطورة على المصالح الدولية الحيوية وذلك في شكل إبرام اتفاقيات تعنى كل واحدة منها بمظهر أو أكثر من مظاهر العمل الإرهابي معتبرة إياه جريمة دولية.

وقد تزايد الاهتمام بفكرة التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 ليصبح من أهم التحولات المنهجية للاستراتيجيات القانونية والأمنية سواء في إطار هيئة الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية وحتى منظمة الشرطة الجنائية الدولية.

وفي هذا الفصل سوف نبحث دور الأشخاص الدولية في مجال مكافحة الإرهاب الدولي وذلك على النحو التالي:
المبحث الأول: مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي.
المبحث الثاني: مكافحة الإرهاب على الصعيد الإقليمي.

المبحث الأول: مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي
لقد تزايد اهتمام المجتمع الدولي منذ منتصف القرن العشرين باتخاذ إجراءات فعالة في مواجهة الجريمة الإرهابية بكافة صورها وأشكالها، ولأجل ذلك فقد عملت الدوائر الرسمية في العديد من الدول والمنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة على وضع اتفاقيات وإصدار تقارير وتوصيات تدين فيها جميع صور الإرهاب الدولي وتحث فيها الدول على اتخاذ التدابير المناسبة لردع هذه الجرائم.

المطلب الأول: دور منظمة الأمم المتحدة
تكاد تجمع كل الآراء على أن مسألة الإرهاب لم تثر بشكل جدي وفعال على نطاق دولي إلا إثر حادثة اغتيال ملك يوغسلافيا " اسكندر الأول" ووزير خارجية فرنسا " لويس بارتو" على يد أحد المواطنين الكروات في مدينة مرسيليا سنة 1934 بحيث تقدمت فرنسا بمشروع اتفاقية أمام "عصبة الأمم" بشأن تجريم الإرهاب، وقد تمخض عن مسعاها إبرام اتفاقيتين سنة 1937 تتعلق الأولى بمنع وقمع الإرهاب والثانية بإنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين بأعمال إرهابية . ومن هذا المنطلق فإن أول تجريم للإعمال الإرهابية جاء من القانون الدولي وليس من القوانين الداخلية وإن كان لم يكتب لهذه الاتفاقية التنفيذ بسبب ظروف قيام الحرب العالمية الثانية.
وبعد إنشاء هيئة الأمم المتحدة فقد حاولت وضع الحلول الجدية لمحاصرة الظاهرة والقضاء عليها بداية بمحاولة وضع تعريف للإرهاب والبحث عن أسبابه ووسائل مكافحته حيث جاء في تقرير الأمانة العامة للأمم المتحدة في دراسة لها للظاهرة سنة 1972 أنه يتعين البحث عن الأسباب الكامنة وراء أشكال العنف وعن العوامل التي تنشأ عن البؤس وخيبة الأمل والشعور بالظلم واليأس والتي تدفع البعض إلى التضحية بأرواحهم سعيا منهم إلى إحداث تغييرات جذرية داخل مجتمعاتهم . كما نجحت المنظمة في إبرام العديد من الاتفاقيات من أهمها اتفاقية نيويورك لسنة1973 والخاصة بمنع وقمع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص الدوليين والمتمتعين بالحصانة الدولية والثانية سنة 1979 والخاصة بمكافحة اختطاف وأخذ الرهائن. وفي سنة 1997 أبرمت بنيويورك الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل ثم الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب سنة 1999 أما الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي والتي أقرت في 13 أفريل 2005 فلم تدخل حيز النفاد بعد لعدم حصولها على العدد المطلوب من التصديقات وهو22 تصديقا.
وفيما يلي سنتعرض إلى أهم قرارات الجمعية العامة و مجلس الأمن ذات الصلة بالإرهاب الدولي وذلك على النحو التالي:

الفرع الأول: قرارات الجمعية العامة
لقيت الأعمال الإرهابية إدانة واسعة من طرف هيئة الأمم المتحدة وقد صدر عن الجمعية العامة في 12 ديسمبر 1969 القرار رقم 2551 يدين تحويل مسارات الطائرات المدنية وأوضحت عن قلقها المتزايد نحو التدخل غير المشروع في حركة الطيران المدني الدولي ودعت الدول إلى دعم ومساندة الجهود المبذولة من المنظمة الدولية للطيران المدني في مكافحة هذه الظاهرة وإلى الإسراع بالتصديق والانضمام لاتفاقية طوكيو لسنة 1963 المتعلقة بقمع الجرائم المرتكبة على متن الطائرات.
وقد صدر لها قرارا آخر في 30 أكتوبر 1970 تحت رقم 2645 في دورتها 35 يدين التدخل وتحويل مسارات الطائرات أو اختطافها وكافة عمليات أخذ الرهائن التي تنجم عنها، وطلبت من كافة الدول الأعضاء اتخاذ تدابير مناسبة لردعها. وفي القرار رقم 3034 الصادر في ديسمبر 1972 وضعت الجمعية العامة لجنة خاصة بالإرهاب الدولي وقد قسمت إلى ثلاث لجان لجنة التعريف، لجنة تحديد أسباب الإرهاب، لجنة تحديد التدابير الواجب اتخاذها لمنع الإرهاب، وقد أصدرت اللجنة توصياتها بعد مناقشات واسعة أظهرت خلافا عميقا في الرأي حول تعريف الإرهاب ولا تزال اللجنة الخاصة بالإرهاب الدولي تمارس أعمالها طبقا للقرار 3034 ولكنها لم تصل إلى إبرام المعاهدة الدولية المنشودة رغم دعوات واقتراحات عدة مندوبين في عقد مؤتمر دولي تحت مظلة الأمم المتحدة يهدف إلى تعريف الإرهاب والتمييز بينه وبين نضال الشعوب المشروع فضلا عن تحديد المسؤولية الدولية للأطراف التي يثبت تورطها في أعمال إرهابية .
وفي سنة 1985 صدر القرار رقم 40/61 حثت من خلاله الجمعية العامة جميع الدول فرادى وبالتعاون مع الدول الأخرى ومع أجهزة الأمم المتحدة على المساهمة في القضاء التدريجي على الأسباب الكامنة وراء الإرهاب الدولي وأن تولي اهتماما خاصا ببعض الحالات بما فيها الاستعمار والعنصرية والحالات التي تنطوي على الانتهاكات لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. وفي قرارها رقم 49/60 لسنة 1995 عبرت الجمعية العامة عن قلقها البالغ إزاء ما تشهده مناطق كثيرة من العالم من تزايد في أعمال الإرهاب القائمة على التعصب والتطرف دون أن تبدي اهتماما للأسباب التي تغذي هذا التعصب وهو ما يتعارض مع العنوان الذي اعتمدته لقرارها رقم 30/34 الذي سبقت الإشارة إليه كما لم تلتفت إلى الإرهاب الذي تمارسه القوى الكبرى ولمعاناة الشعوب الفقيرة.
وتبقى هذه القرارات مجرد " توصيات" سواء كانت على شكل "مناشدة" أو " دعوة" ولا تصل لدرجة " القرار" ذلك أنها ليست لها أية قيمة قانونية ملزمة وإنما هي ذات قيمة أدبية فقط.

الفرع الثاني: قرارات مجلس الأمن
أمام تزايد ظاهرة اختطاف الطائرات والتي تفشت مع أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، أصبحت هذه الأخيرة تشكل تهديدا للسلم والأمن في العالم لذلك فقد صدر القرار رقم 276 عن مجلس الأمن في 9 سبتمبر 1970 كرد فعل على عملية الاختطاف الجماعية لعدد من الطائرات التي تم التوجه بها إلى احد المطارات بالأردن وطلب من الدول اتخاذ التدابير العاجلة لمنع تجدد مثل تلك العمليات ثم أعقب ذلك صدور قرار في 20 جوان 1972 يتضمن قلقه العميق إزاء الخطورة التي تشكلها على حياة الركاب .
ويبقى الاختلاف بين الدول حول تحديد المدلول الحقيقي للإرهاب هو السبب في تعطيل الجهود الدولية لمكافحته، ففي حين ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن حركات التحرر حركات إرهابية متهمة الدول العربية والإسلامية بأنها بيئة منتجة وداعمة للإرهاب مثل السودان وسوريا وإيران فإنها في نفس الوقت تعتبر الغارات الإسرائيلية على لبنان، والمجازر اليومية في حق الشعب الفلسطيني من قبيل الدفاع المشروع، وقد كان لهذه السياسة - التي تقوم على الكيل بمكيالين في وزن العمليات الإرهابية- الأثر العميق على جهود هيئة الأمم المتحدة عموما ومجلس الأمن بوجه خاص والذي أصبح أداة في يد الإدارة الأمريكية يفوض لها حق التدخل وشن حروب عدوانية على دول أعضاء في المنظمة تحت مسميات مكافحة الإرهاب. فقبل انطلاق العمليات العسكرية الأمريكية على أفغانستان في 07 أكتوبر 2001 كان مجلس الأمن قد أصدر قراره رقم 1368 و1373 حيث اعتبر بموجبهما أن اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر تشكل تهديدا حقيقيا للسلم والأمن الدوليين واتخذ إجراءات عاجلة لمواجهة تداعيات الأزمة كما وجه دعوته للمجتمع الدولي من أجل مضاعفة الجهود لمنع تجددها معربا عن استعداده للرد على الهجمات التي وقعت ضد الولايات المتحدة الأمريكية وفقا لمسئولياته المنصوص عليها في الميثاق. وفي مقابل ذلك تبنى مجلس الأمن القرار 1456 سنة 2003 والذي أكد فيه أن الإرهاب لا يمكن دحره وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي إلا باتباع نهج شامل ينطوي على مشاركة وتعاون فعلي من جانب كافة الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، وفي ظل تواصل الجهود لتعزيز الحوار وتوسيع نطاق التفاهم بين الحضارات في إطار جهد يرمي إلى منع الاستهداف العشوائي للأديان والثقافات المختلفة ومواصلة حملة معالجة النزاعات الإقليمية والقضايا العالقة بما فيها قضايا التنمية، ومنذ سنة 2001 عقدت لجنة مكافحة الإرهاب أربعة اجتماعات مع منظمات دولية وإقليمية للبحث في الكيفيات التي يتم وفقها التعاون مع اللجنة في إطار الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وخلال أول تلك الاجتماعات التي عقدت في 06 مارس 2003 بمشاركة 57 منظمة تم الاتفاق على تبادل المعلومات والخبرات وعلى إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب في إطار قرار 1373، واستضاف ثلاثة اجتماعات متتابعة كل من منظمة الدول الأمريكية ولجنة الدول الأمريكية لمكافحة الإرهاب التابعة لها بواشنطن سنة 2003، ثم مكتب الأمم المتحدة المتعلق بالمخدرات في فيينا سنة 2004 والأخير عقد في كازاخستان سنة 2005 في إطار رابطة الدول المستقلة .
والواقع أن هذا الالتزام الصادر عن مجلس الأمن ما زال بحاجة إلى ترجمة فعلية كما أن القبول بالوجهة الجديدة التي أبداها بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 يعني إطلاق يد الولايات المتحدة التي تتمتع بحق " الفيتو" لضرب أي مكان في العالم.

المطلب الثاني: دور المنظمات الدولية المتخصصة
بعد أن تطرقنا إلى جهود هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب باعتبارها الجهاز الدولي المخول له حفظ الأمن والسلم في العالم سنتطرق فيما يلي إلى سبل مكافحة الاعتداءات غير المشروعة على الملاحة الجوية والبحرية في إطار المنظمة الدولية للطيران المدني ثم في إطار المنظمة الدولية للملاحة البحرية.

الفرع الأول: المنظمة الدولية للطيران المدني
ظهر إرهاب الطائرات منذ بداية الستينيات ومع كل مرة تقع فيها هذه الجرائم تتأثر اقتصاديات شركات النقل الجوي نظرا لعدم ثقة جمهور المسافرين في سلامة وأمن الرحلات الجوية وللتصدي لهذه الظاهرة التي لم تكن تخضع لقواعد قانونية دولية باستثناء مادة واحدة هي المادة 12 من معاهدة شيكاغو لسنة 1944 دعت المنظمة الدولية للطيران المدني جميع الدول لاتخاذ التدابير القانونية والأمنية والوقائية بالمطارات والطائرات لمنع وقوع هذه الحوادث وقد أسفرت جهودها عن إبرام ثلاث اتفاقيات دولية خاصة بمنع وقمع الإرهاب وهي:
 اتفاقية طوكيو لسنة 1963 المتعلقة بالجرائم المرتكبة على متن الطائرات، والتي دخلت حيز النفاذ سنة 1969.
 اتفاقية لاهاي سنة 1970 والمتعلقة بمكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات والتي دخلت حيز النفاذ سنة1971.
 اتفاقية مونتريال لسنة 1971 والمتعلقة بقمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني والملحقة ببروتوكول لقمع أعمال العنف غير المشروعة في المطارات والتي دخلت حيز النفاذ سنة 1973.
وقد لعبت هذه الاتفاقيات الدولية دورا هاما في تجانس وتنسيق القواعد الخاصة بمكافحة هذه الجرائم والتي أصبح يطلق عليها " الإرهاب الجوي" وذلك نظرا لما ترتبه من التزام على الدول بضرورة تعديل تشريعاتها بما يتفق مع محتواها.

الفرع الثاني: المنظمة الدولية للملاحة البحرية
تعتبر حادثة اختطاف السفينة " أكيلي لاورو" في 07 أكتوبر 1985 الدافع نحو إبرام اتفاقية دولية بدعوة من الجمعية العامة للأمم المتحدة للمنظمة الدولية للملاحة البحرية من أجل إعداد دراسة في الموضوع، وقد تقدمت كل من دولة مصر، إيطاليا والنمسا باقتراح مشروع اتفاقية لقمع الاعتداءات وأعمال العنف أو التهديد باستخدام العنف لخطف السفن أو السيطرة على شخص موجود على ظهرها أو إلحاق أضرار بها أو بحمولتها أو وضع المتفجرات أو مواد قابلة للانفجار بأية وسيلة كانت على ظهر السفن وقد تمت الموافقة عليها في 10 مارس 1988 ودخلت حيز النفاذ في 01 مارس 1992 وطبقا لنصوص الاتفاقية فان كل صورة من هده الصور تمثل جريمة قائمة بذاتها ضد الملاحة البحرية، ومن ثم لا يلزم اجتماع كل هده الصور بل يكفي أي منها لتوافر الاعتداء غير المشروع على الملاحة البحرية.


المطلب الثالث: دور منظمة الشرطة الجنائية الدولية
أمام اتساع دائرة الإجرام أصبح من الضروري تعاون كافة الأجهزة الأمنية في الداخل والخارج من أجل حفظ الأمن ومكافحة الجريمة ، وقد قطع التعاون الشرطي الدولي شوطا كبيرا كان أبرز العلامات على هذا التعاون إنشاء منظمة الشرطة الجنائية الدولية " الأنتربول" وفيما يلي سنتعرض إلى دور المنظمة في منع الإرهاب وقمعه .

الفرع الأول: دور الأنتربول في منع الإرهاب الدولي
يضطلع الأنتربول بدور حيوي في مجال منع جرائم الإرهاب الدولي عن طريق تحليل أنماط الأنشطة الإرهابية للتوصل إلى نتائج تسهم في إيجاد الوسائل الكفيلة لمنع وقوعها وتجنيب الأشخاص والأموال الآثار المدمرة لها، وذلك بواسطة جمع كل البيانات المتعلقة بالإرهابيين المطلوبين دوليا، والتي تمده بها المكاتب المركزية المتواجدة عبر أقاليم الدول الأعضاء وما ساعد على حركة تبادل المعلومات تزويد المنظمة بكافة وسائل الاتصال الحديثة لضمان سرعة نقل المعلومات والصور والبصمات سيما في ما يتعلق بجرائم خطف الطائرات واحتجاز الرهائن، ومدى فعالية هذا الدور أمر يتوقف على حجم المعلومات المتوافرة لديها ، وقد أسهمت في إحباط العديد من العمليات الإرهابية والقبض على مرتكبيها، ففي سنة 1976 تمكنت السلطات اليونانية من القبض على أحد الإرهابيين من ألمانيا الغربية سابقا بفضل التعاون مع الأنتربول.

الفرع الثاني: دور الأنتربول في قمع الإرهاب الدولي
يقوم الأنتربول بالتعاون وتنسيق الجهود مع الدول الأعضاء بملاحقة وتعقب الإرهابيين الهاربين ، وتسليمهم وتبدأ إجراءات الملاحقة والضبط بطلب يقدم إلى الأمانة العامة، ويشترط أن يحتوي على كل المعلومات اللازمة والمتعلقة بالمطلوب وبالوقائع التي تثبت تورطه في إحدى جرائم الإرهاب الدولي مع استثناء الجرائم السياسية والعسكرية وحينئذ تقوم الأمانة العامة بإصدار نشرة دولية إلى كافة المكاتب المركزية التابعة لها والموجودة عبر الدول الأعضاء في المنظمة، وفي حالة ضبط الإرهابي يتم تبليغ المكتب المركزي للدولة طالبة التسليم على أن تسلك هذه الأخيرة الطرق الدبلوماسية اللازمة لاستلامه.
كما أن الانتربول يحتفظ بملفات خاصة تحتوي على كافة البيانات المتعلقة بجرائم الإرهاب الدولي والإرهابيين الدوليين وأوصافهم، ويمكن عن طريق نشر هده المعلومات الكشف عن الجريمة مبكرا وضبط مرتكبيها أين ما كانوا .

المبحث الثاني: مكافحة الإرهاب الدولي على الصعيد الإقليمي
إن مسألة التصدي للجريمة ومحاصرتها تبدأ بوضع الآليات التشريعية والقضائية من طرف كل دولة ، وبخصوص الجريمة الإرهابية فقد تباينت السياسات الجنائية للدول واختلفت تجاربها في مكافحة الإرهاب إلا أنها اعتمدت في المقام الأول حماية أمنها وفرض سيادتها على أراضيها سيما بعد اتساع رقعة التهديدات الإرهابية وأمام تعثر الجهود في التوصل إلى إبرام معاهدة دولية تعنى بتعريف الإرهاب وتضع أسس وآليات مكافحته فقد ظهرت الحلول الجزئية لمواجهة تلك الأنشطة الخطيرة عن طريق إبرام اتفاقيات إقليمية وسن تشريعات داخلية وفي ما يلي سنتطرق إلى أهمها مع دراسة التجربة الجزائرية كنموذج لمكافحة الإرهاب.

المطلب الأول: الاتفاقية الأوربية لقمع الإرهاب لسنة 1977
لما كان من الأهداف الرئيسية للاتحاد الأوربي الحفاظ على حقوق الإنسان و حرياته الأساسية فإنه قد اهتم بمواجهة ظاهرة الإرهاب الدولي منذ تأسيسه حيث أدانت الجمعية الاستشارية للمجلس الإرهاب في العديد من قراراتها وتوصياتها وطالبت الدول الأوربية بضرورة تشديد العقاب على الإرهابيين كما أوصت بضرورة أخذ موقف أوربي موحد ضد الإرهاب الدولي وفي 12 جويلية 1976 أعلن الأمين العام لمجلس أوربا عن انتهاء لجنة الوزراء من وضع اتفاقية أوربية لمكافحة الإرهاب وقد تمت الموافقة عليها ودخلت حيز التنفيذ في 4 أوت 1977.

الفرع الأول: مضمون الاتفاقية
تتكون الاتفاقية الأوربية لقمع الإرهاب الدولي المبرمة سنة 1977 من ديباجة وستة عشرة مادة وجاء في الديباجة أن الهدف من الاتفاقية اتخاذ تدابير فعالة لتأكيد عدم إفلات الإرهابيين وتطبيق عقوبات رادعة عليهم وقد نصت المادة الأولى على الجرائم التي تشكل إرهابا دوليا وهي :
- الجرائم المنصوص عليها في اتفاقيتي لاهاي ومونتريال والمتعلقة بقمع الأفعال غير المشروعة الموجهة ضد أمن وسلامة الطيران المدني.
- الجرائم الخطيرة التي تشكل اعتداءا على حياة أو حرية أو سلامة أشخاص متمتعين بالحماية الدولية وكذلك تلك المتعلقة باحتجاز الرهائن.
- الجرائم التي تتضمن استخدام القنابل والقذائف والأسلحة الآلية والمتفجرات.
- محاولة ارتكاب أي من هذه الجرائم السابقة أو الاشتراك فيها.
وتسعى هذه الاتفاقية إلى إلزام الدول الموقعة على نزع الصبغة السياسية عن طائفة من الجرائم الإرهابية إضافة إلى وضع جملة من الالتزامات الأخرى وأهمها:
 الالتزام بتسليم الإرهابيين للدولة التي وقعت الجريمة على إقليمها أو محاكمته أمام قضائها الوطني إذا تعذر التسليم لأي سبب من الأسباب الدستورية أو القانونية.
 الالتزام بالتعاون والمساعدة المتبادلة بين الدول والأطراف حتى ولو كانت الجرائم ذات صبغة سياسية.
والشيء الملاحظ أن الاتفاقية تفادت وضع تعريف للجريمة الإرهابية وعوضا عن ذلك أو ردت بيانا بالأفعال التي تعد جرائم إرهابية مع استثناء الجرائم ذات الطابع السياسي ويترتب على انتفاء الصبغة السياسية للجريمة جواز تسليم مرتكبيها .

الفرع الثاني:الانتقادات الموجهة للاتفاقية الأوربية لقمع الإرهاب
بالرغم من أن الاتفاقية الأوربية لقمع الإرهاب تعد بحق محاولة جادة و ضرورية لمواجهة الإرهاب على مستوى إقليمي كبير مثل القارة الأوربية إلا أنه اخذ عليها بعض الانتقادات أهمها ما يلي:
- استخدام ألفاظ وعبارات تتسم بالعمومية والتجريد عند تطرقها للأفعال الإرهابية التي تشكل جرائم معاقب عليها مما يفتح المجال للتفسير الواسع لنصوص المادتين الأولى والثانية منها.
- غموض المعيار الذي تبنته المادة الثانية من الاتفاقية بنصها " ارتكاب عمل من أعمال العنف الخطيرة " كون أن كل عنف فهو يتسم بالخطورة وهذا يؤدي إلى تفسيرات تعسفية من جانب الدول الأعضاء وفي تحديدها للأفعال التي تدخل ضمن دائرة الإرهاب وتلك التي تخرج عنها .

المطلب الثاني: الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998
لقد أدركت جميع الدول العربية خطورة إهمال المواجهة المشتركة للإرهاب والذي أصبح يهدد أمن واستقرار الوطن العربي ومصالحه الحيوية لذلك فقد عمل وزراء الداخلية والعدل العرب على البحث عن آلية عربية مشتركة تهدف إلى تعزيز التعاون لمكافحة الجريمة الإرهابية فتم وضع اتفاقية في هذا الشأن في 22 مارس 1998 تتكون من 42 مادة وقد راعت أحكام هذه الاتفاقية مبادئ الشريعة الإسلامية النابذة للإرهاب والداعية إلى الأخلاق الدينية السامية ومبادئ القانون الدولي وأسسه وميثاق هيئة الأمم المتحدة مع التأكيد على حق الشعوب في الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي وفقا لمبادئ الأمم المتحدة وفيما يلي دراسة لأهم ما جاء في الاتفاقية من حيث مفهوم الإرهاب والتدابير الموضوعة لمواجهته .

الفرع الأول: مفهوم الإرهاب في ظل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب
بدأت الاتفاقية بتعريف الإرهاب تعريفا وصفيا حيث عرفته بأنه " كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي يهدف لإلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر".
ثم اتجهت الاتفاقية لتعريف الإرهاب الدولي بأنه " كل جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة سواء على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها ويعاقب عليها قانونها الداخلي" ويعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات التالية ما عدا ما استثنته منها تشريعات الدول الأعضاء أو التي لم تصادق عليها وهي :
• الجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات والمنصوص عليها في اتفاقية طوكيو لسنة 1963.
• الاستيلاء غير المشروع على الطائرات طبقا لما نصت عليه اتفاقية لاهاي لسنة 1970.
• الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني طبقا لما تنص عليه اتفاقية مونتريال لسنة 1971 والبروتوكول الملحق بها والموقع في 10 ماي 1984.
• الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية بما فيهم المبعوثين الدبلوماسيين طبقا لنصوص اتفاقية نيويورك لسنة 1973.
• الجرائم المنصوص عليها في اتفاقية اختطاف واحتجاز الرهائن لسنة 1979.
• اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 وما تعلق منها بالقرصنة البحرية.
وقد استثنت الاتفاقية بعض الأعمال وأخرجتها من دائرة الإرهاب الدولي على سبيل الحصر، بمعنى لا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها وهي على النحو التالي:
- الكفاح المسلح ضد العدوان أو الاحتلال الأجنبي من أجل التحرر وتقرير المصير وفقا لمبادئ القانون الدولي ويخرج عن ذلك المفهوم كل عمل يمس بالوحدة الترابية لأي من الدول العربية .
- الجرائم السياسية ما عدا الحالات الخاصة بالتعدي على رؤساء الدول الأعضاء وزوجاتهم أو أصولهم و فروعهم ونواب الرؤساء أو رؤساء الحكومات أو الوزراء و التعدي على الأشخاص ذوي الحماية الدولية بما فيهم السفراء والدبلوماسيين في الدول الأعضاء أو المعتمدين لديها وكذا القتل العمدي والسرقة وأعمال التخريب والإتلاف للممتلكات العامة وجرائم تصنيع أو تهريب أو حيازة الأسلحة والذخائر أو المتفجرات وغيرها من المواد التي تعد لارتكاب جرائم إرهابية .
وبذلك تتضح نية الدول العربية المتعاقدة في تبني تفرقة واضحة بين جرائم الإرهاب الدولي والكفاح المسلح من أجل التحرر سيما أن هذه التفرقة هامة وضرورية في قضية " الأمة العربية الأولى" وهي " القضية الفلسطينية" وحق الفلسطينيين في المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي .

الفرع الثاني: تدابير مكافحة الإرهاب الدولي
نصت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب على نوعين من التدابير الأولى تتعلق بالمنع من الإرهاب والثانية بقمعه.
أولا: تدابير المنع
نصت الاتفاقية على عدة تدابير لمنع جرائم الإرهاب الدولي تلتزم بها الدول المتعاقدة وهي:
• الحيلولة دون اتخاذ أي دولة أراضيها مسرحا لتخطيط أو تنظيم أو تنفيذ جرائم إرهابية أو الشروع فيها ومنع تسلل الإرهابيين وتدريبهم أو إيوائهم لديها.
• تطوير و تعزيز الأنظمة المتصلة بإجراءات المراقبة وتأمين الحدود والمنافذ البرية والبحرية لمنع التسلل منها .
• تعزيز نظم تأمين وحماية الشخصيات بمن فيهم أعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية والمنظمات الإقليمية والدولية المعتمدة لدى الدول الأعضاء.
• تطوير أنشطة الإعلام الأمني وتنسيقها مع الأنشطة الإعلامية في كل دولة وفقا لسياستها الإعلامية بغرض الكشف عن أهداف التنظيمات الإرهابية وإحباط مخططاتها.
ثانيا: تدابير القمع
إلى جانب تدابير المنع نصت الاتفاقية العربية في مادتها الثالثة على تدابير أخرى خاصة بقمع الإرهاب الدولي تلتزم بها كل دولة عضو وهي:
• القبض على مرتكبي جرائم الإرهاب ومحاكمتهم وفقا للقانون الوطني أو تسليمهم وفقا لإحكام هذه الاتفاقية أو الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين الدولتين الطالبة والمطلوب إليها التسليم.
• تامين حماية فعالة للعاملين في ميدان العدالة الجنائية وكذا لمصادر المعلومات عن الجرائم الإرهابية وللشهود وتوفير ما يلزم من مساعدات لضحايا الإرهاب .
• إقامة تعاون فعال بين الأجهزة المعنية وبين المواطنين لمواجهة الإرهاب بما في ذلك إيجاد ضمانات وحوافز مناسبة للتشجيع على الإبلاغ عن الأعمال الإرهابية وتقديم المعلومات التي تساعد على كشفها والتعاون في القبض على مرتكبيها.

الفرع الثالث: التعاون القضائي العربي لمكافحة الإرهاب الدولي
نصت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب على عدة وسائل لتحقيق تعاون قضائي في مجال جرائم الإرهاب الدولي و خلق آلية عربية فعالة لمواجهته ومن أهم هذه الوسائل:
أولا: تسليم المجرمين
نصت المادة الخامسة من الاتفاقية على تعهد الدول الأعضاء بتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية والمطلوب تسليمهم من أي من هذه الدول وقد استثنى من نطاق التسليم كل من:
• الجرائم السياسية أو العسكرية والجرائم الإرهابية المرتكبة على إقليم الدول المطلوب منها التسليم إلا إذا كان قانون الدولة طالبة التسليم يجيز طلب التسليم في هذه الجرائم وكانت تمس بمصالحها وذلك كله مشروط بألا تكون الدولة المطلوب منها التسليم قد بدأت إجراءات التحقيق أو المحاكمة.
• الجرائم التي صدر بشأنها حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي فيه لدى الدولة المطلوب منها التسليم أو لدى دولة أخرى عضو في الاتفاقية.
• الجرائم التي تكون قد سقطت عقوبتها أو دعواها الجنائية بالتقادم على أن يتم حساب هذه المدة طبقا لقانون الدولة طالبة التسليم.
• الجرائم التي ترتكب خارج إقليم الدولة المتعاقدة طالبة التسليم والتي تقع ممن لا يحملون جنسيتها وكان قانون الدولة المطلوب منها التسليم لا يجيز توجيه الاتهام عن هذه الجرائم إذا ارتكبت خارج إقليمها من هذا الشخص.
ثانيا: الإنابة القضائية
نصت المادة التاسعة من الاتفاقية عل حق كل دولة عضو أن تطلب من دولة متعاقدة أخرى القيام ونيابة عنها بأي إجراء قضائي متعلق بدعوى ناشئة عن جريمة إرهابية ويشمل بصفة خاصة ما يلي:
• سماع شهادة الشهود والأقوال التي تؤخذ على سبيل الاستدلال.
• تبليغ الوثائق القضائية.
• إجراء المعاينة و فحص الأشياء.
• تنفيذ عمليات التفتيش والحجز.
وأجازت المادة العاشرة للدولة المتعاقدة المطلوب منها تنفيذ الإنابة القضائية رفض تنفيذها في حالتين هما:
• إذا كانت الجريمة المطلوب تنفيذ الإنابة القضائية بشأنها محل تحقيق أو محاكمة في هذه الدولة.
• إذا كان تنفيذ هذه الإنابة من شأنه المساس بسيادة وأمن هذه الدولة أو نظامها العام.
وينبغي التأكيد على حقيقة هامة و هي أن مكافحة الإرهاب لا تمر عبر طريق واحد أو وسيلة بعينها وإنما ينبغي أن تستخدم كل الوسائل المتاحة وأن توظف جميع الإمكانيات الأمنية والقضائية والسياسية والتربوية والإعلامية من اجل نبذ العنف والاعتداء واحترام القيم والمشاعر والحياة الإنسانية .

المطلب الثالث: التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب
تلجأ بعض الدول إلى إصدار تشريعات خاصة من أجل مكافحة الإرهاب، في حين يكتفي البعض الآخر في إجراء تعديلات على القوانين القائمة حتى تكون أكثر ملائمة للمتطلبات التي تفرضها عمليات مواجهة الإرهاب، ففي فرنسا مثلا صدر القانون رقم 86/1020 في 9 سبتمبر 1986 بشأن مكافحة الإرهاب، والذي نص على العديد من الأحكام الإجرائية التي من شأنها بلوغ هذا الهدف. وفي إسبانيا صدر قانون في 1984 بشأن العصابات المسلحة والعناصر الإرهابية، أما في مصر فقد صدر القانون رقم 92/98 بتعديل قانون العقوبات والإجراءات الجنائية، وإنشاء محاكم أمن الدولة . وذلك بعدما شهدته مصر من أعمال عنف وتطرف. وفي الولايات المتحدة الأمريكية فقد صدر عن الكونغرس قانون لمكافحة الإرهاب سنة 1996 إزاء تزايد العمليات الإرهابية ضد المصالح الأمريكية في الداخل والخارج مثلا بداية التسعينات.
وقد وقع اختيارنا على دراسة التجربة الجزائرية نموذج قانوني لمكافحة الإرهاب نظرا لخصوصية سلسلة التشريعات الصادرة في هذا الشأن من جهة، والنجاح الذي حققته من جهة أخرى حيث بدأت بسن تدابير الرحمة بموجب رقم 95/12 كخطوة أولى لفتح باب التوبة وتأكدت النية بصدور قانون استعادة الوئام المدني 99/08 ثم الأمر 06/01 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة.









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
الدولي, الإرهاب

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:13

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc