لكل من يبحث عن مرجع سأساعده - الصفحة 136 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لكل من يبحث عن مرجع سأساعده

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-02-08, 12:17   رقم المشاركة : 2026
معلومات العضو
تائبة الله
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ارجو منكم مساعدة اريد مذكرة أو كتاب بعنوان انحراف الشباب









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-02-08, 12:23   رقم المشاركة : 2027
معلومات العضو
تائبة الله
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

ارجومنكم مساعدتي بمايخص العوامل الاجتماعية و اثرها عل انحراف الشباب










رد مع اقتباس
قديم 2015-02-09, 15:46   رقم المشاركة : 2028
معلومات العضو
alpha761
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبحث عن نماذج مذكرات الماستر في موضوع القيادة وعلاقتها بالأداء الوظيفي
وشكرا










رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 09:30   رقم المشاركة : 2029
معلومات العضو
hizohizo456
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hizohizo456 مشاهدة المشاركة
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار
اللـهـم أسكنه فسيح الجنان واغفر لها يارحمن وارحمها يارحيم وتجاوز عما تعلم ياعليم
اللـهـم اجزه عن الاحسان إحسانا وعن الإساءة عفواً وغفراناً.
اللـهـم ارحمه فانها كانت مسلمة واغفر لها فانها كانت مؤمنة.وادخلها الجنة فانها كانت بـنبيك مصدقًة وسامحها فانها كانت لكتابك مرتلة
اللـهـم شفع فيه نبينا ومصطفاك واحشرها تحت لوائها، واسقها من يده الشريفة شربة هنيئة لا تظمأ بعدها ابداُُ .
اللـهـم اجعله في جنة الخلد.
اللـهـم انزل على اهله الصبر والسلوان و ارضهم بقضائك.
اللـهـم ثبتهم على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويوم يقوم الاشهاد


طلب مساعدة

اريد كل ما يتعلق بالتربية ىالبدنية في التعليم الإبتدائي تعريفها اهدافها و ابعادها










آخر تعديل شـــهاب 2015-02-15 في 12:29.
رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 09:43   رقم المشاركة : 2030
معلومات العضو
hizohizo456
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

طلب مساعدة تعريف التربية البدنية للتعليم الإبتدائي و اهدافها و ابعادها










رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 10:35   رقم المشاركة : 2031
معلومات العضو
Shoushounette
بائع مسجل (ب)
 
الصورة الرمزية Shoushounette
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

allah yjazik nchallah










رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 20:04   رقم المشاركة : 2032
معلومات العضو
زمردة05
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا................................










رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 20:54   رقم المشاركة : 2033
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله مرشد حسن مشاهدة المشاركة
رجاء إن أمكن ساعدوني:
أختي الكريمة أسأل هل يمكنني الحصول على رسالة ما جستير بعنوان نظرية التعسف في استعمال الحق عند الإمام الشاطبي معناها مبناها كتاب مطبوع أصله رسالة ماجستير لبدر الدين احمد عماري من كلية الحقوق والدراسات الإسلامية جامعة وهران
إل ذلك هنالك بعض أعداد المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية وهي العدد 4 للعام 1992 والعدد 4 للعام 2009 والعددين 2+4 للعام 2012م كل هذه فيها مقالات عن التعسف أنهكني البحث لتحميلها مع ان بقية الأعداد متاحة ولا حول ولا قوة إلا بالله
أخوك من اليمن ويحتاج هذه الأبحاث من الجزائر وهو معد رسالة ماجستير عن التعسف في استعمال الحق
شكر الله سعيكم
https://merbad.net/vb/printthread.php...&pp=5&page=123

https://www.justice-lawhome.com/vb/sh...84%D8%AD%D9%82









رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 20:59   رقم المشاركة : 2034
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله مرشد حسن مشاهدة المشاركة
رجاء إن أمكن ساعدوني:
أختي الكريمة أسأل هل يمكنني الحصول على رسالة ما جستير بعنوان نظرية التعسف في استعمال الحق عند الإمام الشاطبي معناها مبناها كتاب مطبوع أصله رسالة ماجستير لبدر الدين احمد عماري من كلية الحقوق والدراسات الإسلامية جامعة وهران
إل ذلك هنالك بعض أعداد المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية وهي العدد 4 للعام 1992 والعدد 4 للعام 2009 والعددين 2+4 للعام 2012م كل هذه فيها مقالات عن التعسف أنهكني البحث لتحميلها مع ان بقية الأعداد متاحة ولا حول ولا قوة إلا بالله
أخوك من اليمن ويحتاج هذه الأبحاث من الجزائر وهو معد رسالة ماجستير عن التعسف في استعمال الحق
شكر الله سعيكم
في معايير التعسف في استعمال الحق

بتتبُّع المسائل الخاصة بالتعسُّف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي، التي تعرَّض لها الفقهاء أثناء علاجهم لجزئيات الفقه المُختلفة، أمكن وضع معايير خمسة يتوصَّل عن طريقها إلى الكشف عن وجود التعسُّف ومعرفته؛ بحيث يمكن أن تَستوعِب هذه المعايير جميع حالات وصور التعسُّف في استعمال الحق.

وهذه المعايير هي[1]:
1- تمحُّض قصد الإضرار بالغير.

2- عدم التناسب بين مصلحة صاحب الحق والضرر الذي يُصيب الغير.

3- استعمال الحق في غير ما شُرع من أجله.

4- استعمال الحق على وجه غير مُعتاد أو مع عدم مُراعاة الحيطة والحذر.

5- ترتُّب الضرر الفاحش.

ونتكلم فيما يلي عن كل مِعيار من هذه المعايير، مع ذكر أمثلة لحالات وصور التعسُّف التي يمكن أن يشملها كل منها.

المعيار الأول - تمحُّض قصد الإضرار:
وقد نصَّ على هذا المعيار صراحة فقهاء الحنابلة؛ حيث قالوا عند شرح حديث: ((لا ضرر ولا ضرار)): وإنما المراد إلحاق الضرر بغير حق، وهذا على نوعين؛ أحدهما: ألا يكون في ذلك غرض سوى الضرر بذلك الغير، فهذا لا ريب في قبحِه وتحريمه.

وعلى ذلك، فالشخص يكون مُسيئًا في استعمال حقه: إذا لم يكن له من غرض عند استعماله لحقه سوى الإضرار بالغير، حتى لو ترتَّب على هذا الاستعمال بعض المنافع والمصالح غير المقصودة، فلا عبرة بها طالما لم تكن مقصودة ابتداءً.

ومن هذا يتبيَّن أنه يُشترَط لتحقُّق هذا المِعيار شرطان:
أحدهما: أن يكون قصد صاحب الحق عند استعماله لحقِّه هو إلحاق الضرر بالغير.

والثاني: ألا يكون له قصد آخَر من وراء هذا الاستعمال؛ بحيث إذا صاحب قصد الإضرار قصد تحصيل منفعة ما ولو كانت تافهة، فإن الفعل حينئذ لا يكون محكومًا بهذا المعيار، وإن كان التصرُّف في ذاته يُعتبر إساءة في استعمال الحق، وإنما يحكمه معيار آخر، وهو عدم التناسب بين مصلحة صاحب الحق والضرر الذي يُصيب الغير[2].

ومن المتَّفق عليه بين الفقهاء جميعًا أن قصد الإضرار بالغير محرَّم؛ حيث نهى عنه الشارع في أكثر من مناسبة، فقد ورَد في القرآن النهي عن المضارة في الوصية والرجعة والرضاع وغيرها، وقد ذَكرنا النصوص الدالة على ذلك منذ قليل عند تعرُّضنا لبيان أدلة نظرية التعسُّف من الكتاب، كذلك فقد ورَدت أحاديث عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - تنهى عن الضرر.

وبشأن هذا الحديث الجامع: ((لا ضرر ولا ضرار)) الذي أوجَب نفي الضرر في جميع الأفعال والتصرُّفات، يقول الإمام الشاطبي[3]: "لا إشكال في منع قصد الإضرار من حيث هو إضرار؛ لثبوت الدليل على ألا ضرار في الإسلام"[4].

ويقول أبو يوسف في الخراج[5]: "لا يحل لمسلم أن يتعمَّد الإضرار لجاره، ولا القصد لتغريق أرضه، ولا لتحريق زرعه بشيء يُحدثه في أرضِ نفسه"[6].

ولما كان قصد الإضرار من الأمور الخفية التي يَصعب تبيُّنها أو إثباتها، فيمكن الاستدلال عليه بالقرائن، ومن ذلك خلو الفعل من المصلحة؛ حيث يُعتبر قرينة على تمحُّض قصد الإضرار بالغير؛ إذ الأصل أن أفعال العقلاء لا تخلو عن مصلحة، فإذا جاء الفعل خاليًا عن ذلك، كان هذا قرينة في القضاء على قصد الإضرار بالغَير.

ومن تطبيقات هذا المِعيار عند الفقهاء:
(أ) رجل أراد أن يَحرق حصائد أرضه، فأوقد النار في حصائده، فذهبَت النار إلى أرض جاره، فأحرق زرعه، لا يَضمن، إلا أن يَعلَمَ أنه لو أحرق حصائده تتعدى النار إلى زرع جاره؛ لأنه إذا علم، كان قاصدًا إحراق زرع الغير، وكذلك رجل له قطن في أرضه، وأرض جاره لاصقة بأرضه، فأوقد النار من طرف أرضه إلى جانب القطن، فأحرقَت ذلك القطن، كان ضمان القطن على الذي أوقد النار؛ لأنه إذا علم أن ناره تتعدى إلى القطن كان قاصدًا إحراق القطن[7].

(ب) قال ابن عتاب[8]: الذي أقول به وأنقله من مذهب مالك أن جميع الضرر يَجب قطعه، إلا ما كان من رفع بناء من هبوب الريح وضوء الشمس، وما كان في معناهما، إلا أن يَثبت أن مُحدِث ذلك أراد الضرر بجاره"[9].

(ج) وجاء في تبصرة الحكَّام أيضًا: "لو ادَّعى الصعاليك على أهل الفضل دعاوَى باطلة، وليس لهم من قصد إلا التشهير بهم وإيقافهم أمام القضاء إيلامًا وامتهانًا، لا تُسمع الدعوى، ويؤدَّب المدَّعي"[10].

ومن هذه الأمثلة يتبيَّن لنا: أن صاحب الحق يُعتبر مسيئًا في استعمال حقه، إذا كان قصده من الاستعمال هو الإضرار بالغير، وفي هذه الحال يجب منعه من استعمال حقه مع إلزامه بتعويض الغير عما أصابه من ضرر نتيجة هذا الاستعمال، ويجوز للحاكم أن يؤدِّبه أيضًا إذا كان الحق المستعمل هو دعوى، وكان قصده من استعمالها التشهير بذوي الفضل والصلاح، وإلحاق المعرَّة بهم؛ وذلك ردعًا له وزجرًا لأمثاله من الصعاليك والأراذل.

المعيار الثاني: عدم التناسب بين مصلحة صاحب الحق والضرر الذي يُصيب الغير:
وفي هذا المعيار يكون لصاحب الحق مصلحة عند استعماله لحقه، وفي نفس الوقت يترتب على هذا الاستعمال ضرر بالغير، يفوق في ضخامته المصلحة التي يَجنيها صاحب الحق، ونظرًا لهذا التفاوت بين مصلحة صاحب الحق والضرر الذي يُصيب الغير، اقتضى منطق العدل ومبدأ عدم جواز إلحاق الضرر بالغير الذي هو قاعدة من قواعد الإسلام، اقتضى ذلك منع صاحب الحق من استعماله لحقه، إذا لم يكن هناك تناسب بين مصلحته والضرر الذي يحلُّ بالغير.

بعض التطبيقات لهذا المِعيار:
(أ) قضاء الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - على سَمُرة بن جندب بقلع نخلِه كما ذكرنا القصة من قبل؛ دفعًا لضرره عن الأنصاري حينما أصرَّ سمرةُ على الدخول إلى نخله إضرارًا بالأنصاري، ورفَض البيع والمُناقَلة والهِبة؛ وذلك لأن سمرة - وإن كان صاحب حق ومصلحة في دخوله إلى نخله - إلا أن الضرر الذي يُصيب الأنصاري وأهله بسبب هذا الدخول يَفوق بكثير المصلحة التي يَجنيها سمرة من ذلك، ومن هنا قضى الرسول - عليه السلام - بقَلعِ نخل سَمُرة وإن كان في ذلك ضرر به؛ وذلك دفعًا للضرر الأشد بالضرر الأخفِّ.

وفي هذا يقول ابن القيم مُعلِّقًا على قضاء الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: "وإن كان عليه - أي صاحب الشجرة - في ذلك - أي في القضاء عليه بالقَلعِ - ضرر يَسير، فضرر صاحب الأرض ببقائها - أي الشجرة في بستانه - أعظم؛ فإن الشارع الحكيم يَدفع أعظم الضررَين بأيسرِهما، فهذا هو الفِقه والقياس والمصلحة، وإنْ أباه مَن أباه"[11].

(ب) ما نصَّ عليه الفقهاء من جواز التسعير عند مُغالاة التجار وأصحاب السِّلَع في أثمان بضائعهم وسِلَعهم، وتجاوزهم الحدود المألوفة في الربح، فهذا التسعير وإن كان فيه ضرر بالتجار وأصحاب السلع، إلا أن الضرر الذي يُحدِثه أقلُّ بكثير، ومن المقرَّر شرعًا: أن الضرر الخاصَّ يُتحمَّل من أجل دفع الضرر العام[12].

ومما يَرتبِط بجواز التسعير ما نصَّ عليه الفقهاء أيضًا من منع الاحتكار وبَيع السِّلَع على المُحتكرين حسب السعر القائم جبرًا عليهم؛ وذلك دفعًا للضرر العام بالضرر الخاص[13].

وفي ذلك يقول ابن القيم: "وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يَنبغي للسُّلطان أن يسعِّر على الناس إلا إذا تعلَّق به حق ضرر العامَّة، فإذا رفع القاضي أمر المُحتكِر ببيع ما فضل من قوته وقوت أهله، على اعتِبار السعر في ذلك، ونهاه عن الاحتِكار، فإن أبى حبسَه وعزَّره على مقتضى رأيه زجرًا له ودفعًا للضرر عن الناس، فإن تعدى أرباب الطعام وتجاوَزوا القيمة تعديًا فاحشًا، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، سعَّره حينئذ بمشورة أهل الرأي والبصيرة"[14].

(ج) ومن تطبيقات هذا المعيار أيضًا ما نصَّ عليه ابن نجيم[15] في الأشباه والنظائر[16]؛ حيث يقول: "طلب صاحب الأكثر القِسمة وشريكه يتضرَّر، فإن صاحب الكثير يُجاب على أحد الأقوال؛ لأن ضرره في عدم القِسمة أعظم من ضرر شريكه بها"؛ حيث يُعتبَر صاحب الأقل مُتعسفًا في استعمال حقه عند امتناعِه عن إجابة صاحب الأكثر نتيجة عدم القِسمة أكثرَ من ضرر شريكِه الآخَر صاحب الأقل بسببها، ينبغي إجابة صاحب الأكثر في طلبه القِسمة دفعًا للضرر الأشد بالضرر الأخفِّ.

المعيار الثالث: استعمال الحق في غير ما شُرع من أجله:
الحقوق في الإسلام شُرعت لتحقيق مصالح جليلة وغايات سامية، ولم تُشرَع لمجرَّد التلهي، أو العبَث، أو لاستغلالها فيما لا يُفيد، وعلى ذلك فإذا استعمل الإنسان حقه في غير الغرض الذي شُرع له، والغاية التي مُنح من أجلِها، كان مناقضًا لقصد الشارع، ومسيئًا في استعمال حقه.

وهذا المبدأ لا يُنازِع في صحَّته أحد من الفقهاء، وإنما هو محل اتِّفاق بينهم جميعًا، وإذا كان هناك خلاف في بعض مسائله، فإنما هو خلاف في التطبيق، وليس خلافًا في نفس المبدأ[17].

بعض التطبيقات لهذا المعيار:
(أ) جاء في المدوَّنة: "أرأيت إن زوَّج الصغيرةَ أبوها بأقل من مهرِ مِثلها، أيجوز ذلك عليها في قول مالك؟ قال: سمعتُ مالكًا يقول: يجوز عليها نِكاح الأب، فأرى إن زوَّجها الأب بأقل من مهر مثلها أو بأكثر، فإن ذلك جائز إذا كان إنما زوَّجها على وجه النظر لها، قال: ولقد سألتْ مالكًا امرأة ولها ابنة في حجرها وقد طلَّق الأمَّ زوجُها عن ابنة له منها، فأراد أبوها أن يُزوِّجها من ابن أخ له معدمًا لا شيء له، أفَتَرى لي أن أتكلَّم؟ قال: نعم، أرى لكِ في ذلك مُتكلَّمًا، قال ابن القاسم: فأرى أن إنكاح الأب إياها جائز، إلا أن يأتي من ذلك ضرر، فيُمنَع من ذلك"[18].

وواضح من هذا النص: أن حق الولاية على النفس مُقيَّد بمصلحة الصغير؛ حيث يرى الإمام مالك أن حق الأب في تزويج ابنته الصغيرة التي هي في ولايته يجب أن يُمارَس على وجه النظر والمصلحة لها، فإذا رأى أن مصلحتها تتحقَّق في تَزويجها من شخص معيَّن جاز له أن يُزوِّجها منه ولو بأقل من مهر مثلها، طالما كان في ذلك مصلحة لها، أما إذا انعدمَ وجه المصلحة في تصرُّف الأب بأن زوَّجها من شخص غير أمين عليها أو يُسيء عشرتها ومعاملتها، فإن الأب حينئذ يكون مسيئًا في استعمال حق الولاية الذي منَحه الشارع إياه، ويكون لمن تَعنيه مصلحة الصغيرة ويهمه أمرها أن يُخاصم الأب في ذلك، ويمنعه من إتمام هذا الزواج.

ويتَّفق الأحناف مع الإمام مالك فيما ذهب إليه من أن حق ولاية الأب في تزويج الصغيرة مُقيَّد بمصلحتها، فلا يجوز للأب أو الجد أن يُزوِّجا الصغيرة بأقل من مَهرِ مثلها؛ لأن ذلك ليس من مصلحتها[19].

(ب) شرَع الله - تعالى - البَيع وسيلة للحصول على المال الطيب الحلال وحرَّم الربا؛ لأنه وسيلة للمال الخبيث الحرام، فقال - تعالى -: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، ومن ذلك يتبيَّن أن البيع مَشروع لمصالح جليلة وغايات نبيلة، وأن الربا حرَّمه الله - تعالى - نظرًا لما يؤدِّي إليه من المكاسِب الخبيثة، وما يترتَّب عليه من المضارِّ التي تَعصِف بالفرد والجماعة، وما يورثه من العداوة والبَغضاء بين أفراد الأمة، ومن هنا ذهب الإمام مالك والإمام أحمد إلى تحريم بيع (العِينة)[20]؛ لأنه وإن كان في ظاهره بيع إلا أنه وسيلة إلى الربا، وتحايُل عليه، والأشياء لا تُشرَع لذاتها، وإنما تُشرَع نظرًا لما ترتَّب عليها من مصلحة، فإذا كان ما يترتَّب عليها ليس على وجه المَشروعات كانت الوسائل المؤدية إليه غير مشروعة أيضًا، وإن كان ظاهرها يبدو موافقًا لمقاصد الشارع، وهذا ما قرَّره الإمام الشاطبي في أكثرَ من مناسبة؛ حيث يقول: "لما ثبَت أن الأحكام شُرعت لمَصالِح العِباد كانت الأعمال مُعتبَرة بذلك؛ لأن مقصود الشارع فيها كما تبيَّن، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المَشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر مُوافقًا والمصلَحة مُخالفة، فالفعل غير صحيح وغير مشروع؛ لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قُصد بها أمور أخرى هي معانيها، وهي المصالح التي شُرعت لأجلها، فالذي عمل من ذلك على غير هذا الوضع، فليس على وضع المشروعات"[21].

المعيار الرابع: استعمال الحق على وجه غير مُعتاد، أو مع عدم مراعاة الحيطة والحذر:
يتحقَّق التعسُّف في استعمال الحق وفقًا لهذا المِعيار: إذا استعمل الإنسان حقه بأسلوب غير معتاد، وغير مُتعارَف عليه بين الناس أو دون مُراعاة لما يقتضيه واجب الاستعمال العادي من مراعاة للحيطة والحذَر، فإذا ترتَّب على استعمال الإنسان لحقِّه بهذه الصورة ضرر بالغير كان متعديًا وعليه ضمان هذا الضرر باتِّفاق الفُقهاء.

وقد نصَّ على هذا المِعيار ابن رجب حيث يقول: "فأما التصرُّف في ملكِه بما يتعدى ضرره إلى غيره: فإن كان على غير الوجه المعتاد مثل أن يؤجِّج في أرضه نارًا في يوم عاصف فيَحترِق ما يليه، فإنه مُتعدٍّ بذلك وعليه الضمان"[22]؛ وذلك لأن هبوب الريح في مثل هذا اليوم العاصف يَقتضي من الإنسان العادي الامتِناع عن تأجيج النار في أرضه؛ لأن مِن شأن الريح أن تنقل النار إلى ما جاوَرَها من أشياء قابلة للاحتراق، فمَن أوقَدَ النار في أرضه في مثل هذا اليوم، فترتَّب على ذلك مضار لَحِقَت بجاره ضَمِنَ؛ وذلك باتِّفاق الفقهاء، نظرًا لاستعماله لحقه استعمالاً غير مشروع؛ حيث استعمله على وجه غير معتاد، ولم يراعِ الحيطة والحذر عند استِعماله.

بعض التطبيقات لهذا المعيار:
(أ) رجل أحرَقَ شوكًا أو تِبنًا في أرضه، فذهبَت الريح بالشرارات إلى أرض جاره وأحرَقَت زرعه، إن كان ببُعدٍ من أرض الجار على وجه لا يَصِل إليه شررُ النار في العادة، فلا ضمان عليه؛ لأنه حصَل بفعل النار، وأنه جُبَار، ولو كان بقُربٍ من أرضه على وجه يصل شرر النار غالبًا، فإنه يضمَن؛ لأن له الإيقادَ في مِلْكِ نفسه، لكن بشرط السلامة[23].

(ب) وجاء في مجمع الضمانات: "إذا سقى أرض نفسه فتعدى إلى أرض جاره فأفسَدَها، إن كان السقي غير مُعتاد ضَمِن، وإن كان مُعتادًا لا يَضمن"[24].

وواضح من المثالين السابقين أن الإنسان مُقيَّد عند استِعماله لحقه باستعماله على الوجه المُعتاد المتعارَف عليه بين الناس، فإذا ما استعمله على خلاف ذلك كان مسيئًا في استعمال حقه، فإذا ترتَّب على هذا الاستعمال ضرر بالغير كان ضامنًا له، أما إذا استعمله على الوجه المُعتاد فترتب على ذلك ضرر بالغير، فلا ضمان عليه؛ حيث لم يكن متعديًا أو مسيئًا في استعمال حقه.

(ج) وكتأجيج نار في يوم عاصف - أي شديد الريح - فأحرَقت شيئًا، فيضمَن المال في ماله والدية على عاقلته، إلا أن يكون في مكان بعيد لا يظنُّ فيه الوصول إلى المحروق عادة فلا ضمان[25].

(د) جاء في المهذَّب للشيرازي[26]: "إذا أجَّج على سطحِه نارًا فطارت شرارة إلى دار الجار فأحرقتها أو سقى أرضه فنزل الماء إلى أرض جاره فغرقها، فإن كان الذي فعله ما جرت به العادة لم يَضمن؛ لأنه غير مُتعدٍّ، وإن فعل ما لم تَجرِ به العادة بأن أجَّج من النار ما لا يقف على حدِّ داره أو سقى أرضه من الماء ما لا تَحتمِلُه ضَمِن؛ لأنه مُتعدٍّ"[27].

(هـ) جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع: "وإن أجج نارًا في موات أو في ملكه أو سقى أرضه فتعدى ما ذكر من النار والماء إلى ملك غيره فأتلفَه لم يضمَن الفاعل؛ لأن ذلك ليس من فعله ولا تعدِّيه ولا تفريطه، إذا كان التأجيج أو السقي مما جرَت به العادة بلا إفراط ولا تَفريط، فإن فرَّط بأن ترك النار مؤجَّجة والماء مفتوحًا ونام، فحصل التلَف بذلك وهو نائم، ضَمِن لتفريطه، كذلك إن أجَّج نارًا تسري في العادة لكَثرتِها، أو أجَّجها في ريح شديدة تَحملها إلى مِلك غيره، ضمن لتعدِّيه"[28].

وواضِح من هذه النصوص أن صاحب الحق يضمَن إذا استعمل حقه على وجه لم تَجرِ العادة عليه، أو لم يُراع عند الاستعمال الحَيطة والحذر مما ترتَّب على ذلك لُحوق الضرر بالغير؛ حيث يعتبر مُتعديًا نتيجة إساءته في استعمال حقه، أما إذا استعمَله على وجه مُعتاد فترتَّب على ذلك ضرر بالغير، فلا ضمان عليه لعدم تعدِّيه.

المعيار الخامس: ترتب الضرر الفاحش:
يُعتبَر الإنسان مسيئًا في استعمال حقه إذا استعمله بطريقة يترتَّب عليها ضرر فاحش بالغَير، مهما كانت قيمة المصلَحة أو الفائدة التي يَحصُل عليها صاحب الحق نتيجة لهذا الاستعمال، وحينئذ يمنع صاحب الحق من استعماله لحقِّه بهذه الصورة؛ لأنه من المقرَّر شرعًا أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح[29]، أما الاستِعمال الذي يترتَّب عليه ضرر عادي ومألوف، فليس من التعسُّف، ولا يُعتبر صاحبه مسيئًا فيه، وبناءً عليه فلا يُمنع صاحب الحق منه، وإلا لأدَّى ذلك إلى تعطيل الانتفاع بالحقوق؛ حيث لا يخلو استعمالها من بعض المضارِّ التي يمكن تحمُّلها عادة[30]، مثل: رائحة الدخان التي تأتي من بيت الجار نتيجة طبخه أو خَبزه على العادة، وكصوت المِذياع الذي يُمكِن تحمُّله عادة، ونحو ذلك.

وقد حدَّد بعض الفقهاء الضرر الفاحش بأنه: ما يكون سبب الهدم، وما يوهِن البناء، أو يَخرُج عن الانتفاع بالكلية وما يَمنع الحوائج الأصلية؛ كسدِّ الضوء بالكُلية[31].

والواقع أن تحديد الضرر الفاحش من الأمور التي تَختلِف باختلاف الأشخاص والأماكن والأزمان، فما يُعتبَر ضررًا فاحشًا بالنسبة لشخص مُعيَّن أو في بعض الأمكنة والأزمنة، قد لا يُعتبَر كذلك بالنسبة لشخص آخَر، أو في أمكنة وأزمنة أخرى؛ فالأصوات التي تنتج عن الآلات والمصانع تعتبر ضررًا فاحشًا بالنسبة لأشخاص تقتضي طبيعة عملهم الهدوء وعدم الضوضاء، ولا تعتبر كذلك بالنسبة لأشخاص آخَرين لا تقتضي طبيعة عملهم مثل ذلك، كذلك فإن مثل هذه الأصوات تعتبر ضررًا فاحشًا بالنسبة لمنطقة مخصَّصة للسكن أو في الأوقات المتأخرة من الليل، ولا تعتبر كذلك بالنسبة لمنطقة صناعية أو في وقت النهار[32].

وعلى ذلك يَنبغي أن يُترك تحديد مفهوم الضرر الفاحش إلى العرف السائد في جميع الأمكنة والأزمة، فما يَعتبِره هذا العرف ضررًا فاحشًا يَنبغي أن يؤخذ به، وبالتالي يمنع أصحاب الحقوق من استعمال حقوقهم إذا استعمَلوها على وجه يترتَّب عليه مثل هذا النوع من الضرر، وأما الضرر الذي لا يَعتبِره العرف فاحشًا فلا يُمنع أصحاب الحقوق منه؛ لأنهم غير مُسيئين في استعمال حقوقهم، بناءً على هذا المِعيار، ومع ذلك فيُمكِن اعتبارهم مسيئين بناءً على بعض المعايير السابقة التي تحدَّثنا عنها من قبل.

بعض التطبيقات لهذا المعيار:
(أ) جاء في تبيين الحقائق للزيلعي[33]: "للإنسان أن يتصرَّف في ملكه ما شاء من التصرُّفات، ما لم يضر بغيره ضررًا ظاهرًا، ولو أراد بناء تنُّور في داره للخبز الدائم، كما يكون في الدكاكين، أو رحًا للطحن، أو مدقات للقصارين لم يَجزْ؛ لأن ذلك يضر بالجيران ضررًا ظاهرًا، لا يمكن التحرُّزُ عنه، والقياس أنه يجوز؛ لأنه تصرُّف في ملكه، وترك ذلك استِحسانًا لأجل المصلحة"[34].

وواضح مما قرَّره الزيلعي: أن صاحب الحق يتقيد عند استعماله لحقه بعدم الإضرار بالغير ضررًا فاحشًا، فإن استعمل حقه على وجه ترتَّب عليه لحوق ضرر بالغَير، وكان هذا الضرر فاحشًا، منع من هذا الاستعمال لتعسُّفه فيه، مع إلزامه بتعويض من أصابه الضرر نتيجة لذلك.

(ب) جاء في المدوَّنة: "أرأيتَ إن كانت لي عرصة إلى جانب دُور قوم، فأردت أن أُحدِث في تلك العرصة حمامًا أو فرنًا أو موضعًا لرحًا فأبى عليَّ الجيران ذلك، أيكون لهم أن يمنعوني في قول مالك؟ قال: إن كان ما يحدث ضررًا على الجيران من الدخان وما أشبهه، فلهم أن يَمنعوك من ذلك؛ لأن مالكًا قال: يمنع مِن ضرر جاره، فإذا كان هذا ضررًا مُنع من ذلك، قلت: وكذلك إن كان حدادًا فاتَّخذ فيها كيرًا أو اتَّخذ فيها أفرانًا يَسيل فيها يسيل فيها الذهبُ والفضة، أو اتخذ فيها أرحية تضر بجدران الجيران، أو حفَر فيها آبارًا، أو اتخذ فيها كنيفًا قرب جدران جيرانه منعته من ذلك؟ قال: نعم، كذلك قال مالك في غير واحد من هذا في الدخان وغيره، قلت لابن القاسم: أرأيتَ إن كانت دار الرجل إلى جنب دار قوم ففتَح في غرفة كوى أو أبوابًا يُشرِف منها على دور جيرانه، أيمنعه مالكٌ مِن ذلك أم لا؟ قال: قال مالك: يُمنَع من ذلك"[35].

(ج) جاء في تبصرة الحكام لابن فرحون[36]: "يُمنع الرجل من إحداث إسطبل للدوابِّ عند باب جاره، بسبب بَولها وزبلها وحركتها ليلاً ونهارًا، ومنعها الناس من النوم، وكذلك الطاحون وكير الحداد وشبهه، وليس للرجل منع جاره من حفر بئر في داره إذا كانت الأرض صلبة لا تضرُّ ببئره، وإن كانت رخوة وخشي أن ينشف ماء بئره منع"[37].

وواضِح من هذَين النصين: أن أصحاب الحقوق يَلتزِمون عند استعمال حقوقهم بعدم الإضرار بالغير، فإن استعمل أحدهم حقَّه على وجه ترتَّب عليه إضرار بالغَير، سواء كان هذا الإضرار ماديًّا، أو أدبيًّا كالإشراف على مقرِّ النساء، منع من ذلك، مع إلزامه بتعويض الشخص المَضرور عما أصابه من ضرر نتيجة لهذا الاستِعمال المتعسَّف فيه، وسواء كان هذا الضرر مباشرًا أم بطريق التسبب[38].

(د) جاء في المغني لابن قدامة[39]: "....وليس للجار التصرُّف في ملكه تصرُّفًا يضرُّ بجاره، نحو أن يَبني فيه حمامًا بين الدور، أو يفتح خبازًا بين العَطارين، أو يجعله دكان قصارة يهزُّ الحيطان ويخربها، أو يحفر بئرًا إلى جنب بئر جارِه يَجتذِب ماءها"[40].

(هـ) جاء في مطالب أولي النُّهى في شرح غاية المُنتهى: "وحرم على المالك أن يُحدِث بملكه ما يضر بجاره؛ لخَبر: ((لا ضرر ولا ضِرار))، احتج به أحمد، كحمام يتأذى جاره بدخانه، أو ينضر حائطه بمائه، ومثله مطبَخ سكر، وكنيف ملاصق لحائط جاره يتأذى بريحِه، أو يصل إلى بئره، ورحًا يهتزُّ بها حيطانه، وتنُّور يتعدى دخانه إليه، وعمل دكان قصارة أو حدادة يتأذى بكثرة دقه، ويهز الحيطان؛ للخَبَرِ، ويحرم غرس شجر نحو تِين كجميز تسري عروقه فتشق مصنع جاره، وحفر بئر ينقطع بها ماء بئر جاره، وسقي وإشعال نار يتعديان إلى جاره، ونحو ذلك من كل ما يؤذيه.

ويضمَن مَن أحدث بملكه ما يضرُّ بجاره ما تلف بسبب ذلك لتعدِّيه، ولجارِه مَنعُه من ذلك، بخلاف طبخه وخبزه في مِلكه، فلا يُمنَع منه؛ لدعاء الحاجة إليه، وليُسرِ ضررِه لا سيما بالقرى"[41].

(و) وجاء في مطالب أولي النُّهى أيضًا: "ويلزم الأعلى من الجارَين بِناء سُترة تمنع مُشارَفة الأسفل؛ لأن الإشراف على الجار إضرار به؛ لأنه يكشفه ويطلع على حرمه، فمنع منه، وكذا لو كانت السترة قديمة فانهدَمت، فإنه يجب إعادتها، فإن استَويا في العلو اشترَكا في بنائها؛ إذ ليس أحدهما أولى من الآخَر بالسُّترة فلزمتها، ويجبر ممتنع منهما على البناء مع الحاجة؛ لأنه حق عليه، لتضرُّر جاره بمُجاورته له من غير سُترة، فأجبر عليه كسائر الحقوق، وإن كان سطح أحدهما أعلى من الآخَر، فليس له الصعود على سطحه على وجه يُشرِف على بيت جاره، إلا مع السترة كما تقدَّم"[42].

وواضِح من هذه النصوص أن المالك يتقيَّد عند تصرُّفه في ملكه بعدم إلحاق ضرر فاحش بجاره، فإن أتى تصرُّفًا ترتَّب عليه مثل هذا النوع من الضرر مُنع من ذلك، سواء كان الضرر ماديًّا أو أدبيًّا، مع تضمينه قيمة ما تلف بسبب هذا التصرُّف؛ لتعدِّيه، وإلزامه بإقامة سترة تحول دون اطِّلاعه على عورات جاره، كفًّا لمضارِّه عنه.

[1] انظر في تعداد معايير التعسُّف في استعمال الحق وعرضها: الشيخ عيسوي أحمد عيسوي: المرجع السابق (ص: 91)، وفضيلة الدكتور أحمد فهمي أبو سنَّة: النظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية، (ص: 105) وما بعدها، والدكتور فتحي الدريني: الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده ونظرية التعسف في استعمال الحق (ص: 468) وما بعدها، والدكتور سعيد أمجد الزهاوي: التعسُّف في استعمال حق الملكية (ص: 180) وما بعدها.
[2] الشيخ عيسوي أحمد عيسوي، المرجع السابق، (ص: 92).
[3] هو إبراهيم بن موسى بن محمد، أبو إسحاق اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، وكنيته التي عُرف بها أبو إسحاق، ولد بغرناطة ونشأ وترعرَع بها، ولم يُعلم أنه غادرَها، توفي سنة 790 هجرية، مِن مؤلفاته: الاعتصام، وكتاب الموافقات في أصول الفقه، وهو غير الشاطبيِّ أبي محمد القاسم بن فيُرَّه الأندلسي ناظم "الشاطبية" القارئ؛ (موقع ويكيبيديا، الموسوعة الحرة).
[4] الموافقات (2: 256).
[5] هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكوفي البغدادي، أبو يوسف، صاحب أبي حنيفة وتلميذه، وأول من نشر مذهبه، ولد بالكوفة سنة 113 هـ، ولي القضاء ببغداد في العصر العباسي زمن المهدي والهادي والرشيد، ومات في خلافة الرشيد ببغداد سنة 182هـ، له العديد من المصنفات، منها كتابه: (الخراج)، وهو أول من ولي منصب قاضي القضاة؛ "الأعلام" للزركلي (9: 252).
[6] الخراج (ص: 113).
[7] مجمع الضمانات (ص: 161).
[8] هو عبدالرحمن بن عتاب بن محسن، الأندلسي، القرطبي، أبو محمد، عالم بالقراءات والتفسير واللغة والتصوف، من آثاره: (شفاء الصدور في الزهد والرقائق)، توفي سنة 520 هـ؛ انظر الأعلام (4: 103)، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (5: 184).
[9] تبصرة الحكام لابن فرحون على هامش فتح العلي المالك (2: 362) بتصرُّف.
[10] تبصرة الحكام، المرجع السابق.
[11] الطرق الحكمية؛ لابن القيم (ص: 310).
[12] الأشباه والنظائر لابن نجيم: (ص: 87)، وانظر - أيضًا - (ص: 183، 184) من هذا المؤلَّف.
[13] المرجع السابق، نفس الموضع.
[14] الطرق الحكمية لابن القيم (ص: 308).
[15] هو زين الدين بن إبراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم: فقيه حنفي، من العلماء، مصري، له عدة تصانيف منها: (الأشباه والنظائر) و(البحر الرائق في شرح كنز الدقائق) فقه، و(الرسائل الزينية) في مسائل فقهية 41 رسالة، و(الفتاوى الزينية) وغيرها، توفي سنة 970 هـ؛ الأعلام (3: 104).
[17] الشيخ عيسوي أحمد عيسوي: المرجع السابق، (ص: 99).
[18] المدونة: (4: 155)، وقريب من ذلك ما جاء في نفس المرجع (ص: 159).
[19] كتاب الهداية شرح بداية المبتدئ، مطبوع مع فتح القدير: (2: 425 - 426).
[20] سبق الحديث عن بيع (العِينة) والتعريف به وبيان صورته، وذلك في الباب الأول عند حديثنا عن مشروعية الحق في الفصل الثالث من الباب المذكور.
[21] الموافقات (2: 283 - 284).
[22] جامع العلوم والحكم: (ص: 290).
[23] جامع الفصولين: (2: 89).
[24] مجمع الضمانات: (ص: 163).
[25] الشرح الكبير للدردير على هامش حاشية الدسوقي: (4: 355 - 356).
[26] هو إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشيرازي أبو إسحاق: العلامة، المُناظر، ولد في فيروز آباد (فارس)، وانتقل إلى شيراز فقرأ على علمائها، وانصرف إلى البصرة، ومنها إلى بغداد سنة 415 هـ، فأتمَّ ما بدأ به من الدرس والبحث، واشتهر بقوة الحجة في الجدل والمناظرة، له تصانيف كثيرة، منها: (التنبيه) و(المهذب) في الفقه و(التبصرة) في أصول الشافعية، و(طبقات الفقهاء) وغيرها، توفي في بغداد سنة 476 هـ، وصلى عليه المقتدي العباسي؛ وفَيَات الأعيان: (1: 9 - 12) والإعلام: (1: 44 - 45).
[27] المهذب: (1: 375).
[28] كشاف القناع: (4: 101 - 102) بتصرف.
[29] الأشباه والنظائر لابن نجيم: (ص: 90)، والأشباه والنظائر للسيوطي: (97).
[30] كشاف القناع: (3: 340)، والشيخ عيسوي - المرجع السابق - (ص: 105).
[31] الطحاوي في حاشيته على الدر المختار: (3: 215)، وانظر أيضًا: فتح القدير: (5: 503)، والمادة: 1199 من مجلة الأحكام العَدلية.
[32] الشيخ عيسوي أحمد عيسوي - المرجع السابق - (ص: 105 - 106).
[33] هو عثمان بن علي بن محجن، فخر الدين الزيلعي: فقيه حنفي، قدم القاهرة سنة 705 هـ، فأفتى ودرس، وتوفِّي فيها، من مصنفاته: (تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق) فقه، و(بركة الكلام على أحاديث الأحكام)، و(شرح الجامع الكبير) فقه، وغيرها، وتوفي سنة 743 هـ؛ الإعلام (4: 373).
[34] تبيين الحقائق للزيلعي (4: 196)، وانظر نفس المعنى - أيضًا - في حاشية الطحاوي على الدر المختار (3: 215).
[35] المدونة (14: 529).
[36] هو إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون، برهان الدِّين اليعمري: عالم بحَّاث، ولد ونشأ في المدينة، وهو مغربي الأصل، رحل إلى مصر والقدس والشام سنة 792 هـ، وتولى القضاء بالمدينة سنة 793 هـ، وهو من شيوخ المالكية، من تصانيفه: (الديباج المذهب) في تراجم أعيان المالكية، و(تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام) و(تسهيل المهمات) في شرح جامع الأمهات؛ لابن الحاجب (فقه)، وغيرها، وتوفي سنة 799 هـ؛ الأعلام (1: 47).
[37] تبصرة الحكام لابن فرحون على هامش فتح العلي المالك للشيخ محمد عليش (2: 363).
[38] المنتقى شرح الموطأ (6: 40 - 43).
[39] هو عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، من فقهاء المذهب الحنبلي، له تصانيف كثيرة، منها: المغني في الفقه، وروضة الناظر في أصول الفقه، والبرهان في مسائل القرآن، وغير ذلك، وُلِد في جَمَّاعيلَ من قرى نابلس بفلسطين سنة 541 هـ، وتعلم بدمشق، ثم رحَل لبغداد سنة 561هـ، فأقام بها نحو أربعة سنين، ثم عاد إلى دمشق فأقام بها إلى أن توفي سنة 620 هـ؛ الأعلام لخير الدِّين الزِّرِكْلي (4: 191).
[40] المغني (4: 158).
[41] مطالب أولي النهى (3: 357)، وانظر نفس المعنى - أيضًا - في كشاف القناع (3: 339 - 340).
[42] نفس المرجع السابق (ص: 358)، وانظر نفس المعنى - أيضًا - في كشاف القناع، المرجع السابق (ص: 344).


حفظ بصيغة PDF نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة
نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي
في استعمال الحق على وجه مشروع
في النهي عن استعمال الحق على وجه غير مشروع أو التعسف في استعماله

مختارات من الشبكة
معايير الحق والتحذير ممَّن دعا إلى ضدها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
معايير الحق والتحذير من البدع(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
ألمانيا: وزارة الداخلية تنتقد توحيد معايير حق اللجوء لبلدان الاتحاد الأوروبي(مقالة - المسلمون في العالم)
هولندا: مناقشة معايير التذكية مراعاة لمتطلبات نشطاء حقوق الحيوان(مقالة - المسلمون في العالم)
معايير اختيار الزوجين عامل رئيس في بناء الأسرة، وانعدامها قد يؤدي للطلاق(مقالة - آفاق الشريعة)
معايير التفكير الناقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
كتب معايير التخطئة والتصويب في اللغة العربية(مقالة - موقع أ. أيمن بن أحمد ذوالغنى)
معايير تقويم مناهج الإصلاح المعاصرة(مقالة - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
معايير نجاح البحث العلمي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
مقدونيا: الحكومة تخصص ميزانية للشركات التي تطبق معايير الحلال(مقالة - المسلمون في العالم)




رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/60939/#ixzz3RqUd5reR









رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 21:20   رقم المشاركة : 2035
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله مرشد حسن مشاهدة المشاركة
رجاء إن أمكن ساعدوني:
أختي الكريمة أسأل هل يمكنني الحصول على رسالة ما جستير بعنوان نظرية التعسف في استعمال الحق عند الإمام الشاطبي معناها مبناها كتاب مطبوع أصله رسالة ماجستير لبدر الدين احمد عماري من كلية الحقوق والدراسات الإسلامية جامعة وهران
إل ذلك هنالك بعض أعداد المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية وهي العدد 4 للعام 1992 والعدد 4 للعام 2009 والعددين 2+4 للعام 2012م كل هذه فيها مقالات عن التعسف أنهكني البحث لتحميلها مع ان بقية الأعداد متاحة ولا حول ولا قوة إلا بالله
أخوك من اليمن ويحتاج هذه الأبحاث من الجزائر وهو معد رسالة ماجستير عن التعسف في استعمال الحق
شكر الله سعيكم
نظرية التعسف في استعمال الحق
تفضّل : https://www.alukah.net/Sharia/1051/2551/

وهناك كتاب مشهور للدكتور فتحي الدريني
وهذه بياناته :
https://www.neelwafurat.com/itempage....6&search=books

وهنا : https://www.al-maqasid.net/ar/news.php?id=139

كما أن هناك رسالة ماجستير نوقشت في الجزائر بعنوان : نظرية التعسف في استعمال الحق عند الإمام الشاطبي " مبناها ومعناها " ؛ في معهد الحضارة الإسلامية بجامعة وهران بالجزائر ، وهران ؛ من إعداد الطالب المجد بدر الدين أحمد عماري .
__________________
موقع الملتقى الفقهي ضمن مواقع رسالة الإسلام بإشراف الشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان

منتدى الفقهاء
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=234088









رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 21:26   رقم المشاركة : 2036
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله مرشد حسن مشاهدة المشاركة
رجاء إن أمكن ساعدوني:
أختي الكريمة أسأل هل يمكنني الحصول على رسالة ما جستير بعنوان نظرية التعسف في استعمال الحق عند الإمام الشاطبي معناها مبناها كتاب مطبوع أصله رسالة ماجستير لبدر الدين احمد عماري من كلية الحقوق والدراسات الإسلامية جامعة وهران
إل ذلك هنالك بعض أعداد المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية وهي العدد 4 للعام 1992 والعدد 4 للعام 2009 والعددين 2+4 للعام 2012م كل هذه فيها مقالات عن التعسف أنهكني البحث لتحميلها مع ان بقية الأعداد متاحة ولا حول ولا قوة إلا بالله
أخوك من اليمن ويحتاج هذه الأبحاث من الجزائر وهو معد رسالة ماجستير عن التعسف في استعمال الحق
شكر الله سعيكم
نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي
أحمد فهمي أبو سنة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/5/2008 ميلادي - 11/5/1429 هجري
زيارة: 34649

حفظ بصيغة PDF نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
Share on favoritesShare on ********Share on twitterShare on hotmailShare on gmailShare on bloggerShare on myspaceShare on diggشارك وانشر
نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي
أحمد الله تبارك وتعالى وأشكره.
ربَّنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
وأصلِّي وأسلِّمُ على سيدنا مُحمَّد سيِّد الفقهاء وإمام المجتهدين وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعدُ؛ فإن الجامع الأزهر قد اشتد حرصه على الاشتراك في أسبوع الفقه الإسلامي لما يحمله من التبعة العظيمة نحو الإسلام، وفقه الإسلام، ولما يرجوه من وضعه في المكان اللائق به واستمداد العدالة منه على يد القضاة والمفتين في البلاد الإسلامية.
وقد تفضل المسؤولون فرغبوا إليَّ أن أشترك في هذا الأسبوع مندوبًا عن الأزهر، وأن ألقي بحثًا فيه، فشكرت لهم هذه الثقة.
وعلى رغم الموانع وضيق الوقت، أوجبت على نفسي الإسهام في هذا الأسبوع، واخترت من بين الموضوعات المقترحة موضوع: "التعسف في استعمال الحق"؛ لأنها نظريَّة يدعى على الفقه القصور فيها.

وقد بذلت جهدي في أبواب الفقه المختلفة متتبعًا آراء الفقهاء، فكانت هذه الثمرة الصغيرة، والله المسؤول أن يوفق العاملين للفقه إلى إنهاضه، وتجلية محاسنه لينتفع المسلمون بما فيه من حق وعدل وإحسان.

السيد الرئيس، أيُّها السادة:
إنَّ الأزهر الذي وقف في قلب البلاد الإسلاميَّة عبر القرون ينشر نور الإسلام، ويصون أصوله وأحكامه، ويذود عنه شُبَه المبطلين، وضلالات المغرضين، ليحييكم تحية من عند الله مباركة طيبة، ويكبر في القائمين بهذا الأسبوع الهمَّة العالية في العرفان بفضل الفقه على الناس منذ القدم في تنظيم الحياة الرَّاقية، وتحقيق العدل بين الناس.

ويعتبر هذا الأسبوع عيده العلمي الأكبر؛ لأنه مؤازرة عظيمة لدعوته، وإظهار للباحثين على محاسن هذا الفقه، وما فيه من موازين الحق وأسباب الرَّحمة، ويرجو مخلصًا أن يكون هذا الأسبوع فاتحة ترحيب من الأمم الإسلاميَّة بهذا الفقه؛ ليتخذوه قانون القضاء وقانون الحياة، فهو شرع الله، وهو رمز الاستقلال الصحيح، وهو المفخرة الكبرى للقوميَّة العربيَّة والإسلاميَّة.

نظريَّة التَّعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي
تقدمة:
الفقه الإسلامي أظلت رايته بلاد المسلمين في أكبر بقعة عرفها التاريخ على وجه الأرض ثمانين سنة وثلاثمائة وألفًا - صان فيها حقوق الناس، وحفظ مصالحهم فنعموا بعدالة التشريع وعدالة القضاء: ذلك العدل الذي من أجله أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

جهد القضاء والمفتون من الفقهاء في استنباط الأحكام من مصادر الشريعة كلما نزلت بهم قضية أو حزبهم أمر، فكانوا يحدثون للناس أقضية بقدر ما أحدثوا، ويصونون فيهم المصلحة التي أرادها الله من هذا الدين؛ كما يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فقامت بذلك الحجة البالغة على كمال هذا الدين، وعلى أنه شريعة الناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقامت بذلك الآية البينة على أن الفقه كائن حي ينمو ويؤتي أكله بإذن الله لتلبية حاجات الحياة ومطالبها على اختلاف ألوان المجتمعات في كل عصر ومصر، ونظرة واحدة إلى تطور الكتب الفقهية من زمن كبار الأئمة المجتهدين ترينا مبلغ الرقي المتزايد والنمو المُطَّرد الذي وصل إليه طالما كان يجلس مع القضاة على كراسي القضاء، ويقعد مع المفتين في المجامع والمساجد.

النظرية:
ونظرية التعسف في استعمال الحق تسميتها بهذا الاسم منقولة عن رجال الحقوق الغربيين؛ ولكنَّ هذه النَّظرية عرفها الإسلام منذ أرسل الله رسوله وأنزل عليه قرآنه واعتنقه الناس دينًا، وطبَّقوه في قضاياهم، وسائر علاقاتهم شريعة محكمة، بيَّن الحق كما بيَّن مصادره وأنواعَ التعدي عليه مباشرة وتسببًا وعمدًا وخطأً، وعن طريق التَّحايل والذَّريعة، فلم يترك قانونه قضية من غير حكم.

ولكن الذين يقرؤون لرجال القانون من الغرب، ولا يقرؤون الفقه الإسلامي دأبوا على أن يُعْجَبوا بكل ما نقلوه عن الغرب على حين يتَّهِمُون الفِقْهَ بقِصَرِ نظرياته، وجُمود أحكامه.

معنى التعسُّف في استعمال الحق:
قسم علماء الشريعة الحقوق إلى ما هو حق العامَّة، وضابطه ما يتعلق به النفع العام للمجتمع من غير اختصاص بأحد؛ كالانتفاع بالطريق العام، والأنهار العامة، والمساجد، وهذا يثبت للناس جميعًا حق الانتفاع به والدفاع عنه، الثاني: الحق الخاص، وهو ما تتعلَّق به مصلحة خاصَّة للفرد؛ كحقِّه في ملكه، أو في ولايته على ولده، وميَّزوا بين الحقَّين: بأنَّ الأول: لا يمكن تمليكه ولا إسقاطُه، والثاني: يمكن تمليكه وإسقاطه.

وما دام التَّعسُّف في استعمال الحق شاملاً للقسمين يمكن إدماجهما في تعريف واحد نستخلصه من الاستعمالات المختلفة للفقهاء، وهو ما يثبت للإنسان استيفاؤه؛ سواء أكان عامَّا أو خاصَّا، وسواء أكان حقَّا متعلقًا بالمال؛ كحق الملك في الأعيان، وحق الانتفاع بالعين المستأجرة أو المستعارة، وحق الحبس في المرهون، أم كان حقًّا غير مالي؛ كحق الولاية للشخص على أولاده، وحق الزَّوجية ومنه حق الطَّاعة لولي الأمر، وحق الشُّورى للأفراد الذين يتأهلون لذلك وغيرهما من الحقوق السياسية.

ولا يأبى الفقه الإسلامي تقسيم فقهاء القانون له إلى شخصي وعيني، فالأول: دين أو عمل أو امتناع عن عمل لشخص على آخر؛ كالثمن المؤجل، ومنفعة الأجير، والامتناع عن الانتفاع بالمرهون أو الوديعة، والحق العيني هو علاقة اختصاص لشخص على شيء في مواجهة الناس جميعًا؛ كحقِّ الملك، وحقِّ التَّصرُّف في المَملوك، وحقِّ الارتفاق بالشرب، والطريق، ووضع الجذوع على حائِطِ الجار.

وأسباب اكتساب هذه الحقوق إمَّا اختياريَّة، وإمَّا جَبْرِيَّة، فالأولى: العقد، والعلم النافع؛ كالفضالة، ومنها ما إذا أنفق على اللقيط بغَيْرِ إذْنِ القاضي عند المالكيَّة، والعمل الضَّار؛ كارتكاب الجرائم، والامتناع الضار.
والسَّبب الجَبْرِي أمران: الأوَّل: أوامر الشارع؛ كالإنفاق على الأولاد، والضرائب من العشر، والخراج، والزكاة، والثاني: هو الإرث.

معنى التَّعسف:
التَّعسُّف في استعمال الحقِّ تعبيرٌ واردٌ إلينا عن الحقوقِيِّين الغربيين، فيجمل بنا أن نعرفه بما أرادوا منه، ثم نتكلَّم عمَّا يقابله في الفقه الإسلامي.
فالتَّعسف في استعمال الحق عندهم هو: استعمال الحق على وجه غير مشروع، فالمفروض أن الحق أمر مشروع ومباح الاستخدام؛ ولكن الذي استعمله نحا في ذلك نحوًا غير مشروع؛ كما سيتبين هذا فيما بعد.

وفرق بين التَّعسف وبين الفعل الضار أو الامتناع الضار؛ لأن الأخيرين أمر غير مشروع، أي ممنوع ومحرم من أول الأمر.
أما التعسف فهو استعمال الحق المشروع على وجه غير مشروع.

أحوال التعسف في القوانين الحديثة:
ذكرت التَّقنينات الحديثة ثلاثة أحوال للتَّعسف في استعمال الحق هي:
الأول: أن يأتي الإنسان بعمل مشروع، ويقصد به الإضرار بالغير من غير أن تكون له مصلحة فيه.
الثاني: أن يأتي بعمل مشروع للحصول على مصلحة ضئيلة له، لا تتناسب مع الضرر العظيم الذي لحق الغير من جراء هذا العمل.
الثالث أن يأتي بعمل مشروع يقصد به تحقيق مصلحة غير مشروعة، وقد نص على هذا القانون المصري في المادة 4، 5؛ والقانون السوري 5، 6.

النظرية والفقه الإسلامي:
هذه النَّظرية مسطورة في صميم الفقه الإسلامي وبارزة في آيات الكتاب وأحاديث السنة بأوسع من معناها في القانون، وهي من المبادئ الكبرى التي حفظت بها الحقوق منذ كان الإسلام.

الأدلة عليها إجمالاً:
الأدلة عليها من القرآن والسنة:
الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231].
سبب نزول هذه الآية كما أخرج ابن جرير وابن المنذر، أنَّ رجلاً من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلَّق زوجته حتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها إلا يومين أو ثلاثًا راجَعَها ثُمَّ طلَّقها، فعل ذلك بِها حتَّى مَضَتْ لَها تسعةُ أشْهُرٍ يُضارُّها، فأنزل الله تعالى الآية.

يعني - والله أعلم - إذا طلَّقْتُمُ النِّساء فقارَبْنَ انْقِضاءَ عِدَّتِهن فأمسكوهن بالرجعة؛ بما هو متعارف في الشرع من حسن العشرة، أوِ اتْرُكوهُنَّ حتَّى تنقضي عدتهن، ولا تُراجِعُوهُنَّ مُضارِّين لَهُنَّ بِهذه الرجعة، فيتحقق بذلك عدوانكم عليهن.
وجه دلالة الآية أن الإمساك حق للزوج، وقد ندب الله تعالى إلى استعماله على نحو مشروع وهو الإمساك مع المعاشرة الحسنة، ونهى عن استعماله على نحو غير مشروع، وهو استعماله على وجه المضارة على النَّحو الذي فعله ثابت بن يسار، وهذا بعينه هو إساءة استعمال الحق؛ لأنَّهُ اسْتِعمالُ حقِّ الإمساك: على وجْهٍ غَيْرِ مَشروع.

الدليل الثاني: قال الله تعالى بعد بيان نصيب الإخوة لأم من الميراث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12].
يعني - والله أعلم - لكل من الإخوة لأم نصيبه بعد أداء دين المورث، وإخراج وصيته، على أن يكون المورث قد أقر بالدين، وأوصى من غير ضرار بورثته، بأن يكون الدين صحيحًا، والوصيَّة لا ضرار فيها.

وجه الدلالة أنَّ الوصية حق للمورث، وله استعماله على وجه مشروع بأن يكون فيه بر بالورثة، ولا يجوز استعماله على وجه غير مشروع بأن يكون إضرارًا بالورثة؛ كأن يوصي بأكثر من الثلث، أو يوصي لأحد الورثة، فالوصية مع الإضرار هي بعينها إساءة استعمال الحق.
الدليل الثالث: ما أخرج أحمد بسنده إلى عبدالله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله المحلِّل والمحلَّل له))، وما رُوِيَ عن الأوزاعي عنه - صلى الله عليه وسلم - ((يأتي على النَّاس زمان يستحلون الربا بالبيع)).

وما أخرج البخاري عن النُّعمان بن بشير أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها؛ كمثل قومٍ استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).

وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أنَّ الزواج والبيع عمل مشروع والزواج لأجل التَّحليل والبيع لأجل الربا عمل غير مشروع، فلما قصد بالمشروع غير المشروع نهى عنه الشارع، وحكم بفساده؛ لأنه تعاون على الإثم، وقد قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، ووجه الدلالة من الحديث الثالث أن الذين في أسفل السفينة يستعملون نصيبهم وحقهم؛ لكن لما أرادوا أن يستعملوه على وجه غير مشروع؛ لأنه يضر الجماعة ضررًا عظيمًا لا يتكافأ مع مصلحة شربهم، وترك إيذاء الفريق الأعلى، اعتبره الشارع منكرًا يجب أن يمنعوا عنه، إلى غير ذلك من أدلة يأتي بعضها إن شاء الله.

اشتراكية الحق في الإسلام:
الحقوق الشخصية والعينية ليست مختصة بأصحابها في الإسلام اختصاصًا مطلقًا، وليسوا مستبدِّين في التَّمتُّع بِمزاياها استِبْدادًا عمَّا قد يتبادَرُ من وصْفِها بِالحُقوق الخاصَّة.
بل الواقع أنَّ للجماعة حقًّا عامًّا مشتركًا بينهم، وذلك من ناحيَتَيْنِ:

الأولى: أنَّ تصرُّف الشَّخص فيها مشروعٌ بشَرْط سلامة الجَماعة من ضررٍ يَنْشَأُ عن استعمال هذا الحق؛ كما يشير إلى ذلك حديث الواقع في حدود الله؛ ولهذا أذن للجماعة في منعه عنِ اسْتِعماله للحقِّ استِعْمالاً ضارًّا بِهم، فصاحِبُ الحقِّ يَجِبُ أن ينظُرَ إلى النَّتائِجِ النَّاجِمَة عنِ اسْتِعْمالِه إنْ قَصَدَ الضَّرَرَ، أو ترك الاحتراس، أو أراد تحقيق مصلحة لا تتكافأ مع ضرر الغير أو مصلحة غير مشروعة.

الناحية الثانية: أن الحق كما جعل الله فيه مصلحة فردية لصاحبه، جعل فيه مصلحة اجتماعيَّة لصالح الجماعة؛ لأنه من ثروة الأمَّة التي تعتمد عليها، ولهذا نهى الشخصَ عن إتلاف ماله؛ لأنه إن لم يصبه هو بالخسارة أصاب الجماعة، ولأن الله جعل فيه نصيبًا معلومًا للجماعة كما في الزكاة والعشر والخراج، ويدل على هذا النَّهْي عن الاحتكار والنهي عن رفع الأسعار وحق الجماعة في بيع المال المحتاج إليه على صاحبه عند الغلاء الشديد أو المجاعة.
ويشير إلى هذا الأصل العظيم قول الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]، وبهذا تبيَّن أنَّ الحقَّ الخاصَّ فيه جهة عموم نظرًا للوظيفة الاجتماعية التي رتَّبها الشَّارع من النَّاحيَتَيْنِ السَّابقَتَيْنِ.
ولهذا المبدأ ارتباطٌ وثيقٌ بنظريَّة التَّعسُّف في استعمال الحقِّ، من جِهَةِ أنَّ صاحبَهُ يجب أن يشعر بأن لغيره فيه نصيبًا لا يصح الاعتداء عليه.

تفصيل الكلام على التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي:
تعريفه:
تبين من دراساتنا لأحكام التَّصرُّفات، وما يعتبر منها مُخالفة، وما لا يعتبر أنَّه يُمكن تعريفه بِما يأتي: هو تصرُّف الإنسان في حقِّه تصرُّفًا غيرَ مُعتاد شرعًا.
ولشرح هذا نقول: الأصل الفقهي العام في المسؤولية إذا تصرَّف الإنسان في حقه.
قرَّر الفقهاء كما في الفقه الحنفي وغيره، أن للإنسان أن يتصرف في ملكه تصرفًا معتادًا ولا يسأل عما يترتب عليه من ضررٍ حينئذٍ، وإنما يسأل عن الضرر إذا كان التَّصرف في ملكه غير معتاد.

ويقصدون بالملك ها هنا الحقَّ؛ بدليل أنَّهم ذكروا من فروع هذا الأصل ما لو سقى أرضه من الأنهار العظام التي ليست مملوكة للأفراد؛ كالنيل، والفرات، أو ساق منها نهيرًا إلى أرضه، قالوا: يجوز ذلك إلاَّ إذا أضرَّ بالعامَّة.

تفريع:
وفرَّعُوا على هذا الأصل أُمُورًا منها ما إذا سقى زرعه فنزت أرض جاره، وتلف بذلك زرع أو بناء إن سقاها سقيًا معتادًا بأن سقاها قدر ما تحتمله عادة لم يضمن وإن سقاها قدرًا لا تحتمله ضمن.

ومنها ما إذا أحرق حصائِدَهُ في أرضٍ مَملوكة أو مستأجرة، فاحترق بذلك شيء لجاره لم يضمن لأنه تصرف في حقه تصرفًا معتادًا، وإن كانت الرياح مضطربة عند الإحراق فأحرقت شيئًا لغيره ضمن، لأنَّه يَعْلَمُ أنَّ النَّار لا تستقرُّ فكان مستعملاً لِحقِّه استعمالاً غير معتاد؛ أي فكان متعديًا.
ومن هذا يتبيَّن حُكْمُ الفِقْهِ فيما لو حَفَرَ بئرًا في مِلْكِه فغاض الماءُ من بئر جاره، أو أدار آلةً إدارةً مُعتادة فتأذَّى السُّكَّان بضوضائها، وهو أنه لا يضمن الضرر؛ لأنه تصرف معتاد.

وحُكْمُ هذا الأصلِ يسري على مَنْ قامَ بِعَمَلٍ لغيره بناءً على عقد أو إذن كالطبيب والقاضي ومنفذ الأحكام؛ إذا سلك الطريق المعتاد في عمله فتخلف عن ذلك ضرر: لا يضمن وإن جاوزه ضمِن، ولهذا قالوا: إن الختان والفصاد إذا هلك الغلام والمريض بجرحهما المعتاد لا يضمنان[1]، وإن جاوزاه ضمنًا، وكذلك القاضي إذا ظهر أنه حكم بغير الحق، والمنفذ للعقوبة كالسجان والجلاد إذا تخلَّف عن قيامه بعمله المعتاد ضرر، ويشير إلى هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه)) الحديث، حيث لم يعتبر خطأ القاضي تعدِّيًا بعد ما تحرى في عمله وجه الصواب.
وتصرف الإنسان في حقه تصرفًا غير معتاد هو جماع مسائل التعسف في استعمال الحق.

أصول مسائل الإساءة في استعمال الحق
ويمكن حصر أصول مسائل التعسف في استعمال الحق بالاستقراء في أربعة:
الأصل الأول:
ما إذا استعمل حقَّهُ لا يقصد من ذلك إلا الإضرار بغيره، وليست له مصلحة فيه، وذلك كمن يدعي على آخر جريمة أو عملاً غير لائق، لا يقصد بذلك إلا الإضرار به، هذه الدعوى لا تسمع، ويعزر المدعي إذا ثبت ذلك بالقرائن، وفي فقه المالكية - كما في "التبصرة" - لو ادعى الصعاليك على أهل الفضل دعاوى باطلة، وليس غرضهم من هذا إلا أن يشهروا بهم ويوقفوهم أمام القضاء للإيلام والامتهان لا تسمع الدعوى ويؤدَّب المدعي.
ومن ذلك ما إذا أراد الزوج أن يسافر بزوجه إلى بلد بعيد، وهو غير مأمون عليها، لا يريد بذلك إلا الإضرار بها وإيذاءها أو سلب مالها، فيقضى بمنعه من السفر بها للإضرار، وقد قال تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} يعنِي: لا تضاروا المعتدَّات في السكنى؛ فالزوجات أولى ألا تضاروهن، والأصل في مسائل هذا الباب تحريم إمساك المعتدة بقصد الإضرار بها، وتحريم وصية الضرار وبطلانها، وتحريم طلاق المريض ليفر به من ميراث زوجته؛ فتقاس سائر مسائله عليهما لاتحاد العلة، وهي قصد الإضرار.

الأصل الثاني:
أن يستعمل الإنسان حقًّا يقصد به تحقيق مصلحة له فتترتب عليه مفاسد وأضرار لاحقة بالغير، وهي أعظم من هذه المصلحة أو مساوية[2] لها، وذلك كاحتكار ما يحتاج إليه الناس في أوقات الغلاء أو القحط يقصد به البيع بثمن مرتفع، فإن المحتكر يريد من ذلك مصلحة الربح الكبير؛ لكن يترتب على هذا ضرر عظيم يلحق الجماعة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الجالب مرزوق والمحتكر ملعون))، ومن هنا يمنع من الاحتكار ويباع عليه ما احتكره بثمن المثل إن امتنع من البيع.

ومن ذلك إغلاء التجار السعر على الناس بحيث يصل إلى ضعف قيمة السلع، فإن تقدير البائع لثمن مبيعه حق له، ولكن استعماله على هذا النحو، وإن حقق مصلحة له، فقد نشأت عنه مفاسد عظيمة بالجماعة، ولذلك قال الحنفية والمالكية: إذا عجز ولي الأمر عن رد التجار إلى الأسعار العادية بكُلِّ الوسائل أزال هذا الضرر بالتسعير بمشورة أهل الخبرة، وقد ثبت هذا بالمصلحة المرسلة لدفع الضرر عن الجماعة، وقال الشافعية وبعض الحنابلة بمنع التسعير واستدلوا بما روي أنه قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ألا تسعر لنا؟ فقال: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط))، وأجاب القائلون بالتَّسعير بأن الحديث كان فتوى في واقعة خاصة بسبب خاص، فلا تدل على عموم الحكم، فإن امتنع التاجر من البيع بالسعر المحدد بيع عليه كما يباع المال على المدين وفاء للدين.

ومنه تلقي التاجر للوافدين إلى السوق من أهل الريف والبادية، وشراء ما جلبوه بالثمن الرخيص لبيعه لأهل المدينة غاليًا؛ حيث يضر ذلك بأهل المدينة وبالوافدين، وقد نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ولا تلقوا الركبان للبيع)).
ومنه بيع السلاح في أيام الفتنة، أو لقطاع الطريق، وبيع العصير ممن يتخذه خمرًا، وبيع الحاضر للبادي، حيث قال الإمام أحمد ببطلان هذه العقود لرجحان المفسدة.
والمسائل المنصوص على حكمها مِمَّا قدمنا أصل في هذا النوع، فيثبت الحكم لنظائرها بالقياس، وإن شئت أثبته بالمصلحة إن تعذر القياس.

الأصل الثالث:
أن يستعمل حقه المشروع عقدًا أو غيره يقصد به تحقيق غرض غير مشروع مغاير للغرض الذي وضعه له الشارع.
وهذا كالبيع الذي يقصد به الربا، ومن هنا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وسلف؛ لأنه يؤدي إلى الربا كأن يبيع سوارًا يساوي أربعمائة بخمسمائة على أن يقرضه البائع أربعمائة، فإن هذا العقد يؤول إلى ربا النسيئة، وهو أخذ تسعمائة ليردها ألفًا.

وكبيع العينة لأنه يؤدي إلى الربا أيضًا، وهو شراء ما باع بثمن أقل من الثمن الذي باع به قبل قبض الثمن، حيث تكون زيادة الثمن المؤجل ربا.
ومنه زواج التحليل فإن الزواج موضوع للعشرة الدائمة وتكوين الأسرة، وقصد به عمل مؤقت مذموم عند الله، وقد تقدم تحريمه بالحديث الكريم.
ومنه البيع الذي قصد به إسقاط الشفعة، وهبة المال التي قصد بها الواهب إسقاط فريضة الزكاة أو الحج، فما ثبت بالنَّصِّ في هذا الباب يعتبر أصلاً وغيره يقاس عليه[3].

هذه الأنواع الثلاثة مبنيَّة على قاعدة سدِّ الذَّرائع، وزيادة على ما تقدم من الأدلة نذكر أنَّ الأنواع السابقة للتعسف في استعمال الحق مبنية على أصل عظيم من أصول الشريعة، وهو سد ذرائع الفساد.
وضابطُها أنَّ الشَّارع إذا حرم شيئًا حرَّم وسائِلَهُ المُفْضِية إليه، وهذا يتحقَّق فيما إذا أفضَت الوسيلة إلى ضرَرٍ مَقصودٍ أو إلى مَصلَحةٍ معها مفسدةٌ تُساوِيها، أو تترجَّحُ عليْها، أو إلى غرض حرَّمه الشارع كالربا والزنا، وبالجملة: إذا أفضت إلى إسقاط الواجبات وإحلال المحرمات.

وهذا الأصل تثبته أدلة كثير في الشريعة؛ منها قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فإنَّ مفسدةَ سبِّهم للإله الحقِّ أعظم من مصلحة سبِّ الأصنام المباح، فمنع السب المباح لذلك، ومنها قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]، حيثُ حرَّم الضرب المباح لما فيه من إثارة الميول الخسيسة، ومنها تَحريم البيع عند نداء الجمعة؛ لأنَّ مفسدة الانشغال عن الصلاة أعظم من مصلحة البيع، ومنها تَحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها؛ لأن مفسدة قطيعة الرحم أعظم من مصلحة الزواج، ومنها امتناعُه - صلى الله عليه وسلم - من قتل المنافقين حيث علل ذلك بقوله: ((لا يتحدث الناس أنَّ مُحمَّدًا يقتل أصحابه))؛ لأن مفسدة تنفير الناس من الإسلام ونبي الإسلام أعظم من مصلحة القتل.

وقد أطلنا بعض الشيء في ذكر الأدلة؛ ليظهر ظهور النهار أنَّ ما يخاله الناس قواعد قانونية مبتكرة لأهل الغرب هو من ضروريات الشريعة المحكمة.
وهذه الأنواع كذلك مبنيَّة على أصل آخر وهو أن الحيل التي تؤدي إلى إسقاط واجب؛ أو إحلال محرم تقع باطلة.
تدل عليه كثرة من الأدلَّة منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله اليهود: إن الله لما حرم عليهم شحوم الميتة جملوها - أي أذابوها - فباعوها وأكلوا ثمنها))[4].

الأصل الرابع:
أن يستعمل الإنسان حقه لكن دون احتراس وتثبت فيما يمكن فيه الاحتراس، فيفضي هذا إلى الإضرار بالغير.
وذلك كما إذا أراد أن يصيد طيرًا فطاش سهمه وأصاب إنسانًا أو حيوانًا بضرر، فإن الصيد حق مباح، ولكنه لم يحترس في استعماله له، ولم يتثبت فأدى إلى ضرر الغير، وهو المعروف بالخطأ في الفعل، وكما إذا ضرب دابة غيره يظن أنها دابته فأعطبها، أو قطف ثمر غيره يظن أنها ثمره، وهو المعروف بالخطأ في القصد، وهذا تعسف في استعمال الحق لانطباق تعريفه عليه.

وحكمه ضمان هذا الضرر إنسانًا أو حيوانًا؛ لأن القرآن يدل على تضمين المخطئ كما في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92].
ومن ذلك سائق السيارة إذا صدمت إنسانًا فقتلته أو مالاً فأتلفته؛ لأنه استعمل حقه في قيادتها لكنه لم يحترس، ومن ذلك ما لو استعمل في الدفاع الشرعي سلاحًا لا تدعو إليه ضرورة الدفاع فأدَّى إلى ضَرَرٍ فإنَّه يضمنه، وفي "الدر" لابن عابدين[5]: المرأة إذا أريدت بسوء، والزوج إذا وجد رجلا مع امرأته، وأمكن الدفع بالصياح أو بالضرب بما دون السلاح فاستعمل السلاح ضمن الضرر المترتب عليه.

لكن محل ضمان الضرر في هذا الأصل إذا أمكن الاحتراس عنه عادة، أما إذا لم يمكن فلا ضمان كالطبيب إذا أجرى جراحة على النحو المعتاد بين الأطباء فتلف بها إنسان، وذلك لاختلاف طبائع الناس واحتمالهم للجراحات.
أما إذا أمكن الاحتراس فإنه يكون مقصرًا؛ كالحمال إذا زلقت رجله فأتلف ما يحمله، والكواء إذا أحرق الثوب الذي يكويه[6].

وقاعدة الحنفية في هذه المسألة أن الإنسان إذا أتى بمباح فترتب عليه ضرر بالغير ضمن؛ لأن استعمال المباح مشروط بالسلامة، والضرر دليل عدم الاحتراس، وذلك كالمرور في الطريق وضرب الزوجة لترك الطاعة، وإن فعل واجبًا عليه فترتب عليه ضرر لا يضمن كمنفذ الأحكام والفصاد الذي يعمل بالأجرة؛ لأنه مسلط على ذلك إلا إذا تجاوز ما أمر به أو أمكن الاحتراس عن الضرر فحينئذ يضمن، وقال الشافعي: يضمن في تنفيذ الأحكام ومن الزيلعي (جـ 3 ص 211) وابن عابدين في الإجارة.

وقد يبدو غريبًا ذكر الأصل الرابع في أنواع التعسف، ولكننا رأينا هذا لأنه ينطبق عليه تعريفه، وإلا فالكل في نظر الفقه من باب التعدي على سبيل التسبب.

التعسف في استعمال السلطة:
رجال السلطة التنفيذية يتصرفون بالوكالة عن ولي الأمر في حدود الأحكام المشروعة، لذلك لا يجوز لهم أن يفعلوا ما يخالف الشريعة، ولا أن يفعلوا ما لم يفوضوا فيه، فإن فعلوا شيئًا من هذين اعتبر ذلك إساءة في استعمال حُقوقِهِم، وترتَّب عليه إزالة ما لزمه من الضرر فإذا اغتصبوا مال الأفراد وضمُّوه إلى ملك الدولة أو حصَّلُوا ضرائب ظالمة لبيت المال ردت إلى أصحابها وإذا عاقبوا أحدًا بغَيْرِ جريمةٍ أدبوا، ما لم يكن ترتب الضرر عن اجتهاد كاجتهاد القاضي، وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إذا رأيتم في اعوجاجًا فقوموني"، وكان - رضي الله عنه - يرسل المفتشين إلى الولايات لمراقبة عماله، وصح عنه أنه عزل سعد بن أبي وقاص لما شكاه أهل الكوفة؛ ومن أجل ذلك أنشئتْ مَحاكم المظالم في خلافة عبدالملك بن مروان لإنصاف أفراد الشعب من ظلم الحاكمين[7].

ولهذا نرى أن تقنين العقوبات في البلاد الإسلامية هو احتياط لدرء مفاسد التعسف في استعمال الحق الذي قد يقع من القضاة؛ لأن العقوبات على الجرائم فيما عدا الحدود والقصاص كلها راجعة إلى التعزير، والعقوبات التعزيرية متفاوتة كما أن الجرائم متفاوتة، فالقاضي ما لم يكن خبيرًا بأحوال الناس وما يصلحهم، متشبِّعًا بالعدالة، بعيدًا عن الأغراض والغايات، كثيرًا ما يقع منه الشطط في تقدير الجريمة وتحديد العقوبة، فكان التقنين هو الضمان الصحيح للعدل بين الناس، وقد اتخذت الوسائل قديمًا للمنع من التَّعسُّف كالحجر على الطبيب الجاهل والمفتي الذي يفتي الناس بالحيل الباطلة وكالحجر على المديان[8].

التَّكييف الفِقْهِي للتَّعَسُّف في استعمال الحق:
عرفنا أن أنواع التعسف أربعة، وأن الثلاثة الأولى منها مبنية على قاعدة سد الذرائع التي تقول: إن المشروع إذا أدى إلى محظور كان محظورًا، أو المباح إذا أدى إلى حرام كان حرامًا.
والرابع كذلك استعمال محظور لما جاوره من عدم الاحتراس.

وبناء عليه يكون المتعسف في استعمال الحق قد تسبَّبَ في أمر مَحظورٍ، فيُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا بطريق التسبب؛ لتقصيره عند استعمال حقه، بقصد الضرر أو بالسعي في حصول مفاسد غالبة أو في تحقيق أغراض غير مشروعة أو لعدم الاحتراس، فيكون مسئولاً عن هذا التقصير وترتب عليه حكم مرتكب المحظور، وهو في كل شيء بحسبه كما يأتي، فلا فرق في حكم الشريعة بين من يأتي بما هو محظور من أول الأمر؛ كالضرب والغصب، ومن يأتي بمشروع أدى إلى محظور نتيجة التقصير، كل تتعلق به مسئولية المخالفة.
وبِهذا يتبيَّن أنَّ التَّعسُّفَ في استعمال الحقِّ في حكم الفِقْهِ هو من الفعل الضارِّ أو الامتناع الضَّارِّ أو العقد المحرم[9].


الأحكام المترتبة على التعسف:
وحكم التعسف إما التعويض إذا أدى إلى إتلاف مال أو نفس كمن حفر في ملكه بجوار حائط جاره فانهدمت، وإما الإبطال إذا كان في التعاقد كوصية الضرار وبيع العينة، وإما رفع الضرر؛ كبناء المالك ملاصقًا لجاره فسدَّ عليه نوافذ الضوء والهواء، وكجباية ضرائب ظالمة ومنع المحتكر، وإما التعزير؛ كما في دعاوى التشهير، وإما المنع من ممارسة الحق المتعسف في استعماله؛ كما في منع الزوج من السفر بزوجه إذا قصد به إيذاءها، والحجر على المديان، والمفتي المحتال على المحرمات، والطبيب الجاهل.

وفاء النظرية في الفقه الإسلامي ووضوحها:
لعلنا تبيَّنا من العرض السابق أن هذه النظرية غدت مستوعبة لجميع حالات التعسف، واضحة المعالم لبنائها على أصول مضبوطة لا اضطراب فيها، فإن مبنى الأصل الأول وهو قصد الضرر، وإن كان أمرًا شخصيًّا لكن يمكن كشفه بالقرائن الظاهرة، والأصل الثاني مبني على مقياس مادي، وهو الموازنة بين المصلحة والمفسدة، والأصل الثالث معياره معرفة النظم الإسلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فكل عمل مأذون فيه يراد به تحقيق غرض يخالف هذه الأنظمة يعتبر من التعسف كمن أهدى ويريد الرشوة أو اشترى ويريد الربا أو تطوع للجندية ويريد التجسس على أنظمة الجيش، والأصل الرابع مبني على عدم الاحتراس من الضرر وهو واضح يكاد يدل على نفسه.

أما القوانين الأجنبية التي يقال عنها: إنها تقدمية وافية، فإنها لم تعرف هذه النظرية إلا في هذا العصر، ومع هذا فهي فيها ناقصة وغامضة، فالقانون السويسري يبنيها على سوء النية وكفى، والقانون الروسي يبنيها على مخالفة الأغراض الاجتماعية والاقتصادية لا غير.
ولهذا أحسن واضعو القانونين: المصري، والسوري في استمدادها من الفقه الإسلامي[10] لأنهم وجدوها فيه تَجمع بين الوضوح والوفاء بخلاف القانون اللبناني؛ فإن جسران الفرنسي - واضع هذا القانون - استمدَّها من القوانين الغربية[11]؛ ولهذا جاءت فيه ناقصة.

ملاحظة:
لكن يلاحظ على القانونين المصري والسوري أنهما قصرا أحوال التعسف على الثلاثة الأولى، وتركا حالة التعسف بسبب عدم الاحتراس مع أنَّ معنى التعسف فيها أوضح.

إثبات التعسف في استعمال الحق أمام القضاء:
يثبت التعسف أمام القضاء بجميع الطرق المثبتة للحق غير أن تكييفه يتوقف إلى حد كبير على الظروف المحيطة بالقضية، وعلى عرف الجماعات؛ فقد يكون استعمال الحق تعسفًا في بيئة دون أخرى، وضررًا في حال دون حال، وذلك كرفع صوت المذياع إذا كان في السوق العامة أو في الأحياء الآهلة بالسكان وبين سكان البادية أو الحاضرة.

ولما كان سوء النية والتحايل لتحصيل المفاسد والأضرار هما أكثر أسباب التعسف وجب على القاضي أن تكون له خبرة واسعة بقرائن الأحوال وفقه نافذ بأحوال الناس الاجتماعية؛ ليجمع منها أدلة قصد الإضرار ويكتشف التحايل باستعمال المباحات على الوصول إلى المحرمات والأغراض غير المشروعة، نعم، هناك حالات نصب الشارع عليها علامات ظاهرة؛ كالطلاق في مرض الموت لأجل الفرار من ميراث الزوجة ووصية الضرار.

بعض تطبيقات لمبدأ الإساءة في استعمال الحق:
1 – حق الوكيل في عزل نفسه:
الوكالة من العقود غير اللازمة؛ فلكل من الوكيل والموكل حق العزل.
وبناء على هذا قد يستعمل الوكيل حقه، فيفاجئ الموكل بعزل نفسه في وقت يعجز عن القيام بما وكل فيه أو عن التوكيل به؛ كالمرافعة في قضية قرب موعد نظرها، وهي محتاجة إلى دراسة واسعة وكالقيام بعمل ضروري عاجل والموكل غائب.

وهذا في نظر الفقه تعسف في استعمال الحق؛ لأنه إضرار عظيم بالموكل بقصد أو بغير قصد، وقد رأينا أبا حنيفة يشترط في عزل أحد الطرفين علم الطرف الآخر منعًا من الإضرار لجواز أن يكون الوكيل تصرف لصالح الموكل تصرفات فيها تبعات مالية ولجواز أن ن تكون هناك أعمال في تركها تغرير بالموكل وإضرار به.
وبناء على هذا فقواعد مذهبه تقضي ببقاء الوكالة وإلزام الوكيل بإنجاز ما وكل فيه دفعًا للضرر وتأديبه إن فرط، وعلى أن الوكيل بالأجر ليس له أن يعزل نفسه قبل إنهاء ما وكل به[12] عما في السمسار فإنَّه وكيل يعمل بالأجر[13].

2 – حق الخطيب في فسخ الخطبة:
الخطبة وعد بالزواج وإخلاف الوعد بعذر مشروع، وعلى هذا ففسخ الخطبة بسبب جائز؛ كالمرض المعدي أو المانع له من المعاشرة الزوجية، وعجز الزوج عن دفع المهر، والخلاف المستحكم بين الخطيبين أو أسرتيهما، وإن كان الفسخ من غير سبب كان إخلافًا للوعد من غير عذر بل كان إخلافًا ضارًّا؛ لأن الناس عادة يعلمون بالخطبة ويركنون إليها فينصرف عن الخطبة من يفكر في الزواج منها، فإذا فَسَخَ الخطيب من غير سبب فقد فوَّت عليها فُرَصَ الزَّواج التي كانت سانحة، ونشر حولها الشائعات في أسباب الرفض، الأمر الذي تثور له النفوس وترتكب بسببه الجرائم، ولاسيما في هذا الزمن الذي فسدت فيه الأخلاق وكثرت الظنون السيئة فتتعطل بذلك مصلحتها الأساسية التي أعدها الله لها.
وإخلاف الوعد إذا ترتب عليه أمثال هذه المفاسد كان منكرًا يجب تغييره ومعصية يستحق فاعلها التعزير عليها.

تكييف الفسخ بلا سبب:
وعليه فللقاضي أن يعاقب الفاسخ لا على مبدأ تعويض الضرر، بل على مبدأ التعزير على الإتيان بهذا المنكر وهو إخلاف الوعد المستتبع للمفاسد، والتلاعب بمصالح الناس وأعراضهم لأن التعزير ثابت على كل فعل أو قول فيه إيذاء للمسلم بغير حق زجرًا للناس عن ارتكاب المفاسد والمضار واستصلاحًا لهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده))، وهو خطاب لأولياء الأمر، وهذا المبدأ إذا عمل به حمل الذين يريدون الخطبة على الإمعان في التروي قبل الإقدام عليها، وعلى أن يفرقوا بين العدول عن شراء سلعة تم الوعد بشرائها، وفسخ خطبة فتاة كريمة على نفسها وعلى قومها.

3 – حق الطلاق:
الطلاق أبغض الحلال إلى الله، لكنه مشروع عند الحاجة كعدم عفة الزوجة، بل قال بعض الفقهاء بوجوبه حينئذ، خشية أن تفسد فراشه وتدخل عليه من ليس من أولاده، ولئلا يقع تحت طائلة اللعنة الواردة في الديوث الذي لا يغار على حريمه.
ومن واضع الحاجة سوء خلقها في معاملة الزوج أو معاملة الناس، وتضرر الزوج بها في الحياة الزوجية العاطفية لمرض بها أو لعدم انسجام في الطباع، وتفريطها في حقوق الله، وهي لا تطيعه في أدائها حتى لا يعاشر امرأة عاصية، ومن الأسباب عقمها إذا لم يستطع أن يتزوج بأكثر من واحدة.

فإذا وقع الطلاق لغير حاجة كان مبغضًا إلى الله، ولا سيما إذا كانت الزوجة ذات أولاد منه أو كانت فقيرة، وقد رتَّبتْ حياتَها على العيش معه.
وعند هذا لا ننكر أن الزوج قد يسيء استعمال حقه فيه لما يترتب عليه من الإضرار بالزوجة.
هل يجوز المَنْع من إيقاعه إلاَّ بِإذن القاضي؟
وبعض الناس يريد أن يتَّخذ من مبدأ التعسف في استعمال الحق سبيلاً إلى المَنْع من إيقاعه إلا بإذن القاضي.

وعندنا أنَّ هذا خطأ؛ لأنَّ إثبات التَّعسف في الطلاق هو إثبات أنَّ الزوج أوقعه من غير حاجة مشروعة تدعو إلى إيقاعه، والقضاء لا يستطيع إثباته بطُرُقه المعروفة ومعاييره الصَّحيحة؛ لأنَّ الكثير من أسباب الرخصة في الطَّلاق التي شرحنا بعضها: خفي لا يستطيع المسلم ذكره لأنَّ الله تعالى يحب الستْر على عباده، وفتح هذا الباب قد يؤدي إلى المُصارحَة بأشياء هي من السرية والخطورة بحيث يضر الزَّوجة إعلانها؛ بل قد يضطر الزَّوج الذي لا خلاق له إلى انتحال أسباب كاذبة ضارَّة بالمرأة، ولا يستطيع القضاء الوقوف عليها، وماذا يفعل القاضي إذا قال الزوج: إني أكرهها، وإن أمسكتُها أمسكتها على بغض ومضارَّة.

الحقُّ أنَّ عقدة الزَّواج عاطفية بناها الله على المودَّة والألفة فمن الطَّبعي في الغالب ألا يترك الزَّوج زوجته التي أحبها وسكن إليها وأنفق في سبيلها، إلا لداع قد يستتبع المقام معه من المضار ما لا يعلمه إلا الله، ويشعر الزَّوج حأحعندئذٍ أنَّ بيتها جحيم لا يُطاق، والمعروف في الشريعة أن المرأة إذا كرهت زوجها كان لها أن تفتدي منه بمالها ليفارقها؛ كما قالت جميلة امرأة ثابت بن يسار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني أخاف الكفر في الإسلام لشدة بغضي إياه))، فماذا يكون الحال إذا اشتد بغضه لها، ومنعه القاضي من تطليقها؛ لأنه لم تقم لديه مبررات للطَّلاق؟ ولئن كان البُغض من المبررات عند القاضي فلكل واحد من الأزواج أن يدَّعيه.

وعليه فأقل حالات الطَّلاق عندئذٍ أن يكون ارتكابًا لأخف الضَّررين، والأحوال القليلة التي قد يفسد فيه تقدير الزَّوج، المجتمع مضطر إلى تحملها إذ لا سبيل إلا هذا.
والذي ينبغي لتلافيها هو إصلاح المجتمع، وإشاعة مبادئ الإسلام الصحيحة بين أهله بجميع الطُّرق الممكنة.

4 – حق تعدُّد الزَّوجات:
تعدد الزَّوجات مشروع قطعًا إلاَّ عند خوف الزَّوج أن يظلم من في عصمته، فعندئذ لا يكون حقًّا له، والظلم المانع هو الظلم في الإنفاق، أو في الإقامة عند الزَّوجة، أمَّا المحبة وميل القلوب فأمره إلى الله، وقد بيَّن سبحانه وتعالى أنَّه خارج عن استطاعة البشر، قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]، والدَّليل على أنَّ العدل المشروط في الآية ليس هو المحبَّة التي أخبر الله عنها أنها غير مستطاعة قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إنَّ هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك))، يعني ميل القلب.

والتَّعدد مشروع لحاجات اجتماعيَّة وعاطفيَّة لا يستطيع بنو الإنسان الاستغناء عنها، والذين منعوا التَّعدد بالقانون والقضاء وقعوا فيه من طريق السر والجريمة، وليس هنا بسط أسباب التَّعدد؛ وإنما إجمال ما نريد أن نقوله هنا أن الله العليم بأحوال عباده، وما يصلحهم شرعه لمصالح اجتماعية سامية، وأقلها عند المحافظة على العدل الواجب أنه ارتكاب لأخف الضَّررين، وهو المتعة من طريق حلال.

لهذا لا يمكن أن يثبت من طريق القضاء في حق التَّعدد تعسف في استعماله متى تحقَّق العدل الواجب.
نعم؛ قد يتعدَّى الناس فيفعلون ما ليس مشروعًا، وهو التَّزوج مع العجز عن تحقيق العدل، فإذا شاع ذلك بين الناس، ولم تكن لهم من ضمائرهم رقابة على أنفسهم في تنفيذ أوامر الدين، ساغ للقضاء أن يتدخَّل فيمنع من التَّعدد كل من يثبت بالأدلَّة أن حالته المالية لا يستطيع معها أن يَمون نساءه، أو يعدل بينهن.

[1] الزيلعي جـ 6 ص 43 – الزيلعي جـ 5 ص 137 – ابن عابدين جـ 5 ص 58.
[2] وفي الضرر المساوي استثناءات كالضمان عند التعدي، والضرر المضطر إليه.
[3] انظر في هذا الأصل: "المغني" لابن قدامه في البيع، و"نيل الأوطار" في البيع، و"الدر"، وابن عابدين في "الشفعة".
[4] انظر في هذا البحث "الموافقات" جـ 1 في بحث الجيل، وجـ 4 في سد الذرائع، و"تنقيح الفصول" للقرافي في آخر الكتاب - "إعلام الموقعين" في بحث سد الذرائع جـ 3 منيرية.
[5] جـ 3 ص 248 التعزير.
[6] انظر في هذا الأصل: "شرح الزيلعي"، وحاشية ابن عابدين في كتاب الجنايات، و"مغني المحتاج" في كتاب الجراح، و"الدر" وابن عابدين في باب ضمان الأجير.
[7] انظر: "الأحكام السلطانية" لابن أبي يعلى ص 59.
[8] انظر في هذا البحث: "فتح القدير" وابن عابدين في بابي التعزير والقضاء، و"رسالة العرف" للباحث، و"تاريخ الكامل" لابن الأثير في تاريخ عمر.
[9] مثال الامتناع الضار: امتناع المحتكر عن بيع ما احتكره، والناس بحاجة إليه؛ حيث يجير على البيع ويعزر، وامتناع التاجر عن البيع بالثمن المسعر؛ حيث يجبر عليه ويعزر، وامتناع العمال الذين تتوقف عليهم إدارة المصانع الضرورية للدولة كمصانع الأسلحة ومواد البناء والأطعمة؛ حيث يجبرون على العمل بأجر المثل، وامتناع الطبيب الذي تعين لعلاج مرض معين.
[10] المذكرة الإيضاحية للقانون المدني في م 5، 6.
[11] محاضرة الأستاذ زهدي يكن؛ ألقاها في مؤتمر المحامين في بغداد سنة 1958.
[12] "لباب اللباب" لابن رشد المالكي.
[13] فتح القدير جـ 7 ص 78.




رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/2551/#ixzz3RqbFUcaY









رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 21:27   رقم المشاركة : 2037
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله مرشد حسن مشاهدة المشاركة
رجاء إن أمكن ساعدوني:
أختي الكريمة أسأل هل يمكنني الحصول على رسالة ما جستير بعنوان نظرية التعسف في استعمال الحق عند الإمام الشاطبي معناها مبناها كتاب مطبوع أصله رسالة ماجستير لبدر الدين احمد عماري من كلية الحقوق والدراسات الإسلامية جامعة وهران
إل ذلك هنالك بعض أعداد المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية وهي العدد 4 للعام 1992 والعدد 4 للعام 2009 والعددين 2+4 للعام 2012م كل هذه فيها مقالات عن التعسف أنهكني البحث لتحميلها مع ان بقية الأعداد متاحة ولا حول ولا قوة إلا بالله
أخوك من اليمن ويحتاج هذه الأبحاث من الجزائر وهو معد رسالة ماجستير عن التعسف في استعمال الحق
شكر الله سعيكم

نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي
أحمد فهمي أبو سنة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/5/2008 ميلادي - 11/5/1429 هجري
زيارة: 34649

حفظ بصيغة PDF نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
Share on favoritesShare on ********Share on twitterShare on hotmailShare on gmailShare on bloggerShare on myspaceShare on diggشارك وانشر
نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي
أحمد الله تبارك وتعالى وأشكره.
ربَّنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
وأصلِّي وأسلِّمُ على سيدنا مُحمَّد سيِّد الفقهاء وإمام المجتهدين وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعدُ؛ فإن الجامع الأزهر قد اشتد حرصه على الاشتراك في أسبوع الفقه الإسلامي لما يحمله من التبعة العظيمة نحو الإسلام، وفقه الإسلام، ولما يرجوه من وضعه في المكان اللائق به واستمداد العدالة منه على يد القضاة والمفتين في البلاد الإسلامية.
وقد تفضل المسؤولون فرغبوا إليَّ أن أشترك في هذا الأسبوع مندوبًا عن الأزهر، وأن ألقي بحثًا فيه، فشكرت لهم هذه الثقة.
وعلى رغم الموانع وضيق الوقت، أوجبت على نفسي الإسهام في هذا الأسبوع، واخترت من بين الموضوعات المقترحة موضوع: "التعسف في استعمال الحق"؛ لأنها نظريَّة يدعى على الفقه القصور فيها.

وقد بذلت جهدي في أبواب الفقه المختلفة متتبعًا آراء الفقهاء، فكانت هذه الثمرة الصغيرة، والله المسؤول أن يوفق العاملين للفقه إلى إنهاضه، وتجلية محاسنه لينتفع المسلمون بما فيه من حق وعدل وإحسان.

السيد الرئيس، أيُّها السادة:
إنَّ الأزهر الذي وقف في قلب البلاد الإسلاميَّة عبر القرون ينشر نور الإسلام، ويصون أصوله وأحكامه، ويذود عنه شُبَه المبطلين، وضلالات المغرضين، ليحييكم تحية من عند الله مباركة طيبة، ويكبر في القائمين بهذا الأسبوع الهمَّة العالية في العرفان بفضل الفقه على الناس منذ القدم في تنظيم الحياة الرَّاقية، وتحقيق العدل بين الناس.

ويعتبر هذا الأسبوع عيده العلمي الأكبر؛ لأنه مؤازرة عظيمة لدعوته، وإظهار للباحثين على محاسن هذا الفقه، وما فيه من موازين الحق وأسباب الرَّحمة، ويرجو مخلصًا أن يكون هذا الأسبوع فاتحة ترحيب من الأمم الإسلاميَّة بهذا الفقه؛ ليتخذوه قانون القضاء وقانون الحياة، فهو شرع الله، وهو رمز الاستقلال الصحيح، وهو المفخرة الكبرى للقوميَّة العربيَّة والإسلاميَّة.

نظريَّة التَّعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي
تقدمة:
الفقه الإسلامي أظلت رايته بلاد المسلمين في أكبر بقعة عرفها التاريخ على وجه الأرض ثمانين سنة وثلاثمائة وألفًا - صان فيها حقوق الناس، وحفظ مصالحهم فنعموا بعدالة التشريع وعدالة القضاء: ذلك العدل الذي من أجله أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

جهد القضاء والمفتون من الفقهاء في استنباط الأحكام من مصادر الشريعة كلما نزلت بهم قضية أو حزبهم أمر، فكانوا يحدثون للناس أقضية بقدر ما أحدثوا، ويصونون فيهم المصلحة التي أرادها الله من هذا الدين؛ كما يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فقامت بذلك الحجة البالغة على كمال هذا الدين، وعلى أنه شريعة الناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقامت بذلك الآية البينة على أن الفقه كائن حي ينمو ويؤتي أكله بإذن الله لتلبية حاجات الحياة ومطالبها على اختلاف ألوان المجتمعات في كل عصر ومصر، ونظرة واحدة إلى تطور الكتب الفقهية من زمن كبار الأئمة المجتهدين ترينا مبلغ الرقي المتزايد والنمو المُطَّرد الذي وصل إليه طالما كان يجلس مع القضاة على كراسي القضاء، ويقعد مع المفتين في المجامع والمساجد.

النظرية:
ونظرية التعسف في استعمال الحق تسميتها بهذا الاسم منقولة عن رجال الحقوق الغربيين؛ ولكنَّ هذه النَّظرية عرفها الإسلام منذ أرسل الله رسوله وأنزل عليه قرآنه واعتنقه الناس دينًا، وطبَّقوه في قضاياهم، وسائر علاقاتهم شريعة محكمة، بيَّن الحق كما بيَّن مصادره وأنواعَ التعدي عليه مباشرة وتسببًا وعمدًا وخطأً، وعن طريق التَّحايل والذَّريعة، فلم يترك قانونه قضية من غير حكم.

ولكن الذين يقرؤون لرجال القانون من الغرب، ولا يقرؤون الفقه الإسلامي دأبوا على أن يُعْجَبوا بكل ما نقلوه عن الغرب على حين يتَّهِمُون الفِقْهَ بقِصَرِ نظرياته، وجُمود أحكامه.

معنى التعسُّف في استعمال الحق:
قسم علماء الشريعة الحقوق إلى ما هو حق العامَّة، وضابطه ما يتعلق به النفع العام للمجتمع من غير اختصاص بأحد؛ كالانتفاع بالطريق العام، والأنهار العامة، والمساجد، وهذا يثبت للناس جميعًا حق الانتفاع به والدفاع عنه، الثاني: الحق الخاص، وهو ما تتعلَّق به مصلحة خاصَّة للفرد؛ كحقِّه في ملكه، أو في ولايته على ولده، وميَّزوا بين الحقَّين: بأنَّ الأول: لا يمكن تمليكه ولا إسقاطُه، والثاني: يمكن تمليكه وإسقاطه.

وما دام التَّعسُّف في استعمال الحق شاملاً للقسمين يمكن إدماجهما في تعريف واحد نستخلصه من الاستعمالات المختلفة للفقهاء، وهو ما يثبت للإنسان استيفاؤه؛ سواء أكان عامَّا أو خاصَّا، وسواء أكان حقَّا متعلقًا بالمال؛ كحق الملك في الأعيان، وحق الانتفاع بالعين المستأجرة أو المستعارة، وحق الحبس في المرهون، أم كان حقًّا غير مالي؛ كحق الولاية للشخص على أولاده، وحق الزَّوجية ومنه حق الطَّاعة لولي الأمر، وحق الشُّورى للأفراد الذين يتأهلون لذلك وغيرهما من الحقوق السياسية.

ولا يأبى الفقه الإسلامي تقسيم فقهاء القانون له إلى شخصي وعيني، فالأول: دين أو عمل أو امتناع عن عمل لشخص على آخر؛ كالثمن المؤجل، ومنفعة الأجير، والامتناع عن الانتفاع بالمرهون أو الوديعة، والحق العيني هو علاقة اختصاص لشخص على شيء في مواجهة الناس جميعًا؛ كحقِّ الملك، وحقِّ التَّصرُّف في المَملوك، وحقِّ الارتفاق بالشرب، والطريق، ووضع الجذوع على حائِطِ الجار.

وأسباب اكتساب هذه الحقوق إمَّا اختياريَّة، وإمَّا جَبْرِيَّة، فالأولى: العقد، والعلم النافع؛ كالفضالة، ومنها ما إذا أنفق على اللقيط بغَيْرِ إذْنِ القاضي عند المالكيَّة، والعمل الضَّار؛ كارتكاب الجرائم، والامتناع الضار.
والسَّبب الجَبْرِي أمران: الأوَّل: أوامر الشارع؛ كالإنفاق على الأولاد، والضرائب من العشر، والخراج، والزكاة، والثاني: هو الإرث.

معنى التَّعسف:
التَّعسُّف في استعمال الحقِّ تعبيرٌ واردٌ إلينا عن الحقوقِيِّين الغربيين، فيجمل بنا أن نعرفه بما أرادوا منه، ثم نتكلَّم عمَّا يقابله في الفقه الإسلامي.
فالتَّعسف في استعمال الحق عندهم هو: استعمال الحق على وجه غير مشروع، فالمفروض أن الحق أمر مشروع ومباح الاستخدام؛ ولكن الذي استعمله نحا في ذلك نحوًا غير مشروع؛ كما سيتبين هذا فيما بعد.

وفرق بين التَّعسف وبين الفعل الضار أو الامتناع الضار؛ لأن الأخيرين أمر غير مشروع، أي ممنوع ومحرم من أول الأمر.
أما التعسف فهو استعمال الحق المشروع على وجه غير مشروع.

أحوال التعسف في القوانين الحديثة:
ذكرت التَّقنينات الحديثة ثلاثة أحوال للتَّعسف في استعمال الحق هي:
الأول: أن يأتي الإنسان بعمل مشروع، ويقصد به الإضرار بالغير من غير أن تكون له مصلحة فيه.
الثاني: أن يأتي بعمل مشروع للحصول على مصلحة ضئيلة له، لا تتناسب مع الضرر العظيم الذي لحق الغير من جراء هذا العمل.
الثالث أن يأتي بعمل مشروع يقصد به تحقيق مصلحة غير مشروعة، وقد نص على هذا القانون المصري في المادة 4، 5؛ والقانون السوري 5، 6.

النظرية والفقه الإسلامي:
هذه النَّظرية مسطورة في صميم الفقه الإسلامي وبارزة في آيات الكتاب وأحاديث السنة بأوسع من معناها في القانون، وهي من المبادئ الكبرى التي حفظت بها الحقوق منذ كان الإسلام.

الأدلة عليها إجمالاً:
الأدلة عليها من القرآن والسنة:
الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231].
سبب نزول هذه الآية كما أخرج ابن جرير وابن المنذر، أنَّ رجلاً من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلَّق زوجته حتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها إلا يومين أو ثلاثًا راجَعَها ثُمَّ طلَّقها، فعل ذلك بِها حتَّى مَضَتْ لَها تسعةُ أشْهُرٍ يُضارُّها، فأنزل الله تعالى الآية.

يعني - والله أعلم - إذا طلَّقْتُمُ النِّساء فقارَبْنَ انْقِضاءَ عِدَّتِهن فأمسكوهن بالرجعة؛ بما هو متعارف في الشرع من حسن العشرة، أوِ اتْرُكوهُنَّ حتَّى تنقضي عدتهن، ولا تُراجِعُوهُنَّ مُضارِّين لَهُنَّ بِهذه الرجعة، فيتحقق بذلك عدوانكم عليهن.
وجه دلالة الآية أن الإمساك حق للزوج، وقد ندب الله تعالى إلى استعماله على نحو مشروع وهو الإمساك مع المعاشرة الحسنة، ونهى عن استعماله على نحو غير مشروع، وهو استعماله على وجه المضارة على النَّحو الذي فعله ثابت بن يسار، وهذا بعينه هو إساءة استعمال الحق؛ لأنَّهُ اسْتِعمالُ حقِّ الإمساك: على وجْهٍ غَيْرِ مَشروع.

الدليل الثاني: قال الله تعالى بعد بيان نصيب الإخوة لأم من الميراث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12].
يعني - والله أعلم - لكل من الإخوة لأم نصيبه بعد أداء دين المورث، وإخراج وصيته، على أن يكون المورث قد أقر بالدين، وأوصى من غير ضرار بورثته، بأن يكون الدين صحيحًا، والوصيَّة لا ضرار فيها.

وجه الدلالة أنَّ الوصية حق للمورث، وله استعماله على وجه مشروع بأن يكون فيه بر بالورثة، ولا يجوز استعماله على وجه غير مشروع بأن يكون إضرارًا بالورثة؛ كأن يوصي بأكثر من الثلث، أو يوصي لأحد الورثة، فالوصية مع الإضرار هي بعينها إساءة استعمال الحق.
الدليل الثالث: ما أخرج أحمد بسنده إلى عبدالله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله المحلِّل والمحلَّل له))، وما رُوِيَ عن الأوزاعي عنه - صلى الله عليه وسلم - ((يأتي على النَّاس زمان يستحلون الربا بالبيع)).

وما أخرج البخاري عن النُّعمان بن بشير أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها؛ كمثل قومٍ استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).

وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أنَّ الزواج والبيع عمل مشروع والزواج لأجل التَّحليل والبيع لأجل الربا عمل غير مشروع، فلما قصد بالمشروع غير المشروع نهى عنه الشارع، وحكم بفساده؛ لأنه تعاون على الإثم، وقد قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، ووجه الدلالة من الحديث الثالث أن الذين في أسفل السفينة يستعملون نصيبهم وحقهم؛ لكن لما أرادوا أن يستعملوه على وجه غير مشروع؛ لأنه يضر الجماعة ضررًا عظيمًا لا يتكافأ مع مصلحة شربهم، وترك إيذاء الفريق الأعلى، اعتبره الشارع منكرًا يجب أن يمنعوا عنه، إلى غير ذلك من أدلة يأتي بعضها إن شاء الله.

اشتراكية الحق في الإسلام:
الحقوق الشخصية والعينية ليست مختصة بأصحابها في الإسلام اختصاصًا مطلقًا، وليسوا مستبدِّين في التَّمتُّع بِمزاياها استِبْدادًا عمَّا قد يتبادَرُ من وصْفِها بِالحُقوق الخاصَّة.
بل الواقع أنَّ للجماعة حقًّا عامًّا مشتركًا بينهم، وذلك من ناحيَتَيْنِ:

الأولى: أنَّ تصرُّف الشَّخص فيها مشروعٌ بشَرْط سلامة الجَماعة من ضررٍ يَنْشَأُ عن استعمال هذا الحق؛ كما يشير إلى ذلك حديث الواقع في حدود الله؛ ولهذا أذن للجماعة في منعه عنِ اسْتِعماله للحقِّ استِعْمالاً ضارًّا بِهم، فصاحِبُ الحقِّ يَجِبُ أن ينظُرَ إلى النَّتائِجِ النَّاجِمَة عنِ اسْتِعْمالِه إنْ قَصَدَ الضَّرَرَ، أو ترك الاحتراس، أو أراد تحقيق مصلحة لا تتكافأ مع ضرر الغير أو مصلحة غير مشروعة.

الناحية الثانية: أن الحق كما جعل الله فيه مصلحة فردية لصاحبه، جعل فيه مصلحة اجتماعيَّة لصالح الجماعة؛ لأنه من ثروة الأمَّة التي تعتمد عليها، ولهذا نهى الشخصَ عن إتلاف ماله؛ لأنه إن لم يصبه هو بالخسارة أصاب الجماعة، ولأن الله جعل فيه نصيبًا معلومًا للجماعة كما في الزكاة والعشر والخراج، ويدل على هذا النَّهْي عن الاحتكار والنهي عن رفع الأسعار وحق الجماعة في بيع المال المحتاج إليه على صاحبه عند الغلاء الشديد أو المجاعة.
ويشير إلى هذا الأصل العظيم قول الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]، وبهذا تبيَّن أنَّ الحقَّ الخاصَّ فيه جهة عموم نظرًا للوظيفة الاجتماعية التي رتَّبها الشَّارع من النَّاحيَتَيْنِ السَّابقَتَيْنِ.
ولهذا المبدأ ارتباطٌ وثيقٌ بنظريَّة التَّعسُّف في استعمال الحقِّ، من جِهَةِ أنَّ صاحبَهُ يجب أن يشعر بأن لغيره فيه نصيبًا لا يصح الاعتداء عليه.

تفصيل الكلام على التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي:
تعريفه:
تبين من دراساتنا لأحكام التَّصرُّفات، وما يعتبر منها مُخالفة، وما لا يعتبر أنَّه يُمكن تعريفه بِما يأتي: هو تصرُّف الإنسان في حقِّه تصرُّفًا غيرَ مُعتاد شرعًا.
ولشرح هذا نقول: الأصل الفقهي العام في المسؤولية إذا تصرَّف الإنسان في حقه.
قرَّر الفقهاء كما في الفقه الحنفي وغيره، أن للإنسان أن يتصرف في ملكه تصرفًا معتادًا ولا يسأل عما يترتب عليه من ضررٍ حينئذٍ، وإنما يسأل عن الضرر إذا كان التَّصرف في ملكه غير معتاد.

ويقصدون بالملك ها هنا الحقَّ؛ بدليل أنَّهم ذكروا من فروع هذا الأصل ما لو سقى أرضه من الأنهار العظام التي ليست مملوكة للأفراد؛ كالنيل، والفرات، أو ساق منها نهيرًا إلى أرضه، قالوا: يجوز ذلك إلاَّ إذا أضرَّ بالعامَّة.

تفريع:
وفرَّعُوا على هذا الأصل أُمُورًا منها ما إذا سقى زرعه فنزت أرض جاره، وتلف بذلك زرع أو بناء إن سقاها سقيًا معتادًا بأن سقاها قدر ما تحتمله عادة لم يضمن وإن سقاها قدرًا لا تحتمله ضمن.

ومنها ما إذا أحرق حصائِدَهُ في أرضٍ مَملوكة أو مستأجرة، فاحترق بذلك شيء لجاره لم يضمن لأنه تصرف في حقه تصرفًا معتادًا، وإن كانت الرياح مضطربة عند الإحراق فأحرقت شيئًا لغيره ضمن، لأنَّه يَعْلَمُ أنَّ النَّار لا تستقرُّ فكان مستعملاً لِحقِّه استعمالاً غير معتاد؛ أي فكان متعديًا.
ومن هذا يتبيَّن حُكْمُ الفِقْهِ فيما لو حَفَرَ بئرًا في مِلْكِه فغاض الماءُ من بئر جاره، أو أدار آلةً إدارةً مُعتادة فتأذَّى السُّكَّان بضوضائها، وهو أنه لا يضمن الضرر؛ لأنه تصرف معتاد.

وحُكْمُ هذا الأصلِ يسري على مَنْ قامَ بِعَمَلٍ لغيره بناءً على عقد أو إذن كالطبيب والقاضي ومنفذ الأحكام؛ إذا سلك الطريق المعتاد في عمله فتخلف عن ذلك ضرر: لا يضمن وإن جاوزه ضمِن، ولهذا قالوا: إن الختان والفصاد إذا هلك الغلام والمريض بجرحهما المعتاد لا يضمنان[1]، وإن جاوزاه ضمنًا، وكذلك القاضي إذا ظهر أنه حكم بغير الحق، والمنفذ للعقوبة كالسجان والجلاد إذا تخلَّف عن قيامه بعمله المعتاد ضرر، ويشير إلى هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه)) الحديث، حيث لم يعتبر خطأ القاضي تعدِّيًا بعد ما تحرى في عمله وجه الصواب.
وتصرف الإنسان في حقه تصرفًا غير معتاد هو جماع مسائل التعسف في استعمال الحق.

أصول مسائل الإساءة في استعمال الحق
ويمكن حصر أصول مسائل التعسف في استعمال الحق بالاستقراء في أربعة:
الأصل الأول:
ما إذا استعمل حقَّهُ لا يقصد من ذلك إلا الإضرار بغيره، وليست له مصلحة فيه، وذلك كمن يدعي على آخر جريمة أو عملاً غير لائق، لا يقصد بذلك إلا الإضرار به، هذه الدعوى لا تسمع، ويعزر المدعي إذا ثبت ذلك بالقرائن، وفي فقه المالكية - كما في "التبصرة" - لو ادعى الصعاليك على أهل الفضل دعاوى باطلة، وليس غرضهم من هذا إلا أن يشهروا بهم ويوقفوهم أمام القضاء للإيلام والامتهان لا تسمع الدعوى ويؤدَّب المدعي.
ومن ذلك ما إذا أراد الزوج أن يسافر بزوجه إلى بلد بعيد، وهو غير مأمون عليها، لا يريد بذلك إلا الإضرار بها وإيذاءها أو سلب مالها، فيقضى بمنعه من السفر بها للإضرار، وقد قال تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} يعنِي: لا تضاروا المعتدَّات في السكنى؛ فالزوجات أولى ألا تضاروهن، والأصل في مسائل هذا الباب تحريم إمساك المعتدة بقصد الإضرار بها، وتحريم وصية الضرار وبطلانها، وتحريم طلاق المريض ليفر به من ميراث زوجته؛ فتقاس سائر مسائله عليهما لاتحاد العلة، وهي قصد الإضرار.

الأصل الثاني:
أن يستعمل الإنسان حقًّا يقصد به تحقيق مصلحة له فتترتب عليه مفاسد وأضرار لاحقة بالغير، وهي أعظم من هذه المصلحة أو مساوية[2] لها، وذلك كاحتكار ما يحتاج إليه الناس في أوقات الغلاء أو القحط يقصد به البيع بثمن مرتفع، فإن المحتكر يريد من ذلك مصلحة الربح الكبير؛ لكن يترتب على هذا ضرر عظيم يلحق الجماعة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الجالب مرزوق والمحتكر ملعون))، ومن هنا يمنع من الاحتكار ويباع عليه ما احتكره بثمن المثل إن امتنع من البيع.

ومن ذلك إغلاء التجار السعر على الناس بحيث يصل إلى ضعف قيمة السلع، فإن تقدير البائع لثمن مبيعه حق له، ولكن استعماله على هذا النحو، وإن حقق مصلحة له، فقد نشأت عنه مفاسد عظيمة بالجماعة، ولذلك قال الحنفية والمالكية: إذا عجز ولي الأمر عن رد التجار إلى الأسعار العادية بكُلِّ الوسائل أزال هذا الضرر بالتسعير بمشورة أهل الخبرة، وقد ثبت هذا بالمصلحة المرسلة لدفع الضرر عن الجماعة، وقال الشافعية وبعض الحنابلة بمنع التسعير واستدلوا بما روي أنه قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ألا تسعر لنا؟ فقال: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط))، وأجاب القائلون بالتَّسعير بأن الحديث كان فتوى في واقعة خاصة بسبب خاص، فلا تدل على عموم الحكم، فإن امتنع التاجر من البيع بالسعر المحدد بيع عليه كما يباع المال على المدين وفاء للدين.

ومنه تلقي التاجر للوافدين إلى السوق من أهل الريف والبادية، وشراء ما جلبوه بالثمن الرخيص لبيعه لأهل المدينة غاليًا؛ حيث يضر ذلك بأهل المدينة وبالوافدين، وقد نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ولا تلقوا الركبان للبيع)).
ومنه بيع السلاح في أيام الفتنة، أو لقطاع الطريق، وبيع العصير ممن يتخذه خمرًا، وبيع الحاضر للبادي، حيث قال الإمام أحمد ببطلان هذه العقود لرجحان المفسدة.
والمسائل المنصوص على حكمها مِمَّا قدمنا أصل في هذا النوع، فيثبت الحكم لنظائرها بالقياس، وإن شئت أثبته بالمصلحة إن تعذر القياس.

الأصل الثالث:
أن يستعمل حقه المشروع عقدًا أو غيره يقصد به تحقيق غرض غير مشروع مغاير للغرض الذي وضعه له الشارع.
وهذا كالبيع الذي يقصد به الربا، ومن هنا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وسلف؛ لأنه يؤدي إلى الربا كأن يبيع سوارًا يساوي أربعمائة بخمسمائة على أن يقرضه البائع أربعمائة، فإن هذا العقد يؤول إلى ربا النسيئة، وهو أخذ تسعمائة ليردها ألفًا.

وكبيع العينة لأنه يؤدي إلى الربا أيضًا، وهو شراء ما باع بثمن أقل من الثمن الذي باع به قبل قبض الثمن، حيث تكون زيادة الثمن المؤجل ربا.
ومنه زواج التحليل فإن الزواج موضوع للعشرة الدائمة وتكوين الأسرة، وقصد به عمل مؤقت مذموم عند الله، وقد تقدم تحريمه بالحديث الكريم.
ومنه البيع الذي قصد به إسقاط الشفعة، وهبة المال التي قصد بها الواهب إسقاط فريضة الزكاة أو الحج، فما ثبت بالنَّصِّ في هذا الباب يعتبر أصلاً وغيره يقاس عليه[3].

هذه الأنواع الثلاثة مبنيَّة على قاعدة سدِّ الذَّرائع، وزيادة على ما تقدم من الأدلة نذكر أنَّ الأنواع السابقة للتعسف في استعمال الحق مبنية على أصل عظيم من أصول الشريعة، وهو سد ذرائع الفساد.
وضابطُها أنَّ الشَّارع إذا حرم شيئًا حرَّم وسائِلَهُ المُفْضِية إليه، وهذا يتحقَّق فيما إذا أفضَت الوسيلة إلى ضرَرٍ مَقصودٍ أو إلى مَصلَحةٍ معها مفسدةٌ تُساوِيها، أو تترجَّحُ عليْها، أو إلى غرض حرَّمه الشارع كالربا والزنا، وبالجملة: إذا أفضت إلى إسقاط الواجبات وإحلال المحرمات.

وهذا الأصل تثبته أدلة كثير في الشريعة؛ منها قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فإنَّ مفسدةَ سبِّهم للإله الحقِّ أعظم من مصلحة سبِّ الأصنام المباح، فمنع السب المباح لذلك، ومنها قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]، حيثُ حرَّم الضرب المباح لما فيه من إثارة الميول الخسيسة، ومنها تَحريم البيع عند نداء الجمعة؛ لأنَّ مفسدة الانشغال عن الصلاة أعظم من مصلحة البيع، ومنها تَحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها؛ لأن مفسدة قطيعة الرحم أعظم من مصلحة الزواج، ومنها امتناعُه - صلى الله عليه وسلم - من قتل المنافقين حيث علل ذلك بقوله: ((لا يتحدث الناس أنَّ مُحمَّدًا يقتل أصحابه))؛ لأن مفسدة تنفير الناس من الإسلام ونبي الإسلام أعظم من مصلحة القتل.

وقد أطلنا بعض الشيء في ذكر الأدلة؛ ليظهر ظهور النهار أنَّ ما يخاله الناس قواعد قانونية مبتكرة لأهل الغرب هو من ضروريات الشريعة المحكمة.
وهذه الأنواع كذلك مبنيَّة على أصل آخر وهو أن الحيل التي تؤدي إلى إسقاط واجب؛ أو إحلال محرم تقع باطلة.
تدل عليه كثرة من الأدلَّة منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله اليهود: إن الله لما حرم عليهم شحوم الميتة جملوها - أي أذابوها - فباعوها وأكلوا ثمنها))[4].

الأصل الرابع:
أن يستعمل الإنسان حقه لكن دون احتراس وتثبت فيما يمكن فيه الاحتراس، فيفضي هذا إلى الإضرار بالغير.
وذلك كما إذا أراد أن يصيد طيرًا فطاش سهمه وأصاب إنسانًا أو حيوانًا بضرر، فإن الصيد حق مباح، ولكنه لم يحترس في استعماله له، ولم يتثبت فأدى إلى ضرر الغير، وهو المعروف بالخطأ في الفعل، وكما إذا ضرب دابة غيره يظن أنها دابته فأعطبها، أو قطف ثمر غيره يظن أنها ثمره، وهو المعروف بالخطأ في القصد، وهذا تعسف في استعمال الحق لانطباق تعريفه عليه.

وحكمه ضمان هذا الضرر إنسانًا أو حيوانًا؛ لأن القرآن يدل على تضمين المخطئ كما في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92].
ومن ذلك سائق السيارة إذا صدمت إنسانًا فقتلته أو مالاً فأتلفته؛ لأنه استعمل حقه في قيادتها لكنه لم يحترس، ومن ذلك ما لو استعمل في الدفاع الشرعي سلاحًا لا تدعو إليه ضرورة الدفاع فأدَّى إلى ضَرَرٍ فإنَّه يضمنه، وفي "الدر" لابن عابدين[5]: المرأة إذا أريدت بسوء، والزوج إذا وجد رجلا مع امرأته، وأمكن الدفع بالصياح أو بالضرب بما دون السلاح فاستعمل السلاح ضمن الضرر المترتب عليه.

لكن محل ضمان الضرر في هذا الأصل إذا أمكن الاحتراس عنه عادة، أما إذا لم يمكن فلا ضمان كالطبيب إذا أجرى جراحة على النحو المعتاد بين الأطباء فتلف بها إنسان، وذلك لاختلاف طبائع الناس واحتمالهم للجراحات.
أما إذا أمكن الاحتراس فإنه يكون مقصرًا؛ كالحمال إذا زلقت رجله فأتلف ما يحمله، والكواء إذا أحرق الثوب الذي يكويه[6].

وقاعدة الحنفية في هذه المسألة أن الإنسان إذا أتى بمباح فترتب عليه ضرر بالغير ضمن؛ لأن استعمال المباح مشروط بالسلامة، والضرر دليل عدم الاحتراس، وذلك كالمرور في الطريق وضرب الزوجة لترك الطاعة، وإن فعل واجبًا عليه فترتب عليه ضرر لا يضمن كمنفذ الأحكام والفصاد الذي يعمل بالأجرة؛ لأنه مسلط على ذلك إلا إذا تجاوز ما أمر به أو أمكن الاحتراس عن الضرر فحينئذ يضمن، وقال الشافعي: يضمن في تنفيذ الأحكام ومن الزيلعي (جـ 3 ص 211) وابن عابدين في الإجارة.

وقد يبدو غريبًا ذكر الأصل الرابع في أنواع التعسف، ولكننا رأينا هذا لأنه ينطبق عليه تعريفه، وإلا فالكل في نظر الفقه من باب التعدي على سبيل التسبب.

التعسف في استعمال السلطة:
رجال السلطة التنفيذية يتصرفون بالوكالة عن ولي الأمر في حدود الأحكام المشروعة، لذلك لا يجوز لهم أن يفعلوا ما يخالف الشريعة، ولا أن يفعلوا ما لم يفوضوا فيه، فإن فعلوا شيئًا من هذين اعتبر ذلك إساءة في استعمال حُقوقِهِم، وترتَّب عليه إزالة ما لزمه من الضرر فإذا اغتصبوا مال الأفراد وضمُّوه إلى ملك الدولة أو حصَّلُوا ضرائب ظالمة لبيت المال ردت إلى أصحابها وإذا عاقبوا أحدًا بغَيْرِ جريمةٍ أدبوا، ما لم يكن ترتب الضرر عن اجتهاد كاجتهاد القاضي، وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إذا رأيتم في اعوجاجًا فقوموني"، وكان - رضي الله عنه - يرسل المفتشين إلى الولايات لمراقبة عماله، وصح عنه أنه عزل سعد بن أبي وقاص لما شكاه أهل الكوفة؛ ومن أجل ذلك أنشئتْ مَحاكم المظالم في خلافة عبدالملك بن مروان لإنصاف أفراد الشعب من ظلم الحاكمين[7].

ولهذا نرى أن تقنين العقوبات في البلاد الإسلامية هو احتياط لدرء مفاسد التعسف في استعمال الحق الذي قد يقع من القضاة؛ لأن العقوبات على الجرائم فيما عدا الحدود والقصاص كلها راجعة إلى التعزير، والعقوبات التعزيرية متفاوتة كما أن الجرائم متفاوتة، فالقاضي ما لم يكن خبيرًا بأحوال الناس وما يصلحهم، متشبِّعًا بالعدالة، بعيدًا عن الأغراض والغايات، كثيرًا ما يقع منه الشطط في تقدير الجريمة وتحديد العقوبة، فكان التقنين هو الضمان الصحيح للعدل بين الناس، وقد اتخذت الوسائل قديمًا للمنع من التَّعسُّف كالحجر على الطبيب الجاهل والمفتي الذي يفتي الناس بالحيل الباطلة وكالحجر على المديان[8].

التَّكييف الفِقْهِي للتَّعَسُّف في استعمال الحق:
عرفنا أن أنواع التعسف أربعة، وأن الثلاثة الأولى منها مبنية على قاعدة سد الذرائع التي تقول: إن المشروع إذا أدى إلى محظور كان محظورًا، أو المباح إذا أدى إلى حرام كان حرامًا.
والرابع كذلك استعمال محظور لما جاوره من عدم الاحتراس.

وبناء عليه يكون المتعسف في استعمال الحق قد تسبَّبَ في أمر مَحظورٍ، فيُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا بطريق التسبب؛ لتقصيره عند استعمال حقه، بقصد الضرر أو بالسعي في حصول مفاسد غالبة أو في تحقيق أغراض غير مشروعة أو لعدم الاحتراس، فيكون مسئولاً عن هذا التقصير وترتب عليه حكم مرتكب المحظور، وهو في كل شيء بحسبه كما يأتي، فلا فرق في حكم الشريعة بين من يأتي بما هو محظور من أول الأمر؛ كالضرب والغصب، ومن يأتي بمشروع أدى إلى محظور نتيجة التقصير، كل تتعلق به مسئولية المخالفة.
وبِهذا يتبيَّن أنَّ التَّعسُّفَ في استعمال الحقِّ في حكم الفِقْهِ هو من الفعل الضارِّ أو الامتناع الضَّارِّ أو العقد المحرم[9].


الأحكام المترتبة على التعسف:
وحكم التعسف إما التعويض إذا أدى إلى إتلاف مال أو نفس كمن حفر في ملكه بجوار حائط جاره فانهدمت، وإما الإبطال إذا كان في التعاقد كوصية الضرار وبيع العينة، وإما رفع الضرر؛ كبناء المالك ملاصقًا لجاره فسدَّ عليه نوافذ الضوء والهواء، وكجباية ضرائب ظالمة ومنع المحتكر، وإما التعزير؛ كما في دعاوى التشهير، وإما المنع من ممارسة الحق المتعسف في استعماله؛ كما في منع الزوج من السفر بزوجه إذا قصد به إيذاءها، والحجر على المديان، والمفتي المحتال على المحرمات، والطبيب الجاهل.

وفاء النظرية في الفقه الإسلامي ووضوحها:
لعلنا تبيَّنا من العرض السابق أن هذه النظرية غدت مستوعبة لجميع حالات التعسف، واضحة المعالم لبنائها على أصول مضبوطة لا اضطراب فيها، فإن مبنى الأصل الأول وهو قصد الضرر، وإن كان أمرًا شخصيًّا لكن يمكن كشفه بالقرائن الظاهرة، والأصل الثاني مبني على مقياس مادي، وهو الموازنة بين المصلحة والمفسدة، والأصل الثالث معياره معرفة النظم الإسلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فكل عمل مأذون فيه يراد به تحقيق غرض يخالف هذه الأنظمة يعتبر من التعسف كمن أهدى ويريد الرشوة أو اشترى ويريد الربا أو تطوع للجندية ويريد التجسس على أنظمة الجيش، والأصل الرابع مبني على عدم الاحتراس من الضرر وهو واضح يكاد يدل على نفسه.

أما القوانين الأجنبية التي يقال عنها: إنها تقدمية وافية، فإنها لم تعرف هذه النظرية إلا في هذا العصر، ومع هذا فهي فيها ناقصة وغامضة، فالقانون السويسري يبنيها على سوء النية وكفى، والقانون الروسي يبنيها على مخالفة الأغراض الاجتماعية والاقتصادية لا غير.
ولهذا أحسن واضعو القانونين: المصري، والسوري في استمدادها من الفقه الإسلامي[10] لأنهم وجدوها فيه تَجمع بين الوضوح والوفاء بخلاف القانون اللبناني؛ فإن جسران الفرنسي - واضع هذا القانون - استمدَّها من القوانين الغربية[11]؛ ولهذا جاءت فيه ناقصة.

ملاحظة:
لكن يلاحظ على القانونين المصري والسوري أنهما قصرا أحوال التعسف على الثلاثة الأولى، وتركا حالة التعسف بسبب عدم الاحتراس مع أنَّ معنى التعسف فيها أوضح.

إثبات التعسف في استعمال الحق أمام القضاء:
يثبت التعسف أمام القضاء بجميع الطرق المثبتة للحق غير أن تكييفه يتوقف إلى حد كبير على الظروف المحيطة بالقضية، وعلى عرف الجماعات؛ فقد يكون استعمال الحق تعسفًا في بيئة دون أخرى، وضررًا في حال دون حال، وذلك كرفع صوت المذياع إذا كان في السوق العامة أو في الأحياء الآهلة بالسكان وبين سكان البادية أو الحاضرة.

ولما كان سوء النية والتحايل لتحصيل المفاسد والأضرار هما أكثر أسباب التعسف وجب على القاضي أن تكون له خبرة واسعة بقرائن الأحوال وفقه نافذ بأحوال الناس الاجتماعية؛ ليجمع منها أدلة قصد الإضرار ويكتشف التحايل باستعمال المباحات على الوصول إلى المحرمات والأغراض غير المشروعة، نعم، هناك حالات نصب الشارع عليها علامات ظاهرة؛ كالطلاق في مرض الموت لأجل الفرار من ميراث الزوجة ووصية الضرار.

بعض تطبيقات لمبدأ الإساءة في استعمال الحق:
1 – حق الوكيل في عزل نفسه:
الوكالة من العقود غير اللازمة؛ فلكل من الوكيل والموكل حق العزل.
وبناء على هذا قد يستعمل الوكيل حقه، فيفاجئ الموكل بعزل نفسه في وقت يعجز عن القيام بما وكل فيه أو عن التوكيل به؛ كالمرافعة في قضية قرب موعد نظرها، وهي محتاجة إلى دراسة واسعة وكالقيام بعمل ضروري عاجل والموكل غائب.

وهذا في نظر الفقه تعسف في استعمال الحق؛ لأنه إضرار عظيم بالموكل بقصد أو بغير قصد، وقد رأينا أبا حنيفة يشترط في عزل أحد الطرفين علم الطرف الآخر منعًا من الإضرار لجواز أن يكون الوكيل تصرف لصالح الموكل تصرفات فيها تبعات مالية ولجواز أن ن تكون هناك أعمال في تركها تغرير بالموكل وإضرار به.
وبناء على هذا فقواعد مذهبه تقضي ببقاء الوكالة وإلزام الوكيل بإنجاز ما وكل فيه دفعًا للضرر وتأديبه إن فرط، وعلى أن الوكيل بالأجر ليس له أن يعزل نفسه قبل إنهاء ما وكل به[12] عما في السمسار فإنَّه وكيل يعمل بالأجر[13].

2 – حق الخطيب في فسخ الخطبة:
الخطبة وعد بالزواج وإخلاف الوعد بعذر مشروع، وعلى هذا ففسخ الخطبة بسبب جائز؛ كالمرض المعدي أو المانع له من المعاشرة الزوجية، وعجز الزوج عن دفع المهر، والخلاف المستحكم بين الخطيبين أو أسرتيهما، وإن كان الفسخ من غير سبب كان إخلافًا للوعد من غير عذر بل كان إخلافًا ضارًّا؛ لأن الناس عادة يعلمون بالخطبة ويركنون إليها فينصرف عن الخطبة من يفكر في الزواج منها، فإذا فَسَخَ الخطيب من غير سبب فقد فوَّت عليها فُرَصَ الزَّواج التي كانت سانحة، ونشر حولها الشائعات في أسباب الرفض، الأمر الذي تثور له النفوس وترتكب بسببه الجرائم، ولاسيما في هذا الزمن الذي فسدت فيه الأخلاق وكثرت الظنون السيئة فتتعطل بذلك مصلحتها الأساسية التي أعدها الله لها.
وإخلاف الوعد إذا ترتب عليه أمثال هذه المفاسد كان منكرًا يجب تغييره ومعصية يستحق فاعلها التعزير عليها.

تكييف الفسخ بلا سبب:
وعليه فللقاضي أن يعاقب الفاسخ لا على مبدأ تعويض الضرر، بل على مبدأ التعزير على الإتيان بهذا المنكر وهو إخلاف الوعد المستتبع للمفاسد، والتلاعب بمصالح الناس وأعراضهم لأن التعزير ثابت على كل فعل أو قول فيه إيذاء للمسلم بغير حق زجرًا للناس عن ارتكاب المفاسد والمضار واستصلاحًا لهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده))، وهو خطاب لأولياء الأمر، وهذا المبدأ إذا عمل به حمل الذين يريدون الخطبة على الإمعان في التروي قبل الإقدام عليها، وعلى أن يفرقوا بين العدول عن شراء سلعة تم الوعد بشرائها، وفسخ خطبة فتاة كريمة على نفسها وعلى قومها.

3 – حق الطلاق:
الطلاق أبغض الحلال إلى الله، لكنه مشروع عند الحاجة كعدم عفة الزوجة، بل قال بعض الفقهاء بوجوبه حينئذ، خشية أن تفسد فراشه وتدخل عليه من ليس من أولاده، ولئلا يقع تحت طائلة اللعنة الواردة في الديوث الذي لا يغار على حريمه.
ومن واضع الحاجة سوء خلقها في معاملة الزوج أو معاملة الناس، وتضرر الزوج بها في الحياة الزوجية العاطفية لمرض بها أو لعدم انسجام في الطباع، وتفريطها في حقوق الله، وهي لا تطيعه في أدائها حتى لا يعاشر امرأة عاصية، ومن الأسباب عقمها إذا لم يستطع أن يتزوج بأكثر من واحدة.

فإذا وقع الطلاق لغير حاجة كان مبغضًا إلى الله، ولا سيما إذا كانت الزوجة ذات أولاد منه أو كانت فقيرة، وقد رتَّبتْ حياتَها على العيش معه.
وعند هذا لا ننكر أن الزوج قد يسيء استعمال حقه فيه لما يترتب عليه من الإضرار بالزوجة.
هل يجوز المَنْع من إيقاعه إلاَّ بِإذن القاضي؟
وبعض الناس يريد أن يتَّخذ من مبدأ التعسف في استعمال الحق سبيلاً إلى المَنْع من إيقاعه إلا بإذن القاضي.

وعندنا أنَّ هذا خطأ؛ لأنَّ إثبات التَّعسف في الطلاق هو إثبات أنَّ الزوج أوقعه من غير حاجة مشروعة تدعو إلى إيقاعه، والقضاء لا يستطيع إثباته بطُرُقه المعروفة ومعاييره الصَّحيحة؛ لأنَّ الكثير من أسباب الرخصة في الطَّلاق التي شرحنا بعضها: خفي لا يستطيع المسلم ذكره لأنَّ الله تعالى يحب الستْر على عباده، وفتح هذا الباب قد يؤدي إلى المُصارحَة بأشياء هي من السرية والخطورة بحيث يضر الزَّوجة إعلانها؛ بل قد يضطر الزَّوج الذي لا خلاق له إلى انتحال أسباب كاذبة ضارَّة بالمرأة، ولا يستطيع القضاء الوقوف عليها، وماذا يفعل القاضي إذا قال الزوج: إني أكرهها، وإن أمسكتُها أمسكتها على بغض ومضارَّة.

الحقُّ أنَّ عقدة الزَّواج عاطفية بناها الله على المودَّة والألفة فمن الطَّبعي في الغالب ألا يترك الزَّوج زوجته التي أحبها وسكن إليها وأنفق في سبيلها، إلا لداع قد يستتبع المقام معه من المضار ما لا يعلمه إلا الله، ويشعر الزَّوج حأحعندئذٍ أنَّ بيتها جحيم لا يُطاق، والمعروف في الشريعة أن المرأة إذا كرهت زوجها كان لها أن تفتدي منه بمالها ليفارقها؛ كما قالت جميلة امرأة ثابت بن يسار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني أخاف الكفر في الإسلام لشدة بغضي إياه))، فماذا يكون الحال إذا اشتد بغضه لها، ومنعه القاضي من تطليقها؛ لأنه لم تقم لديه مبررات للطَّلاق؟ ولئن كان البُغض من المبررات عند القاضي فلكل واحد من الأزواج أن يدَّعيه.

وعليه فأقل حالات الطَّلاق عندئذٍ أن يكون ارتكابًا لأخف الضَّررين، والأحوال القليلة التي قد يفسد فيه تقدير الزَّوج، المجتمع مضطر إلى تحملها إذ لا سبيل إلا هذا.
والذي ينبغي لتلافيها هو إصلاح المجتمع، وإشاعة مبادئ الإسلام الصحيحة بين أهله بجميع الطُّرق الممكنة.

4 – حق تعدُّد الزَّوجات:
تعدد الزَّوجات مشروع قطعًا إلاَّ عند خوف الزَّوج أن يظلم من في عصمته، فعندئذ لا يكون حقًّا له، والظلم المانع هو الظلم في الإنفاق، أو في الإقامة عند الزَّوجة، أمَّا المحبة وميل القلوب فأمره إلى الله، وقد بيَّن سبحانه وتعالى أنَّه خارج عن استطاعة البشر، قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]، والدَّليل على أنَّ العدل المشروط في الآية ليس هو المحبَّة التي أخبر الله عنها أنها غير مستطاعة قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إنَّ هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك))، يعني ميل القلب.

والتَّعدد مشروع لحاجات اجتماعيَّة وعاطفيَّة لا يستطيع بنو الإنسان الاستغناء عنها، والذين منعوا التَّعدد بالقانون والقضاء وقعوا فيه من طريق السر والجريمة، وليس هنا بسط أسباب التَّعدد؛ وإنما إجمال ما نريد أن نقوله هنا أن الله العليم بأحوال عباده، وما يصلحهم شرعه لمصالح اجتماعية سامية، وأقلها عند المحافظة على العدل الواجب أنه ارتكاب لأخف الضَّررين، وهو المتعة من طريق حلال.

لهذا لا يمكن أن يثبت من طريق القضاء في حق التَّعدد تعسف في استعماله متى تحقَّق العدل الواجب.
نعم؛ قد يتعدَّى الناس فيفعلون ما ليس مشروعًا، وهو التَّزوج مع العجز عن تحقيق العدل، فإذا شاع ذلك بين الناس، ولم تكن لهم من ضمائرهم رقابة على أنفسهم في تنفيذ أوامر الدين، ساغ للقضاء أن يتدخَّل فيمنع من التَّعدد كل من يثبت بالأدلَّة أن حالته المالية لا يستطيع معها أن يَمون نساءه، أو يعدل بينهن.

[1] الزيلعي جـ 6 ص 43 – الزيلعي جـ 5 ص 137 – ابن عابدين جـ 5 ص 58.
[2] وفي الضرر المساوي استثناءات كالضمان عند التعدي، والضرر المضطر إليه.
[3] انظر في هذا الأصل: "المغني" لابن قدامه في البيع، و"نيل الأوطار" في البيع، و"الدر"، وابن عابدين في "الشفعة".
[4] انظر في هذا البحث "الموافقات" جـ 1 في بحث الجيل، وجـ 4 في سد الذرائع، و"تنقيح الفصول" للقرافي في آخر الكتاب - "إعلام الموقعين" في بحث سد الذرائع جـ 3 منيرية.
[5] جـ 3 ص 248 التعزير.
[6] انظر في هذا الأصل: "شرح الزيلعي"، وحاشية ابن عابدين في كتاب الجنايات، و"مغني المحتاج" في كتاب الجراح، و"الدر" وابن عابدين في باب ضمان الأجير.
[7] انظر: "الأحكام السلطانية" لابن أبي يعلى ص 59.
[8] انظر في هذا البحث: "فتح القدير" وابن عابدين في بابي التعزير والقضاء، و"رسالة العرف" للباحث، و"تاريخ الكامل" لابن الأثير في تاريخ عمر.
[9] مثال الامتناع الضار: امتناع المحتكر عن بيع ما احتكره، والناس بحاجة إليه؛ حيث يجير على البيع ويعزر، وامتناع التاجر عن البيع بالثمن المسعر؛ حيث يجبر عليه ويعزر، وامتناع العمال الذين تتوقف عليهم إدارة المصانع الضرورية للدولة كمصانع الأسلحة ومواد البناء والأطعمة؛ حيث يجبرون على العمل بأجر المثل، وامتناع الطبيب الذي تعين لعلاج مرض معين.
[10] المذكرة الإيضاحية للقانون المدني في م 5، 6.
[11] محاضرة الأستاذ زهدي يكن؛ ألقاها في مؤتمر المحامين في بغداد سنة 1958.
[12] "لباب اللباب" لابن رشد المالكي.
[13] فتح القدير جـ 7 ص 78.




رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/2551/#ixzz3RqbFUcaY

https://www.alukah.net/sharia/0/2551/









رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 21:38   رقم المشاركة : 2038
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله مرشد حسن مشاهدة المشاركة
رجاء إن أمكن ساعدوني:
أختي الكريمة أسأل هل يمكنني الحصول على رسالة ما جستير بعنوان نظرية التعسف في استعمال الحق عند الإمام الشاطبي معناها مبناها كتاب مطبوع أصله رسالة ماجستير لبدر الدين احمد عماري من كلية الحقوق والدراسات الإسلامية جامعة وهران
إل ذلك هنالك بعض أعداد المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية وهي العدد 4 للعام 1992 والعدد 4 للعام 2009 والعددين 2+4 للعام 2012م كل هذه فيها مقالات عن التعسف أنهكني البحث لتحميلها مع ان بقية الأعداد متاحة ولا حول ولا قوة إلا بالله
أخوك من اليمن ويحتاج هذه الأبحاث من الجزائر وهو معد رسالة ماجستير عن التعسف في استعمال الحق
شكر الله سعيكم

التعسف في استعمال الحق

* مضمونه : لايجوز للشخص و هو يستعمل حقه أن يتعسف في استعماله

* أساسه : الفقه الإسلامي يري أن أساس مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق أن الحق في ذاته منحة من الخالق فينبغي ان يقيد بالغاية التي منح من أجلها ، ويكون استعمال الحق غير مشروع كلما وقع خارج حدود هذه الغاية .

أما فقهاء القانون فيرون المبدأ حلقة وصل بين المذهب الفردي ( الذي يوسع من دائرة الحق ) و بين المذهب الاجتماعي ( الذي يضيق من دائرة الحق ) .

* معايير التعسف :

يعتبر صاحب الحق متعسفا في استعمال حقه كلما توافر في حقه معيارا من المعايير التالية :

1 – قصــــــــــــــــــــــد الإضـــــــــــــــــــــــــــرار :

معناه: و بموجب هذا المعيار يعتبر صاحب الحق متعسفا في استعماله كلما اتجهت نيته ( قصده ) إلى إلحاق الضرر بالغير من وراء استعمال الحق و لو كان صاحب الحق يجني مصلحة من وراء هذا الاستعمال .

و لا يشترط وقوع الضرر فعلا للقول بقيام حالة التعسف .

مثال : من يعلو بسور منزله ليس بقصد تحقيق الأمان و لكن لمجرد قصد حجب الهواء و الضوء عن ملك الجار و لو كان هذا الجار غير مقيم فعلا بالمنزل .

إثباته : يستدل علي وجود قصد الإضرار بالقرائن او الظروف التي تصاحب التصرف .

2 – رجـــــــحــــــــــان الـــضـــــــــــــــــــــــرر :

معناه : و بموجب هذا المعيار يعد الشخص متعسفا في استعمال الحق إذا كان يحقق من وراء استعمال الحق ضررا جسيما بالغير في مقابل منفعة تافهة يحققها لنفسه .


مثال : من يعلو بالمبني ليزيد من قيمته في سوق العقارات و لكن ترتب علي هذا حبس الهواء و الضوء عن ملك الجار .

3 – عدم مشروعية المصلحة :

معناه : يعد الشخص متعسفا في استمال حقه لو كان يقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة .

مثال : كمن يستأجر شقة بغرض إدارتها للأعمال المنافية للآداب العامة .



* نطاق التعسف :

يشمل مبدأ عدم التعسف جميع أنواع الحقوق ، فهو مبدأ عام يستوجب من كل شخص أن يستعمل حقه استعمالا مشروعا .

* جزاء التعسف :

يلحق التعسف ضررا بالغير ، فيكون الجزاء الضمان ، و يشمل الضمان ما يحكم به القاضي من تعويض نقدي (مقسط أو معجل ) للمضرور أو تعويض عيني لجبر الضرر يتمثل في الأمر بإعادة الحال إلي ما كان عليه ( كهدم السور المرتفع بشكل تعسفي ) أو الأمر بأداء معين متصل بالعمل غير المشروع ( كالأمر بتغيير وضع مدخنة لتوجيه الدخان بعيدا عن الجار ) .
مرسلة بواسطة oussbou في 12:45 م
0 التعليقات:

https://qanouni.blogspot.com/2010/03/blog-post_5809.html









رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 21:41   رقم المشاركة : 2039
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله مرشد حسن مشاهدة المشاركة
رجاء إن أمكن ساعدوني:
أختي الكريمة أسأل هل يمكنني الحصول على رسالة ما جستير بعنوان نظرية التعسف في استعمال الحق عند الإمام الشاطبي معناها مبناها كتاب مطبوع أصله رسالة ماجستير لبدر الدين احمد عماري من كلية الحقوق والدراسات الإسلامية جامعة وهران
إل ذلك هنالك بعض أعداد المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية وهي العدد 4 للعام 1992 والعدد 4 للعام 2009 والعددين 2+4 للعام 2012م كل هذه فيها مقالات عن التعسف أنهكني البحث لتحميلها مع ان بقية الأعداد متاحة ولا حول ولا قوة إلا بالله
أخوك من اليمن ويحتاج هذه الأبحاث من الجزائر وهو معد رسالة ماجستير عن التعسف في استعمال الحق
شكر الله سعيكم
https://qanouni.blogspot.com/2010/03/blog-post_5809.html

التعسف في استعمال الحق

* مضمونه : لايجوز للشخص و هو يستعمل حقه أن يتعسف في استعماله

* أساسه : الفقه الإسلامي يري أن أساس مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق أن الحق في ذاته منحة من الخالق فينبغي ان يقيد بالغاية التي منح من أجلها ، ويكون استعمال الحق غير مشروع كلما وقع خارج حدود هذه الغاية .

أما فقهاء القانون فيرون المبدأ حلقة وصل بين المذهب الفردي ( الذي يوسع من دائرة الحق ) و بين المذهب الاجتماعي ( الذي يضيق من دائرة الحق ) .

* معايير التعسف :

يعتبر صاحب الحق متعسفا في استعمال حقه كلما توافر في حقه معيارا من المعايير التالية :

1 – قصــــــــــــــــــــــد الإضـــــــــــــــــــــــــــرار :

معناه: و بموجب هذا المعيار يعتبر صاحب الحق متعسفا في استعماله كلما اتجهت نيته ( قصده ) إلى إلحاق الضرر بالغير من وراء استعمال الحق و لو كان صاحب الحق يجني مصلحة من وراء هذا الاستعمال .

و لا يشترط وقوع الضرر فعلا للقول بقيام حالة التعسف .

مثال : من يعلو بسور منزله ليس بقصد تحقيق الأمان و لكن لمجرد قصد حجب الهواء و الضوء عن ملك الجار و لو كان هذا الجار غير مقيم فعلا بالمنزل .

إثباته : يستدل علي وجود قصد الإضرار بالقرائن او الظروف التي تصاحب التصرف .

2 – رجـــــــحــــــــــان الـــضـــــــــــــــــــــــرر :

معناه : و بموجب هذا المعيار يعد الشخص متعسفا في استعمال الحق إذا كان يحقق من وراء استعمال الحق ضررا جسيما بالغير في مقابل منفعة تافهة يحققها لنفسه .


مثال : من يعلو بالمبني ليزيد من قيمته في سوق العقارات و لكن ترتب علي هذا حبس الهواء و الضوء عن ملك الجار .

3 – عدم مشروعية المصلحة :

معناه : يعد الشخص متعسفا في استمال حقه لو كان يقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة .

مثال : كمن يستأجر شقة بغرض إدارتها للأعمال المنافية للآداب العامة .



* نطاق التعسف :

يشمل مبدأ عدم التعسف جميع أنواع الحقوق ، فهو مبدأ عام يستوجب من كل شخص أن يستعمل حقه استعمالا مشروعا .

* جزاء التعسف :

يلحق التعسف ضررا بالغير ، فيكون الجزاء الضمان ، و يشمل الضمان ما يحكم به القاضي من تعويض نقدي (مقسط أو معجل ) للمضرور أو تعويض عيني لجبر الضرر يتمثل في الأمر بإعادة الحال إلي ما كان عليه ( كهدم السور المرتفع بشكل تعسفي ) أو الأمر بأداء معين متصل بالعمل غير المشروع ( كالأمر بتغيير وضع مدخنة لتوجيه الدخان بعيدا عن الجار ) .
مرسلة بواسطة oussbou في 12:45 م
0 التعليقات:









رد مع اقتباس
قديم 2015-02-15, 21:46   رقم المشاركة : 2040
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله مرشد حسن مشاهدة المشاركة
رجاء إن أمكن ساعدوني:
أختي الكريمة أسأل هل يمكنني الحصول على رسالة ما جستير بعنوان نظرية التعسف في استعمال الحق عند الإمام الشاطبي معناها مبناها كتاب مطبوع أصله رسالة ماجستير لبدر الدين احمد عماري من كلية الحقوق والدراسات الإسلامية جامعة وهران
إل ذلك هنالك بعض أعداد المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية وهي العدد 4 للعام 1992 والعدد 4 للعام 2009 والعددين 2+4 للعام 2012م كل هذه فيها مقالات عن التعسف أنهكني البحث لتحميلها مع ان بقية الأعداد متاحة ولا حول ولا قوة إلا بالله
أخوك من اليمن ويحتاج هذه الأبحاث من الجزائر وهو معد رسالة ماجستير عن التعسف في استعمال الحق
شكر الله سعيكم
https://www.startimes.com/f.aspx?t=34515706









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مرجع, يبدة, ساساعده


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:42

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc