*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - الصفحة 12 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-12-30, 15:07   رقم المشاركة : 166
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


















المحاضرة الأولى

مدخل إلى دراسة الأدب المقارن
التعريف :



الأدب المقارن ممكن أن يعرف بأنه:ــ العلم الذي يبحث عن التأثر والتأثير في الأدب على جميع المستويات، سواء أكان ذلك بين كاتب وكاتب أو بين تيار فكري وتيار فكري آخر، كما أنه يبحث في انتقال الأنواع الأدبية من أمة إلى أمة، وفي الأخذ والعطاء بين الشعوب على مختلف مراحل نموها.




ولا يقتضي ذلك أبدا أن يكون المؤثر أو المتأثر بين الآداب أو الأجناس الأدبية من بيئة واحدة و إلا لا قتضي تحويل دراسة التأثر والتأثير داخل الأدب إلى نوع من دراسة السرقات الأدبية. فالأدب المقارن هو دراسة أدب وتأثره وتأثيره في أدب أجنبي ودراسة تبيان المسالك لهذا التأثر والتأثير .



فإن البحث في كليلة ودمنة مثلا والتمييز بين ما كتبه ابن المقفع مستمدا أصوله من الأدب العربي أو البيئة العراقية آنذاك، الأصول الهندية لهذا الكتاب كان ذلك من باب الدراسة المقارنة.


وقد تثار مسألة المتشابهات الأدبية عند الأمم مثل: شعر الفروسية في الإلياذة وديوان عنترة أو مثل وصف الذئب عند الشعراء. وإذا ما كان ذلك يعد من الأدب المقارن أو لا؟




النشأة والتاريخ




إن تسمية الأدب المقارن تعتبر حديثة نسبيا إذ يذكرنا كتاب هذا العلم بأن "فيلمان" أول نمن استعمل مصطلح الأدب المقارن باللغة الفرنسية عام 1827 في محاضراته التي ألقاها في السوربون، ثم في عام 1830 خصص له منبر في تلك الجامعةـ، ولم نصل عام 1940 إلا وقد ظهرت كتب عدة في هذا العلم الجديد.

وإن تناسينا تاريخ نشوء المصطلح نجد الأدب المقارن قد وجد قديما، ونشأ من الموازنة والمفاضلة التي نشأت عند الرومانيين حين تكلموا عن الكتاب الإغريق وقارنوهم بمؤلفيهم وكتابهم. ولعل أبناء الآداب التس سبقت اليونانيين قد أحسوا بذلك فعلا فلا بد أن البابليين قد ميزوا بين ماهو سومري أو بابلي.

وفي علم البلاغة العربية أجرى ابن سنان وابن الأثير مقارنات منوعة وطريفة حول الحرف العربي أو الأسلوب العربي ومقارنته باللغات الأخرى، وقد أشار الجاحظ إلى بعض الألفاظ الأجنبية في اللغة العربية وأسباب دخولها وأثر البيئة والمجاورة في ذلك.

أما نقاد القرون الوسطى في أوروبا فقد اهتموا بذكر ما أخذه كتابهم من الأدب الإغريقي والكلاسيكي، وكان البحث أقرب إلى موضوع السرقات الأدبية.


ركود حقل التبادل الأدبي العربي
يرجئ حسام الخطيب(آفاق الأدب المقارن عربيا وعالميا، ص 79) سبب قلة النشاط في حقل التبادل الأدبي العربي إلى أنه :
1ـ كان شائعا بين العرب أن اللغة العربية هي أم اللغات
2ـ أن رسالة العرب إلى الآخرين تتضمن وبشكل بارز"إعجاز القرآن الكريم" لا مضمونه فحسب.
3ـ أن العرب أهل الشعر والأدب ختى أنه كان يصعب على بعضهم تصور وجود شعر لدى الأقوام الأخرى.
4ـ كان اعتداد العرب بفصاحتهم ولسنهم يدفعهم إلى التعلق بقيم النقاء اللغوي.
5ـ لم يكن الإقبال على اللغات الأجنبية ومعرفة آدابها أمرين واردين في ظل الاعتداد الأدبي اللغوي الشديد.

وهذه الأسباب تجعل من الصعب ايجاد بيئة مقارنية في العالم العربي.
ويؤكد الخطيب على استمرار تيار الاعتداد بالأدب واللغة حتى اليوم ولا يسمح اطلاقا للمقارنات مع الآداب الأخرى وينكر موضوع التأثر للأدب العربي والأدب الغربي أو يحاول التقليل من شأنه أطمسه بدافع من الاعتداد الأدبي اللغوي الذي تقويه عامة نزعة المحافظة الدينية أو القومية. ومثل هؤلاء من الدارسين الذين يحاولون الاعتداد بالأدب واللغة يسرفون ويبالغون في رؤيتهم بشكل يوقف عجلة تقدم الأدب بشكل عام والمقارن بشكل خاص.



تمييز الأدب المقارن عن النقد وتاريخ الأدب



يقول داود سلوم (الأدب المقارن في الدراسات المقارنة التطبيقية، ص16): يجب علينا التمييز بين تعريف الأدب المقارن الذي يهتم بالبحث عن مصادر الجمال ونعريف النقد الأدبي الذي يبحث في أسباب الجمال ونميز كذلك بينه وبين تعريف تاريخ الأدب الذي يبحث في تراجم الشعراء وسيرهم وإحصاء مؤلفاتهم لغرض فهرستها حسب ظهورها وتطورها.

ولذلك فالكتاب الواحد يمكن أن يدرس من ثلاث زوايا:

زاوية الأدب المقارن.
زاوية النقد الأدبي .
زاوية تاريخ الأدب.

أما إذا درسنا الكتاب من حيث: ظهوره تاريخ نشره وإعادة طباعته وتسلسله لآثار الكاتب وأعمال مؤلفه الأخرى ومقدار ضبط نصوصه أو تحريفها أو الحذف منها...... فإن ذلك يكون من عمل تاريخ الأدب.





من رواد دارسي الأدب المقارن العرب
محمد غنيمي هلال

يذكر (عز الدين مناصرة : النقد الثقافي المقارن منظور جدلي تفكيكي، ص 390 ـــ ص 401 ) عن محمد غنيمي هلال أنه هو الرائد المنهجي للأدب المقارن، 1953م وقد أصدر كتبا عديدة ومن أهمها الأدب المقارن ولم يكن قد صدر قبله أي كتاب منهجي في الأدب المقارن باستثناء بعض الدراسات المتفرقة التي اشتملت على الترجمة وبعض الدراسات التي تعتبر إرهاصات للأدب المقارن لهذا يمكن اعتبار كتاب هلال في العالم العربي أشبه بكتاب بول فان تيغم في فرنسا، من حيث القيمة والتأثير، قياسا على زمانه.ويدرس في كتابه معنى الأدب المقارن ثم ينتقل هلال إلى الإشارة إلى أن أهمية الأدب تكمن في كشفه عن" جوانب تأثر الكتاب في الأدب القومي بالآداب العالمية، وما أغزر هذا التأثر"كما أنه ينتقد تسمية الأدب المقارن ويصفها بالانتقاص واقترح بديلا لها "التاريخ المقارن للآداب" تماما كما اقترح بعض الفرنسيين.

ثم ينتقل هلال إلى تاريخ نشأة الأدب المقارن فيشير إلى أن أقدم ظاهرة في تأثير أدب في أدب آخر هي: " تأثير الأدب اليوناني في الأدب الروماني .

ويتطرق هلال في كتابه لأدوات وعدة الباحث في الأدب المقارن. ثم يدرس غنيمي هلال ما يسميه ميدان البحث في الأدب المقارن ثم يقرأ عوامل عالمية الأدب أي خروج الأدب من نطاق اللغة كتب بها إلى لغة أو آداب لغات أخرى. وبعد ذلك ينتقل لدراسة الأجناس الأدبية ثم يقوم بدراسة المصادر يعني دراسة كل العناصر الأجنبية التي ساهمت في تكوين الكاتب كما يشير إلى دراسة المذاهب الأدبية الكلاسيكية والرومنتيكية ... وغيرها ويدرس تصوير الآداب القومية للبلاد والشعوب الأخرى. ويقدم هلال خاتمة عن علاقة الأدب المقارن والأدب العام.

بعض الملاحظات على كتاب هلال الأدب المقارن:
1) كان أول رائد منهجي للأدب المقارن في الوطن العربي.
2) ظل هو الممثل الفعلي للمدرسة التاريخية الفرنسية التقليدية .
3) رفض مبدأ التوازي والتشابه كما هو في المنهج الأمريكي المقارن.
4) توسع في المقارنة خارج النص الأدبي، من خلال دراسة صور البلدان في أدب الرحلات والصور المتبادلة بين الشعوب.
5) ركز على ضرورة الاهتمام والانطلاق من الأدب القومي أولا، في علاقته مع الآداب الأخرى. لهذا نجد أن كتاب هلال لم يقتصر على الأمثلة الأجنبية في المقارنة، بل كان دائما يشر إلى مقارنات عربية ــ أجنبية,
6) ركز في شخصية المقارن على ضرورة بل تلازم ثلاثة شروط هي : معرفة لغتين أجنبيين ومعرفة تعمق في الأدب القومي الذي ينتمي إليه المقارن ومعرفة منهجية الأدب المقارن.
7) أشار أكثر من مرة إلى أن المدرسة الفرنسية تنطلق وتتمحور حول الأدب الفرنسي بصفته شرطا للمقارنة مع الأدب الآخر لكنه اعتبر ذلك أمرا عاديا فلم يوجه أي انتقاد للمركزية الفرنسية أو المركزية الأوروبية واستسلم كذلك لفكرة "الروائع الأوروبية" دون أية مناقشة انتقادية.










************************************************** ***********************************


محاضرات في الأدب المقارن


الدكتور تيسير الآلوسي


ينبغي لتلافي اللبس في تعريف "الأدب المقارن" أنْ نشير بدءاَ َ إلى أنَّ مدلوله يظل تاريخياَ َ.. فالأدب المقارن يدرس مواطن التفاعل والتلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، في ماضيها وحاضرها وما كان من ذياك اللقاء من تبادل حالات التأثير والتأثر في المحاور الرئيسة الكبرى أو العامة كالأجناس والمذاهب الأدبية وتياراتها الفلسفية أم في شأن موضوعات\ مواقف\شخوص معالجات الأدب وكذلك فيما يخص أمور الصياغات الجمالية وجملة القواسم المشتركة أو المتشابهة متبادلة التأثير بين ألوان آداب الشعوب...
إنَّ الحدّ الفاصل بين الآداب يتمثل أساسا في اللغة بالمعنى الواسع للمصطلح وهي بالتحديد ما يجري قراءته ومعالجته في تناول حالة التأثير والتأثر والمقارنة في الأمر على وفق منطق تعاقب الحدث والواقعة المتناولة.. وهكذا فمن المفيد توكيد البعد التاريخي للأدب المقارن لأنه يسلـّط الضوء على مصادر التيارات الفنية \ الفكرية للأدب وعلى مراحل تفاعله مع الآخر..
إذ كلّ أدب قومي (بلغة بعينها) لابد أن يلتقي مع الآداب العالمية ويحمل تاريخا من وقائع تبادل العلاقة إفادة واستفادة. على أنَّ منهج الأدب المقارن ليس ملزما بالخضوع رياضيا لمناهج الأدب والنقد ولكن تبقى هناك حالات التكامل بين تلك المناهج بالتأكيد..

وينبغي القول هنا لمزيد من إيضاح مفهوم الأدب المقارن أن نشير إلى أن أهميته لا تقف عند حدود دراسة التيارات والأنواع الأدبية ومفرداتها من القضايا الإنسانية؛ إنَّما يمتد للكشف عن مواقع تأثر أدب بآخر بما هو أبعد وأعمق من قراءات في "الشرقات الأدبية".. على أنَّ ذكرنا للسرقات قد يعيد للذهن مسائل من نمط عقد الموازنات بين طرفين في أدبين مختلفين ليس لهما من علاقة تبادل تاثير وهو أمر لا يدخله بعض قدامى الباحثين المختصين في صلب الأدب المقارن الذي يرونه فقط في تركيزه على حالة التأثر والتأثير بين طرفين أدبيين. يقول د. محمد غنيمي هلال: " لايعدّ من الأدب المقارن في شيء ما يُعقد من موازنات بين كتّاب من آداب مختلفة لم تقم بينهم صلات تاريخية حتى يؤثر أحدهم في الآخر نوعا من التأثير أو يتأثر به" [كتابه الأدب المقارن، ص 11]...
فالموازنة بين أبي العلاء المعري وملتون على الرغم من تشابه آرائهما ومكانتهما الاجتماعية ليست على وفق الدكتور غنيم ذات قيمة تاريخية تشير لتبادل تأثير بينهما.. ولا يجوز من ضوء ذلك أن ندخل في مجال الأدب المقارن أمورا تخص الأدب ونقده لمجرد حالة تشابه نرصدها لا تمتلك ارتباطا أو علاقة لتفاعل بينهما...
والأدب المقارن على وفق رؤيته التاريخية لا يُدخِل في إطاره تلك الدراسات التي تبحث عن التشابه أو التقارب الناجم عن مصادفة أو وضع بعينه.. وهذا اللون من الأدب المقارن يحافظ بتشدد على موقفه من إبعاد كل تلك القراءات وعدم إدخال أية دراسة إلا ما كان منها يملك خلفية تاريخية في التوالد بعضها من بعض والانتقال من أدب بلغة لآخر بلغة أخرى ومعالم تبادل التأثر والتأثير بادية في هذه الحالة من الانتقال...
ولكن الحقيقة التي ستبرهنها الدراسات اللاحقة ستشير لتغير جدي في التناول وهو ما سيفيد في معالجات أبعد من حدود الأدب المقارن بصفته التاريخية البحتة.. وهي الصفة الضيقة المحدودة التي تلمسناها هنا مثلما نتلمس إبعادها الموازنات التي تُقدَّم في الأدب القومي الواحد سواء بوجود صلات تاريخية أم بعدم وجودها كالموازنة بين أبي تمام والبحتري أو بين حافظ وشوقي في الأدب العربي وبين كورني وراسين أو رساين وفولتير في الأدب الفرنسي فتلك الموازنات بقيمتها التاريخية تظل في نطاق مادة تاريخ الأدب القومي فيما الأدب المقارن ميدانه دولي يربط بين الآداب العالمية المختلفة..

ولنتابع قراءة في تأثر الحرير ببديع الزمان الهمذاني على سبيل المثال فهي ستكون أبعد وأغنى في رؤية "الأدب المقارن" إذا ما قرئت في ضوء التفاعل والتأثير بانتقالها مثلا [أي المقامة] من الأدب العربي إلأى الفارسي وهنا سيكون الاغتناء بعدم الوقوف عند حدود فكرية جمالية بحتة أو ضيقة التفاصيل بل سيمر الموضوع باتجاه رؤى الكاتب وتأويله لما تلقاه وتأثر به...
فعلى سبيل المثال قرأ الكاتب الأنجليزي كارليل Thomas Carlyle الكاتب والشاعر الألماني غوته Goethe بوصفه داعية يتفق مع رؤاه الأخلاقية الدينية وبهذا يكون كارليل قد أوَّل بفهمه رؤى غوته لينساب التأثير عند غيره من الكتّاب عبر هذا التأويل وليس عبر طبيعة الأصل ...
وهناك التأثر العكسي في فهم رؤى الآخر كأن يقف أديب بالضد من الرؤية الفنية الفكرية لأديب أو حركة أدبية مختلفة لدى لغة أو قومية أخرى.. ومثالنا في ذلك رؤية كليوباترا في الآداب الغربية ورؤيتها عند أحمد شوقي الذي أراد إبعادها عن شخصية اللعوب الملتوية لتكون الوطنية المخلصة عنده؛ وهكذا سيكون لكل فكرة فنية \ فلسفية جذورها في تاريخ الفكر الإنساني حيث الميراث المُشاع للامتياح منه والأخذ به بطريقة ما من طرق التفاعل أو تبادل التأثر والتأثير...
وفي ضوء كل ذلك يتأكد عرض الأدب المقارن للحقائق (الأدبية) بطريقة تاريخية مدعَّمة بالبراهين ونصوص الآداب المختلفة دارسا الصلات العامة بينها ومواضع التأثر والتأثير في العلاقة مع الآخر والإفادة منه.. والأدب المقارن يرسم سير الآداب في علائقها ويوجه نحو تفاهم الشعوب بمقاربة تراثها الإبداعي وإخراجها من العزلة للقاء بوصف آداب الأمم والشعوب مفردات من كلِّ ِ أشمل هو الأدب العالمي، ما يجعل الأدب المقارن عنصرا مهما في درساة المجتمعات وعلائقها ودفع تلك العلائق للتعمّق.. وكنتيجة لهذه الرؤية يلزم تذكر حالة الغرور في رؤية أدب قومي من دون سواه مميزا متسيِّدا فوق جميع الآداب الأخرى بطريقة التعالي وتهميش الآخر؛ ومن الطبيعي أن تكون نتيجة دراسات الأدب المقارن وبحوثه مزيلة لمثل هذه النظرة الاستعلائية المرضية...


نشأة الأدب المقارن


لقد تكامل الأدب المقارن ونضج في ضوء نظريات نقدية وأسس مهمة لدراسات في تاريخ الأدب ما يتطلب مراجعتها للتعرف إلى تاريخ نشأة الأدب المقارن علما مكتملا مستقلا..
لقد كان لظهور الأبد المقارن بوصفه علما يُفاد منه جذور وظواهر تمثلت أولا بتحقق حالات تبادل التأثير والتأر بين الآداب العالمية.. وأقدم ظواهر تبادل التأثير تمثلت في دراسة أثر الأدب الأغريقي بالروماني [ونذكّر هنا بأنَّ الانكسار العسكري لوجود حخضاري يمنحه الطاقة للتأثير الثقافي كما حصل قبل ذلك في حضارة سومر الرافيدينية التي منحت إبداعها الثقافي على الرغم من الانكسار العسكري وتشير الوقائع التاريخية أن البابليين أبقوا على استخدام اللغة السومرية في الحياة العامة بكل تفاصيلها لـ 500 عام وتابعوا لـ 500 عام آخر مستخدمين إياها في المستوى الرسمي] ...
وعادة ما نقرأ إنَّ روما مدينة لأثينا في فلسفتها وإبداعها ربما كله خلا جنسي التاريخ والخطابة.. ومن هنا ظهرت نظرية المحاكاة عند النقاد اللاتينيين في عصر النهضة الأوروبي للارتقاء بأدبهم.. ولقد أكد هوراس 85-08 ق.م.هذا الأمر.. فيما خطا بعده كانتليان Quintilian 35-96 م بما أثر في النقاد عندما وضع للمحاكاة قواعد عامة:
1. المحاكاة مبدأ للفن لا غنى عنه حيث حاكى اللاتين اليونان....
2. المحاكاة تتطلب مهارات ومواهب كما محاكاة الطبيعة (الإبداع الأول)...
3. المحاكاة ليست للألفاظ بل لجوهر الأدب ومنهجه...
4. المحاكاة تتطلب اختيار ممكن المحاكاة والأداء وليس ما يستحيل استعادته...
5. المحاكاة لا تتعارض ولا تمنع الإبداع أو الأصالة...

وهكذا فقد تمَّ في القرون الوسطى 395-1453 م للآداب الأوروبية:
1. توحيد بعض اتجاهاتها لعامل ديني حيث اللاتينية لغة الأدب والكنيسة معا..
2. وعامل آخر يكمن في سلطة الفروسية وثقافتها وبها أكسب الأدب الأوروبي طابع العالمية..

ولكن بمجيء عصر النهضة التفت الأوروبيون مجددا لتراثهم اليوناني الروماني (اللاتيني) بمساعدة الترجمات العربية عاد أدب عصر النهضة إلى نظرية المحاكاة وبالتحديد إلى ما ساد الأدبين اليوناني \ اللاتيني من عناية بالإنسان ومشكلاته واقعيا بديلا للرؤى الميتافيزيقية لأدب القرون الوسطى...

وكان أوضح عمل في بداية القراءات الأولى التي تدخل في الأدب المقارن قراءة الشاعر الناقد دورا 1508-1588 من جماعة الثريا الفرنسية، حيث قدم المحاكاة عمليا مشيرا إلى تأثير اليونان باللاتيني مثل خطيب اليونان ديموستين في شيشرون ومثل هوميروس في فريجيل ومثل بنداروس في هوراس..
يقول الناقد دي بلي 1522- 1560 إنهم من دون المحاكاة لن يستطيعوا منح لغتهم (الفرنسية) شهرة الأقدمين من سمو وتألق... وقد قال بالعودة للنص الأصل لأن "كل ترجمة خيانة للأصل"
وإذا كان زملاؤه في الثريا قد اختلفوا معه في موضوع الترجمة فلأنهم كانوا برنون إلى "فضيلة إغناء اللغة في الترجمة إليها" وإن "ترجمة وافية دقيقة خير من ابتكار منقوص" [الأدب المقارن غنيمي هلال ص 26].
لقد كان وراء النزعة الإنسانية ودعواتها حرص على نهضة آدابهم بالامتياح من كنوز التراث.. ومن هنا فقد حذروا من المحاكاة في لغة بعينها أي في ذات اللغة أو نفسها لما يثير من جمود وتعزيزا لرؤى التفتح والإبداع يقول بليتييه: " لايصح أن يقع الكاتب المتطلع للكمال في زلة التقليد المحض، ويجب عليه أن يطمح – لا إلى إضافة شيء من عنده فحسب – بل إلى أن يفضل نموذجه في كثير من المسائل" [ص27] فالتقليد المحض لا ينتج عنه شيء رفيع والمعنى المتحصل هنا يؤكد رأي كانتيليان في أن المحاكاة يجب ألا تمحو الأصالة... وإنما يقصد بها التأثر الهاضم الأصيل لا التقليد الخاضع الذليل...
وعلى وفق رؤية الشراح الإيطاليين في ق 16 فالمحاكاة استكمال لنظرية أرسطو في محاكاة الطبيعة (الناقصة) التي استكملها المبدع الأول بأعماله التي ينبغي أن نحاكيها في كمالها وعليه فلابد للذي يحاكي الأقدم من:
1. أن يمتلك قدرة التمييز بين الصحيح من الزائف بعقله الرشيد ودربته الفنية..
2. أن يحاكي ما يتفق وعصره ويكتب له كما كتب الأقدمون لعصورهم..
3. ألا يحاكي نصا من نفس لغته..

وفي العصر الكلاسي أي ق 17\18 مال العصر إلى النقد الفني العملي بوضع قواعد للأنواع الأدبية وجعل تلك القواعد قياسا لقيمة النتاج الأدبي وهكذا فقد امتاحوا من التاريخي الفني العملي لا الوقوف عند تاريخية التوصيف...

-ــــــــــــــــ نقد مدام دي سكوديري للشاعر كورنيه لسرقته مسرحية السيد وهنا لم تفكر في تحليل الصلات وتقويمها

ـــــــــــــــ * ــــــ في ق 18 تعززت الصلات بين الآداب الأوروبية لكن ذلك لم يدفع لأبعد من بعض المحاولات الأولية كما لدى فولتير الذي لم يتعمق في قراءة الأنواع الأدبية تاريخيا وحالة تبادل التأثير بينها... حتى يأتي القرن 19 حيث دور البحوث العلمية والتطورات العاصفة في المجتمع...


الحركة الرومانسية ودورها في مسيرة نشأة الأدب المقارن



لقد كانت الرومانسية تيارا واسعا وممهدا لتحولات واسعة في الحياة الفنية والعامة.. وبقراءة تاريخية سنجد ولادتها أولا في إنجلترا فألمانيا ثم فرنسا وإيطاليا...فكان لها أثرها في توليد أو تمهيد الأجواء وتوجيهها وجهة مقارنة نتلمسها عبر مقابلتها بالكلاسية للتعرف إلى مبادئهما العامة... وأول تلك المبادئ:
1. العقل والعاطفة: إذا كان أساس الفسلفة الكلاسية في حين اهتم الرومانسيون بالعاطفة وهكذا فالكلاسيون يرون العقل مرادفا للذوق السليم ولصواب الحكم الذي لا تتوافر فيه السلامة والصواب إلا باتفاقه مع تواضع المجتمع وتقاليده.ز ومن ثمّ فلابد من التخلص من الخيال الجامح والنزعات الفردية والعواطف الجياشة وخير المؤلفات هي تلك التي تعبر عن المشترك الجمعي وتمثل القديم واتباعه عبر نظرية المحاكاة باسم العقل.. وعلى قاعدة سجلها بوالو في قوله: "أحبوا دائما العقل ولتستمد منه وحدة ؤلفاتكم كل ما لها من رونق وقيمة[الأدب المقارن ص 32 Boalleau:Art poetique, cantl, vara37-38 /]
لقد استندت الرؤية العقلية للكلاسيين على شرّاح أرسطو من الإيطاليين وعلى الرغم من لقائها مع النزعة العقلية في فلسفة ديكارت إلا أن الفرق أنهم اتخذوا العقل لتبرير القواعد المقررة ولم يسلكوا في نقدهم على وفق مبادئ ديكارت ومنهجه في الشك لبناء الفكر الجديد وهدم الموروث الخاطئ.. أما الرومانسيون فيغلبون العاطفة والشعور لأنها منبع الإلهام والشعور معالد للضمير الذي يمثل عندهم قوة من قوى النفس قائمة بذاتها وهو غريزة خلقية تميز الخير من الشر عن طريق الإحساس والذوق. ص 34 من الأدب المقارن عن[ تاريخ الفلسفة إميل برييه باريس 1950 ج2 ،ص 486- 487] وعند الرومانسيين يبقى الجمال هو دعامة كمال نشاط إنساني وهو أساس ما في الإدراك نفسه من نظام ومن صيغة فنية تظهر فيها شخصية الإنسان وأصالته كما يرد في فلسفة شيللنك وكانط Schelling و Kant ص34 من الأدب المقارن عن[A: Benguin dans , Le Romantisme Allemand.parie 1949. P130ets]
والجمال على وفق الكلاسيين ينحصر في كونه الانعكاس للحقيقة شأنه في ذلك شأن الطبيعة. ومن ثم فعند الكلاسيين يكون ذوق باريس الكلاسي مطابقا لذوق أثينا.
غير أن الموضع يختلف عن الرومانسيين فمرد الجمال إلى الذوق الفردي منه بالتحديد.. أي أن الجمال تحول من الموضوعية إلى الذاتية ومن المطلق إلى النسبي ومن القواعد التجريبية إلى التجريبية المعتمدة على الحواس النفسية الجمالية الممثلة للمشاعر والعواطف وآليات عملها. وهكذا فإن المتعة بالجميل لن تقف عند حدود معالجة الكلاسي المقصورة على معرفة المبادئ والأسباب أو توظيف الأشياء متناسبة الأجزاء مع معرفة المنفعة من لياقة وفائدة وراحة ولكن الأمر يذهب إلى الانفعال والإحساس بالجميل وهو ما يقوله الكلاسي بغير قيوده المنطقية العقلية..

2. بين حقيقة الكلاسي وجمال الرومانسي:
الكلاسي في عقلانيته ينشر الحقيقة بمعناها العام مبتعدا عن المشاعر الذاتية التي قد تمس التقاليد الثابتة لديه.. وكما يقول بوالو "لا شيء أجمل من الحقيقة فهي وحدها أهل لأن تُحَبّ ويجب أن تسيطر على كل شيء" الأدب المقارن ص 37 [Boalleau Epitres IX Veve 43-36] وتطبيق هذا في بقاء السيد سيدا والخادم خادما وفي ثبات التقاليد واستقرار القواعد الأرستقراطية كونها الحقيقة المطلقة.. في حين سنجد أن الرومانسي يعتمد رؤية كما يقولها ألفرد ديموسيه “لاحقيقة سوى الجمال ولا جمال دون حقيقة" [ص37 في الأدب المقارن عن A. de Musset Poesies Nouvelley op.cit, p157]
إذ كل مبدع يستند إلى هدي قلبه ومشاعره من دون قيود مسبقة ومن هنا لا يرى الرومانسي نفسا عظيمة أو وضيعة بلا احترام بل يميلون إلى الرحمة في مجموع البشر وإنصاف ضحايا المجتمع والحلم بالعدالة والمجتمع المثالي الذي لا يحترم حدودا تفصل طبقاته بظلم يجب أن يزول وأن يتم تكسير تقاليد لا مبرر لوجودها حيث حرية الإنسان منها تجعله أقرب للفضيلة والجمال من الالتزام به..

3. غاية الأدب:
تظل غاية الأدب كلاسيا خلقية فالملحمة في الأدب القديم أخلاقياتها وغاياتها تكمن في إصلاح العادات وأنماط الشعر وفنون السرد والدراما أيضا. ما يوجب انتصار الحق على الباطل ويبقى الأدنى منفصلا عن الأعلى ولا ينتقل إليه ودائما ينتصر الواجب على العاطفة والمشاعر إلا إذا تم ذلك في ميدان يُكشف فيه عن مواطن الضعف الإنساني تحذيرا للمتلقي منن ذاك الخلل أو الضعف.. يقول راسين عن فيدرا: إنه في هذه المسرحية لم يجلُ شهوات الأنفس إلا ليبين كل ما ينتج عنها من اضطراب ويجعلها بغيضة عند الناس فيكون المسرح الكلاسي مدرسة للفضيلة مثلما مدارس الفلاسفة..[ص 38\39 من الأدب المقارن Racine Phedre preface] وهذا ما يعمد رؤى الأدب الأرستقراطي المحافظ في الإيمان بحق الملوك الإلهي وبالإسقاط القدسي الديني بخلاف الرومانسية التي جاءت ثورة زلزلت تلك الرتابة والمحافظة وسلطة المجتمع وتقاليده المفروضة قسرا على الفرد وقد رافق هذا متغيرات اقتصادية اجتماعية وظهور أبرز للبرجوازية حيث صار الأدب الرومانسي تعبيرا عن الثورة ومصالح الفرد بالضد من مظالم المجتمع ما عمق الطابع الإنساني الشعبي في اختيار نماذجه وموضوعاته الأدبية الأمر الذي انعكس بوضوح في قضايا الدين والمجتمع والطبيعة.. حيث ولّد اهتماما بقراءة الكاتب وعبقريته وتفاصيل أحالتنا إلى تاريخ الأدب وإلى النقد الأدبي الحديث اللذين كانا سببا في نشأة الأدب المقارن الذي نحن هنا بصدد معالجته وتناوله..
ومن جهود القرن 18 كان ولهلم شليغل W. Schliegel 1746-1845 من الأوائل الذين بحثوا في عبقرية المبدع وعملوا على تفسير النتاج الأدبي في جمالياته رومانسيا [ص 43 من ألدب المقارن عن Mme De stael: De l’Allemagoe, 2e partie, chap XXXI] وقد ظهر للتفسير الرومانسي اتجاهان أساسيان:
الأول ينظر إلى الأدب في علاقته بالبيئة والمجتمع كما ورد في قراءات ومعالجات مدام دي ستال..
والآخر ينظر إلى الأدب في علاقته بمؤلفه كما ورد في قراءات ومعالجات سانت بوف..
مدام دي ستال 1766-1817: داعية الرومانسية في فرنسا التي اعتمد نقدها طابعا علميا يتجه للتفسير والتعليل ودراسة الأدب بمناحيه الفردية والاجتماعية. تأثرت بالألمان في بناء النقد على الفلسفة بما يطبع النهضة الأدبية ويشمل أسس النقد الحديث. وعلى الرغم من عدّها الأدب ذا طابع فردي إلا أنها مضت لقراءة النتاج الأدبي بتأثره بالنظم الاجتماعية وما يخضع له المجتمع من أشكال الحكم والديانات والتقاليد وما ينشأ من ذلك من فكر إحساس وذوق ، تقول دي ستال "إلى الشرائع والقوانين يكاد يرجع كل التخالف أو التشابه الفكري بين الأمم وقد يرجع إلى البيئة كذلك شيء من هذا الاختلاف ولكن التربية العامة للطبقات الأولى في المجتمع هي دائما وليدة النظم السياسية القائمة والحكمة مركز مصالح الناس والأفكار والعادات تتبع تيار المصالح [ ص 45 من الأدب المقارن
Mme De Stael De la Ltterature considere dans ses Rapporte avec les lastitions Socials, parts, 1887 chapXVIII
ولأن الأدب صورة للمجتمع صار لزاما قراءة التاريخ ونواحي البناء المدني الأخرى وبناء على القمارنات التي عقدتها مدام دي ستال يمكن تلمس أوليات لقراءة الأدب المقارن وولادته...

سانت بوف 1804 - 1869
بحث في دلالة الأدب على مبدعه وليس على المجتمع فقط. حيث يتتبع الأمور خطوة فخطوة مع المبدع وتحقيقه منتجه الإبداعي ووظيفة النقد الأدبي عند سانت بوف هي النفاذ إلى ذات المبدع لكي يفهمه قرّاؤه "فالنقد يعلم الآخرين كيف يقرؤون" ص 49 من الأدب المقارن ويرى بوف أن كل كاتب ينتمي إلى نوع خاص من التفكير يكشف عنه استقصاء طبائع العقول في الأدب الذي ينتمي إليه. وفي هذا الموضع ينجح بوف بموازنة النص الأدبي بنظائره لتتضح خصائصه وقد يكون من ذلك موازنة في آداب مختلفة ما يدخل في الأدب المقارن وبعامة تظل الحركة الرومانسية في استيلاد الأدب المقارن محدودة الأثر في موضع النصح لمقارنات بين النصوص في آداب مختلفة..

النهضة العلمية


أما الاتجاه الذي كان له الأثر الأكبر والأوضح في ولادة الأدب المقارن فهو الظهور الأبرز للنهضة العلمية بخاصة بعد القرن التاسع حيث الدراسات النظرية والعملية على أساس منهجي وكان للتطورات في العلوم الصرفة والإنسانية آثارها الواضحة في النقد والأدب فعاد الأدب يصف واقع الحياة وصفا موضوعيا متحررا من جموح الخيال وانطلاق العاطفة .. فظهرت الواقعية وانحسرت الرومانسية في القصة والمسرحية وفي الشعر لصالح البرناسية...
إن بروز جمهور العمال للأدب الجديد هو الذي وطد رؤى الواقعية والطبيعية باتجاهها العلمي فلقد جاء داروين 1809-1882 بنظرية تطور الأنواع إلى جانب نظرية ماركس في الاقتصاد وولادة علم النفس على يد فرويد ودور فريزر في تتبع جذور الأديان وكان لهذه العلوم الوضعية دورها في توجيه الأدب والنقد..
لقد وضه أرنست رينان 1823-1892 كتابه تاريخ أصول المسيحية في مجلدات (1863-1883) وكتابه التاريخ العام والمنهج المقارن للغات السامية 1855 وهو ما دفع لقراءة مقارنة لأصول الأفكار وكيفيات وآليات التكوين... ثم يأتي الأنجليزي بوسنت بكتابه الأدب المقارن 1881 ليدرس ظاهرة الأدب في تأثراتها في دول مختلفة بالعوامل المخصوصة اجتماعيا لتلك الدول بين القبلي والمدني الإقطاعي والرأسمالي فكان خطوة أخرى باتجاه التأسيس لألأدب المقارن الذي تابعه فيه الفرنسي ليتورنو في كتابه تطور الأدب في مختلف الأجناس الإنسانية 1894 ص 53 ..
ولظهور علم الحياة المقارن والتشريع المقارن والميثولوجيا المقارنة وعلم اللغة المقارن كان على ألأدب وتاريخه أن يتجه نحو الأدب المقارن الذي انتهجه إدجار كينيه 1803-1875 وفي إشارة مباشرة واضحة للأدب المقارن وهي العلامة الأبرز في جهود التأسيس كما عند كل من هيبوليت تين وبرونتيير :
أما هيبوليت تين 1828 – 1863 فقد بنى نظرياته على مبدأين:
· التأثير المتبادل بين العوامل الطبقية والعوامل النفسية في نمو الجنس البشري وتقدمه..
· إن بحوث العلم لابد أن تؤثر في الأدب والفن..

وقد أكد إمكان قراءة النتائج النفسية من قراءة المؤثرات المولِّدة لها وهو ما أشار إليه في كتابه تاريخ الأدب الإنجليزي حيث حدد عوامل التأثير في الجنس البيئة الزمن وقد قصد بالجنس تلك الاستعدادات الأولية لمجموعة إنسانية محددة بأصل واحد سواء منها النفسية أم العضوية ما يعني أن الصفات التي تشكلت عبر التاريخ تحولت لما يشبه الغرائز الفطرية وهناك الجنس العربي \ العبري \ الآشوري \ الآري والأخير ينقسم على الهندي والأوروبي والأخير ينقسم على اللاتيني والسكسوني

مثال: ويبدو من قراءة أسفار أنجلو سكسونية قوة الخيال وفيض الإحساس أمام الطبيعة وقوة الإرادة والاتجاه العملي....

فيما قصد بالبيئة le milieau المحيط وعوامله الطبيعية والسياسية والاجتماعية المؤثر في تفكير الإنسان وهو مؤثر من خارج الإنسان في حين الجنس مؤثر من داخله..

مثال: اشتراك بوالو راسين في العوامل العامة لمحيطهما على الرغم من تميزهما فرديا...
مثال: تفسير قلة الشعر عند قريش في مكة والطائف بقلة الحروب كما يرد عند ابن سلام الجمحي ..

وقد وضع للزمن أو القوة الموجهة من تأثير الماضي في الحاضر والمكتسب من حركة ثقافة شعب عبر تاريخه موضعا ثالثا في التأثير في النتاج الأدبي ما يشير لنظرة تين في الأثر العميق للمذهب الطبيعي في الأدب...

برونتيير 1849 – 1906

استعان بنظرية التطور لداروين ورأى تطبيقها لدراسة الأدب وتبادلها التأثير:

- ففي الرسم كان دينيا أسطوريا ثم تاريخيا فواقعيا مع مستوى تطور البشرية وحرفيتهم.ز
- وفي القصة كانت ملحمية أسطورية ثم خيالية إنسانية فرومانسية فواقعية
وهكذا فكل جنس أدبي له معالمه وله مرحلته بما يعكس تطورا حتميا للعوامل الاجتماعية الطبيعية المؤثرة
وتعميقا لرؤى برونتيير فقد دعا لمقاربات الأدب المقارن وأثرها في ولادة الأجناس الأدبية المختلفة

بعامة لابد من الإشادة بكون مجموع المساهمات الصغيرة منها والكبيرة كانت المسرح للتمهيد للأدب المقارن حتى وصلنا جوزيف تكست في أواخر القرن 19 الأب الحقيقي للأدب المقارن وتبعه فردينان بالدنسبيرجيه وبالتأكيد بول فان تيغم
حيث الأدب المقارن يدرس الآثار الأدبية في كيفية تكوينها وظروفهتا التاريخية والاجتماعية على وفق تفاعلات ألوان لغوية قومية متعددة...








 


رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 15:09   رقم المشاركة : 167
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات في الادب المقاااااارن *تاااابع*



1......https://www.a17up.com/files/31585.pdf


2.......https://www.a17up.com/files/31584.pdf

3.......https://www.a17up.com/files/31587.pdf










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 15:12   رقم المشاركة : 168
معلومات العضو
منصوري مصطفى
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زنوبيا الجزائر مشاهدة المشاركة
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
لدي بحث بعنوان أحمد شوقي و أحتاج إلى بعض العناوين لمراجع
من لديه أي عنوان فليفدنا به و أجره على الله

ََ1-أحمد شوقي - بقلم الدكتور زكي مبارك إعداد وتقديم كريمة المؤلف،دار الجيل ، لبنان، 1988،









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 15:58   رقم المشاركة : 169
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الادب المقارن *تابع*



الأدب المقارن



يُعدُّ مصطلح «الأدب المقارن» comparative literature مصطلحاً خلافياً لأنه ضعيف الدلالة على المقصود منه. وقد نقده كثير من الباحثين ولكنهم في النهاية آثروا الاستمرار في استعماله نظراً لشيوعه. فمثلاً عدّه بول فان تييغم Paul Van Tieghem[ر] مصطلحاً غير دقيق, واقترح مصطلحات أخرى أقرب دلالة إِلى موضوعه مثل: «تاريخ الأدب المقارن», و «التاريخ الأدبي المقارن», و «تاريخ المقارنة». واقترح ماريوس فرانسوا غويار M.F.Guyard مصطلحاً بديلاً هو «تاريخ العلاقات الأدبية الدولية». والملاحظ أن كلمة «تاريخ» هي المضافة في مختلف الاقتراحات البديلة, ذلك أن الأدب المقارن هو في الأصل تاريخ للعلاقات المتبادلة بين الآداب وللصلات والمشابهات المتجاوزة للحدود اللغوية والجغرافية, وفيما بعد أضيفت الحدود المعرفية.

وعلى أية حال يبدو أن افتقار المصطلح إِلى الدقة كان له بعض فضل في الإِبقاء على وحدة هذا النسق المعرفي وفي مقدرته على استيعاب مناطق معرفية جديدة, أخذت تدخل نطاقه بعد منتصف القرن العشرين.

وترجع نشأة الأدب المقارن إِلى العقد الثالث من القرن التاسع عشر, وربما إِلى سنة 1827 حين بدأ الفرنسي أبل فييمان Abel Villemain يلقي محاضرات في السوربون بباريس حول علاقات الأدب الفرنسي[ر] بالآداب الأوربية الأخرى. والجدير بالذكر أنه استعمل فيها مصطلح «الأدب المقارن» وإِليه يعود الفضل في وضع الأسس الأولى لمنطقه ومنطقته, في وقت بدأ يشهد تصاعد اهتمام العلوم الإِنسانية في أوربة بالبعد المقارني في المعرفة, إِذ نشأ «القانون المقارن» و«فقه اللغة المقارن» و«علم الاجتماع المقارن» وغيرها. وتعدُّ فرنسة المهد الأول للأدب المقارن, إِذ استمرت تطوراته بعد فييمان, وكان لذلك عوامل لغوية وسياسية واجتماعية وثقافية متداخلة أدّت إِلى أن يكون الفرنسيون أول من تنبّه إِلى قيمة التراث المشترك بينهم وبين المناطق الأوربية الأخرى, مما خلق الأساس الأول للتفكير المقارني.
وفي البدء كان التطور بطيئاً, فبعد فييمان ظهر جان جاك أمبير Ampére وألقى في مرسيلية سنة 1830 محاضرات في الأدب المقارن لفتت إِليه الأنظار وأتاحت له أن ينتقل بعد ذلك بسنتين إِلى باريس ليلقي محاضرات حول علاقات الأدب الفرنسي بالآداب الأجنبية. وفي سنة 1835 ظهرت مقالات فيلاريت شال Chales على صفحات مجلة باريس مؤكدة العلاقات المتينة بين الآداب الأوربية.

وعند نهاية القرن التاسع عشر أخذت تتلاحق التطورات وظهر جوزيف تكست Texte في ليون (1896) وحاضر في الأدب الأوربي, وخلفه على منبر ليون فرنان بالدنسبرجيه F.Baldensperger الذي ألف كتابه «غوتة في فرنسة» سنة 1904, ثم سُمي أستاذاً في السوربون حينما أحدث فيها كرسي للأدب المقارن سنة 1910 وظهرت بعد ذلك مجلات وفهارس, وعرف الأدب المقارن طريقه إِلى التطور النسقي منذ مطلع القرن العشرين. وإِلى جانب فرنسة سجلت بعض البلدان الأوربية إِسهاماً نسبياً في نشأة الأدب المقارن, وكانت إِسهاماتها تتزايد مع تزايد نزعة «العالمية» في المعرفة ومع تزايد قوة الاتصالات والمواصلات في العالم. وقد ظهر أول كتاب في بريطانية عن الأدب في أوربة بين عامي 1837-1839, لهنري هالام H.Hallam, غير أن التطورات بعده كانت شديدة البطء. وفي ألمانية تأخر ظهور الأدب المقارن حتى ثمانينات القرن التاسع عشر, واشتُهر من مؤسيسه ك مورهوف K.D.Morhof وشميدت Schmidt كارييه M.Carriére, ولم يدخل الأدب المقارن نطاق الدراسة المنظمة إِلا بعد سنة 1887 بفضل ماكس كوخ Max Koch الذي أصدر مجلة «الأدب المقارن». ولكن دخول الأدب المقارن إِلى مناهج الجامعة لقي معارضة شديدة وتأخر حتى مطلع القرن العشرين.

وتعرقل ظهور الأدب المقارن في إِيطالية بسبب حدة النزعة القومية. وفي عام 1861 أمكن إِنشاء كرسي له في جامعة نابولي. ولكن كروتشه B.Croce[ر] تصدى للأدب المقارن وشنّ على أنصاره حملة قوية وحاول تسفيه منطقه, وبذلك كان له أثر في تاريخ تطور الدراسة المقارنة في إِيطالية بسبب ما كان يتمتع به من نفوذ فكري.

وإِذا كانت نهاية القرن التاسع عشر قد شهدت تطور الأبحاث التطبيقية في الأدب المقارن وبدء الاعتراف به في الجامعات فإِن بداءة القرن العشرين شهدت تأسيس الوعي النظري لمنهج الأدب المقارن. وقد تابعت فرنسة تطورها السباق فنشأت فيها كراسٍ جديدة للأدب المقارن في الجامعات. ومنذ سنة 1911 أخذ فان تيغم ينشر مقالات نظرية في المنهج المقارني. وفي عقد واحد تبلورت نظرته إِلى الأدب المقارن في مقالاته في مجلة «الأدب المقارن» ورصيفتها مجلة «مكتبة الأدب المقارن».
وفي عام 1931 أصدر فان تييغم أول كتاب نظري عرفه العالم بعنوان «الأدب المقارن», وظل هذا الكتاب مرجعاً أساسياً في بابه حتى اليوم, وترجم إِلى عدد كبير من اللغات, ومنها اللغة العربية في منتصف القرن العشرين. وتتابعت بعد ذلك المؤلفات الفرنسية في الأدب المقارن نظرية وتطبيقاً, ومن أشهرها كتاب غويار «الأدب المقارن» عام 1951 وترجم كذلك إِلى العربية عام 1956. وبدءاً من هذا التاريخ أخذت تظهر في فرنسة تحديات لما يمكن تسميته بالنظرية الفرنسية التقليدية في الأدب المقارن, وكان أبرزها الهجوم الحاد الذي شنّه رنيه إِيتيامبل R.Etiemble على فان تييغم وغويار, وظهر بعد ذلك في كتابه «الأزمة في الأدب المقارن».

وقد تعثر الأدب المقارن في الدول الأوربية الأخرى ولم يصب تطوراً في بريطانية ربما حتى تسعينات القرن العشرين وكذلك كان شأن ألمانية وإِيطالية والاتحاد السوفييتي. وإِن كان ملاحظاً أنه ابتداء من الستينات انتعش الأدب المقارن في القارة الأوربية والعالم كله, وذلك مع ازدياد نشاط الرابطة الدولية للأدب المقارن AILC. وزاد من قوة هذا التطور النشاط الأمريكي المتسارع في مجال البحث المقارني وفي المؤتمرات الدولية, والحق أنه في سنوات معدودات حقق المقارنون الأمريكيون حضوراً مرموقاً في مختلف أوجه البحث المقارني مع أن الولايات المتحدة دخلت متأخرة نسبياً في حقل الأدب المقارن. ومن أجل استكمال الخريطة العامة لنشأة الأدب المقارن تحسن الإِشارة إِلى التواريخ الرئيسية التالية:

1889 تولى تشارلز جيلي C.M.Geyley تقديم مادة النقد الأدبي المقارن في جامعة ميشيغن, ثم انتقل إِلى جامعة كاليفورنية وأنشأ عام 1902 قسماً للأدب المقارن. 1890-1891 أنشأت جامعة هارفرد أول كرسي للأدب المقارن في أمريكة, تحول عام 1904 إِلى قسم كامل. وفي سنة 1946 تولى رئاسته هاري ليفين Harry Levin وأعاد النظر في برامجه, وخلفه ولتر كايزر W.Kaiser.

1902 جرى إِحياء كرسي قديم للأدب العام يعود إِلى سنة 1886 في جامعة كورنل Cornell على يد كوبر الذي أصبح فيما بعد رئيساً لقسم كامل للأدب المقارن فيها من 1927-1943.
على أن دراسة الأدب المقارن في أمريكة ظلت حتى العشرينات مختلطة بـ «الأدب العام» و«أدب العالم» و«الروائع» و«الإِنسانيات». وفي الأربعينات بدأ يظهر تميزه في الجامعات وصاحب ذلك ظهور مجلات للأدب المقارن في عدة جامعات مثل أوريغون Oregon عام 1949. ومن أهم التطورات في هذا المجال صدور المجلد الأول من «الكتاب السنوي للأدب العام والمقارن Yearbook of General and Comparative Literature» وذلك عن جامعة (نورث كارولينة) عام 1952.

وفي عام 1961 انتقلت إِدارة الكتاب إِلى جامعة إِنديانة Indiana, وما زال يصدر عنها حتى اليوم.

ومنذ الخمسينات بدأت تتوالى الكتب الجامعية في الأدب المقارن, وتسود فيها طريقة التأليف الجماعي أو الدراسات المجموعة, وتتنوع مادة هذه الكتب بين النظرية والتطبيق كما تتنوع وجهات النظر. ومن أبرز التطورات في تاريخ الأدب المقارن تأسيس الرابطة الدولية للأدب المقارن عام 1955. وتعقد هذه الرابطة مؤتمراتها العامة كل ثلاث سنوات ولها نشاطات متنوعة, وقد عقد مؤتمرها الأول في البندقية بإِيطالية. ومنذ ذلك الحين انحصرت مؤتمراتها واجتماعاتها في العواصم الغربية, حتى عام 1991 عندما عقد مؤتمرها الثالث عشر في طوكيو, وفي ذلك إِيذان بتزايد إِسهام اليابان في الأدب المقارن, وبخروج الرابطة جغرافياً من بوتقة الغرب. على أن الأدب المقارن بقي حتى اليوم علماً غربياً, وبقي إِسهام المنظومة الاشتراكية فيه محدوداً, وأقل منه إِسهام البلدان النامية.

ومنذ البدء اختلط مفهوم «الأدب المقارن» بمفهومي «الأدب العام» و«الأدب العالمي». والملاحظ أنه حتى نهاية الثمانينات وبعد كل ذلك التطور المهم الذي حققه الأدب المقارن, ما زالت هذه المفهومات مختلطة حتى في بعض الجامعات العريقة. ومن هنا كان الربط الدائم بين الأدب المقارن والأدب العام في تسميات الأقسام الجامعية في دول أوربية كثيرة. كذلك يلاحظ أن الكتاب السنوي الأمريكي ما زال يحمل تسمية الأدب العام إِلى جانب الأدب المقارن. وقد آن أوان التفريق بين هذه الحقول المعرفية الثلاثة.

فالأدب العالمي world literature مصطلح من وضع غوته[ر], وكان ينطوي على حلم بزمان تصير فيه كل الآداب أدباً واحداً. ولكنه تحول بالتدريج إِلى الدلالة على تلك السلسلة الذهبية من الأعمال الأدبية التي قدمتها قرائح من مختلف شعوب العالم, وترجمت إِلى اللغات المختلفة, واكتسبت صفة الخلود, وارتفعت إِلى مصاف الروائع classics المعترف بقيمتها الفنية والفكرية في كل أنحاء العالم, وبالطبع تنضوي هذه الروائع تحت تخصصات الأدب المقارن. والملاحظ أن سلسلة الروائع العالمية ظلت حتى ستينات القرن العشرين تحت تأثير المركزية الأوربية Euro- centralism, ولكنها أخذت تتسع بالتدريج لبعض الأعمال خارج نطاق الغرب, ربما بتأثير نمو التبادل الثقافي والتوسع في مفهوم الجوائز الأدبية العالمية.

أما الأدب العام general literature فمصطلح استعمل غالباً لوسم تلك الكتابات التي يصعب أن تُصنَّف تحت أي من الدراسات الأدبية والتي تبدو ذات أهمية متجاوزة لنطاق الأدب القومي. وهي أحياناً تشير إِلى الاتجاهات الأدبية أو المشكلات أو النظريات العامة في الأدب, أو الجماليات. كما صُنِّفت تحت هذا العنوان مجموعات النصوص والدراسات النقدية والتعليقات التي تتناول مجموعة من الآداب ولا تقتصر على أدب واحد. وهكذا يتطابق الأدب العام أحياناً مع مبادئ النقد ونظرية الأدب, أي مع
كل دراسة أدبية تركز على التنظير ولا تقتصر أمثلتها على أدب واحد.

ويقل استعمال مصطلح «الأدب العام» اليوم ويكاد ينحصر في الدلالة على أنواع متفرقة من الدراسات الأدبية التي يصعب أن تُصنف في نطاق الأدب القومي أو العالمي أو المقارن.

ولم تزل الخلافات بشأن منطق الأدب المقارن ومنطقته قائمة حتى اليوم وإِن كانت تضيق تدريجياً لتفسح في المجال لمفهوم مشترك سيجري تحديد عناصره هنا بعد استعراض تاريخيّة اتجاهات الأدب المقارن. يتبع....















رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:00   رقم المشاركة : 170
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

إِن المفهوم الأصلي للأدب المقارن هو مفهوم ما يسمّى جوازاً «المدرسة الفرنسية التقليدية», إِذ حدد مؤسسها الفعلي بول فان تييغم الأدب المقارن «بأنه دراسة آثار الآداب المختلفة من ناحية علاقاتها بعضها ببعض» كما أكد جان ماري كاريه أن الأدب المقارن يعتمد على مفهوم التأثر والتأثير من خلال الصلات بين الآداب أو الأدباء من بلدان مختلفة, واستبعد المقارنات غير القائمة على الصلات من منهجية الأدب المقارن. كما رفض كل من كاريه وغويار فكرة التطابق بين الأدب العام والأدب المقارن. وعدّ غويار الأدب العام والأدب العالمي « مطمعين غَيْبييّن» وآثر أن يسمي الأدب المقارن, تاريخ العلاقات الأدبية الدولية. وقد تمسكت هذه المدرسة بالمنهجية التاريخية الصارمة, وحاولت تمييز منهجية الأدب المقارن ومنطقه ومنطقته من سائر الدراسات الأدبية واقتربت من العلمية والحياد, وتناولت أحياناً بمهارة, وأحياناً بآلية جامدة, مسائل مثل الشهرة الأدبية والنفوذ مثل غوتة في فرنسة, وطوّرت منهجاً يذهب إِلى أبعد من جمع المعلومات التي تتعلق بالمراجعات والترجمات والتأثيرات ليتفحص الصورة الفنية ومفهوم كاتب معيّن في وقت معيّن إِلى جانب عوامل النقل المتعددة كالحوليات والمترجمين والصالونات والمسافرين, وكذلك وجّهت انتباهها إِلى عوامل التلقي والجو الخاص والوضع الأدبي الذي أدخل فيه الكاتب الأجنبي, وبالإِجمال :«فقد تم جمع كثير من الشواهد عن الوحدة الصميمة بين الآداب الأوربية خاصة, كما ازدادت معرفتنا بالتجارة الخارجية للأدب». غير أن هذه المدرسة ما كادت تستوي على قدميها وتحقق وجوداً أكاديمياً معترفاً به حتى انبثقت من أحشائها أصوات معترضة تنكرها أشد إِنكار, وقام رنيه إِيتيامبل في الخمسينات, على رأس مجموعة من الكتاب اليساريين, بمهاجمة هذه المدرسة على أساس أنها تمثل المركزية الأوربية الاستعمارية وأنها قدمت آداب العالم جميعاً كما لو كانت منبثقة من بحر الآداب الأوربية أو منصبةً فيه, ولم تُعط آداب آسيا وإِفريقية وأمريكة اللاتينية حقها من البحث والاستقصاء. وقد هاجم إِيتيامبل زميله غويار واتهمه بالتعصب الإِقليمي والقومي وتركيز كل أضواء التأثير على الأدب الفرنسي, وطالب المقارنين أن ينحّوا جانباً «كل شكل من أشكال الشوفينية والإِقليمية وأن يعترفوا أخيراً أن حضارة الإِنسانية التي جرى في سياقها تبادل القيم على مدى آلاف السنين لا يمكن أن تُفهم أو تتذوق من دون إِشارات متواصلة إِلى هذه التبادلات التي تقتضي تركيبتها منا ألاّ نركّز نظام بحثنا حول لغة واحدة معينة أو بلد واحد معيّن».

وابتداء من الستينات بدأت الأفكار الأمريكية ذات الطابع العملي والانفتاحي تسيطر على ساحة الأدب المقارن. وقدم رينيه ويلك نظرات تركيبية شمولية وفي الوقت نفسه انبرى هنري رِماك H.Remak بتقديم اتجاه جاد للخروج من المعضلة, وذلك في مقالة منقحة ومزيدة ومفصلة عام 1971, وفيها راجع مفهومات الأدب المقارن واتجاهاته بنفسٍ علمي جريء ومسؤول وانتهى إِلى توسيع منطقه ومنطقته على النحو التالي:

«الأدب المقارن هو دراسة الأدب خلف حدود بلد معيّن, ودراسة العلاقات بين الأدب ومجالات أخرى من المعرفة والاعتقاد مثل الفنون كالرسم والنحت والعمارة والموسيقى, والفلسفة, والتاريخ, والعلوم الاجتماعية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع, والعلوم, والديانة, وغير ذلك. وباختصار هو مقارنة الأدب بمناطق أخرى من التعبير الإِنساني».

ويلاحظ على هذه التعريف: أنه ينطلق من فكرة التأثر والتأثير ليتجاوزها إِلى المشابهة أي أنه يركز على العلاقات ولا يجعلها شرطاً لازماً, وأنه يضيف بعداً جديداً إِلى منطقة الأدب المقارن بدفعه إِلى دراسة العلاقات بين الأدب وحقول المعرفة الأخرى ولاسيما الفنون. وبذلك يسجل نقطة إِضافية شديدة الأهمية. وقد بدا رماك متساهلاً في موضوع صلة الأدب المقارن بالتذوق الأدبي, ولكنه بالنتيجة احتفظ بجوهر منطق الأدب المقارن وهو دراسة الأدب خارج حدوده الجغرافية واللغوية والمعرفية. وتبدو نظرية رماك أكثر قبولاً اليوم في العالم.

ومن الملاحظ أن بلدان أوربة الشرقية لم توجه عناية خاصة للأدب المقارن, وكانت منطلقاتها بوجه عام مستوحاة من ثورة إِيتيامبل. وتُعدُّ هنغارية ويوغسلافية أكثرها احتفاءً بالأدب المقارن.

والملاحظ أنه جرى دائماً تساؤل حول وظيفة الأدب المقارن وامتحان لها. ومثل هذا التساؤل لا يتم عادة إِلا على الحقول المعرفية المستجدة, ذلك أن العلوم لا تقدم نفسها تقديماً نفعياً مباشراً. ومع ذلك يمكن القول إِن الأدب المقارن:
ـ يقدم فهماً للأدب أفضل وأكثر شمولاً وأقدر على تجاوز جزئية أدبية منفصلة أو عدة جزئيات معزولة.

ـ ويميز ما هو محلي وما هو إِنساني مشترك.

ـ ويحدد الصلات والمشابهات بين الآداب المختلفة وبين الأدب وحقول المعرفة الأخرى.

ـ ويسهم في تخليص الأقوام من النزعة الشوفينية والنرجسية المسيطرة في مجال الآداب القومية المختلفة.

ـ ويقدم للنقد الأدبي ودارسي الأدب فرصة ممتازة لتوسيع آفاق معرفتهم وتوثيق أحكامهم حتى الجمالية منها, لأن المقارنة تبقى أقوى أسلحة الناقد إِقناعاً.

ـ ويقدم فرصة ممتازة لتطور نظرية أدبية قائمة على فهم طبيعة امتدادات الأدب خارج حدوده.

وقد جرت الإِشارة في ثنايا البحث إِلى أعلام الأدب المقارن البارزين وإِلى أبرز المؤسسات والمنظمات والمجلات التي تُعنى به وتضع نفسها في خدمة مجالاته.

وإِذا انتقل الدارس إِلى الأدب العربي وجد أن الأدب المقارن حقل معرفي فتي لا تكاد تبين له أصول في التراث الأدبي القديم, ذلك أنه كان لدى العرب في الماضي اعتداد خاص باللغة والشعر وإِشاحة نسبية عن آداب الأمم الأخرى, مما أدّى إِلى أن يكون نشاطهم في حقل التبادل الأدبي أقل من نشاطهم في الحقول المعرفية الأخرى كالعلوم والفلسفة على أن غير العرب تأثروا تأثراً واضحاً بالأدب العربي فدرسوه وألّفوا على غراره. وفي عصرنا الحاضر ما زال هذا التيار من الاعتداد بالأدب واللغة فاعلاً بحيث يخلق رأياً عاماً لا يستريح إِلى المقارنات مع الآداب الأخرى ويجهد في تأكيد الأصول العربية للفنون الأدبية الوافدة كالقصة والمسرح. ومن الملاحظ أن معظم الأدباء البارزين في عصر النهضة كانوا أكثر انفتاحاً في مجال التفاعلات الأدبية, ووضعوا أساساً لنهضة الأدب المقارن في عصرنا. وكان لرواد النهضة الأدبية في الشام أثر كبير في الاستنارة الأدبية, وهكذا لمعت, إِلى جانب بناة النهضة من أبناء الكنانة مثل رفاعة الطهطاوي[ر] وعلي مبارك[ر] والشيخ حسن المرصفي, أسماء شامية مبكرة في مجال المقارنة مثل أديب إِسحاق[ر] وأحمد فارس الشدياق[ر] ونجيب الحداد, وتميز من بينهم علمان بارزان, هما سليمان البستاني[ر] وروحي الخالدي[ر], وضعا حجر الأساس للبحث التطبيقي في الأدب المقارن على الرغم من أنهما لم يشيرا إِلى المصطلح بكلمة واحدة.

وتتلخص جهود البستاني في هذا الحقل بتعريب «الإِلياذة» الذي استغرق منه ثماني سنوات (1887-1895) وبمقدمتها المقارنية التي استغرقت منه ثماني سنوات أخرى, وقد أنجز شروح الإِلياذة ومقدماتها في 200 صفحة أواخر سنة 1903. وأجرى البستاني مقارنات جريئة بين الملحمة اليونانية والشعر القصصي العربي وأكد وجود ملاحم عربية قصيرة تختلف عن الملاحم الإِفرنجية الطويلة, وانطلق من هذه المقارنة للتوصل إِلى أحكام شاملة تتعلق بالشعر الجاهلي والشعر اليوناني القديم, وحكم لصالح الشعر الجاهلي, وأشار بعد ذلك إِلى التشابه بين عبقرية ابن الرومي[ر] وعبقرية هوميروس[ر]. وكذلك كتب البستاني مقالاً حوى شيئاً من تاريخ الشعر عند العرب والإِفرنج. وهكذا يكون البستاني صاحب سبق لا ينكر في مجال الدراسة المقارنة, وإِن كانت مقارناته تدل على أن ثقافته الأصلية كانت عربية تقليدية وأن ما قرأه من أفكار أدبية غربية ليس أكثر من نوافذ صغيرة للمقارنة.

وعند منعطف القرن التاسع عشر, على أية حال, ساد مناخ عام للمقارنة, أسهم فيه الشاعر أحمد شوقي[ر], وكتاب مثل خليل ثابت وأسعد داغر ونقولا فياض[ر] ويعقوب صروف[ر], وحملت مجلة «المقتطف» آنذاك رسالة الوعي المتفتح.

وإِذا ترك الدارس الأشخاص وانتقل إِلى الأعمال المفردة فإِنه يجد أن الكتاب العربي الأول المكرس للأدب المقارن التطبيقي هو كتاب «تاريخ علم الأدب عند الإِفرنج والعرب وفكتور هوغو» للكاتب المقدسي روحي بن ياسين الخالدي. وقد نُشر الكتاب مقالات متسلسلة في مجلة «الهلال» بين سنتي 1902ـ1903,ثم طبعته دار الهلال سنة 1904 وطبع ثانية سنة 1912, وأعيد طبعه سنة 1985.
وهذا الكتاب مؤلف نوعي في الأدب المقارن التطبيقي لا تنقصه سوى التسمية المقارنية, وتتصدره على الغلاف الفقرة المقارنية التالية:

«وهو يشتمل على مقدمات تاريخية واجتماعية في علم الأدب عند الإِفرنج وما يقابله من ذلك عند العرب إِبان تمدنهم إِلى عصورهم الوسطى, وما اقتبسه الإِفرنج عنهم من الأدب والشعر في نهضتهم الأخيرة وخصوصاً على يد فكتور هوغو. ويلحق بذلك ترجمة هذا الشاعر الفيلسوف ووصف مناقبه ومواهبه ومؤلفاته ومنظوماته وغير ذلك».

وكتب الخالدي مقدمة للكتاب بالفرنسية تنبئ عن حسه المقارني. وأورد في كتابه مقارنات ومقابلات ودراسات للتبادلات الأدبية بين العرب والفرنجة, وترجمات وتعليقات, تدل كلها على أنه كان شديد الالتصاق بالمنهج المقارني.

وتوالى بعد الخالدي الاهتمام بالدراسات التطبيقية ذات الطابع المقارني, ومن أقدمها سلسلة مقالات نشرها فخري أبو السعود على صفحات «الرسالة» في الأعوام 1935-1937 وقابل فيها بين الأدب العربي والأدب الإِنكليزي من دون اعتناء بناحية التأثر والتبادل. وفي عام 1935 كذلك ظهر الجزء الثالث من كتاب الأديب الحلبي قسطاكي الحمصي[ر] المعنون «منهل الورّاد في علم الانتقاد» وتضمن بحثاً مطولاً عن «الموازنة بين الكوميدية الإِلهية ورسالة الغفران», وفي الثلاثينات أيضاً نشر عبد الوهاب عزام دراسات في مجلة «الرسالة» حول العلاقات بين الأدب العربي والأدب الفارسي. وفي الأربعينات ظهر كتاب لإِلياس أبو شبكة بعنوان «روابط الفكر بين العرب والفرنجة» ظهرت الطبعة الثانية من الكتاب عن دار المكشوف في بيروت عام 1945, وهو ذو موضوع مقارني واضح. وبالتدريج انتعش هذا النوع من الدراسات واغتنى وتعددت وجهاته.

ومن الملاحظ أن اسم فخري أبو السعود ورد آنفاً في باب الدراسات التطبيقية خلافاً لما درجت عليه المصادر العربية حتى الآن من نسبة الريادة النظرية إِليه. ويبدو أن فخري أبو السعود لم يستخدم مصطلح الأدب المقارن ولم يكشف عن معرفة به, على الرغم من سبقه في مجال الدراسة التقابلية أي غير القائمة على التأثر والتأثير, وأن مصطلح الأدب المقارن ظهر في «الرسالة» أول ما ظهر على يد الكاتب الشامي خليل هنداوي في سلسلة مقالات تلقي ضوءاً جديداً على ناحية من الأدب العربي هو, اشتغال العرب بالأدب المقارن أو ما يسميه الفرنجة Littérature Comparée, في كتاب «تلخيص كتاب أرسطو في الشعر» لفيلسوف العرب الأول ابن رشد. وقد ظهر هذا العنوان في «الرسالة» (الأعداد من 154-156 من المجلة) بتاريخ 8/6/1936, وتكرر في أعداد ثلاثة تالية. وحملت المقالة الأولى مقدمة نظرية عن الأدب المقارن ومنهجه ومزاياه تُعد الأولى من نوعها في الأدب العربي.

والجدير بالذكر أن مقرر الأدب المقارن ظهر أولاً في أدبيات دار العلوم بالقاهرة سنة 1938, ولكن المصطلح اختفى بعد ذلك ليظهر في أواخر الأربعينات في سلسلة من الكتب الجامعية تعاقبت بمعدل كتاب كل سنتين تقريباً, وصدر أولها سنة 1948 في القاهرة بعنوان «من الأدب المقارن» لنجيب العقيقي, تضمّن شذرات من الأدب العام والنقد النظري غير ذات صلة مباشرة بالعنوان. وفي عام 1949 ظهر كتاب عبد الرزاق حميدة «في الأدب المقارن» كما ظهر عام 1951 كتاب مقارني لإِبراهيم سلامة. وكان أهم تطور تأليفي في الموضوع ظهور كتاب الدكتور محمد غنيمي هلال بعنوان «الأدب المقارن» في القاهرة عام 1953. ويُعد هلال بحق مؤسس الأدب العربي المقارن, وكان كتابه أول محاولة عربية ذات وزن أكاديمي في منهجية الأدب المقارن, وبدا شديد التمسك بمبادئ المدرسة الفرنسية التقليدية. وفيما بعد طبع الكتاب عدة طبعات وخرّج جيلاًَ كاملاً من المهتمين بالأدب المقارن.

وبعد الخمسينات تطور تدريس الأدب المقارن في الجامعات العربية بخطوات غير حثيثة. وألفت كتب جامعية متفرقة اعتمدت كثيراً على كتاب غنيمي هلال. ولكن بدأت تبرز في الثمانينات اتجاهات جديدة على يد الجيل التالي, مؤذنة بحلول مرحلة نهوض جديدة أكثر وعياً للتطورات العالمية الحية.



ومن أهم تطورات الأدب المقارن العربي قيام «الرابطة العربية للأدب المقارن» التي عقدت الملتقى التحضيري في جامعة عنابة بالجزائر عام 1983, والملتقى الأول في عنابة أيضاً عام 1984, ثم المؤتمر الثاني في جامعة دمشق 1986, والثالث في مراكش 1989. ويشير وضع الثقافة العربية المعاصرة إِلى أن الأدب المقارن يبشر بمستقبل ذي شأن في رحاب الجامعات العربية وخارجها .

حسام الخطيب














رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:23   رقم المشاركة : 171
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات
في تحليل الخطاب
إعداد
الأستاذ : قدور عمران




مباحث عامة














المحاضرة الأولى :

الخطاب –الملفوظ- النص .
Discours – énoncé – Texte.
1-الخطاب :
ظهر مصطلح "خطاب" في حقل الدراسات اللغوية في الغرب ، ونما وتطوّر في ظلِّ التفاعلات التي عرفتها هذه الدراسات ، ولا سيما بعد ظهور كتاب "فرديناند دي سوسور" (محاضرات في اللسانيات العامة) الذي تضمّن المبادئ العامة والأساسية التي جاء بها هذا الأخير ، وأهمها تفريقه بين الدّال والمدلول ، واللغة كظاهرة اجتماعية والكلام كظاهرة فردية ، وبلورته لمفهوم "النسق" أو "نظام" والذي تطوّر فيما بعد إلى بنية .
ففي الاستعمال العادي نتحدث عن مصطلح "خطاب" للدلالة على ملفوظات رنّانة (ألقى الرئيس خطابا) أو للدلالة على التحقير لمّا نشير بها إلى ملفوظات سخيفة (كل هذا مجرّد خطابات) ، كما يُطْلَق هذا المصطلح على كلِّ استعمال مخصوص للغة ( الخطاب الإسلامي – الخطاب السياسي – خطاب الشباب...) ، وفي كلِّ هذه الاستعمالات تبقى لفظة "خطاب" غامضة [1].
في زماننا كثُرَ استخدام مصطلح "خطاب" في علوم اللسان ، وكثرة استعمال هذا المفهوم تعود لكونه علامة على التحولات التي طرأت على إدراكنا وتصوراتنا لمفهوم الكلام . وهذا التحول ناتج عن تأثير مجموعة من العلوم الإنسانية والتي يتمّ تجميعها غالبا تحت عنوان التداولية .الخطاب يتحدّد باعتباره إنتاجا لمختلف التطبيقات القولية المستعملة في الحياة العامة داخل المجتمع[2] ، وميادين الدين والسياسة والقانون والأدب وغيرها هي مصادر ومرجعيات للخطابات المُعَدَّة والمهيأة ، والمُحَدَّدة بمجموعة من قواعد التواضع .
ونظراً لتعدد مدارس واتجاهات الدراسات اللسانية الحديثة فقد تعدّدت مفاهيم ومدلولات هذا المصطلح ، نورِد بعضها فيما يلي :
أ-خطاب : مرادف المفهوم السوسيري "كلام" ، وهو معناه المعروف به في اللسانيات البنيوية .
ب – الخطاب ما دام منسوبا إلى فاعل فهو يشكل وحدة لغوية تتجاوز أبعادها الجملة ، رسالة أو مقول.بهذا المعنى يلحق الخطاب بالتحليل اللساني لأنّ المُعْتَبَر في هذه الحالة هو مجموع قواعد تسلسل وتتابع الجمل المكوِّنة للمقول ، وأول من اقترح دراسة هذا التسلسل هوة اللغوي الأمريكي "هاريس".
ج- والخطاب حسب "بنفينيست" هو كلّ مقول يفترض متكلما ومستمعا تكون لدى الأول نية التأثير في الثاني بصورة ما .



ويمكن إضافة مفهوم آخر للخطاب بمقابلته بمفهوم "لغة" كمجموعة متناهية من العناصر مستقرة نسبيا ، فيكون الخطاب عندئذ مجالا لإبداعٍ تتشكّل فيه وبطريقة غير ملحوظة سياقات تعطي قيَّما جديدة للغة ، وهكذا فإنّ تعدّد معاني لفظة ما صنيع خطابي يتحوّل بالتدريج إلى ظاهرة لغوية .
وبهذا نصل إلى أنه على المستوى اللغوي البحت يشير مصطلح "خطاب" في معناه الأساسي إلى " كل كلام تجاوز الجملة الواحدة سواء أكان مكتوبا أو شفويا . غير أنّ للخطاب مفهوما آخر ربما فاق المفهوم الألسني البحت في أهميّته النقدية ذلك هو ما تبلور في كتابات بعض المفكرين المعاصرين وفي طليعتهم الفرنسي "ميشيل فوكو" ، ففي محاضرته "نظام الخطاب" يحدِّد "فوكو" الخطاب بأنه شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تُبْرُز فيها الكيفية التي ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوي على الهيمنة والمخاطر في الوقت نفسه .


2-الملفوظ:L'énoncé
الملفوظ نتيجة (Résultat) ، إنه نتاج إجرائي وعملي ، لساني واجتماعي ، أما الجملة فإنها تنتمي إلى بنية نظرية ، مجردة ومستقلة ، خاضعة للوصف النحوي. فعبارة ( ممنوع التخين) ، تُعدُّ جملة إذا جرّدناها من كل سياق ، وهي ملفوظ إذا سُجِّلت في سياق معيّن ، كأنْ تُكتَب باللون الأحمر وتوضع في إطار ،وتُعلق على جدارٍ في قاعة انتظار بالمستشفى .
الملفوظ إنجاز فعّال ، متماسك ، واقعي ، متعلق بالنشاط الذي ينتج عنه ويشهد عليه في آن ، هذا النتاج يحمل علامات إنتاجه ، تلك التي تتضمن مختلف التركيبات المتجدِّدة في كل تجربة لسانية أو تلفظية ، فهو إذن مجرّد عن الاستقلالية[3] .
وكونه إنتاجا لفعل التلفظ يصبح من هذا المنظور أثرا قوليا لهذا الفعل ، وحجم الملفوظ في هذه الحالة ليست له أهمية ، فقد يتعلق ببضع كلمات أو بكتاب كاملٍ، إنه متتالية محمّلة بمعنى ومُكتفية نحويا ، كقولنا : "الطالب ناجح " ، آهٍ" ، "ما أجمله!" . كما يُطلق مصطلح "ملفوظ" للدلالة على مقطع قولي والذي يشكِّل وحدة محادثة تامة تعود إلى جنسٍ محدّد للخطاب (نشرة جوية – رواية – مقال في جريدة ) ، هناك ملفوظات قصيرة كالأمثال والحكم وأخرى طويلة كالمحاضرات .
والملفوظ محمَّلٌ بمعنى قارّ وثابت ، ذلك الذي يُحَمِّله أيّاه المتكلم ، هذا المعنى هو الذي يفكّ شفرته المتلقي ، والذي يملك نفس الشفرة ويتحدّث نفس اللغة مع الباث.[4]
في هذا المفهوم للنشاط اللساني يكون المعنى مضمّنا في الملفوظ ، بحيث يكون الفهم مرتبطا بمعرفة قواعد الصرف والنحو ، ولكن السياق يلعب دورا أساسيا محيطا(Périphérique)، بحيث يمنح المعطيات التي تُمَكِّنُ من رفع الغموض عن الملفوظات .[5]
والملفوظ هو مظهر من مظاهر تجلي الخطاب .
3-النص : Texte
مصطلح "نص" يُسْتعمل للدلالة على قيمة محدّدة ، وخاصة لمّا يتعلق الأمر بفهم الملفوظ باعتباره يشكِّل كلاًّ أو وحدة متجانسة. وقسم اللسانيات الذي يدرس هذا الانسجام والتجانس يسمى "لسانيات النص".
هناك اتجاه يتحدّث عن النص كونه إنتاجا قوليا شفويا أو مكتوبا ، ويصاغ بطريقة تسمح له بالديمومة، وبأن يكرّر ويعاد إنتاجه (يروى) ، وبأن يذاع ويُنْشَر خارج سياقه الأصلي . لهذه الأسباب يكثر الحديث في الاستعمال العادي عن النصوص الأدبية والنصوص القضائية وغيرها في حين ننفر من الحديث عن النص فيما يتعلق بالمحادثة الشفوية .
والنص لا يكون بالضرورة مُنْتَجًا من طرف متكلِّم واحد . ففي المناقشات والمحادثات يكون إنتاج النصِّ موزّعا بين عدد من المتكلمين ، هؤلاء المتكلمون يمكن أن يخضعوا لسلّم رتبي ، وبخاصة لمّا يتعلق الأمر بالخطاب المنقول ، أي لما يُضَمِّن متكلِّمٌ في حديثه أقوالا لمتكلم آخر ، هذا التّنوع في النصوص هو شكل من أشكال تباين النصوص داخل النص الواحد. والشكل الآخر من تباين النصوص يتمثّل في العلامات الأيقونية (رسوم –صور) تلك التي توظفها النصوص كعلامات غير لسانية[6] .
باختصار ، النص يتعلق بالنموذج التجريدي الذي ينظم الملفوظات تحت قاعدة نماذج الخطابات . وقد قدّم "جان ميشيل آدام" معادلتين تبينان استقلالية النص وتجريديته ، وحسبه، يجب عزل النص عن محيطه وظروف إنتاجه [7].
خطاب = نص + سياق .
نص = خطاب- سياق .

أما "بول ريكور" فإنه يرى أنّ النص هو خطاب تمّ تثبيته بواسطة الكتابة .
إنّ النص في رأي "ريكور" لا يكون نصا إلا بعد كتابته ، فكأنه يقصي ويبعد كل النصوص الإبداعية الشفوية التي نصادفها كالخطب والأمثال وغيرها . إنّ التثبيت الذي تمارسه الكتابة ما هو إلا حدث حلّ محلّ فعل الكلام ذاته .
أما "قريماس" فقد جعل النص مرادفا للخطاب أو الملفوظ .

4- الخطاب وتحليل الخطاب :
يكاد يجمع كلّ المتحدثين عن الخطاب وتحليل الخطاب على ريادة "هاريس" (1952) في هذا المجال من خلال بحثه المعنون بِ "تحليل الخطاب" ، إنّه أول لساني (أمريكي) حاول توسيع حدود موضوع البحث اللساني بجعلِهِ يتعدّى الجملة إلى الخطاب .
أما "بنفينيست" فينظر إلى الخطاب باعتباره الملفوظ منظورا إليه من وجهة آليات وعمليات اشتغاله في التواصل ، والمقصود بذلك ، الفِعْلُ الحيوي لإنتاج ملفوظ ما بواسطة متكلم معيّن في مقام معيّن ، وهذا الفعل هو عملية التلفظ ، بمعنى آخر يحدِّد "بنفينيست" الخطاب بمعناه الأكثر اتساعا ، بأنّه كل تلفظ يفترض متكلما ومستمعا وعند الأول هدف التأثير على الثاني بطريقة ما .
انطلاقا من هذا التعريف نكون أمام تنوع وتعدّد الخطابات الشفوية التي تمتدّ من المخاطبة اليومية إلى الخطبة الأكثر صنعة وزخرفة ، وإلى جانب الخطابات الشفوية نجد أيضا كتلة من الخطابات المكتوبة التي تعيد إنتاج الخطابات الشفوية وتستعير أدوارها ومراميها ، من المراسلات إلى المذكرات والمسرح والكتابات التربوية ، باختصار كل الأنواع التي يتوجه فيها متكلم إلى متلقٍ قصد التأثير فيه .
5- الخطاب الأدبي :
إن عبارة "الخطاب الأدبي" تميِّز نوعا معيّنا من الخطابات عن الأنواع الأخرى ، ووجود خطاب أدبي يفترض وجود خطاب غير أدبي ، ولكل من الخطابين مقاييس تميزه ، والتعرف على مقاييس الخطاب الأدبي تعني استخلاص أدبيّته ، أي استخلاص جملة الشروط والخصائص والمقاييس التي تجعل من خطابٍ معيّنٍ خطاباً أدبياً ، وهو ما جعل بعض الدارسين المحدثين يرون بأنّ هدف علم الأدب ليس دراسة الأدب بل دراسة أدبية الأدب ، أي خصوصيته التي لا يمكن أن تتحدّد إلا على أساس الأشكال التي تأخذها العلاقات التي تقوم بين مختلف أجزاء الخطاب ، ذلك أنّ الخطاب الأدبي لا يختص بمضمونٍ محدّدٍ كالخطاب السياسي أو الرياضي مثلا ، فكلّ الموضوعات والمضامين التي تشكِّلها العوالم المعنوية للغةٍ ما بإمكانها أن تشكِّل مادة لمضمون الأدب .
والواقع أنّ الشكلانيين ومن جاء بعدهم من النقاد الذين ساروا على نهجهم رأوا بأنّ الأدب قد ضاع وتوارى في دروب العلوم الإنسانية الأخرى ، بحيث صار النقاد لا يمارسون الأدب بل يمارسون الفلسفة أو علم الاجتماع أو التاريخ أو علم النفس من خلال الأدب ، فكانوا يفسرونه من خلال مادة مضمونه، ولا أدلّ على ذلك من الإسقاطات التي كان النص أو الأثر الأدبي مسرحا لها ، فكان همّ الناقد البحث عن آثار المواقف بل المواقف ذاتها التي عاشها صاحب النص ، وآثار مجتمعه أو بيئته، ومميِّزات الحقبة التي ظهر فيها النص ، إلى غير ذلك من المعلومات التي يكون قد تزوّد بها قبل قراءته للأثر المزمع نقده ، مع أنّ المفروض حسب وجهة النظر الحديثة –البنيوية مثلا – أن نفسِّر هذه الظواهر بالأثر، لا أن نفسره بها ، إذ أنّ النص يشكل عالما قائما بذاته يحمل في طياته ما يفسره ، ويحمل العناصر المكونة لمعناه ، وفي ذلك ما يُغْني الباحث عن الاستعانة بعناصر خارجة عنه .











المحاضرة الثانية :
علم النص .
مصطلح "علم النص" ليس جديداً في معناه ، فقد استعمله الشكلانيون الروس منذ سنوات العشرينات من القرن الماضي بلفظ مغاير ، حيث استعمل "ياكبسون" في كتابه الشعر الروسي الحديث ما أسماه "العلم الأدبي" ، وجاراه في استعمال هذا المصطلح رفيقه "ايخنباوم" منظِّر الحركة الشكلانية حين تحدّث في مقال له بعنوان "نظرية المنهج الشكلاني" عن بعض مبادئ العلم الأدبي والجمالي[8] .
إنّ الحديث عن تأسيس "علم النص الأدبي" يثير لدينا نوعا من ردِّ الفعل ، ويجعلنا نتساءل عن بعض الأمور التي يمكن لنا أن نعبِّر عنها من خلال التساؤلات التالية:
- ألا يعني حديثنا عن تأسيس علم النص الأدبي أننا ننفي ضمنيا صفة العلمية عن الدراسات الأدبية السابقة ؟
- ما المقصود بِ "علم النص الأدبي" ؟ أهو علم خالص أم علم ذو خصوصية معيّنة؟
- ما هي دواعي هذا التأسيس ؟ وما هي مبرراته ؟
كلّ هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المشابهة تحتاج في الواقع إلى مناقشة وتحليل. إنّ الدعوة إلى تأسيس "علم النص" لا تعبِّر بالضرورة عن نفي صفة العلم عن التراث النقدي السابق ، ولكنها تعبِّر عن رغبةٍ في تجاوز ذلك التراث الذي لم يعدْ رغم جلاله وعظمة قدره قادرا على الاستجابة لحاجات الإنسان المعاصر النفسية والروحية والذوقية ولا على استيعاب مختلف المشكلات التي يطرحها الأدب في العصر الحاضر . حيث أننا نعيش اليوم عصر العلم أكثر من أيِّ وقت مضى، إذْ حقّق الإنسان في ظرف الخمسين عاما الماضية من التقدم العلمي والتكنولوجي ما لم يحققه طوال الألف عام التي سبقتها ، وقدّم العلم فيها الكثير من التفسيرات للكثير من المعضلات ، والكثير من الحلول للكثير من مشكلات الإنسان .
ألا يستلزم الأمر والحال هذه أن يستفيد الأدب والدراسة الأدبية على الخصوص من ثمار العلم ؟
1- محاولات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين :
لقد بدأ التفكير في تأسيس "علم النص" في القرن التاسع عشر مع الفيلسوف الفرنسي "هيبوليت تين" الذي حاول أن يؤسس لعلم النص الأدبي حين راح يطبِّق منهج دراسة النبات على الأدب بالتركيز على عناصر ثلاثة فيه هي ما أطلق عليه مصطلحات : الجنس – البيئة – الفترة ، على النحوالذي تُدْرسبه النبتة[9] . فرأى أنّ هذه العوامل مُمَثَّلة في العرق(الجنس) الذي ينتمي إليه الأديب والمجتمع (البيئة)الذي ينشأ فيه والحقبة الزمنية (الفترة)التي يصدر فيها عمله الأدبي .
وعلى ضوء ذلك راح "تين" يبحث له عن نماذج وأمثلة تطبيقية من الأدب الفرنسي إلى فن الرسم الإيطالي إلى الأدب الأنجليزي يدعم بها نظريته.
وبالرغم من طرافة بعض الاستنتاجات التي جاء بها "تين" فقد انطوت في مجملها على عيوب كثيرة ، من هذه العيوب طريقة اختياره للأمثلة التطبيقية التي جعلها انتقائية ، حيث كان يأخذ من الأمثلة ما يتفق مع نظريته ويتطابق مع منهجه ، أما ما يختلف معهما فيتلافاه ويسقطه من حسابه ، كما أنّ منهجه لم يفرق بين طبيعة الأدب وطبيعة العلم ، هذا ما جعل "غوستاف لانسون" يهدِّم كل ما بناه هذا المفكر بجرّة قلم ،قائلا : « ليس هناك ما يجمع بين تحليل العبقرية الشعرية وتحليل السكر إلا الاسم »[10] .
بعد محاولة "تين" هذه جاءت محاولة الداروينيين بزعامة "برونتيير" ، والوضعيين بزعامة "لانسون" كلّ من جهته لتقريب الدراسة الأدبية من المنهج العلمي . فذهب "برونتيير" إلى القول بأنّ قوانين تطور الأدب والفنون شبيهة تماما بقوانين تطور الأحياء والنباتات ، وبناءً على هذه النظرة راح يطبق منهج "داروين" في دراسته للأحياء على الأدب ، وحسب هذه النظرة يكون النوع الأدبي مثل النوع البيولوجي، ينشأ ويتطور ثم ينقرض ، لكن المنقرض منه لا يفنى تماما وإنما

– Dominique Maingueneau :" Analyser les textes de communication" . Nathan.p37. 1

[2] - Jean –François Jeandillou : " L'analyse textuelle" .Armand Colin. P108.

1 -Jean-François Jeandillou : " L'analyse textuelle" . Armand Colin .Paris .1997. p54.

2Dominique Maingueneau : "Analyser les textes de communication" . Nathan. Paris. 2000.p.5. -

3Ibid : p06. -

[6] - ibid : p 43.

[7]-Jean-François Jeandillou : " L'analyse textuelle" . Armand Colin .Paris .1997. p109.

[8]- Eikhenbaum : "Théorie de la littérature.textes des formalistes Russes" Traduits par Tzvetan Todorov. Edition duseuil . Paris .p37.

[9] - أحمد منور : علم النص من التأسيس إلى التأصيل " . مجلة اللغة والأدب . العدد12. ص13.

[10]- ريني ويسليك و أوستين وارن : "نظرية الأدب" . ترجمة محي الدين صبحي . دمشق . ص 13.










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:28   رقم المشاركة : 172
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

تتواصل عناصر منه في النوع أو الأنواع التي تطورت عنه ، كما هو الشأن في القصة التي تطورت عن الملحمة بعد انقراضها . وقد وُجِّهت انتقادات لهذا المنهج بدوره وأهمها أنه يفسر ظاهرة خاصة نفسية هي الأدب بقوانين عامة[1] .
أما الوضعيون فقد استلهموا منهجهم العلمي من "أوغست كونت" في تحديده لتطور المجتمع البشري ، وتأثر منهج "لانسون" بمنهج المؤرخين ، ولاحظ الدارسون بأن المعنى الذي قصده من عبارة "المنهج العلمي" لا يعني أكثر من التدقيق في تاريخية النص .
2- التحول الكبير نحو المنهج اللساني في دراسة النص : (القرن العشرين)
في الوقت الذي كان "لانسون" يقدم دروسا لطلابه في الأدب الفرنسي وتاريخه كان "فرديناند دي سوسير" يقدِّم نظرياته اللسانية في ما أصبح يُعْرَف بِ "دروس في اللسانيات العامة" ، ويؤسس "اللسانيات البنيوية" التي أحدثت ثورة لا مثيل لها في دراسة اللغة. ومنذ أن ظهرت نظرية "البنية" في اللسانيات عرفت الدراسات الأدبية توجها جديدا وقويا لم يتوقف مدّه إلى اليوم[2] ، وكأنّ الدراسة الأدبية قد وجدت أخيرا ضالتها في اللسانيات ، ويبدو ذلك من خلال التطور المتوازي بين اللسانيات من جهة والدراسات الأدبية المتأثرة بها من جهة ثانية ، ويظهر هذا التأثر بجلاء في طغيان المصطلحات اللسانية على الدراسات النقدية الأدبية بحيث لم يعد في الإمكان القيام بمثل هذه الدراسات دون اللجوء إلى المصطلحات اللسانية ، وبهذا نخلص إلى أنّ كل النظريات المهمة في تحديد مفهوم النص الأدبي جاءت من قبل باحثين لسانيين .

3- حركة الشكلانيين الروس :
لم تظهر الدراسات الأدبية الجديدة المتأثرة باللسانيات في فرنسا كما كان من المنطقي أن يحدُثَ ، بحكم أنّ نظريات "دي سوسير" و مفهوم البِنْية التي تُشَكِّل أساسها قد انطلقت من السربون ، وإنما عرفت انطلاقتها من موسكو في شتاء 1914-1915 على يد الشكلانيين الروس . وقد جعلت هذه الجماعة همها منذ البداية مُرَكّزاً على دراسة المظهر اللساني للشعر ، وما ميّز عمل الشكلانيين بعد التوجه البارز في أعمالهم أنهم أعطوا أهميّة خاصة للتصنيف والنمذجة والوصف الدقيق المفصل للعمال الأدبية ووضع المصطلح التقني الذي يعبِّر عن ذلك[3] ،وهو ما أعطى لعملهم صبغة علمية وموضوعية بارزة ، وشكّل الأسس الأولى لعلم النص الأدبي الحديث .
وقد وضعوا العمل الأدبي في المركز الأول واستبعدوا من دائرة الدراسة كلّ عامل يقع خارج النص مثل السيرة الذاتية للكاتب أو البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها أو أيِّ نوع من أنواع التحليل النفسي أو الاجتماعي أو التأمل الفلسفي .
غير أنّ "باختين" وهو شكلاني رأى أنّ تناول العمال الأدبية بهذا الشكل يُعَدُّ خطأً وقصوراً في التحليل لأنه لا يُمَكِّن الفصلَ بين اللغة والايديولوجيا ، باعتبار اللغة نظام إشا
إشارات مبنيا بناءً اجتماعيا ، ومن هنا نشأ ما يمكن أن نطلق عليه اسم المدرسة الاجتماعية أو "الباختينية" ضمن الحركة الشكلانية .
وبعد انكماش حركة الشكلانيين بعد قيام الثورة في روسيا انبعثت هذه الحركة من جديد في مدرستي "براغ" 1926 و "كوبنهاجن" 1934، غير أنّ جهود المدرستين انصبّت على الصوتيات بالنسبة لمدرسة "براغ" ، وعلم النحو بالنسبة لمدرسة "كوبنهاجن" . ولم يستفد علم النص من بحوث المدرستين إلا بشكل غير مباشر حين استُغِلَّت نتائج بحوثهما في دراسة الشعر على المستويين الصوتي والتركيبي ، كما ساهمت المدرستان في بلورة نظرية المعنى لاحقا.
4- نحو وضع قوانين عامة عالمية في دراسة النص :
على غرار البحوث اللسانية البحتة اصطبغت بحوث علم النص بالصبغة العالمية ، واتجهت نحو وضع قوانين عامة تحكم النص بوجه عام والنص الأدبي بوجه
خاص لتجيب عن سؤال محدّدٍ هو : "كيف ينتج النص معناه ؟[1] " وتأكّد هذا المنحى العالمي في المؤتمرات الدولية والملتقيات الجهوية لسيميائية النص .
5- بين انغلاق النص على ذاته وانفتاحه على محيطه:

[1]- صلاح فضل : "بلاغة الخطاب وعلم النص" . عالم المعرفة . الكويت 1992. ص106.



[1]- - أحمد منور : علم النص من التأسيس إلى التأصيل " . مجلة اللغة والأدب . العدد12. ص15.

[2]T.Todorov: Ibid .p15.

[3]-Ibid : p17.










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:29   رقم المشاركة : 173
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

غير أنّه وبالرغم من هذا التوجّه العالمي في دراسة النص فإنّ الجدل القديمَ الجديدَ حول انغلاق النص الذي تبناه أصحاب الاتجاه اللغوي أو انفتاحه على محيطه كما تبناه أصحاب الاتجاه الاجتماعي ظلّ قائما وما زال إلى يومنا هذا .
فبالرغم من أنّ "جورج لوكاتش" لم يكن بنيويا إلا أنّه كان من أوائل النقاد الماركسيين الذين ربطوا بين بنية العمل الأدبي وبين المحيط الاجتماعي الذي أنتجه[1] . لكن هذا الاتجاه تبلور في شكل نظرية بنيوية متكاملة فرضت نفسها في مجال دراسة النص عند الناقد "لوسيان جولدمان" في ما أسماه بالبنيوية التكوينية أو التوليدية . و"جولدمان" بنيوي غير أنّه كان ينظر إلى البنية باعتبارها واقعا حيّاً متحرِّكاوفق النظرة الجدلية للواقع ،ويرفض تبعا لذلك النظر إلى العمل الأدبي مفصولا عن محيطه الثقافي والاجتماعي ، ويضرب لذلك مثلا طريفا حين يقول : « كأننا ندرس التفاحة دون أن نأخذ بعين الاعتبار الشجرة التي أنتجتها والمحيط الزراعي والمناخي الذي عاشت فيه ، فدراسة التفاحة في حدِّ ذاته مهمٌّ ، ولكنها تصبح أهمّ وأشمل إنْ لم تُفْصَل عن الشجرة والمحيط الذي عاشت فيه ».
وفي دراسته لقصيدة "القطط" لِ "بودلير" حاول تجسيد نظرته الشاملة هذه . ويتواصل هذا الاتجاه مع "جوليا كريستيفا" التي نجدها تنظر إلى النص باعتباره وحدة ايديولوجية تتشكّل من التقاء النظام النصي المُعْطى بالأقوال والمتتاليات التي يشملها في فضائه أو التي يحيل إليها فضاء النصوص ذاتها .
6- نحو منهج يتجاوز البنيوية في دراسة النصوص :
هكذا ظلّ هذا السِّجال الذي تحدّثنا عنه قائما ، لكن الشّك لم يتطرّق أبدا إلى البنيوية نفسها التي بدت إلى غاية منتصف الستينات قادرة على تفسير كل شيء حتى جاء "جاك دريدا" وقام بالمحاولات الأولى الجادة في نقد البنيوية والعمل على تجاوزها فيما عُرِف عنده بِ"التفكيكية"[2] .
ويشير "دريدا " في نظريته إلى أنّ فكرة النص المنسجم الذي يشكِّل وحدة تامة ومنغلقة لا وجود له ، ولا يوجد هناك نص أصيل أو متجانس ، ومن هنا يلتقي "دريدا" مع "كريستيفا" في ما تسميه "تكوينية النص" أو "أصوله".

















[1]- جورج لوكاتش : "الرزاية" . ترجمة مرزاق بقطاش . ص 10.

[2] - أحمد منور : "محاولة في فهم أفكار جاك دريدا " .مجلة اللغة والأدب . العدد10. ص62.










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:32   رقم المشاركة : 174
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المحاضرة الثالثة:

التناص .
1- في مفهوم التناص :
لقد حدّد باحثون كثيرون مثل "كريستيفا" و "ريفاتير" مفهوم التناص ، غير أنّ أيّ واحد منهم لم يضع تعريفا جامعا مانعا له ، وهذا راجع لكون مصطلح "تناص" تتغيّر دلالته من باحث إلى آخر توسيعا وفهما بالعلاقة مع المفهوم الذي للباحث عن النص ذاته ، فللنص تعاريف عديدة تعكس توجهات معرفية ونظرية ومنهجية مختلفة ، فهناك التعريف البنيوي وتعريف اجتماعيات الأدب والتعريف النفساني وتعريف اتجاه تحليل الخطاب ، ومن دون شك فإنّ هذه الاختلافات ستؤطِّر كل تعريف يقوم به هذا الباحث أو ذاك .
فسعيد يقطين ربطه بِ "نصية النص" ، يقول : « إنّ جزءاً من نصية النص تتجلى من خلال "التناص" كممارسة تبرز عبرها قدرة الكاتب على التفاعل مع نصوص غيره من الكتاب وعلى إنتاجه لنص جديد ، هذه القدرة التي لا تتأتّى إلا بامتلاء خلفيته النصية بما تراكم قبله من تجارب نصية وقدرته على تحويل تلك الخلفية إلى تجربة جديدة قابلة لأن تسهم في التراكم النصي القابل للتحويل والاسترار بشكل دائم» .
ويطرح "يوري لوتمان" مفهوما للنص يعلق وجوده فيه على مفهوم التناص ، لأنه يجعل العلاقة بينهما كالعلاقة بين الكلام واللغة في مفهوم "دي سوسير" ، وبالتالي يجعل كلاّ من المفهومين قاعدة لتأسيس إشارية العمل الأدبي . فالتناص حسبه هو الذي يهب النص قيمته ومعناه ، ليس فقط لأنه يضع النص ضمن سياق يمكننا من فض مغاليق نظامه الإشاري ويهب إشارته وخريطة علاقاته معناها ، ولكن هو الذي يمكننا من طرح مجموعة من التوقعات عندما نواجه نصا ما ، وما يلبث هذا النص أن يشبع بعضها وأن يولد في الوقت نفسه مجموعة أخرى .
وهكذا نكتشف البؤرة المزدوجة للتناص ، إنه يلفت اهتمامنا إلى النصوص الغائبة والمسبقة ، وعلى التخلي عن أغلوطة استقلالية النص ، لأنّ أي عمل يكتسب ما يحققه من معنى بقوة كل ما كُتِبَ قبله من نصوص . كما أنّه يدعونا إلى اعتبار هذه النصوص الغائبة مكوِّنات لشفرة خاصة يُمَكِّنُنا وجودُها من فهم النص الذي نتعامل معه وفض مغاليق نظامه الإشاري ، وازدواج البؤرة هنا هو الذي لا يجعل التناص نوعا من توصيف العلاقة المجددة التي يعقدها نص ما بالنصوص السابقة ولكنه يتجاوز ذلك إلى الإسهام في البناء الاستطرادي والمنطقي لثقافة ما ، وإلى استقصاء علاقاته بمجموعة من الشفرات والمواصفات التي تجعله احتمالا وإمكانية داخل ثقافة ما ، والتي تبلور احتمالات هذه الثقافة .
وحدّدت "جوليا كريستيفا" المجال التناصي بقولها :« إنه مهما كانت طبيعة المعنى في نص ما ، ومهما كانت ظروفه كممارسة إشارية فإنه يفترض وجود كتابات أخرى .. وهذا يعني أنّ كل نص يقع من البداية تحت سلطان كتابات أخرى تفرض عليه كونا أو عالَماً بعينه ». ولا بدّ هنا من التنبيه إلى أنّ الوقوع تحت سلطان الكتابات السابقة لا يعني بالضرورة الخضوع التام والمطلق لها ، إنّ النص وهو يقيم علاقة مع نصوص سابقة أو يقع تحت سلطانها فإنّ درجة الاستسلام والانقياد لهذا السلطان مختلفة من نص إلى آخر ، لأنّ التناص يزوِّدنا بالتقاليد والمواصفات والمسلَّمات التي تمكِّننا من فهم أي نص نتعامل معه والتي أرستها نصوص سابقة ، ويتعامل معها كل نص جديد بطريقته ، يحاورها ، يصادر عليها، يدحضها ، يقبَلها ، يرفضها ، يسخر منها أو يشوهها ، وهو في كل حالة من هذه الحالات ينميها ويرسخها ، ويضيف إليها . وهذا ما يقودنا إلى تحديد بعض مظاهر التناص .
2-مظاهر التناص :
2-1- النص الغائب :
يورد "صبري حافظ" مثالا من خلال تجربته الشخصية ، وفحوى هذا المثال أنه لم يطّلع على كتاب "فن الشعر" لأرسطو إلا بعد تجربة ثقافية معيّنة ، ولكنه عندما قرأ هذا الكتاب لم يجد فيه شيئا مثيرا أو جديدا ، لأنّ معظم الأفكار الواردة فيه سبق للناقد أن تعرّف إليها في مطالعاته المختلفة ، ولهذا صرّح صبري حافظ قائلا: « وقد أدهشتني هذه الظاهرة وقتها ، ولم أعرف ساعتها أنني كنت أعيش أحد أبعاد الظاهرة التناصية دون أن أدري . فقد كان كتاب "أرسطو" العظيم بمثابة النص الغائب بالنسبة للكثير من الأعمال النقدية التي قرأتها وتفاعلت معها ، وحاورتها وتأثرت بها . النص الذي ذاب في معظم ما ما قرأت من أعمال نقدية وأصبح من المستحيل فصله عنها أو عزل أفكاره عن سدى أفكارها أو لحمتها ، لأن رؤاه وأحكامه قد صارت نوعا من البديهيات الأساسية التي تصادر عليها معظم الكتابات النقدية التي قرأتها ، وبالتالي قاعدة غير مرئية ينهض عليها البناء النقدي لهذه الكتابات ».
بمعنى أنّ هناك بعض النصوص تتسلل إلى مكوِّناتنا الثقافية من دون أن نمتلك القدرة على تحديد هذا التسلل وطبيعته ، كما أنّ هذه النصوص تكوِّن جانبا من القاعدة التي ننطلق منها في الحكم وتقييم النصوص التي ندرسها أو نتعامل معها إبداعا ونقدا .
2-2- الإحلال والإزاحة :
النص عادة لا ينشأ من فراغ ، ولا يظهر في فراغ ، إنه يظهر في عالم مليء بالنصوص الأخرى ، ومن ثمّة فإنه يحاول الحلول محلّ هذه النصوص أو إزاحتها من مكانها ، وعملية الإحلال لا تبدأ بعد اكتمال النص وإنما تبدأ منذ لحظات تَخَلُّق أجنته الأولى ، وتستمرّ بعد بعد اكتماله وتبلوره . قد يقع نص في ظل نص أو نصوص أخرى ، وقد يتصارع مع بعضها ، وقد يتمكن من الإجهاز على بعضها الآخر ، ولهذا تترك جدليات الإحلال والإزاحة بصماتها على النص ، وهي بصمات هامة توشك معها فاعلية النص المزاح ألا تقلّ في أهميتها وقوة تأثيرها عن فاعلية النص "الحالّ" الذي احتل مكانه أو شغل جزءا من هذا المكان .
2-3- الترسيب :
النص عادة ما ينطوي على مستويات أركيولوجية مختلفة ، على عصور ترسّبت فيه تناصيا الواحد عقب الآخر دون وعي منه أو من مؤلفه ، وتحوّل الكثير من هذه الترسبات إلى مصادرات وبديهيات ومواصفات أدبية يصبح من الصعب إرجاعها إلى مصادرها أو حتى تصوّر أنّ ثمّة مصادر محدّدة لها ، فقد ذابت هذه المصادر كليّة في الأنا التي تتعامل مع النص ، فالنص ينطوي على عدّة عصور ولا بدّ أن تتقبّل أي قراءة له هذه الحقيقة وتنطلق منها .
2- 4- السياق :
بدون وضع النص في سياقٍ يصبح من المستحيل علينا أن نفهمه فهما صحيحا ، وبدون السياق نفسها يتعذّر علينا الحديث عن الترسيب أو النص الغائب أو الإحلال لأنّ هذه المفاهيم تكتسب معناه المحدّد –كالنص تماما- من السياق الذي تظهر فيع وتتعامل معه .
والنص الأدبي لا يعرف واحدية السياق وإنما ينحو دائما إلى طرح مجموعة من السياقات التي قد تتباين وتتعارض أحيانا ، ولكنها في تباينها وتعارضها تتناظر مع مستويات النص وعصوره المختلفة ، كما أنّ السياق هو الذي يحدّد مجال التناص في حدّ ذاته .
2-5-المتلقي :
لم يعد القارئ تلك الذات السلبية والثابتة المدعوّة سلفا وببساطة " المرسل إليه" أي مفعولا به يقع عليه فعل الكتابة ، بل أضحى فاعلا ديناميا يؤثِّر بالنصِّ فيصنع دلالته ، وهكذا أصبحت سيرورة القراءة تُدْرَك كتفاعل مادي محسوس بين نص القاريء ونص الكاتب . فالقراء المتعاقبون هم الذين يحققون العمل الأدبي من خلال قراءاتهم المتعدِّدة والمتجددة له ، وعليه فهم يمنحون النص الأدبي حياة مستمرة ، وبهذا المعنى تصبح القراءة إعادة كتابة ، كتابة النص ، لا استهلاكا سلبيا لمُنْتَجٍ جاهز ونهائي . فالقاريء وهو يمارس فعل القراءة يتناص مع نصوص أخرى مثل الكاتب تماما ، هذه النصوص تحدِّد طبيعة العلاقة التي يقيمها مع النص المقروء .












رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:33   رقم المشاركة : 175
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المحاضرة الرابعة

السردية

حظيت القصة بمختلف أنواعها وبخاصة بدراسات كثيرة نشأ منها في عصرنا مبحث يسعى إلى الاستقلال بنفسه أو على الأقل إلى التخصص الدقيق والتميّز عن سائر البحوث التي يستعمل بعض أدواتها ومفاهيمها وطرائقها أحيانا ، وقد عُرِف هذا المبحث الجديد بِ"السردية" أو "علم السّرد" . وشمل في الأصل جميع ما هو متصل بالسّرد ، مع اهتمام خاص بالقصص الأدبي والفني ، ويمكن أن يُعرف هذا "العلم" بكونه فرعا من علم العلامات العام ( السياميائية) . وفيه يجتهد الدارسون لتحليل أنماط التنظيم الداخلي في بعض أنواع النصوص السردية ....
ومن هنا يحسن التمييز الدقيق بين أنواع النصوص ( نص سردي – نص حجاجي- نص وصفي) ، وأنواع الخطاب ( الرواية – الشريط السينمائي – الصور المتحركة) .
وتعود بدايات هذا المبحث الجادة إلى العشرينيات عندما انصرف اهتمام الشكلانيين إلى النصوص النثرية بعد أن كان اهتمامهم منحصرا في النصوص في النصوص الشعرية ، وفي هذا الإطار ظهرت الدراسة العلمية الدقيقة للقصة على يد "فلاديمير بروب" في كتابه "بنية الحكاية العجيبة" الذي أصدره سنة 1928 والذي عُدّ فتحاً مبينا في السردية . فقد خرج فيه صاحبه عن الدراسات العامة الرجراجة وتخصص تخصصا دقيقا في نوع قصصي كان يُعَدُّ في الغالب من أمر العامة لا من شواغل أهل العلم ، ثمّ أنّ "بروب" قد سما في كتابه عن الشواغل التاريخية وغيرها ورام ضبط نوع قصصي محدّد هو الحكايات الشعبية العجيبة وحدّد منهجا معيّنا لدراستها وهو الوصف العلمي القائم على تحديد المكونات ثم الملاحظة فالتحليل فالاستنتاج .
وبعد ثلاثة عقود تُرْجِم هذا العمل إلى الانجليزية سنة 1958 وبعدها إلى الفرنسية، فأثّر هذا البحث تأثيرا عميقا ومباشرا في البحوث القصصية التي جاءت بعده ، وتفاعل معه عالمان هما "كلود ليفي شتراوس" و "رومان جاكبسون" . كما أثّر عمل بروب في مجال تحليل الأساطير وكذلك في دراسة منطق القصة خاصة مع "كلود بريمون" الذي نشر مقالة بعنوان "الرسالة السردية" سنة 1964 ، ثم ظهر سنة1966 كتاب "قريماس" "الدلالة البنيوية" الذي عُدّ أول كتاب يؤسس لعلم العلامات السردي .
ثم تلاحقت الكتب والمقالات لبناء هذا المبحث "علم السرد" وتميزه عن سائر فروع العلوم المتصلة به .
وقد ظهر في دراسة القصة اتجاهان : اتجاه يركز على عمل النص ذاته وعلى طريقة اشتغاله ،أي على نموه وحركته ومآله وهو الاتجاه الذي استند إلى مباحث "بروب".
واتجاه ثان يركّز على وظائف النص خارج عالمه اللغوي أي على اندراجه في تفاعل متبادل مع ما هو خارج النص ، وهذا الاتجاه مثّلَه "باختين" وأعلام آخرون.
وقد بقي هذان الاتجاهان منفصلين لاختلاف الشواغل والمنطلقات والمصطلحات لدى كلّ ممثّل منهما ، وقد حاول "جيرار جينيت" أن يوفق بينهما في كتابه المشهور "صور iii ".










المبحث الثاني

المنهج البنيوي










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:35   رقم المشاركة : 176
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الثاني


البنـــــــــــــــــــــــــيــــــــــــــــــــ ـــــويـــــــــــــــــــة



1-المنهج البنيوي في تحليل الخطاب القصصي:
1.البنية الزمنية:
تتأطّـر القصّة أيّاً كان نوعها باعتبارها أحداثا تتوالى وفق نظام خاصٍّ بعنصرين متلازمين باعتبارهما مكتنفين ضرورة فعل الإنسان أو من قد ينوبه ، وهما: الزّمـان والمكـان .لـكنّ هـذين العنصرين مختلفان في طبيعتهما وفي تعامل الإنسان معهما،ذلك أنّ المكان ذو أبعاد ومرجعيّات ماديّة محسوسة،أما الزّمان فليس محسوساً بصفة حسّية آليّة ،وإنّما يدرك على نحوٍ مخصوصٍ.
فالإنسان يمكنه أن يمضي من المكان في أيِّ اتجاه أراد ،ويمكنه أن يرجع القهقرى،أما الزّمان فإنّه لا يستطيع إلاّ أن يمضي معه قدماً في اتجاه خطيٍّ ،فهو يتّسم بعدم قابليّة الارتداد.
والقصّة هي تخطيبٌ لمادّةٍ حكائيّة ،بكلِّ ما تستلزمه عمليّة السّرد ثمّ الكتابة من تقنيّات ،والحكاية في تحوُّلها إلى قصّة تتعرّض كما ترى "مييك بال " لعمليّات ،أهمّها عمليّة التّنظيم والتّرتيب[1].
فإذا كان منطق الوقائع يفترض حدوثها في سيرورة زمنيّة خطِّيّة وحيدة الاتجاه فإنّ الخطاب القصصيَّ غالباً ما يؤخِّر على مدى متفاوتٍ ذكرَ بعض الوقائع ،وأحياناً يقدِّم على تفاوتٍ مماثل بعضها الآخر، لتنشأ مع ذلك النّسيج الـمُتميِّز والمترابط علاقة تفاعل خطابٍّي من الإثارة والتّشويق ومن الفنيّة والجماليّة القصصيّة[2].
إنّ معاينة التّنافر الزّمنيِّ القائم بين نظام الحكي ونظام القصّة يستدعي ضمنيًّا وجود الدّرجة الصِّفر(الحكي الأول)، إنّه حاضر القصّة زمنياً ، ويتحدّد هذا الحاضر داخليًّا من خلال راهنيّة إنجاز الحدث الأوّل في القصّة، أو من خلال ما يسمِّيه "جيرار جينيت" بالحكي الأوّل ،وبذلك يتحدّد ما هو قبلُ وما هو بعدُ بعلاقته بهذا الحكي[3].
إنّ تحديد الحاضر يتمّ على مستوى التّمفصلات الزّمنيّة الكبرى للحكي، أي على مستوى ما يأخذه الزّمن من علاقات بين الحكاية والقصّة على مستوى عام[4].
وعندما ننطلق من كون الحكاية قد وقعت في الماضي يكون السّؤال:ماذا يفعل الخطاب القصصي في هذا الصدّد؟هل يحكي القصّة كشيء تمّ في الماضي؟ أم أنّه يسعى إلى ترهينها؟ وكيف يرسل الخطاب ذلك من خلال ربط علاقة الحكاية والقصّة؟إنّ تحديد الحاضر حسب المستوى الدّاخلي يتيح لنا تحليل زمن القصّة والوقوف على تمفصلاته الزّمنيّة الكبرى والصّغرى والكيفيّة التي تمّ بها تخطيب زمن الحكاية[5].
تطبيق :
ورد في رواية "ذاكرة الجسد" للروائية الجزائرية "أحلام مستغانمي" الفقرة الآتية :
«أغرتني هذه الفكرة من جديد ، وأنا أستمع إلى الأخبار هذا المساء وأكتشف، أنا الذي فقدت علاقاتي بالزمن ، أنّ غدا سيكون أوّل نوفمبر .. فهل يمكن لي ألاّ اختار تاريخا كهذا لأبدأ به هذا الكتاب ؟
غدا ستكون قد مرّت 34 سنة على انطلاق الرصاصة الأولى لحرب التحرير...»[6]
لقد حدّدت الروائية في هذه الصفحة وهي الصفحة 24 من روايتها ما سمّيناه زمن الحكي الأول ، إنّه حاضر الرواية ، وبعملية حسابية بسيطة نتمكّن من تحديد وضبط هذا التاريخ . ( 1954 + 34 = 1988) . معنى ذلك أنّ زمن إنجاز الحدث الأول في الرواية هو 31 أكتوبر 1988. إنّ تحديد الحاضر يسمح لنا بتحديد التمفصلات الزمنية الكبرى للحكي ، ويتحدّد ما هو قبل وما هو بعد .


1 ـ1 ـ1 .النِّظام الزّمني;ordre

[1] - صحراوي،ابراهيم:"تحليل الخطاب الأدبي :دراسة تطبيقية" دار الآفاق-الجزائر -ط1 -1999.ص29.

[2] - سعيد ،يقطين :"تحليل الخطاب الروائي"-المركز الثقافي العربي-ط2-1993.ص90.

[3] - نفسه . ص 91.

[4] - نفسه :ص92.

[5] - نفسه : ص 95.

[6]أحلام مستغانمي : " ذاكرة الجسد" . ص 24.










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:36   رقم المشاركة : 177
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

1 ـ1 ـ1 .النِّظام الزّمني;ordre temporel ' L
ليس من الضّروريِّ_ من وجهة نظر البنيويّة _ أن يتطابق تتابع الأحداث في رواية ما أو في قصّة مع التّرتيب الطّبيعي لأحداثها، كما يُـفْتَرَضُ أنهّا جرت بالفعل[1].وظهر لنا في زمن المادة الحكائيّة ـ وكلّ مادّة حكائيّة ذات بداية
ونهاية ـ أنّها تجري في زمنٍ سواءٌ أكان هذا الزّمن مسجّلاً أم غير مسجّلٍ كرونولوجيّا أو تاريخياً، والتّطابق بين زمن الحكاية وزمن القصّة لا نجد له مثالا إلاّ في بعض الحكايات العجيبة القصيرة على شرط أن تكون أحداثها متتابعة وليست متداخلة.وهكذا فبإمكاننا التّمييز بين زمنين في كلِّ قصّة:
ـ زمن القصّة.
ـ زمن الحكاية.
ونقصد بزمن القصّة تجليّات تزمين زمن الحكاية وتمفصلاته وفق منظور خطابيٍّ متميِّزٍ، يبقى أن نشير إلى أنّ هناك زمناً ثالثأً هو زمن السّرد، والذي يبدو مترابطا بزمن القراءة في علاقة ذلك بتزمين زمن الخطاب أي بإنتاجيّة النّصّ[2].وتزمين زمن الحكاية يتمّ وفق منظورٍ خطابيٍّ متميِّز، وهي نقطة جوهريّة في العمل القصصيِّ تتمثّل في لا اعتباطية هذه التّمفصلات[3].وتتجلّى لنا المفارقات الزّمنيّة بوضوح من خلال الحقول الزّمنيّة وتموقعها في القصّة ،أمّا إذا تتبّعنا التّمفصلات الزّمنيّة الصّغرى وقابلناه مع الأحداث كما يُتّفَقُ أن تكون قد وقعت في الواقع، فإنّ المفارقات تبدو أكثر جلاءً ووضوحاً، ويتّضح لنا كيف تمّ تزمين زمن الحكاية وفق منظورٍ قصصيٍّ معيّن ،لنقف في الأخير على مقاصد ذلك ونتوصّل إلى هذا بمعاينة السّوابق واللّواحق وتحديد وظائفهما.
اللواحق :
اللاحقة عملية سردية تتمثّل في إيراد حدث سابق للحظة الزمنية التي بلغها السرد، وتسمى هذه العملية الاستذكار Rétrospection .
ولكل لاحقة مدى وعمق :
-المدى : هو المسافة الزمنية الفاصلة بين اللحظة التي وصلها السرد والنقطة التي عادت إليها اللاحقة .
- العمق : هو الفترة الزمنية التي تغطيها هذه اللاحقة .
وتقسم اللواحق إلى قسمين :
- لواحق خارجية : وهي التي تتعيّن نقطة المدى فيها خارج الحقل الزمني للقصة، فلا تتداخل مع القصة الأولى .
- لواحق داخلية : زمنها هو زمن القصة ، وكثيرا ما يتداخل زمنها مع زمن القصة .
وظائف اللواحق :
- إعطاء معلومات عن ماضي عنصر من عناصر القصة ( شخصية – إطار...)
- سدّ ثغرة حصلت في النص القصصي .
- تذكير بأحداث ماضية وقع إيرادها فيما سبق من السرد .

تطبيق :
1-ورد في رواية "ذاكرة الجسد" وفي الصفحة 25 الفقرة الآتية :
« ذات يوم منذ أكثر من ثلاثين سنة سلكت هذه الطّرق ، واخترت أن تكون تلك الجبال بيتي ومدرستي السريّة التي أتعلّم فيها المادّة الوحيدة الممنوعة من التدريس. وكنت أدري أنّه ليس من بين خرّيجيها من دفعة ثالثة ، وأنّ قدري سيكون مختصرا بين المساحة الفاصلة بين الحريّة ..والموت.»
هذه لاحقة ، فقد عادت الكاتبة بالقارئ ثلاثين سنة إلى الخلف بعدما حدّدت زمن الحكي الأول من قبل ، عادت به إلى زمن الثورة بتقنية من تقنيات السرد . واللاحقة عملية سردية تتمثّل في إيراد حدث سابق للنقطة الزمنية التي بلغها السّرد وتسمّى هذه العملية الاستذكار .


السوابق :
السابقة عملية سردية تتمثل في إيراد حدث آتٍ ،أو الإشارة إليه مسبقا ، وهذه العملية تسمى في النقد التقليدي عملية (سبق الأحداث ) Anticipation . وهي أقل تداولا من اللواحق ، والسوابق هي أيضا بدورها تقسّم إ‘لى سوابق داخلية وأخرى خارجية.
وظائف السوابق :
- ترد لتسدّ مسبقا ثغرة في السرد .
- تلعب دور الإنباء ، ويرد الإنباء عادة في العبارة : ( سنرى فيما بعد ) .
تطبيق :
2- ورد في رواية" ذاكرة الجسد" في الصفحة 24 هذه الفقرة :
« ولذا سيكون الغد يوما للحزن مدفوع الأجر مسبقا .
لن يكون هناك من استعراض عسكري ، ولا من استقبالات ، ولا من تبادل تهاني رسميّة .
سيكتفون بتبادل التهم ..ونكتفي بزيارة المقابر.»
هذه سابقة ، فقد استبقت الروائية الأحداث ، وأشارت إلى ما يحدث في الغد . والسابقة هي عملية سرديّة تتمثّل في إيراد حدث آتٍ الإشارة إليه مسبقا وهذ العملية تسمى في النقد التقليدي "سبق الأحداث" Anticipation .

1-1-2.المــدّة:La durée
إذا كان من السّهل أن نقارن النِّظام الزّمني لحكاية ما مع النِّظام الزّمني الذي تبنّاه الرّاوي لكي يحوِّلها إلى عمل قصصيٍّ، فإنّ الأمر يصبح أكثر صعوبة إذا تعلّق بمقارنة جادّة نريد أن نقيمها بين زمن الحكاية وزمن السّرد[4]. و يتمثّل تحليل مدّة النّص القصصي في ضبط العلاقة التي تربط بين زمن الحكاية الذي يقاس بالثّواني والدّقائق والسّاعات والشّهور والسّنوات وطول النّصّ القصصيّ الذي يُقاس بالأسطر والصّفّحات والفقرات، ومن خلال ما تقدّم يمكن تقسيم الزّمن في القصّة إلى ثلاثة أقسام:
ـ زمن الحكاية.
ـ زمن القصّة .
ـ زمن السّرد[5].
وزمن السّرد هو التّجسيد الأسمى لزمن القصّة وزمن الحكاية في ترابطهما وتكاملهما[6]، إلاّّ أنّ مقارنته بالأزمنة السّابقة تكاد تكون مستحيلة، فِ "جيرار جينيت" يجزم بأنّه يستحيل قيّاس مدّة النصّ وزمن النّص يرتبط أوّلا بزمن إنتاجيّته[7]، وهذا الزّمن يستحيل قياسه لأنّه متعلِّق بالكاتب، وفي القرآن الكريم يتعلّق بالتّـنـزيل ،كما يرتبط بزمن القراءة ،والقراءات تختلف باختلاف الأفراد،وايقاعها وسرعتها متعلِّقة بالأشخاص، ولا يوجد نظام محدّد تضبط به سرعة القراءة، وقد يبدو للنّقاد أنّ زمن االنّص يلتقي مع زمن الحكاية في المشاهد الحواريّة ،أي في صيغة الخطاب المعروض حين يغيب الرّاوي ويترك الشّخصيّات تتحدّث إلى بعضها البعض، إلاّ أنّ "جيرار جينيت" يصرّ على صعوبة مقارنة زمن الحكاية بزمن النّصِّ،ويشي

[1] - حميد،الحمداني:"بنية النّص السردي"-المركز الثقافي العربي-ط2. 1993.ص73.

[2] - سعيد، يقطين: "تحليل الخطاب الروائي" . ص88

[3]-ـحميد،الحمداني:نفسه.ص74.

[4]- J .L . Domortier et F . R .Plazanet : Pour lire le recit .Editions du seuil . Paris .72. P.93

[5]- - Gérard Genette: F 111 . P. 7


[6] - -سعيد،يقطين: نفسه .ص 89.

[7]--Gérard genette: F111. P 122 .










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:37   رقم المشاركة : 178
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

ويشير إلى أنّه إذا كان الحكي الأوّل يسمح بإبراز المفارقات بين تتابع الأحداث في الحكاية وتتابعها في القصّة فإنّه يصعب عليه أن يكون منطلقا لإبراز التّداخل بين زمن السّرد وزمن القصّة، فحتى وإن كان المشهد حوارياّ معروضا بأسلوبٍ مباشر فإنّه يتمكنّ من إعطائنا نمطا أو نوعا أومجالا للمساواة بين المقطع السّرديّ (النّصّ)والمقطع المتخيّل(الحكي) لأنّه يروي أقوالا كما قيلت دون تدخّل للسّارد، إلاّ أنّه لا يضبط السّرعة التي قيلت بها هذه الأقوال،ولا يشيرإلى الزّمن الميّت الذي تخلّلها، فقد يتوقّف المتحدِّث قليلا في الحكاية أثناء حديثه ليفكِّر فيما يقوله،وقد يتباطأ المحاور في الردّ،كما يمكن أن يكون ردّه سريعا جدّا ،وعند قراءة النّصّ لا نلتزم بهذه الفلتات الزّمنيّة ،وهكذا يصبح من الصّعب الجزم بقيّاس المدّة[1] حتى وإن كان مجالها المشهد المعروض.
وهكذا إذا كانت دراسة المدّة وقـيّاسها غير ممكنة في جميع الحالات ،فإنّ ملاحظة الإيقاع الزّمني ممكنة دائما بالنّظر إلى اختلاف مقاطع الحكي وتباينها،لهذا يقترح"جينيت" أن يدرس الايقاع الزّمني من خلال التِّقنيات الحكائيّة التّاليّة:
الإضمار ـ المجمل ـ المشهد ـ الوقف.

1-2-1-1.الإضمــار:ةlipse
ويسمّى "الحذف" و "القطع" وهو الجزء المسقط من الحكاية،أي المقطع المسقط في القصّة من زمن الحكاية،ويلجأ إليه الرِّوائيون التّقليديّون في كثير من الأحيان ليتجاوزوا بعض المراحل من القصّة دون الإشارة بشيء إليها[2]، و قد يكون القطع محدّدا كقول الرّاوي ـ "ومرّت سنتان "ـ وقد يكون غير محدّدٍ كقوله ـ"وانقضى وقت طويل"ـ وإذا كان القطع عند التّقليديِّين مُصرّحا به فالرِّوائيّون الجدد استخدموا القطع الضِّمني الذي لا يصرِّح به الرّاوي وإنّما يدركه القارىء فقط بمقارنة الأحداث بقرائن الحكي نفسه[3]. والقطع يُحقِّق مظهر السّرعة في عرض الوقائع بإلغائه للتّفاصيل الجزئيّة،حيث أنّ :
زق= 0 ، زح = س
تطبيق :
جاء في "ذاكرة الجسد"هذه الفقرة :
« انتهى رمضان . وها أنا أنزل من طوابق سموي العابر ، وأتدحرج فجأة نحو حزيران. ذلك الشهر الذي كنت أملك أكثر من مبرّر للتشاؤم منه .» ص243.
ألغت الكاتبة الأحداث التي جرت في شهر رمضان ، واكتفت فقط بالإعلان عن نهايته ، والأكيد أنّ شهرا كاملا تجري فيه أحداث كثيرة ، ولكن الكاتبة اختارت أن تسقطها من روايتها بهذه التقنية المسماة تقنية الإضمار أو الحذف .

1-1-2-2 .المجمل: Sommaire
ويمكن تسميّته "الملخّص" أو القصّة الموجزة ،يختزل فيه الرّاوي أحداثاً ووقائع يُفترض أنّها جرت في سنوات أو أشهر أو ساعات في صفحات أو أسطر قليلة، دون التّعرّض للتّفاصيل[4] وقد ظلّ المجمل حتى نهاية القرن 19 يشكِّل عنصراً ملائما للانتقال بين مشهدين في العمل القصصي ،فيشكِّل بذلك النّسيج الذي يربط بين وحدات النّـصّ القصصي. وهذا النّسق عبارة عن تقلّص للحكاية على مستوى النّصّ،وهو عنصر يُمَكِّن حسب "جيرار جينيت" الانتقال من مشهد إلى المشهد الموالي، وتكون معادلة المجمل النّظرية كما يلي[5]:
زق> زح
تطبيق :
ورد في الرواية ما يلي :
« يوم 10نوفمبر 1955 ، بعد صلاة المغرب ، كان مصطفى بن بوالعيد ومعه عشرة آخرون من رفاقه ، قد هربوا من سجن (الكديا) ، وقاموا بأغرب عمليّة هروب من زنزانة لم يغادرها أحد ذلك

[1]-Ibid: 123

[2]حميد،الحمداني: نفسه .ص77.

[3]Ibid: P139

[4]- حميد،الحمداني:نفسه. ص75

[5]- جميل،شاكر.وسمير،المرزوقي:"مدخل إلى نظرية القصة" -ديوان المطبوعات الجامعية-الدار التونسية للنشر-1985.ص50









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:39   رقم المشاركة : 179
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

تطبيق :
ورد في الرواية ما يلي :
« يوم 10نوفمبر 1955 ، بعد صلاة المغرب ، كان مصطفى بن بوالعيد ومعه عشرة آخرون من رفاقه ، قد هربوا من سجن (الكديا) ، وقاموا بأغرب عمليّة هروب من زنزانة لم يغادرها أحد ذلك اليوم ..سوى إلى المقصلة . بعد ذلك سقط مصطفى بن بوالعيد وبعض من فرّوا معه شهداء في معارك أخرى لا تقلّ شجاعة عن عمليّة فرارهم .» الرواية ص 324.
في هذا المقطع من الرواية لخّصت الكاتبة قصة فرار الشهيد مصطفى بن بوالعيد من السجن واستشهاده بعد ذلك في ثلاثة أسطر ، ولو شاءت لجعلت من هذه القصّة رواية لوحدها وذلك بذكر كلّ التفاصيل ،أما وأنها قلّصتها بهذا الشّكل المكثّف والمركّز فتكون قد طبّقت تقنية المجمل .

1-1-2-3.المشهد : Scéne
هو المقطع الحواريُّ الذي يأتي في تضاعيف السّرد ،وهو يمثِّل الفترة الحاسمة، فبينما يقع غالباً تلخيص الأحداث الثّانويّة يصاحب الأحداث والفترات الهامّة تضخّم نصّيٌّ[1]، لذلك فالمشهد هو اللّحظة التي يكاد يتطابق فيها زمن القصّة بزمن الحكاية من حيث مدّة الاستغراق.
ز ق = ز ح
ومع ذلك ينبغي أن لا نغفل أنّ الحوار الواقعيَّ الذي يمكن أن يدور بين أشخاص معيّنين قد يكون بطيئا أو سريعا حسب طبيعة الظّروف المحيطة،كما أنّه ينبغي مراعاة لحظات الصّمت أو التّكرار ممّـا يجعل التّحفظ على الفرق بين زمن حوار النّص وزمن حوار الحكاية قائماً على الدّوام[2].
تطبيق :
جاء في نفس الرواية ما يلي :
«- هل يسعدك أن أناديك "حياة" ؟
قلتِ متعجبة :
- لماذا ؟..ألا يعجبك اسمي الحقيقي ..أليس أجمل؟
قلتُ :
- أنه حقا أجمل ..حتى إنني تعجّبت وقتها كيف خطر اسم كهذا في بال والدك.» الرواية ص 110.
توقّف السّرد في هذا المقطع وفسح المجال أمام شخصيات الرواية لتبادل الحديث وبذلك تساوى زمن القصّة وزمن الحكاية .
1-1-2-4.الوقف :Pause
ويسمّى الاستراحة ،والوقف يقتضي عادة انقطاع السّيرورة الزّمنيّة ويعطِّل حركتها نتيجة توقّفات معيّنة يحدثها الرّاوي بسبب لجوئه إلى الوصف،إذ إنّ الرّاوي عندما يشرع في الوصف يعلِّق بصفة وقتيّة تسلسل أحداث الحكاية أو يرى من الصّالح قبل الشّروع في سرد ما يحصل للشّخصيّات توفير معلومات عن الإطار الذي ستدور فيه الأحداث[3].
غير أنّ الوصف باعتباره استراحة وتوقّفا زمنيّا قد يفقد هذه الصِّفة عندما يلجأ الأبطال أنفسهم إلى التّأمل في المحيط الذي يوجدون فيه، كما أنّ الرّاوي المحايد بإمكانه أن يوقف الأبطال على بعض المشاهد ويخبر عن تأمّلهم فيها واستقراء تفاصيلها ،ففي هذه الحالة يصعب القول بأنّ الوصف يوقف سيرورة الحدث، لأنّ التّوقّف هنا ليس منفعل الرّاوي وحده ولكنّه من فعل طبيعة القصّة وحالات أبطالها ، ولقد قدّم "جيرار جينيت" مثالا حيّـا من رواية"بحثا عن الزمن الضائع" ل "مارسيل بروست" فرأى أنّ أكثر من ثلث مقاطع الوصف في هذه الرِّواية لا يسبِّبتعطيلا زمنيّا في مسار الأحداث وهو يقول في هذا الصّدد[4]:"إنّ الوصف لا يحدّد أبدا استراحة او انقطاعا في القصّة أو-بحسب التّعبير التّقليدي-انقطاعا في الفعل".

ومع ذلك ففي الجانب النّظري ينتج عن الوصف مقطع من النّص تطابقه ديمومة صفرٍ على نطاق الحكاية.
زق = س ، ز ح = 0
تطبيق :
جاء في الرواية ما يلي :
« ما زلت أذكر ملامح تلك العجوز الطيّبة التي أحبّتني بقدر ما أحببتها والتي قضيت طفولتي وصباي متنقلا بين بيتها وبيتنا . كان لتلك المرأة طريقة واحدة في الحبّ ، اكتشفت بعدها أنها طريقة مشتركة لكل الأمهات عندنا .» الرواية ص 107.
أوقفت الروائية سرد الأحداث ولجأت إلى الوصف ، لتقدّم لوحة تصف فيها شخصية من شخصيات الرواية .
1-2.التّواتر: La fréquence
التّواتر في السّرد هو مجموع علاقات التّكرار بين النّصّ والحكاية، وبصفة موجزة ونظريّة، من الممكن أن نفترض أربعة أنواع من هذه العلاقات[5]:
1.أن يروى مرّة واحدة ما حدث مرّة واحدة،ويسمّى القصّة المفردة .
مثال على ذلك :
وذلك ما لمسناه في رواية "ذاكرة الجسد " لما ذكرت حادث استشهاد مصطفى بن بوالعيد ، فالحدث وقع مرّة واحدة وذُكِرَ في الرواية مرّة واحدة .
«بعد ذلك سقط مصطفى بن بوالعيد وبعض من فرّوا معه شهداء في معارك أخرى لا تقلّ شجاعة عن عمليّة فرارهم .» الرواية ص 324.

2.أن يروى أكثر من مرّة ما حدث أكثر من مرّة، وهو شكل آخر للقصّة المفردة.
3.أن يروى أكثر من مرّة ما حدث مرّة واحدة، ويسمّى هذا الشّكل القصّة المكرّرة.
مثال على ذلك :
جاء في سورة الأعراف ، الآية 138ما يلي :
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَام...﴾ ومضمون الآية يشير إلى إنقاذ بني إسرائيل من فرعون ، وهذا الحدث وقع مرّة واحدة في تاريخ بني إسرائيل ولكنّ القرآن الكريم أعاد ذكره في سورة يونس الآية 90: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ ...﴾
4- أن يروى مرّة واحدة ما حدث أكثر من مرّة، ويسمّى القصّة المؤلّفة.
مثال على ذلك :
في سورة الكهف وفي صدد الحديث عن مكوث الفتية في كهفهم ، ذكر القرآن الكريم حدث تمثّل في الرعاية الإلهية التي كانوا محاطين بها في الآية 17 من السورة :﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً }﴾ فحدث الرعاية من حرّ الشمس كان يتكرّر كل يوم طيلة
طيلة السنوات التي قضاها الفتية في الكهف إلا أنّ القرآن ذكره مرّة واحدة.



[1]- نفسه:ص93


[2]- حميد،الحمداني: نفسه. ص78.


[3]- جميل،شاكر.وسمير ،المرزوقي: نفسه. ص80.


[4]-Gérard Genette : F111.P133

[5]- J.L . Demorti er et Fr.Plazanet : Pour lire le récit. A.de boek- Bruxelles-1985.p.97.









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:41   رقم المشاركة : 180
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


1-3.الصّيغة : Mode
يقوم السّرد على دعامتين أساسيّتين :أوّلهما أن يحتوي على قصّة تروي أحداثا معيّنة ، وثانيتهما أن يعيِّن الطّريقة التي تـُحكى بها تلك القصّة، ذلك أنّ قصّة واحدة يمكن أن تُحكى بطرقٍ متعدِّدة، وهكذا فالسّرد هو الكيفيّة التي تروى بها القصّة عن طريق القناة التالية:

الراوي

المروي له


¬القصة¬


وهذه القناة تخضع لمؤثِّرات بعضها متعلِّق بالرّاوي والمرويِّ له، والبعض الآخر متعلِّق بالقصّة نـفسها .وإذا شكّل
التحام التّرتيب بسرعة السّرد الوجه الأول لجماليّة العمل السّردي، فإنّ التحام صيغة السّرد بصوت الرّاوي يشكِّل الوجه المقابل له لِيُكَوِّنا معاً وحدته الكليّة،ويتكوّن منهما معاً النّسيج الجمالي الذي يؤدِّيه الخطاب السّردي.
إنّ وظيفة الخطاب السّردي القصصيِّ لا تتمثّل في إصدار الأوامر وإعلان الشّروط وتسجيل التّمنيّات، بل دوره يكمن في حكي قصّة، أو نقل أحداث حقيقيّة أو متخيّلة[1]، وبإمكان الرّاوي أن ينـقل حكيه بهذه الدّرجة أو تلك من التّأكيد، وهذا التّنويع في الدّرجات يتمّ بتنويع صيغ الخطاب، والخطاب القصصي بإمكانه تزويد القارىء بدرجات متفاوتة من التّفاصيل ،ومن مسافات مختلفة الأبعاد ،كما أنّه بإمكان الرّاوي التّنويع في الوجهة التي تقدّم من خلالها الأحداث ، حسب وجهة النّظر هذه أو تلك ،هذه القدرة وهذه الاختلافات الصِّيغية واستعمالاتها هي المقصودة من بحثنا في الصِّيغة السّرديّة.ذلك أنّ صيغة السّرد تنهض على ركيزتين متضافرتين ،الأولى خاصّة بالمسافة القائمة بين خطاب الرّاوي وخطاب الشّخصيّات، والثّانيّة خاصّة بالمنظور أو وجهة النّظر التي ينطلق منها خطاب الرّاوي في قصصه،في حين يتقدّم صوت الرّاوي ليعيِّن الموقع الذي يحلّ فيه هذا الخطاب بالنِّسبة للمعطيات القصصيّة التي يحدِّد معالمها[2].
1-3-1.المسافة : Distance
صيغة الخطاب تتعلّق بالطّريقة التي يقدِّم لنا بها الرّاوي القصّة أو يعرفها، والصِّيغتان الأساسيّتان تبعا لهذا هما :
-العرض Présentation .
مثال :
«قلت لك :
- لن يأخذ أحد منك الكتابة ..إنّ ما في أعماقنا هو لنا ولن تطوله يد أحد .
قلتِ:
- ولكن ليس في أعماقي شيء سوى الفراغات المحشوّة بقصاصات الجرائد ..بنشرات الأخبار ، وبكتب ساذجة ليس بني وبينها من قرابة .» الرواية ص 106.
-السّردNarration .
مثال :
« عندما دخلت القاعة، كنت أول من يطأها في ذلك الصباح . كان في الجو شحنة غامضة من الكآبة . لم يكن هناك من أضواء موجّهة نحو اللوحات ، ولا أي ضوء كهربائي يضيء السقف.» الرواية ص 78.
يتضح من خلال المثالين أنّ في الخطاب المعروض يتـمّ الاستشهاد الحَرْفي بأقوال الشّخصيّات ،ونجدنا أمام محاكاة خالصة.وفي الخطاب المسرود الرّاوي يروي الأحداث دون أن يفسح المجال أمام الشّخصيّات للحديث،وهو الخطاب الأبعد مسافة.ودراسة الصِّيغة السّرديّة تقودنا إلى الإجابة عن هذين السّؤالين:من أين يتكلّم المتكلِّم؟ ولمن يتكلّم[3]؟.إنّ نوعيّة العلاقة التي يقيمها السّارد مع خطابه يُـضاف إليها نوعيّة المتلقِّي لهذا الخطاب تمكِّننا من تحديد الصِّيغة السّرديّة كما يلي:
1-صيغة الخطاب المسرود:خطاب يرسله متكلِّم وهو على مسافة ممّا يقوله ،وهو الأبعد مسافة.
2-صيغة المسرود الذّاتي:خطاب يرسله متكلِّم إلى ذاته عن أشياء تمّت في الماضي ويبقى بينه وبين تلك الأشياءمسافة.
3-صيغة المعروض الذّاتي:خطاب يتحدّث فيه صاحبه إلى ذاته عن فعلٍ يعيشه وقت إنجاز الكلام.
4-صيغة الخطاب المعروض (المباشر):متكلِّم يتحدّث إلى آخر دون تدخلِّ الرّاوي وهو الخطاب الأقرب مسافة.
5-صيغة الخطاب المعروض غير المباشر: هو أقلّ مباشرة من المعروض، يتدخلّ فيه الرّاوي قبل أو أثناء أو بعد العرض
وفيه نجد المتكلم يتحدّث إلى آخر والرّاوي بتدخّلاته يؤشر للمتلقي غير المباشر.
6-صيغة المنقول المباشر :معروض مباشر ينقله متكلِّم غير المتكلِّم الأصلي.
7-صيغة المنقول غير المباشر :متكلِّم ينقل الخطاب دون أن يحتفظ بالأصل[4].
1-3-2.المنظــور: Pérspective
لقد كثُرت الدِّراسات وتضاربت الآراء في التّعامل مع هذا المفهوم كونه يشكِّل أحد أهمِّ مكوِّنات الخطاب السّردي متمثِّلا في الرّاوي وعلاقته بالعمل السّردي.والقارىء لا يلج عالم المغامرة (القصّة) من خلال راوٍ يضطلع بتقديم المادة فحسب ، وإنّما يلجه أيضا عبر مصفاة أولى سابقة لعمليّة السّرد ،وهذه المصفاة هي عين معيّنة أو إدراك معيّن .ولئن اقترنت لفظة الرّؤية (من رأى) بمعنى الإبصار الذي غلب عليها ،فإنّها في الحقيقة أوسع مجالا وأشمل معنىً باعتبارها تتّسع لجميع ضروب الإدراك .ومن البديهي ألاّ تكون الرّؤية دائماً من خلال عيني الرّاوي ،لأنّه قد يتخلّى في موضع أو مواضع معيّنة عن وظيفة الرّؤية لإحدى الشّخصيّات ،وفي هذه الحالة تكون الرّؤية بعين الشّخصيّة ،أمّا السّرد فيتمّ بلغة الرّاوي ،لكن المادّة التي ينقلها إنّما تكون من خلال إدراك شخصيّة أخرى غيره[5].
وقد عرف هذا المكوِّن تسميّات عديدة ،واختيار هذا الاسم أو ذاك يأتي في أحيانٍ كثيرة محمَّلا بدلالات أو أبعاد يُعطيها أيّاه هذا الباحث أو ذاك وفق تصوّره الخاصّ ونظريّته التي ينطلق منها، ومن هذه التّسميّات التي عرف بها[6]:
وجهة النّظر-الرّؤية-البؤرة-حصر المجال-المنظور-زاوية النّظر- التّبئير.
وإذا كان مـفهوم "وجهة النّظر"هو الأكثر ذيوعاً فإن مصطلح "التّبئير" مفضّل على جميع المصطلحات التّقليديّة الأخرى لأنّه تقنيّ محض،ويقصي كل الدّلالات البسيكولوجيّة و الايديولوجيّة التي يوحي بها مصطلح "وجهة النّظر" وبقيّة المصطلحات الأخرى،ولهذا فضّله "جيرار جينيت"على باقي المصطلحات[7].
وتناوُلُ منظور السّرد (أي التّبئير )يسعى إلى الإجابة عن السؤال التّالي: من يرى؟
إنّ القارىء يرى الشّخصيّة بواسطة ترهينٍ آخر يراها ،ومن خلال رؤيته أيّـاها يريها للقارىء،وتسمِّـي"بال"هذا التّرهين ب "المبئِّر"،وتحدّد هذه النّاقدة الدّائرة التّصاعديّة التي يشتغل عليها الخطاب القصصيُّ كالآتي[8]:

السّارد ¬المبئِّر ¬ العامل
¯¯¯
السّرد¬التّبئير¬ الوظيفة
¯¯¯
المسرود ¬المبأّر¬الموضوع

الفاعل بإنجازه

[1]Gérard Genett e : F111.p18-

[2]- سامي، سويدان:"في دلالية القصص وشعرية السرد".ص183
“Un grand nombre de ces descriptions (sans doute plus d'un tiers) sont itératif et par conséquent ne peuvent en aucune façon contribuer a ralentir le récit”. Gerard genette.F111.P.133.


[3]سعيد،يقطين: "تحليل الخطاب الروائي".ص134

[4]نفسه:ص194.

[5]- قسومة ،الصادق :"طرائق تحليل القصة" -دار الجنوب للنشر -تونس-2000.ص155

[6]سعيد،يقطين: نفسه .ص284 .

[7]Mieke.Bal: -Narratologie -Editons .Klinck Siek. Paris.P36.

[8]Ibid32









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:30

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc