ومضات توضيحية في العقائد الشيخ فركوس - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

ومضات توضيحية في العقائد الشيخ فركوس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2017-10-18, 05:08   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي ومضات توضيحية في العقائد الشيخ فركوس

ومضاتٌ توضيحيةٌ
على العقائد الإسلامية
مِنَ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
لابن باديس ـ رحمه الله ـ

ـ تنبيهات واستدراكات ـ

ـ الحلقة الأولى ـ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالعلماء وَرَثةُ الأنبياء، فاحترامُهم وتقديرهم وتوقيرهم والتأدُّب معهم سنَّةٌ ماضيةٌ حضَّ عليها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ودَرَج عليها سلفُ الأمَّة؛ فقَدْ جاء في السنَّة المطهَّرة قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ المُنْكَرِ، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ»(١)، وأخذُ العلمِ عن العلماء هو السبيلُ الممهِّد لصنعِهم، والطريقُ المقرِّب إلى الله تعالى؛ فقَدْ جاء في الحديث قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «.. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ»(٢).
لذلك يَحْرُم إيذاءُ العلماء والقدحُ في أعراضهم وذواتِهم أو الانتقاصُ مِنْ قَدْرِهم أو التهوينُ بمَنْصِبهم وسُمْعتِهم، أو الاستخفافُ بشأنهم والاستهزاءُ بمنزلتهم ومكانتِهم، أو غِيبَتُهم والافتراءُ عليهم، أو تعييرُهم بالأوصاف الشنيعة والخصالِ القبيحة ونحو ذلك؛ لأنَّ القدح فيهم طعنٌ في الدين، ومنقصةٌ في سنَّةِ سيِّد المُرْسَلين، وذمٌّ للدعوة إلى الله التي يحملونها، ومَسَبَّةٌ للمِلَّة التي ينتسبون إليها؛ قال ابنُ المبارك ـ رحمه الله ـ: «حقٌّ على العاقل أَنْ لا يَستخِفَّ بثلاثةٍ: العلماء والسلاطين والإخوان؛ فإنه مَنِ استخف بالعلماء ذَهَبَتْ آخِرَتُه، ومَنِ استخفَّ بالسلطان ذهبَتْ دنياه، ومَنِ استخفَّ بالإخوان ذهبَتْ مروءتُه»(٣)، ولا يخفى أنَّ إيذاء العلماء هو إيذاءٌ لأولياء الله الصالحين، وسبيلُ الولاية والصلاحِ: الإيمان والتقوى، وهما لا يتمَّان إلَّا بالعلم، وذلك صفةُ العلماء العاملين؛ ويوضِّحه قولُه تعالى: ﴿أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٦٢ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ٦٣﴾ [يونس]، ومعاداتُهم سبيلٌ مَقيتٌ وخطيرٌ لا يسلكه إلَّا أهلُ الزيغ والضلال، وخطورتُه تظهر في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فيما يرويه عن ربِّه عزَّ وجلَّ ـ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ»(٤).
غير أنَّ العلماء ـ مهما تَفاضلوا في العلم والفضل ـ فهُمْ بشرٌ غيرُ معصومين في اجتهاداتهم وأعمالِهِم، وهُم عُرضةٌ لكُلِّ ما يدخل في الطبيعة البشرية مِنْ سهوٍ وغفلةٍ وتقصيرٍ ونحوِ ذلك مِنْ صُوَر النقص؛ ممَّا يُفْضي إلى الوقوع في الهفوات والهَنَات والأخطاء والزلَّات؛ فالنقصُ طبيعةُ البشر، وقدرةُ البشرِ محدودةٌ مهما عَلَتْ وارتفعَتْ؛ فهُمْ مجبولون على النقص؛ فالكمالُ لله وَحْده، والعصمةُ لمَنْ عَصَمه اللهُ.
لذلك لا ينبغي اتِّباعُ نوادرِ العلماء وزلَّاتِهم وهَفَواتِهم وأخطائهم بعد ثبوتها، ولا العملُ بمُوجَبها على وجه الانقياد والطاعة؛ لِمَا فيها مِنْ مخالفةِ شرعِ الله تعالى؛ إذ المعلومُ أنَّ طاعة العلماءِ ليسَتْ على إطلاقها، بل ليس للعالم مِنَ الطاعة إلَّا لأنه مبلِّغٌ عن اللهِ دِينَه وشَرْعَه، وإنما تجب الطاعةُ المُطْلَقةُ العامَّةُ لله تعالى ولرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ليس إلَّا، هذا مِنْ جهةٍ.
ولا ينبغي ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ أَنْ تُهْدَرَ للعالِمِ محاسنُه وفضائلُه بالاستنقاص مِنْ وزنه العلميِّ وقيمته الأدبية بسببِ غلَطِه أو سقطتِه وهفوتِه، فيشنَّعَ عليه بها بدعوَى الغفلة والتقصير والجهل ونحوِ ذلك مِنْ أساليب الإقصاء، فتُرَدَّ بسببها بقيَّةُ آرائه وجملةُ أقواله وفتاويه؛ إذ لا يسلمُ العالِمُ مِنَ الخطإ، ولا يكاد يُفْلِتُ مِنَ الغلط أحَدٌ، وهذا مسلكٌ غيرُ مَرْضيٍّ، وضِمْنَ هذا المعنى قال سعيد بنُ المسيِّب ـ رحمه الله ـ: «ليس مِنْ عالمٍ ولا شريفٍ ولا ذي فضلٍ إلَّا وفيه عيبٌ، ولكِنْ مَنْ كان فضلُه أكثرَ مِنْ نقصِه ذَهَب نقصُه لفضلِه، كما أنَّ مَنْ غَلَب عليه نقصانُه ذَهَب فضلُه»(٥)، وقال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «.. ومَنْ له علمٌ بالشرع والواقع يعلم ـ قطعًا ـ أنَّ الرجل الجليل الذي له ـ في الإسلام ـ قَدَمٌ صالحٌ وآثارٌ حسنةٌ وهو مِنَ الإسلامِ وأهلِه بمكانٍ قد تكون منه الهَفْوَةُ والزَّلَّةُ هو فيها معذورٌ بل ومأجورٌ لاجتهاده؛ فلا يجوز أَنْ يُتَّبَعَ فيها، ولا يجوز أَنْ تُهْدَر مكانتُه وإمامتُه ومنزلتُه مِنْ قلوب المسلمين»(٦)، وقال رحمه الله ـ أيضًا ـ: «.. فلو كان كُلُّ مَنْ أخطأ أو غَلِط تُرِك جملةً وأُهدِرَتْ محاسنُه لَفسَدَتِ العلومُ والصناعاتُ والحِكَمُ وتعطَّلَتْ مَعالِمُها»(٧).
وأكَّد الشاطبيُّ ـ رحمه الله ـ هذا المعنى بقوله: «إنَّ زلَّةَ العالِمِ لا يصحُّ اعتمادُها مِنْ جهةٍ ولا الأخذُ بها تقليدًا له؛ وذلك لأنها موضوعةٌ على المخالفة للشرع؛ ولذلك عُدَّتْ زلَّةً، وإلَّا فلو كانَتْ مُعتَدًّا بها لم يُجْعَلْ لها هذه الرتبةُ، ولا نُسِب إلى صاحِبِها الزللُ فيها، كما أنه لا ينبغي أَنْ يُنْسَب صاحبُها إلى التقصير، ولا أَنْ يُشنَّع عليه بها، ولا ينتقص مِنْ أجلها، أو يُعتقَدَ فيه الإقدامُ على المخالفة بحتًا؛ فإنَّ هذا كُلَّه خلافُ ما تقتضي رتبتُه في الدين»(٨).
فالحاصل أنَّ علماء الإسلام مِنْ أئمَّة المسلمين، وهُمْ خيرُ الأمَّة؛ فالواجب تُجاهَهم الْتِماسُ العذرِ لهم، وإحسانُ الظنِّ بهم؛ لأنهم حَمَلةُ الدِّينِ العاملون به، ومِنْ حقِّهم ـ إِنْ وقعوا في خطإٍ أو غلطٍ أو هفوةٍ ـ أَنْ يُنْصَحوا فيها، وتُبيَّنَ أخطاؤهم على وجه الإنصاف والعدل، وبالأسلوب الأدبيِّ اللائق بمَقامِهم، المؤدِّي إلى الغرض المطلوب، بعيدًا عن دوافع الهوى والتشهِّي والحيف؛ تحاشيًا لكُلِّ ما مِنْ شأنه أَنْ يَحُطَّ مِنْ قَدْرهم ومنزلتِهم أو أَنْ تُمَسَّ كرامتُهم وعِرْضُهم.
هذا، ومِنْ أفرادِ أعلام الدِّين وأحَدِ رجاله المُصْلِحين، الذين لهم ـ في الإسلام ـ قدمٌ صالحٌ وآثارٌ حسنةٌ: الشيخ العلَّامة عبد الحميد بنُ باديس ـ رحمه الله ـ رائدُ النهضة في الجزائر، وناشرُ علمِ الكتاب والسنَّة فيها، الذي حارَبَ الجهلَ والهوى والتعصُّبَ والخرافة؛ فأحيا اللهُ بدعوته قلوبَ الناسِ لقَبول الحقِّ والهداية، وحرَّر عقولَهُم مِنْ بِدَع المُبْتدِعين وزيغِ المُنْحرِفين وضلالِ المُتصوِّفين الطُّرُقيِّين؛ فحَفِظ للأمَّة الجزائرية عقيدتَها ولُغتَها وهويَّتَها، وردَّ على مَنْ خالفها أو عارضها، فعاش ناصحًا لأمَّته، يؤلِّف النفوسَ، ويشيِّد العقولَ، ويعلِّم الأجيالَ، ويبني الرجالَ كالجبال، ويحمي حِمَى الدِّينِ واللغةِ والوطن.
وممَّا خلَّفه الشيخ عبد الحميد بنُ باديس ـ رحمه الله ـ مِنَ العلم النافع ـ مع كثرةِ مشاغلِه وأعبائِه ـ مختصرٌ مفيدٌ في علم الاعتقاد المتعلِّق بالله وأسمائه وصِفَاتِه، وبأركان الإيمان ومسائله، ولا يخفى أنَّ علم الاعتقاد هو أصلُ الدِّين وركيزتُه، وأساسُ دعوةِ الأنبياء والمُرْسَلين، فهو مِنْ أجلِّ الطاعات وأفضل القُرُبات؛ إذ شرفُ العلم بشرف المعلوم.
ومختصرُه في الاعتقاد هو عبارةٌ عن دروسٍ متتابعةٍ، وحلقاتٍ موصولةٍ كان الشيخ عبد الحميد بنُ باديس ـ رحمه الله ـ يعقدها بالجامع الأخضر بمدينةِ قسنطينة المحروسة، ويُلقيها على تلاميذه بصورةٍ متسلسلةٍ، يَستدِلُّ لهذه الدروسِ العَقَدية بالقرآن الكريم والسنَّةِ النبوية الصحيحة؛ فجاء مختصرُه مفيدًا موسومًا بعنوان: «العقائد الإسلامية مِنَ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية»، وتضمَّنَتْ فصولُه «عقيدةً مُثْلَى يتعلَّمها الطالبُ فيأتي منه مسلمٌ سلفيٌّ، موحِّدٌ لربِّه بدلائل القرآن كأحسنِ ما يكون المسلمُ النقيُّ، ويَستدِلُّ على ما يَعتقِدُ في ربِّه بآيةٍ مِنْ كلام ربِّه، لا بقول السنوسيِّ(٩) في «عقيدته الصغرى»: «أمَّا برهانُ وجودِه تعالى فحدوثُ العالَمِ»!!»(١٠).
وبالدراسة وتتبُّعِ ما كَتَبه الشيخ ابنُ باديس ـ رحمه الله ـ مِنْ فصولٍ في مختصره العَقَديِّ وما أملاهُ في حِلَقه الدراسية المسجدية مِنْ قواعد ووجوه الاستدلال مِنَ القرآن والسنَّة، فقَدْ وجَدْتُ ـ أثناءَ تتبُّعي ودراستي ـ بعضَ فقراتٍ مِنْ فصوله تحتاج إلى ومضاتٍ توضيحيةٍ مُلِحَّةٍ، رأيتُ مِنْ واجبي أَنْ أتناولها بالتنبيه عليها واستدراكِ ما تخلَّف منها؛ إتمامًا لفائدةِ هذا المختصر المستوعِبِ لمعلوماتٍ مُعينةٍ على الفهم الصحيح للعقيدة الإسلامية، وإكمالًا لمنفعةِ ما سُطِّر فيه مِنْ قواعدَ واستدلالاتٍ على المنهج السليم في فهم العقيدة، وما حَصَل مِنْ نقصٍ فلا يُهوِّن مِنْ عمله المبذول، وكما قِيلَ قديمًا: «الكتابُ كالمكلَّف: لا يسلم مِنَ المؤاخَذة، ولا يرتفع عنه القلمُ».
وسأتعرَّض إلى ذِكْر هذه التنبيهاتِ والاستدراكاتِ في مواضعها مِنَ «العقائد الإسلامية» مُحافِظًا على تبويبه مُلتزمًا بترتيبه على ما يأتي(١١):
أوَّلًا: جاء في افتتاح الكتاب ما نصُّه:
«الحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْه وَنَسْتَغْفِرُهُ، [وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسيِّئاتِ أَعْمَالِنَا]، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، [وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ]».
تنبيهٌ واستدراك:
• قوله: «ونتوب إليه» زيادةٌ مُدْرَجةٌ في الحديث الواردِ في خُطبة الحاجة، والأَوْلى ذِكْرُ الخُطبة ـ كما هي ـ مع المحافظةِ على نصِّها الثابت مِنْ غيرِ زيادةٍ عليها.
وقد اقتصر المصنِّف ـ رحمه الله ـ على صدر الخُطبة، ووَرَد في نصِّها بعد قوله: «وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه» ذِكْرُ الآياتِ التالية مرتَّبةً على الوجه التالي:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢﴾ [آل عمران].
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا ١﴾ [النساء].
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧١﴾ [الأحزاب].
• وما بين المعقوفتين قوله: [وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسيِّئاتِ أَعْمَالِنَا] ساقطٌ مِنْ نصِّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ.
• أمَّا إيرادُ المصنِّفِ ـ رحمه الله ـ الفعلَ في الشهادتين بصيغة الجمع، فهو خلافُ المنصوصِ عليه في الأحاديث المُثبِتة لها بصيغة المتكلِّم المفرد، فالأفعالُ في نصِّ الأحاديث ورَدَتْ بصيغة الجمع ما عدا الشهادتين، قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «والأحاديث كُلُّها متَّفِقةٌ على أنَّ: «نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ» بالنون، والشهادتان بالإفراد: «وأشهد أَنْ لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله»، قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية: لمَّا كانَتْ كلمةُ الشهادة لا يتحمَّلها أحَدٌ عن أحَدٍ، ولا تقبل النيابةَ بحالٍ أفرد الشهادةَ بها، ولمَّا كانَتِ الاستعانة والاستعاذةُ والاستغفار يقبل ذلك: فيستغفر الرجلُ لغيره، ويستعينُ اللهَ له، ويستعيذُ بالله له؛ أتى فيها بلفظ الجمع؛ ولهذا يقول: «اللهمّ أعِنَّا، وأعِذْنا، واغفِرْ لنا». قال ذلك في حديثِ ابنِ مسعودٍ، وليس فيه: «نَحْمَدُهُ»، وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ: «نَحْمَدُهُ» بالنون، مع أنَّ الحمد لا يتحمَّله أحَدٌ عن أحَدٍ ولا يقبل النيابةَ، فإِنْ كانَتْ هذه اللفظةُ محفوظةً فيه إلى ألفاظ الحمد والاستعانة على نسقٍ واحدٍ.
وفيه معنًى آخَرُ، وهو أنَّ الاستعانة والاستعاذة والاستغفار طلبٌ وإنشاءٌ، فيُستحَبُّ للطالب أَنْ يطلبه لنفسه ولإخوانه المؤمنين، وأمَّا الشهادة فهي إخبارٌ عن شهادته لله بالوحدانية ولنبيِّه بالرسالة، وهي خبرٌ يُطابِق عَقْدَ القلب وتصديقَه، وهذا إنما يخبر به الإنسانُ عن نفسه لعلمِه بحاله، بخلافِ إخباره عن غيره، فإنه إنما يخبر عن قوله ونُطقه لا عن عقد قلبه، واللهُ أعلمُ»(١٢).
• وحديثُ خُطبةِ الحاجة أخرجه بهذا اللفظ مسلمٌ في «الجمعة» (٦/ ١٥٣) باب: خُطبته صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في الجمعة، وابن ماجه (١/ ١٧) رقم: (٤٥)، وأحمد في «مسنده» برقم: (٥٣٧١) والبيهقيُّ في «الجمعة» برقم: (٦٠١٠)، مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما، وفي صدره: «فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ». وفي روايةٍ أخرى: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» أخرجها أبو داود (٥/ ١٥) رقم: (٤٦٠٧)، والترمذيُّ (٥/ ٤٤) رقم: (٢٦٧٦)، وابنُ ماجه (١/ ١٦) رقم: (٤٢)، وأحمد في «مسنده» برقم: (١٧٦٠٨)، مِنْ حديثِ العرباض بنِ سارية رضي الله عنه، قال الترمذيُّ: «حديثٌ حسنٌ صحيحٌ».
• وما بين المعقوفتين: [وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ]: زيادةٌ أخرجها النسائيُّ في «العيدين» (٣/ ١٨٨ ـ ١٨٩) باب: كيف الخُطبة؟ مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح سنن النسائي» (١/ ٥١٢) رقم: (١٥٧٧).
هذا، وللمحدِّث ناصر الدين الألبانيِّ ـ رحمه الله ـ رسالةٌ قيِّمةٌ في خُطبة الحاجة تَتبَّعَ طُرُقَها وألفاظَها مِنْ مختلفِ كُتُب السنَّة المطهَّرة، وذَكَر جملةً مِنْ فوائدها، وآخِرُ طبعةٍ للرسالة تولَّتْها مكتبةُ المعارف للنشر والتوزيع بالرياض، سنة: (١٤٢١ﻫ/ ٢٠٠٠م).
• هذه خُطبةُ الحاجةِ التي كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعلِّمها أصحابَه كما يعلِّمهم التشهُّدَ في الصلاة، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يفتتح خُطَبَه بها، وكان السلف الصالح يقدِّمونها بين يدَيْ دروسهم وكُتُبهم ومختلف شئونهم، وقد دَأَب الشيخ عبد الحميد بنُ باديس ـ رحمه الله ـ على هذه الصيغة عند افتتاح مجالسه العلمية العامرة، ودروسِه العامَّة تأسِّيًا بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولعلَّ مِنْ آثارِ حِرْصِه على المحافظة عليها: حصولَ النفعِ والفائدة مِنْ مجالسه، ولا يخفى أنَّ خُطبة الحاجةِ تتضمَّن الحمد والثناءَ على الله بما هو أهلُه، والتشهُّد الذي إِنْ خَلَتِ الخُطبةُ منه فإنها تُعَدُّ كاليد المقطوعة التي لا طائلَ تحتها على ما أخبر به النبيُّ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ»(١٣).
لذلك يُستحَبُّ المحافظةُ على نصِّها في افتتاح الخُطَب والدروس والمحاضرات، وعند عقود النكاح ونحوِها، وألحق بها بعضُ الأئمَّة المتأخِّرين طلائعَ الرسائل وصدور الكُتُب ومقدِّمة المصنَّفات وكذا الرسائل والمنشورات الجامعية؛ تمسُّكًا بالسنَّة وعملًا بالهدي المغني عن التعبيرات الكثيرة المختلفة التي يأتي بها الوُعَّاظُ وغيرُهم، وخيرُ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال الأستاذ محمَّد الصالح رمضان ـ رحمه الله ـ في هذا الموضع مِنْ روايته في «مقدِّمة العقائد» (٢٣): «هذا ما حَفِظناه عن أستاذِنا الإمام الشيخ عبد الحميد بنِ باديس، وقد كان يفتتح به دروسَ التفسيرِ العموميةَ كُلَّ ليلةٍ طيلةَ السنوات التي قرَأْناها عليه، رَحِمه اللهُ ورَضِيَ عنه».
ـ يُتْبَع ـ

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ مِنَ المحرَّم ١٤٣٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٣ أكتوبر ٢٠١٦م

(١) أخرجه أحمد في «مسنده» (٥/ ٣٢٣)، والحاكم في «مستدركه» (١/ ١٢٢)، والطبرانيُّ في «مكارم الأخلاق» (٣٦٧) بألفاظٍ متقاربةٍ، مِنْ حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الترغيب والترهيب» (١/ ١٥٢) رقم: (١٠١)، وفي «صحيح الجامع» (٥/ ١٠٢) رقم: (٥٣١٩).
(٢) أخرجه مسلمٌ في «الذِّكر والدعاء» (٢٦٩٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) «سِيَر أعلام النُّبَلاء» للذهبي (١٧/ ٢٥١).
(٤) أخرجه البخاريُّ في «الرِّقاق» باب التواضع (٦٥٠٢) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) انظر: «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (٢/ ٤٨).
(٦) «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٣/ ٢٨٣).
(٧) «مدارج السالكين» لابن القيِّم (٢/ ٣٩).
(٨) «الموافقات» للشاطبي (٤/ ١٧٠ ـ ١٧١).
(٩) هو أبو عبد الله محمَّد بنُ يوسف بنِ عمر بنِ شعيبٍ السنوسيُّ الحسنيُّ، أحَدُ أعلام تلمسان، له مُشارَكةٌ في شتَّى العلومِ وأنواعِ المَعارف، مِنْ مؤلَّفاته: تفسيرُ سورةِ الفاتحة و«ص» وما بعدها، و«شرح صحيح البخاري» لم يكمله، و«مكمل إكمال الإكمال في شرح مسلم»، و«عقيدة أهل التوحيد» وتُسمَّى ﺑ: «العقيدة الكبرى»، و«أمُّ البراهين» وتُسمَّى ﺑ: «العقيدة الصغرى»، و«شرح الآجرُّومية» وغيرها. وُلِد بتلمسان سنة: (٨٣٢ﻫ)، وتُوُفِّيَ بها سنة: (٨٩٥ﻫ).
انظر ترجمته في: «البستان» لابن مريم (٢٣٧)، «درَّة الحجال» (١/ ١٤١) و«لقط الفرائد» (٢٧١) كلاهما لابن القاضي، «نيل الابتهاج» للتنبكتي (٣٢٥)، «الأعلام» للزركلي (٧/ ١٥٤)، «شجرة النور» لمخلوف (١/ ٢٦٦)، «فهرس الفهارس» للكتَّاني (٢/ ٩٩٨)، «تعريف الخلف» للحفناوي (١/ ١٧٩)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٧٨٦)، «الفكر السامي» للحجوي (٢/ ٢٦٢).
(١٠) انظر: تقديم الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ في مقدِّمة «العقائد الإسلامية» لمحمَّد الصالح رمضان (١٨ ـ ١٩).
(١١) اعتمدتُ في أرقام الصفحات على نسخة: محمَّد الصالح رمضان، الطبعة الثانية.
(١٢) «تهذيب السنن» لابن القيِّم (٦/ ١٤٩).
(١٣) أخرجه أبو داود (٥/ ١٧٣)، وأحمد (٢/ ٣٠٢، ٣٤٣)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (٣/ ٢٠٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح سنن أبي داود» (٣/ ١٨٩) وفي «السلسلة الصحيحة» (١/ ١١٥) رقم: (١٦٩).









 


رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:29   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ـ الحلقة الثانية ـ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
• ثانيًا: فقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل: «لا نجاة إلَّا بالإسلام» (ص ظ¢ظ¤):
«لَا نَجَاةَ لِأَحَدٍ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَمَن يَبغ،تَغِ غَيغ،رَ ظ±لغ،إِسغ،لَظ°مِ دِينظ—ا فَلَن يُقغ،بَلَ مِنغ،هُ وَهُوَ فِي ظ±لغ،أظ“خِرَةِ مِنَ ظ±لغ،خَظ°سِرِينَ ظ¨ظ¥ï´¾ [آل عمران]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟إِنَّ ظ±للَّهَ ظ±صغ،طَفَىظ° لَكُمُ ظ±لدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسغ،لِمُونَ ظ،ظ£ظ¢ï´¾ [البقرة]».
تنبيه واستدراك:
تكملةً لحكم القاعدةِ التي ذَكَرها المصنِّف رحمه الله فالأَوْلى ـ استيفاءً للمعنى ـ أَنْ يُضافَ إليها بعد قوله: «إلَّا بالدخول في الإسلام» عبارةُ: «ولزومِه له مِنْ غيرِ مُفارقةٍ حتَّى الموت»؛ ذلك لأنَّ مَنْ عاش على شيءٍ مات عليه، ومَنْ مات على شيءٍ بُعِث عليه، وهذه العبارةُ المُضافةُ تدلُّ عليها الآيةُ الثانية التي استشهد بها المصنِّف ـ رحمه الله ـ.
• ثالثًا: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل: «الشهادة مفتاح الإسلام والإيمان» (ص ظ¢ظ©):
«الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ»؛ ثمَّ ساق حديثَ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما في قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ لَمَّا بَعَثَهُ لِلْيَمَنِ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ؛ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَتَيْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تنبيه واستدراك:
اقتصر المصنِّف ـ رحمه الله ـ على عزو الحديث إلى مسلمٍ فقط دون البخاريِّ وكأنه مِنْ أفراده، والأمرُ ليس كذلك، بل هو ممَّا اتَّفقا عليه، فقَدْ أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» (ظ£/ ظ¢ظ¦ظ،) بابُ وجوبِ الزكاة، وأخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ©ظ¥) باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائعِ الإسلام، كما أخرجه الترمذيُّ في «الزكاة» (ظ£/ ظ¢ظ،) بابُ ما جاء في كراهةِ أخذِ خيارِ المال في الصدقة، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
هذا، ولعلَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ قَصَد بذكر مسلمٍ: مُسْنَدَ مُعاذٍ رضي الله عنه الذي فيه قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ..»، غير أنَّ بقيَّةَ الحديث إنما هو مِنْ مسندِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما في الصحيحين.
ولعلَّه ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ سار على حذوِ العلماء المغاربة الذين يفضِّلون «صحيحَ مسلم» على «صحيحِ البخاريِّ» لِمَا امتاز به مِنْ جمع الطُّرُق، وجودةِ السياق، والمحافظةِ على أداء الألفاظ مِنْ غيرِ تقطيعٍ ولا روايةٍ بالمعنى؛ لذلك اقتصر عليه.
وممَّا ينبغي لفتُ النظر إليه والتنبيهُ عليه أنه ليس المرادُ بالنطق بالشهادتين مجرَّدَ قولهما، بل لا بُدَّ مِنِ اعتقاد القلب بهما، والعملِ بمقتضاهما، وتحقيقِ شروطهما، وموالاةِ أهلهما، ومعاداةِ مَنْ خالفهما، ولا يُشترَطُ في صحَّة الإسلام النطقُ بالتبرِّي مِنْ كُلِّ دِينٍ يخالف دِينَ الإسلام؛ لأنَّ ذلك مِنْ لازمِ اعتقادِ الشهادتين.
• رابعًا: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل: «أوَّل واجبٍ على المكلَّف» (ص ظ£ظ*):
«أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ مُسْلِمٍ بَلَغَ أَوْ كَافِرٍ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؛ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ المُتَقَدِّمِ، وَلِحَدِيثِ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ: «لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمِّ، قُلْ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ» ...» الحديث(ظ،).
تنبيه واستدراك:
عبَّر المصنِّف ـ رحمه الله ـ عن أوَّلِ واجبٍ على المكلَّف بأَنْ «يَعْلَمَ» أَنْ «لا إلهَ إلَّا اللهُ»، وهي عبارةٌ غيرُ دقيقةٍ في بيان المعنى المرادِ توضيحُه، والأَوْلى منها عبارةُ: «أَنْ يَشْهَدَ»؛ لأنَّ الشهادة مِنَ العلم كما قال تعالى: ï´؟إِلَّا مَن شَهِدَ بِظ±لغ،حَقِّ وَهُمغ، يَعغ،لَمُونَ ظ¨ظ¦ï´¾ [الزخرف]، والمرادُ بالشهادة: العلمُ والنطق باللسان؛ فهي أعمُّ مِنْ مُفْرَداتها وأكملُ، ولأنَّ الشاهد مُخْبِرٌ عن علمٍ فلا يكفي فيه مجرَّدُ الإخبار، بل لا بُدَّ مِنْ علمٍ وإخبارٍ وقَبولٍ وإقرارٍ وانقيادٍ، وإنما تستقيم العبارةُ إذا عَنَى بها المصنِّفُ العاجزَ عن النطق؛ فإنه يكفيهِ العلمُ بها ليصير مسلمًا مع الإتيان بكُلِّ ما هو مِنْ خصائص الإسلام ومَبانيهِ كالصلاة والزكاة والصوم والحجِّ، أمَّا القادرُ على النطق فإنه لا يكفيه الاعتقادُ بقلبه، وقد نَقَل شيخ الإسلام ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ الإجماعَ على أنه ليس بمسلمٍ حتَّى ينطق بها(ظ¢)؛ ذلك لأنَّ كلمةَ: «أشهد» تدلُّ على الإخبار، والإخبارُ متضمِّنٌ للنطق؛ ولهذا قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعمِّه: «قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» ولم يَقُلْ له: «اعْلَمْ» أو «اعتقِدْ: أَنْ لا إلهَ إلَّا الله»، هذا مِنْ جهةٍ.
ويمكن توجيهُ كلامِ المصنِّف رحمه الله ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ بتوجيهين:
التوجيه الأوَّل: أنَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ قَصَد بعبارته الشهادةَ، ولكنَّه عبَّر عنها بلفظ العلم لأهمِّيَّته مِنْ عمومِ مُفْرَدات الشهادة، بدليلِ أنه أردف بعد كلامِه الأحاديثَ المصرِّحة بالشهادة المُقتضيةِ للعلم والنطق.
وجوابه: أنَّ الإشكال ليس في قصد المصنِّف، وإنما في عدمِ دقَّةِ عبارته ـ رحمه الله ـ، مع ما يعكِّر على هذا التوجيه مِنْ أنه لا يتحقَّق معه المعنى المطلوبُ في ذاته إلَّا بالبحث عن تأويلٍ يحتاجه اللفظُ؛ إذ «الأصلُ في اللفظ أَنْ يكون مُستقِلًّا بنفسه»، أي: يُفيدُ المعنى بذاته، وإفادتُه ذلك المعنى إنما تكون بالتطابق مع النصِّ الحديثيِّ؛ ابتغاءً للسلامة ودرءًا لأيِّ شبهةٍ.
التوجيه الثاني: أنَّ مُراد المصنِّف ـ رحمه الله ـ بالعلم هو المُرادِفُ لليقين، ويُؤيِّده حديثُ عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ مَاتَ ـ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ـ دَخَلَ الْجَنَّةَ»(ظ£).
وجوابُه: أنَّ الإشكال ـ أيضًا ـ لا يعود إلى قصده ـ رحمه الله ـ وحاشاه، وإنَّما إلى عدمِ دقَّةِ عبارته ـ رحمه الله ـ، ومع ذلك فإنَّ ذِكْرَ العلم ـ ولو أُريدَ به اليقينُ ـ قد يُستدَلُّ به على أنَّ مجرَّدَ معرفةِ القلب نافعةٌ دون النطق بالشهادتين لاقتصاره على العلم، وهو على خلافِ ما تَقرَّر مِنْ ركنية النطق بالشهادتين على القادر حتَّى يكون مسلمًا إجماعًا كما تَقدَّم، وضِمْنَ هذا المعنى قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ ما نصُّه: «ومذهبُ أهلِ السنَّة أنَّ المعرفة مُرتبِطةٌ بالشهادتين، لا تنفع إحداهما ولا تُنْجي مِنَ النار دون الأخرى إلَّا لمَنْ لم يقدر على الشهادتين لآفةٍ بلسانه أو لم تُمْهِله المدَّةُ ليقولها، بل اخترمَتْه المنيَّةُ، ولا حجَّةَ لمُخالِفِ الجماعة بهذا اللفظ؛ إذ قد وَرَد مفسَّرًا في الحديث الآخَر: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» و«مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ»، وقد جاء هذا الحديثُ وأمثالُه كثيرةٌ في ألفاظها اختلافٌ، ولمعانيها ـ عند أهل التحقيق ـ ائتلافٌ»(ظ¤).
وقد ذَكَر المصنِّف ـ رحمه الله ـ أنَّ أوَّل واجبٍ على المكلَّف هو الشهادتان، واستشهد بحديثِ وفاة أبي طالبٍ، وليس فيه سوى شهادةٍ واحدةٍ عَرَضها عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تجلَّتْ في كلمة الإخلاص.
ولعلَّ جوابَ هذا الإشكالِ في أنه لم يَقُلْ فيها: «محمَّدٌ رسول الله» مِنْ ناحيتين:
الأولى: لأنَّ الكلمتين صارَتَا كالكلمة الواحدة اختصارًا لها.
الثانية: ويُحْتمَلُ ـ أيضًا ـ أَنْ يكون أبو طالبٍ متحقِّقًا أنه رسول الله، غيرَ أنه لم يُقِرَّ بالتوحيد، فاقتصر على أمرِه له بقولِ: «لا إلهَ إلَّا اللهُ»، فإذا أقرَّ بالتوحيد لم يتوقَّف على الشهادة بالرسالة(ظ¥).
• خامسًا: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل: «حكم النظر في آيات الله» (ص ظ£ظ¨):
«يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ ـ مَعَ تَصْدِيقِهِ وَجَزْمِهِ ـ أَنْ يَنْظُرَ فِي آيَاتِ اللهِ وَيَسْتَعْمِلَ عَقْلَهُ لِلْفَهْمِ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟قُلِ ظ±نظُرُواْ مَاذَا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لغ،أَرغ،ضِï´¾ [يونس: ظ،ظ*ظ،]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟فَلغ،يَنظُرِ ظ±لغ،إِنسَظ°نُ مِمَّ خُلِقَ ظ¥ï´¾ [الطارق]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟فَلغ،يَنظُرِ ظ±لغ،إِنسَظ°نُ إِلَىظ° طَعَامِهِغ¦ظ“ ظ¢ظ¤ï´¾ [عَبَسَ]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ظ±لغ،إِبِلِ كَيغ،فَ خُلِقَتغ، ظ،ظ§ وَإِلَى ظ±لسَّمَاظ“ءِ كَيغ،فَ رُفِعَتغ، ظ،ظ¨ وَإِلَى ظ±لغ،جِبَالِ كَيغ،فَ نُصِبَتغ، ظ،ظ© وَإِلَى ظ±لغ،أَرغ،ضِ كَيغ،فَ سُطِحَتغ، ظ¢ظ*ï´¾ [الغاشية]».
تنبيه واستدراك:
الظاهر أنَّ الآياتِ التي استدلَّ بها المصنِّف ـ رحمه الله ـ على وجوب النظر والاستدلال إنما يُحتجُّ بها على الوجوب لمَنْ طَرَأ على فطرته ما يُفْسِدها أو يعكِّر صفوَها، أمَّا غيرُه فالمعرفةُ حاصلةٌ له بأصل الفطرة، لكِنْ يُستحَبُّ له النظرُ ويُرغَّب فيه؛ تثبيتًا للأصل وتفاديًا لأيِّ طارئٍ مُفْسِدٍ على الفطرة أو معكِّرٍ لها.
هذا، وقد اقتصر المصنِّف ـ رحمه الله ـ في استدلاله بالآيات على وجوب النظر بنوعِ طريقِ علمٍ واحدٍ مُوصِلٍ إلى توحيد الله سبحانه، المتمثِّلِ فيما أقامَهُ اللهُ مِنَ الأدلَّة الأُفُقية والنفسية التي تدلُّ على التوحيد أعظمَ دلالةٍ، وتشهد بلسانِ حالِهَا على لُطفِ صنعتِه وبديعِ حكمته وغرائبِ خَلْقِه، وهي النظرُ في مفعولات الله تعالى، غيرَ أنه تُوجَدُ أنواعُ طُرُقِ علمٍ أخرى تُرْشِد لتوحيده عزَّ وجلَّ، وأعظمُها: تدبُّرُ أسمائه وصِفَاتِه وأفعاله الدالَّة على كماله وعظمتِه وجلالِه؛ فإنها تُوجِبُ تعلُّقَ القلبِ به ومحبَّتَه والتألُّهَ له وَحْدَه لا شريكَ له(ظ¦) ـ ذلك لأنَّ مفعولاتِ اللهِ تعالى تَستلزِمُ التدبُّرَ في أفعاله سبحانه؛ فمفعولاتُ اللهِ تعالى تدلُّ دلالةً جليَّةً على أفعال الله تعالى وصِفَاته، وذلك يقتضي ـ حتمًا ـ وجودَه وقدرتَه ومشيئتَه وعِلْمَه، وغيرَها مِنْ صفات الله تعالى.
وقد أفصح ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ عن طريقين إلى معرفة الله تعالى يأمر اللهُ بهما حيث قال ـ رحمه الله ـ: «الربُّ تعالى يدعو عِبادَه في القرآن إلى معرفته مِنْ طريقين: أحَدُهما: النظر في مفعولاته، والثاني: التفكُّرُ في آياته وتدبُّرُها، فتلك آياته المشهودة وهذه آياته المسموعة المعقولة، فالنوع الأوَّل: كقوله: ï´؟إِنَّ فِي خَلغ،قِ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لغ،أَرغ،ضِ وَظ±خغ،تِلَظ°فِ ظ±لَّيغ،لِ وَظ±لنَّهَارِ وَظ±لغ،فُلغ،كِ ظ±لَّتِي تَجغ،رِي فِي ظ±لغ،بَحغ،رِ بِمَا يَنفَعُ ظ±لنَّاسَï´¾ [البقرة: ظ،ظ¦ظ¤] إلى آخِرِها، وقولِه: ï´؟إِنَّ فِي خَلغ،قِ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لغ،أَرغ،ضِ وَظ±خغ،تِلَظ°فِ ظ±لَّيغ،لِ وَظ±لنَّهَارِ لَأظ“يَظ°تظ– لِّأُوْلِي ظ±لغ،أَلغ،بَظ°بِ ظ،ظ©ظ*ï´¾ [آل عمران]، وهو كثيرٌ في القرآن. والثاني: كقوله: ï´؟أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ظ±لغ،قُرغ،ءَانَï´¾ [النساء: ظ¨ظ¢؛ محمَّد: ظ¢ظ¤]، وقولِه: ï´؟أَفَلَمغ، يَدَّبَّرُواْ ظ±لغ،قَوغ،لَï´¾ [المؤمنون: ظ¦ظ¨]، وقولِه: ï´؟كِتَظ°بٌ أَنزَلغ،نَظ°هُ إِلَيغ،كَ مُبَظ°رَكظ‍ لِّيَدَّبَّرُوظ“اْ ءَايَظ°تِهِغ¦ï´¾ [ص: ظ¢ظ©]، وهو كثيرٌ أيضًا.
فأمَّا المفعولات فإنها دالَّةٌ على الأفعال، والأفعالُ دالَّةٌ على الصفات، فإنَّ المفعول يدلُّ على فاعلٍ فَعَله، وذلك يستلزم وجودَه وقدرتَه ومشيئتَه وعِلْمَه؛ لاستحالةِ صدور الفعل الاختياريِّ مِنْ معدومٍ أو موجودٍ لا قدرةَ له ولا حياةَ ولا عِلْمَ ولا إرادةَ، ثمَّ ما في المفعولات مِنَ التخصيصات المتنوِّعة دالٌّ على إرادة الفاعل وأنَّ فِعْلَه ليس بالطبع بحيث يكون واحدًا غيرَ متكرِّرٍ، وما فيها مِنَ المصالح والحِكَم والغايات المحمودة دالٌّ على حكمته تعالى، وما فيها مِنَ النفع والإحسان والخيرِ دالٌّ على رحمته، وما فيها مِنَ البطش والانتقام والعقوبة دالٌّ على غضبه، وما فيها مِنَ الإكرام والتقريب والعناية دالٌّ على محبَّته، وما فيها مِنَ الإهانة والإبعاد والخذلان دالٌّ على بُغضِه ومَقتِه وما فيها مِنِ ابتداء الشيء في غاية النقص والضعف ثمَّ سَوْقِه إلى تمامه ونهايتِه دالٌّ على وقوع المَعاد، وما فيها مِنْ أحوال النبات والحيوان وتصرُّفِ المياه دليلٌ على إمكان المَعاد، وما فيها مِنْ ظهور آثار الرحمة والنعمة على خَلْقه دليلٌ على صحَّة النبوَّات، وما فيها مِنَ الكمالات التي لو عَدِمَتْها كانَتْ ناقصةً دليلٌ على أنَّ مُعطيَ تلك الكمالاتِ أحقُّ بها، فمفعولاتُه مِنْ أدلِّ شيءٍ على صِفاتِه وصدقِ ما أخبرَتْ به رُسُلُه عنه، فالمصنوعات شاهدةٌ تصدِّق الآياتِ المسموعات، منبِّهةٌ على الاستدلال بالآيات المصنوعات؛ قال تعالى: ï´؟سَنُرِيهِمغ، ءَايَظ°تِنَا فِي ظ±لغ،أظ“فَاقِ وَفِيظ“ أَنفُسِهِمغ، حَتَّىظ° يَتَبَيَّنَ لَهُمغ، أَنَّهُ ظ±لغ،حَقُّï´¾ [فُصِّلت: ظ¥ظ¦]، أي: أنَّ القرآن حقٌّ، فأخبر أنه لا بُدَّ مِنْ أَنْ يُرِيَهم مِنْ آياته المشهودة ما يبيِّن لهم أنَّ آياتِه المتلوَّةَ حقٌّ، ثمَّ أخبر بكفايةِ شهادته على صحَّةِ خبره بما أقام مِنَ الدلائل والبراهينِ على صِدْقِ رسوله، فآياتُه شاهدةٌ بصدقه، وهو شاهدٌ بصدقِ رسوله بآياته، وهو الشاهد والمشهود له، وهو الدليل والمدلول عليه، فهو الدليلُ بنفسه على نفسه، كما قال بعضُ العارفين: كيف أطلب الدليلَ على مَنْ هو دليلٌ على كُلِّ شيءٍ؟! فأيُّ دليلٍ طلَبْتَه عليه وجَدْتَه أظهرَ منه؛ ولهذا قال الرُّسُلُ لقومهم: ï´؟أَفِي ظ±للَّهِ شَكّظ‍ï´¾ [إبراهيم: ظ،ظ*]، فهو أعرفُ مِنْ كُلِّ معروفٍ وأبينُ مِنْ كُلِّ دليلٍ؛ فالأشياءُ عُرِفَتْ به في الحقيقة، وإِنْ كان عُرِف بها في النظر والاستدلال بأفعاله وأحكامه عليه»(ظ§).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ¢ظ© صفر ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ¢ظ© نوفمبر ظ¢ظ*ظ،ظ¦م


(ظ،) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجنائز» (ظ£/ ظ¢ظ¢ظ¢) باب: إذا قال المشركُ عند الموت: «لا إلهَ إلَّا اللهُ»، ومسلمٌ في «الإيمان» (ظ،/ ظ¢ظ،ظ¤) باب الدليل على صحَّةِ إسلامِ مَنْ حَضَره الموتُ ما لم يَشْرَعْ في النزع وهو الغرغرةُ، مِنْ حديثِ سعيد بنِ المسيِّب عن أبيه.
(ظ¢) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ§/ ظ£ظ*ظ¢، ظ¦ظ*ظ©).
(ظ£) أخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (ظ،/ ظ¢ظ،ظ¨) باب: مَنْ مات على التوحيد دَخَل الجنَّةَ، مِنْ حديثِ عثمان بنِ عفَّان رضي الله عنه.
(ظ¤) «شرح مسلم» للنووي (ظ،/ ظ¢ظ،ظ©)
(ظ¥) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ظ§/ ظ،ظ©ظ¦).
(ظ¦) انظر: «تفسير السعدي» (ظ¨ظ¦ظ¤).
(ظ§) «الفوائد» لابن القيِّم (ظ¢ظ*).










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:29   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ـ الحلقة الثالثة ـ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
• سادسًا: فقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل: «وسائل إزالة الشبهات» (ص ظ¤ظ*):
«مَنْ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى إِزَالَتِهَا: بِالنَّظَرِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِسُؤَالِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَإِن كُنتُمغ، فِي رَيغ،بظ– مِّمَّا نَزَّلغ،نَا عَلَىظ° عَبغ،دِنَا فَأغ،تُواْ بِسُورَةظ– مِّن مِّثغ،لِهِغ¦ï´¾ [البقرة: ظ¢ظ£]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟فَإِن كُنتَ فِي شَكّظ– مِّمَّاظ“ أَنزَلغ،نَاظ“ إِلَيغ،كَ فَسغ،‍ظ”َلِ ظ±لَّذِينَ يَقغ،رَءُونَ ظ±لغ،كِتَظ°بَ مِن قَبغ،لِكَï´¾ [يونس: ظ©ظ¤]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟فَسغ،‍ظ”َلُوظ“اْ أَهغ،لَ ظ±لذِّكغ،رِ إِن كُنتُمغ، لَا تَعغ،لَمُونَï´¾ [النحل: ظ¤ظ£؛ الأنبياء: ظ§]».
تنبيه واستدراك:
المصنِّف ـ رحمه الله ـ بعد أن بيَّن ما يزيد في اليقين ويقوِّي الإيمانَ ـ وذلك بالنظر في آيات الله المشهودة والتفكُّرِ في آياته المسموعة المعقولة ـ أراد الإشارةَ والتنبيه إلى ما يعكِّر صفاءَ العقيدة ويدفع بالإنسان إلى الشكِّ والحيرة ومختلفِ مكايد الشيطان وشراكه؛ لذلك تَناوَل بالذكر ما يحفظ للمرء عقيدتَه ويسلِّم قلبَه مِنَ الوساوس الإبليسية، والتلبيساتِ والخطرات الشيطانية.
هذا، والمعلوم أنَّ الذي يجب عليه إزالةُ الشبهة إذا عَرَضَتْ له إنما هو الشاكُّ الحائر الذي لم يعرف الحقَّ مِنَ الضلال، وهو مريدٌ للهدى ومؤثرٌ له وصادقٌ في طلبه؛ فهذا الذي إذا تَبيَّن له الحقُّ فحَرِيٌّ باتِّباعه؛ إذ الشرعُ أَمَر بالعلم والتعلُّم وسؤالِ أهل الذكر، ويسَّر القرآنَ وبيَّنه لمَنْ صلحَتْ نيَّتُه وحَسُنت سريرتُه؛ قال تعالى: ï´؟وَلَقَدغ، يَسَّرغ،نَا ظ±لغ،قُرغ،ءَانَ لِلذِّكغ،رِ فَهَلغ، مِن مُّدَّكِرظ–ï´¾ [القمر: ظ،ظ§، ظ¢ظ¢، ظ£ظ¢، ظ¤ظ*]، وقال تعالى: ï´؟فَسغ،‍ظ”َلُوظ“اْ أَهغ،لَ ظ±لذِّكغ،رِ إِن كُنتُمغ، لَا تَعغ،لَمُونَ ظ¤ظ£ بِظ±لغ،بَيِّنَظ°تِ وَظ±لزُّبُرِغ— وَأَنزَلغ،نَاظ“ إِلَيغ،كَ ظ±لذِّكغ،رَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيغ،هِمغ، وَلَعَلَّهُمغ، يَتَفَكَّرُونَ ظ¤ظ¤ï´¾ [النحل].
وهذا بخلاف الشاكِّ المُعْرِض عن طلب الحقِّ وغيرِ المجتهد في السعي إلى معرفته، ولا يحدِّثُ نَفْسَه بغيرِ ما هو عليه، فهذا لا يُوفَّق غالبًا لمعرفة الحقِّ والانتفاع به.
أمَّا المعاند فليس بشاكٍّ لأنه يترك الحقَّ بعد معرفته وعلمِه به، ويرضى بما هو عليه مِنَ الباطل والضلالة، فهذا يُستبعَدُ رجوعُه لتركِه للحقِّ بعد ما تَبيَّن له((ظ،)).
• سابعًا: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل: «الإسلام بمعنى الدين» (ص ظ¤ظ¢):
«يَجِيءُ لَفْظُ الْإِسْلَامِ ـ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ ـ مُرَادًا بِهِ: الدِّينُ كُلُّهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَحْكَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟إِنَّ ظ±لدِّينَ عِندَ ظ±للَّهِ ظ±لغ،إِسغ،لَظ°مُï´¾ [آل عمران: ظ،ظ©]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَرَضِيتُ لَكُمُ ظ±لغ،إِسغ،لَظ°مَ دِينظ—اï´¾ [المائدة: ظ£]، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ…»((ظ¢)) إلخ».
تنبيه واستدراك:
يُطْلَقُ لفظُ «الإسلام» على أحكام الدِّين جميعًا كما في قوله تعالى: ï´؟وَمَن يَبغ،تَغِ غَيغ،رَ ظ±لغ،إِسغ،لَظ°مِ دِينظ—ا فَلَن يُقغ،بَلَ مِنغ،هُ وَهُوَ فِي ظ±لغ،أظ“خِرَةِ مِنَ ظ±لغ،خَظ°سِرِينَ ظ¨ظ¥ï´¾ [آل عمران]، وهذه الآيةُ والآيةُ الأولى التي استدلَّ بها المصنِّف ـ رحمه الله ـ تدلَّان على معنًى أَوْسَعَ مِنْ مُرادِ المصنِّف، وهو عمومُ ما بَعَثَ اللهُ به الأنبياءَ والمُرْسَلين مِنْ أوَّلِهم إلى آخِرِهم كما بيَّنه ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ حيث قال: «ولهذا كان رأسُ الإسلام: شهادةَ أَنْ «لا إله إلَّا الله»، وهي متضمِّنةٌ عبادةَ اللهِ وَحْدَه وتَرْكَ عبادةِ ما سِواه، وهو الإسلامُ العامُّ الذي لا يقبل اللهُ مِنَ الأوَّلين والآخِرِين دينًا سِواه»((ظ£))، وقال ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في تفسيره لقوله تعالى: ï´؟إِنَّ ظ±لدِّينَ عِندَ ظ±للَّهِ ظ±لغ،إِسغ،لَظ°مُï´¾ [آل عمران: ظ،ظ©]: «إخبارًا منه تعالى بأنه لا دِينَ عنده يقبله مِنْ أحَدٍ سوى الإسلامِ، وهو اتِّباعُ الرُّسُل فيما بَعَثَهم اللهُ به في كُلِّ حينٍ حتَّى خُتِموا بمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم»((ظ¤))؛ فإنَّ هذا المعنى العامَّ للإسلام لا يُنافي الاستدلالَ بخصوص الإسلام الذي جاء به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا المقصودُ هو الأقربُ إلى إرادةِ المصنِّف ـ رحمه الله ـ لعدَمِ التعارض بين جنس الإسلام وآحاده أو أفراده، علمًا أنَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ ساقَ حديثَ ابنِ عمر رضي الله عنهما، وفيه دلالةٌ ـ أيضًا ـ على إرادة الدين كُلِّه وإِنْ أُطْلِق فيه لفظُ «الإسلام» على بعضِ أحكام الدين وقواعده؛ ذلك لأنَّ الإسلام الذي هو الدينُ كُلُّه بُنِيَ على هذه الخمس؛ ولهذا سُمِّيَتْ: قواعدَ الإسلام وأركانَه.
• ثامنًا: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل: «الإسلام بمعنى الاستسلام» (ص ظ¤ظ¥):
«وَيَجِيءُ الْإِسْلَامُ بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ إِيمَانٍ فِي الْقَلْبِ، وَهَذَا لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟قَالَتِ ظ±لغ،أَعغ،رَابُ ءَامَنَّاغ– قُل لَّمغ، تُؤغ،مِنُواْ وَلَظ°كِن قُولُوظ“اْ أَسغ،لَمغ،نَا وَلَمَّا يَدغ،خُلِ ظ±لغ،إِيمَظ°نُ فِي قُلُوبِكُمغ،ï´¾ [الحُجُرات: ظ،ظ¤]، وَلِحَدِيثِ سَعْدٍ: «أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا ـ وَسَعْدٌ جَالِسٌ فِيهِمْ ـ قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ ـ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ ـ فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ مُسْلِمًا»، فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ مُسْلِمًا»، فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ مُسْلِمًا، إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ»»((ظ¥)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ».
تنبيه واستدراك:
استدلَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ بالآية والحديثِ على أنَّ الإسلام المعرَّى عن الإيمانِ لا ينفع صاحِبَه؛ لأنَّ الإيمان لم يدخل في قلوبهم، ومَنْ لم يدخلِ الإيمانُ في قلبه فهو كافرٌ؛ فالأعرابُ المذكورون في الآيةِ مُنافِقون؛ لأنهم مسلمون في الظاهرِ وهُمْ كُفَّارٌ في الباطن، وهو أحَدُ القولين المشهورَيْن للسلف والخلف، واختاره البخاريُّ ومحمَّدُ بنُ نصرٍ المروزيُّ، واستظهره محمَّد الأمين الشنقيطيُّ ـ رحمه الله ـ((ظ¦)).
أمَّا ما عليه جمهورُ أهلِ السنَّة فإنهم يُقرِّرون لهم الثوابَ على إسلامهم، ويُخْرِجهم إسلامُهم مِنَ الكفر والنفاق، وهو قولٌ مَرْوِيٌّ عن الحسن وابنِ سيرين وإبراهيمَ النَّخَعيِّ وأبي جعفرٍ الباقر، وبه قال حمَّادُ بنُ زيدٍ وأحمدُ بنُ حنبلٍ وسهلُ بنُ عبد الله التستريُّ وأبو طالبٍ المكِّيُّ وغيرُهم، وهو الصحيحُ الراجح خلافًا لِمَا رجَّحه المصنِّف ـ رحمه الله ـ، وذلك لِمَا يلي:
ـ لأنَّ الله تعالى أَثْبَتَ إسلامَهم ووَصَفهم بوصفٍ كريمٍ بقوله: ï´؟وَلَظ°كِن قُولُوظ“اْ أَسغ،لَمغ،نَاï´¾ [الحجرات: ظ،ظ¤]، والمعلومُ أنَّ الله تعالى لا يُثْبِت إسلامَ أحَدٍ إلَّا إذا صحَّ إسلامُه وكان ذلك مُوجِبًا لدخول الجنَّة، وإلحاقُهم برتبة المُنافِقين غيرُ سليمٍ؛ لأنَّ الله تعالى ذَكَر المُنافِقين في آياتٍ متعدِّدةٍ ولم يُقَرِّرْ إسلامَهم، بل نفى عنهم الإسلامَ نفيًا قاطعًا وأَثْبَتَ لهم الكفرَ، فمِنْ ذلك: قولُه تعالى: ï´؟وَلَقَدغ، قَالُواْ كَلِمَةَ ظ±لغ،كُفغ،رِ وَكَفَرُواْ بَعغ،دَ إِسغ،لَظ°مِهِمغ،ï´¾ [التوبة: ظ§ظ¤]، وقولُه تعالى: ï´؟إِذَا جَاظ“ءَكَ ظ±لغ،مُنَظ°فِقُونَ قَالُواْ نَشغ،هَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ظ±للَّهِغ— وَظ±للَّهُ يَعغ،لَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُغ¥ وَظ±للَّهُ يَشغ،هَدُ إِنَّ ظ±لغ،مُنَظ°فِقِينَ لَكَظ°ذِبُونَ ظ،ï´¾ [المنافقون]، وقولُه تعالى: ï´؟وَلَيَحغ،لِفُنَّ إِنغ، أَرَدغ،نَاظ“ إِلَّا ظ±لغ،حُسغ،نَىظ°غ– وَظ±للَّهُ يَشغ،هَدُ إِنَّهُمغ، لَكَظ°ذِبُونَ ظ،ظ*ظ§ï´¾ [التوبة]، وقولُه تعالى: ï´؟يُخَظ°دِعُونَ ظ±للَّهَ وَظ±لَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخغ،دَعُونَ إِلَّاظ“ أَنفُسَهُمغ، وَمَا يَشغ،عُرُونَ ظ©ï´¾ [البقرة]، وقال سبحانه في شأن المُنافِقين مِنَ الأعراب: ï´؟وَمِنَ ظ±لغ،أَعغ،رَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغغ،رَمظ—ا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ظ±لدَّوَاظ“ئِرَï´¾ [التوبة: ظ©ظ¨].
ـ ولأنَّ حرفَ ï´؟لَمَّاï´¾ ـ في الآية ـ يُنْفى به ما قَرُبَ وجودُه ويُنتظَرُ ويُتوقَّعُ حصولُه ولو لم يُوجَدْ بَعْدُ؛ فالإيمانُ منهم مُنْتَظَرٌ، ومَنْ دَخَلَ في الإسلام يحتاج إلى عَقْدِ النيَّةِ على الإخلاص لله تعالى والاعتقادِ بكُلِّ ما يبلغه مِنْ دينِ الله تعالى، وما يَرِدُ في القلب مِنْ حقائقِ الإيمان الكثيرة إنما يَثْبُتُ بالرفق والتدرُّج، وقد حَصَرَ اللهُ تعالى الإيمانَ ـ في آية الحجرات ـ في أهلِ الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله وهي مرتبةُ الصادقين؛ فتَعيَّن في هذا الموضعِ إطلاقُ غيرِ الإيمان على الذين دخلوا في الإسلامِ ولكِنْ لم يَصِلوا بَعْدُ إلى مرتبة الإيمان؛ ومِنْ هنا يتبيَّن أنَّ الذين وُصِفُوا بالإسلام دون الإيمانِ قد لا يكونون كُفَّارًا في الباطن، بل معهم بعضُ الإسلام المقبول؛ لأنَّ الإسلام لا يُرادِفُ الإيمانَ مُطْلقًا ولا يُخالِفه مُطْلقًا؛ إذ الإسلامُ أَوْسَعُ مِنَ الإيمان؛ فكُلُّ مؤمنٍ مسلمٌ وليس كُلُّ مسلمٍ مؤمنًا؛ فالإيمانُ أخصُّ مِنَ الإسلام، ونفيُ الأخصِّ لا يستلزم نفيَ الأعمِّ، ولأنَّ مِنَ الأعرابِ مُنافِقين ـ كما تَقدَّم ـ ومنهم مَنْ ليس كذلك، وذلك كما في قوله تعالى: ï´؟وَمِنَ ظ±لغ،أَعغ،رَابِ مَن يُؤغ،مِنُ بِظ±للَّهِ وَظ±لغ،يَوغ،مِ ظ±لغ،أظ“خِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَظ°تٍ عِندَ ظ±للَّهِ وَصَلَوَظ°تِ ظ±لرَّسُولِغڑ أَلَاظ“ إِنَّهَا قُرغ،بَةظ‍ لَّهُمغ،غڑ سَيُدغ،خِلُهُمُ ظ±للَّهُ فِي رَحغ،مَتِهِغ¦ظ“غڑ إِنَّ ظ±للَّهَ غَفُورظ‍ رَّحِيمظ‍ ظ©ظ©ï´¾ [التوبة]، وفيهم قسمٌ ثالثٌ ليس هو مُنافِقًا محضًا ولا هو مِنَ المؤمنين حقًّا، بل هو فاسقٌ مِلِّيٌّ وهو المَعْنِيُّ في آية الحجرات، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «... فدلَّ البيانُ على أنَّ الإيمان المَنْفِيَّ عن هؤلاء الأعرابِ هو هذا الإيمانُ الذي نُفِي عن فُسَّاق أهلِ القِبلة الذين لا يُخلَّدون في النار، بل قد يكون مع أحَدِهم مثقالُ ذرَّةٍ مِنْ إيمانٍ، ونفيُ هذا الإيمانِ لا يقتضي ثبوتَ الكفر الذي يُخلَّد صاحِبُه في النار.
وبتَحقُّقِ هذا المَقامِ يزول الاشتباهُ في هذا الموضع، ويُعْلَم أنَّ في المسلمين قسمًا ليس هو مُنافِقًا محضًا في الدرك الأسفل مِنَ النار، وليس هو مِنَ المؤمنين الذين قِيلَ فيهم: ï´؟إِنَّمَا ظ±لغ،مُؤغ،مِنُونَ ظ±لَّذِينَ ءَامَنُواْ بِظ±للَّهِ وَرَسُولِهِغ¦ ثُمَّ لَمغ، يَرغ،تَابُواْ وَجَظ°هَدُواْ بِأَمغ،وَظ°لِهِمغ، وَأَنفُسِهِمغ، فِي سَبِيلِ ظ±للَّهِغڑ أُوْلَظ°ظ“ئِكَ هُمُ ظ±لصَّظ°دِقُونَ ظ،ظ¥ï´¾ [الحجرات]، ولا مِنَ الذين قِيلَ فيهم: ï´؟أُوْلَظ°ظ“ئِكَ هُمُ ظ±لغ،مُؤغ،مِنُونَ حَقّظ—اï´¾ [الأنفال: ظ¤، ظ§ظ¤]، فلا هم مُنافِقون ولا هم مِنْ هؤلاء الصادقين المؤمنين حقًّا، ولا مِنَ الذين يدخلون الجنَّةَ بلا عقابٍ، بل له طاعاتٌ ومَعاصٍ وحسناتٌ وسيِّئاتٌ، ومعه مِنَ الإيمان ما لا يُخلَّد معه في النار، وله مِنَ الكبائر ما يَستوجِبُ دخولَ النار، وهذا القسمُ قد يُسمِّيهِ بعضُ الناس: الفاسقَ المِلِّيَّ، وهذا ممَّا تَنازَعَ الناسُ في اسْمِه وحُكْمِه، والخلافُ فيه أوَّلُ خلافٍ ظَهَرَ في الإسلام في مسائل أصول الدين»((ظ§)).
وأمَّا حديثُ سعدٍ رضي الله عنه فقَدْ قال عنه ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «ومحصَّلُ القصَّةِ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُوسِّع العطاءَ لِمَنْ أَظْهَرَ الإسلامَ تألُّفًا، فلمَّا أعطى الرهطَ وهُمْ مِنَ المؤلَّفة وتَرَكَ جُعَيْلًا وهو مِنَ المهاجرين مع أنَّ الجميع سألوه؛ خاطَبَه سعدٌ في أمره لأنه كان يرى أنَّ جُعَيْلًا أحقُّ منهم لِمَا اختبره منه دونهم؛ ولهذا راجَعَ فيه أَكْثَرَ مِنْ مرَّةٍ، فأَرْشَدَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أمرين:
أحَدُهما: إعلامُه بالحكمة في إعطاءِ أولئك وحرمانِ جُعَيْلٍ مع كونه أحبَّ إليه ممَّنْ أعطى؛ لأنه لو تَرَكَ إعطاءَ المؤلَّفِ لم يُؤْمَنِ ارتدادُه فيكون مِنْ أهل النار.
ثانيهما: إرشاده إلى التوقُّف عن الثناء بالأمر الباطن دون الثناء بالأمر الظاهر، فوَضَحَ بهذا فائدةُ ردِّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم على سعدٍ، وأنه لا يستلزم مَحْضَ الإنكارِ عليه، بل كان أحَدُ الجوابين على طريق المشورة بالأَوْلى، والآخَرُ على طريق الاعتذار»((ظ¨)).
قلت: وممَّا وُجِّهَتْ به الآيةُ السابقة، وكذا مِنْ محصَّلِ القصَّةِ مِنْ حديثِ سعدٍ رضي الله عنه يتبيَّن عدَمُ نهوضِ الاحتجاجِ بهما فيما قرَّره المصنِّفُ ـ رحمه الله ـ لأنَّ نفيَ الإيمانِ المطلق لا يَلْزَم منه انتفاءُ مُطْلَقِ الإيمان. قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «وكُلُّ مؤمنٍ لا بُدَّ أَنْ يكون مسلمًا؛ فإنَّ الإيمان يستلزم الأعمالَ، وليس كُلُّ مسلمٍ مؤمنًا هذا الإيمانَ المطلق لأنَّ الاستسلامَ للهِ والعملَ له لا يتوقَّف على هذا الإيمانِ الخاصِّ»((ظ©)).
ـ يُتْبَع ـ

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ¢ظ© صفر ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ¢ظ© نوفمبر ظ¢ظ*ظ،ظ¦م


(ظ،) انظر: «تفسير السعدي» (ظ£ظ¥).
(ظ¢) متَّفقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» (ظ،/ ظ¤ظ©) باب: «دعاؤكم: إيمانُكم»، ومسلمٌ في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ§ظ§) بابُ بيانِ أركان الإسلام، والترمذيُّ في «الإيمان» (ظ¥/ ظ¥) بابُ ما جاء: بُني الإسلام على خمسٍ، والنسائيُّ في «الإيمان وشرائعه» (ظ¨/ ظ،ظ*ظ§) بابٌ: على كم بُني الإسلام؟ والبغويُّ في «شرح السنَّة» (ظ،/ ظ،ظ§) بابُ بيانِ الأعمال، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمر رضي الله عنهما.
هذا، وقد وَرَدَ في رواية البخاريِّ والنسائيِّ تقديمُ الحجِّ على الصوم، وعليه بنى البخاريُّ ترتيبَه، لكِنْ وَرَد في مسلمٍ (ظ،/ ظ،ظ¤ظ¦) مِنْ رواية سعد بنِ عُبَيْدة عن ابنِ عمر بتقديم الصوم على الحجِّ وفيه: «فقال رجلٌ: «الحَجُّ وَصِيَامُ رَمَضَانَ»، قَالَ: «لَا، صِيَامُ رَمَضَانَ وَالحَجُّ، هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»»، قال ابنُ حجرٍ في [«الفتح» (ظ،/ ظ¥ظ*)]: «ففي هذا إشعارٌ بأنَّ رواية حنظلة التي في البخاريِّ مرويَّةٌ بالمعنى».
(ظ£) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ§/ ظ¢ظ¦ظ*، ظ،ظ*/ ظ،ظ¥).
(ظ¤) «تفسير ابن كثير» (ظ،/ ظ£ظ¥ظ¤).
(ظ¥) أخرجه مسلمٌ بهذا اللفظ في «الإيمان» (ظ¢/ ظ،ظ¨ظ*) باب تألُّفِ قلبِ مَنْ يُخاف على إيمانه لضعفِه، وفي «الزكاة» (ظ§/ ظ،ظ¤ظ¨) بابُ إعطاء المؤلَّفة ومَنْ يُخاف على إيمانه.
والحديث أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» (ظ،/ ظ§ظ©) باب: إذا لم يكن الإسلامُ على الحقيقةِ وكان على الاستسلام أو الخوف مِنَ القتل، وفي «الزكاة» (ظ£/ ظ£ظ¤ظ*) بابُ قولِ الله تعالى: ï´؟لَا يَسغ،‍ظ”َلُونَ ظ±لنَّاسَ إِلغ،حَافظ—اï´¾ [البقرة: ظ¢ظ§ظ£]، وأبو داود في «السنَّة» (ظ¥/ ظ¦ظ*) باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، مِنْ حديثِ سعد بنِ أبي الوقَّاص رضي الله عنه.
(ظ¦) انظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (ظ§/ ظ¦ظ£ظ¨).
(ظ§) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ§/ ظ¤ظ§ظ¨)، وانظر تقريرَ هذا الأصلِ في: «مجموع الفتاوى» أيضًا (ظ§/ ظ¤ظ¦ظ،)، «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (ظ£ظ©ظ¢)، «أضواء البيان» للشنقيطي (ظ§/ ظ¦ظ£ظ¦).
(ظ¨) «فتح الباري» لابن حجر (ظ،/ ظ¨ظ*).
(ظ©) «مجموع الفتاوى» (ظ§/ ظ¢ظ§ظ*).










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:30   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ـ الحلقة الرابعة ـ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فمواصلةً لهذه السلسلة التوضيحية مِنَ التنبيهات والاستدراكات أقول ـ وبالله التوفيقُ ـ:
• تاسعًا: قول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل ظ¢ظ*: «الإيمانُ في اللغة» (ص ظ¤ظ©):
«الْإِيمَانُ ـ فِي اللُّغَةِ ـ هُوَ: التَّصْدِيقُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَمَاظ“ أَنتَ بِمُؤغ،مِنظ– لَّنَا وَلَوغ، كُنَّا صَظ°دِقِينَ ظ،ظ§ï´¾ [يوسف]».
تنبيه واستدراك:
الإيمان ـ في اللغة ـ يدور مَعْناهُ على التصديقِ والثِّقَة والطُّمَأْنِينة وزوالِ الخوف والإقرار(ظ،)، واختارَ المُصنِّفُ ـ رحمه الله ـ التصديقَ لِمَا عليه عامَّةُ أهلِ اللغة، قال ابنُ منظورٍ: «اتَّفق أهلُ العلمِ مِنَ اللغويين وغيرِهم أنَّ الإيمان مَعْناهُ: التصديقُ»(ظ¢).
والحقيقة أنَّ التعريف بالإقرار ـ مِنْ جهةِ اللغةِ ـ أَصْدَقُ في الدلالة على معنى الإيمانِ مِنْ غيرها مِنَ الألفاظ الأخرى التي فُسِّرَ بها الإيمانُ، وقد نَبَّهَ إلى هذه الحقيقةِ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ وأجلاها بالكشف عن فوارقَ مُهِمَّةٍ لفظًا ومعنًى تدفع دعوى الترادف بين الإيمان والتصديق مِنْ جهةِ اللغة، منها:
ظ، ـ مِنْ جهة المعنى: أنَّ الإيمان ليس مُرادِفًا للتصديق في المعنى؛ فلا يُسْتَعْمَلُ الإيمانُ إلَّا فيما يُؤتمَنُ فيه المُخْبِرُ كالأمور الغيبية ونحوِها ممَّا يدخله الرَّيْبُ؛ لكونه مُشْتَقًّا مِنَ الأمن، أمَّا المُشاهَداتُ المحسوسةُ فلا تُسْتَخْدَمُ فيها لفظةُ: «آمَنَ» وإنما يُقالُ فيها: «صدَّق»؛ فإنَّ كُلَّ مُخْبِرٍ عن مُشاهَدةٍ أو غَيْبٍ يُقالُ له: «صَدَقْتَ» كما يُقالُ له: «كَذَبْتَ»، أمَّا لفظُ «الإيمان» فلا يُسْتَعْمَلُ إلَّا في الخبر عن غائبٍ.
ظ¢ ـ مِنْ جهة المُقابَلة: أنَّ لَفْظَ: «الإيمان» ـ في اللغة ـ لا يُقابَلُ بالتكذيب كلفظِ التصديق؛ فإنه مِنَ المعلوم ـ في اللغة ـ أنَّ كُلَّ مُخْبِرٍ يُقالُ له: «صَدَقْتَ» أو «كَذَبْتَ»، ويقال: «صدَّقْناهُ» أو «كذَّبناهُ»، ولا يُقالُ لكُلِّ مُخْبِرٍ: «آمَنَّا له» أو «كذَّبْناهُ»، ولا يُقالُ: «أنت مُؤْمِنٌ له» أو «مكذِّبٌ له»، بل المعروفُ في مُقابَلةِ الإيمانِ لفظُ الكفر، يُقالُ: «هو مُؤْمِنٌ أو كافرٌ»، والكفرُ لا يختصُّ بالتكذيب.
ظ£ ـ مِنْ جهة التعدِّي: فإنَّ لَفْظَ: «آمَنَ» يختلف عن لَفْظِ: «صدَّق»؛ فإنَّ «آمَنَ» لا يتعدَّى إلَّا بالباء أو اللام ـ كما تَقدَّمَ ـ فيقالُ: «آمَنَ به» و«آمَنَ له»، ولا يُقالُ: آمَنَه إلَّا مِنَ الأمَان الذي هو ضدُّ الإخافة، بينما لفظُ «صدَّق» فإنه يَصِحُّ تَعْدِيَتُه بنَفْسِه فيقال: «صدَّقَهُ».
وعليه، فالإيمانُ ليس هو مجرَّدَ التصديقِ فحَسْبُ مع خُلُوِّه مِنْ طُمَأْنِينةٍ وأمنٍ والْتزامٍ وانقيادٍ؛ فإنَّ هذا لا يعكس ـ بصدقٍ ـ حقيقةَ الإيمان؛ إذ لو أَخْبَرَ غيرَه بخبرٍ لا يَتضمَّنُ طمأنينةً إلى المُخْبِرِ ولا الثِّقَةَ به فلا يُقالُ فيه: «آمَنَ له»، وكذلك إذا تَضَمَّنَ خبرُه طاعةَ المُسْتمِعِ له مع حصولِ الطُّمَأْنِينةِ إلى صِدْقِه؛ فإنه لا يكون مُؤْمِنًا للخبر إلَّا بالْتزامِ طاعته مع تصديقه؛ فإِنْ صدَّقه دون الْتزامٍ بطاعته فإنَّ هذا يُسمَّى تصديقًا ولا يُسمَّى إيمانًا.
لذلك كان لفظُ الإقرارِ مُوافقًا ـ مِنْ جهةِ اللغة ـ للإيمانِ المُشْتَقِّ مِنَ الأمن الذي هو الإقرارُ والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقرَّ في القلبِ التصديقُ والانقياد، أي: هو مُتضمِّنٌ للالتزام بالمُؤْمَنِ به، سواءٌ كان خبرًا أو إنشاءً، ووجهُ تَضَمُّنِ لفظِ الإقرار للالتزام مِنْ جهتين:
الأولى: الإخبار، وهو ـ مِنْ هذا الوجهِ ـ كلفظِ التصديق والشهادةِ ونحوِهما، وهذا مَعْنَى الإقرارِ الذي يذكره الفُقَهاءُ في كتاب الإقرار.
والثانية: إنشاءُ الالتزام كما في قوله تعالى: ï´؟ءَأَقغ،رَرغ،تُمغ، وَأَخَذغ،تُمغ، عَلَىظ° ذَظ°لِكُمغ، إِصغ،رِيغ– قَالُوظ“اْ أَقغ،رَرغ،نَاغڑ قَالَ فَظ±شغ،هَدُواْ وَأَنَاغ* مَعَكُم مِّنَ ظ±لشَّظ°هِدِينَ ظ¨ظ،ï´¾ [آل عمران]، وليس هو ـ هنا ـ الخبرَ المجرَّد؛ فإنه سبحانه قال: ï´؟وَإِذغ، أَخَذَ ظ±للَّهُ مِيثَظ°قَ ظ±لنَّبِيِّ‍غ§نَ لَمَاظ“ ءَاتَيغ،تُكُم مِّن كِتَظ°بظ– وَحِكغ،مَةظ– ثُمَّ جَاظ“ءَكُمغ، رَسُولظ‍ مُّصَدِّقظ‍ لِّمَا مَعَكُمغ، لَتُؤغ،مِنُنَّ بِهِغ¦ وَلَتَنصُرُنَّهُغ¥غڑ قَالَ ءَأَقغ،رَرغ،تُمغ، وَأَخَذغ،تُمغ، عَلَىظ° ذَظ°لِكُمغ، إِصغ،رِيï´¾ [آل عمران: ظ¨ظ،]؛ فهذا الالتزامُ للإيمان والنصرِ للرسول وكذلك لفظُ «الإيمانِ» فيه إخبارٌ وإنشاءٌ والْتزامٌ، بخلافِ لفظِ «التصديق» المجرَّدِ فإنه يُطابِقُ الخبرَ فقط، بينما الإقرارُ يُطابِقُ الخبرَ والأمر؛ فكان الإقرارُ أَصْدَقَ في الدلالةِ على مَعْنَى الإيمان لتَضمُّنِه قولَ القلبِ ـ الذي هو التصديقُ ـ وعَمَلَ القلبِ ـ الذي هو الانقيادُ ـ(ظ£).
فالحاصل: أنه لا ينبغي أَنْ يُتوهَّم بأنَّ الإيمان ـ في اللغة ـ هو مُطْلَقُ التصديقِ مجرَّدًا عن معنًى زائدٍ؛ فمِثْلُ هذا التجريدِ للألفاظ العربيةِ لا يُوجَدُ إلَّا في المَعاجِمِ والقواميس التي تكتفي بذِكْرِ المعنى المشترك اقتصارًا دون بيانِ الزيادات واللوازم التي يقتضيها الاستعمالُ؛ بُغيةَ اختصارِ المعنى وتسهيلِ الفهم على القارئ، وإنما الألفاظُ ـ في لغة العرب ـ لا تُوجَدُ إلَّا ضِمْنَ كلامٍ مُفيدٍ مقيَّدةً بقيودٍ يقتضيها الاستعمالُ.
ومنه يَتبيَّنُ أنَّ الإيمان يَتضمَّنُ معنًى زائدًا على مجرَّد التصديق، وهو الإقرارُ المُسْتلزِمُ لقَبول الأخبار والإذعانِ للأحكام.
• عاشرًا: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل ظ¢ظ،: «مَحَل الإيمان» (ص ظ¤ظ©):
«مَحَلُّ الْإِيمَانِ ـ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ الْجَازِمِ ـ هُوَ الْقَلْبُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَلَمَّا يَدغ،خُلِ ظ±لغ،إِيمَظ°نُ فِي قُلُوبِكُمغ،ï´¾ [الحُجُرات: ظ،ظ¤]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟إِنَّمَا يَسغ،تَ‍ظ”غ،ذِنُكَ ظ±لَّذِينَ لَا يُؤغ،مِنُونَ بِظ±للَّهِ وَظ±لغ،يَوغ،مِ ظ±لغ،أظ“خِرِ وَظ±رغ،تَابَتغ، قُلُوبُهُمغ، فَهُمغ، فِي رَيغ،بِهِمغ، يَتَرَدَّدُونَ ظ¤ظ¥ï´¾ [التوبة]، وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ».
تنبيه واستدراك:
تَقرَّرَ ـ في الشريعة ـ أنَّ مَحَلَّ الإيمانِ والعقلِ والفقهِ والزيغِ ونحوِ ذلك: هو القلبُ؛ لقوله تعالى: ï´؟وَلَظ°كِنَّ ظ±للَّهَ حَبَّبَ إِلَيغ،كُمُ ظ±لغ،إِيمَظ°نَ وَزَيَّنَهُغ¥ فِي قُلُوبِكُمغ،ï´¾ [الحُجُرات: ظ§]، وقولِه تعالى: ï´؟أُوْلَظ°ظ“ئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ظ±لغ،إِيمَظ°نَï´¾ [المجادلة: ظ¢ظ¢]، وقولِه: ï´؟وَقَلغ،بُهُغ¥ مُطغ،مَئِنُّغ¢ بِظ±لغ،إِيمَظ°نِï´¾ [النحل: ظ،ظ*ظ¦]، وكذلك الآيات التي استدلَّ بها المُصنِّفُ ـ رحمه الله ـ على أنَّ مَحَلَّ الإيمانِ في القلب، وإلى هذا المَحَلِّ أضافَ اللهُ تعالى العقلَ والفقه والزيغ في مثلِ قوله تعالى: ï´؟أَفَلَمغ، يَسِيرُواْ فِي ظ±لغ،أَرغ،ضِ فَتَكُونَ لَهُمغ، قُلُوبظ‍ يَعغ،قِلُونَ بِهَاظ“ï´¾ [الحج: ظ¤ظ¦]، وقولِه تعالى: ï´؟وَطُبِعَ عَلَىظ° قُلُوبِهِمغ، فَهُمغ، لَا يَفغ،قَهُونَ ظ¨ظ§ï´¾ [التوبة]، وقولِه تعالى: ï´؟فَلَمَّا زَاغُوظ“اْ أَزَاغَ ظ±للَّهُ قُلُوبَهُمغ،ï´¾ [الصف: ظ¥].
كما يدلُّ ـ مِنَ السنَّة ـ على أنَّ مَحَلَّ الإيمانِ ومُسْتقَرَّه القلبُ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ..»(ظ¤).
كما أنَّ النيَّةَ مَحَلُّها القلبُ باتِّفاقِ العُلَماء على ما نَقَلهُ عنهم ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ(ظ¥).
هذا، والقلب الذي يَعْنيهِ اللهُ تعالى في هذه الآياتِ إنما مَحَلُّه الصدرُ، وقد جاء التنصيصُ عليه صراحةً في قوله تعالى: ï´؟وَلَظ°كِن تَعغ،مَى ظ±لغ،قُلُوبُ ظ±لَّتِي فِي ظ±لصُّدُورِ ظ¤ظ¦ï´¾ [الحج].
وللتذكير والتنبيه فإنَّ الإيمان المتعلِّق بالقلب ليس مجرَّدَ التصديقِ الجازم الذي هو قولُ القلب فحسب، وإنما حقيقتُه أنه قائمٌ على أصلين: قول القلب وعَمَله.
ـ فأمَّا قول القلب فهو: التصديقُ بالحقِّ واعتقادُه؛ فلا بُدَّ مِنْ تصديق الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم فيما أخبر به؛ فتصديقُ القلبِ شرطٌ في اعتقادِ بقيَّةِ الأجزاء وكونِها نافعةً، ومعنَى ذلك أنه إذا زالَ تصديقُ القلب لم تنفع بقيَّةُ الأجزاء.
ـ أمَّا عملُ القلب فهو: مَحَبَّةُ الحقِّ وإرادتُه مثل: الإخلاص والحبِّ والخوف والرجاء والتعظيم والانقياد والتوكُّل وغيرِها مِنْ أعمال القلوب؛ فإذا زالَ عَمَلُ القلبِ مع اعتقادِ الصدق فإنَّ أهل السُّنَّةِ مُجْمِعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديقُ مع انتفاءِ عَمَلِ القلب(ظ¦)؛ قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «وفي الجملة فلا بُدَّ في الإيمان الذي في القلب مِنْ تصديقٍ بالله ورسوله، وحُبِّ الله ورسولِه، وإلَّا فمُجرَّدُ التصديقِ مع البغض لله ولرسوله ومُعاداةِ الله ورسوله ليس إيمانًا باتِّفاق المسلمين»(ظ§).
وقال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «كُلُّ مسألةٍ علميةٍ فإنه يتبعها إيمانُ القلبِ وتصديقُه وحُبُّه، وذلك عملٌ، بل هو أصلُ العمل، وهذا ممَّا غَفَلَ عنه كثيرٌ مِنَ المتكلِّمين في مَسائِلِ الإيمان، حيث ظنُّوا أنه مُجرَّدُ التصديقِ دون الأعمال، وهذا مِنْ أَقْبَحِ الغلط وأَعْظَمِه؛ فإنَّ كثيرًا مِنَ الكُفَّار كانوا جازمين بصدقِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غيرَ شاكِّين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديقِ عَمَلُ القلبِ مِنْ حُبِّ ما جاءَ به والرِّضا به وإرادتِه، والمُوالاةِ والمُعاداةِ عليه؛ فلا تُهْمِلْ هذا الموضعَ فإنه مُهِمٌّ جدًّا، به تُعْرَفُ حقيقةُ الإيمان»(ظ¨).
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ جَعَل الحديثَ ممَّا انفرد به مسلمٌ عن البخاريِّ، والصحيحُ أنه ممَّا أخرج البخاريُّ ـ أيضًا ـ في «الإيمان» (ظ،/ ظ§ظ¢) بابُ تَفاضُلِ أهلِ الإيمان في الأعمال، وفي «الرِّقاق» (ظ،ظ،/ ظ¤ظ،ظ¦) بابُ صفةِ الجنَّة والنار، ومسلمٌ في «الإيمان» (ظ£/ ظ£ظ¥ ـ ظ£ظ¦) بابُ إثباتِ الشفاعة وإخراجِ المُوحِّدين مِنَ النار، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه؛ وتمامُه: «فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الحَيَاةِ أَوْ الحَيَا فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟».
علمًا أنَّ عبارة: «ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» التي نصَّ عليها المصنِّف ـ رحمه الله ـ في متن الحديث وعزاها لمسلمٍ لا أثرَ لها في مسلمٍ بل ولا في البخاريِّ، وإنما هي مِنْ روايةِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه الثابتةِ في «سنن ابن ماجه» (ظ،/ ظ¢ظ¢).
• حادي عشر: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل ظ¢ظ¦: «الإيمانُ قولٌ وعملٌ» (ص ظ¥ظ¤):
«الْإِيمَانُ ـ فِي الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ ـ هُوَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، فَمَنِ اسْتَكْمَلَ ذَلِكَ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهُ لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟إِنَّمَا ظ±لغ،مُؤغ،مِنُونَ ظ±لَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ظ±للَّهُ وَجِلَتغ، قُلُوبُهُمغ،ï´¾ [الأنفال: ظ¢]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟إِنَّمَا ظ±لغ،مُؤغ،مِنُونَ ظ±لَّذِينَ ءَامَنُواْ بِظ±للَّهِ وَرَسُولِهِغ¦ ثُمَّ لَمغ، يَرغ،تَابُواْ وَجَظ°هَدُواْ بِأَمغ،وَظ°لِهِمغ، وَأَنفُسِهِمغ، فِي سَبِيلِ ظ±للَّهِغڑ أُوْلَظ°ظ“ئِكَ هُمُ ظ±لصَّظ°دِقُونَ ظ،ظ¥ï´¾ [الحُجُرات]، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ(ظ©)، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ(ظ،ظ*)، وَلِقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ ـ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ ـ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ(ظ،ظ،)».
تنبيه واستدراك:
الذي قرَّرهُ المصنِّفُ ـ رحمه الله ـ في تعريف الإيمان شرعًا سَقَطَ منه خطئًا: «قولٌ بالقلب و..»، يُؤكِّدُه ما سَبَقَ تقريرُه مِنْ أنَّ الدِّين كُلَّه: عقدٌ بالقلب ونطقٌ باللسان وعملٌ بالجوارح الظاهرة والباطنة، وهو مُعْتقَدُ أهلِ السنَّة والجماعة؛ فقَدِ اتَّفَقَ الصحابةُ والتابعون ومَنْ بَعْدَهم مِنْ أهل السنَّة على ذلك؛ قال محمَّد بنُ إدريس الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ: «وكان الإجماعُ مِنَ الصحابة والتابعين مِنْ بَعْدِهم ومَنْ أَدْرَكْناهم يقولون: إنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ ونيَّةٌ، لا يُجْزِئُ واحدٌ مِنَ الثلاثةِ إلَّا بالآخَرِ»(ظ،ظ¢).
وقال ابنُ عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ: «أَجْمَعَ أهلُ الفقهِ والحديثِ على أنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ، ولا عَمَلَ إلَّا بنيَّةٍ، والإيمانُ ـ عندهم ـ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعاتُ كُلُّها ـ عندهم ـ إيمانٌ»(ظ،ظ£).
والنقولُ مُتواتِرةٌ عن السلف بأنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ وإِنْ تَفاوَتَتْ عباراتُ السلفِ في الإيمان؛ فلا فَرْقَ بين قولهم: «إنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ»، أو «قولٌ وعملٌ ونيَّةٌ»، أو «قولٌ وعملٌ واعتقادٌ»، أو «تصديقٌ بالجَنان وقولٌ باللسان وعملٌ بالجوارح» وغيرها؛ فكُلُّها عباراتٌ مُتفاوِتةُ الألفاظِ داخلةٌ في باب اختلاف التنوُّع، ليس فيها اختلافٌ معنويٌّ.
• ثاني عشر: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل ظ¢ظ§: «الإيمانُ يزيد وينقص» (ص ظ¥ظ¨) مُستدِلًّا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، ثمَّ قال في تخريجه: «رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ».
تنبيه واستدراك:
الحديث لم يُخْرِجْه البخاريُّ ـ وهو وَهْمٌ مِنَ المصنِّف رحمه الله ـ وإنما انفرد بروايته مسلمٌ عن البخاريِّ فأخرجه في «الإيمان» (ظ¢/ ظ¢ظ¢ ـ ظ¢ظ£) بابُ بيانِ كون النهي عن المُنْكَرِ مِنَ الإيمان، وأبو داود في «الملاحم» (ظ¤/ ظ¥ظ،ظ،) باب الأمر والنهي، والترمذيُّ في «الفِتَن» (ظ¤/ ظ¤ظ¦ظ© ـ ظ¤ظ§ظ*) بابُ ما جاء في تغيير المُنْكَر باليد أو باللسان أو بالقلب، والنسائيُّ في «الإيمان» (ظ¨/ ظ،ظ،ظ،، ظ،ظ،ظ¢) بابُ تفاضُلِ أهل الإيمان، وابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» (ظ،/ ظ¤ظ*ظ¦) بابُ ما جاء في صلاة العيدين، وفي «الفِتَن» (ظ¢/ ظ،ظ£ظ£ظ*) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحمد في «مسنده» (ظ£/ ظ،ظ*، ظ¢ظ*، ظ¤ظ©، ظ¥ظ¢، ظ¥ظ¤، ظ©ظ¢)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه.
• ثالث عشر: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل ظ¢ظ¨: «التصديقُ يقوى ويضعف» (ص ظ¥ظ¨):
«التَّصْدِيقُ ـ الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ الْأَصْلِيُّ فِي الْإِيمَانِ ـ يَقْوَى وَيَضْعُفُ: يَقْوَى بِالنَّظَرِ فِي الآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ، وَالتَّدَبُّرِ فِي الآيَاتِ السَّمْعِيَّةِ، وَالتَّقَرُّبِ بِالْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَيَضْعُفُ بِضِدِّ ذَلِكَ»، ثمَّ استدلَّ بآيتين وحديثين.
تنبيه واستدراك:
ذَكَر المصنِّفُ ـ رحمه الله ـ أنَّ التصديقَ بالقلب والإقرارَ به هو الجزءُ الأصليُّ في الإيمان؛ لأنه بزواله لا تنفع أجزاءُ الإيمان باتِّفاق المسلمين، ولم يتعرَّضْ ـ رحمه الله ـ تصريحًا لعملِ القلب؛ فإنَّ عَمَلَ القلبِ هو ـ أيضًا ـ جزءٌ أصليٌّ في الإيمان؛ فأهلُ السنَّة مُجْمِعون على أنَّ زوالَ عملِ القلب هو زوالٌ للإيمان خلافًا للمُرْجِئة، وما أشار إليه المصنِّف ـ رحمه الله ـ في استدلاله بالنصوص الشرعية يُؤكِّد هذا الجزءَ الأصليَّ في الإيمان، كما يؤكِّده ما ذَكَره في مواطنَ أخرى مثل قوله: «والحبُّ في الله مثلًا يُسمَّى إيمانًا»(ظ،ظ¤)، وقولِه: «مَنْ لم يُخْضِعْ قلبَه لِمَا عَرَفه مِنْ عقائد الإسلام لم تُفِدْه تلك المعرفةُ ولم يكن بها مِنَ المسلمين»(ظ،ظ¥) وغيرها؛ ذلك لأنَّ القلب هو الأصلُ ورأسُ الأمر، وأعمالُه يُشترَطُ ـ في قَبولها ـ الإخلاصُ فيها لله تعالى وهو عملٌ قلبيٌّ، بل هي مِنْ أهمِّ المطالب؛ إِذْ لا تُقْبَلُ الأعمالُ الظاهرةُ إِنْ خَلَتْ مِنَ الأعمال القلبية، ولا عِبْرةَ بصلاح الظاهر مع فساد الباطن؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ»(ظ،ظ¦).
لذلك وَجَب على المسلم العنايةُ بإصلاحِ باطنه بتطهيرِ قلبه ممَّا يُدنِّسُه مِنَ الآفات والمكروهات، وعمارتِه بمحبَّة الله عزَّ وجلَّ ومحبَّةِ ما يُحِبُّه اللهُ عزَّ وجلَّ، والعملِ على تقويةِ إيمانه، والخشيةِ مِنْ كُلِّ ما يُباعِدُ منه.
ـ يُتْبَع ـ

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ¢ظ¤ ربيع الثاني ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ¢ظ¢ يناير ظ¢ظ*ظ،ظ§م


(ظ،) انظر: «المفردات» للراغب الأصفهاني (ظ£ظ¥)، «تهذيب اللغة» للأزهري (ظ،ظ¥/ ظ¥ظ،ظ£)، «الصحاح» للجوهري (ظ¥/ ظ¢ظ*ظ§ظ،)، «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ظ،ظ¥ظ،ظ¨).
(ظ¢) «لسان العرب» لابن منظور (ظ،/ ظ¢ظ¢ظ¤).
(ظ£) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ§/ ظ¢ظ©ظ* ـ ظ¢ظ©ظ£، ظ¥ظ¢ظ© ـ ظ¥ظ£ظ¤، ظ¦ظ£ظ§ ـ ظ¦ظ£ظ¨).
(ظ¤) أخرجه أبو داود في «الأدب» (ظ¥/ ظ،ظ©ظ¤) بابٌ في الغِيبة، وأحمد في «مسنده» (ظ¤/ ظ¤ظ¢ظ* ـ ظ¤ظ¢ظ،)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (ظ،ظ*/ ظ¤ظ،ظ¨) و«شُعَب الإيمان» (ظ©/ ظ§ظ¤) و«الآداب» (ظ¤ظ¨)، والموصليُّ في «مسنده» (ظ،ظ£/ ظ¤ظ،ظ©)، مِن حديث أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع الصغير» (ظ¦/ ظ£ظ*ظ¨) رقم: (ظ§ظ¨ظ¦ظ،).
(ظ¥) انظر: «مجموع الفتاوى» (ظ،ظ¨/ ظ¢ظ¦ظ¢).
(ظ¦) انظر: «كتاب الصلاة» لابن القيِّم (ظ¥ظ¤).
(ظ§) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ§/ ظ¥ظ£ظ§).
(ظ¨) «الصواعق المُرْسَلة» لابن القيِّم باختصار الموصلي (ظ¥ظ،ظ¥).
(ظ©) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» (ظ،/ ظ¥ظ¦) باب: مِنَ الإيمان أَنْ يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه، ومسلمٌ في «الإيمان» (ظ¢/ ظ،ظ¦) باب الدليل على أنَّ مِنْ خِصالِ الإيمان أَنْ يُحِبَّ لأخيه المسلم ما يُحِبُّ لنَفْسِه مِنَ الخير، مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(ظ،ظ*) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» (ظ،/ ظ¥ظ¨) باب: حُبُّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ الإيمان، ومسلمٌ في «الإيمان» (ظ¢/ ظ،ظ¥) بابُ وجوبِ محبَّة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أَكْثَرَ مِنَ الأهل، مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(ظ،ظ،) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» (ظ،/ ظ¥ظ،) بابُ أمور الإيمان، ومسلمٌ في «الإيمان» (ظ¢/ ظ£ ـ ظ¦) بابُ بيانِ عدد شُعَبِ الإيمان، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(ظ،ظ¢) انظر: «شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة» للَّالَكائي (ظ¥/ ظ¨ظ¨ظ¦)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ§/ ظ£ظ*ظ¨).
(ظ،ظ£) «التمهيد» لابن عبد البرِّ (ظ©/ ظ¢ظ£ظ¨).
(ظ،ظ¤) «العقائد الإسلامية» لابن باديس (ظ¥ظ¤) في الفصل: (ظ¢ظ¥).
(ظ،ظ¥) المصدر السابق (ظ¦ظ£) في الفصل: (ظ£ظ،).
(ظ،ظ¦) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ¢ظ¦) بابُ فضلِ مَنِ استبرأ لدِينه، ومسلمٌ في «المساقاة» (ظ،ظ،/ ظ¢ظ§) بابُ أخذِ الحلال وتركِ الشُّبُهات، مِنْ حديثِ النعمان بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما.










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:30   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ـ الحلقة الخامسة ـ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فمواصلةً لهذه السلسلة التوضيحية مِنَ التنبيهات والاستدراكات أقول ـ وبالله التوفيقُ ـ:
• رابع عشر: قول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل ظ£ظ¢: «الإيمان لا يُبْطِله نقصُ الأعمال» (ص ظ¦ظ¤):
«مَنْ ضَيَّعَ الْأَعْمَالَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَإِن طَاظ“ئِفَتَانِ مِنَ ظ±لغ،مُؤغ،مِنِينَ ظ±قغ،تَتَلُواْ فَأَصغ،لِحُواْ بَيغ،نَهُمَاï´¾ [الحُجُرات: ظ©]، وَلِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟» قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ».
تنبيه واستدراك:
المصنِّف رحمه الله ـ مِنْ خلالِ استدلاله بالآية والحديث ـ أراد بتضييع الأعمال: تَرْكَ المأموراتِ وركوبَ المَعاصي والمحظوراتِ كالقتل والزِّنا وشُرْبِ الخمر، ما لم يَصِلْ إلى حدِّ الكفر أو الشركِ الأكبر؛ فإنه لا يخرج مُضيِّعُ الأعمالِ مِنْ دائرة الإيمان، بل يبقى معه مُطْلَقُ الإيمانِ لا الإيمانُ المُطْلَق، وأهلُ السُّنَّة مُتَّفِقون على أنه لا يكفر أهلُ القِبْلة بمُطْلَقِ المَعاصي والكبائر، قال ابنُ أبي العزِّ الحنفيُّ ـ رحمه الله ـ: «إنَّ أهل السنَّة مُتَّفِقون كُلُّهم على أنَّ مُرتكِبَ الكبيرةِ لا يكفر كفرًا ينقل عن المِلَّة بالكُلِّيَّة كما قالَتِ الخوارجُ؛ إذ لو كَفَر كفرًا ينقل عن المِلَّة لَكان مُرْتَدًّا يُقْتَل على كُلِّ حالٍ، ولا يُقْبَلُ عفوُ وليِّ القِصاص، ولا تجري الحدودُ في الزِّنا والسرقةِ وشُرْبِ الخمر، وهذا القولُ معلومٌ بطلانُه وفسادُه بالضرورة مِنْ دِين الإسلام، ومُتَّفِقون على أنه لا يخرج مِنَ الإيمان والإسلام، ولا يدخل في الكفر، ولا يَستحِقُّ الخلودَ في النار مع الكافرين كما قالَتِ المعتزلة؛ فإنَّ قولهم باطلٌ أيضًا؛ إذ قد جَعَل اللهُ مرتكبَ الكبيرةِ مِنَ المؤمنين؛ قال تعالى: ï´؟يَظ°ظ“أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيغ،كُمُ ظ±لغ،قِصَاصُ فِي ظ±لغ،قَتغ،لَىï´¾ [البقرة: ظ،ظ§ظ¨] إلى أَنْ قال: ï´؟فَمَنغ، عُفِيَ لَهُغ¥ مِنغ، أَخِيهِ شَيغ،ءظ‍ فَظ±تِّبَاعُغ¢ بِظ±لغ،مَعغ،رُوفِï´¾ [البقرة: ظ،ظ§ظ¨]، فلم يُخْرِجِ القاتلَ مِنَ الذين آمنوا وجَعَله أخًا لوليِّ القِصاص، والمرادُ: أخوَّةُ الدين بلا ريبٍ، وقال تعالى: ï´؟وَإِن طَاظ“ئِفَتَانِ مِنَ ظ±لغ،مُؤغ،مِنِينَ ظ±قغ،تَتَلُواْ فَأَصغ،لِحُواْ بَيغ،نَهُمَاï´¾ [الحُجُرات: ظ©] إلى أَنْ قال: ï´؟إِنَّمَا ظ±لغ،مُؤغ،مِنُونَ إِخغ،وَةظ‍ فَأَصغ،لِحُواْ بَيغ،نَ أَخَوَيغ،كُمغ،ï´¾ [الحُجُرات: ظ،ظ*]، ونصوصُ الكتابِ والسنَّةِ والإجماع تدلُّ على أنَّ الزانيَ والسارق والقاذف لا يُقْتَل بل يُقامُ عليه الحدُّ؛ فدلَّ على أنه ليس بمُرْتَدٍّ»(ظ،).
ويُحتمل أنَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ أراد بالإضاعة: تضييعَ ثواب الأعمال؛ لقوله تعالى: ï´؟يَظ°ظ“أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبغ،طِلُواْ صَدَقَظ°تِكُم بِظ±لغ،مَنِّ وَظ±لغ،أَذَىظ° كَظ±لَّذِي يُنفِقُ مَالَهُغ¥ رِئَاظ“ءَ ظ±لنَّاسِ وَلَا يُؤغ،مِنُ بِظ±للَّهِ وَظ±لغ،يَوغ،مِ ظ±لغ،أظ“خِرِï´¾ [البقرة: ظ¢ظ¦ظ¤]، ولِمَا صحَّ مِنْ حديثِ ثوبان رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا»، قَالَ ثَوْبَانُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ»، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا»(ظ¢)، ولحديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ، وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الفَاجِرِ، وَالمُسْبِلُ إِزَارَهُ»(ظ£).
غير أنَّ لفظ المصنِّف ـ عندي ـ لا يُساعِد مِثْلَ هذا المُضْمَر، بل يعكِّر عليه جملةٌ مِنَ التعليلات والاعتراضات تتمثَّل فيما يلي:
أوَّلًا: مِنَ المعلوم أنَّ الأصل في اللفظ أَنْ يكون مُستقِلًّا بذاته لا يتوقَّف معناهُ على تقديرٍ ولا إضمارٍ، وإذا دارَ اللفظُ بين أَنْ يكون مُستقِلًّا مُكتفِيًا بذاته أو مُضْمَرًا يتوقَّف معناهُ على تقديرٍ فإنه يُحْمَل على استقلاله وهو عدمُ التقدير لقلَّةِ اضطرابه كما تَقرَّر ذلك أصوليًّا(ظ¤)؛ وعليه فيكونُ معنَى كلامِ المصنِّف ـ في الفقرة الأولى ـ شاملًا للأعمال فعلًا وتركًا، وتقديرُه بضياعِ ثواب الأعمال مُخالِفٌ للأصل المقرَّر.
ثانيًا: إِنْ سُلِّم ـ جدلًا ـ تقديرُ اللفظ ï؛‘ «ثواب الأعمال» فإنَّ الثواب أثرٌ عن العمل ونتيجةٌ له مِنْ حيث الجزاءُ؛ فكان الثوابُ فرعًا مولَّدًا مِنْ أصلٍ، فلا يمكن ـ والحالُ هذه ـ تقديرُ الثوابِ أثرًا فرعيًّا والعدولُ عن العمل مؤثِّرًا أصليًّا، فكيف يُصارُ إلى الفرعِ ويُتْرَك الأصلُ؟! هذا مِنْ زاويةٍ.
ثالثًا: ومِنْ زاويةٍ ثانيةٍ: فالعملُ ـ باعتباره مؤثِّرًا ـ أعمُّ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ في ركوب المَعاصي والمَحارم ـ مِنْ جهةِ وجوبِ تركِها ـ دون أَنْ يَشْمَلَ تضييعَ الطاعات ـ مِنْ جهةِ وجوبِ فعلِها ـ.
والمصنِّفُ ـ رحمه الله ـ عبَّر بلفظٍ عامٍّ شاملٍ لكُلِّ عملٍ بقوله: «مَنْ ضيَّع الأعمالَ..»، ولا شكَّ أنه يَشْمَلُ ـ بالدرجة الأولى ـ تضييعَ الفعلِ قبل شموله للترك والكفِّ الذي هو فعلٌ، ولا يخفى ـ أيضًا ـ أنَّ «جِنْسَ فِعْلِ المَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ المَنْهِيِّ عَنْهُ»، وأنَّ «جِنْسَ تَرْكِ المَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ المَنْهِيِّ عَنْهُ»، وأنَّ المثوبة على أداء الواجبات أعظمُ مِنَ المثوبة على تركِ المحرَّمات، وأنَّ العقوبة على تركِ الواجبات أعظمُ مِنَ العقوبة على فعلِ المحرَّمات على ما بيَّنه العلماءُ أتمَّ بيانٍ(ظ¥). وعليه، فكيف يَعْدِل المصنِّفُ ـ رحمه الله ـ عن الأهمِّ إلى المُهِمِّ؟!
رابعًا: ومِنْ زاويةٍ ثالثةٍ: فإنَّ تفسيرَ إضاعةِ الأعمال بأنها هي: الأوامرُ والنواهي بدون إضمارٍ على وجه الاستقلال أَوْلى مِنْ تقديرها بالثواب؛ لأنه هو الظاهر المُتبادِر إلى الذهن مِنْ حيث كونُه مُستقِلًّا بنفسه يتعلَّق بأفعال المكلَّف الدنيوية؛ لذلك قال المصنِّف ـ رحمه الله ـ: «.. لم يخرج مِنْ دائرة الإيمان»، بخلاف الاستظهار بالأحاديث النبوية، فجاءَتْ مِنْ حيث الجزاء الأخرويُّ، ولا يتعلَّق به نصُّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ.
خامسًا: ومِنْ زاويةٍ أخيرةٍ: فإنَّ حَمْلَ الأعمالِ على تضييع الأوامر والنواهي هو حملٌ على الحقيقة لأنها تستغني عن القرينة، بينما حملُه على تضييعِ ثوابِ الأعمال فهو حملٌ على المجاز لاحتياجه إلى قرينةٍ صارفةٍ عن الحقيقة، وإذا تعارضَتِ الحقيقةُ مع المجاز قُدِّمَتِ الحقيقةُ لأصالتها.
وهذا المعنى الحقيقيُّ يتوافق مع معنى الإضاعة في قوله تعالى: ï´؟فَخَلَفَ مِنغ¢ بَعغ،دِهِمغ، خَلغ،فٌ أَضَاعُواْ ظ±لصَّلَوظ°ةَ وَظ±تَّبَعُواْ ظ±لشَّهَوَظ°تِغ– فَسَوغ،فَ يَلغ،قَوغ،نَ غَيًّا ظ¥ظ©ï´¾ [مريم]؛ فالآيةُ دلَّتْ على تركِ المأمور ـ مِنْ جهةٍ ـ لأنهم إِنْ أضاعوا الصلاةَ فهُمْ لِمَا سواها مِنَ الواجبات أضيعُ، كما تدلُّ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ على ارتكاب المنهيِّ عنه؛ لأنهم أقبلوا على شهوات الدنيا ومَلاذِّها ورَضُوا بالحياة الدنيا واطمأنُّوا بها.
وإلى هذا المعنى ذَهَب ابنُ جريرٍ الطبريُّ وابنُ كثيرٍ رحمهما الله(ظ¦)، قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ: «والظاهر أنَّ مَنْ أخَّر الصلاةَ عن وقتها، أو تَرَك فرضًا مِنْ فروضها، أو شرطًا مِنْ شروطها، أو ركنًا مِنْ أركانها فقَدْ أضاعها، ويدخل تحت الإضاعة: مَنْ تَرَكها بالمرَّة أو جَحَدها دخولًا أوَّليًّا»(ظ§)؛ قلت: فهذا يدلُّ على حقيقة المعنى دون مجازه بحَمْلِه على الثواب.
وعليه، فإنَّ مُرادَ المصنِّف ـ رحمه الله ـ مِنْ تضييع الأعمال هو مُطْلَقُ الترك، سواءٌ مِنْ جهةِ تركِ المأمور أو ركوبِ المحرَّم والمحذور، ما لم يَصِلْ إلى حدِّ الكفر أو الشرك الأكبر؛ فإنه لا يخرج مِنْ دائرة الإيمان، بل يبقى معه مُطْلَقُ الإيمان لا الإيمانُ المطلق؛ لأنَّ هذا المعنى هو الظاهرُ المُتبادِرُ إلى الذهن، ولأنَّ ظواهرَ أخرى تُؤيِّدُه ـ كما قدَّمْتُ ـ مِنَ العموم السابق والأصلِ المُستقِلِّ والمؤثِّر، وأنَّ العمل ـ الذي هو الأصلُ ـ أَوْلى مِنَ الأثر الفرعيِّ، فضلًا عن أنَّ حَمْلَه على المُحتمَل المرجوح ـ وهو الثواب ـ مجازٌ مخالفٌ للحقيقة وهي أَوْلى منه مِنْ جهةٍ، ولأنه ـ مِنْ جِهةٍ أُخْرى ـ لم يَرِدْ ـ في حدود علمي عن أحَدٍ مِنَ العلماء ـ حملُه على تقدير الثواب.
هذا، وقد استدلَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ على أنَّ فاعِلَ كبيرةِ القتل لا يُخْرِجه ذلك مِنَ الإيمان بالآية والحديث ـ كما سيأتي ـ أمَّا إِنْ أراد جنسَ الأعمالِ فإنَّ لفظةَ «إضاعة» مُجْمَلةٌ، فقَدْ يُرادُ بها تركُ الأعمال كُلِّيَّةً، وهو ما يُعبَّر عنه ï؛‘ «الترك المطلق»، وقد يُرادُ بها عدمُ المحافظة عليها، وذلك بترك القيام بها على وجه التمام والكمال، وهو ما يُعبَّر عنه ï؛‘ «مطلق الترك».
والفرق بينهما: أنَّ «الترك المطلق»: هو ما دخلَتْ عليه اللامُ التي تُفيدُ العمومَ والشمول ثمَّ وُصِف بالإطلاق، بمعنَى أنه لم يتقيَّد بقيدٍ يُوجِبُ تخصيصَه مِنْ شرطٍ أو صفةٍ أو غيرهما؛ فهو عامٌّ مُتناوِلٌ لكُلِّ فردٍ مِنْ أفراده؛ فكان معنى الترك المطلق هو التركَ بالجملة للصلاة وسائرِ الأعمال.
أمَّا «مطلق الترك» فالإضافةُ فيه ليسَتْ للعموم بل للتمييز؛ فهو قَدْرٌ مُشترَكٌ مطلقٌ لا عامٌّ؛ فيصدق بفردٍ مِنْ أفراده؛ فكان معنى الترك: عدَمَ المحافظةِ على عملٍ أو أعمالٍ، وعدَمَ القيامِ بها على وجه التمام والكمال.
ويبيِّن هذا الفرقَ بين الإطلاقين قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في شأن الصلاة ـ مِنْ حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللهُ تَعَالَى، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهْدٌ: إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ»(ظ¨)، وفي حديثِ أبي قتادة رضي الله عنه عند ابنِ ماجه: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي»(ظ©).
فهذا الحديث صريحٌ في الفرق بين الترك المطلق وبين مطلق الترك، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إنما أدخل تحت المشيئة مَنْ لم يُحافِظْ عليها، لا مَنْ تَرَك، ونفسُ المحافظة يقتضي أنهم صلَّوْا ولم يحافظوا عليها..»(ظ،ظ*)، وقال ـ أيضًا ـ: «.. فإنَّ كثيرًا مِنَ الناس ـ بل أكثرَهم ـ في كثيرٍ مِنَ الأمصار لا يكونون مُحافِظين على الصلوات الخمس ولا هم تارِكُوها بالجملة، بل يُصلُّون أحيانًا ويَدَعون أحيانًا؛ فهؤلاء فيهم إيمانٌ ونفاقٌ، وتجري عليهم أحكامُ الإسلام الظاهرة»(ظ،ظ،).
هذا، والمصنِّف ـ رحمه الله ـ كان دقيقًا في اختيارِ لفظةِ: «الإضاعة» بدلًا مِنَ «الترك»؛ لِمَا فيها مِنْ معنَى مطلقِ الترك، حيث إنَّ عدم المحافظة على الأعمال بعدم القيام بها على وجه الكمال والتمام أو بفعلها تارةً وتركِها أخرى مع الإقرار بوجوبها وفرضيتها فإنَّ هذا لا يُعَدُّ تاركًا لها، وإنما غيرَ محافظٍ عليها، أمَّا مَنْ ضيَّع شيئًا مِنْ شعائر الإسلام وفرائضِه الظاهرة أو تَرَكه ـ جحودًا لوجوبها ومُنْكِرًا لفرضيَّتِها ـ فهو كافرٌ بالنصِّ والإجماع(ظ،ظ¢).
هذا، وحريٌّ بالتنبيه ـ أيضًا ـ: أنَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ عَزَا الحديثَ لمسلمٍ دون البخاريِّ، والصحيحُ أنه مِنْ رواية البخاريِّ أيضًا؛ فقَدْ أخرجه في «الإيمان» (ظ،/ ظ¨ظ¤ ـ ظ¨ظ¥) باب: ï´؟وَإِن طَاظ“ئِفَتَانِ مِنَ ظ±لغ،مُؤغ،مِنِينَ ظ±قغ،تَتَلُواْ فَأَصغ،لِحُواْ بَيغ،نَهُمَاï´¾ [الحُجُرات: ظ©]، وفي «الدِّيَات» (ظ،ظ¢/ ظ،ظ©ظ¢) بابُ قولِ الله تعالى: ï´؟وَمَنغ، أَحغ،يَاهَاï´¾ [المائدة: ظ£ظ¢]، وفي «الفِتَن» (ظ،ظ£/ ظ£ظ،) باب: إذا الْتَقى المسلمان بسيفَيْهما، وأخرجه مسلمٌ في «الفِتَن وأشراط الساعة» (ظ،ظ¨/ ظ،ظ* ـ ظ،ظ،) باب: إذا تَواجَه المسلمان بسيفَيْهما، مِنْ حديثِ الحسن عن الأحنف بنِ قيسٍ عن أبي بكرة رضي الله عنه.
ولا يفوتني أَنْ أنبِّه إلى أنَّ مسلمًا روى الحديثَ في كتابه ـ ثلاثَ مرَّاتٍ ـ بألفاظٍ مختلفةٍ:
ـ أخرجه ـ في الأولى ـ بلفظ: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: أَوْ قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟» قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ».
ـ واقتصر ـ في الثانية ـ على ذِكْرِ صدرِ الحديث بهذا اللفظ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، ولم يعرِّج على بقيَّته.
ـ وأخرجه ـ في الثالثة ـ مِنْ غيرِ طريق الحسن عن الأحنف، وإنما عن رِبْعيِّ بنِ حِراشٍ عن أبي بكرة رضي الله عنه (ظ،ظ¨/ ظ،ظ¢) مُقتصِرًا على صدره ـ أيضًا ـ لكِنْ بلفظ مغايرٍ: «إِذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلَاحَ فَهُمَا عَلَى جُرْفِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلَاهَا جَمِيعًا».
هذا، ولفظ الحديث الذي جاء به المصنِّف ـ رحمه الله ـ في نصِّه بتمامه، إنما هو في «صحيح البخاريِّ» في الموضعين الأوَّلين المذكورين أعلاهُ، وليس في صحيح مسلمٍ ـ كما ترى ـ.
• خامس عشر: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل ظ£ظ¤: «بيان معنى الإحسان» (ص ظ¦ظ¦):
«الْإِحْسَانُ ـ فِي اللُّغَةِ ـ: الْإِتْيَانُ بِمَا هُوَ حَسَنٌ، وَالْإِحْسَانُ ـ فِي الشَّرْعِ ـ: هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْحَسَنَاتِ، وَالْحَسَنَاتُ هِيَ: فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَفِعْلُ أَوْ تَرْكُ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّهَا مُبَاحَاتٌ، مَعَ التَّصْدِيقِ بِذَلِكَ للهِ تَعَالَى وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فِيهِ، وَمَعَ اسْتِحْضَارِ رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟فَمَن كَانَ يَرغ،جُواْ لِقَاظ“ءَ رَبِّهِغ¦ فَلغ،يَعغ،مَلغ، عَمَلظ—ا صَظ°لِحظ—ا وَلَا يُشغ،رِكغ، بِعِبَادَةِ رَبِّهِغ¦ظ“ أَحَدَغ¢ا ظ،ظ،ظ*ï´¾ [الكهف]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟بَلَىظ°غڑ مَنغ، أَسغ،لَمَ وَجغ،هَهُغ¥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحغ،سِنظ‍ فَلَهُغ¥ظ“ أَجغ،رُهُغ¥ عِندَ رَبِّهِغ¦ وَلَا خَوغ،فٌ عَلَيغ،هِمغ، وَلَا هُمغ، يَحغ،زَنُونَ ظ،ظ،ظ¢ï´¾ [البقرة]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟إِنَّهُغ¥ مَن يَتَّقِ وَيَصغ،بِرغ، فَإِنَّ ظ±للَّهَ لَا يُضِيعُ أَجغ،رَ ظ±لغ،مُحغ،سِنِينَ ظ©ظ*ï´¾ [يوسف]، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا فَسَّرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْإِحْسَانَ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(ظ،ظ£)».
تنبيه واستدراك:
المصنِّف ـ رحمه الله ـ عند تناوُله لتعريف الإحسان ذَكَر له ثلاثةَ مَعانٍ مُجتمِعةٍ، ومِنْ بينها معنى «التصديقِ بذلك لله تعالى والإخلاصِ له فيه»، فمِنْ هذه الزاويةِ تظهر سَعَةُ الإحسان وعموميَّتُه عن الإيمان مِنْ جهةِ نَفْسِه وخصوصيَّتُه مِنْ جهةِ أهله، وهو ما تَرْجَم معناه ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ بقوله: «وأمَّا الإحسان فهو أعمُّ مِنْ جهةِ نَفْسِه، وأخصُّ مِنْ جهةِ أصحابه مِنَ الإيمان، والإيمانُ أعمُّ مِنْ جهةِ نَفْسِه وأخصُّ مِنْ جهةِ أصحابه مِنَ الإسلام؛ فالإحسانُ يدخل فيه الإيمانُ، والإيمانُ يدخل فيه الإسلامُ، والمُحْسِنون أخصُّ مِنَ المؤمنين، والمؤمنون أخصُّ مِنَ المسلمين»(ظ،ظ¤).
قلت: ومِنْ زاويةٍ أخرى: فقَدْ أوضح المصنِّف ـ رحمه الله ـ في تعريفه الشرعيِّ أنَّ الإحسان يجمع بين عبادةِ إتيان الحسنات، والإيمانِ وكمالِ الإخلاص، مع استحضار القلب بمراقبة الله تعالى؛ وهذه المعاني الثلاثةُ مُطابِقةٌ لأحَدِ نوعَيِ الإحسان، وهو: إحسانٌ في عبادة الخالق ـ سبحانه ـ بالفعل الحسن الذي يُحِبُّه مِنَ «الإخلاصِ فيها والخشوع وفراغِ البال حالَ التلبُّس بها ومراقبةِ المعبود»(ظ،ظ¥)، وقد فسَّره النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك حين سأله جبريلُ عليه السلام فقال: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»(ظ،ظ¦)، ومَنْ بَلَغ هذه المرتبةَ مِنْ عبادة الله فقَدْ عَبَده عبادةَ طلبٍ ورغبةٍ، وخوفٍ ورهبةٍ؛ لأنه يخاف مَنْ يراه.
غير أنَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ لم يُبْرِزِ النوعَ الثانيَ للإحسان ـ صراحةً ـ وإِنْ تضمَّنَتْ عبارتُه الإشارةَ إليه في ثنايَا تعريفِه، وهو إحسانٌ في حقوق الخَلْق الذي يتبلور فيه معنى الإنعام على الناس، ببذل أنواع المنافع ومختلف المصالح لأيِّ مخلوقٍ يكون، وقِيلَ في تفسير الإحسان في حقِّ الخَلْق: إنه بذلُ النَّدَى، وكفُّ الأذى، وطلاقةُ الوجه، ويدخل في معنَى بذلِ الندى: كُلُّ معروفٍ وإحسانٍ في معاملة الخَلْق، سواءٌ كانت معاملةً ماليةً: كالبيع والإجارة والمضاربة وغيرها، أو غيرَ ماليةٍ: كالأحوال الشخصية مِنْ زواجٍ وطلاقٍ وكفالةٍ وغيرها ممَّا يتحلَّى فيها المرءُ بخُلُقِ الإحسان(ظ،ظ§)، وقد أفصح السعديُّ ـ رحمه الله ـ عن نوعَيْن مِنَ الإحسان حيث قال: «الإحسان نوعان: إحسانٌ في عبادة الخالق بأَنْ يعبد اللهَ كأنه يراه، فإِنْ لم يكن يراه فإنَّ الله يراه، وهو الجِدُّ في القيام بحقوق الله على وجه النصح والتكميلِ لها، وإحسانٌ في حقوق الخَلْق، وهو: بذلُ المنافع مِنْ أيِّ نوعٍ كان لأيِّ مخلوقٍ يكون»(ظ،ظ¨).
ـ يُتْبَع ـ

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ¢ظ¤ ربيع الثاني ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ¢ظ¢ يناير ظ¢ظ*ظ،ظ§م


(ظ،) «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (ظ£ظ¦ظ*).
(ظ¢) أخرجه ابنُ ماجه في «الزهد» (ظ¢/ ظ،ظ¤ظ،ظ¨) بابُ ذِكْرِ الذنوب، مِنْ حديثِ ثوبان رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (ظ¢/ ظ،ظ¨) رقم: (ظ¥ظ*ظ¥) و«صحيح الجامع الصغير» (ظ¥/ ظ£) رقم: (ظ¤ظ©ظ*ظ¤).
(ظ£) أخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (ظ¢/ ظ،ظ،ظ¤) بابُ بيانِ غِلَظِ تحريمِ إسبالِ الإزار والمَنِّ بالعطيَّة وتنفيقِ السلعة بالحَلِف، مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه.
(ظ¤) انظر المَصادرَ الأصولية التي تُقرِّرُ هذا الأصلَ: «المحصول» للفخر الرازي (ظ¢/ ظ¢/ ظ¥ظ§ظ¤)، «الإحكام» للآمدي (ظ،/ ظ¢ظ*، ظ¢ظ¦ظ§)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ظ،ظ،ظ¢)، «مفتاح الوصول» للتلمساني ـ بتحقيقي ـ (ظ¥ظ¢ظ¨)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (ظ،/ ظ¢ظ©ظ¥)، «إرشاد الفحول» للشوكاني (ظ¢ظ§ظ¨).
(ظ¥) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ¢ظ*/ ظ¨ظ¥)، و«عدَّة الصابرين» لابن القيِّم (ظ¤ظ¤).
(ظ¦) انظر: «تفسير ابن جرير» (ظ،ظ¦/ ظ©ظ©)، «تفسير ابن كثير» (ظ£/ ظ،ظ¢ظ§).
(ظ§) «فتح القدير» للشوكاني (ظ£/ ظ£ظ£ظ©).
(ظ¨) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» في «صلاة الليل» (ظ،/ ظ،ظ¤ظ¥) باب الأمر بالوتر، وأحمد في «مسنده» (ظ¥/ ظ£ظ،ظ¥، ظ£ظ،ظ§، ظ£ظ،ظ©، ظ£ظ¢ظ¢)، وأبو داود في «الصلاة» (ظ،/ ظ¢ظ©ظ¥) بابٌ في المحافظة على وقت الصلوات، وفي (ظ¢/ ظ،ظ¢ظ©) بابٌ فيمَنْ لم يُوتِرْ، والنسائيُّ في «الصلاة» (ظ،/ ظ¢ظ£ظ*) باب المحافظة على الصلوات الخمس، وابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» (ظ،/ ظ¤ظ¤ظ©) بابُ ما جاء في فرضِ الصلوات الخمسِ والمحافظةِ عليها، مِنْ حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه. والحديث صحَّحه النوويُّ في «المجموع» (ظ£/ ظ،ظ§)، والعراقيُّ في «طرح التثريب» (ظ¢/ ظ،ظ¤ظ¨)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع الصغير» (ظ£/ ظ،ظ،ظ¤).
(ظ©) أخرجه ابنُ ماجه في «إقامة الصلاة» (ظ،/ ظ¤ظ¥ظ*) بابُ ما جاء في فرضِ الصلوات الخمسِ والمحافظةِ عليها. وحسَّنه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (ظ§/ ظ،ظ§ظ£ظ§).
(ظ،ظ*) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ§/ ظ¦ظ،ظ¥).
(ظ،ظ،) المصدر السابق (ظ§/ ظ¦ظ،ظ§).
(ظ،ظ¢) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ¢ظ¢/ ظ¤ظ*)، «المجموع» للنووي (ظ£/ ظ،ظ¤).
(ظ،ظ£) أخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ¥ظ* ـ ظ،ظ¦ظ*) بابُ بيانِ الإيمان والإسلام والإحسان، وأبو داود في «السنَّة» (ظ¥/ ظ¦ظ©) بابٌ في القدر، والترمذيُّ في «الإيمان» (ظ¥/ ظ¦) بابُ ما جاء في وصفِ جبريلَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الإيمانَ والإسلام، والنسائيُّ في «الإيمان» (ظ¨/ ظ©ظ§) بابُ نعتِ الإسلام، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» (ظ،/ ظ¢ظ¤) بابٌ في الإيمان، مِنْ حديثِ ابنِ عمر عن عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنهما.
وأخرجه البخاريُّ في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ،ظ¤) بابُ سؤالِ جبريلَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلمِ الساعة، وفي «التفسير» (ظ¨/ ظ¥ظ،ظ£) باب: ï´؟إِنَّ ظ±للَّهَ عِندَهُغ¥ عِلغ،مُ ظ±لسَّاعَةِï´¾ [لقمان: ظ£ظ¤]، ومسلمٌ في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ¦ظ، ـ ظ،ظ¦ظ¥) بابُ بيانِ الإيمان والإسلام والإحسان، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(ظ،ظ¤) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ§/ ظ،ظ*).
(ظ،ظ¥) «فتح الباري» لابن حجر (ظ،/ ظ،ظ¢ظ*)، وانظر: «جامع العلوم والحِكَم» لابن رجب (ظ£ظ¤).
(ظ،ظ¦) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ظ،ظ£).
(ظ،ظ§) انظر: «شرح العقيدة الواسطية» لابن عثيمين (ظ،/ ظ¢ظ¢ظ¥ ـ ظ¢ظ¢ظ¦).
(ظ،ظ¨) «بهجة قلوب الأبرار» للسعدي (ظ¢ظ£ظ¤) بتصرُّف.










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:31   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تقرير مذهب السلف محقَّقًا
في عدمِ جوازِ عزلِ الإمام الأعظمِ وانعزالِه بالفسق مطلقًا

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدْ وَرَد سؤالٌ مِنْ بعض الإخوة مِنْ «مِصْرَ» ـ حَرَسها اللهُ مِنْ كُلِّ سوءٍ ومكروهٍ ـ استفسارًا عن حكمِ عزلِ الإمام الأعظم بما نصُّه:
«شيخَنا الحبيب، سؤالٌ في غاية الأهمِّية نودُّ منكم الإجابةَ عليه:
أوَّلًا: هل صحَّ عن أحَدٍ مِنْ علماء السلفِ القولُ بجوازِ عزلِ الإمام إذا فَسَق، ولكِنْ بشروطٍ:
ظ، ـ أَنْ يكون فسقُه فسقًا كبيرًا وعظيمًا.
ظ¢ ـ أَنْ يكون العزلُ مِنْ قِبَل أهلِ الحَلِّ والعقد وأهلِ الشوكة، وليس مِنَ العوامِّ.
ظ£ ـ أَنْ لا تحدث فتنةٌ مِنْ جرَّاءِ العزل؟
ثانيًا: هل هناك فرقٌ في كلام علماء السلف بين الخروج والعزل والانعزال، وأنَّ الخروج والانعزال محرَّمٌ بالإجماع، وأمَّا العزلُ فجائزٌ بهذه الشروط؟
ثالثًا: هل تصحُّ نسبةُ ذلك إلى أحَدٍ مِنَ السلف، أو القولُ بأنَّ المسألة ـ أي: مسألة العزل بهذه الشروط المذكورةِ ـ خلافيةٌ بين السلف؟
أجيبونا مأجورين للأهمِّية».
فأقول جوابًا عنه مستعينًا بالله عزَّ وجلَّ:
اعْلَمْ أنَّ مِنْ شرائط الإمامة العظمى أَنْ لا يتولَّى مَنْصِبَها ـ ابتداءً ـ إلَّا المسلمُ العدل؛ فلا تنعقد لفاسقٍ بَلْهَ لكافرٍ، وهذا شرطٌ متَّفَقٌ عليه بين أهل العلم، قال القرطبيُّ ـ رحمه الله ـ: «لا خلافَ بين الأمَّة أنه لا يجوز أَنْ تُعْقَد الإمامةُ لفاسقٍ»(ظ،).
فإِنْ طَرَأ على إمامٍ عادلٍ فسقٌ: فإمَّا أَنْ يَصِل به فسقُه إلى الكفر والرِّدَّة أو لا؟ على حالتين:
الحالة الأولى:
إذا طَرَأ على إمامٍ عادلٍ فسقٌ وَصَل به إلى حدِّ الكفر والردَّةِ عن الإسلام فإنه يُعْزَل وجوبًا(ظ¢)؛ إذ لا ولايةَ للكافر على المسلم عند العلماء قولًا واحدًا؛ لقوله تعالى: ï´؟وَلَن يَجغ،عَلَ ظ±للَّهُ لِلغ،كَظ°فِرِينَ عَلَى ظ±لغ،مُؤغ،مِنِينَ سَبِيلًا ظ،ظ¤ظ،ï´¾ [النساء]، وفي حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه: «بَايَعَنَا ـ أي: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»(ظ£)، وممَّنْ نَقَل الإجماعَ على ذلك الحافظُ ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ بما نصُّه: «أنه ـ أي: الإمام ـ ينعزل بالكفر إجماعًا؛ فيجب على كُلِّ مسلمٍ القيامُ في ذلك؛ فمَنْ قَوِي على ذلك فله الثوابُ، ومَنْ داهن فعليه الإثمُ، ومَنْ عَجَز وجبَتْ عليه الهجرةُ مِنْ تلك الأرض»(ظ¤)، ومِنْ قبله قرَّره القاضي عياضٌ ـ رحمه الله ـ حيث قال: «أجمع العلماء على أنَّ الإمامة لا تنعقد لكافرٍ، وعلى أنه لو طَرَأ عليه الكفرُ انعزل .. فلو طَرَأ عليه كفرٌ وتغييرٌ للشرع .. خَرَج عن حكم الولاية وسقطَتْ طاعتُه، ووَجَب على المسلمين القيامُ عليه وخلعُه ونَصْبُ إمامٍ عادلٍ إِنْ أمكنهم ذلك، فإِنْ لم يقع ذلك إلَّا لطائفةٍ وَجَب عليهم القيامُ بخلع الكافر»(ظ¥)، [بتصرُّفٍ].
الحالة الثانية:
إِنْ طَرَأ على الإمام فسقٌ لم يَصِلْ به إلى الكفر أو الرِّدَّة عن دِين الإسلام فلا خلافَ بين أهل السنَّة أنَّ الإمام أو السلطان لا ينعزل بالفسق مطلقًا، وقد تظافرَتِ النصوصُ الواردة في الحضِّ والحثِّ على طاعةِ وُلَاةِ الأمر ـ في غيرِ معصيةٍ ـ وهي ـ أيضًا ـ كثيرةٌ مستفيضةٌ تمنع مِنَ الخروج على الأئمَّة لِمَا في ذلك مِنْ إحياء الفتنة، وتأمر بالصبر على جَوْرِ الأئمَّةِ وعدمِ نزع اليد مِنَ الطاعة، ولِمَا يترتَّب على عزل الإمام أو السلطان مِنْ فِتَنٍ وإراقةٍ للدِّماء، وجريًا على ما تُمليهِ القواعدُ المقاصدية، مِنْ أنَّ دفع المفاسدِ مقدَّمٌ على جلب المصالح، قال ابنُ أبي العزِّ ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا لزومُ طاعتِهم وإِنْ جاروا فلأنه يترتَّب على الخروج مِنْ طاعتهم مِنَ المفاسدِ أضعافُ ما يحصل مِنْ جَوْرِهم، بل في الصبر على جَوْرِهم تكفيرُ السيِّئاتِ ومضاعفةُ الأجور؛ فإنَّ الله تعالى ما سلَّطهم علينا إلَّا لفسادِ أعمالِنا، والجزاءُ مِنْ جنس العمل؛ فعلينا الاجتهادُ في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل؛ قال تعالى: ï´؟وَمَاظ“ أَصَظ°بَكُم مِّن مُّصِيبَةظ– فَبِمَا كَسَبَتغ، أَيغ،دِيكُمغ، وَيَعغ،فُواْ عَن كَثِيرظ– ظ£ظ*ï´¾ [الشورى]، وقال تعالى: ï´؟أَوَلَمَّاظ“ أَصَظ°بَتغ،كُم مُّصِيبَةظ‍ قَدغ، أَصَبغ،تُم مِّثغ،لَيغ،هَا قُلغ،تُمغ، أَنَّىظ° هَظ°ذَاغ– قُلغ، هُوَ مِنغ، عِندِ أَنفُسِكُمغ،ï´¾ [آل عمران: ظ،ظ¦ظ¥]، وقال تعالى: ï´؟مَّاظ“ أَصَابَكَ مِنغ، حَسَنَةظ– فَمِنَ ظ±للَّهِغ– وَمَاظ“ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةظ– فَمِن نَّفغ،سِكَï´¾ [النساء: ظ§ظ©]، وقال تعالى: ï´؟وَكَذَظ°لِكَ نُوَلِّي بَعغ،ضَ ظ±لظَّظ°لِمِينَ بَعغ،ضَغ¢ا بِمَا كَانُواْ يَكغ،سِبُونَ ظ،ظ¢ظ©ï´¾ [الأنعام]، فإذا أراد الرعيَّةُ أَنْ يتخلَّصوا مِنْ ظُلمِ الأمير الظالم فَلْيتركوا الظلمَ»(ظ¦)، فمِنْ هذه النصوص الشرعية:
ـ قولُه تعالى: ï´؟يَظ°ظ“أَيُّهَا ظ±لَّذِينَ ءَامَنُوظ“اْ أَطِيعُواْ ظ±للَّهَ وَأَطِيعُواْ ظ±لرَّسُولَ وَأُوْلِي ظ±لغ،أَمغ،رِ مِنكُمغ،ï´¾ [النساء: ظ¥ظ©].
ـ حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، [وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ]»(ظ§).
ـ حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(ظ¨).
ـ حديثُ أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»(ظ©).
ـ حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»(ظ،ظ*).
ـ حديثُ عوف بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟» فَقَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»(ظ،ظ،).
ـ حديثُ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ»(ظ،ظ¢).
ـ حديثُ أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: «إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ»(ظ،ظ£).
ـ حديثُ وائل بنِ حُجْرٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ»(ظ،ظ¤).
ـ حديثُ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي عُسْرِكُمْ وَيُسْرِكُمْ وَمَنْشَطِكُمْ وَمَكْرَهِكُمْ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكُمْ، وَلَا تُنَازِعُوا الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ»(ظ،ظ¥).
ـ حديثُ حُذَيْفة بنِ اليمان رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»(ظ،ظ¦).
وغيرها مِنَ الأحاديث الصحيحة.
ومِنْ كلام الأئمَّة الذي يقرِّرُ إجماعَ السلف على السمع والطاعة لأئمَّةِ المسلمين وإِنْ جاروا وظلموا وفجروا، وأنَّ الإمام لا ينعزل بالفسق: ما ذَكَره ابنُ بطَّة ـ رحمه الله ـ بقوله: «وقد أجمعَتِ العلماءُ ـ مِنْ أهل الفقه والعلم، والنُّسَّاك والعُبَّاد والزُّهَّاد، مِنْ أوَّلِ هذه الأمَّةِ إلى وقتِنا هذا ـ: أنَّ صلاة الجمعة والعيدين ومِنًى وعرفاتٍ والغزوَ والجهادَ والهديَ مع كُلِّ أميرٍ، بَرٍّ أو فاجرٍ، وإعطاءَهم الخراجَ والصدقاتِ والأعشارَ جائزٌ، والصلاةَ في المساجد العظام التي بنَوْها، والمشيَ على القناطر والجسورِ التي عقدوها، والبيعَ والشراء وسائرَ التجارةِ والزراعةِ والصنائع كلها في كُلِّ عصرٍ ومع كُلِّ أميرٍ جائزٌ على حكم الكتاب والسنَّة، لا يضرُّ المحتاطَ لدِينه والمتمسِّكَ بسنَّةِ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ظلمُ ظالمٍ ولا جَوْرُ جائرٍ إذا كان ما يأتيهِ هو على حكم الكتاب والسنَّة، كما أنه لو باع واشترى ـ في زمن الإمام العادل ـ بيعًا يخالف الكتابَ والسنَّةَ لم ينفعه عدلُ الإمام، والمحاكمة إلى قُضاتهم ورَفْع الحدود والقصاص وانتزاع الحقوق مِنْ أيدي الظلمة بأُمَرائهم وشُرَطهم، والسمع والطاعة لمَنْ ولَّوْه ـ وإِنْ كان عبدًا حبشيًّا ـ إلَّا في معصية الله عزَّ وجلَّ؛ فليس لمخلوقٍ فيها طاعةٌ»(ظ،ظ§)، وقال الصابونيُّ ـ رحمه الله ـ: «ويرى أصحابُ الحديثِ الجمعةَ والعيدين وغيرَهما مِنَ الصلوات خلف كُلِّ إمامٍ مسلمٍ بَرًّا كان أو فاجرًا، ويرَوْن جهادَ الكَفَرةِ معهم وإِنْ كانوا جَوَرةً فَجَرةً، ويرَوْن الدعاءَ لهم بالإصلاح والتوفيقِ والصلاحِ وبسطِ العدل في الرعيَّة، ولا يرَوْن الخروجَ عليهم بالسيف وإِنْ رأَوْا منهم العدولَ عن العدل إلى الجَوْر والحيف، ويرَوْن قتالَ الفئةِ الباغية حتَّى ترجع إلى طاعة الإمامِ العدل»(ظ،ظ¨)، وقال أبو الحسن الأشعريُّ ـ وهو يُعدِّد ما أجمعَ عليه السلفُ مِنَ الأصول ـ: «وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمَّةِ المسلمين، وعلى أنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شيئًا مِنْ أمورهم عن رِضًى أو غلبةٍ وامتدَّتْ طاعتُه مِنْ بَرٍّ وفاجرٍ لا يَلْزَمُ الخروجُ عليهم بالسيف جارَ أو عَدَل، وعلى أَنْ يغزوا معهم العدوَّ، ويُحَجَّ معهم البيتُ، وتُدْفَعَ إليهم الصدقاتُ إذا طلبوها، ويُصلَّى خلفهم الجُمَعُ والأعيادُ»(ظ،ظ©)، وقال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «لا تُنازِعوا وُلَاةَ الأمورِ في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلَّا أَنْ ترَوْا منهم مُنْكَرًا محقَّقًا تعلمونه مِنْ قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأَنْكِروه عليهم وقولوا بالحقِّ حيث ما كنتم، وأمَّا الخروجُ عليهم وقتالُهُم فحرامٌ بإجماع المسلمين وإِنْ كانوا فَسَقَةً ظالمين، وقد تَظاهرَتِ الأحاديثُ بمعنَى ما ذكَرْتُه، وأجمعَ أهلُ السنَّةِ أنه لا ينعزل السلطانُ بالفسق»(ظ¢ظ*).
هذا، والقول بأنَّ ظهور الفسق مِنَ الإمام مُوجِبٌ لعزلِه أو انعزالِه مطلقًا هو مذهبُ المعتزلة والخوارج(ظ¢ظ،)، ونَسَبه بعضُهم إلى الجمهور كالقرطبيِّ(ظ¢ظ¢)، ونَسَبه الزبيديُّ إلى الشافعيِّ في القديم(ظ¢ظ£)، وكلاهما غيرُ صحيحٍ، ولعلَّ مقصود القرطبيِّ بالجمهور: أكثريةُ الأشاعرة، أمَّا نسبتُه إلى الشافعيِّ ـ رحمه الله ـ فهو على غيرِ اعتقاده ومذهبِه، وإنما هو مذهبُ بعضِ الشافعية، وبه جَزَم الماورديُّ ـ رحمه الله ـ في «الأحكام السلطانية»، وأصحُّ المنقولِ عنه ما ذَهَب إليه الرافعيُّ والنوويُّ ـ رحمهما الله ـ: أنه لا ينعزل الإمامُ بالفسق(ظ¢ظ¤)، وهو الموافِقُ لمذهب الشافعيِّ، بخلافِ مذهب بعض الشافعية المرجوح؛ فقَدْ غلَّطه النوويُّ ـ رحمه الله ـ بقوله: «وأمَّا الوجهُ المذكور في كُتُب الفقه لبعضِ أصحابنا أنَّه يَنعزِلُ، وحُكِيَ عن المعتزلة ـ أيضًا ـ فغلطٌ مِنْ قائله مخالفٌ للإجماع»(ظ¢ظ¥)، وفيه قولٌ مفصِّلٌ بالشروط بين المذهبين وسطٌ بينهما.
ولا يخفى أنَّ مُجْمَل هذه الأقوالِ محجوجةٌ بإجماع السلف، وهي مُخالِفةٌ لِمَا تضمَّنَتْه النصوصُ الشرعية السالفةُ البيان، القاضيةُ بصحَّةِ مذهبِ أهل السنَّة.
وليس لمُجْمَل المُخالِفين لأهل السنَّة مِنْ دليلٍ يتمسَّكون به سوى ما يُشترَطُ في عقدِ مَنْصِبِ الإمامة، وهي أنها لا تنعقد لفاسقٍ ـ أوَّلًا ـ أو استدلالُهُم بالمعقول ـ ثانيًا ـ ويتمثَّل في بيان الغرض مِنَ الإمامة، وهو: حمايةُ الدِّين ورفعُ الظلم وتحقيقُ العدل بإقامةِ الحدود، وحفظِ الأموال والنفوس، واستيفاءِ الحقوق وغيرِها مِنَ المَهامِّ، فإذا انتفَتْ هذه الخصالُ عن الإمام انتفى مقصودُ الإمامة ولَزِم البطلانُ والانعزال.
والمعلوم أنَّ شرط مَنْصِبِ الإمامة لا ينعقد لفاسقٍ ـ ابتداءً ـ إجماعًا، وهي مسألةٌ مُبايِنةٌ لصورةِ مسألةِ طروء الفسق على الإمام العدل؛ إذ تحكم ـ هذه الأخيرةَ ـ النصوصُ الناهية عن الخروج على الأئمَّةِ والآمرةُ بالصبر على جَوْرهم وعدمِ نزعِ يد الطاعة عنهم وإصلاحِ ما بأَنْفُس الناس، ومع تبايُنِ صورةِ المسألتين يتعذَّر إلحاقُ أحَدِهما بالآخَر.
أمَّا المعقول فلا اعتبارَ له لمصادَمتِه للنصوص السابقةِ البيان، ولإجماعِ السلف كما تقرَّر في القواعد الأصولية؛ إذ «لَا قِيَاسَ وَلَا اجْتِهَادَ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَالإِجْمَاعِ».
ولعلَّ بعض المُخالِفين يَستدِلُّ بخروجِ بعض الصحابة كالحُسين بنِ عليٍّ وعبد الله بنِ الزُّبَير رضي الله عنهم، والقولُ المَرْضيُّ أنه لم يخرج مِنَ الصحابةِ رضي الله عنهم أحَدٌ، فأمَّا الحسين رضي الله عنه فقَدْ قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في حقِّه: «فإنه ـ رضي الله عنه ـ لم يفرِّق الجماعةَ، ولم يُقْتَل إلَّا وهو طالبٌ للرجوع إلى بلده أو [إلى] الثغر أو إلى يزيد، داخلًا في الجماعة، مُعْرِضًا عن تفريقِ الأُمَّة»(ظ¢ظ¦)، وأمَّا ابنُ الزبير رضي الله عنه فقَدْ قال ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في براءته مِنَ الخروج ما نصُّه: «ثمَّ هو كان الإمامَ بعد موتِ مُعَاوِية بنِ يزيد لا محالةَ، وهو أرشدُ مِنْ مروان بنِ الحكم، حيث نازعه بعد أَنِ اجتمعَتِ الكلمةُ عليه، وقامَتِ البَيْعَةُ له في الآفاق، وانْتَظَمَ له الأَمْرُ، واللهُ أعلمُ»(ظ¢ظ§)، وقد أكَّد هذا المعنى الشيخُ ربيع بنُ هادي ـ حفظه اللهُ وسدَّده ـ حيث قال: «فابنُ الزبير بايع له الناسُ، ولمَّا بايعوا يزيدَ هَرَب إلى مكَّة ولم يُرِدْ قتالًا ولا فتنةً، وكان أميرَ مكَّةَ أخوه، فأبى ابنُ الزبير أَنْ ينزعه ويُجَرْجِرَه، بعدها مات يزيدُ فبايع الناسُ ابنَ الزبير إلَّا جزءًا مِنَ الشام، فتَحرَّك مروان بنُ الحكم مِنَ الشام ومعه بعضُ بني أُمَيَّة ليُبايِعوا ابنَ الزبير رضي الله عنه، فواجهوا ـ في طريقهم ـ ابنَ زيادٍ، فقالوا له: «نذهب نُبايِعُ هذا الأميرَ»، فقال لهم: «تُبايِعون ابنَ الزبير وعندكم شيخُ قريشٍ؟!»، فبايَعوا مروانَ، فرجعوا وأعلنوا الخروجَ على عبد الله بنِ الزبير، فابنُ الزبير لم يخرج على أحَدٍ، بل كان على مروانَ أَنْ يُبايِعَه، فبدأ القتالَ وأكمله عبدُ الملك بنُ مروان»(ظ¢ظ¨)؛ ولهذا قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «ومذهبُ أهلِ الحقِّ أنَّ ابنَ الزبير كان مظلومًا، وأنَّ الحجَّاج ورُفْقتَه كانوا خوارجَ عليه»(ظ¢ظ©)، وأضاف الشيخ ربيع ـ حفظه الله ـ قائلًا: «الشاهدُ: أنه لم يخرج أحَدٌ مِنَ الصحابة، والحسين بنُ عليٍّ رضي الله عنه ما كان خارجًا، ونَدِم رضي الله عنه، فالذين بايعوه وكاتبوه مِنَ الشيعة استقبلوه بالسيوف، فقال لهم: «اتركوني أرجع أو أذهب إلى الجهاد أو إلى يزيد»، فلم يرضَوْا إلَّا بقتله، فيزيدُ لم يَرْضَ بقتله، ولم يُرِدِ الحسينُ قَتْلَ يزيدَ ولم يأتِ لقتاله، وإنما خدعوه واستخرجوه مِنْ مكَّةَ، فلما قَدِم عليهم استقبلوه بالسيوف وقتلوه؛ كافأهم اللهُ بما يَستحِقُّون»(ظ£ظ*).
هذا، ولا فَرْقَ بين العزل والانعزال عن العمل أو المَهَمَّة مِنْ جهة المعنى؛ فهو التنحيةُ والإبعادُ والإمالة؛ فيُقالُ: «عَزَله عن العمل» أي: نحَّاهُ عنه وأَبْعَده(ظ£ظ،)، والعزل يحتاج إلى فاعلٍ للتعدية، بينما «انعزل عن العمل» يأتي لمعنًى واحدٍ وهو المطاوعةُ التي هي قَبولُ تأثيرِ غيره، ومطاوعُ «عَزَل»، أي: انزوى عن العمل وابتعد عنه وتنحَّى، ويقع ـ على الأكثر ـ لازمًا غيرَ متعدٍّ، ولا يكون إلَّا في الأفعال العلاجية ï»› «فَسَخ» و«انفسخ»، و«كَسَر» و«انكسر»، و«قَطَع» و«انقطع»؛ فيأتي لمطاوعة الثلاثيِّ كثيرًا(ظ£ظ¢).
والقول بوجودِ فرقٍ بين العزل والانعزال في باب الفسق والظلم مِنْ جهة الشرع وترتيبِ أحكامٍ مُغايِرةٍ بينهما لا أساسَ له ـ عندي ـ مِنَ الصحَّة، ولا يشهد له دليلٌ ولا اعتبارٌ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ،ظ، ربيع الثاني ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ*ظ© جانفي ظ¢ظ*ظ،ظ§م

(ظ،) «تفسير القرطبي» (ظ،/ ظ¢ظ§ظ*).
(ظ¢) هذا، والقول بوجوبِ عزلِ الحاكم الكافر لا يكون إلَّا بتوفُّرِ شروطٍ وانتفاءِ موانع؛ وقد ذَكَر العلماءُ شروطًا تتعلَّق بالحاكم، وأخرى تتعلَّق بأهل الحلِّ والعقد المُوكَلِ إليهم مباشرةُ عزل الإمام، مِنْ جملتها: القدرة على إزالته، وأَنْ لا يسبِّب عزلُه والخروجُ عليه مفسدةً أكبرَ مِنَ البقاء تحته؛ على أَنْ يُنْصَب إمامٌ مسلمٌ يُحكِّم شَرْعَ الله تعالى على الوجه المَرْضيِّ، [انظر: كلامَ الشيخ ابن باز في «مراجعات في فقه الواقع السياسيِّ والفكريِّ» للرِّفاعي (ظ¢ظ¤)، «الشرح المُمْتِع على زاد المُسْتَقْنِع» لابن عثيمين (ظ،ظ،/ ظ£ظ¢ظ£)، «منصب الإمامة الكبرى أحكام وضوابط» (ظ¢ظ¥) و«شرف الانتساب إلى مذهب السلف» (ظ¢ظ¦) كلاهما للمصنِّف].
(ظ£) أخرجه البخاريُّ في «الفتن» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «سترَوْن بعدي أمورًا تُنْكِرونها» (ظ§ظ*ظ¥ظ¦)، ومسلمٌ في «الإمارة» (ظ،ظ§ظ*ظ©)، مِنْ حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه.
(ظ¤) «فتح الباري» لابن حجر (ظ،ظ£/ ظ،ظ¢ظ£).
(ظ¥) منقولٌ عن النوويِّ في «شرح مسلم» (ظ،ظ¢/ ظ¢ظ¢ظ©).
(ظ¦) «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (ظ¤ظ£ظ*).
(ظ§) أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» باب: يُقاتَلُ مِنْ وراءِ الإمام ويُتَّقى به (ظ¢ظ©ظ¥ظ§) وفي «الأحكام» بابُ قولِ الله تعالى: ï´؟أَطِيعُواْ ظ±للَّهَ وَأَطِيعُواْ ظ±لرَّسُولَ وَأُوْلِي ظ±لغ،أَمغ،رِ مِنكُمغ،ï´¾ [النساء: ظ¥ظ©] (ظ§ظ،ظ£ظ§)، ومسلمٌ في «الإمارة» (ظ،ظ¨ظ£ظ¥)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وما بين المعكوفين زيادةٌ للبخاري.
(ظ¨) أخرجه البخاريُّ في «الفِتَن» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «سترَوْن بعدي أمورًا تُنْكِرونها» (ظ§ظ*ظ¥ظ¤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (ظ،ظ¨ظ¤ظ©)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(ظ©) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في قتل الخوارج (ظ¤ظ§ظ¥ظ¨) مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (ظ¦ظ¤ظ،ظ*).
(ظ،ظ*) أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (ظ§ظ،ظ¤ظ¤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (ظ،ظ¨ظ£ظ©)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(ظ،ظ،) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (ظ،ظ¨ظ¥ظ¥) مِنْ حديثِ عوف بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(ظ،ظ¢) أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (ظ§ظ،ظ¤ظ¢) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(ظ،ظ£) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (ظ،ظ¨ظ£ظ§) مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه.
(ظ،ظ¤) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (ظ،ظ¨ظ¤ظ¦) مِنْ حديثِ وائل بنِ حُجْرٍ رضي الله عنه.
(ظ،ظ¥) أخرجه الطبرانيُّ في «مسند الشاميِّين» (ظ¢/ ظ¤ظ*ظ£)، والآجُرِّيُّ في «الشريعة» (ظ¤ظ¢)، مِنْ حديثِ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه. وهو حسنٌ بطُرُقه، وقد يرتقي إلى الصحَّة، انظر: «الذريعة إلى بيان مقاصد الشريعة» لربيع المدخلي (ظ،/ ظ،ظ§ظ£).
(ظ،ظ¦) أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ علاماتِ النبوَّة في الإسلام (ظ£ظ¦ظ*ظ¦)، ومسلمٌ في «الإمارة» (ظ،ظ¨ظ¤ظ§)، مِنْ حديثِ حذيفة بنِ اليمان رضي الله عنهما.
(ظ،ظ§) «الشرح والإبانة» لابن بطَّة (ظ¢ظ§ظ¨ ـ ظ¢ظ¨ظ*).
(ظ،ظ¨) «عقيدة السلف» للصابوني (ظ©ظ¢ ـ ظ©ظ£).
(ظ،ظ©) «رسالةٌ إلى أهل الثغر» لأبي الحسن الأشعريِّ (ظ¢ظ©ظ¦ ـ ظ¢ظ©ظ§).
(ظ¢ظ*) «شرح مسلم» للنووي (ظ،ظ¢/ ظ¢ظ¢ظ©)، «فتح الباري» لابن حجر (ظ،ظ£/ ظ¨)، وانظر المزيدَ مِنْ عقيدةِ أهلِ السنَّة في هذه المسألةِ في: «العقيدة الطحاوية» (ظ¤ظ¢ظ¨)، «الشريعة» للآجُرِّي (ظ¤ظ*)، «الاعتقاد» للبيهقي (ظ،ظ£ظ¨).
(ظ¢ظ،) انظر: «الفَرْق بين الفِرَق» للبغدادي (ظ¥ظ¥).
(ظ¢ظ¢) انظر: «تفسير القرطبي» (ظ،/ ظ¢ظ§ظ،).
(ظ¢ظ£) انظر: «إتحاف السادة المُتَّقين بشرحِ إحياء علوم الدين» للزبيدي (ظ¢/ ظ¢ظ£ظ£).
(ظ¢ظ¤) انظر: «مآثر الإنافة في معالم الخلافة» للفزاري (ظ،/ ظ§ظ¢).
(ظ¢ظ¥) «شرح مسلم» للنووي (ظ،ظ¢/ ظ¢ظ¢ظ©).
(ظ¢ظ¦) «منهاج السنَّة» لابن تيمية (ظ¤/ ظ¥ظ¨ظ¦).
(ظ¢ظ§) «البداية والنهاية» لابن كثير (ظ،ظ¢/ ظ¢ظ*ظ¦).
(ظ¢ظ¨) «عون الباري ببيانِ ما تضمَّنه شرحُ السنَّة للبربهاري» لربيع المدخلي (ظ،/ ظ¢ظ¥ظ¤).
(ظ¢ظ©) «شرح مسلم» للنووي (ظ،ظ¦/ ظ©ظ©).
(ظ£ظ*) «عون الباري ببيانِ ما تضمَّنه شرحُ السنَّة للبربهاري» لربيع المدخلي (ظ،/ ظ¢ظ¥ظ¤ ـ ظ¢ظ¥ظ¥).
(ظ£ظ،) انظر: «الصحاح» للجوهري (ظ¥/ ظ،ظ§ظ¦ظ£)، «مقاييس اللغة» لابن فارس (ظ¤/ ظ£ظ*ظ§)، «الكُلِّيات» لأبي البقاء (ظ¨ظ¦ظ©).
(ظ£ظ¢) انظر: «شَذَا العرف» للحملاوي (ظ¢ظ¤)، «معجم اللغة العربية المعاصرة» لأحمد مختار (ظ¢/ ظ،ظ¤ظ©ظ¤).










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:31   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ـ الحلقة السادسة ـ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
ففي هذه السلسلة التوضيحية أُواصِلُ متابعةَ فصولِ عقائد الإيمان للإمام ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ ومنهجِه في تقرير أسماء الله وصِفَاتِه بالتنبيهات والاستدراكات على ما يأتي:
• سادس عشر: قول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ£ظ¥: «الوجودُ والقِدَمُ والبقاء» (ص ظ¦ظ¨):
«هُوَ الْمَوْجُودُ الْحَقُّ لِذَاتِهِ، الَّذِي لَا يَقْبَلُ وُجُودُهُ الْعَدَمَ؛ فَهُوَ الْقَدِيمُ الَّذِي لَا بِدَايَةَ لِوُجُودِهِ، وَهُوَ الْبَاقِي الَّذِي لَا نِهَايَةَ لِوُجُودِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟أَفِي ظ±للَّهِ شَكّظ‍ فَاطِرِ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لغ،أَرغ،ضِï´¾ [إبراهيم: ظ،ظ*]»، ثمَّ ساق جملةً أخرى مِنَ الأدلَّة القرآنية.
تنبيه واستدراك:
عبارةُ: «واجب الوجود لذاته» أَحْدَثَها الفلاسفةُ والمتكلِّمون، وهي لا تُعْرَفُ في كلام الشارع ولا في كلام السلف، لكنَّ المعنى ثابتٌ في كلام الشارع ومُجْمَعٌ عليه، وهو قولُه تعالى: ï´؟هُوَ ظ±لغ،أَوَّلُ وَظ±لغ،أظ“خِرُï´¾ [الحديد: ظ£]، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ»(ظ،).
وكذلك اسمُ «القديمُ» لم يَرِدْ به نصٌّ مِنَ الشرع على أنَّه مِنْ أسمائه؛ لذلك لا ينبغي عَدُّهُ في أسماءِ الله الحُسْنى لعَدَمِ ثبوته مِنْ جهةِ النقل، ويُغْنِي عنه اسْمُه ـ سبحانه ـ «الأوَّلُ» كما تَقَدَّمَ في آيةِ سورة الحديد والحديث.
قال ابنُ أبي العزِّ ـ رحمه الله ـ: «وقد أَدْخَلَ المتكلِّمون في أسماءِ الله تعالى «القديمَ»، وليس هو مِنَ الأسماء الحُسْنى؛ فإنَّ «القديم» في لغةِ العرب التي نَزَلَ بها القرآنُ هو: المُتقدِّمُ على غيره؛ فيُقالُ: «هذا قديمٌ» للعتيق، و«هذا حديثٌ» للجديد، ولم يَسْتعملوا هذا الاسْمَ إلَّا في المُتقدِّمِ على غيره، لا فيما لم يَسْبِقْهُ عدمٌ، كما قال تعالى: ï´؟حَتَّىظ° عَادَ كَظ±لغ،عُرغ،جُونِ ظ±لغ،قَدِيمِ ظ£ظ©ï´¾ [يس]، والعرجونُ القديمُ: الذي يبقى إلى حينِ وجودِ العرجون الثاني؛ فإذا وُجِدَ الجديدُ قِيلَ للأوَّل: قديمٌ.. وأمَّا إدخالُ «القديم» في أسماء الله تعالى فهو مشهورٌ عند أَكْثَرِ أهل الكلام، وقد أَنْكَرَ ذلك كثيرٌ مِنَ السلف والخلف، منهم ابنُ حزمٍ ـ رحمه الله ـ؛ ولا رَيْبَ أنه إذا كان مُسْتعمَلًا في نفسِ التقدُّمِ فإنَّ ما تَقَدَّمَ على الحوادث كُلِّها فهو أَحَقُّ بالتقدُّم مِنْ غيره، لكنَّ أسماء الله تعالى هي الأسماءُ الحُسْنى التي تدلُّ على خصوصِ ما يُمْدَحُ به، والتقدُّمُ ـ في اللغة ـ مطلقٌ لا يختصُّ بالتقدُّم على الحوادث كُلِّها؛ فلا يكونُ مِنَ الأسماء الحُسْنى، وجاء الشرعُ باسْمِه «الأوَّل» وهو أَحْسَنُ مِنَ «القديم»؛ لأنه يُشْعِرُ بأنَّ ما بعده آيلٌ إليه وتابعٌ له، بخلافِ «القديم»، واللهُ تعالى له الأسماءُ الحُسْنى لا الحَسَنةُ»(ظ¢).
• ويُلاحَظُ أنَّ المُصنِّف ـ رحمه الله ـ لم يُورِدْ ذِكْرَ «القديم» على أنه اسْمٌ مِنْ أسماءِ الله تعالى، وإنما ذَكَره مِنْ بابِ الخبر، بمَعْنَى أنه مُتقدِّمٌ على كُلِّ ما سِواهُ، وبابُ الإخبار أَوْسَعُ مِنْ باب الصفات التوقيفية ـ كما أفادَ ذلك ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ حيث قال: «إنَّ ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أَوْسَعُ ممَّا يدخل في باب أسمائه وصِفاته ï»›: «الشيء» و«الموجود» و«القائم بنَفْسِه»؛ فإنه يُخْبَرُ به عنه ولا يدخل في أسمائه الحُسْنى وصِفاتِه العُلْيا»(ظ£).
ويُلاحَظُ ـ أيضًا ـ: احتياطُ المُصنِّف ـ رحمه الله ـ في عبارته حيث قيَّدَ «القديمَ» بأنه «الذي لا بِدايةَ لوجوده»؛ فلو أَطْلَقَها مِنْ غيرِ تقييدٍ لم يكن مَعْناها الحقُّ صحيحًا إلَّا بالزيادة المذكورة.
وفي قوله تعالى: ï´؟أَفِي ظ±للَّهِ شَكّظ‍ فَاطِرِ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لغ،أَرغ،ضِï´¾ [إبراهيم: ظ،ظ*]، فالظاهرُ أنَّ المُصنِّف ـ رحمه الله ـ استدلَّ بالآيةِ على معنى الوجود الحقِّ لذاته ـ وهو أَحَدُ مَعاني الآية ـ ويكون مَعْناها: أفي وجودِ اللهِ شكٌّ؟! ذلك لأنَّ الفطرة السليمةَ شاهدةٌ بوجوده ومجبولةٌ على الإقرار به، غيرَ أنه قد يَقْترِنُ بالفطرةِ بعضُ حالاتِ الاضطراب والشكِّ؛ الأمرُ الذي يحتاج إلى نظرٍ في الدليل المُوصِلِ إلى وجوده.
ومِنْ مَهَمَّة الرُّسُلِ إرشادُ الناس إلى طريقِ معرفته تعالى بأنه فاطرُ السماواتِ والأرض الذي خَلَقهما وأَنْشَأَهما وابتدعهما مِنَ العدم؛ فهي شواهدُ دالَّةٌ على عدَمِ الشكِّ في وجوده ـ سبحانه ـ ووحدانيته.
والآيةُ تَحْتَمِلُ ـ أيضًا ـ معنى الإلهيةِ وتوحيدِ العبادة، ويكونُ مَعْناها: أفي إلهيته وتَفرُّدِهِ بوجوبِ العبادة له شكٌّ!! وهو المُخْترِعُ لجميع الموجودات والمُبْدِعُ لها على غيرِ مثالٍ سابقٍ؟ فإنَّ شواهد الحدوثِ والخَلْقِ والتسخيرِ ظاهرةٌ عليها، والإلهيةُ مُشارٌ إليها بلفظِ الجلالة في الآية؛ وعليه فلا يَسْتحِقُّ العبادةَ إلَّا هو وَحْدَهُ لا شريكَ له؛ ذلك لأنَّ غالِبَ الأُمَمِ كانَتْ مُقِرَّةً بالصانع، ولكِنْ كانَتْ تعبد معه غيرَه مِنَ الأولياءِ والوسائط(ظ¤).
وللآية معنًى ثالثٌ ذَكَرَهُ القرطبيُّ ـ رحمه الله ـ فقال: «ويحتمل وجهًا ثالثًا: أفي قدرةِ الله شكٌّ؟ لأنهم مُتَّفِقون عليها ومُخْتَلِفون فيما عَدَاهَا، يدلُّ عليه قولُه: ï´؟فَاطِرِ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لغ،أَرغ،ضِï´¾: خالِقِها ومُخْترِعِها ومُنْشِئِها ومُوجِدِها بعد العدم؛ ليُنبِّهَ على قدرته فلا تجوزُ العبادةُ إلَّا له»(ظ¥).
وفي الآية معانٍ أخرى.
والمعنى الأوَّل الذي اختاره المُصنِّفُ ـ رحمه الله ـ أَقْرَبُ في المُجادَلةِ وأَوْضَحُ عند المُحاجَجة؛ لأنَّ الله ـ سبحانه ـ «أَعْرَفُ مِنْ كُلِّ معروفٍ وأَبْيَنُ مِنْ كُلِّ دليلٍ؛ فالأشياءُ عُرِفَتْ به في الحقيقة، وإِنْ كان عُرِفَ بها في النظر والاستدلال بأفعاله وأحكامه عليه»(ظ¦)، ولو أشار المصنِّف ـ رحمه الله ـ إلى المعنى الثاني ـ وهو توحيد الإلهية والعبادة ـ لكان أكملَ في العبارة وأَفْيَدَ في المعنى؛ لأنَّ كثيرًا ما يَرِدُ في القرآنِ الاستدلالُ بتوحيد الربوبية الذي جُبِلَتْ عليه فِطَرُ العُقَلاء: كقوله تعالى: ï´؟وَلَئِن سَأَلغ،تَهُم مَّنغ، خَلَقَهُمغ، لَيَقُولُنَّ ظ±للَّهُغ– فَأَنَّىظ° يُؤغ،فَكُونَ ظ¨ظ§ï´¾ [الزخرف]، الدالِّ على استلزامِ توحيدِ الإلهية بإفرادِ الله بجميعِ أنواعِ العبادات، والإخلاصِ له فيها على وجهِ ما شَرَعَهُ اللهُ على أَلْسِنةِ رُسُلِه، ومُعْظَمُ الآياتِ القرآنية في هذا النوعِ مِنَ التوحيد، وهو مَحَلُّ دعوةِ الرُّسُل، ومَوْضِعُ معركتِهم مع أُمَمِهم: ï´؟أَجَعَلَ ظ±لغ،أظ“لِهَةَ إِلَظ°هظ—ا وَظ°حِدًاغ– إِنَّ هَظ°ذَا لَشَيغ،ءٌ عُجَابظ‍ ظ¥ï´¾ [ص].
• سابع عشر: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¤ظ،: «صفة القدرة» (ص ظ§ظ§):
«وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْقُدْرَةُ عَلَى إِيجَادِ كُلِّ مُمْكِنٍ وَإِعْدَامِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟إِنَّ ظ±للَّهَ عَلَىظ° كُلِّ شَيغ،ءظ– قَدِيرï´¾ [البقرة: ظ¢ظ*، ظ،ظ*ظ©، ظ،ظ¤ظ¨؛ آل عمران: ظ،ظ¦ظ¥؛ النحل: ظ§ظ§؛ النور: ظ¤ظ¥؛ العنكبوت: ظ¢ظ*؛ فاطر: ظ،]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟وَكَانَ ظ±للَّهُ عَلَىظ° كُلِّ شَيغ،ءظ– مُّقغ،تَدِرًا ظ¤ظ¥ï´¾ [الكهف]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟وَمَا كَانَ ظ±للَّهُ لِيُعغ،جِزَهُغ¥ مِن شَيغ،ءظ– فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَلَا فِي ظ±لغ،أَرغ،ضِغڑ إِنَّهُغ¥ كَانَ عَلِيمظ—ا قَدِيرظ—ا ظ¤ظ¤ï´¾ [فاطر]».
تنبيه واستدراك:
اكتفى المُصنِّفُ ـ رحمه الله ـ بالاستدلال على صفة القدرة بالآيات القرآنية، وقد دلَّتِ الأحاديثُ النبوية ـ أيضًا ـ على هذه الصفة؛ فمِنْ ذلك: حديثُ عثمان بنِ أبي العاص رضي الله عنه مرفوعًا: «أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ»(ظ§)، وحديثُ أبي مسعودٍ البدريِّ رضي الله عنه لمَّا ضَرَبَ غُلامَه، قال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اعْلَمْ ـ أَبَا مَسْعُودٍ ـ أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلَامِ»(ظ¨).
كما أنَّ المُصنِّفَ ـ رحمه الله ـ تَعرَّضَ ـ مِنْ جهةٍ أُولى، ومِنْ خلالِ الآيات القرآنية المذكورة ـ إلى اسْمَيْن: «القدير» و«المُقْتدِرِ» دون اسْمِ «القادر»، ويدلُّ على اسْمِ «القادر»: قولُه تعالى: ï´؟قُلغ، هُوَ ظ±لغ،قَادِرُ عَلَىظ°ظ“ أَن يَبغ،عَثَ عَلَيغ،كُمغ، عَذَابظ—ا مِّن فَوغ،قِكُمغ، أَوغ، مِن تَحغ،تِ أَرغ،جُلِكُمغ، أَوغ، يَلغ،بِسَكُمغ، شِيَعظ—ا وَيُذِيقَ بَعغ،ضَكُم بَأغ،سَ بَعغ،ضٍï´¾ [الأنعام: ظ¦ظ¥]، وقولُه تعالى: ï´؟أَلَيغ،سَ ذَظ°لِكَ بِقَظ°دِرٍ عَلَىظ°ظ“ أَن يُحغ،ـغ§ِيَ ظ±لغ،مَوغ،تَىظ° ظ¤ظ*ï´¾ [القيامة]، وقولُه تعالى: ï´؟أَوَلَيغ،سَ ظ±لَّذِي خَلَقَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لغ،أَرغ،ضَ بِقَظ°دِرٍ عَلَىظ°ظ“ أَن يَخغ،لُقَ مِثغ،لَهُمï´¾ [يس: ظ¨ظ،].
وقد يكون القادرُ بمعنى المقدِّرِ للشيء مِنَ التقدير لا مِنَ القدرة مثل قولِه تعالى: ï´؟فَقَدَرغ،نَا فَنِعغ،مَ ظ±لغ،قَظ°دِرُونَ ظ¢ظ£ï´¾ [المُرْسَلات]، أي: «نِعْمَ المُقدِّرون»(ظ©).
ومِنْ جهةٍ ثانيةٍ، فإنَّ عِبارةَ المُصنِّفِ ـ رحمه الله ـ تُثْبِتُ أنَّ لله قدرةً على إيجادِ كُلِّ مُمْكِنٍ وإعدامِ كُلِّ مُمْكِنٍ، وتَعَلُّق قدرةِ الله بالمُمْكِنات فقط دون المُسْتحيلات والواجبات؛ لأنَّ واجب الوجود ليس بمخلوقٍ، والمُستحيلاتِ ليسَتْ بشيءٍ ولا وجودَ لها مطلقًا في الخارج، بل هي قائمةٌ في الذهن ـ كما سيأتي لاحقًا ـ(ظ،ظ*).
• ثامن عشر: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¤ظ¢: «صفة الإرادة» (ص ظ§ظ§):
«وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْإِرَادَةُ وَالْمَشِيئَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ؛ فَيُخَصِّصُ(ظ،ظ،) مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ؛ لِقَوْلِهِ(ظ،ظ¢) تَعَالَى: ï´؟فَعَّالظ‍ لِّمَا يُرِيدُï´¾ [هود: ظ،ظ*ظ§؛ البروج: ظ،ظ¦]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَمَا تَشَاظ“ءُونَ إِلَّاظ“ أَن يَشَاظ“ءَ ظ±للَّهُï´¾ [الإنسان: ظ£ظ*؛ التكوير: ظ¢ظ©]».
تنبيه واستدراك:
يُلاحَظُ على المُصنِّفِ ـ رحمه الله ـ المُلاحَظاتُ التاليةُ:
ـ استدلالُه ـ رحمه الله ـ بالآيتين الكريمتَيْن أَخَصُّ في الصفة المذكورةِ لشمولهما للإرادة الكونيةِ القَدَريةِ فقط، ولم يُعرِّجْ رحمه الله ـ في هذا المختصر العقديِّ ـ على الآيات الدالَّةِ على الإرادةِ الشرعيةِ الدينية(ظ،ظ£)، ومِنْ أَدِلَّتها: قولُه تعالى: ï´؟يُرِيدُ ظ±للَّهُ بِكُمُ ظ±لغ،يُسغ،رَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ظ±لغ،عُسغ،رَï´¾ [البقرة: ظ،ظ¨ظ¥]، وقولُه تعالى: ï´؟وَظ±للَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيغ،كُمغ، وَيُرِيدُ ظ±لَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ظ±لشَّهَوَظ°تِ أَن تَمِيلُواْ مَيغ،لًا عَظِيمظ—ا ظ¢ظ§ يُرِيدُ ظ±للَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمغ،غڑ وَخُلِقَ ظ±لغ،إِنسَظ°نُ ضَعِيفظ—ا ظ¢ظ¨ï´¾ [النساء]، وقولُه تعالى: ï´؟مَا يُرِيدُ ظ±للَّهُ لِيَجغ،عَلَ عَلَيغ،كُم مِّنغ، حَرَجظ– وَلَظ°كِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمغ، وَلِيُتِمَّ نِعغ،مَتَهُغ¥ عَلَيغ،كُمغ،ï´¾ [المائدة: ظ¦](ظ،ظ¤).
ـ استدلَّ المُصنِّفُ ـ رحمه الله ـ بالآيتين الكريمتين على أنَّ إرادةَ الله ومَشيئتَه الكونية مُطْلَقةٌ، والشمولُ والعمومُ مِنْ خصائصِ الإرادة الإلهية القدرية؛ إذ هي شاملةٌ لجميعِ الحوادث ومُسْتلزِمةٌ لوقوع المُراد، كما أنَّ مِنْ خصائصها ـ أيضًا ـ أنها نافذةٌ لا يحول دونها شيءٌ؛ قال تعالى: ï´؟إِنَّمَاظ“ أَمغ،رُهُغ¥ظ“ إِذَاظ“ أَرَادَ شَيغ،‍ظ”ًا أَن يَقُولَ لَهُغ¥ كُن فَيَكُونُ ظ¨ظ¢ï´¾ [يس].
ـ والله سبحانه وتعالى قادرٌ على أَنْ يخلق كُلَّ شيءٍ ممَّا يَسبِقُه العدمُ القابلُ للخِلْقَة، وهو ما يُسَمَّى بالمُمْكِنِ الجائز كالعالَمِ وسائرِ أجزائه، والمستحيلُ لذاته ليس بشيءٍ ولا وجودَ له مطلقًا في الخارج وإنما في الذهن؛ ذلك لأنَّ قدرة اللهِ تعالى لا تتعلَّقُ بواجب الوجود لأنه ليس بمخلوقٍ، كما لا تتعلَّق بالمستحيلات ولا تَليقُ به ـ سبحانه ـ على جهةِ الفعل، مِنِ اتِّخاذِ شريكٍ أو صاحبةٍ أو ولدٍ أو مُعينٍ؛ لأنَّ المستحيل والمعدومَ ليس بشيءٍ ولا وجودَ له حتَّى يكون مشمولًا بقوله تعالى: ï´؟وَهُوَ عَلَىظ° كُلِّ شَيغ،ءظ– قَدِيرُغ¢ï´¾ [المائدة: ظ،ظ¢ظ*؛ وغيرها]؛ لذلك نُثْبِتُ لله ـ سبحانه ـ الإرادةَ والقدرةَ المُطْلَقتين لأنَّ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ مُتَّصِفٌ بكمالِ القدرة، لا يَمْتنِعُ عليه شيءٌ ولا يحتجز عنه شيءٌ، وننفي عنه ـ سبحانه ـ ما لا يَليقُ به؛ فظَهَرَ سببُ قَصْرِ المُصنِّفِ ـ رحمه الله ـ تعلُّقَ القدرةِ والإرادةِ على المُمْكِنات والجائزات فقط ـ وهو العالَمُ الكونيُّ الذي يَقْبَلُ الوجودَ والعدَمَ ـ دون المُسْتحيلات والواجبات.
وإيضاحُ ذلك ما بيَّنَ اللهُ تعالى ـ بالدليل العقليِّ ـ استحالتَه مِنْ وجودِ آلهةٍ إلَّا الله، وهو ما يُعْرَفُ بدليلِ التمانع في قوله تعالى: ï´؟لَوغ، كَانَ فِيهِمَاظ“ ءَالِهَةٌ إِلَّا ظ±للَّهُ لَفَسَدَتَاغڑ فَسُبغ،حَظ°نَ ظ±للَّهِ رَبِّ ظ±لغ،عَرغ،شِ عَمَّا يَصِفُونَ ظ¢ظ¢ï´¾ [الأنبياء]، وقولِه تعالى: ï´؟مَا ظ±تَّخَذَ ظ±للَّهُ مِن وَلَدظ– وَمَا كَانَ مَعَهُغ¥ مِنغ، إِلَظ°هٍغڑ إِذظ—ا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَظ°هِغ¢ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعغ،ضُهُمغ، عَلَىظ° بَعغ،ضظ–غڑ سُبغ،حَظ°نَ ظ±للَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ظ©ظ،ï´¾ [المؤمنون]، قال ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ: «لو قُدِّرَ تَعَدُّدُ الآلهةِ لَانْفَرَدَ كُلٌّ منهم بما يخلق؛ فما كان يَنْتَظِمُ الوجودُ، والمُشاهَدُ أنَّ الوجود مُنْتَظِمٌ مُتَّسِقٌ، كُلٌّ مِنَ العالَمِ العلويِّ والسفليِّ مُرْتَبِطٌ بعضُه ببعضٍ في غايةِ الكمال، ï´؟مَّا تَرَىظ° فِي خَلغ،قِ ظ±لرَّحغ،مَظ°نِ مِن تَفَظ°وُتظ–ï´¾ [المُلْك: ظ£]، ثمَّ لَكان كُلٌّ منهم يطلب قَهْرَ الآخَرِ وخِلافَه؛ فيعلو بعضُهم على بعضٍ. والمتكلِّمون ذَكَرُوا هذا المعنى وعبَّروا عنه بدليل التمانع، وهو أنه لو فُرِضَ صانعان فصاعدًا، فأرادَ واحدٌ تحريكَ جسمٍ وأراد الآخَرُ سكونَه، فإِنْ لم يحصل مُرادُ كُلِّ واحدٍ منهما كانا عاجزَيْن، والواجبُ لا يكون عاجزًا، ويَمْتَنِعُ اجتماعُ مُرادَيْهما للتضادِّ، وما جاءَ هذا المُحالُ إلَّا مِنْ فرضِ التعدُّدِ فيكونُ مُحالًا، فأمَّا إِنْ حَصَلَ مُرادُ أحَدِهما دون الآخَرِ كان الغالبُ هو الواجبَ والآخَرُ المغلوبُ مُمْكِنًا؛ لأنه لا يَليقُ بصفةِ الواجبِ أَنْ يكون مقهورًا؛ ولهذا قال: ï´؟وَلَعَلَا بَعغ،ضُهُمغ، عَلَىظ° بَعغ،ضظ–غڑ سُبغ،حَظ°نَ ظ±للَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ظ©ظ،ï´¾ [المؤمنون]، أي: عمَّا يقولُ الظالمون المُعْتَدون في دَعْوَاهُمُ الولَدَ أو الشريكَ عُلُوًّا كبيرًا»(ظ،ظ¥).
والصفاتُ بالنسبة للتعلُّقِ وعَدَمِه أربعةُ أقسامٍ:
الأوَّل: ما يَتعلَّقُ بالمُمْكِنات فقط وهو القدرةُ والإرادة.
الثاني: ما يَتعلَّقُ بجميعِ الواجبات والجائزات والمستحيلات وهو العلمُ.
الثالث: ما يَتعلَّقُ بجميع الموجودات مِنَ المسموعات والمُبْصَراتِ وهو السمعُ والبصر.
الرابع: ما لا يَتعلَّقُ بشيءٍ وهو الحياةُ(ظ،ظ¦).
• تاسع عشر: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¤ظ£: «صفة العلم» (ص ظ§ظ¨):
«وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْعِلْمُ الَّذِي تَنْكَشِفُ لَهُ جَمِيعُ الْمَعْلُومَاتِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْجَائِزَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ؛ فَيَعْلَمُهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَالَاتِ، وَتَسْتَوِي عِنْدَهُ الْجَلِيَّاتُ وَالْخَفِيَّاتُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَكَانَ ظ±للَّهُ بِكُلِّ شَيغ،ءٍ عَلِيمظ—اï´¾ [الأحزاب: ظ¤ظ*؛ الفتح: ظ¢ظ¦]، وَقَوْلِهِ: ï´؟أَلَا يَعغ،لَمُ مَنغ، خَلَقَ وَهُوَ ظ±للَّطِيفُ ظ±لغ،خَبِيرُ ظ،ظ¤ï´¾ [المُلْك]، وَقَوْلِهِ: ï´؟رَبَّنَاظ“ إِنَّكَ تَعغ،لَمُ مَا نُخغ،فِي وَمَا نُعغ،لِنُغ— وَمَا يَخغ،فَىظ° عَلَى ظ±للَّهِ مِن شَيغ،ءظ– فِي ظ±لغ،أَرغ،ضِ وَلَا فِي ظ±لسَّمَاظ“ءِ ظ£ظ¨ï´¾ [إبراهيم]».
تنبيه واستدراك:
عرَّف المصنِّف ـ رحمه الله ـ عِلْمَ الله تعالى (ص: ظ¨ظ¨) بأنه: «الْعِلْمُ الَّذِي تَنْكَشِفُ لَهُ جَمِيعُ الْمَعْلُومَاتِ»، وكذا في صفتَيِ السمع والبصر (ص: ظ©ظ¢): «السَّمْعُ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمَسْمُوعَاتِ، وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْبَصَرُ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمُبْصَرَاتِ»؛ وتعبيرُه بالانكشاف يُوهِمُ سَبْقَ الخفاء على الله تعالى مِنْ جهةٍ، وكذا تعبيره بالمعلومات فإنها لا تصير معلومةً ـ أيضًا ـ إلَّا بعد الكشف المُوجِبِ لسَبْقِ الخفاء مِنْ جهةٍ أخرى، ولا شك أنَّ التعبير المُوهِمَ بما يُوجِبُ سَبْقَ الخفاء على الله يُفْضي إلى انتقاصٍ في صفةِ علم الله المطلق؛ ذلك لأنَّ الله تعالى لا يخفى عليه شيءٌ مِنَ الأشياء، عَلِم ما كان وما يكون، وما لا يكون: أَنْ لو كان كيف كان يكون؛ ï´؟أَحَاطَ بِكُلِّ شَيغ،ءٍ عِلغ،مَغ¢ا ظ،ظ¢ï´¾ [الطلاق]، ï´؟وَأَحغ،صَىظ° كُلَّ شَيغ،ءٍ عَدَدَغ¢ا ظ¢ظ¨ï´¾ [الجن]، ï´؟وَمَا يَخغ،فَىظ° عَلَى ظ±للَّهِ مِن شَيغ،ءظ– فِي ظ±لغ،أَرغ،ضِ وَلَا فِي ظ±لسَّمَاظ“ءِ ظ£ظ¨ï´¾ [إبراهيم]، قال ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في مَعْرِضِ شرحِ قوله تعالى: ï´؟يَعغ،لَمُ خَاظ“ئِنَةَ ظ±لغ،أَعغ،يُنِ وَمَا تُخغ،فِي ظ±لصُّدُورُ ظ،ظ©ï´¾ [غافر] ما نصُّه: «يخبر تعالى عن علمه التامِّ المحيط بجميع الأشياء، جليلِها وحقيرِها، صغيرِها وكبيرها، دقيقِها ولطيفها؛ ليحذر الناسُ عِلْمَه فيهم، فيَسْتحيُوا مِنَ الله حقَّ الحياء، ويتَّقوه حقَّ تقواه، ويراقبوه مُراقبةَ مَنْ يعلم أنه يراه؛ فإنه تعالى يعلم العينَ الخائنة وإِنْ أبدَتْ أمانةً، ويعلم ما تنطوي عليه خبايَا الصدور مِنَ الضمائر والسرائر»(ظ،ظ§).
قلت: ولو عبَّر المصنِّف ـ رحمه الله ـ بالعلم المحيط بكُلِّ شيءٍ مِنَ الموجودات والمعدومات والمُمْكِنات والمستحيلات لكان أَوْلى مِنَ التعبير بالعلم الذي تنكشف له جميعُ المعلومات؛ فالإحاطةُ أَوْلى تعبيرًا، وأكملُ معنًى، وأصحُّ مِنَ التعبير بالكشف والتجلِّي؛ وذلك تفاديًا للمعنى الفاسد الذي يتضمَّنه كلامُ الفلاسفة والصابئةِ وغُلاةِ القدرية، الذين يزعمون أنَّ الأمر أُنُفٌ، أي: مُستأنَفٌ لم يسبق به قَدَرٌ ولا علمٌ مِنَ الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه.
وقد اتَّفق الصحابةُ رضي الله عنهم ومَنْ تَبِعهم مِنْ هذه الأمَّةِ على الإقرار بعلم الله السابق للأشياء قبل أَنْ تكون؛ ونَقَل ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ عنهم الإجماعَ على هذه المرتبة مِنْ علم الله السابق بقوله: «فقَدِ اتَّفق عليه الرُّسُلُ مِنْ أوَّلِهِم إلى خاتمهم، واتَّفق عليه جميعُ الصحابة ومَنْ تَبِعهم مِنَ الأمَّة، وخالفهم ـ في ذلك ـ مجوسُ الأمَّة، وكتابتُه السابقة تدلُّ على علمِه بها قبل كونِها»(ظ،ظ¨).
ولا شكَّ أنَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ لا يقصد المعنى الفاسدَ، ولا يقول بلازمِ تعبيره، وإنما ظاهِرُ الخطإ في التعبير؛ لِمَا سيأتي بيانُه في الفصل الأوَّل مِنْ باب القَدَر.
• عشرون: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصلين ظ¤ظ¤، ظ¤ظ¥: «صِفَتا السمع والبصر» (ص ظ§ظ¨):
«وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: السَّمْعُ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمَسْمُوعَاتِ، وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْبَصَرُ الَّذِي(ظ،ظ©) تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمُبْصَرَاتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَكَانَ ظ±للَّهُ سَمِيعَغ¢ا بَصِيرظ—ا ظ،ظ£ظ¤ï´¾ [النساء]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟قَدغ، سَمِعَ ظ±للَّهُ قَوغ،لَ ظ±لَّتِي تُجَظ°دِلُكَ فِي زَوغ،جِهَا وَتَشغ،تَكِيظ“ إِلَى ظ±للَّهِï´¾ [المجادلة: ظ،]، وَلِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا(ظ¢ظ*) كَبَّرْنَا؛ فَقَالَ: «ارْبَعُوا(ظ¢ظ،) عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا(ظ¢ظ¢) تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا»» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ».
تنبيه واستدراك:
يجدر التنبيه إلى ما يأتي:
ظ، ـ أنَّ قول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في تعريفه لصفتَيِ السمع والبصر (ص: ظ©ظ¢): «السَّمْعُ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمَسْمُوعَاتِ، وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْبَصَرُ الَّذِي تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الْمُبْصَرَاتِ» فإنَّ تعبيره بالانكشاف يُوهِمُ سَبْقَ الخفاء على الله تعالى مِنْ جهةٍ، وتعبيره بالمسموعات والمُبْصَرات فإنها لا تصير مسموعةً ولا مُبْصَرةً ـ أيضًا ـ إلَّا بعد الكشف المُوجِبِ لسَبْقِ الخفاء مِنْ جهةٍ أخرى، وقد تقدَّم التنبيهُ عليه في صفةِ علم الله تعالى(ظ¢ظ£).
ظ¢ ـ تحرَّفَتْ ـ في الحديث ـ كلمةُ: «عَلَوْنا» إلى «دَعَوْنا» وكلمةُ: «ارْبَعوا» إلى «ارْبَأوا» في نسخةِ محمَّد الحسن فضلاء في كلمتين، ولعلَّ الخطأ مِنْ تصرُّف النُّسَّاخ.
ظ£ ـ والحديث أخرجه البخاريُّ في «التوحيد» (ظ،ظ£/ ظ£ظ§ظ¢) باب: ï´؟وَكَانَ ظ±للَّهُ سَمِيعَغ¢ا بَصِيرظ—ا ظ،ظ£ظ¤ï´¾ [النساء]، ولم ينفرد به على ما ذَكَره المصنِّف ـ رحمه الله ـ بل أخرجه ـ أيضًا ـ مسلمٌ في «الذِّكْر والدعاءِ والتوبةِ والاستغفار» (ظ،ظ§/ ظ¢ظ¥) بابُ استحبابِ خَفْضِ الصوت بالذِّكْر، مِنْ حديثِ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه، علمًا أنَّ مسلمًا اقتصر على لفظةِ: «سميعًا» فقط بخلاف البخاريِّ، ولعلَّ منه يُدْرَك سببُ اقتصارِ ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ على العزو للبخاريِّ دون مسلمٍ وهو إرادتُه ـ رحمه الله ـ الاستدلالَ به على صفتَيِ السمع والبصر معًا؛ فذَكَره بعدهما.
• حادي وعشرون: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¤ظ¦: «صفة الكلام» (ص ظ§ظ©):
«وَمِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْكَلَامُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَكَلَّمَ ظ±للَّهُ مُوسَىظ° تَكغ،لِيمظ—ا ظ،ظ¦ظ¤ï´¾ [النساء]».
تنبيه واستدراك:
عبارة المصنِّف ـ رحمه الله ـ قلقةٌ، والظاهر أنَّ مراده بالكلام عند إطلاقه هو الكلامُ الحقيقيُّ الذي هو اسمٌ عامٌّ للَّفظِ والمعنى جميعًا عند الإطلاق لشموله لهما، فإِنْ كان الكلامُ مقيَّدًا فيراد به اللفظُ تارةً أو المعنى تارةً(ظ¢ظ¤)، والكلام الحقيقيُّ المتضمِّنُ للَّفظ والمعنى هو المنتظمُ مِنَ الحروف المسموعةِ الدالُّ على المعاني المقصودة، وهذا خلافًا للأشاعرة الذين يزعمون أنَّ الكلام معنًى نفسيٌّ قائمٌ بالذات، ليس بحرفٍ ولا صوتٍ(ظ¢ظ¥)، وهو قولٌ مُحْدَثٌ بعد قولِ أهل السنَّة، لم يعرفه السلفُ مِنَ الصحابة والتابعين وتابعيهم، بل أقرَّ الشهرستانيُّ ـ وهو مِنْ أئمَّةِ الأشاعرة ـ أنه مِنِ ابتداعِ أبي الحسن الأشعريِّ حيث قال: «أبدع الأشعريُّ قولًا ثالثًا(ظ¢ظ¦) وقضى بحدوث الحروف، وهو خرق الإجماع، وحَكَم بأنَّ ما نقرؤه كلامُ اللهِ مجازًا لا حقيقةً، وهو عينُ الابتداع، فهلَّا قال: وَرَد السمعُ بأنَّ ما نقرؤه ونكتبه كلامُ الله تعالى دون أَنْ يتعرَّض لكيفيته وحقيقته!!»(ظ¢ظ§)، وبمثل هذا قال الفخر الرازيُّ ـ في المسألة الرابعة مِنْ مسائل الكلام في الأخبار ـ ما نصُّه: «وذلك هو كلامُ النفس الذي لا يقول به أحَدٌ إلَّا أصحابُنا»(ظ¢ظ¨).
• ثاني وعشرون: وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في فصل: «الصفات الاختيارية» (ص ظ§ظ£):
«وَنُثْبِتُ الِاسْتِوَاءَ وَالنُّزُولَ وَنَحْوَهُمَا، وَنُؤْمِنُ بِحَقِيقَتِهِمَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ تَعَالَى بِلَا كَيْفٍ، وَبِأَنَّ ظَاهِرَهَا الْمُتَعَارَفَ ـ فِي حَقِّنَا ـ غَيْرُ مُرَادٍ».
تنبيه واستدراك:
يجدر التنبيهُ ـ في هذا الفصل ـ إلى عِدَّةِ ملاحظاتٍ نسوقها على النحو التالي:
ـ الأولى متعلِّقةٌ بالتصرُّف في نصِّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ، حيث أفصح الأستاذ محمَّد الصالح رمضان ـ رحمه الله ـ عن تقديمِ هذا الفصل إلى موضعٍ آخَرَ رآهُ أنسبَ به حيث قال: «ملحوظة: قولُه: «ونُثْبِت الاستواءَ والنزول» إلى قوله: «غير مرادٍ» كان في الأصل بعد «صفة الكلام» رقم: (ظ¤ظ¦)، ومِنْ غيرِ استشهادٍ عليه بالآيات والأحاديث، فرأيتُ إثباتَه هنا تحت هذا العنوان، ثمَّ تأتي بقيَّةُ الصفاتِ كما رتَّبها الأستاذ الإمامُ مُستدِلًّا عليها بالآيات والأحاديث، وأرجو ألَّا يكون هذا مِنَ التحكُّم وسوءِ التصرُّف»(ظ¢ظ©).
أقول: والأَوْلى الاستبقاءُ على سياقِ المُصنِّفِ ـ رحمه الله ـ والمُحافَظةُ على ترتيبِه الأصليِّ دون المساسِ بنصِّ المُصنِّفِ إلَّا إشارةً مُقْترَحةً على الهامش ـ أوَّلًا ـ ولأنَّ طابع التأليفِ بينهما يستدعي هذا النسقَ مِنَ الترتيب بين الصـفات الذاتية المُتعَقَّبةِ بالصفات الفعلية ـ ثانيًا ـ فضلًا عن كونِ سياقِ المُصنِّفِ ـ رحمه الله ـ يكشف مُخالَفتَه لأصول البدعة الأشعرية، حيث إنهم لا يُثْبِتون مِنَ الصفاتِ الخبريةِ إلَّا الصفاتِ السَّبْعَ المشهورةَ التي هي صفاتُ المَعاني، وهي: السمعُ والبصرُ والحياةُ والقدرةُ والإرادةُ والعلمُ والكلامُ النفسيُّ، ويَنْفون قيامَ الأفعالِ الاختياريةِ بالله تعالى كالاستواء والنزول والمَحَبَّة والرِّضا والفرحِ ونَحْوِها.
الثانية: عبارةُ: «ظاهِرُها غيرُ مرادٍ» التي يستعملها أهلُ الكلام مُجْمَلةٌ؛ لاحتمالِ أَنْ يُرادَ بالظاهر: نعوتُ المخلوقين وصِفاتُ المُحْدَثين؛ فهذا ـ بلا شكٍّ ـ غيرُ مُرادٍ، كما يحتمل أَنْ يُرادَ بالظاهر: المَعاني التي تظهر مِنَ الآياتِ والأحاديثِ الصحيحة ممَّا يَليقُ بجلالِ الله وعظمتِه ولا تختصُّ بصفاتِ المخلوقين؛ فإنَّ القول بأنَّ ظاهِرَها غيرُ مُرادٍ ـ بهذا الاعتبار ـ خطأٌ كما بيَّنه ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ(ظ£ظ*).
غير أنَّ المُصنِّف ـ رحمه الله ـ لم يُطْلِقِ القولَ في عبارتِه حتَّى تَرِدَ الشبهةُ، وإنما قيَّدها بقوله: «المتعارَفَ في حقِّنا»؛ الأمر الذي أزالَ ـ في نظري ـ لَبْسَ الإجمالِ بحَمْلِها على نعوتِ المخلوقين وصِفاتِ المُحْدَثين، وقد مثَّل ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ لهذا الظاهرِ بقوله: «مِثْل أَنْ يُرادَ بكونِ الله قِبَلَ وجهِ المصلِّي أنه مُسْتقِرٌّ في الحائط الذي يُصلِّي إليه، وإنَّ الله مَعَنا ظاهِرُه أنه إلى جانِبِنا، ونحو ذلك؛ فلا شكَّ أنَّ هذا غيرُ مُرادٍ»(ظ£ظ،).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ*ظ¤ جمادى الأولى ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ*ظ، ﻓــــبرايــــر ظ¢ظ*ظ،ظ§م


(ظ،) أخرجه مسلمٌ في «الذِّكْر والدعاء» (ظ،ظ§/ ظ£ظ¦) رقم: (ظ¢ظ§ظ،ظ£) بابُ ما يقول عند النوم، وأبو داود في «الأدب» (ظ¥/ ظ£ظ*ظ،) بابُ ما يقول عند النوم، والترمذيُّ في «الدعوات» (ظ¥/ ظ¤ظ§ظ¢)، وابنُ ماجه في «الدعاء» (ظ¢/ ظ،ظ¢ظ§ظ¤) بابُ ما يدعو به إذا أَوَى إلى فراشه، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(ظ¢) «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (ظ،ظ،ظ¤ ـ ظ،ظ،ظ¥).
(ظ£) «بدائع الفوائد» لابن القيِّم (ظ،/ ظ،ظ¦ظ،).
(ظ¤) انظر: «تفسير ابن كثير» (ظ¢/ ظ¥ظ¢ظ¥)، و«تفسير الشوكاني» (ظ£/ ظ©ظ§).
(ظ¥) «تفسير القرطبي» (ظ©/ ظ£ظ¤ظ¦).
(ظ¦) «الفوائد» لابن القيِّم (ظ¢ظ¥).
(ظ§) رواهُ مسلمٌ في «السلام» (ظ،ظ¤/ ظ،ظ¨ظ©) بابُ استحبابِ وَضْعِ يدِه على مَوْضِع الألمِ مع الدعاء.
(ظ¨) رواهُ مسلمٌ في «الأيمان» (ظ،ظ،/ ظ،ظ£ظ*) بابُ صحبةِ المماليك.
(ظ©) انظر: «تفسير القرطبي» (ظ،ظ©/ ظ،ظ¦ظ*)، و«فتح القدير» للشوكاني (ظ¥/ ظ£ظ¥ظ§).
(ظ،ظ*) انظر: تعلُّقَ إرادةِ الله وقدرتِه بالممكنات.
(ظ،ظ،) «م.ف»: «فَيَخْتَصُّ».
(ظ،ظ¢) «م.ر.ب»: «وَقَوْلِهِ».
(ظ،ظ£) والمصنِّف ـ رحمه الله ـ وإِنْ لم يتناول الإرادةَ الشرعية الدينيَّةَ إلَّا أنه أَثْبَتَ الفرقَ بين الإرادة الكونية القدرية والشرعية الدينية كما هو جارٍ على طريقة السلف في تفسيره «مجالس التذكير» (ظ©ظ¦، ظ،ظ¦ظ¤).
(ظ،ظ¤) انظر: «مجموعة الرسائل الكبرى» (ظ¢/ ظ§ظ§) و«مجموع الفتاوى» (ظ¨/ ظ،ظ¨ظ¨) و«منهاج السنَّة النبوية» (ظ£/ ظ،ظ¥ظ¦، ظ،ظ¥ظ§، ظ،ظ¨ظ*) كُلُّها لابن تيمية، «شفاء العليل» لابن القيِّم (ظ،/ ظ،ظ¨ظ©)، «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (ظ،ظ،ظ¦)، «إيثار الحقِّ على الخَلْق» لابن الوزير (ظ¢ظ¢ظ¨)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (ظ،/ ظ£ظ¢ظ،).
(ظ،ظ¥) «تفسير ابن كثير» (ظ£/ ظ¢ظ¥ظ¤).
(ظ،ظ¦) انظر: «القواعد الكُلِّيَّة» للبريكان (ظ©ظ§).
(ظ،ظ§) «تفسير ابن كثير» (ظ¤/ ظ§ظ¥).
(ظ،ظ¨) «شفاء العليل» لابن القيِّم (ظ،/ ظ،ظ£ظ£).
(ظ،ظ©) ساقطةٌ مِنْ «م.ر.ش».
(ظ¢ظ*) «م.ف»: «دَعَوْنَا».
(ظ¢ظ،) «م.ف»: «ارْبَأُوا».
(ظ¢ظ¢) ساقطةٌ مِنْ «م.ر».
(ظ¢ظ£) انظر التنبيهَ على صفة العلم.
(ظ¢ظ¤) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ،ظ¢/ ظ¦ظ§).
(ظ¢ظ¥) انظر: «الردَّ على مَنْ أنكر الحرفَ والصوت» للسجزي (ظ¨ظ، ـ ظ¨ظ¢)، «الصراط المستقيم» لابن قدامة (ظ£ظ¨).
(ظ¢ظ¦) ولعلَّ الصواب في ذلك أنَّ أوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ هذا القولَ إنما هو ابنُ كُلَّابٍ، ثمَّ تَبِعه عليه الأشعريُّ على ما بيَّنه ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في [«الاستقامة» لابن تيمية (ظ،/ ظ¢ظ،ظ، ـ ظ¢ظ،ظ¢)] بما نصُّه: «لا خلافَ بين الناس أنَّ أوَّلَ مَنْ أَحْدَث هذا القولَ في الإسلام أبو محمَّدٍ عبدُ اللهِ بنُ سعيد بنِ كُلَّابٍ البصريُّ، واتَّبَعه على ذلك أبو الحسن الأشعريُّ ومَنْ نَصَر طريقتَهما، وكانا يُخالِفان المعتزلةَ ويُوافِقانِ أهلَ السنَّة في جُمَلِ أصول السنَّة، ولكِنْ لتقصيرهما في علم السنَّة وتسليمِهما للمعتزلة أصولًا فاسدةً صار ـ في مواضعَ مِنْ قولَيْهما ـ مواضعُ فيها مِنْ قول المعتزلة ما خالَفَا به السنَّةَ، وإِنْ كانا لم يُوافِقَا المعتزلةَ مطلقًا».
(ظ¢ظ§) «نهاية الإقدام» للشهرستاني (ظ،ظ§ظ§).
(ظ¢ظ¨) «المحصول» للفخر الرازي (ظ¤/ ظ¢ظ¢ظ¤).
(ظ¢ظ©) تعليق محمَّد الصالح رمضان على «العقائد الإسلامية» (ظ§ظ£).
(ظ£ظ*) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ¥/ ظ،ظ*ظ¨).
(ظ£ظ،) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ¥/ ظ،ظ*ظ¨).










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:32   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وصيَّةٌ أخويةٌ جامعة
ونصيحةٌ حبِّيَّةٌ نافعة

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدْ طَلَب منِّي إخوةٌ في الله فُضَلاءُ مِنْ خيرة أهل تُونُسَ العامرةِ ـ حَرَسها اللهُ مِنْ كُلِّ سوءٍ وفِتَنٍ ـ أَنْ أقدِّم لهم وصيَّةً جامعةً ونصيحةً نافعةً، خطِّيَّةً ـ إِنْ أَمْكن ـ حرصًا منهم على كلمةٍ تتآلفُ بها النفوسُ على طاعة الله، وتجتمع بها القلوبُ على حُبِّه؛ فأجَبْتُهم إلى ذلك، وأنا سعيدٌ بأَنْ أكون مَحَلَّ ثِقَتِهم وموضعَ حُسْنِ ظنِّهم وموطنَ عنايتهم؛ فأقول ـ باختصارٍ ـ واللهُ الموفِّق:
â—™ أوصي نفسي وإخواني بوصيَّةِ الله تعالى لعباده الأوَّلين والآخِرِين، وهي تقوى اللهِ تعالى؛ فإنها أمُّ الوصايا وجِمَاعُ كُلِّ خيرٍ، والوقايةُ مِنْ كُلِّ شرٍّ وفتنةٍ؛ قال تعالى: ï´؟وَلَقَدغ، وَصَّيغ،نَا ظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لغ،كِتَظ°بَ مِن قَبغ،لِكُمغ، وَإِيَّاكُمغ، أَنِ ظ±تَّقُواْ ظ±للَّهَغڑ وَإِن تَكغ،فُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَمَا فِي ظ±لغ،أَرغ،ضِغڑ وَكَانَ ظ±للَّهُ غَنِيًّا حَمِيدظ—ا ظ،ظ£ظ،ï´¾ [النساء].
فالتمسُّك بحبل الله والتحلِّي بتقواه هو سبيلُ الفلاح والفوزِ والنجاة والنجاح، وقد وَعَد اللهُ عليها بالحفظ مِنْ مكر الماكرين وكيدِ الأعداء مِنَ المُناوِئين والشانئين والمتربِّصين والمتصيِّدين والحاقدين والحاسدين وأضرابهم؛ فقَدْ قال تعالى: ï´؟وَإِن تَصغ،بِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمغ، كَيغ،دُهُمغ، شَيغ،‍ظ”ًاï´¾ [آل عمران: ظ،ظ¢ظ*].
كما وَعَد اللهُ على تقواهُ: التكفُّلَ بالرزق الحلال الحسن، والتيسيرَ في الأمور كُلِّها، والمخرجَ مِنَ الفقر والشدائد، والخلاصَ مِنَ المِحَن والمصائب، والتكفيرَ عن الذنوب والسيِّئات، وإعظامَ الأجر والمثوبة؛ قال تعالى: ï´؟وَمَن يَتَّقِ ظ±للَّهَ يَجغ،عَل لَّهُغ¥ مَخغ،رَجظ—ا ظ¢ وَيَرغ،زُقغ،هُ مِنغ، حَيغ،ثُ لَا يَحغ،تَسِبُغڑ وَمَن يَتَوَكَّلغ، عَلَى ظ±للَّهِ فَهُوَ حَسغ،بُهُغ¥ظ“ï´¾ [الطلاق: ظ¢ ـ ظ£]، وقال تعالى: ï´؟وَمَن يَتَّقِ ظ±للَّهَ يَجغ،عَل لَّهُغ¥ مِنغ، أَمغ،رِهِغ¦ يُسغ،رظ—ا ظ¤ ذَظ°لِكَ أَمغ،رُ ظ±للَّهِ أَنزَلَهُغ¥ظ“ إِلَيغ،كُمغ،غڑ وَمَن يَتَّقِ ظ±للَّهَ يُكَفِّرغ، عَنغ،هُ سَيِّ‍ظ”َاتِهِغ¦ وَيُعغ،ظِمغ، لَهُغ¥ظ“ أَجغ،رًا ظ¥ï´¾ [الطلاق].
فعليكم بتقوى الله في السرِّ والعلن حيثما كنتم، وشرطُ تحقُّقِها والحصولِ على نتائجها وثمارها إنما يكون بزاد العلم النافع بدين الله الخالص، علمًا وعملًا وتربيةً واستقامةً؛ ذلك لأنَّ الجاهل لا يعرف مصدرَ التكليفِ ومواضعَ الأوامر للالتزام بها حُبًّا لله، ولا مواطنَ المناهي لاجتنابها خوفًا منه سبحانه؛ لذلك وَجَب على إخواني في الله أَنْ يحرصوا على رفعِ الجهل عن أَنْفُسِهم، وأَنْ يحفظوا شريعةَ الله بالتعلُّم ضبطًا وتقييدًا، وأَنْ يعملوا بما حَفِظوه وضَبَطوه؛ لأنَّ ثمرةَ العلمِ العملُ، وبقاءَ العلم ببقاء العمل؛ قال تعالى: ï´؟وَلَوغ، أَنَّهُمغ، فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِغ¦ لَكَانَ خَيغ،رظ—ا لَّهُمغ، وَأَشَدَّ تَثغ،بِيتظ—ا ظ¦ظ¦ وَإِذظ—ا لَّأظ“تَيغ،نَظ°هُم مِّن لَّدُنَّاظ“ أَجغ،رًا عَظِيمظ—ا ظ¦ظ§ وَلَهَدَيغ،نَظ°هُمغ، صِرَظ°طظ—ا مُّسغ،تَقِيمظ—ا ظ¦ظ¨ï´¾ [النساء]، ومَنْ عَمِل بما عَلِم ورَّثه اللهُ عِلْمَ ما لم يعلم، ومَنْ لم يعمل بعلمه لم يكن صادقًا في طلبه، وعُوقِبَ بنسيان العلم وضياعِ معارفه وحرمانه مِنَ الخير(ظ،)؛ ويترتَّب على ذلك: أنه بتوفُّر العلم بدِين الله يعرف المسلمُ كيف يتَّقي اللهَ؛ وذلك بأَنْ يجعل العبدُ بينه وبين ما يخشاهُ مِنْ عقابه وقايةً تَقيهِ وتحصِّنه وتحفظه منه، ولا يكون ذلك إلَّا بامتثالِ أوامره طاعةً وحُبًّا، واجتنابِ نواهيهِ خشيةً وخوفًا، وسبيلُ ذلك العلمُ الشرعيُّ النافع؛ قال تعالى: ï´؟إِنَّمَا يَخغ،شَى ظ±للَّهَ مِنغ، عِبَادِهِ ظ±لغ،عُلَمَظ°ظ“ؤُاْï´¾ [فاطر: ظ¢ظ¨].
فلا كرامةَ في الانتماء الحزبيِّ والتضليل الطائفيِّ والقوميِّ، ولا ارتقاءَ في محاكاةِ أهل التغريب والإلحاد في نُظُمهم ونظريَّاتهم وأنماطِ حياتهم وسيرتهم، ولا استعلاءَ في العرق الجنسيِّ، ولا سُمُوَّ في الجمود الفكريِّ والتعصُّب المذهبيِّ، وإنما ميزانُ التفضيل عند الله في تقوى الله؛ لقوله تعالى: ï´؟إِنَّ أَكغ،رَمَكُمغ، عِندَ ظ±للَّهِ أَتغ،قَىظ°كُمغ،غڑ إِنَّ ظ±للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرظ‍ ظ،ظ£ï´¾ [الحُجُرات]، ومعيارُ الرفعة في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان؛ قال تعالى: ï´؟يَرغ،فَعِ ظ±للَّهُ ظ±لَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمغ، وَظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لغ،عِلغ،مَ دَرَجَظ°تظ–ï´¾ [المجادلة: ظ،ظ،].
â—™ وأوصي إخواني في الله أَنْ يحرصوا على الاجتماع والائتلاف والاتِّحاد على التوحيد والاتِّباع؛ فالوحدةُ إنما تكون بالتوحيد، والاجتماعُ إنما يكون بالاتِّباع، وأَنْ ينبذوا الفُرْقةَ وأسبابَ الاختلاف؛ لقوله تعالى: ï´؟وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ظ±لغ،مُشغ،رِكِينَ ظ£ظ، مِنَ ظ±لَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمغ، وَكَانُواْ شِيَعظ—اغ– كُلُّ حِزغ،بِغ¢ بِمَا لَدَيغ،هِمغ، فَرِحُونَ ظ£ظ¢ï´¾ [الروم]، ولقوله تعالى: ï´؟وَلَا تَكُونُواْ كَظ±لَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَظ±خغ،تَلَفُواْ مِنغ¢ بَعغ،دِ مَا جَاظ“ءَهُمُ ظ±لغ،بَيِّنَظ°تُغڑ وَأُوْلَظ°ظ“ئِكَ لَهُمغ، عَذَابٌ عَظِيمظ‍ ظ،ظ*ظ¥ï´¾ [آل عمران]، ولقوله تعالى: ï´؟إِنَّ ظ±لَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمغ، وَكَانُواْ شِيَعظ—ا لَّسغ،تَ مِنغ،هُمغ، فِي شَيغ،ءٍغڑ إِنَّمَاظ“ أَمغ،رُهُمغ، إِلَى ظ±للَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفغ،عَلُونَ ظ،ظ¥ظ©ï´¾ [الأنعام]، ومِنْ أسباب الفُرْقةِ البِدَعُ والحوادث، ومِنْ ورائها: الجهلُ بأحكام الدين؛ إذ المعلومُ أنَّ مُقاوَمةَ الفُرْقة والبِدَع ومُحْدَثات الأمورِ إنما تكون لأهل الدراية والعلم، وبفقدانهم تظهر البِدَعُ وتنتشر وتكون سببًا لتصدُّعِ الصفِّ وتشقُّقِ روابطه، وقد جاء في الحديث: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»(ظ¢).
ـ ومِنْ وراء الفُرْقة ـ أيضًا ـ: اتِّباع الهوى؛ لأنَّ البِدَع إنما هي نسيجُ الهوى المُتَّبَع؛ قال تعالى: ï´؟فَإِن لَّمغ، يَسغ،تَجِيبُواْ لَكَ فَظ±عغ،لَمغ، أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهغ،وَاظ“ءَهُمغ،غڑ وَمَنغ، أَضَلُّ مِمَّنِ ظ±تَّبَعَ هَوَىظ°هُ بِغَيغ،رِ هُدظ—ى مِّنَ ظ±للَّهِغڑ إِنَّ ظ±للَّهَ لَا يَهغ،دِي ظ±لغ،قَوغ،مَ ظ±لظَّظ°لِمِينَ ظ¥ظ*ï´¾ [القَصص]، وقال تعالى: ï´؟أَفَرَءَيغ،تَ مَنِ ظ±تَّخَذَ إِلَظ°هَهُغ¥ هَوَىظ°هُ وَأَضَلَّهُ ظ±للَّهُ عَلَىظ° عِلغ،مظ– وَخَتَمَ عَلَىظ° سَمغ،عِهِغ¦ وَقَلغ،بِهِغ¦ وَجَعَلَ عَلَىظ° بَصَرِهِغ¦ غِشَظ°وَةظ— فَمَن يَهغ،دِيهِ مِنغ¢ بَعغ،دِ ظ±للَّهِغڑ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ظ¢ظ£ï´¾ [الجاثية].
ـ ومِنْ وراءِ أسباب الفُرْقة: الجمودُ الفكريُّ والتعصُّبُ للآراء والأشخاص وتقليدُ الآباء؛ فإنَّ هذا يحول بين المرء وبين اتِّباع الدليل ومعرفةِ الحقِّ؛ فيُفْضي إلى الإعراض عمَّا أَنزلَ اللهُ وعدمِ الالْتِفات إليه اكتفاءً بتقليد الآباء والرجال، وهذا شأنُ المتعصِّبين مِنْ أتباع المذاهب والصوفيةِ والقبوريين وأضرابهم؛ فهُمْ يردُّون الحقَّ احتجاجًا بمذاهبِ أئمَّتِهم ومشايخهم وآبائهم؛ كما قال تعالى: ï´؟وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ظ±تَّبِعُواْ مَاظ“ أَنزَلَ ظ±للَّهُ قَالُواْ بَلغ، نَتَّبِعُ مَاظ“ أَلغ،فَيغ،نَا عَلَيغ،هِ ءَابَاظ“ءَنَاظ“غڑ أَوَلَوغ، كَانَ ءَابَاظ“ؤُهُمغ، لَا يَعغ،قِلُونَ شَيغ،‍ظ”ظ—ا وَلَا يَهغ،تَدُونَ ظ،ظ§ظ*ï´¾ [البقرة]، ويصمدون على باطلهم؛ فلو أتيتَهم بألفِ حجَّةٍ ما تَبِعوا الحقَّ المبين؛ قال تعالى: ï´؟وَلَوغ، أَنَّنَا نَزَّلغ،نَاظ“ إِلَيغ،هِمُ ظ±لغ،مَلَظ°ظ“ئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ظ±لغ،مَوغ،تَىظ° وَحَشَرغ،نَا عَلَيغ،هِمغ، كُلَّ شَيغ،ءظ– قُبُلظ—ا مَّا كَانُواْ لِيُؤغ،مِنُوظ“اْ إِلَّاظ“ أَن يَشَاظ“ءَ ظ±للَّهُ وَلَظ°كِنَّ أَكغ،ثَرَهُمغ، يَجغ،هَلُونَ ظ،ظ،ظ،ï´¾ [الأنعام].
ـ ومِنْ وراء أسباب الفُرْقة ـ أيضًا ـ: التشبُّهُ بالكُفَّار، وقد جاءَتِ النصوصُ الكثيرة تنهى عن التشبُّه بهم وتأمر بمُخالَفتِهم، ومع ذلك نجد أغلبَ الناسِ مِنَ المسلمين يقلِّدونهم في البِدَع الشركية والبِدَعِ المفسِّقة وأنواعِ المُخالَفات الأخرى: كأعياد الموالد، وإقامةِ التماثيل والنصب التذكارية، وإقامةِ المآتم، وبناءِ القبور واتِّخاذها مساجدَ، وقد جاء عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ»، قُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟» قَالَ: «فَمَنْ»(ظ£).
â—™ وأنصح إخواني في الله أَنْ يَثْبُتوا على الحقِّ الذي عَلِموه بأدلَّته وبراهينِه، وأَنْ يلتزموا أحكامَه وأخلاقه وآدابه، وأَنْ يتَّفِقوا على أصولِ مسائل الاعتقاد دون تلوُّنٍ ولا تقلُّبٍ ولا انتقالٍ؛ لأنَّ دِينَ اللهِ واحدٌ؛ فإنَّ أهل السنَّة لمَّا اعتصموا بالكتاب والسنَّة اتَّفقوا ولم يختلفوا في شيءٍ مِنْ أصول دِينِهم؛ فكان الثباتُ والاستقرارُ في أهل السنَّة أضعافَ أضعافِ ما هو عند أهل الكلام والفلسفةِ والأهواء.
â—™ وأنصح إخواني في الله أَنْ يحرصوا على استبقاء الدِّين صافيًا ـ كما أُنْزِل ـ مِنْ غيرِ زيادةٍ عليه ولا استدراكٍ، وأَنْ يَحْذروا أهلَ التبديل والتغيير، الذين شوَّهوا جمالَ الإسلام وكدَّروا صفاءَه، وخاصَّةً أنصاف المتعلِّمين وأدعياء العلم الذين هيَّأَتْ لهم وسائلُ الإعلام سبيلَ الفساد والإفساد، ومِنْ علاماتهم: الجهلُ بالدين، واتِّباع الهوى، والتقليد للآباء، والتعصُّب للآراء، والتشبُّه بالكُفَّار، واتِّباع المُتشابِه، ومعارضة السنَّة بالقرآن، والعمل بالروايات الموضوعة والضعيفة، والدعوة إلى الفُرْقة، وتَرْك انتحالِ مذهب السلف.
لذلك يجب أَنْ يكون المؤمن السنِّيُّ فَطِنًا لا تنطلي عليه الدعواتُ العَقَدية المُغْرِضة مِنَ الصوفية أَدْعِياءِ الرُّؤَى والمُكاشَفات والمَنامات المزعومة، ومِنَ الخوارج والشيعة والباطنية مِنْ أهل التأويل والتفويض والكلام، ومِنَ المناهج الدعوية المُظْلِمة القائمة على التحزُّبات مِنْ دُعَاةِ التغريب والتدمير والعلمنة وغيرِها، ومِنْ آراء المُبْطِلين مِنَ السُّفَهاء والجُهَّال وأنصافِ الفقهاء؛ فإنَّ دعوتهم إلى الفُرْقة والشِّقاق؛ وقد جاء في التنزيلِ قولُه تعالى: ï´؟إِنَّ ظ±لَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمغ، وَكَانُواْ شِيَعظ—ا لَّسغ،تَ مِنغ،هُمغ، فِي شَيغ،ءٍغڑ إِنَّمَاظ“ أَمغ،رُهُمغ، إِلَى ظ±للَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفغ،عَلُونَ ظ،ظ¥ظ©ï´¾ [الأنعام]، وقولُه تعالى: ï´؟وَمَن يُشَاقِقِ ظ±لرَّسُولَ مِنغ¢ بَعغ،دِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ظ±لغ،هُدَىظ° وَيَتَّبِعغ، غَيغ،رَ سَبِيلِ ظ±لغ،مُؤغ،مِنِينَ نُوَلِّهِغ¦ مَا تَوَلَّىظ° وَنُصغ،لِهِغ¦ جَهَنَّمَغ– وَسَاظ“ءَتغ، مَصِيرًا ظ،ظ،ظ¥ï´¾ [النساء].
â—™ وأوصي إخواني في الله أَنْ لا يَتَّخِذوا أقوالَ الرجالِ المجرَّدةَ عن الدليل والسندِ مقياسًا للمنهج ومعيارًا للحكم والمُعتقَد، وإنما الواجب اتِّخاذُ الكتابِ والسنَّة ميزانًا للقَبول والردِّ؛ فبالكتاب والسنَّة الصحيحة تُوزَنُ الاعتقاداتُ والأقوال والأعمال، وبهما يحصل التمييزُ بين الحقِّ والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين الخطإ والصواب، وما سِواهُما مِنْ آراء البشر واجتهاداتِهم وأقوالهم فإنما تُعْرَضُ على الميزان الحقِّ وهو الكتاب والسنَّة؛ فإِنْ حصَلَتِ المُوافَقةُ له أُخِذ بتلك الأقوال والآراء، وإلَّا رُدَّتْ على أصحابها مهما كانوا.
لذلك فليس للعالِمِ أو الإمام مِنَ الطاعة إلَّا لأنه مبلِّغٌ عن الله دِينَه وشرعه، وإنما تجب الطاعةُ المُطلَقة العامَّةُ لله ولرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فلا يجوز أَنْ يأخذ بقولٍ أو يعتقده لكونه قولَ إمامه أو عالِمِه، بل لأجلِ أنَّ ذلك ممَّا أمَر اللهُ به ورسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم.
â—™ وأنصح إخواني في الله أَنْ يجتنبوا الجدلَ المذموم في الدين، والخصوماتِ في مسائل الاعتقاد والحلال والحرام؛ لأنَّ الجدل يؤدِّي إلى التلوُّن في الدين والتحوُّل عنه، وقد نُقِل عن عمر بنِ عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أنه قال: «مَنْ جَعَل دِينَه غرضًا للخصومات أَكثرَ التنقُّلَ»(ظ¤)، كما أنَّ الجدل في الدِّين والخصوماتِ فيه يُورِثُ ـ مِنْ ناحيةٍ أخرى ـ قسوةَ القلب والعداوةَ والبغضاء؛ الأمرُ الذي يؤدِّي إلى التفكُّك والاختلاف.
علمًا بأنَّ مَنْ ظنَّ أنَّ كثرة الكلام والجدالِ والخِصام في مسائل الدِّين دليلٌ على كثرة العلم فهو جاهلٌ جهلًا محضًا وغالطٌ غلطًا بيِّنًا؛ إذ المعلوم أنَّ كلام التابعين أكثرُ مِنْ كلام الصحابة والصحابةُ أعلمُ منهم، وكذلك تابِعُو التابعين أكثرُ كلامًا مِنَ التابعين والتابعون أعلمُ منهم.
â—™ وأنصح إخواني في الله أَنْ يَحْذَروا ويحذِّروا مِنَ البِدَع والمُبتدِعين، الذين أحدثوا في الدِّين، وحالوا دون تقدُّم المسلمين؛ فلْيَحذروا مِنَ الحوادث التي اشتهر ـ عند أهل العلم بالسنَّة ـ مُخالَفتُها للكتاب والسنَّة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ؛ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(ظ¥).
وإنما كان التحذيرُ مِنَ البِدَع والحوادث لمُناقَضتِها لأحَدِ شرطَيِ العبادة، وهو المتابعةُ للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ونذكر مِنْ أهل البِدَع: الخوارجَ بأنواعهم، والشيعةَ بفِرَقها وأنواعها: الغاليةِ وغيرِ الغالية، والصوفيةَ بجميعِ طُرُقها، والمعتزلةَ والأشاعرة والمُرْجِئة والحركاتِ الباطنيةَ المُناوِئةَ للإسلام كالإسماعيلية والبابية والبهائية والقاديانية (الأحمدية) والأحباش، وكذلك كُلَّ الدعواتِ والنداءاتِ الداعية إلى تحكيم الديمقراطية وإرساءِ أساليبها وتشريعاتها، أو حركاتِ تحرير المرأة أو الحركاتِ الداعيةَ إلى حرِّيَّة الاعتقاد وتسامُحِ الأديان وتَقارُبها، وكذا المُعتقَداتِ والفلسفات التي وُلِدَتْ في كنفِ الحضارة الغربية كالعلمانية والاستشراق والتغريب والتنصير وغيرها.
هذا، ولا تَزال دُوَلُ الكفر تشجِّع المُبتدِعةَ على نشرِ بِدَعِهم، وتمدُّ لهم يدَ العونِ والمساعدة؛ قَصْدَ القضاءِ على الإسلام وتشويهِ صورته، كما لا يَزال ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ علماء السنَّة يردُّون على المُبتدِعة ويُنْكِرون عليهم بِدَعَهم في كُلِّ عصرٍ ويمنعونهم مِنْ مُزاوَلتِها، والحمدُ لله أوَّلًا وآخِرًا.
â—™ ولْيَعْملِ المؤمن السنِّيُّ على الْتزامِ جماعةِ المسلمين وإمامِهم، ولْيَحْذَرْ مِنْ مُفارَقتهم؛ فالجماعةُ رحمةٌ والفُرْقة عذابٌ؛ ففي الحديث: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»(ظ¦)، وقد جاء عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنه قال: «وما تكرهون في الجماعة خيرٌ ممَّا تُحِبُّون في الفُرْقة»(ظ§).
ولا شكَّ أنَّ مُلازَمةَ الجماعةِ المُنتظِمة بإمامٍ يَنْعَمُ فيها المرءُ باستقرار الأحوال، وذهابِ الخوف وحلولِ الأمن؛ فيَسْلَمُ دِينُه وعِرْضُه؛ فهو ـ ولو كان مع ضيق العيش وقلَّةِ المؤونة ـ خيرٌ مِنْ بحبوحة العيش وسَعَةِ الرزق في حالة الاضطراب والفوضى الناجمة عن مُفارَقة الجماعة؛ فإنَّ تلك الحالَ تعمُّ فيها الفتنةُ فتُسْفَكُ فيها الدماءُ، وتُستباحُ الأموالُ، وتُنتهَك المحارمُ، وتُقْطَع السُّبُلُ، ويضعف الدينُ، وينقص العلمُ، وينتشر الجهلُ، ويتسلَّط السفهاءُ ويتمكَّن الجُهَّالُ، وغيرها مِنَ الآثار الوخيمة والمفاسدِ العظيمة على الأمَّة؛ لذلك وَجَب على إخواني أَنْ يأتلفوا ولا يختلفوا، وأَنْ يتحابُّوا ولا يتعادَوْا، وأَنْ يتناصروا ولا يتخاذلوا، وأَنْ يتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، وعليهم أَنْ يُلازِموا الجماعةَ ويتركوا الفُرْقةَ؛ حتَّى يَسَعَهم إقامةُ دِينهم، وحفظُ أموالهم وديارِهم، وصيانةُ أعراضهم، وقد ثَبَت عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال: «قَضْمُ الملح في الجماعة أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ آكُلَ الفالوذَجَ(ظ¨) في الفُرْقة»(ظ©).
â—™ وأوصي إخواني في الله بالتخلُّق بالأخلاق السامية، والتحلِّي بالآداب الفاضلة التي نوَّه بها الإسلامُ ودَعَا إلى تنميتها في نفوس المسلمين، مِنَ: الإخلاص والصدق، والإحسان والعدل والاعتدال، والرحمة والرِّفق والحِلْم والتواضع، وغيرها مِنْ مكارم الأخلاق.
وعلى إخواني أَنْ يبتعدوا عن التحوُّل عن الأخلاق والآداب الحسنة إلى مساوئها، وأَنْ يجتنبوا الأغراضَ الدنيئة والاغترارَ بالدنيا والمال وسائرِ فِتَن الشهوات، وأَنْ يكونوا على حذرٍ مِنْ فِتَن الشُّبُهات وأمراضِ القلوب مِنْ حبِّ الظهور، والطعن في الأخيار والتشفِّي فيهم، والتصدِّي للدعوة بلا علمٍ ولا زادٍ، أو بعلمٍ ناقصٍ دون تأهُّلٍ ولا تأهُّبٍ، وبلا زكاةِ نفسٍ ولا تربيةٍ ولا مجاهدةٍ.
وعلى إخواني أَنْ يلتزموا السيرَ وَفْقَ منهج النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأخلاقيِّ الذي زكَّاه اللهُ تعالى بقوله: ï´؟وَإِنَّكَ لَعَلَىظ° خُلُقٍ عَظِيمظ– ظ¤ï´¾ [القلم]، وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حييًّا رفيقًا، رحيمًا بالمؤمنين سَمْحًا كريمًا، مُجانِبًا لكُلِّ خُلُقٍ يشينه أو ينفِّر الناسَ عنه أو عن دعوته مِنَ الجفوة والغلظة أو الفحش والتفحُّش أو الغضب المذموم وغيرها، ما لم يتعلَّقِ الأمرُ بمَحارِم الله وشرعِه أو بحدٍّ مِنْ حدوده، فلم يكن مُتهاوِنًا فيه ولا مُتساهِلًا، «وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا»(ظ،ظ*).
كما أوصيكم بالْتزامِ خُلُق الصبر، وخاصَّةً في مرحلة الطلب والعمل، ومسيرةِ الدعوة إلى الله، وما يقترن بها مِنْ عقباتٍ وعوائقَ ومَشاقَّ؛ فهو مِنْ عزائم الأمور، و«بالصبر واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدِّين»(ظ،ظ،)؛ قال تعالى: ï´؟وَجَعَلغ،نَا مِنغ،هُمغ، أَئِمَّةظ— يَهغ،دُونَ بِأَمغ،رِنَا لَمَّا صَبَرُواْغ– وَكَانُواْ بِ‍ظ”َايَظ°تِنَا يُوقِنُونَ ظ¢ظ¤ï´¾ [السجدة]؛ فلا يَنالُ الإمامةَ في الدِّين مَنْ حطَّ قَدْرَ نفسه بالظلم والمضرَّة، بل آلةُ الإمامة في الدِّين: الصبرُ واليقين، وخلاصتُه: أَنْ يكون صاحبُه على قدرٍ رفيعٍ مِنَ الإيمان والأعمال الصالحة، والمحبَّة التامَّة، والشمائل السديدة، والأخلاق الجميلة، والآداب الكريمة؛ قال تعالى: ï´؟قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامظ—اغ– قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيغ– قَالَ لَا يَنَالُ عَهغ،دِي ظ±لظَّظ°لِمِينَ ظ،ظ¢ظ¤ï´¾ [البقرة].
â—™ وأوصي إخواني في الله بالحذر مِنْ عباراتِ شياطينِ الجنِّ والإنس وأقوالِهِم المُزَخْرَفة والمموَّهة لتزيين الباطل وتحسينِ صورة الغواية وطريق الضلال، حتَّى يغترَّ بها السُّفَهاءُ وينقادَ لها الأغبياءُ، الذين لا يُدْرِكون الحقائقَ ولا يفهمون المعانيَ، كالدعوات الغربية المخطّطة لإثارة الشعوب ضِدَّ حُكَّامها بأيدي أبناء المسلمين باسْمِ الثورة والتغيير، أو الدعوات المضلِّلة المقصودة ليُبْعِدوا عن الساحةِ كُلَّ ما يَمُتُّ بالصِّلَةِ للنُّظُم والحكم في مجالِ شريعة الإسلام والقضاءِ والتعليم؛ لإحلال العلمانية والنظريات الغربية الهدَّامة، بدعوَى جمود الشريعة وقعودها عن مُلاحَقةِ الحياة التطوُّرية، وعدمِ مُلاءَمتها للحضارة والمدنية، أو الدعوات القائمة على إفساد المجتمعات الإسلامية بفتح المجال لانتشار الإلحاد والتغريب والإباحية والفوضى الأخلاقية، والدعوة إلى تحرير المرأة وتفسُّخها؛ تماشيًا مع الأسلوب الغربيِّ الذي لا يُدين العلاقاتِ المحرَّمةَ بين الجنسين، تحت مِظَلَّةِ حقوق الإنسان وحقوقِ المرأة والديمقراطية وغيرها، ونسبة الكبت واضطهادِ حُرِّيَّة الفكر والقسوة والإرهاب إلى الإسلام.
وهذا وغيرُه ممَّا يسعى إليه أهلُ الباطل بالألفاظ المُزَخْرَفة والعبارات المموَّهة لتكثير السالكين لسُبُل الضلالة بايقاعهم في شِبَاكهم؛ تمزيقًا لوحدة الأمَّة وإضعافًا لقوَّتها وتسليطًا للأعداء عليها، ونحو ذلك مِنَ الحقائق والمقاصد؛ قال الفضيل بنُ عياضٍ ـ رحمه الله ـ: «اتَّبِعْ طُرُقَ الهدى، لا يضرُّك قلَّةُ السالكين، وإيَّاك وطُرُقَ الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين»(ظ،ظ¢).
وعليكم ـ إخواني ـ بصحبةِ أهل الإيمان والتقوى والخُلُقِ الفاضل، وأُولي العقول الوافية والألباب الرزينة؛ فإنهم لا تُخبِّلُهم التمويهاتُ، ولا تَغُرُّهم العباراتُ المزيَّنة؛ فلا يقبلون إلَّا الحقَّ ولو كُسِيَ بأردإ العبارات، ويردُّون الباطلَ مهما حُلِّيَ بشتَّى أنواعِ زخرفِ القول غرورًا؛ فهؤلاء هم الأخيارُ الذين نَثِقُ فيهم وننعم بصحبتهم وننتفع بمواقفهم.
ولْتُجانِبوا الأشرارَ مِنْ أهل الهوى والأخلاق الخبيثة، الذين يردُّون دعوةَ الحقِّ ويحاربون أهلَها، ويصدُّون عن سبيل الله، ويعطِّلون مصالحَ الدِّينِ والدنيا بما أُوتُوا مِنْ عبارات التضليل المُزَخْرَفة وألفاظِ التمويه المزيَّنة؛ قال تعالى: ï´؟وَظ±صغ،بِرغ، نَفغ،سَكَ مَعَ ظ±لَّذِينَ يَدغ،عُونَ رَبَّهُم بِظ±لغ،غَدَوظ°ةِ وَظ±لغ،عَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجغ،هَهُغ¥غ– وَلَا تَعغ،دُ عَيغ،نَاكَ عَنغ،هُمغ، تُرِيدُ زِينَةَ ظ±لغ،حَيَوظ°ةِ ظ±لدُّنغ،يَاغ– وَلَا تُطِعغ، مَنغ، أَغغ،فَلغ،نَا قَلغ،بَهُغ¥ عَن ذِكغ،رِنَا وَظ±تَّبَعَ هَوَىظ°هُ وَكَانَ أَمغ،رُهُغ¥ فُرُطظ—ا ظ¢ظ¨ï´¾ [الكهف]، وفي الحديث: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»(ظ،ظ£).
â—™ وأوصي نفسي وإيَّاكم بالبعد عن كُلِّ ما يلوِّث دِينَ المرءَِ وعِرْضَه بمختلف الشُّبُهات، وما الْتَبَس بالحرام، وما يعرِّضه للمفاسد والمَضارِّ، وما يدفعه للتهمة والفتنة والتهلكة، وقد جاء في التنزيل: ï´؟وَلَا تَقغ،تُلُوظ“اْ أَنفُسَكُمغ،غڑ إِنَّ ظ±للَّهَ كَانَ بِكُمغ، رَحِيمظ—ا ظ¢ظ©ï´¾ [النساء]، ï´؟وَلَا تُلغ،قُواْ بِأَيغ،دِيكُمغ، إِلَى ظ±لتَّهغ،لُكَةِï´¾ [البقرة: ظ،ظ©ظ¥]؛ فهذا الابتعاد عمَّا نهى الشرعُ عنه يُعَدُّ مِنْ شرطِ تقوى اللهِ تعالى وكمالها؛ «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ»(ظ،ظ¤).
وأخيرًا، فهذه جملةٌ مِنَ الوصايا والنصائح أُقدِّمها بين يدَيْ إخواني في الله في هذه الكلمةِ المُوجَزة، والكلمةُ أمانةٌ ومسئوليةٌ، والجزءُ ينبئ عن الكُلِّ.
نسأل اللهَ تعالى أَنْ ينصر دِينَه، ويُعْلِيَ كلمتَه، ويخذل أعداءَه، وأَنْ يَمُنَّ علينا بمُواصَلةِ السير لخدمة دِينه الشريف رغم العقبات والصدود والعراقيل، وأَنْ يجعلنا مِنْ حُمَاةِ شرعِه الحنيف، وأَنْ يُكْرِمَنا بنعمة الإخلاص لوجهه الكريم، وأَنْ يُلْهِم القارئَ الكريمَ دعوةً خالصةً بظهر الغيب.
وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ¢ظ© جمادى الآخرة ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ¢ظ¨ مـــــــــارس ظ¢ظ*ظ،ظ§م

(ظ،) انظر: «الإخلاص بركة العلم وسر التوفيق» للمؤلِّف .
(ظ¢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «العلم» باب: كيف يُقْبَضُ العلمُ؟ (ظ،ظ*ظ*)، ومسلمٌ في «العلم» (ظ¢ظ¦ظ§ظ£)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما.
(ظ£) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «أحاديث الأنبياء» بابُ ما ذُكِر عن بني إسرائيل (ظ£ظ¤ظ¥ظ¦)، و«الاعتصام بالكتاب والسنَّة» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لتَتَّبِعنَّ سَننَ مَنْ كان قبلكم» (ظ§ظ£ظ¢ظ*)، ومسلمٌ في «العلم» (ظ¢ظ¦ظ¦ظ©)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه.
(ظ¤) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» ـ رواية محمَّد بنِ الحسن الشيبانيِّ ـ (ظ£ظ¢ظ¥)، والدارميُّ في «سننه» (ظ،/ ظ©ظ،)، والفريابيُّ في «القَدَر» (ظ¢ظ¥ظ£)، والآجُرِّيُّ في «الشريعة» (ظ¥ظ©)، واللَّالَكائيُّ في «شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة» (ظ،/ ظ،ظ¤ظ¤)، وابنُ بطَّة في «الإبانة» (ظ¢/ ظ¥ظ*ظ¢)، وابنُ عبد البرِّ في «جامع بيان العلم وفضله» (ظ¢/ ظ©ظ£).
(ظ¥) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في لزوم السنَّة (ظ¤ظ¦ظ*ظ§)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتنابِ البِدَع (ظ¢ظ¦ظ§ظ¦)، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ اتِّباعِ سنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين (ظ¤ظ¢)، مِنْ حديثِ العرباض بنِ سارية رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (ظ¢ظ§ظ£ظ¥).
(ظ¦) أخرجه الترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الحثِّ على تبليغ السماع (ظ¢ظ¦ظ¥ظ¨) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ مَنْ بلَّغ علمًا (ظ¢ظ£ظ*) مِنْ حديثِ زيد بنِ ثابتٍ رضي الله عنه، وفي «المناسك» باب الخُطْبة يومَ النحر (ظ£ظ*ظ¥ظ¦) مِنْ حديثِ جُبَيْر بنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (ظ¦ظ§ظ¦ظ¦).
(ظ§) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (ظ§/ ظ¤ظ§ظ¤)، والحاكم في «المُستدرَك» (ظ¤/ ظ¥ظ©ظ¨)، والطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (ظ©/ ظ،ظ©ظ¨)، واللَّالَكائيُّ في «شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة» (ظ،/ ظ،ظ¢ظ،)، والآجُرِّيُّ في «الشريعة» (ظ¢ظ*)، وابنُ عبد البرِّ في «التمهيد» (ظ¢ظ،/ ظ¢ظ§ظ£).
(ظ¨) الفالوذج: حلواءُ تُعْمَل مِنَ الدقيق والماء والعسل، وتُصْنَع ـ الآنَ ـ مِنَ النشإ والماء والسكَّر، [انظر: «المعجم الوسيط» (ظ¢/ ظ§ظ*ظ*)].
(ظ©) أخرجه أبو نُعَيْمٍ في «حلية الأولياء» (ظ،ظ*/ ظ£ظ*ظ¥)، والبيهقيُّ في «شُعَب الإيمان» (ظ،ظ*/ ظ¢ظ¥).
(ظ،ظ*) أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ صفةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (ظ£ظ¥ظ¦ظ*)، ومسلمٌ في «الفضائل» (ظ¢ظ£ظ¢ظ§، ظ¢ظ£ظ¢ظ¨)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(ظ،ظ،) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ£/ ظ£ظ¥ظ¨، ظ،ظ*/ ظ£ظ©، ظ،ظ¢/ ظ¤ظ£ظ©، ظ¢ظ¨/ ظ¤ظ¤ظ¢)، والعبارة بهذا اللفظِ ذَكَرها ابنُ القيِّم في «الصواعق المُرْسَلة» (ظ£/ ظ،ظ*ظ§ظ£).
(ظ،ظ¢) نُقِل قولُه بألفاظٍ مُتقارِبةٍ، ونُقِل معناه عن سفيان بنِ عُيَيْنة ـ رحمه الله ـ قال: «اسْلُكُوا سبيلَ الحقِّ، ولا تستوحشوا مِنْ قلَّةِ أهله» [انظر: «الأذكار» للنووي (ظ،ظ*ظ،)، «الاعتصام» للشاطبي (ظ،/ ظ¨ظ£)].
(ظ،ظ£) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابُ مَنْ يُؤْمَرُ أَنْ يُجالِس (ظ¤ظ¨ظ£ظ¢)، والترمذيُّ في «الزهد» بابُ ما جاء في صحبة المؤمن (ظ¢ظ£ظ©ظ¥)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (ظ§ظ£ظ¤ظ،).
(ظ،ظ¤) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» بابُ فضلِ مَنِ استبرأ لدينه (ظ¥ظ¢)، ومسلمٌ في «المساقاة» (ظ،ظ¥ظ©ظ©)، مِنْ حديثِ النعمان بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما.










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:32   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ـ الحلقة السابعة ـ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
ففي هذه السلسلة التوضيحية أُواصِلُ متابعةَ فصولِ عقائد التوحيد العلمي والعملي للإمام ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ بالتنبيهات والاستدراكات على ما يأتي:
â—™ الومضة الرابعة والعشرون:
â–* وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¤ظ©: «توحيده في ربوبيته» (ص ظ¨ظ،):
«وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَهُوَ العِلْمُ بِأَنْ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ، وَلَا مُدَبِّرَ لِلْكَوْنِ وَلَا مُتَصَرِّفَ فِيهِ سِوَاهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟هَلغ، مِنغ، خَظ°لِقٍ غَيغ،رُ ظ±للَّهِï´¾ [فاطر: ظ£]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟أَلَا لَهُ ظ±لغ،خَلغ،قُ وَظ±لغ،أَمغ،رُï´¾ [الأعراف: ظ¥ظ¤]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟يُدَبِّرُ ظ±لغ،أَمغ،رَ مِنَ ظ±لسَّمَاظ“ءِ إِلَى ظ±لغ،أَرغ،ضِï´¾ [السجدة: ظ¥]، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ»(ظ،) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ».
â–* تنبيه واستدراك:
عرَّف المُصنِّفُ ـ رحمه الله ـ توحيدَ الربوبيةِ بالعلم ليُظْهِرَ تَعَلُّقَه بالتوحيد العلميِّ الخبريِّ، غير أنَّ إطلاقَ العلم ـ في هذا المَقامِ ـ قاصرٌ عن المعنى المطلـوب، والأَوْلى التعبيرُ بالإقرارِ لتَضمُّنِه العلمَ بالشيء عن تصديقٍ به، المُسْتلزِم لقَبولِ الأخبار والإذعانِ للأحكام، وهو مَعْنَى الإيمانِ بانفرادِ الله بالربوبية.
كما أنَّ المُصنِّفَ ـ رحمه الله ـ عرَّف هذا التوحيدَ بأنه العِلْمُ بأنَّ اللهَ تعالى مُنْفرِدٌ بأمورٍ ثلاثـةٍ: الخَلْقِ والتدبير والتصرُّف، والمعلومُ أنَّ كُلًّا مِنَ التدبير والتصرُّف يَتعلَّقان بالأمر؛ لأنَّ الله هو المُدبِّرُ للأمرِ المتصرِّفُ به والقاضي به؛ فهذا حُكْمُه القَدَريُّ والكونيُّ، وهو ما يقضي اللهُ به تقديرًا وخَلْقًا؛ لذلك كان إفرادُ الله بالحكم أو بالأمر أَوْسَعَ وأَوْلى مِنَ التعبير عن تَفرُّدِه بلفظتَيِ التدبير والتصرُّف.
â—™ الومضة الخامسة والعشرون:
â–* وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¥ظ*: «توحيدُه في أُلُوهيَّته» (ص ظ¨ظ¢):
«وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، وَهُوَ العِلْمُ بِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ، وَالقَصْدُ وَالتَّوَجُّهُ وَالقِيَامُ بِالعِبَادَاتِ كُلِّهَا إِلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟لَاظ“ إِلَظ°هَ إِلَّاظ“ أَنَاغ* فَظ±عغ،بُدُونِ ظ¢ظ¥ï´¾ [الأنبياء]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟إِنِّي وَجَّهغ،تُ وَجغ،هِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لغ،أَرغ،ضَ حَنِيفظ—اغ– وَمَاظ“ أَنَاغ* مِنَ ظ±لغ،مُشغ،رِكِينَ ظ§ظ©ï´¾ [الأنعام]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟قُلغ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحغ،يَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ظ±لغ،عَظ°لَمِينَ ظ،ظ¦ظ¢ لَا شَرِيكَ لَهُغ¥غ– وَبِذَظ°لِكَ أُمِرغ،تُ وَأَنَاغ* أَوَّلُ ظ±لغ،مُسغ،لِمِينَ ظ،ظ¦ظ£ï´¾ [الأنعام]، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، [وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى ضَرِّكَ أَوْ نَفْعِكَ لَا يَضُرُّونَكَ وَلَا يَنْفَعُونَكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ](ظ¢)»(ظ£) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ».
â–* تنبيه واستدراك:
قد تقدَّمَتِ الملاحظةُ السابقة؛ وعليه فإنَّ المُراد بتوحيدِ الألوهية إنما هو: الإقرارُ المُتضمِّنُ للعلم والاعترافِ بأنَّ اللهَ ذو الألوهيةِ والمعبوديةِ على خَلْقِه أجمعين، ويَتحقَّقُ هذا التوحيدُ بإفرادِ الله تعالى بالعبادة، واستحقاقِه لها كُلِّها وَحْدَهُ دون سِواهُ: قولًا وفعلًا وقصدًا، بجميعِ أفعالِ عِبادِه: الظاهرةِ والباطنةِ والبدنيةِ والماليةِ التي تَعبَّدَهم بها، سواءٌ كانَتْ عباداتٍ قلبيةً: مِنْ مَحَبَّةٍ وخوفٍ ورجاءٍ وتوكُّلٍ ورغبةٍ ورهبةٍ، أو عباداتٍ قوليةً: مِنْ تكبيرٍ وتسبيحٍ وتهليلٍ وتحميدٍ وقراءةِ قرآنٍ وغيرِها مِنَ الأذكار، أو عباداتٍ فعليةً: مِنْ صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحجٍّ ونذرٍ، وغيرِها مِنْ أنواعِ العبادات المشروعة، وبإخلاصها له وَحْدَهُ طاعةً له وتقرُّبًا إليه.
وتوحيدُ الألوهية يُسمَّى ـ أيضًا ـ ï؛‘ «توحيد العبادة»؛ فهو بالنظر إلى إضافته إلى الله تعالى فهو توحيدُ الألوهية، وبالنظر إلى مَنْ يَتقرَّبُ إليه بهذه العبادةِ مِنَ العابدين فهو توحيدُ عبادةٍ أي: توحيد الله بأفعالِ عِبادِه، ويُسمَّى توحيدُ الألوهية ـ أيضًا ـ: «توحيدَ الإرادةِ والقصد»، و«توحيدَ الطلب».
â—™ الومضة السادسة والعشرون:
â–* وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¥ظ£: «العبدُ لا يخلق أفعالَ نَفْسِه» (ص ظ¨ظ¦):
«وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى فِي رُبُوبِيَّتِهِ: اعْتِقَادُ أَنَّ العَبْدَ لَا يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ؛ فَهُوَ كَمَا(ظ¤) لَمْ يَخْلُقْ ذَاتَهُ وَلَمْ يَخْلُقْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَهُ؛ فَهُوَ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ للهِ: ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ، غَيْرَ أَنَّ لَهُ مُبَاشَرَةً لِأَفْعَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ؛ فَبِذَلِكَ كَانَتْ أَعْمَالًا لَهُ وَكَانَ مَسْئُولًا عَنْهَا وَمُجَازًى عَلَيْهَا، وَتِلْكَ المُبَاشَرَةُ هِيَ كَسْبُهُ وَاكْتِسَابُهُ؛ فَيُسَمَّى العَبْدُ: عَامِلًا وَكَاسِبًا وَمُكْتَسِبًا، وَلَا يُسَمَّى خَالِقًا؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟هَلغ، مِنغ، خَظ°لِقٍ غَيغ،رُ ظ±للَّهِï´¾ [فاطر: ظ£]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟لَهَا مَا كَسَبَتغ، وَعَلَيغ،هَا مَا ظ±كغ،تَسَبَتغ،ï´¾ [البقرة: ظ¢ظ¨ظ¦]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟فَمَن يَعغ،مَلغ، مِثغ،قَالَ ذَرَّةٍ خَيغ،رظ—ا يَرَهُغ¥ ظ§ وَمَن يَعغ،مَلغ، مِثغ،قَالَ ذَرَّةظ– شَرّظ—ا يَرَهُغ¥ ظ¨ï´¾ [الزلزلة]».
â–* تنبيه واستدراك:
والمُصنِّفُ رحمه الله ـ بعد تقريرِه لمذهب السلف مِنْ جهةِ خَلْقِ الله للأفعال الاختيارية للعبد ـ يُقرِّرُ مذهبَهم ـ أيضًا ـ مِنْ جهةِ أثرِ قدرة العبد في الفعل، وهو أنَّ العبد ـ مؤمنًا كان أو كافرًا، بَرًّا أو فاجرًا ـ غيرُ مسلوبِ الإرادةِ والمَشيئة، بل هو فاعلٌ حقيقةً، وأفعالُه مخلوقةٌ لله، وله مُباشَرةٌ لأفعاله بإرادته ومَشيئتِه واختيارِه، قال تعالى: ï´؟وَقُلِ ظ±لغ،حَقُّ مِن رَّبِّكُمغ،غ– فَمَن شَاظ“ءَ فَلغ،يُؤغ،مِن وَمَن شَاظ“ءَ فَلغ،يَكغ،فُرغ،ï´¾ [الكهف: ظ¢ظ©]، وأَثْبَتَ اللهُ تعالى العملَ والفعلَ للمُكلَّفِ في آياتٍ عديدةٍ منها: قولُه تعالى: ï´؟مَنغ، ءَامَنَ بِظ±للَّهِ وَظ±لغ،يَوغ،مِ ظ±لغ،أظ“خِرِ وَعَمِلَ صَظ°لِحظ—ا فَلَهُمغ، أَجغ،رُهُمغ، عِندَ رَبِّهِمغ،ï´¾ [البقرة: ظ¦ظ¢]، وقولُه تعالى: ï´؟يَوغ،مَ تَجِدُ كُلُّ نَفغ،سظ– مَّا عَمِلَتغ، مِنغ، خَيغ،رظ– مُّحغ،ضَرظ—اï´¾ [آل عمران: ظ£ظ*]، وقولُه تعالى: ï´؟لَهَا مَا كَسَبَتغ، وَلَكُم مَّا كَسَبغ،تُمغ،غ– وَلَا تُسغ،‍ظ”َلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعغ،مَلُونَ ظ،ظ£ظ¤ï´¾ [البقرة: ظ،ظ£ظ¤، ظ،ظ¤ظ،].
وقد يُضافُ العملُ إلى الإنسان الفردِ المُخاطَبِ إضافةَ ملكيةٍ كما في قوله تعالى: ï´؟لَئِنغ، أَشغ،رَكغ،تَ لَيَحغ،بَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ظ±لغ،خَظ°سِرِينَ ظ¦ظ¥ï´¾ [الزُّمَر]، وقد يُضافُ العملُ إلى الجماعةِ كقوله تعالى: ï´؟كَذَظ°لِكَ يُرِيهِمُ ظ±للَّهُ أَعغ،مَظ°لَهُمغ، حَسَرَظ°تٍ عَلَيغ،هِمغ،ï´¾ [البقرة: ظ،ظ¦ظ§]، وقولِه تعالى: ï´؟ظ±للَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمغ،غ– لَنَاظ“ أَعغ،مَظ°لُنَا وَلَكُمغ، أَعغ،مَظ°لُكُمغ،ï´¾ [الشورى: ظ،ظ¥]، وقولِه تعالى: ï´؟وَقُلِ ظ±عغ،مَلُواْ فَسَيَرَى ظ±للَّهُ عَمَلَكُمغ، وَرَسُولُهُغ¥ وَظ±لغ،مُؤغ،مِنُونَï´¾ [التوبة: ظ،ظ*ظ¥]؛ فدلَّتْ هذه الآياتُ على أنَّ العبد فاعلٌ على الحقيقة، وأنَّ له مَشيئةً واختيارًا على فِعْلِه بعد مَشيئةِ الله تعالى؛ لقولِه تعالى: ï´؟وَمَا تَشَاظ“ءُونَ إِلَّاظ“ أَن يَشَاظ“ءَ ظ±للَّهُï´¾ [الإنسان: ظ£ظ*؛ التكوير: ظ¢ظ©].
ويُؤكِّدُ ذلك ـ أيضًا ـ قولُه تعالى: ï´؟فَمَن يَعغ،مَلغ، مِثغ،قَالَ ذَرَّةٍ خَيغ،رظ—ا يَرَهُغ¥ ظ§ وَمَن يَعغ،مَلغ، مِثغ،قَالَ ذَرَّةظ– شَرّظ—ا يَرَهُغ¥ ظ¨ï´¾ [الزلزلة]؛ فأضافَ اللهُ سبحانه عَمَلَ الخيرِ والشرِّ إلى العبد على الحقيقة؛ فدلَّ على أنه مِنْ كَسْبِه وعَمَلِه الذي يُجازى به، وقولُه تعالى: ï´؟لَا يُكَلِّفُ ظ±للَّهُ نَفغ،سًا إِلَّا وُسغ،عَهَاغڑ لَهَا مَا كَسَبَتغ، وَعَلَيغ،هَا مَا ظ±كغ،تَسَبَتغ،ï´¾ [البقرة: ظ¢ظ¨ظ¦]؛ فأَثْبَتَ اللهُ تعالى للعبد عملًا وكسبًا وهو مِنْ فِعْلِه حقيقةً؛ إذ الكسبُ هو الفعلُ الذي يعود على فاعِلِه منه نَفْعٌ أو ضررٌ(ظ¥).
وهذا هو المرادُ بالكسب عند المصنِّف ـ رحمه الله ـ، وليس هو «الكسبَ» عند الأشعريِّ الذي رام التوسُّطَ بين الجبرية والقدرية؛ فأَحْدث «نظريةَ الكسب» التي لم يُعْرَفِ القولُ بها إلَّا في زمنه، تلك النظريةُ التي حيَّرَتِ الأفهامَ في تصوُّرها واضطربَتِ الأقوالُ في التعبير عنها، ومَفادُها: أنَّ الكسب هو الاقترانُ العاديُّ بين قدرة العبد الحادثة وفعلِه الواقع بقدرة الله وحدها، وتوضيحُ ذلك أنَّ الأشاعرةَ يُثْبِتُون أنَّ أفعالَ العبدِ مخلوقةٌ لله تعالى، وهي مع كونها خَلْقَ اللهِ فهي مِنْ كَسْبِ العبد، غيرَ أنَّ أفعالَ العبدِ واقعةٌ ـ عندهم ـ بقُدْرةِ الله وَحْدَها، وللعبدِ قدرةٌ لا تأثيرَ لها فيها، أي: أنَّ العبدَ كاسبٌ وليس بفاعلٍ حقيقةً، والفعلُ يُوجَدُ عند القدرةِ لا بها، وإنما فاعلُ فِعْلِ العبدِ هو اللهُ تعالى، وعَمَلُ العبدِ ليس فعلًا للعبد، بل هو كَسْبٌ له، وإنما هو مِنْ فِعْلِ الله فقط، والخالقُ قَرَنَ القدرةَ بالمقدورِ بمُجرَّدِ الاقترانِ العاديِّ لا لسببٍ ولا لحكمةٍ أصلًا.
والذي جَرَّ الأشاعِرةَ إلى تعطيلِ تأثيرِ القدرةِ الحادثةِ في الفعل هو: اعتقادُهم بأنَّ الأفعالَ ذواتٌ، ولا يَقْدِرُ على الذواتِ إلَّا اللهُ؛ الأمرُ الذي دَفَعَهم إلى عَدَمِ التفريقِ بين الخَلْقِ والفعل، ويقولون: إنَّ الخَلْقَ هو المخلوقُ، والفعلَ هو المفعولُ؛ فنَسَبُوا الخَلْقَ والفعل لله تعالى؛ لأنَّ الفعلَ ـ عندهم ـ هو المفعولُ؛ فامتنع ـ مع هذا ـ أَنْ يكون فعلًا للعبد؛ لئلَّا يكون فعلٌ واحدٌ له فاعلان؛ لذلك لم ينسبوا للعبد إلَّا كسبًا لا يُعْقَلُ.
ولا يخفى أنَّ إثباتَ قدرةٍ لا أَثَرَ لها في الفعل إنما هو ـ في حقيقةِ الأمر ـ نفيٌ للقدرة أصلًا؛ فوجودُها وعَدَمُها سواءٌ، كما أنَّ المُتقرِّرَ عند جماهيرِ المسلمين أنَّ الأفعالَ صفاتٌ وأحوالٌ وليسَتْ ذواتٍ(ظ¦).
وقد استنكر العُلَماءُ وكذا أعلامُ المذهب الأشعريِّ كالباقلَّانيِّ والجوينيِّ وغيرِهما الكسبَ الذي قال به الأشاعرةُ؛ لأنه قولٌ حادثٌ لم يُعْرَفْ إلَّا في زمن الأشعريِّ بعد انقضاء القُرون الثلاثة المفضَّلة، وعَدُّوهُ قولًا مُتناقِضًا لا حقيقةَ له ولا حاصِلَ تحته وغيرَ معقولٍ؛ إذ لا يُوجَدُ فَرْقٌ معقولٌ بين الفعلِ الذي نَفَوْهُ عن العبد والكسبِ الذي أَثْبَتُوه له، وقولُهم في الكسب ـ عند التحقيق ـ لا يخرج عن مَقالةِ الجهميةِ والجبرية؛ لذلك قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في مَعْرِضِ بيانِ الكسبِ عند الأشاعِرة: «وهُمْ لا يقولـون به، بل قدرةُ العبدِ ـ عندهم ـ لا تَتعلَّقُ إلَّا بفعلٍ في مَحَلِّها، مع أنها ـ عند شيخِهم ـ غيرُ مُؤثِّرةٍ في المقدور، ولا يقول: إنَّ العبدَ فاعلٌ ـ في الحقيقة ـ بل كاسبٌ، ولم يذكروا بين الكسبِ والفعلِ فَرْقًا معقولًا، بل حقيقةُ قولهم قولُ جهـمٍ: إنَّ العبدَ لا قُدْرَةَ لـه ولا فِعْلَ ولا كَسْبَ، واللهُ ـ عندهم ـ فاعِلُ فِعْلِ العبد، وفِعْلُه هو نَفْسُ مفعولِه؛ فصارَ الربُّ ـ عندهم ـ فاعلًا لكُلِّ ما يُوجَدُ مِنْ أفعال العباد؛ ويَلْزَمُهم أَنْ يكونَ هو الفاعلَ للقبائح، وأَنْ يَتَّصِفَ بها على قولهم: إنه يُوصَفُ بالصفات الفعلية القائمةِ بغيره»(ظ§).
وفي رَدِّه ـ رحمه الله ـ على الأشاعِرةِ الذين أَثْبَتُوا في المخلوقات والطبائعِ قُوًى غيرَ مُؤثِّرةٍ أضافَ ـ رحمه الله ـ قائلًا: «ومَنْ قال: إنَّ قدرةَ العبدِ وغيرَها مِنَ الأسبابِ التي خَلَقَ اللهُ تعالى بها المخلوقاتِ ليسَتْ أسبابًا، أو أنَّ وجودَها كعدَمِها وليس هناك إلَّا مجرَّدُ اقترانٍ عاديٍّ كاقترانِ الدليل بالمدلول؛ فقَدْ جَحَدَ ما في خَلْقِ الله وشَرْعِه مِنَ الأسبابِ والحِكَم، ولم يجعل في العَيْنِ قوَّةً تمتازُ بها عن الخدِّ تُبْصِرُ بها، ولا في القلب قوَّةً يمتازُ بها عن الرِّجْلِ يعقـل بها، ولا في النارِ قوَّةً تمتازُ بها عن التراب تُحْرِقُ بها، وهؤلاء يُنْكِرون ما في الأجسام المطبوعةِ مِنَ الطبائع والغرائز .. ثمَّ إنَّ هؤلاء يقولون: لا ينبغي للإنسان أَنْ يقول: إنه شَبِعَ بالخبز ورَوِيَ بالماء، بل يقول: شَبِعْتُ عنده ورَوِيتُ عنده؛ فإنَّ اللهَ يخلق الشِّبَعَ والرِّيَّ ونحوَ ذلك مِنَ الحوادثِ عند هذه المُقْتَرِناتِ بها عادةً لا بها، وهذا خلافُ الكتابِ والسنَّة؛ فإنَّ الله تعالى يقول: ï´؟وَهُوَ ظ±لَّذِي يُرغ،سِلُ ظ±لرِّيَظ°حَ بُشغ،رَغ¢ا بَيغ،نَ يَدَيغ، رَحغ،مَتِهِغ¦غ– حَتَّىظ°ظ“ إِذَاظ“ أَقَلَّتغ، سَحَابظ—ا ثِقَالظ—ا سُقغ،نَظ°هُ لِبَلَدظ– مَّيِّتظ– فَأَنزَلغ،نَا بِهِ ظ±لغ،مَاظ“ءَ فَأَخغ،رَجغ،نَا بِهِغ¦ مِن كُلِّ ظ±لثَّمَرَظ°تِï´¾ [الأعراف: ظ¥ظ§] الآية، وقال تعالى: ï´؟وَمَاظ“ أَنزَلَ ظ±للَّهُ مِنَ ظ±لسَّمَاظ“ءِ مِن مَّاظ“ءظ– فَأَحغ،يَا بِهِ ظ±لغ،أَرغ،ضَ بَعغ،دَ مَوغ،تِهَاï´¾ [البقرة: ظ،ظ¦ظ¤]»(ظ¨).
هذا، ويجدر التنبيهُ على أمرين:
الأوَّل: لا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِ الله تعالى بالفعل ووَصْفِ المخلوق به ـ أيضًا ـ اشتراكُ الخالقِ والمخلوقِ في مُسمَّى الفعلِ بأَنْ يكون فِعْلُ الخالقِ كفعلِ المخلوق، بل فعلُ الله تعالى يخصُّه وفِعْلُ العبدِ يخصُّه، واتِّفاقُهما في اسْمٍ عامٍّ لا يقتضي تَمَاثُلَهما في مُسمَّى ذلك الاسْمِ عند الإضافةِ والتخصيصِ والتقييدِ ولا في غيرِه؛ لأنَّه ما مِنْ شيئين مِنَ الأعيان أو مِنَ الصفات إلَّا وبينهما اشتراكٌ مِنْ بعض الوجوه، وهذا يجري في مَباحِثِ الصفات التي وَصَفَ اللهُ بها نَفْسَه ووَصَفَ بها خَلْقَه(ظ©).
الثاني: وجوبُ التفرقةِ بين فعلِ الله تعالى القائمِ بذاته كالرزق والإماتة والإحياء ونحوِ ذلك، وبين مفعولات الله تعالى التي هي أفعالٌ للعباد مخلوقةٌ لله تعالى مُنْفصِلةٌ عنه قائمةٌ بمَحَلِّها مُبايِنةٌ له سبحانه كالأكل والشرب والطاعة والمعصية وغيرِها؛ فإنَّ هذه الأفعالَ مخلوقةٌ ومُقدَّرةٌ ومَقْضِيَّةٌ لله تعالى، ولا يتَّصِف بها مَنْ خَلَقها وجَعَلها صفةً لغيره، وإنما يَتَّصِفُ بها مَنْ قامَتْ به ومَنْ فَعَلَها بقدرته واختيارِه وهو العبدُ.
ولذلك فرَّق جمهورُ أهلِ السنَّةِ المُتَّبِعون للسلف والأئمَّةِ بين الفعل والمفعول؛ ففِعْلُ العبدِ فِعْلٌ له على الحقيقة، ولكنَّه مخلوقٌ لله ومفعولٌ لله على الحقيقة؛ ويدلُّ عليه قولُه تعالى: ï´؟وَظ±للَّهُ خَلَقَكُمغ، وَمَا تَعغ،مَلُونَ ظ©ظ¦ï´¾ [الصافَّات]؛ فأَخْبَرَ اللهُ تعالى أنه خالقُ العِبادِ وأعمالِهم لا فاعلٌ لها، وإنما أضافَ الفعلَ والعملَ إلى العباد؛ ففِعْلُ العبدِ ليس هو نَفْسَ فعلِ الله؛ لقيامِ الفرق بين الخَلْقِ والمخلوق، والفعلِ والمفعول، قال البخاريُّ ـ رحمه الله ـ: «وقال أهلُ العلم: التخليقُ فِعْلُ الله، وأفاعيلُنا مخلوقةٌ؛ لقوله تعالى: ï´؟وَأَسِرُّواْ قَوغ،لَكُمغ، أَوِ ظ±جغ،هَرُواْ بِهِغ¦ظ“غ– إِنَّهُغ¥ عَلِيمُغ¢ بِذَاتِ ظ±لصُّدُورِ ظ،ظ£ أَلَا يَعغ،لَمُ مَنغ، خَلَقَï´¾ [المُلْك: ظ،ظ£ ـ ظ،ظ¤]، يعني: السرَّ والجهرَ مِنَ القول؛ ففِعْلُ الله صفةُ الله، والمفعولُ غيرُه مِنَ الخَلْق»(ظ،ظ*).
وقد جاء مِنْ كلامِ ابنِ تيمية ـ رحمه الله ـ في شأنِ هذه المسألةِ ما نصُّه: «وأمَّا مَنْ قال: خَلْقُ الربِّ تعالى لمخلوقاته ليس هو نَفْسَ مخلوقاته قال: إنَّ أفعالَ العِبادِ مخلوقةٌ كسائر المخلوقات ومفعولةٌ للربِّ كسائر المفعولات، ولم يَقُلْ: إنها نَفْسُ فِعْلِ الربِّ وخَلْقِه، بل قال: إنها نَفْسُ فِعْلِ العبد؛ وعلى هذا تَزولُ الشبهةُ؛ فإنه يُقالُ: الكذبُ والظلمُ ونحوُ ذلك مِنَ القبائحِ يَتَّصِفُ بها مَنْ كانَتْ فعلًا له كما يفعلها العبدُ وتقوم به، ولا يَتَّصِفُ بها مَنْ كانَتْ مخلوقةً له إذا كان قد جَعَلَها صفةً لغيره، كما أنه ـ سبحانه ـ لا يَتَّصِفُ بما خَلَقَهُ في غيرِه مِنَ الطعومِ والألوانِ والروائح والأشكال والمَقاديرِ والحركات وغيرِ ذلك؛ فإذا كان قد خَلَقَ لَوْنَ الإنسانِ لم يكن هو المتلوِّنَ به، وإذا خَلَقَ رائحةً مُنْتِنةً أو طعمًا مُرًّا أو صورةً قبيحةً ونحوَ ذلك ممَّا هو مكروهٌ مذمومٌ مُسْتقبَحٌ لم يكن هو مُتَّصِفًا بهذه المخلوقاتِ القبيحةِ المذمومةِ المكروهةِ والأفعالِ القبيحة، ومعنى قُبْحِها: كونُها ضارَّةً لفاعِلِها، وسببًا لذَمِّه وعقابِه، وجالبةً لأَلَمِه وعذابِه، وهذا أمرٌ يعود على الفاعلِ الذي قامَتْ به، لا على الخالقِ الذي خَلَقها فعلًا لغيره»(ظ،ظ،).
ويزيد ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ في بَلْوَرَةِ المسألةِ حيث يقول: «فالظلمُ والكفرُ والفسوقُ والعصيانُ وأنواعُ الشرورِ واقعةٌ في مفعولاته المُنْفصِلةِ التي لا يَتَّصِفُ بها دون أفعالِه القائمةِ به، ومَنِ انكشف له هذا المَقامُ فَهِمَ مَعْنَى قولِه: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»(ظ،ظ¢)؛ فهذا الفرقُ العظيمُ يُزيلُ أَكْثَرَ الشُّبَهِ التي حارَتْ لها عقولُ كثيرٍ مِنَ الناسِ في هذا الباب، وهَدَى اللهُ الذين آمَنُوا لِمَا اختلفوا فيه مِنَ الحقِّ بإذنه، واللهُ يهدي مَنْ يَشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ؛ فما في مخلوقاته ومفعولاته تعالى مِنَ الظلمِ والشرِّ فهو بالنسبة إلى فاعِلِه المُكلَّفِ الذي قام به الفعلُ، كما أنه بالنسبة إليه يكون زِنًا وسرقةً وعدوانًا وأكلًا وشُرْبًا ونكاحًا؛ فهو الزاني السارقُ الآكلُ الناكح، واللهُ خالقُ كُلِّ فاعلٍ وفِعْلِه، وليسَتْ نسبةُ هذه الأفعالِ إلى خالِقِها كنسبتها إلى فاعِلِها الذي قامَتْ به، كما أنَّ نسبةَ صفاتِ المخلوقِينَ إليه كطوله وقِصَرِه وحُسْنِه وقُبْحِه وشَكْلِه ولَوْنِه ليسَتْ كنسبتها إلى خالِقِها فيه؛ فتَأَمَّلْ هذا الموضعَ وأَعْطِ الفرقَ حَقَّه وفَرِّقْ بين النسبتين؛ فكما أنَّ صفاتِ المخلوقِ ليسَتْ صفاتٍ لله بوجهٍ وإِنْ كان هو خالِقَها، فكذلك أفعالُه ليسَتْ أفعالًا لله تعالى ولا إليه وإِنْ كان هو خالِقَها»(ظ،ظ£).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ¢ظ* جمادى الآخرة ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ،ظ© مــــــــارس ظ¢ظ*ظ،ظ§م


(ظ،) أخرجه البخاريُّ في «الأذان» (ظ¢/ ظ£ظ¢ظ¥) بابُ الذِّكْرِ بعد الصلاة، وفي مَواضِعَ أخرى مِنَ الصحيح، ومسلمٌ في «المساجد ومَواضِعِ الصلاة» (ظ¥/ ظ©ظ*) بابُ استحبابِ الذِّكْرِ بعد الصلاة، مِنْ حديثِ المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه.
(ظ¢) ما بين المعقوفين ساقطٌ مِنْ «م.ر».
(ظ£) أخرجه الترمذيُّ في «سننه» في «صفة القيامة» (ظ¤/ ظ¦ظ¦ظ§) باب: (ظ¥ظ©)، وأحمد في «مسنده» (ظ،/ ظ¢ظ©ظ£)، وأبو يعلى في «مسنده» (ظ¤/ ظ¤ظ£ظ*)، والطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (ظ،ظ¢/ ظ¢ظ£ظ¨) و«المعجم الأوسط» (ظ¥/ ظ£ظ،ظ¦) و«الدعاء» (ظ£ظ¤)، والحاكمُ في «المُسْتدرَك» (ظ£/ ظ¥ظ¤ظ،)، وابنُ وهبٍ في «القَدَر» (ظ،ظ£ظ*)، وابنُ أبي عاصمٍ في «السنَّة» (ظ،/ ظ،ظ£ظ¨)، والآجُرِّيُّ في «الشريعة» (ظ،ظ©ظ¨)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. قال الترمذيُّ: «حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ»، والحديثُ صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (ظ¦/ ظ£ظ*ظ*) وفي «صحيح سنن الترمذي» (ظ¢/ ظ¢ظ*ظ© ـ ظ¢ظ،ظ*).
(ظ¤) «م.ر.أ، م.ر.ب»: «مَا»، والصواب ما أثبَتْناه.
(ظ¥) انظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (ظ¥ظ*ظ¢).
(ظ¦) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ¨/ ظ،ظ¢ظ¨، ظ¤ظ¦ظ§)، «إيثار الحقِّ على الخَلْق» لابن الوزير (ظ£ظ،ظ§).
(ظ§) «النُّبُوَّات» لابن تيمية (ظ،/ ظ¤ظ¦ظ،).
(ظ¨) «مجموع الرسائل والمَسائِل» لابن تيمية (ظ¥/ ظ،ظ¥ظ¦).
(ظ©) انظر: «الرسالة التدمرية» لابن تيمية (ظ¨ وما بعدها).
(ظ،ظ*) «خَلْق أفعال العباد» للبخاري (ظ،ظ،ظ£).
(ظ،ظ،) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ¨/ ظ،ظ¢ظ£).
(ظ،ظ¢) جزءٌ مِنْ حديثٍ رواهُ مسلمٌ في «صلاة المسافرين وقَصْرِها» (ظ¦/ ظ¥ظ§ ـ ظ¦ظ*) بابُ صلاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ودعائِه في الليل، مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه.
(ظ،ظ£) «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (ظ£/ ظ¨).










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:33   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ـ الحلقة الثامنة ـ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
ففي هذه السلسلة التوضيحية أُواصِلُ متابعةَ فصولِ عقيدة الإيمان بالقَدَر مِنَ «العقائد الإسلامية» للإمام ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ بالتنبيهات والاستدراكات على ما يأتي:
â—™ الومضة السابعة والعشرون:
â–* قول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¥ظ¦: «معنى القَدَر» (ص ظ©ظ*):
«.. وَقَدَرُ اللهِ تَعَالَى هُوَ: تَعَلُّقُ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ ـ أَزَلًا ـ بِالكَائِنَاتِ كُلِّهَا قَبْلَ وُجُودِهَا؛ فَلَا حَادِثَ إِلَّا وَقَدْ قَدَّرَهُ اللهُ تَعَالَى، أَيْ: سَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ وَتَقَدَّمَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ؛ فَكُلُّ حَادِثٍ فَهُوَ حَادِثٌ عَلَى وَفْقِ مَا سَبَقَ بِهِ عِلْمُ اللهِ وَمَضَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟إِنَّا كُلَّ شَيغ،ءٍ خَلَقغ،نَظ°هُ بِقَدَرظ– ظ¤ظ©ï´¾ [القمر]، وَقَوْلِهِ: ï´؟وَكَانَ أَمغ،رُ ظ±للَّهِ قَدَرظ—ا مَّقغ،دُورًا ظ£ظ¨ï´¾ [الأحزاب]، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ: خَيْرِهِ وِشِرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ»(ظ،)».
â–* تنبيه واستدراك:
عرَّف المُصنِّفُ ـ رحمه الله ـ القَدَرَ ـ في الشرع ـ بأنه: تَعلُّقُ عِلْمِه ـ سبحانه ـ وإرادتِه ـ أَزَلًا ـ بالكائنات قبل وجودها، أي: أنَّ الله ـ تعالى ـ عَلِمَ مَقادِيرَ الأشياءِ وحالاتِها وأَمْكِنتَها وأَزْمِنتَها قبل إيجادِها وكونِها، وكَتَبها قبل خَلْقِها ـ وهو معنى القَدَرِ ـ ثمَّ أَوْجَدَ اللهُ ما سَبَقَ في عِلْمِه أنه يُوجَدُ مِنَ الحوادث والخلائق على وَفْقِ ما قدَّرهُ اللهُ لها ومَضَتْ إرادتُه بها ـ وهو معنى القضاءِ ـ. فكُلُّ ما خَلَقه اللهُ تعالى مِنَ الحوادث والكائنات صادرٌ عن عِلْمِه ـ سبحانه ـ وإرادتِه وقُدْرتِه.
والمُصنِّفُ رحمه الله ـ في تعريفه ـ تَنَاوَلَ معنى القَدَرِ وهو ما قدَّره اللهُ في الأَزَلِ أَنْ يكون، بناءً على عِلْمِه السابقِ للأشياء قبل إيجادها، وكتابتِه لها قبل خَلْقِها، وتَناوَلَ ـ أيضًا ـ معنى القضاء، وهو ما قضى اللهُ به في خَلْقه مِنْ إيجادٍ أو إعدامٍ أو تغييرٍ على وَفْقِ ما قدَّرهُ اللهُ بعِلْمِه وإرادته وقدرته.
فإذَنْ، القَدَرُ والقضاءُ مُتبايِنان في المعنى مِنْ حيث الأصلُ اللغويُّ والوضعُ الشرعيُّ، فإذا اجتمعا افترقا؛ لأنَّ لكُلٍّ منهما معنًى مُغايِرًا للآخَر، إلَّا أنَّ بينهما ارتباطًا تلازميًّا مُتداخِلًا لا انفكاكَ لأَحَدِهما عن الآخَر؛ فإذا ذُكِرَ أَحَدُهما شَمِلَ الآخَرَ؛ فهُمَا ـ بهذا الاعتبارِ ـ مُترادِفان إذا افترقا.
ولا يخفى أنَّ الله عالمٌ ـ في الأزل ـ بالأشياء قبل وجودها على ما ستكون عليه في المُستقبَل، وهو مريدٌ لكُلِّ ما عَلِم ـ في الأزل ـ أنه كائنٌ، فخَلَق اللهُ سبحانه كُلَّ شيءٍ وَفْقَ علمه ومشيئته، ولا يكون ذلك إلَّا بصفة القدرة؛ فكان القَدَرُ متعلِّقًا بصفة العلم والإرادة والقدرة والخلق.
غير أنَّ الذي يجدر التنبيهُ عليه أنَّ عبارةَ المصنِّف ـ رحمه الله ـ في قوله: «وَقَدَرُ اللهِ تَعَالَى هُوَ: تَعَلُّقُ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ ـ أَزَلًا ـ بِالكَائِنَاتِ كُلِّهَا قَبْلَ وُجُودِهَا» تُبيِّن أنَّ الله تعالى إِنْ قدَّرها فقَدْ عَلِم ما سيفعله وأراد فِعْلَه في الوقت المُستقبَل، وهذا أزليٌّ لأنَّ الإرادة تتبع العلمَ، ولم يَزَلِ اللهُ مُريدًا؛ فنوعُ الإرادة ذاتيٌّ أزليٌّ، وهو ما يُسمَّى بالعزم، غير أنَّ الذي أراده في الوقت المُستقبَل لم يُرِدْ فِعْلَه في تلك الحال إلَّا بعد حلولِ وقته، فإذا جاء وقتُه أراد فِعْلَه؛ فهذه الإرادةُ تُسمَّى قصدًا، مثل قوله تعالى: ï´؟إِنَّمَاظ“ أَمغ،رُهُغ¥ظ“ إِذَاظ“ أَرَادَ شَيغ،‍ظ”ًا أَن يَقُولَ لَهُغ¥ كُن فَيَكُونُ ظ¨ظ¢ï´¾ [يس]، وقولِه: ï´؟فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبغ،لُغَاظ“ أَشُدَّهُمَا وَيَسغ،تَخغ،رِجَا كَنزَهُمَاï´¾ [الكهف: ظ¨ظ¢]، وقولِه: ï´؟وَإِذَاظ“ أَرَدغ،نَاظ“ أَن نُّهغ،لِكَ قَرغ،يَةً أَمَرغ،نَا مُتغ،رَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيغ،هَا ظ±لغ،قَوغ،لُ فَدَمَّرغ،نَظ°هَا تَدغ،مِيرظ—ا ظ،ظ¦ï´¾ [الإسراء]، ï´؟وَإِذَاظ“ أَرَادَ ظ±للَّهُ بِقَوغ،مظ– سُوظ“ءظ—ا فَلَا مَرَدَّ لَهُغ¥ï´¾ [الرعد: ظ،ظ،]، ï´؟وَإِن يَمغ،سَسغ،كَ ظ±للَّهُ بِضُرّظ– فَلَا كَاشِفَ لَهُغ¥ظ“ إِلَّا هُوَغ– وَإِن يُرِدغ،كَ بِخَيغ،رظ– فَلَا رَاظ“دَّ لِفَضغ،لِهِغ¦ï´¾ [يونس: ظ،ظ*ظ§]، وغيرها مِنَ الآيات؛ فظهر فرقٌ بين نوع الإرادة فهو قديمٌ، وإرادةِ الشيء بعينه فإنما يريده في وقته؛ لأنَّ الله لم يَزَلْ مريدًا بإراداتٍ متعاقبةٍ، وليس بإرادةٍ قديمةٍ أزليةٍ واحدةٍ يتجدَّد تعلُّقُها بالمراد، ونسبتُها إلى الجميع واحدةٌ كما يذهب إليه ابنُ كُلَّابٍ والأشعريُّ ومَنْ تابَعَهما، وفي هذا المعنى قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ محقِّقًا مسألةَ إرادةِ اللهِ الشيءَ المعيَّنَ وفعلِه بإراداتٍ متعاقبةٍ بما نصُّه: «أنه لم يَزَلْ مريدًا بإراداتٍ مُتعاقِبةٍ؛ فنوعُ الإرادة قديمٌ، وأمَّا إرادةُ الشيء المعيَّنِ فإنما يريده في وقته، وهو سبحانه يقدِّر الأشياءَ ويكتبها ثمَّ ـ بعد ذلك ـ يخلقها؛ فهو إذا قدَّرها عَلِم ما سيفعله وأراد فِعْلَه في الوقت المُستقبَل، لكِنْ لم يُرِدْ فِعْلَه في تلك الحال، فإذا جاء وقتُه أراد فِعْلَه؛ فالأوَّلُ عزمٌ والثاني قصدٌ. وهل يجوز وصفُه بالعزم؟ فيه قولان: أحَدُهما: المنعُ كقول القاضي أبي بكرٍ والقاضي أبي يعلى؛ والثاني: الجواز وهو أصحُّ؛ فقَدْ قَرَأ جماعةٌ مِنَ السلف: «فإذا عُزِمْتَ فتوكَّلْ على اللَّه» بالضمِّ، وفي الحديث الصحيح مِنْ حديثِ أمِّ سَلَمة: «ثمَّ عَزَم الله لي»(ظ¢)، وكذلك في خطبةِ مسلمٍ: «فعُزِم لي»(ظ£)، وسواءٌ سُمِّيَ «عزمًا» أو لم يُسَمَّ فهو سبحانه إذا قدَّرها عَلِم أنه سيفعلها في وقتها وأراد أَنْ يفعلها في وقتها، فإذا جاء الوقتُ فلا بُدَّ مِنْ إرادة الفعل المعيَّن ونفسِ الفعل، ولا بُدَّ مِنْ علمه بما يفعله، ثمَّ الكلام في علمِه بما يفعله: هل هو العلمُ المتقدِّمُ بما سيفعله، وعلمِه بأَنْ قد فَعَله: هل هو الأوَّل؟ فيه قولان معروفان، والعقلُ والقرآن يدلُّ على أنه قَدْرٌ زائدٌ كما قال: «لنعلم» في بضعةَ عَشَرَ موضعًا، وقال ابنُ عبَّاسٍ: «إلَّا لنرى»؛ وحينئذٍ فإرادةُ المعيَّن تترجَّح لعلمِه بما في المعيَّن مِنَ المعنى المرجِّح لإرادته؛ فالإرادةُ تتبع العلمَ، وكونُ ذلك المعيَّن متَّصِفًا بتلك الصفاتِ المرجِّحة إنما هو في العلم والتصوُّر، ليس في الخارج شيءٌ؛ ومِنْ هنا غَلِط مَنْ قال: «المعدوم شيءٌ» حيث أثبتوا ذلك المرادَ في الخارج، ومَنْ لم يُثْبِته شيئًا في العلم أو كان ليس عنده إلَّا إرادةٌ واحدةٌ وعلمٌ واحدٌ، ليس للمعلومات والمراداتِ صورةٌ علميةٌ عند هؤلاء؛ فهؤلاء نَفَوْا كونَه شيئًا في العلم والإرادة، وأولئك أثبتوا كونَه شيئًا في الخارج، وتلك الصورة العلمية الإرادية حدثَتْ بعد أَنْ لم تكن، وهي حادثةٌ بمشيئته وقدرته، كما يُحْدِثُ الحوادثَ المُنفصِلةَ بمشيئته وقدرته، فيقدِّر ما يفعله ثمَّ يفعله؛ فتخصيصُها بصفةٍ دون صفةٍ وقدرٍ دون قدرٍ هو للأمور المُقتضِيةِ لذلك في نفسه؛ فلا يريد إلَّا ما تقتضي نفسُه إرادتَه بمعنًى يقتضي ذلك، ولا يرجِّح مرادًا على مرادٍ إلَّا لذلك، ولا يجوز أَنْ يرجِّح شيئًا لمجرَّدِ كونه قادرًا؛ فإنه كان قادرًا قبل إرادته وهو قادرٌ على غيره؛ فتخصيصُ هذا بالإرادة لا يكون بالقدرة المُشترَكة بينه وبين غيره، ولا يجوز ـ أيضًا ـ أَنْ تكون الإرادةُ تخصِّصُ مِثْلًا على مِثْلٍ بلا مخصِّصٍ، بل إنما يريد المريدُ أحَدَ الشيئين دون الآخَرِ لمعنًى في المريد، والمراد: لا بُدَّ أَنْ يكون المريدُ إلى ذلك أَمْيَلَ وأَنْ يكون في المراد ما أَوْجبَ رجحانَ ذلك الميل»(ظ¤).
â—™ الومضة الثامنة والعشرون:
â–* وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¦ظ،: «الحكمة والعدل في القَدَر» (ص ظ©ظ¦):
«القَدَرُ كُلُّهُ عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ؛ فَمَا يُصِيبُ العِبَادَ فَهُوَ جَزَاءُ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ تُدْرَكُ حِكْمَةُ القَدَرِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ وَقَدْ تَخْفَى؛ لِأَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الحَكِيمَ: وَقَدْ وَرَدَ فِي الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ الكَثِيرَةِ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: العَدْلَ: قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الأَسْمَاءِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ؛ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الكَرْبِ: «عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ»(ظ¥)، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وَمَاظ“ أَصَظ°بَكُم مِّن مُّصِيبَةظ– فَبِمَا كَسَبَتغ، أَيغ،دِيكُمغ، وَيَعغ،فُواْ عَن كَثِيرظ– ظ£ظ*ï´¾ [الشورى]».
â–* تنبيه واستدراك:
قوله: «حديث الأسماء عند الترمذي»: قد أخرجه الترمذيُّ في «الدعَوَات» (ظ¥/ ظ¥ظ£ظ*) باب (ظ¨ظ£)، والحاكمُ في «المُسْتدرَك» في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ¦)، وابنُ حِبَّان في «صحيحه» في «الأذكار» (ظ£/ ظ¨ظ¨) ذِكْرُ تفصيلِ الأسامي التي يُدْخِلُ اللهُ مُحْصِيَها الجنَّةَ، وابنُ منده في «التوحيد» (ظ¢/ ظ¢ظ*ظ¥)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (ظ،ظ*/ ظ¢ظ§) في «الإيمان» بابُ أسماءِ الله ـ عزَّ وجلَّ ثناؤُه ـ وفي «الاعتقاد» (ظ،ظ¨) بابُ ذِكْرِ أسماءِ الله وصِفاتِه، وفي «الأسماء والصفات» (ظ،/ ظ¢ظ¨) بابُ بيانِ الأسماء التي مَنْ أَحْصاها دَخَلَ الجنَّةَ، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (ظ¥/ ظ£ظ¢) في «الدعَوَات» بابُ أسماءِ الله ـ سبحانه وتعالى ـ مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ للهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ، هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، المَلِكُ القُدُّوسُ ...» الحديث، وذَكَرَ منها «العَدْلَ» و«الحكيم».
وأصلُ الحديثِ ثابتٌ في الصحيحين بدونِ سَرْدٍ لأسماءِ الله تعالى؛ فقَدْ أخرجه البخاريُّ في «الشروط» (ظ¥/ ظ£ظ¥ظ¤) بابُ ما يجوز مِنَ الاشتراط والثُّنْيا في الإقرار، وفي «الدعَوَات» (ظ،ظ،/ ظ¢ظ،ظ¤) باب: لله مائةُ اسْمٍ غيرَ واحدةٍ، وفي «التوحيد» (ظ،ظ£/ ظ£ظ§ظ§) باب: إنَّ لله مائةَ اسْمٍ إلَّا واحدةً، ومسلمٌ في «الذِّكْر والدعاء» (ظ،ظ§/ ظ¥) بابٌ في أسماء الله تعالى وفضلِ مَنْ أَحْصاها.
هذا، والحديثُ فيه اختلافٌ شديدٌ في سَرْدِ الأسماء: هل هو مرفوعٌ أو مُدْرَجٌ في الخبر مِنْ بعضِ الرُّواة، وقد ذَهَبَ أَكْثَرُ الحُفَّاظ إلى أنَّ تعيين الأسماءِ في الحديثِ لا يَثْبُتُ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنما هو مُدْرَجٌ مِنْ بعضِ السلف أو الرُّواة، ونُقِلَ عن الداوديِّ أنه قال: «لم يَثْبُتْ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عيَّن الأسماءَ المذكورة»، وقال ابنُ العربيِّ ـ رحمه الله ـ: «يحتمل أَنْ تكون الأسماءُ تكملةَ الحديثِ المرفوع، ويحتمل أَنْ تكون مِنْ جمعِ بعض الرُّواة وهو الأَظْهَرُ عندي»(ظ¦).
وإلى هذا ذَهَبَ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ مُقَرِّرًا له في «مجموع الفتاوى» (ظ¦/ ظ£ظ§ظ© ـ ظ£ظ¨ظ*، ظ¨/ ظ©ظ¦، ظ¢ظ¢/ ظ¤ظ¨ظ¢)، وقال ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ: «الذي عوَّل عليه جماعةٌ مِنَ الحُفَّاظ أنَّ سَرْدَ الأسماءِ في هذا الحديثِ مُدْرَجٌ فيه»(ظ§).
كما أكَّد ذلك ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ بقوله: «وإذا تَقرَّرَ رجحانُ أنَّ سَرْدَ الأسماءِ ليس مرفوعًا فقَدِ اعتنى جماعةٌ بتَتَبُّعِها مِنَ القرآن مِنْ غيرِ تقييدٍ بعددٍ»(ظ¨)، وبقوله: «والتحقيقُ أنَّ سَرْدَها إدراجٌ مِنْ بعضِ الرُّواة»(ظ©).
وعلَّق الصنعانيُّ ـ رحمه الله ـ على كلامِ ابنِ حجرٍ ـ رحمه الله ـ بقوله: «اتَّفَقَ الحُفَّاظُ مِنْ أئمَّةِ الحديثِ أنَّ سَرْدَها إدراجٌ مِنْ بعضِ الرُّواة»(ظ،ظ*).
والحديث ضعَّفه الألبانيُّ بسَرْدِ الأسماءِ في «ضعيف الجامع» (ظ¢/ ظ،ظ§ظ¨) وفي «ضعيف سنن الترمذي» (ظ¤ظ*ظ©).
هذا، وقد ذَهَبَ آخَرون إلى تصحيحِ روايةِ الترمذيِّ التي عوَّل عليها غالِبُ مَنْ شَرَحَ الأسماءَ الحُسْنى كابنِ منده والبيهقيِّ وغيرِهما، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «... فمَشَى كثيرٌ منهم على الأوَّل [أي: أنَّ سَرْدَ الأسماءِ مرفوعٌ]، واستدلُّوا به على جوازِ تسميةِ اللهِ تعالى بما لم يَرِدْ في القرآنِ بصيغةِ الاسم؛ لأنَّ كثيرًا مِنْ هذه الأسماءِ كذلك»(ظ،ظ،).
وممَّنْ صحَّح الحديثَ ابنُ حِبَّان والحاكمُ، وحسَّنه النوويُّ في «الأذكار» (ظ©ظ¤)، وأيَّدهُ الشوكانيُّ في «تحفة الذاكرين» (ظ§ظ*)، وردَّ على مَقالةِ ابنِ كثيرٍ بقوله: «ولا يَخْفاكَ أنَّ هذا العددَ قد صحَّحه إمامان وحسَّنه إمامٌ؛ فالقولُ بأنَّ بعضَ أهلِ العلمِ جَمَعَها مِنَ القرآنِ غيرُ سديدٍ، ومجرَّدُ بلوغِ واحدٍ أنه رَفَعَ ذلك لا يَنْتهِضُ لمُعارَضةِ الروايةِ ولا تُدْفَعُ الأحاديثُ بمِثْلِه، وأمَّا الحديثُ الذي ذَكَرَهُ [أي: ابنُ كثيرٍ] عن الإمام أحمد(ظ،ظ¢) فغايتُه أنَّ الأسماءَ الحُسْنى أَكْثَرُ مِنْ هذا المقدار، وذلك لا يُنافي كونَ هذا المقدارِ هو الذي وَرَدَ الترغيبُ في إحصائه وحِفْظِه، وهذا ظاهرٌ مكشوفٌ لا يخفى».
وعليه، فمَنْ صحَّح الروايةَ المشهورة عن الوليد بنِ مسلمٍ عن شعيب ابنِ أبي حمزة عند الترمذيِّ فإنه أَثْبَتَ اسْمَ: «العَدْلِ» وأَحْصاهُ مِنْ أسماءِ الله الحُسْنى كإحصاءِ ابنِ منده وابنِ العربيِّ والبيهقيِّ، ومَنْ حَكَمَ على هذه الروايةِ وبقيَّةِ الروايات الأخرى في سَرْدِ الأسماء الحُسْنى بالضعف: إمَّا مِنْ جهةِ السند أو المتن أو كِلَيْهما فإنه لم يَثْبُتْ هذا الاسْمُ عنده؛ لأنَّ أسماء اللهِ لا تَثْبُتُ إلَّا بنصٍّ، ولم يَصِحَّ حديثٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حَصْرِ الأسماء بعددٍ مُعيَّنٍ، ولا في تعيينِ الأسماءِ الواردِ فضلُها ممَّا يمكن أَنْ يُحْتَجَّ به، وإِنْ وَرَدَ ذلك الاسْمُ في الصفةِ إلَّا أنه يدلُّ على معنًى قائمٍ بالذات فقط ولا يُشْتَقُّ الاسْمُ مِنْ تلك الصفة.
علمًا بأنه رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال في دعائه: «اللَّهُمَّ أَنْتَ العَدْلُ فِي قَضَائِكَ»(ظ،ظ£)، وسُمِّيَ بالعَدْل لعدوله عن الجَوْر إلى القصد؛ فاللهُ تعالى عادلٌ في أحكامه وقضائه عن الظلم والجَوْر، وأفعالُه حَسَنةٌ على غايةٍ مِنَ الكمالِ كما أَخْبَرَ عن نَفْسِه بقوله: ï´؟وَظ±للَّهُ يَقغ،ضِي بِظ±لغ،حَقِّغ– وَظ±لَّذِينَ يَدغ،عُونَ مِن دُونِهِغ¦ لَا يَقغ،ضُونَ بِشَيغ،ءٍï´¾ [غافر: ظ¢ظ*].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ¢ظ* جمادى الآخرة ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ،ظ© مــــــــارس ظ¢ظ*ظ،ظ§م


(ظ،) أخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ¥ظ* ـ ظ،ظ¦ظ*) بابُ بيانِ الإيمان والإسلام والإحسان، وأبو داود في «السنَّة» (ظ¥/ ظ¦ظ©) بابٌ في القدر، والترمذيُّ في «الإيمان» (ظ¥/ ظ¦) بابُ ما جاء في وصفِ جبريلَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الإيمانَ والإسلام، والنسائيُّ في «الإيمان» (ظ¨/ ظ©ظ§) بابُ نعتِ الإسلام، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» (ظ،/ ظ¢ظ¤) بابٌ في الإيمان، وابنُ حبَّان (ظ،/ ظ£ظ¨ظ© ـ ظ£ظ©ظ،)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر عن أبيه عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنهما.
وأخرجه البخاريُّ في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ،ظ¤) بابُ سؤالِ جبريلَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلمِ الساعة، وفي «التفسير» (ظ¨/ ظ¥ظ،ظ£) باب: ï´؟إِنَّ ظ±للَّهَ عِندَهُغ¥ عِلغ،مُ ظ±لسَّاعَةِï´¾ [لقمان: ظ£ظ¤]، ومسلمٌ في «الإيمان» (ظ،/ ظ،ظ¦ظ، ـ ظ،ظ¦ظ¥) بابُ بيانِ الإيمان والإسلام والإحسان، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(ظ¢) أخرجه مسلمٌ في «الجنائز» (ظ¦/ ظ¢ظ¢ظ،) بابُ ما يُقالُ عند المصيبة، مِنْ قولِ أمِّ سلمة رضي الله عنهما.
(ظ£) «صحيح مسلم» (ظ،/ ظ¤ظ¦).
(ظ¤) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (ظ،ظ¦/ ظ£ظ*ظ£)، وانظر أقوالَ الطوائف في هذه المسألةِ في: (ظ،ظ¦/ ظ£ظ*ظ،) وما بعدها.
(ظ¥) أخرجه أحمد في «مسنده» (ظ،/ ظ£ظ©ظ،)، وابنُ أبي شيبة في «مُصنَّفه» في «الدعاء» (ظ¦/ ظ¤ظ،) بابُ ما قالوا في الرجلِ إذا أصابَهُ هَمٌّ أو حزنٌ، والحاكم في «مُسْتدرَكه» في «الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذِّكْر» (ظ،/ ظ¥ظ*ظ©)، وابنُ حِبَّان في «صحيحه» (ظ£/ ظ¢ظ¥ظ£) في باب الأدعية: ذِكْر الأمر لمَنْ أصابَهُ حزنٌ أَنْ يسأل اللهَ ذهابَه عنه وإبدالَه إيَّاهُ فرحًا، والبيهقيُّ في «القضاء والقَدَر» بابُ ذِكْرِ البيانِ أنَّ الله ـ تبارك وتعالى ـ عادلٌ (ظ¢ظ¥ظ©)، والهيثميُّ في «موارد الظمآن» (ظ¥ظ¨ظ©) في «الأذكار» بابُ ما يقول إذا أصابَهُ هَمٌّ أو حزنٌ، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه.
والحديثُ صحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (ظ،/ ظ¢/ ظ،ظ§ظ¦) رقم: (ظ،ظ©ظ©) وفي «صحيح مَوارِدِ الظمآن» (ظ¢/ ظ¤ظ£ظ*)، ولفظُ الحديثِ بتمامه هو: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي»، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا»، قَالَ: فَقِيلَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟» فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا».
(ظ¦) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ظ،ظ،/ ظ¢ظ،ظ§).
(ظ§) «تفسير ابن كثير» (ظ¢/ ظ¢ظ¦ظ©).
(ظ¨) «فتح الباري» لابن حجر (ظ،ظ،/ ظ¢ظ،ظ§).
(ظ©) «بلوغ المَرام» لابن حجر (ظ¤/ ظ¢ظ*ظ§).
(ظ،ظ*) «سُبُل السلام» للصنعاني (ظ¤/ ظ¢ظ*ظ¨).
(ظ،ظ،) «فتح الباري» لابن حجر (ظ،ظ،/ ظ¢ظ،ظ¥).
(ظ،ظ¢) الذي تقدَّم قريبًا، انظر: (الهامش ظ¥).
(ظ،ظ£) أخرجه ابنُ منده في «التوحيد» (ظ¢/ ظ،ظ¤ظ©).










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-18, 06:33   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
الاخ ياسين السلفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الاخ ياسين السلفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ـ الحلقة التاسعة ـ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
ففي هذه السلسلة الومضاتية أُواصِلُ متابعةَ فصولِ عقيدتَيِ الإيمان بالملائكة والكُتُب مِنَ «العقائد الإسلامية» للإمام ابنِ باديس ـ رحمه الله ـ بتوضيحها بالتنبيهات والاستدراكات على ما يأتي:
[الباب التاسع]
الإيمان بالملائكة

â—™ الومضة التاسعة والعشرون:
â–* قول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¦ظ¢: «بيانُ حقيقةِ الملائكة وصِفَاتِهم وأعمالهم» (ص ظ©ظ¨):
«المَلَائِكَةُ مَخْلُوقُونَ مِنَ النُّورِ، لَا يُوصَفُونَ بِذُكُورَةٍ وَلَا بِأُنُوثَةٍ، مُيَسَّرُونَ لِلطَّاعَاتِ، مَعْصُومُونَ مِنَ المَعَاصِي، مُسَخَّرُونَ ـ بِإِذْنِ اللهِ ـ فِي شُئُونِ الخَلْقِ وَتَدْبِيرِ الكَوْنِ، وَحِفْظِ العِبَادِ وَكِتَابَةِ أَعْمَالِهِمْ، أُمَنَاءُ عَلَى الوَحْيِ فِي حِفْظِهِ وَتَبْلِيغِهِ»، ثُمَّ ساق الأدلَّةَ على ذلك.
â–* تنبيه واستدراك:
• فضلًا عن تَيْنِك الصفتَيْن الخَلْقيَّتَيْن اللَّتَيْن ذَكَرَهما المصنِّفُ ـ رحمه الله ـ فإنه يمكن إضافةُ صفاتٍ خَلْقيةٍ أخرى للملائكة ـ باختصارٍ ـ إتمامًا للفائدة، وتظهر فيما يلي:
ـ أوَّلًا: ضخامة خِلْقَةِ الملائكة وعِظَمُ أجسامهم وقوَّتِهم؛ لقوله تعالى في شأنِ جبريلَ عليه السلام: ï´؟عَلَّمَهُغ¥ شَدِيدُ ظ±لغ،قُوَىظ° ظ¥ ذُو مِرَّةظ– فَظ±سغ،تَوَىظ° ظ¦ï´¾ [النجم]، وقولِه: ï´؟إِنَّهُغ¥ لَقَوغ،لُ رَسُولظ– كَرِيمظ– ظ،ظ© ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ظ±لغ،عَرغ،شِ مَكِينظ– ظ¢ظ*ï´¾ [التكوير]، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم واصفًا له: «رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ»(ظ،)، وغيرها.
ـ ثانيًا: أجنحة الملائكةِ وعِظَمُ سرعتهم وحُسْنُ منظرهم؛ فقَدْ «رَأَى رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم جِبْرِيلَ فِي صُورَتِـهِ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، [كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الأُفُقَ]، يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَاليَاقُوتِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ»(ظ¢) وغيرها.
ـ ثالثًا: عدَمُ حاجةِ الملائكة للأكل والشرب وغيرهما؛ لقوله تعالى ـ في قصَّة الخليل إبراهيم عليه السلام حين جاءَتْه الملائكة ـ: ï´؟فَلَمَّا رَءَاظ“ أَيغ،دِيَهُمغ، لَا تَصِلُ إِلَيغ،هِ نَكِرَهُمغ، وَأَوغ،جَسَ مِنغ،هُمغ، خِيفَةظ—غڑ قَالُواْ لَا تَخَفغ، إِنَّاظ“ أُرغ،سِلغ،نَاظ“ إِلَىظ° قَوغ،مِ لُوطظ– ظ§ظ*ï´¾ [هود]، ونحوِ ذلك مِنَ الآيات.
ـ رابعًا: قدرة الملائكة على التشكُّل والتمثُّل؛ كتمثُّلِ جبريل عليه السلام لمريم في صورةِ بشرٍ؛ قال تعالى: ï´؟وَظ±ذغ،كُرغ، فِي ظ±لغ،كِتَظ°بِ مَرغ،يَمَ إِذِ ظ±نتَبَذَتغ، مِنغ، أَهغ،لِهَا مَكَانظ—ا شَرغ،قِيّظ—ا ظ،ظ¦ فَظ±تَّخَذَتغ، مِن دُونِهِمغ، حِجَابظ—ا فَأَرغ،سَلغ،نَاظ“ إِلَيغ،هَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرظ—ا سَوِيّظ—ا ظ،ظ§ قَالَتغ، إِنِّيظ“ أَعُوذُ بِظ±لرَّحغ،مَظ°نِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّظ—ا ظ،ظ¨ قَالَ إِنَّمَاظ“ أَنَاغ* رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَظ°مظ—ا زَكِيّظ—ا ظ،ظ©ï´¾ [مريم]، ونحوِ ذلك.
ـ خامسًا: عِلْمُ الملائكةِ وكلامُهم وانتفاءُ المَلَلِ عنهم؛ لقوله تعالى: ï´؟وَإِنَّ عَلَيغ،كُمغ، لَحَظ°فِظِينَ ظ،ظ* كِرَامظ—ا كَظ°تِبِينَ ظ،ظ، يَعغ،لَمُونَ مَا تَفغ،عَلُونَ ظ،ظ¢ï´¾ [الانفطار]، وقولِه تعالى: ï´؟فَظ±لَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُغ¥ بِظ±لَّيغ،لِ وَظ±لنَّهَارِ وَهُمغ، لَا يَسغ،‍ظ”َمُونَغ© ظ£ظ¨ï´¾ [فُصِّلَتْ]، إلى غيرها مِنَ الآيات.
• والمصنِّفُ ـ رحمه الله ـ لم يتعرَّضْ للصفاتِ الخُلُقية التي تَتَّصِفُ بها الملائكةُ إلَّا مِنْ جهةِ كونِهم أُمَناءَ طائعين معصومين أو بعضِ الآيات التي استدلَّ بها ـ رحمه الله ـ، ويمكن أَنْ نُجْمِلَ الصفاتِ الخُلُقيةَ مشفوعةً بدليلها فيما يلي:
ـ أوَّلًا: صفة الكرم والبِرِّ؛ قال تعالى: ï´؟بِأَيغ،دِي سَفَرَةظ– ظ،ظ¥ كِرَامِغ¢ بَرَرَةظ– ظ،ظ¦ï´¾ [عَبَسَ].
ـ ثانيًا: صفة الحياء؛ ودليلُه ما رواهُ مسلمٌ عن عائشة رضي الله عنها، وفيه أنها قالت للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «.. ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ؟» فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ المَلَائِكَةُ؟!»(ظ£).
ـ ثالثًا: صفة التواضع للحقِّ والخَلْق؛ ويدلُّ عليه: قولُه تعالى: ï´؟وَلَهُغ¥ مَن فِي ظ±لسَّمَظ°وَظ°تِ وَظ±لغ،أَرغ،ضِغڑ وَمَنغ، عِندَهُغ¥ لَا يَسغ،تَكغ،بِرُونَ عَنغ، عِبَادَتِهِغ¦ وَلَا يَسغ،تَحغ،سِرُونَ ظ،ظ©ï´¾ [الأنبياء]، وقولُه تعالى: ï´؟إِنَّ ظ±لَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسغ،تَكغ،بِرُونَ عَنغ، عِبَادَتِهِغ¦ وَيُسَبِّحُونَهُغ¥ وَلَهُغ¥ يَسغ،جُدُونَغ¤غ© ظ¢ظ*ظ¦ï´¾ [الأعراف].
ومِنْ تَواضُعِهم للخَلْقِ: سجودُهم لآدَمَ عليه السلام، ومحبَّتُهم لعِبادِ الله، ودُعاؤُهم واستغفارُهم لهم، وإحسانُهم إليهم.
[الباب العاشر]
الإيمان بكتب الله تعالى

â—™ الومضة الثلاثون:
â–* قول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¦ظ£: «معنى الإيمان بالكُتُب المنزلة ومُقتضَياتُه» (ص ظ،ظ*ظ،):
«نُؤْمِنُ بِجَمِيعِ كُتُبِ اللهِ المُنْزَلَةِ عَلَى رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَمِنْهَا: التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالقُرْآنُ، وَمِنْهَا غَيْرُهَا مِمَّا لَمْ نَعْلَمْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ؛ فَكُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَكُلُّ مَا فِيهَا حَقٌّ».
â–* وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¦ظ¤: «حفظُ اللهِ القرآنَ دونَ غيرِه» (ص ظ،ظ*ظ،):
«حَفِظَ اللهُ القُرْآنَ دُونَ غَيْرِهِ: حَفِظَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ؛ فَبَقِيَ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ؛ فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَلَمْ يَحْفَظْ غَيْرَهُ مِنَ الكُتُبِ فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ وَالتَّحْرِيفُ وَالتَّبْدِيلُ؛ فَفِيهَا حَقٌّ وَفِيهَا بَاطِلٌ؛ وَلِهَذَا جَعَلَ اللهُ القُرْآنَ شَاهِدًا عَلَيْهَا؛ فَمَا وَافَقَهُ فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا خَالَفَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟إِنَّا نَحغ،نُ نَزَّلغ،نَا ظ±لذِّكغ،رَ وَإِنَّا لَهُغ¥ لَحَظ°فِظُونَ ظ©ï´¾ [الحِجْر]، وَلِقَوْلِهِ: ï´؟وَأَنزَلغ،نَاظ“ إِلَيغ،كَ ظ±لغ،كِتَظ°بَ بِظ±لغ،حَقِّ مُصَدِّقظ—ا لِّمَا بَيغ،نَ يَدَيغ،هِ مِنَ ظ±لغ،كِتَظ°بِ وَمُهَيغ،مِنًا عَلَيغ،هِï´¾ [المائدة: ظ¤ظ¨]».
â–* تنبيه واستدراك:
• المصنِّف ـ رحمه الله ـ أطلق على الكُتُب السماوية أنَّ «كُلَّ ما فيها حقٌّ»، ولم يُقيِّدْها بما قبل أَنْ تتطرَّق إليها يدُ التحريف والتصحيف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص، وما أصابها مِنْ تضييعٍ ونسيانٍ، باستثناء القرآن الكريم الذي بقي في أمَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم محفوظًا لم تَجْرِ عليه زيادةٌ ولا نقصانٌ، ولم يَفُتْ منه شيءٌ، ولم يَضِعْ بنسيانِ ناسٍ ولا ضلالِ صحيفةٍ، ولم يتعرَّضْ للتحريف ولا التبديل، كما وَعَد اللهُ تعالى بقوله: ï´؟إِنَّا نَحغ،نُ نَزَّلغ،نَا ظ±لذِّكغ،رَ وَإِنَّا لَهُغ¥ لَحَظ°فِظُونَ ظ©ï´¾ [الحِجْر].
غير أنَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ ذَكَر هذا المعنى في الفصل الذي يَليه، مُشيرًا إلى أنَّ الكُتُبَ السماوية ما عَدَا القرآن الكريم قد دَخَل فيها التحريفُ والتبديل والتضييع وغيرها؛ ولهذا قال ـ رحمه الله ـ: «فَفِيهَا حَقٌّ وَفِيهَا بَاطِلٌ».
وكان الأَوْلى أَنْ يُقيِّد ـ رحمه الله ـ العبارةَ الأُولى تقييدًا مُتَّصِلًا عند قولـه عن الكُتُب المنزلة: «فَكُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَكُلُّ مَا فِيهَا حَقٌّ» بما قبل دخول التحريف والتبديل عليها؛ لئلَّا يُتوهَّم التعارضُ بين العبارتين؛ فيُدْفَعُ الإيهامُ في وقته ويُبيَّن الأمرُ في حينه.
â—™ الومضة الحادية والثلاثون:
â–* وقول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ¦ظ¥: «القرآن هو الهداية العامَّة للبشر» (ص ظ،ظ*ظ¢):
«نُؤْمِنُ بِأَنَّ القُرْآنَ العَظِيمَ أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى(ظ¤) هِدَايَةً عَامَّةً لِجَمِيعِ البَشَرِ لِمَا فِيهِ سَعَادَتُهُمُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالأُخْرَوِيَّةُ؛ بِتَنْوِيرِ العُقُولِ، وَتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ، وَتَقْوِيمِ الأَعْمَالِ، وَإِصْلَاحِ الأَحْوَالِ، وَتَنْظِيمِ الِاجْتِمَاعِ البَشَرِيِّ عَلَى أَكْمَلِ نِظَامٍ، [وكُلُّ مَنْ](ظ¥) خَالَفَهُ فَهُوَ ضَالٌّ».
â–* تنبيه واستدراك:
• المصنِّف ـ رحمه الله ـ ذَكَر أنَّ الله أَنْزَل القرآنَ هدايةً عامَّةً لجميع البشر، ثمَّ أعقب ذلك بقوله: «وكُلُّ مَنْ خالفه فهو ضالٌّ»، ولعلَّه يُفْهَم ـ مِنْ ذِكْرِ خصوص المخالِفِ الضالِّ ـ عدمُ شمولِ الهداية له تحديدًا على وجه التعيين، أو شمولُهَا له ابتداءً لا انتهاءً، أي: خروجه منها بسببِ مخالفته، وهو الأقرب إلى مذهب المصنِّف.
والذي يظهر لي صحيحًا أنَّ القرآن العظيم هدًى ورحمةٌ وموعظةٌ وتذكيرٌ للناس أجمعين، غير أنَّ المُخالِف الضالَّ لم تنتفِ عنه الهدايةُ كُلِّيًّا، وإنما حَصَل على هدايةٍ ناقصةٍ غيرِ نافعةٍ، وهي هدايةُ بيانٍ لا توفيقٍ؛ لعدمِ توفيقه للعمل بمُقتضاها؛ وفي هذا المعنى قال السعديُّ ـ رحمه الله ـ: «فالمُتَّقون هُمُ المُنْتَفِعون بالآيات القرآنية والآياتِ الكونيـة؛ ولأنَّ الهداية نوعان: هدايةُ البيانِ وهدايةُ التوفيقِ؛ فالمُتَّقون حَصَلَتْ لهم الهدايتان، وغيرُهم لم تحصل لهم هدايةُ التوفيق، وهدايةُ البيانِ بدون توفيقٍ للعمل بها ليسَتْ هدايةً حقيقيةً تامَّةً»(ظ¦).
[الباب الحادي عشر]
عقائد الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام

â—™ الومضة الثانية والثلاثون:
â–* قول المصنِّف ـ رحمه الله ـ في الفصل ظ§ظ¢: «ختمُ الرسالةِ وعمومُها» (ص ظ،ظ،ظ¦):
«خَتَمَ اللهُ الرِّسَالَةَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ رِسَالَتَهُ الرِّسَالَةَ العَامَّةَ لِلْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالمَلَائِكَةِ».
â–* تنبيه واستدراك:
• نصَّ المصنِّف ـ رحمه الله ـ على أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مبعوثٌ ـ أيضًا ـ إلى الملائكة الكرام، وهو أحَدُ أقوالِ أهل العلم، رجَّحه السبكيُّ ووافقه عليه السيوطيُّ ـ رحمهما الله ـ(ظ§)، «وزاد أنه صلَّى الله عليه وسلَّم مُرْسَلٌ إلى جميع الأنبياء والأُمَمِ السابقة، وزَعَم أنَّ قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم: «بُعِثْتُ للناس كافَّةً»(ظ¨) شاملٌ لهم مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلى قيام الساعة، ورجَّح هذا القولَ البارزيُّ، وزاد أنه مُرْسَلٌ إلى جميع الحيوانات، واستدلَّ على ذلك بشهادة الضبِّ له بالرسالة(ظ©) وبشهادة الحجر والشجر لـه ـ أيضًا ـ بذلك، قال الحافظ السيوطيُّ: وأَزِيدُ إلى ذلك أنه مُرْسَلٌ إلى نفسه»(ظ،ظ*).
والذي ينبغي معرفتُه وتقريرُه هو: أنَّ الله تعالى أَكْرَم الملائكةَ وكلَّفهم بعباداتٍ كثيرةٍ ومتنوِّعةٍ مِنْ عباداتٍ قلبيةٍ وقوليةٍ وفعليةٍ، وقد تتَّفِقُ مع العبادات التي كُلِّفَ بها الإنسُ ـ وإِنِ اختلفَتْ في الصفة والعدد ـ لكِنْ لا يَلْزَمُ أنهم مُساوُونَ للبشر في نوع العبادة في شريعة الإسلام، وقد نَقَل ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ عن ابنِ العربيِّ المالكيِّ ـ رحمه الله ـ وغيرِه «أنَّ الملائكة ليسوا مكلَّفين بمِثْلِ ما كُلِّفَ به الإنسُ»(ظ،ظ،)، علمًا أنَّ الله كلَّفهم بأعمالٍ خاصَّةٍ بهم تتَّفِقُ مع أجسامهم وخِلْقتهم، وقد وَصَفهم اللهُ تعالى بالعبودية بقوله: ï´؟بَلغ، عِبَادظ‍ مُّكغ،رَمُونَ ظ¢ظ¦ï´¾ [الأنبياء]، وبيَّن أنهم يُؤْمَرون ويُطِيعون في قوله تعالى: ï´؟لَّا يَعغ،صُونَ ظ±للَّهَ مَاظ“ أَمَرَهُمغ، وَيَفغ،عَلُونَ مَا يُؤغ،مَرُونَ ظ¦ï´¾ [التحريم]، وقولِه: ï´؟يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوغ،قِهِمغ، وَيَفغ،عَلُونَ مَا يُؤغ،مَرُونَغ© ظ¥ظ*ï´¾ [النحل].
كما بيَّن اللهُ تعالى أنَّ جميعَ أعمالِهِم وعباداتِهم إنما هي امتثالٌ وطاعةٌ خالصةٌ لأوامر الله وبإذنٍ منه في مِثْلِ قوله تعالى: ï´؟وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمغ،رِ رَبِّكَï´¾ [مريم: ظ¦ظ¤]، ويدلُّ عليه سببُ نزولِ هذه الآية، فقَدْ أخرج البخاريُّ ـ رحمه الله ـ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لِجِبْرِيلَ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟»، فَنَزَلَتْ: ï´؟وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمغ،رِ رَبِّكَغ– لَهُغ¥ مَا بَيغ،نَ أَيغ،دِينَا وَمَا خَلغ،فَنَاï´¾ [مريم: ظ¦ظ¤]»(ظ،ظ¢).
قال السفارينيُّ ـ رحمه الله ـ: «والحاصل أنَّ نبيَّنا محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم مبعوثٌ إلى الثَّقَلين بالإجماع، ورسالتُه مُطبِّقةٌ جميعَ الأكوان، ولا الْتفاتَ لزعمِ بعضِ مُلْحِدي أهلِ الكتاب مِنْ خصوصِ رسالته للعرب؛ لأنَّ هذا مُكابَرةٌ باطلةٌ ومُغالَطةٌ عاطلةٌ؛ لوجوهٍ بديهيةِ البرهان، منها: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يكذب، وقد أُنْزِلَ عليه في مُحْكَمِ القرآن: ï´؟قُلغ، يَظ°ظ“أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ظ±للَّهِ إِلَيغ،كُمغ، جَمِيعًاï´¾ [الأعراف: ظ،ظ¥ظ¨]، ï´؟وَمَاظ“ أَرغ،سَلغ،نَظ°كَ إِلَّا كَاظ“فَّةظ— لِّلنَّاسِï´¾ [سبأ: ظ¢ظ¨]»(ظ،ظ£).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ظ،ظ© جمادى الآخرة ظ،ظ¤ظ£ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ¢ظ¨ مــــــــارس ظ¢ظ*ظ،ظ§م

(ظ،) أخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (ظ£/ ظ¨) بابُ معنَى قولِ الله عزَّ وجلَّ: ï´؟وَلَقَدغ، رَءَاهُ نَزغ،لَةً أُخغ،رَىظ° ظ،ظ£ï´¾ [النجم]، والترمذيُّ في «تفسير القرآن» (ظ¥/ ظ¢ظ¦ظ¢) باب: ومِنْ سورة الأنعام، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(ظ¢) أخرجه أحمد في «مسنده» (ظ،/ ظ£ظ©ظ¥) مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه. قال أحمد شاكر في تحقيقه ï»ں «مسند أحمد» (ظ¥/ ظ¢ظ¨ظ¢): «إسنادُه صحيحٌ»، وجوَّد إسنادَه ابنُ كثيرٍ في «البداية والنهاية» (ظ،/ ظ¤ظ¤)، إلَّا أنَّ عبارةَ: «كُلُّ جناحٍ منها قد سدَّ الأُفُقَ» الواردةَ بين معقوفين قدِ استنكرها الألبانيُّ في: «الإسراء والمعراج»، انظر: (ص ظ،ظ*ظ،، ظ،ظ*ظ¢).
(ظ£) أخرجه مسلمٌ في «فضائل الصحابة» (ظ،ظ¥/ ظ،ظ¦ظ¨) بابٌ مِنْ فضائلِ عثمانَ رضي الله عنه.
(ظ¤) «م.ف»: بزيادةِ: «إلى» بعدها، ولعلَّه خطأٌ مطبعيٌّ.
(ظ¥) «م.ر»: «وَأَنَّ كُلَّ مَا».
(ظ¦) «تفسير السعدي» (ظ¢ظ©).
(ظ§) انظر: «الخصائص الكبرى» للسيوطي (ظ¢/ ظ£ظ¢ظ،).
(ظ¨) أخرجه مسلمٌ في «المساجد» (ظ¥/ ظ¥)، والترمذيُّ في «السِّيَر» (ظ¤/ ظ،ظ¢ظ£) بابُ ما جاء في الغنيمة، وأحمد في «مسنده» (ظ¢/ ظ¤ظ،ظ، ـ ظ¤ظ،ظ¢)، كُلُّهم مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(ظ©) هذا، وحريٌّ بالتنبيه والتحقيق أنَّ حديث الضبِّ حَكَم عليه أهلُ الاختصاص بأنه خبرٌ باطلٌ لِمَا فيه مِنَ النكارة والغرابة، انظر: «البداية والنهاية» لابن كثير (ظ¦/ ظ،ظ¤ظ©)، «لسان الميزان» لابن حجر (ظ¥/ ظ¢ظ©ظ¢).
(ظ،ظ*) «لوامع الأنوار» للسفاريني (ظ¢/ ظ¢ظ§ظ©).
(ظ،ظ،) «فتح الباري» لابن حجر (ظ¢/ ظ¤).
(ظ،ظ¢) أخرجه البخاريُّ في «بدء الخَلْق» (ظ¦/ ظ£ظ*ظ¥) بابُ ذِكْرِ الملائكة، وفي «التفسير» (ظ¨/ ظ¤ظ¢ظ¨) باب: ï´؟وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمغ،رِ رَبِّكَï´¾ [مريم: ظ¦ظ¤].
(ظ،ظ£) «لوامع الأنوار» للسفاريني (ظ¢/ ظ¢ظ¨ظ©).










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-19, 02:01   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
الاستاد عبد الحكيم
عضو جديد
 
الصورة الرمزية الاستاد عبد الحكيم
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك اخي ياسين










رد مع اقتباس
قديم 2017-10-22, 08:34   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
brahimdca
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية brahimdca
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك جزيل الشكر
و حفظ الله الشيخ فركوس و رحمة الله على الشيخ ابن باديس
بوركت










رد مع اقتباس
قديم 2017-11-03, 22:37   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
ع.عيسى
مراقب قسم مشكلتي
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم .......حفظكم الله لما فيه الخير لولاة امور المسلمين واسيادهم .....والله ما قصرتم في وجوب الطاعة واصدار الفتاوي لما فيه الخير لولاة امور المسلمين واسيادهم ....ما شاء الله ...ادام الله العز والازدهار والرقي الذي يعيشه المسلمون اليوم والذي هو بفضل الفرقة الناجية وعلمائهم










رد مع اقتباس
قديم 2017-11-07, 21:00   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
Aissa Ch
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرااااااااا










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:44

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc