خطاب النظام المصرفي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

خطاب النظام المصرفي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-12, 14:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 خطاب النظام المصرفي

مقدمة:
تحتل البنوك مركزا حيويا في النظم الاقتصادية الحديثة، بما تضطلع به من وظائف، وما تمارسه من نشاطات بالغة الأهمية، بحيث تعتبر المصدر الأول لتمويل عمليات التجارة الداخلية و الخارجية.
تماشيا مع التطورات الحاصلة في مختلف المجالات، تغيرت وظيفة البنوك من مجرد محتوى مادي لأعمال الصرف و تداول النقود، إلى التخصص في مجال الائتمان، من خلال تقديم العديد من الخدمات الائتمانية التي يصعب حصرها أو تقسيم صورها المختلفة. عموما فإنها تنقسم حسب طريقة تنفيذها إلى " اعتمادات مباشرة " تنشأ بوضع مبلغ الاعتماد فعلا تحت تصرف الزبون، وإلى " إعتمادات غير مباشرة" تنشأ من مجرد توقيع البنك بضمان زبونه في علاقته بالغير، حيث يقتصر دوره على إقراض توقيعه لمنح الثقة أو الضمان للزبون، من أهمها: الكفالة المصرفية، عملية القبول المصرفي للأوراق التجارية، إصدار خطاب الضمان المصرفي( )، و الذي يعد من التأمينات المستحدثة.
إن خطاب الضمان المصرفي نوع من الضمانات البنكية الذي نتج عن تطور العلاقات الاقتصادية الدولية. فنظرا لتوسع حركة التجارة بين المشروعات الأوربية والأشخاص العامة أو الخاصة التابعة للدول الأخرى، وفي سبيل التوصل إلى أفضل السبل الفعالة لتحقيق متطلبات الأطراف، بخصوص الثقة والأمان الذي يتعين أن يسود علاقاتها مع الشركات الأوربية، تدخلت البنوك في هذا المجال، خاصة وأن العقود الدولية تستغرق مدة زمنية طويلة لتنفيذها، و أطرافها لا تتوفر لديهم في الغالب أية معلومات أكيدة عن بعضهم البعض، مما يجعلهم متخوفين من الوقوع كضحية لحالات الغش أو التدليس وهكذا نتيجة الحاجة العملية ظهرت الضمانات المستقلة الواجبة الدفع عند الطلب أو ما يسمى: خطاب الضمان المصرفي، الذي أصبح ابتداءا من نهاية السبعينات الضمانة البنكية الأساسية في المعاملات التجارية الدولية. ولأن تطور الخدمات المصرفية في مجال الائتمان لا يكاد يقف عند حد، كان من الطبيعي أن ينتشر العمل بخطاب الضمان في المعاملات التجارية الداخلية كتقنية توفر للأطراف الثقة اللازمة.
يأخذ خطاب الضمان المصرفي دورا تتزايد أهميته المحلية والدولية، فلا يكاد يخلو عقد من عقود المناقصات على تنوعها من شرط يطلب فيه من الطرف الذي يقوم بالتنفيذ أن يقدم ضمانا ماليا يمكن الرجوع إليه في حالة إخلاله بالتزاماته، فيلجأ هذا الشخص المطلوب منه الضمان، إلى أحد البنوك التجارية ويطلب منه إصدار خطاب ضمان لمصلحة الجهة التي تعاقد معها، يتعهد فيه البنك بأن يضع تحت تصرف هذه الجهة مبلغا يساوي قيمة الضمان المطلوب، وأنه على استعداد لدفعه كاملا دون تأخير بمجرد الطلب. لهذا جرى العمل على قبول خطاب الضمان المصرفي في جميع الحالات التي يكون فيها الضمان النقدي مطلوبا من الجهة المتعاقدة، وأصبحت القوانين تشترطه في إطار المعاملات الجمركية والملاحية وغيرها، فأخذ بذلك أشكالا مختلفة ومتنوعة يستحيل حصرها.
يترتب على قبول خطاب الضمان المصرفي فائدة كبيرة لجميع أطرافه وهم الزبون، البنك، المستفيد:
*بالنسبة للزبون:
فإنه يعفيه من تجميد مبلغ من أمواله في وديعة لدى دائنه (المستفيد)، لمدة قد تطول، لأن خطاب الضمان يوفر له الائتمان في تعامله، فيستطيع استثمار أمواله في نشاطات أخرى، كما أن العمولة التي يدفعها للبنك هي بلا شك أقل من سعر الفائدة التي كان سيدفعها لو اقترض من البنك لوضع تأمين نقدي لصالح المستفيد. وفي مجال التجارة الخارجية يستفيد كذلك الزبون من خطاب الضمان الذي يغنيه عن تحويل أمواله إلى الخارج ضمانا لحقوق المتعاقد الأجنبي، ثم استرجاعها عند انقضاء التزاماته، وما يتبع ذلك من مصاريف وخسائر قد تنتج عن تغير أسعار الصرف.

*بالنسبة للبنك:
فإنه يستفيد من عمولة مصرفية مقابل إصداره لخطاب الضمان ، كما أن الغطاء أو الضمانات التي يتحصل عليها من زبونه تزيد من ودائعه، حيث يحتفظ بها إلى حين انتهاء مدة الضمان، بالإضافة إلى أن البنك يحقق هدف آخر و هو خدمة زبائنه الذين تربطهم به علاقات مصرفية أخرى.
*بالنسبة للمستفيد:
فإن صدور خطاب ضمان من بنك يعد ضمانا كافيا في نظره و لا يقل عن التأمين النقدي المودع لديه، فالخطاب يمثل نقودا محفوظة في البنك – تحت الطلب- لصالح المستفيد الذي له أن يسحبها في أي وقت خلال فترة سريان الخطاب، من دون قيد أو شرط.
إن ما يميز خطاب الضمان المصرفي أنه نظام من خلق البنوك نفسها أنشئ لمواجهة حاجيات التجارة على المستوى المحلي و الدولي، تحكمه قواعد عرفية و أصول مصرفية اعتادت البنوك على اتباعها. ومع تطور العمل به أصبحت الحاجة ملحة لإصدار تنظيم متكامل يبرز أحكامه. فبذلت غرفة التجارة الدولية بباريس جهودا لتحقيق هذا الهدف نتج عنها اللائحة رقم 458 لعام 1992 التي تتضمن " القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية ".
هذه القواعد تحكم خطابات الضمان على المستوى الدولي، و لكن ليست لها صفة الإلزام بل تطبق باتفاق الأطراف، و نصهم صراحة على الخضوع لها. غير أنه مع تطور الممارسة العملية أصبح الارتباط بهذه القواعد أساسيا، فلم يعد من الضروري النص عليها من قبل الأطراف، خاصة و أنها تجميع لما استقر عليه العرف المصرفي في مختلف البنوك.
من بين الأسباب التي دفعتنا لاختيار هذا الموضوع أن المشرع الجزائري لم يضع إطارا قانونيا خاصا لخطاب الضمان، و بالرغم من ذلك يستعمل من الناحية العملية بكثرة في مختلف البنوك المحلية، حيث يحكمه العرف المصرفي والتقنين الذي وضعته غرفة التجارة الدولية، وهذا الوضع يفسح المجال لإعمال إرادة الأطراف في إطار العرف الجاري العمل به، والمبادئ القانونية العامة، بالإضافة لذلك الغموض الذي يكتنف أحكام خطاب الضمان المصرفي، وعدم دقة المصطلحات المستعملة في هذا المجال، خاصة وأننا نجد في الواقع ترديدا لعبارة الكفالة المصرفية أكثر من خطاب الضمان وهذا راجع لعدم التمييز بينهما رغم اختلافهما.
إن ما شجعنا أكثر للبحث في هذا الموضوع هو الامتزاج الحاصل بين قواعده العرفية المستقرة وبين تطور قواعد الائتمان المصرفي بصفة عامة، مما أثار فضولنا العلمي لأن نقوم بدراسة تطبيقية موازية للعمل النظري من خلال تتبع سير العملية في بعض البنوك. والهدف الذي وضعناه نصب أعيننا هو محاولة الإلمام بمختلف جوانب الموضوع و تفصيلها بدقة لإزالة الغموض.
لعل ما حفزنا أكثر لدراسة خطاب الضمان المصرفي هو أننا لاحظنا الغياب الواضح لاهتمام الباحثين بهذا الموضوع البارز، الذي يحقق أهمية عملية للاقتصاد المحلي والدولي، وهو ما لمسناه من خلال الدراسات التي تتطرق للقطاع المصرفي، وعملياته الائتمانية، وتهمل تماما خطاب الضمان الذي يعد عنصرا مدعما للإئتمان المصرفي.
عندما نقول النظام القانوني لخطاب الضمان المصرفي فإننا لا نقصد به النظام الذي وضعته غرفة التجارة الدولية لعام 1992 فقط، وإنما كل ما له علاقة بهذا الموضوع من قوانين باختلاف أنواعها و درجاتها.
إن موضوع خطاب الضمان المصرفي يثير عدة إشكاليات نكاد نجزم أن حصرها صعب للغاية، و من هنا نطرح التساؤلات الآتية:
-ما مدى نجاعة خطاب الضمان المصرفي في توفير عنصر الضمان أو الائتمان لأطرافه؟
-هل يعتبر خطاب الضمان المصرفي مستقلا فعلا عن العقود الممهدة لإصداره؟
-كيف نظمت القواعد العرفية المصرفية حقوق والتزامات أطراف خطاب الضمان المصرفي في غياب التشريعات الوطنية؟
سوف نحاول من خلال بحثنا الإجابة على هذه الإشكاليات للوقوف على طبيعة الدور الذي يؤديه خطاب الضمان المصرفي، خاصة وأن القواعد الموحدة التي وضعتها غرفة التجارة الدولية تعالج جوانب معينة منه، وتترك إلى التشريعات الداخلية تنظيم باقي المسائل التي لم يرد بشأنها نص. وهنا يطرح الإشكال الخاص بالقصور في مواجهة بعض الحالات لاسيما في الدول التي لم تنظمه في قوانينها الداخلية كالجزائر مثلا.
يتضح لنا حاجة المكتبة القانونية والمهتمين بالمجال القانوني على مختلف مستوياتهم، لمثل هذه الدراسات المتخصصة في المجال المصرفي، الذي يشهد مؤخرا تحولات هامة لاحظناها من خلال التعديلات المتكررة لقانون النقد والقرض.
إضافة للأهداف العلمية السالفة الذكر، نتوخى تحقيق أهداف عملية وهي استفادة الموظفين بالقطاع المصرفي بصفة عامة من هذا البحث، خاصة وأن تطور أي قطاع مرهون بكفاءة العاملين فيه، كما نهدف أيضا إلى لفت نظر المشرع إلى مختلف المسائل التي يثيرها خطاب الضمان المصرفي في حالة ما إذا قرر تنظيمه مستقبلا.
بالنظر لكثرة محاور هذا الموضوع وتشعبه، اعتمدنا على المنهج الوصفي في شرح عملية إصدار خطاب الضمان المصرفي قبل التطرق لآثاره، وأيضا من خلال وصفنا للعلاقات التي تربط بين أطرافه.
بالإضافة إلى أننا اعتمادنا على المنهج التحليلي في تحليل القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية الصادرة عن غرفة التجارة الدولية، لاستنتاج الأحكام المتعلقة به. ووظفناه كذلك في تحليلنا للنصوص القانونية التي لها علاقة مباشرة بالموضوع.
من بين أهم الصعوبات التي واجهتنا عند إنجاز هذا البحث هو عدم وجود نصوص قانونية تحكم خطاب الضمان المصرفي في الجزائر، مما نتج عنه صعوبة الاقتباس والإلمام بجميع النصوص المتعلقة به كونها متناثرة بين عدة قوانين، كذلك قلة الدراسات المتخصصة في هذا الموضوع، وحتى تلك التي تمكنا من الحصول عليها تميزت بالسطحية، وبالنسبة للمؤلفات الجزائرية تكاد تنعدم فيه ما عدا بعض الإشارات فقط. إلا أن الدراسة الجادة تطلبت منا القيام بعمل ميداني لتدعيم الموضوع وهو ما نتج عنه صعوبة أخرى تمثلت في التعقيدات الإدارية وعدم تعاون بعض المسؤولين في بعض البنوك بمدنا بوثائق تعتبر مهمة بالنسبة لهذا البحث وهو ما يبرر قلة الملاحق فيه.
بالرغم من ذلك نتطرق للنظام القانوني لخطاب الضمان المصرفي على ضوء ما تيسر لنا الحصول عليه لنحاول تحديد مفهومه و أهم أنواعه التي ينتشر العمل بها. ومن ثم نسلط الضوء على آثاره القانونية، وأخيرا طرق انقضائه. لذلك قمنا بتقسيم هذا البحث إلى فصلين على النحو التالي:
الفصل الأول: ماهية خطاب الضمان المصرفي وأنواعه.
الفصل الثاني: آثار خطاب الضمان المصرفي وطرق انقضائه.
الفصل الأول: ماهية خطاب الضمان المصرفي وأنواعه.
تتخذ الخدمات الائتمانية التي تقدمها البنوك لزبائنها صورا كثيرة ومتعددة أهمها خطاب الضمان المصرفي، والذي يتّعهد فيه البنك بأن يدفع إلى شخص يعينه زبونه (يسمى المستفيد)، مبلغا ماليا معينا أو قابلا للتّعيين عند طلب هذا الأخير، فمجرد توقيع البنك على خطاب الضمان هو ائتمان بذاته. غير أن نشأته في العرف المصرفي جعلته يختلط – في البداية – ببعض الأنظمة قريبة الشبه منه، ثم لم تلبث بعد ذلك أن ظهرت ملامحه وتحددت ذاتيته مع تطور الممارسة العملية.
يحظى خطاب الضمان المصرفي بالاهتمام الواسع خاصة من طرف الأشخاص المتعاملين في مجال التجارة سواء الداخلية أو الخارجية، وهذا ما يبرر إقبال الزبائن على طلبه من مختلف البنوك، في جميع الحالات التي يحتاجون إلى ضمان يكفل لهم الحصول على ثقة الطرف الآخر. ونظرا لأن الحاجات العملية التي يتطلب فيها إصدار خطاب الضمان لا تقع تحت حصر، فإن أنواعه متعددة و مختلفة. لكن ما يجمع بينها هو أنها في نظر المتعاقدين تحل محل التأمين النقدي الذي كان يجب أن يودع لدى الجهة التي طلبته والتي ارتضت بدلا منه خطاب الضمان المصرفي.
رغم أهمية موضوع خطاب الضمان و كثرة التعامل به، إلا أن مفهومه يبقى غامضا، خاصة مع اختلاف الفقه في تحديد طبيعته القانونية، الأمر الذي قد يعيقه عن تحقيق الأغراض التي وضع من أجلها في مجال الائتمان المصرفي، وهو ما قد يؤثر سلبا على حركة المعاملات التجارية التي أصبح تدخل البنوك فيها بمختلف تقنياتها أمر ضروري.
بغرض معرفة هذا النوع من الضمانات واستعمالاته المختلفة، سوف نحاول في البداية تحديد المقصود بخطاب الضمان المصرفي حتى نستطيع استخلاص مميزاته أو خصائصه، والتي سوف تساعدنا على تكييفه القانوني. ومن ثم نتطرق لأنواع خطابات الضمان الأكثر انتشارا في الممارسة العملية. وعليه نقسم هذا الفصل إلى مبحثين كالآتي:
المبحث الأول: مفهوم خطاب الضمان المصرفي.
المبحث الثاني: أنواع خطاب الضمان المصرفي.
المبحث الأول: مفهوم خطاب الضمان المصرفي.
تقوم البنوك التجارية بتمويل عمليات التجارة الداخلية والخارجية، من خلال تقديم القروض المصرفية لزبائنها لاسيما القروض النقدية. ونظرا لزيادة المعاملات التجارية تطورت الخدمات المصرفية، وتوسعت لتشمل أشكالا جديدة للائتمان المصرفي من أبرزها خطاب الضمان المصرفي، والذي يعد نوعا من أنواع التسهيلات غير المباشرة التي تمنحها البنوك لزبائنها، فتوفر لهم الثقة والاطمئنان والائتمان اللازم كبديل للتأمين النقدي.
وأمام كثرة الإقبال على طلب إصدار خطاب الضمان المصرفي، شاع استخدامه في السنوات الأخيرة تماشيا مع متطلبات الحاجة العملية، وبعيدا عن يد المشرع الوطني ذلك أنه وليد الأعراف والعادات المصرفية.
بغرض تحديد مفهوم هذا النوع من الضمانات المصرفية، يجب التطرق أولا إلى تعريفه وخصائصه ثم بيان طبيعته القانونية وذلك من خلال تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين كالآتي:
المطلب الأول: تعريف وخصائص خطاب الضمان المصرفي.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي.
المطلب الأول: تعريف وخصائص خطاب الضمان المصرفي.
الأصل في كل عمليات الائتمان المصرفي أنها تقوم على ثقة البنك في زبونه، وأن مقدار الثقة يختلف من عملية لأخرى تبعا لظروفها وطبيعتها، ومن هذه العمليات خطاب الضمان المصرفي الذي ينشأ من مجرد توقيع البنك بضمان زبونه تجاه الغير. ونظرا لأهمية هذا النوع من الضمان سوف نحاول التطرق لتعريفه الفقهي والقانوني، ومن ثم يمكننا تحديد خصائصه وهذا في فرعين كالآتي:
الفرع الأول: تعريف خطاب الضمان المصرفي.
الفرع الثاني: خصائص خطاب الضمان المصرفي.



الفرع الأول: تعريف خطاب الضمان المصرفي.
خلافا لما عليه الوضع في بعض التشريعات المقارنة( )، لم يتضمن القانون التجاري الجزائري قواعد تحكم خطاب الضمان المصرفي، وهذا على الرغم من كثرة العمل به في مختلف البنوك التجارية الجزائرية، حيث يعد من أهم الأنشطة البنكية التي تمارسها، وتصنفه ضمن القروض بالتوقيع أو ما يسمى الالتزامات بالتوقيع.
حيث تنص المادة 68/ف01 من الأمر الرئاسي رقم 03-11 المؤرخ في 26 أوت 2003 م المتعلق بالنقد والقرض( )، على مايلي: "يشكل عملية قرض، في مفهوم هذا الأمر، كل عمل لقاء عوض يضع بموجبه شخص ما أو يعد بوضع أموال تحت تصرف شخص آخر، أو يأخذ بموجبه لصالح الشخص الآخر التزاما بالتوقيع كالضمان الاحتياطي أو الكفالة أو الضمان".
إن المشرع الجزائري من خلال نص هذه المادة ذكر على سبيل المثال الضمان الاحتياطي والكفالة، والضمان، وهي تندرج ضمن القرض بالتوقيع (CREDIT PAR SIGNATURE ) هذا الأخير يشمل - في واقع الأمر- أنماطا مختلفة ومتعددة، من بينها خطاب الضمان المصرفي. وعموما يتمثل القرض بالتوقيع في الضمان الذي يقدمه البنك لزبونه لتمكينه من الحصول على الائتمان والثقة اللازمين لدى جهة أخرى، أي أن البنك لا يقدم نقودا ولكنه يمنح من خلال توقيعه ثقته فقط. ويكون مضطرا إلى إعطاء النقود إذا عجز الزبون على الوفاء بالتزاماته( ).
مع أن قانون النقد والقرض أشار إلى خطاب الضمان المصرفي كعملية من عمليات البنوك، لكن المشرع الجزائري لم يضع نظاما قانونيا يحكمه. إذن وأمام هذا الفراغ التشريعي تخضع البنوك الجزائرية عملية إصدار خطاب الضمان المصرفي وتنفيذه إلى الأعراف المصرفية( )، التي ساهمت في نشأته وتطوير قواعده. وكذلك بعض الأحكام المتفرقة في القوانين المصرفية مثل قانون النقد والقرض، ومختلف الأنظمة الصادرة عن مجلس النقد والقرض، هذا الأخير يتمتع بسلطات واسعة كسلطة نقدية، تملي أوامرها عن طريق إصدار أنظمة مصرفية ومالية، يجب احترامها من طرف كل المتدخلين بالتعامل في هذا الميدان( ).
إذن مع غياب تعريف قانوني تشريعي لخطاب الضمان المصرفي في الجزائر، نلجأ إلى آراء الفقه وبعض القوانين المقارنة للبحث عن تعريفات تتفق في جوهرها، بحيث تشمل جميع أطرافه وتبرز دور البنك كمنظم له.
لقد تعددت محاولات فقهاء القانون خاصة في الدول التي لا تتضمن تشريعاتها الداخلية أحكاما قانونية خاصة بخطاب الضمان المصرفي( )، لوضع تعريف له، يكون شاملا لجميع عناصره، ومبرزا لخصائصه، ونتطرق فيما يلي لبعض هذه التعريفات:
- عرفه الدكتور: علي جمال الدين عوض على أنه:" تعهد نهائي يصدر من البنك بناءا على طلب عميله (ونسميه الآمر)، بدفع مبلغ نقدي معين، أو قابل للتعيين، بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك من البنك، خلال مدة محددة، ودون شرط أو إجراء، وبالرغم من معارضة العميل"( ).
- قريب منه تعريف آخر بأنه: " تعهد نهائي من البنك، بأن يدفع للمستفيد مبلغا من النقود لدى الطلب، خلال مدة محددة"( ).
ما يلاحظ على هذه التعريفات وغيرها، أنها اهتمت بإبراز أن إصدار خطاب الضمان المصرفي يكون بإرادة البنك المنفردة، لكنها لم تحدد شكله فيما إذا كان شفويا أو كتابة. والحقيقة أنه يصعب _ ولو نظريا _ تصور أن يكون خطاب الضمان شفويا، ولفظة خطاب " LETTRE " نفسها كافية للدلالة عن معنى كتابته. بالإضافة إلى أن العلاقات المتشابكة التي تنتج عن هذا الخطاب يستحيل تقريبا حسمها في حالة صدوره شفويا( ).
توجد تعريفات أخرى لخطاب الضمان المصرفي أكثر دقة، نوردها فيما يلي:
- عرفه الدكتور: علي البارودي على أنه:" تعهد مكتوب يصدر من البنك بناءا على طلب شخص يسمى العميل (الآمر)، بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين، لشخص آخر يسمى المستفيد، إذا طلب منه ذلك خلال الفترة الزمنية المحددة في الخطاب"( ).
- يعرفه الدكتور: محمد حسني عباس على أنه:" تصرف قانوني بإرادة منفردة يرد في صك ذي طابع شخصي، يوجهه البنك إلى المستفيد، بناء على طلب العميل، يتعهد البنك بمقتضاه تعهدا مباشرا مجردا، غير قابل للتداول أو التنازل، بدفع مبلغ الضمان بمجرد الطلب، وخلال مدة معينة"( ).
يتضح لنا من خلال ما قدمه الفقه في تعريف خطاب الضمان المصرفي، أنه عملية ثلاثية الأطراف، تبدأ بتوجيه الزبون (أي العميل) إلى البنك طلب إصدار خطاب الضمان، وعند موافقته على هذا الطلب يبرم معه عقد ضمان (أو ما يسمى عقد فتح اعتماد بالضمان). ويتفق في هذا العقد على أن يصدر البنك خطاب ضمان لمصلحة المستفيد وبالشروط التي يحددها الزبون، وبمجرد وصول الخطاب إلى علم المستفيد وعدم اعتراضه عليه، يصبح البنك ملتزما التزاما نهائيا دون قيد أو شرط، بالوفاء بالمبلغ المحدد في الخطاب( ).
إذن فالبنك لا يتعهد بوضع مبالغ نقدية تحت تصرف زبونه، وإنما يضمنه فقط في حدودها، والمستفيد من الخطاب في الواقع هو شخص آخر غير الزبون، ولذلك يمكن وصف التزام البنك بأنه التزام عرضي، قد يتحقق ويصبح التزاما حقيقيا وهذا أمر نادر الحدوث، كما قد لا يتحقق وهو الغالب كما سوف نرى.
بالنسبة للقوانين المقارنة لم تختلف كثيرا في التعريفات التي وضعتها لخطاب الضمان المصرفي، حيث تنص المادة 355/ف01 من قانون التجارة المصري الجديد على مايلي: " خطاب الضمان تعهد مكتوب يصدر من البنك بناءا على طلب شخص (يسمى الآمر) بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر (يسمى المستفيد)، إذا طلب منه ذلك خلال المدة المعينة في الخطاب ودون اعتداء بأية معارضة"( ).
كما عرفه المشرع الكويتي في نص المادة 382 من القانون التجاري بأنه:" تعهد يصدر من بنك بناءا على طلب عميل له" الآمر"، بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر يسمى " المستفيد" دون قيد أو شرط، إذا طلب منه ذلك خلال المدة المعينة في الخطاب، ويوضح في خطاب الضمان الغرض الذي صدر من أجله"( ).
يتبين لنا من خلال هذا التعريف التشريعي لخطاب الضمان: أن التزام البنك بالدفع للمستفيد يكون في حدود عبارات الخطاب، فإذا تضمن هذا الأخير شروطا معينة لإمكان مطالبة البنك وجب إحترامها، بحيث لا يحق للمستفيد طلب قيمة الخطاب إلا إذا تحققت تلك الشروط، وتجدر الإشارة هنا أنه يجب النظر بدقة لهذه الشروط: فإذا كانت تجعل من إلتزام البنك تابعا لإلتزام زبونه، بحيث يتوقف استحقاقه على عوامل خارجية عن الخطاب، يكون تعهد البنك _على هذا النحو_ كفالة عادية تخضع لأحكام الكفالة الواردة في القانون المدني، ونبتعد بذلك عن خطاب الضمان بالمعنى الدقيق( ).
إضافة لما سبق ذكره، فإن القواعد والأعراف الموحدة لخطابات الضمان الصادرة ضمن اللائحة رقم 458 لعام 1992، تنص على أن المقصود بالضمان لدى الطلب، التعهد الكتابي الصادر عن بنك، بدفع مبلغ نقدي استنادا لشروط الضمان نفسه( )، وذلك بغض النظر عن أي اعتراض من الزبون، بشرط أن يقدم المستفيد مطالبته بالدفع خلال مدة سريان الخطاب، وإلا تحمل البنك مسؤولية الوفاء. وغالبا ما يراعي الزبون في شروط الخطاب، أن تكون هي ذات الشروط التي اتفق عليها مع المستفيد، وإلا فإن هذا الأخير لن يقبل الخطاب ولن يرضى بالتعاقد الذي وعد به( ).
يمكننا أن نستخلص من هذه التعريفات المقدمة، أن لخطاب الضمان المصرفي ثلاثة عناصر، يجب أن تتوفر فيه وهي:
1/ مبلغ الضمان، 2/ مدة الضمان، 3/ الغرض من الضمان.
وحتى يكتمل التعريف نتطرق فيما يلي لشرح هذه العناصر في النقاط الآتية:
أولا: مبلغ الضمان.
إن محل تعهد البنك في خطاب الضمان المصرفي الذي يصدره، هو دفعه لمبلغ من النقود إلى المستفيد إذا طالب به خلال المدة المحددة في ذلك الخطاب، فلا يتصور أبدا أن نكون بصدد خطاب ضمان بالمعنى الفني الدقيق إذا كان موضوع تعهد البنك ليس نقودا( ). ولما كان هذا المبلغ النقدي هو محل تعهد البنك، فإنه يجب أن يتوافر فيه شروط محل الالتزام بصفة عامة، وذلك كما حددها المشرع الجزائري في المادة 92 وما يليها من القانون المدني. و يعنينا هنا أن يكون المحل معينا أو على الأقل قابلا للتعيين، ومثاله ما يحدث عندما يطلب المرسل إليه من إدارة الجمارك السماح له بأن يتسلم بضاعته قبل وصول سندات الشحن التي تحدد على أساسها نسبة الرسوم الجمركية، فتسمح له بذلك بشرط أن يقدم لها ضمانا كافيا، فيلجأ المرسل إليه إلى بنكه يطلب منه إصدار خطاب ضمان مصرفي لصالح إدارة الجمارك، لضمان ما قد يترتب من رسوم على هذه البضاعة( ). أي أن قيمة خطاب الضمان لا تكون معينة عند إصداره بل تتعين عند وصول سندات الشحن، و هذه هي حالة صدور خطاب ضمان بمبلغ قابل للتعيين. وتعهد البنك هنا صحيح، لأن محله و إن لم يكن محددا عند إصدار الخطاب فهو قابل للتحديد عند وصول سندات الشحن( ).
بناء على ذلك يتعين على البنك عند تحديد قيمة الخطاب أن يدفع للمستفيد عند أول مطالبة منه، وذلك بغض النظر عن قيمة مديونية الزبون ولو كانت أكبر أو أقل مما تعهد به البنك ( ).
أما إذا لم يكن محل تعهد البنك دفع مبلغ نقدي (سواء معينا أو قابلا للتعيين)، كأن يلتزم البنك في مواجهة المستفيد بتنفيذ التزامات الزبون إذا لم يف بها هذا الأخير بنفسه، أو ضمان حسن تنفيذ هذا الزبون لالتزاماته أمام المستفيد، فلا نكون بصدد خطاب ضمان مصرفي، وإنما بصدد عقد كفالة مدنية أو تجارية _ حسب الأحوال_( )، وذلك بسبب ارتباط التزام البنك في الوفاء للمستفيد بعنصر خارجي عن خطاب الضمان. وهو ما يتعارض مع طبيعة خطاب الضمان الذي يتميز بالكفاية الذاتية، باعتبار أن التزام البنك في الخطاب هو التزام أصيل تجاه المستفيد، وهذه الحقيقة هي التي تمكن خطاب الضمان المصرفي من تحقيق الأغراض التي وضع من أجلها، فلو أجيز النزاع في صرف قيمته عند الطلب لفقد هذا الخطاب أهميته العملية، ولشلت تبعا لذلك حركة المعاملات التجارية( ).
ثانيا: مدة الضمان.
الأصل أن يصدر خطاب الضمان متضمنا مدة معينة يسري خلالها التزام البنك، بمعنى يلتزم البنك ضمن هذه المدة بالدفع الفوري للمستفيد إذا طلب منه ذلك قبل تاريخ معين، ويعتبر التاريخ المذكور في الخطاب حدا أقصى لنفاذه،حيث يسقط التزام البنك تلقائيا بحلوله إذا لم تصله مطالبة بالدفع( )، فبانقضاء هذا الأجل تبرأ ذمة البنك. ويتحمل المستفيد نتائج تأخر البريد، في حالة ما إذا أرسل طلب الدفع بالبريد، لكنه وصل بعد انقضاء التاريخ المحدد، لأنه كان يتعين عليه أن يكون حريصا، ولا ينتظر لآخر لحظة ليقدم طلب الدفع. وهذا أمر منطقي، ما دام أنه من حق الزبون استرداد ضمانات الخطاب التي قدمها للبنك في اليوم الموالي لانتهاء مدة الضمان، فمن العدل إذن إبراء البنك من التزامه بالدفع من هذه اللحظة لأنه فقد ضمانه( ).
إن مدة الضمان قد تكون طويلة أو قصيرة، ولكن في الغالب تقترن هذه المدة بميعاد تنفيذ العمليات أو المشروعات التي تصدر بشأنها خطابات الضمان.
وبالرجوع لنص المادة 06 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية لعام 1992، نجدها تنص على أن مدة خطاب الضمان تبدأ من تاريخ إصداره، لكن التزام البنك بالدفع للمستفيد لا يبدأ إلا من تاريخ وصول الخطاب لعلم هذا المستفيد.
يجوز كذلك إصدار خطاب الضمان دون تحديد مدته خاصة إذا كان تنفيذ العملية الصادر بشأنها الخطاب يحتاج لمدة طويلة. وفي هذه الحالة يجوز للبنك – الملتزم- أن ينهيه في أي وقت، بشرط إخطار زبونه والمستفيد قبل ذلك بوقت مناسب. ويترك للمحكمة المختصة تقدير هذا الوقت المناسب حسب ظروف كل حالة، وعموما يعتبر الوقت مناسبا عندما لا يكون إنهاء خطاب الضمان خلاله سببا في أضرار تلحق بالمستفيد أو الزبون( ).
إن هذا الحل وحتى لو كان تطبيقا للقواعد العامة في الالتزامات، إلا أنه – في الواقع- لا يستقيم مع ما جرى عليه العرف المصرفي، حيث أن البنوك تعمد في خطاب الضمان غير محدد المدة إلى الاحتفاظ بملفاتها وقيودها المتعلقة به لمدة خمسة عشر(15) سنة من تاريخ بدء التزامها، ومن ناحية أخرى نجد أن إنهاء العقد بإرادة منفردة في العقود غير محددة المدة ينتج أثره فيما بين المتعاقدين فقط، دون أن يمس الحقوق التي ترتبت للغير. ولما كان المستفيد من خطاب الضمان ليس طرفا فيه، لأنه ليس متعاقدا مع البنك ولكن يكتسب فقط حقوقا منه. فلا يمكن إذن التسليم بإمكانية إنهاء البنك لحق المستفيد بإرادته المنفردة، وفي هذا المجال يذهب رأي فقهي( )، لضرورة التمييز بين حالتين:
الحالة الأولى:
في خطاب الضمان غير محدد المدة، وغير المشروط، يكون حق المستفيد في طلب الدفع قائما في أي وقت، لذلك يتقادم التزام البنك بمضي 15 سنة من تاريخ بدئه دون أن يستعمل المستفيد حقه في المطالبة بقيمة الخطاب.
الحالة الثانية:
في خطاب الضمان غير محدد المدة، المشروط بشرط واقف هو إخلال الزبون بالتزاماته تجاه المستفيد، فإن حق هذا الأخير لا يبدأ إلا من تاريخ تحقق هذا الشرط أو استحالة تحققه، ففي هذه الحالة يبدأ تقادم حق المستفيد من هذا التاريخ أي تاريخ تحقق الشرط أو تخلفه.
في حالة ما إذا كانت العملية المضمونة بخطاب الضمان محددة، فإن التزام البنك يسري لحين انتهائها( )، متى كان ذلك مفهوما من عبارات الخطاب.
ثالثا: الغرض من الضمان
تشترط المادة 03 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية لعام 1992، أن يتضمن خطاب الضمان بيان الغرض الذي صدر من أجله، وهو ضمان التزام معين ناشئ بذمة الزبون لمصلحة المستفيد استنادا إلى العلاقة القائمة بينهما( ). إن هذا النص يطرح تساؤلين:
الأول:ما إذا كان هذا الشرط يتعارض مع مبدأ الكفاية الذاتية لخطاب الضمان، وضرورة أن يرد مطلقا من دون قيد أو شرط، واستقلالية التزام البنك تجاه المستفيد فيه عن كل من علاقة الزبون بالبنك وعلاقة الزبون بالمستفيد؟ كما سوف نرى تفصيلا فيما بعد.
الثاني: لماذا اشترطت هذه المادة إدراج بيان تحديد الغرض في خطاب الضمان( )؟
بالنسبة للسؤال الأول، يؤكد الفقه ( )، أن الإشارة في خطاب الضمان إلى مصدر الدين الذي صدر الخطاب بمناسبته، لا يتعارض ومبدأ ضرورة كونه مطلقا من كل قيد، ما دام تعهد البنك لا يكون مرتبطا بمصدر هذا الدين، أي العملية التي تربط بين الزبون والمستفيد. وذلك حتى لو ذكر في الخطاب" أنه يضمن تنفيذ عملية معينة".
أما بالنسبة للسؤال الثاني: فإنه لبيان العملية المضمونة في الخطاب فائدة من حيث إمكان القول بامتداد الخطاب إلى وقت انتهائها، متى كان هذا المعنى مفهوما من الخطاب. إضافة لذلك تبرز أهمية هذا البيان _تحديد الغرض_ في أنه لا يحق للمستفيد أن يطالب بقيمة الخطاب عن غرض آخر غير الغرض المحدد فيه. بمعنى آخر: فإن هذا التحديد الوارد بالخطاب مقصود به قصر وظيفته على ما ورد فيه( ). فلو حدث وقام المستفيد بالمطالبة بقيمة الخطاب استفاءا لحق ناشئ عن عملية أخرى، يكون من حق الزبون أن يرجع عليه بالقيمة التي صادرها. ولكن هذا شأن المستفيد والزبون وحدهما دون البنك الذي لا يضمن تعاملهما، وذلك تماشيا مع قواعد خطاب الضمان، التي تقضي بأن البنك غير ملزم بتنفيذ المشروع أو العملية المضمونة، بسبب استقلال التزامه عن التزامات الأطراف الأخرى( ).
الفرع الثاني: خصائص خطاب الضمان المصرفي.
نشير في البداية أن إصدار خطاب الضمان المصرفي يدخل ضمن العمليات المصرفية التي تمارسها مختلف البنوك التجارية، وعليه فهو يعد دائما عملا تجاريا بالنسبة للبنك. إذ تعد جميع أعمال البنوك تجارية ولو تمت بصفة منفردة، أو لصالح شخص غير تاجر، وهذا ما تنص عليه المادة الثانية من القانون التجاري الجزائري بأن:" يعد عملا تجاريا بحسب موضوعه: كل عملية مصرفية، أو عملية صرف أو سمسرة...". أما بالنسبة للزبون الآمر بإصدار خطاب الضمان فهو غالبا عمل تجاري لكونه على الأكثر مقاولا، وبالتالي تاجرا يطلب من البنك إصداره لصالح رب العمل، ليضمن التزامه بعطاء مقاولة قدمه، أو بحسن تنفيذه لعملية أو لضمان إرجاع ما تسلمه من دفعات نقدية...الخ( ). وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، يتمتع خطاب الضمان المصرفي بجملة من الخصائص ذات أهمية كبيرة، تحدد ذاتيته، وتميزه عن باقي الخدمات المصرفية التي قد تشتبه به.
وسوف نتطرق لهذه الخصائص بالقدر الذي يقتضيه المقام، لنترك تفاصيل أخرى عند الحديث عن العلاقات الناشئة عن الخطاب، وذلك لأن هذه الخصائص تؤثر _في واقع الأمر _ في أحكام هذه العلاقات، وذلك منعا للتكرار ما أمكن( ):
أولا: استقلال التزام البنك.
يقصد بهذه الخاصية أنه بمجرد إصدار البنك لخطاب الضمان وإبلاغه إلى المستفيد، يصبح مسؤولا شخصيا تجاهه، بدفع المبلغ النقدي المذكور في الخطاب عند أول مطالبة. هذا الالتزام يعتبر التزاما جديدا ومستقلا تماما سواء عن العلاقة التي تربط البنك بزبونه، أو تلك التي تربط الزبون بالمستفيد، فيكون محل تعهد البنك في الخطاب مستقلا تماما على محل تعهد زبونه تجاه المستفيد( )، لأن البنك لا يتعهد بأن يقوم بتنفيذ التزام زبونه بدلا عنه، أو بسداد ما يكون عليه من ديون، بل يعتبر تعهده بالدفع مجردا عن ظروف التزام الزبون أمام المستفيد( ).

يرى الفقه الفرنسي كذلك في تفسيره لاستقلال التزام البنك أنه التزام مجرد(Abstrait)، وأن صفة التجريد هذه توفر الحماية اللازمة للمستفيدين، سواء في مجال التجارة الداخلية أو الخارجية( ). كما أكد القضاء الفرنسي بدوره على استقلال التزام البنك، ويعد حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 20 ديسمبر 1982 في قضية Creusot-Loire معبرا أفضل تعبير عن هذا الاتجاه، حيث قضت المحكمة العليا في فرنسا بمايلي:" لما كان التزام البنك في مواجهة المستفيد هو التزام بالدفع بمجرد الطلب، ومستقل عن عقد الأساس ومحكوما بالشروط الواردة في خطاب الضمان وحدها، فإن محكمة الاستئناف لم تجانب الصواب عندما قضت دون أن تخالف هذه الشروط، باعتبار شرط التحكيم الوارد في عقد الأساس لا تأثير له على خطاب الضمان"( ). إذن نلاحظ أن محكمة النقض الفرنسية انتهت من خلال هذا الحكم إلى عدم جواز الاحتجاج بشرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي المبرم بين الزبون والمستفيد في مواجهة البنك، وذلك بسبب استقلالية التزام البنك في مواجهة المستفيد عن هذا العقد الأصلي.
لا خلاف إذن أن هذه الخاصية هي قوام خطاب الضمان المصرفي، ففعالية هذا النوع من الضمانات التي تقدمها البنوك محليا ودوليا تتوقف على مدى استقلاليته، وهذا تماشيا مع الوظيفة التي يؤديها كبديل عن التأمين النقدي، كما تعني هذه الاستقلالية أن تعهد البنك هو تعهد نهائي، وغير قابل للرجوع فيه(Irrévocable)( ). ويترتب على هذه الاستقلالية النتائج الآتية:
*لا يجوز للبنك أن يرفض الوفاء للمستفيد، بناءا على دفوع مستمدة من علاقة الزبون بالمستفيد، لاستقلال التزام كل منهما عن الآخر. فلا يتأثر التزام البنك ببطلان أو فسخ العقد الذي صدر الخطاب من أجله( يسمى عقد الأساس أو العقد الأصلي)، بل حتى لو اعترض الزبون على دفع البنك لقيمة الخطاب للمستفيد منه. والسبب في ذلك أن البنك يلتزم بصفته أصيلا وليس نائبا عن زبونه، لأن النيابة لا تقوم في الضمان( ).
*لا يجوز للبنك رفض الدفع للمستفيد بحجة أن زبونه قد نفذ جميع التزاماته المحددة في عقد الأساس تنفيذا كاملا، وبالتالي يعتبر البنك هنا أن ضمانه قد أصبح بدون محل(Sans Objet). ولا أن يحتج بسوء تنفيذ المستفيد نفسه لالتزاماته تجاه الزبون.
*إن استحقاق المستفيد لقيمة الخطاب، ليس مرتبطا بأي عنصر خارجي عنه، ولذلك لا يحق للبنك تعليق دفع قيمته على شرط تقديم المستفيد لما يثبت مديونيته، بل يتوجب عليه الدفع الفوري دون تأخير( ).
إن ما سبق شرحه في خاصية استقلالية التزام البنك، لا ينفي أن يصدر خطاب الضمان المصرفي متضمنا شروطا معينة، يتعين على المستفيد احترامها لاستحقاقه المبلغ الوارد فيه. لكن يجب النظر إلى هذه الشروط بحذر شديد، فلا يجب أن تجعل من التزام البنك تابعا لالتزام زبونه فنكون بذلك بصدد كفالة، بل يراعى دائما أن لا تؤثر على التزام البنك البات والنهائي( ).
يتضح لنا إذن أهمية عبارات خطاب الضمان المصرفي في تحديد مدى التزام البنك في مواجهة المستفيد، لذلك يجب أن تكون الصياغة واضحة تماما، ولا لبس فيها، ولا تحتمل أكثر من تفسير( ). كما تجدر الإشارة هنا إلى أن صياغة الخطاب، والتي تتم عادة في إطار البنود المالية الواردة في العقد المبرم بين الزبون والمستفيد، لا تعني بأي حال من الأحوال أن العلاقة بين البنك والمستفيد تخضع لبنود ذلك العقد. إذ أن العلاقات القانونية التي تحكم كل من العقد الأصلي وخطاب الضمان المصرفي، تختلف اختلافا جوهريا عن بعضها البعض. فخطاب الضمان يعتبر التزاما قانونيا مستقلا، ويشكل في حد ذاته تعاقدا قانونيا بين ثلاثة أطراف فهو يصدر بناءا على طلب الزبون الذي يتعهد بدوره بأن يدفع للبنك أية مبالغ قد يدفعها هذا الأخير إلى المستفيد بموجب الخطاب، فيتعين على البنك أن يفي بالتزامه المذكور في الخطاب عند تقديم المستفيد مطالبة مستوفية لشروطه، ولهذا فإن عملية وفاء البنك للمستفيد لا تخضع إلا لشروط ذلك الخطاب، بغض النظر عند شروط التعاقد بين الزبون والمستفيد( ).
إن مسألة وضوح الصياغة، تطرح أكثر بالنسبة لخطابات الضمان الدولية، لأنها تتضمن غالبا _ كما سوف نرى لاحقا_ شروطا متنوعة، تتفاوت في مدى تأثيرها على استقلال التزام البنك، وانفصاله عن تنفيذ العقد الذي صدر بشأنه خطاب الضمان، والمعيار المعتمد هو: تحليل هذه الشروط، فلو اتضح أنها تجعل من التزام البنك تابعا لالتزام الزبون، لا نكون بصدد خطاب ضمان مصرفي بالمعنى الدقيق وإنما _كما سبق وأن أشرنا_ نكون بصدد كفالة( ). وهناك شروط لا تنفي استقلالية التزام أو تعهد البنك، فقد نجد في صيغة الخطاب مثلا أن البنك يلتزم بالدفع عند أول طلب مبرر A première demande justifiée فيكون المستفيد إذن ملزما بتدعيم طلبه، كما قد نجد شروطا تقضي بضرورة تقديم مستندات معينة، كمحضر خبرة يثبت سوء تنفيذ الزبون لالتزاماته في مواجهة المستفيد، فلا يتم دفع قيمة الخطاب، إلا إذا قدم المستفيد المستندات المطلوبة( )، أي أن البنك يدفع فقط عند أول طلب مدعوم بالمستندات A première demande documentaire.
ثانيا: فورية استحقاق مبلغ الخطاب.
إن المقصود بفورية استحقاق مبلغ الخطاب هو أن يكون خطاب الضمان المصرفي مستحق الدفع فور وصوله لعلم المستفيد، ويترتب على ذلك أن البنك لا يستطيع إضافة تعهده إلى أجل أو تعليقه على شرط( )، وتعتبر هذه الفورية خاصية لازمة وضرورية حتى يؤدي خطاب الضمان وظيفته، ذلك أن المستفيد الذي يقبله يرضى به بديلا عن قبضه لنقود فورية، فكان لزاما أن يحقق له الخطاب نفس هذه الفائدة، ولا أقل إذن من أن يكون حقه في طلب الوفاء قائما بمجرد صدوره، ليجد فيه ضمانا موازيا للوديعة النقدية( )، لكن ما ذكرناه من خاصية الفورية، لا ينفي أنه من الناحية العملية، عادة ما لا يتقدم المستفيد إلى البنك بطلب الوفاء، إلا متى قدر بنفسه ضرورة ذلك، من خلال ظروف علاقته بزبون البنك، أو بعبارة أخرى إذا رأى أن ظروف تنفيذ العقد الأصلي تستدعي ذلك.
في هذا المجال يطرح التساؤل الآتي، هل يعتبر حق المستفيد في المطالبة بقيمة الخطاب في أي وقت بمجرد صدوره، حق مطلق له ( )، أم من الممكن أن ترد عليه بعض الاستثناءات؟؟ ( ) يرى بعض الفقه، أن حق المستفيد هو حق مطلق، فلو قام بطلب الوفاء فورا فلا مسؤولية عليه أمام أحد، وعلى الرغم من أن الزبون الآمر بإصدار الخطاب قد يناقشه في تسرعه بطلب الوفاء، لكن البنك لا يكون من حقه مناقشة مدى ملاءة هذا الطلب، بل يتعين عليه أن يدفع فورا لأن ذلك ما التزم به في صيغة الخطاب.
أما في فرنسا، كشف العمل على أن الأخذ بقاعدة فورية استحقاق تعهد البنك على إطلاقها قد نتج عنه أن المستفيدين أصبحوا يطالبون بقيمة خطابات الضمان بطريقة تعسفية، وبطريق الغش. لذلك لم يكن أمام البنوك إلا أن ترفض الوفاء للمستفيدين في مثل هذه الحالات، وهو ما أيدته المحاكم الفرنسية. حيث اعتبرت أن الغش والتعسف استثناءات على الدفع الفوري والمباشر( )،(Exceptions Au Paiement Immédiat Et Directe).
وفي نظرهم، يكون هناك تعسف ظاهر(L'abus Manifeste ) عندما تكون عدم أحقية المستفيد في طلب الدفع واضحة لا جدال فيها، بما يعكس سوء نيته في المطالبة.
كذلك بالنسبة لخطابات الضمان الدولية، فإن البنك الذي يقدم ضمانا مقابلا (يسمى الضامن غير المباشر) يكون من حقه الامتناع عن الوفاء، عندما يثبت له أن البنك الضامن المباشر للطرف الآخر، كان يعلم بالغش، أو بالسلوك التدليسي للمستفيد، فيعتبره بذلك متواطئا معه في هذا السلوك. لكن مثل هذه الحالات_ في واقع الأمر_ نادرة الحدوث( ).
ملاحظة:
رغم أن اتجاه المحاكم الفرنسية مبني على اعتبارات جدية، لكن لا يمكن إخفاء تعارضه مع نظام خطاب الضمان بمعناه الفني. خاصة وأن التوسع في هذه الاستثناءات التي ترد على الدفع التلقائي لمبلغ الضمان، من شأنه أن يؤدي إلى نسف هذا النظام من أساسه.
ثالثا: خطاب الضمان شخصي للمستفيد.
إن البنك الذي يصدر خطاب الضمان المصرفي، يتعهد فيه بوفاء قيمته لشخص معين هو المستفيد المتعاقد مع زبون البنك، وهو ما يحرص الخطاب على إيضاحه، من خلال النص فيه على أن البنك يتعهد بالدفع إلى شخص أو جهة معينة، ولدى أول طلب منها( ).
يترتب على شخصية إصدار خطاب الضمان لصالح المستفيد، أنه لا يجوز لهذا الأخير تداول الحق الثابت فيه بأي طريقة كانت، خاصة وأنه لا يتضمن شرط الأمر. وبالتالي لا يعتبر ورقة تجارية، ولا يجوز خصمه لدى البنك. إذ يلتزم البنك بدفع قيمته إلى شخص المستفيد أو وكيله طبعا، وبالمقابل يمتنع عن الدفع لأي شخص آخر غير المستفيد، ولو كان حاملا لصك الخطاب. ذلك أنه لا يكون لحائزه حق المطالبة بالوفاء لمجرد حيازته له إذا لم يكن هو الشخص المستفيد منه فعلا( ).
كذلك من نتائج شخصية إصدار الخطاب للمستفيد، أنه لا يجوز لدائنيه أن يحجزوا على قيمته تحت يد البنك، وذلك لأن المطالبة بالتنفيذ حق شخصي تقديري للمستفيد، ليس لأي شخص أن يستعمله بدلا عنه، أو يجبره على استعماله. كما لا يجوز التنازل عنه حتى ولو بالتبعية لتنازل المستفيد عن العملية التي صدر بشأنها ذلك الخطاب( ).

تجدر الإشارة في هذا المجال، أنه طالما بقيت قيمة الخطاب في البنك فهي ملك له إلى أن يتم دفعها للمستفيد، فيكون من نتائج ذلك أنه يمنع على دائني الزبون الآمر بإصدار الخطاب الحجز عليها تحت يد البنك( ). وهو ما سوف نتطرق له تفصيلا عند الحديث عن آثار خطاب الضمان المصرفي.
إن هذه الخاصية التي يتمتع بها خطاب الضمان المصرفي، سببها أن صدوره كان بمناسبة عملية معينة هي محل علاقة الزبون بالمستفيد، والتي تكون محددة في العقد الأصلي المبرم بينهما. وحق المستفيد مرتبط بتنفيذ أو عدم تنفيذ هذه العملية، وعليه لو أجيز تحويله أو تظهيره فإن حق المستفيد يفقد هذا الارتباط، لأن الخطاب قابل للدفع رغم معارضة الزبون( ).
يرى أغلب الفقه( )، أن حق المستفيد في خطاب الضمان من الحقوق ذات الطابع الشخصي، فله وحده سلطة استعماله _ كما سبق القول وهو ما يترتب عليه عدم جواز تداوله أو التنازل عليه. لكن هناك بعض الفقه( )، يخالف ذلك ويرى أن خطاب الضمان ليس شخصي للمستفيد. وحجته أن الحق يكون شخصيا إذا كان متصلا بطبيعته بشخص الدائن اتصالا وثيقا، فلا يمكن في هذه الحالة أن يتنازل عنه لشخص آخر كالحق في النفقة مثلا، والحق في التعويض عن الضرر الأدبي، وفي القانون التجاري يكون حق الشريك في شركة الأشخاص محل اعتبار. كما أن البنوك تبرم مع زبائنها عقود القروض، والاعتمادات المستندية، وخطابات الضمان نظرا للاعتبارات التي تقدرها في شخصية الزبون. وعليه لا تكون لشخصية المستفيد أي اعتبار لدى البنك، إذ يستوي لديه أن يدفع لأي طرف أو جهة يحددها الزبون. ومن ثم كان للاعتبار الشخصي الدور البارز في شخصية الزبون لا شخصية المستفيد، خاصة وأن البنك يصدر أحيانا لمصلحة زبونه خطاب ضمان من دون غطاء (دون ضمانات)، أو بغطاء يمثل نسبة بسيطة من قيمة الخطاب تبعا لمدى ثقته في زبونه.
مع أن هذا الرأي لا يجانب الصواب، لكنه لا ينفي أن مختلف خطابات الضمان تصدر باسم مستفيد معين بذاته، لا يتم الدفع إلا لشخصه. وفي الحقيقة فإن إصدار البنك لخطاب ضمان باسم المستفيد هو تنفيذ لأمر زبونه الذي يرى في شخص هذا المستفيد ما يحقق له الغرض من خطاب الضمان( ).
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي.
ينشأ عن عملية إصدار خطاب الضمان المصرفي، التزام البنك النهائي بدفع مبلغ من النقود للمستفيد في تاريخ معين. ورأينا أن من خصائص هذا الالتزام أنه مستقل عن العلاقات السابقة عنه والتي تربط بين أطرافه، كما أنه لا يستند إلى عقد أو اتفاق سابق بين البنك والمستفيد.
إن هذا الوضع أثار خلافا حول تحديد طبيعته القانونية، والتي تعد من الصعوبات الجوهرية التي تواجه خطاب الضمان المصرفي، حيث طرحت بحدة سواء من الناحية الفقهية أو القانونية( )، وتنقسم الآراء التي قيلت في هذا الشأن إلى اتجاه يأخذ ببعض النظريات العقدية، كالكفالة، والاشتراط لمصلحة الغير، والإنابة الناقصة، واتجاه آخر يأخذ بفكرة الإرادة المنفردة، في حين يوجد اتجاه حديث يرى في خطاب الضمان المصرفي عملية مصرفية ذات طبيعة خاصة، وسنتطرق لمختلف هذه الآراء بشيء من التفصيل. وعلى ذلك نقسم هذا المطلب للفروع الآتية:
الفرع الأول: النظريات العقدية.
الفرع الثاني: نظرية الإرادة المنفردة.
الفرع الأول: النظريات العقدية.
حاول الفقهاء تأصيل خطاب الضمان المصرفي، وفقا للقواعد العامة في القانون المدني، فاستندوا إلى: فكرة العقد المسمى في تفسيرهم للعلاقة القائمة بين البنك والمستفيد. فاعتبروه عقد كفالة، وهناك من قال أنه عقد إنابة، كما فسروه من خلال عقد الاشتراط لمصلحة الغير( )، وفيما يلي نتطرق لكل نظرية من هذه النظريات:
أولا: نظرية الكفالة.
يمكن تعريف الكفالة المصرفية كالكفالة بوجه عام، بأنها العقد الذي بمقتضاه يكفل البنك تنفيذ التزام معين يقع على عاتق الزبون بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه( )، أي الزبون.
من ذلك يتضح أن طرفي الكفالة هما الكفيل والدائن، أما المدين فليس طرفا في عقد الكفالة، فيصح أن تتم الكفالة دون علمه ورغم معارضته (المادة647 من القانون المدني الجزائري)، مع أنها لا تتصور بغير وجود الالتزام الذي يقع على عاتق هذا المدين. ويلاحظ أنه لا يشترط أن يكون الدين الأصلي قد نشأ وقت إبرام عقد الكفالة، إذ يجوز العقد لكفالة الالتزامات المستقبلية، وكذلك الالتزامات المعلقة على شرط( ).
يرى أصحاب هذه النظرية ( )، أن الكفالة بهذا المعنى هي أساس التزام البنك في خطاب الضمان المصرفي، فعقد الكفالة المصرفية في هذا الخصوص ينعقد بين البنك (الكفيل)، والمستفيد (الدائن) الذي تظهر إرادته في هذا العقد صراحة أو ضمنيا بإخطار البنك. ويكون للبنك الكفيل_وفقا لأنصار نظرية الكفالة_ بعد وفائه للمستفيد، حق الحلول محل الدائن في جميع ماله من حقوق تجاه المدين. وعليه يتمتع البنك بخصائص هذا الحق وما يلحقه من توابع. كما تحدد كفالة البنك في مقدارها ومداها، فغالبا ما يكون المبلغ المضمون محددا، لكنه ليس شرطا ضروريا لصحة الكفالة. إذ يمكن أن يكون قابلا للتحديد، كما تجوز كفالة الدين المستقبل بشرط أن يكون تحديده صريحا مسبقا( ).
وتبرأ ذمة الكفيل ببراءة ذمة المدين، وهذه التبعية بين التزام الكفيل والتزام المدين ترتب النتائج التالية:
أ- أن الدائن لا يرجع على الكفيل إلا بعد رجوعه على المدين.
ب- يتحدد التزام الكفيل في مقداره وشروطه بالتزام المدين.
ج- يتمسك الكفيل بجميع أوجه الدفوع التي للمدين في مواجهة الدائن( ).
فهل تصلح الكفالة بالخصائص التي ذكرناها لتفسير التزام البنك في خطاب الضمان المصرفي ؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن نظرية الكفالة استطاعت أن تفسر بعض جوانب خطاب الضمان المصرفي، خاصة وأنهما يتفقان في أن كلا منهما يضيف ذمة مالية إلى ذمة مالية أخرى، مكلفة بالتزام قانوني أو اتفاقي( ). لكن هذه النظرية عجزت على تفسير جوانب أخرى لخطاب الضمان نوردها فيما يلي:
*أ* تتميز الكفالة عن خطاب الضمان المصرفي من عدة نواحي، ففي الكفالة يظل التزام الكفيل تابعا لالتزام المدين (حسب المادة 648 من القانون المدني الجزائري) وإن امتنع عليه الدفع بالتجريد، أما التزام البنك في خطاب الضمان فهو التزام مباشر تجاه المستفيد، ومستقل في تنفيذه عن علاقة البنك بزبونه من جهة، وعن علاقة الزبون بالمستفيد من جهة أخرى( ). ومن أهم مظاهر هذه الاستقلالية أن البنك يلتزم في حدود مبلغ الخطاب، مهما كان مقدار مديونية زبونه للمستفيد ويظل التزام البنك بالدفع قائما حتى لو تعرض العقد الأصلي المبرم بين الزبون والمستفيد للفسخ أو الإنهاء، كما لا يتأثر التزام البنك هنا بمعارضة الزبون له على دفع قيمة الخطاب إلى المستفيد.
فالبنك من خلال إصداره لخطاب الضمان لصالح دائن زبونه (وهو المستفيد)، لا يضمن به حسن تنفيذ هذا الأخير(أي الزبون) لالتزاماته أمام دائنه، ولا أن يسدد ما يكون في ذمته من ديون، بل التزامه منفصل تماما عن ظروف التزام زبونه. وعليه لا يعتبر البنك كفيلا لزبونه( ).
*ب* في عقد الكفالة يستطيع الكفيل أن يثير في مواجهة المستفيد جميع الدفوع التي تتوفر للمكفول تجاهه، بناءا على العقد الأصلي المبرم بينهما( )، أما في خطاب الضمان لا يستطيع البنك رفض الوفاء، على أساس حجج ودفوع مستمدة من العقد الأصلي المبرم بين الزبون والمستفيد( ).
*ج* في عقد الكفالة، يكون رجوع الدائن على الكفيل مشروط بإثبات إخلال المدين بالتزاماته الواردة في العقد الأصلي، لأن الكفالة تقوم أساسا على فكرة التبعية كما ذكرنا سابقا. أما التزام البنك بالدفع في خطاب الضمان يكون فوريا، ولا يتوقف على إثبات أية واقعة خارجة عنه حيث يتحدد بالعبارات الواردة فيه( ).
*د* في عقد الكفالة يكون الكفيل ملزما بإخطار المدين قبل أن يقوم بالدفع، أما في خطاب الضمان المصرفي فالبنك غير ملزم بإخطار زبونه عند دفعه مبلغ الخطاب للمستفيد. لأن الزبون عندما استصدر خطاب الضمان كان يعلم مسبقا أن تعهد البنك بات ونهائي، ولذلك لن يقوم بإخطاره بالدفع إلى المستفيد بسبب استقلال التزامه( ).
*هـ* يختلف الوضع القانوني للبنك في الكفالة المصرفية عنه في خطاب الضمان، فعقد الكفالة يخضع لأحكام القانون المدني الذي نظمه في المواد من 644 إلى 673 منه، بينما يخضع خطاب الضمان للعرف المصرفي العام الذي نظم أحكامه، في مختلف البنوك( ).
*و* إن البنك في الكفالة المصرفية يقوم بوظيفة مماثلة للكفيل العادي، فهو يضمن عميله المدين في تنفيذ التزامه في مواجهة الدائن مهما كانت طبيعة هذا الالتزام، في حين الوظيفة الوحيدة لخطاب الضمان المصرفي، هي اعتباره بديلا عن التأمين النقدي، مما يترتب عنه بالضرورة اختلاف أحكام كل منهما( ).
*يتضح لنا مما سبق إذن أن نظرية الكفالة لا تصلح أساسا لتفسير الطبيعية القانونية لخطاب الضمان المصرفي، وفي هذا المجال يقول الدكتور: محي الدين إسماعيل علم الدين: " نظرية الكفالة هي أبعد النظريات عن حقيقة خطاب الضمان المصرفي، إذ أن البنك لا يضمن الوفاء بالتزام العميل (الزبون)، ولكنه يتعهد بدفع مبلغ معين، إذا توافرت شروط معينة، فإذا كان الخطاب غير مشروط كان البعد فيه عن فكرة الضمان أوضح. هذا بالإضافة إلى أن البنك لا يتعاقد مع المستفيد، بينما الكفالة عقد بين الكفيل والمكفول له"( ).
نستنتج أن معيار التمييز بين الكفالة المصرفية وخطاب الضمان المصرفي هو استقلالية التزام البنك الناشئ عن الخطاب، وهو أمر يستخلص من صيغة الخطاب نفسه، فيجب أن يكون تعهد البنك نهائيا وغير معلق على شرط، أو أمر خارجي عن الخطاب. أما لو تطلب تحديد التزام البنك الرجوع لظروف العملية التي اقتضت إصداره، فلا يعد خطاب ضمان وإنما كفالة مصرفية تخضع لأحكام القانون المدني( ).
والملاحظ من الناحية العملية أن العودة لتكييف الكفالة ينتشر بالنسبة لخطابات الضمان ضمن العلاقات التجارية الداخلية، وهذا ليس الحال بالنسبة للعقود الدولية، حيث يستعمل فيها مصطلح الضمان المستقل أكثر من الكفالة( ).
ملاحظة:
إن استعمال مصطلح الكفالة المصرفية، لهذا النوع من العمليات المصرفية، من طرف البنوك التجارية الجزائرية هو استعمال غير سليم ينطوي على الكثير من الإشكاليات القانونية، خصوصا وأن القانون التجاري الجزائري لم ينظم أحكامه. الأمر الذي يؤدي للخلط بين خطاب الضمان وبين الكفالة المصرفية رغم الاختلاف الكبير في الطبيعة القانونية لكل منهما _ كما رأينا_ لذا فالصواب استعمال لفظ " خطاب الضمان المصرفي" بدلا من " الكفالة المصرفية"( ).
أمام فشل نظرية الكفالة في تكييف خطاب الضمان المصرفي، ظهرت نظرية أخرى تكيفه على أنه إنابة في الوفاء نتطرق لها فيما يلي.
ثانيا: نظرية الإنابة الناقصة.
الإنابة في الوفاء أو في سداد الدين هي عقد يلتزم بمقتضاه المدين بالحصول على رضا الدائن بشخص أجنبي، يقوم مقامه في وفاء الدين( ).
فالإنابة تفترض وجود ثلاثة أشخاص: المنيب، وهو المدين الذي ينيب الشخص الأجنبي ليفي بالدين إلى الدائن. والمناب، وهو الشخص الأجنبي الذي ينيبه المدين في وفاء الدين. والمناب لديه، وهو الدائن( ).
قد تتضمن الإنابة تجديد الدين بتغيير المدين، كما قد تنطوي على تغيير الدائن فتبرأ ذمة المنيب تجاه المناب لديه، وتسمى الإنابة هنا بالإنابة الكاملة، وهذا ما تنص عليه المادة295/ف1 من القانون المدني الجزائري، أما إذا لم تتضمن الإنابة تجديدا بتغيير المدين، يبقى المنيب مدينا للمناب لديه إلى جانب الدائن، وهو ما يجعل للدائن مدينين، وهنا تسمى إنابة ناقصة، هذه الأخيرة تتميز أنها لا تبرأ ذمة المدين (المنيب) نحو الدائن (المناب لديه)، وتعتبر الإنابة الناقصة هي الغالبة في العمل، لأنه من النادر أن يقبل الدائن براءة ذمة مدينه. وإنما يقبل أن يضاف إليه مدين جديد وهو المناب( ).
تفسر هذه النظرية خطاب الضمان المصرفي، على أنه عقد إنابة ناقصة. فالبنك يعتبر نائبا عن زبونه في إصداره للخطاب، ذلك أن الدائن في تنفيذ عقد المقاولة مثلا، يتفق مع المدين بأن يقدم له مدينا آخر يلتزم بدوره بالوفاء بالالتزام المضمون بدلا من إيداعه لمبلغ نقدي. فإذا كان هذا المدين الثاني هو البنك والتزم أمام الدائن(المستفيد) بوفاء الدين، كان هذا الالتزام أصليا ومباشرا، ومستقلا عن التزام المدين الأصلي. وهذه هي الإنابة الناقصة( )، التي تنشئ بين أطرافها علاقات متعددة:
فيما يخص علاقة المنيب (الزبون) والمناب لديه (المستفيد): يبقى المنيب مدينا للمناب لديه، ولا تبرأ ذمته إلا إذا قام المناب بالوفاء بالالتزام الجديد الذي في ذمته للمناب لديه. أو إذا أوفى المنيب نفسه للمناب لديه الدين تبرأ ذمة الآخر( ).
أما فيما يخص العلاقة بين المنيب (الزبون) والمناب: فمتى قام البنك بوفاء الدين إلى المستفيد، يكون من حقه الرجوع على المنيب بدعوى الوكالة إذا كانت الإنابة بتفويض من المنيب، أو بدعوى الفضالة أو الإثراء بلا سبب إذا لم يكن المناب متبرعا بالوفاء عن المنيب( ).
أخيرا فيما يتعلق بالعلاقة بين المناب لديه والمناب: وهي السمة البارزة في الإنابة الناقصة، يكون للمناب لديه مدينان، مدينة الأصلي وهو الزبون (المنيب)، والمدين الجديد وهو البنك (المناب). وللمستفيد الحق في أن يرجع على أي منهما دون ترتيب معين، فإذا قام أحدهما بالوفاء له برئت ذمة الاثنين معا. والملاحظ أن مصدر دين كل منهما مستقل عن الآخر، فمصدر دين المنيب هو الالتزام الأصلي، ومصدر دين المناب هو عقد الإنابة، ومن ثم فلا تضامن بينهما( ).
إذا طبقنا ما ذكرناه، عن الإنابة الناقصة على خطاب الضمان المصرفي بأطرافه الثلاثة تترتب النتائج الآتية:
1* لا تبرأ ذمة زبون البنك في مواجهة المستفيد من الخطاب، وإنما يبقى مدينا ثانيا له إلى جانب البنك.
2* للبنك أن يحتج بجميع الدفوع التي كانت للزبون في مواجهة المستفيد، لإتحاد محل الالتزامين. ولا تضامن بين البنك وزبونه، لاختلاف مصدر دين كل منهما نحو المستفيد.
3* إن شرط الدفع عند أول طلب رغم معارضة الزبون صحيح لأن العقد ليس كفالة، ويعتبر نتيجة منطقية وحتمية لإنابة البنك في الوفاء( ).
4* تفسر الإنابة الناقصة تمديد خطاب الضمان إذا أوشك على الانقضاء قبل إتمام العمليات المضمونة به، فمن مصلحة البنك وزبونه الموافقة على هذا التمديد، وإلا كان من حق الدائن مطالبة البنك بالوفاء بالمبلغ المضمون( ).
يتضح إذن أن نظرية الإنابة الناقصة تفسر جانبا كبيرا من الجوانب القانونية المتصلة بخطاب الضمان، لكنها مع ذلك بقيت قاصرة في تفسير جوانب أخرى عديدة. تمثل فروقا جوهرية بين خطاب الضمان المصرفي والإنابة الناقصة وهي كالتالي:
1- عقد الإنابة كما سبق وذكرنا، ينعقد بين كل من المناب والمناب لديه، لكن خطاب الضمان المصرفي يصدر من البنك بناءا على عقد بينه وبين زبونه، يتضمن تعهدا باتا ونهائيا من البنك في مواجهة المستفيد بدفع مبلغ نقدي، دون أن تكون لإرادة المستفيد دخل في هذا العقد. وعليه فلا يعتبر البنك نائبا أو وكيلا عن زبونه، بل يلتزم بصفته أصيلا( ).
2- في خطاب الضمان المصرفي، لا يمكننا القول أن من حق المستفيد حرية مطالبة البنك أو الزبون بالمبلغ المضمون. لأنه بمجرد إصدار البنك للخطاب لا يظل الزبون ملتزما معه في مواجهة المستفيد، بمعنى أن مطالبة المستفيد للزبون تنحصر في تنفيذ التزاماته الأصلية نحوه، والمستمدة من العقد الأصلي المبرم بينهما. فإذا صدر منه تقصير يتجه المستفيد إلى البنك ليطلب منه دفع قيمة الخطاب، والقول بغير ذلك يجعل المستفيد يقتضي حقه مرتين، مرة من البنك وأخرى من الزبون( ) وهذا غير جائز.
3- إن أهم نقد يوجه لنظرية الإنابة هو منح البنك إمكانية الإحتجاج في مواجهة المستفيد، بالدفوع التي للزبون في مواجهة المستفيد. لأن الواقع العملي اثبت أن التزام البنك في خطاب الضمان هو التزام مستقل وقطعي عن كل علاقة سابقة عنه( ).
4- أخيرا تفترض نظرية الإنابة الناقصة رجوع البنك (المناب) على زبونه في حالة دفعه مبلغ الضمان إلى المستفيد، بحيث يكون هذا الرجوع على أساس قواعد الوكالة، أو الفضالة، أو الإثراء بلا سبب _ حسب الحال _ لكن واقع العمل المصرفي بخطابات الضمان، يثبت أن البنك يتصرف وفق الشروط الواردة في عقد الضمان وضمن عباراته. وغالبا ما تنص هذه العقود على حق البنوك في إقتضاء ما تدفعه خصما من حساب الزبون الجاري لديها، أو من خلال التنفيذ على الضمانات التي بين يديها والتي يكون الزبون قد قدمها مسبقا( ).
وعليه يتضح قصور نظرية الإنابة في تفسير الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي.
ثالثا: نظرية الاشتراط لمصلحة الغير.
يرى أنصار هذه النظرية( )، أن أقرب الأشكال القانونية لخطاب الضمان المصرفي هو عقد الاشتراط لمصلحة الغير، الذي يبرم بين المشترط (الزبون) والمتعهد (البنك). ومضمونه هو إنشاء حق مباشر للمستفيد، يلتزم البنك بأدائه.
تطبيقا للقواعد العامة للاشتراط لمصلحة الغير المنصوص عليه في المادة 116 من القانون المدني الجزائري، فإنه يفترض وجود ثلاثة أشخاص هم: المشترط والمتعهد، والمستفيد (المنتفع). ولكي يتحقق هذا العقد لابد من توفر الشروط التالية:
1* أن يتعاقد المشترط باسمه الخاص، وليس باسم المستفيد الذي يعتبر أجنبيا عن العقد. فلو قام بذلك أي أبرمه باسم المستفيد، نكون بصدد عقد إنابة، وبالتالي يصبح المستفيد طرفا في العقد، ويستبعد بذلك الاشتراط لمصلحة الغير.
2* انصراف إرادة المتعاقدين إلى إنشاء حق مباشر للمستفيد، وهذا يعني أن الحق ينشئ في ذمة المستفيد مباشرة دون أن يمر على ذمة المشترط.

3* أن يكون للمشترط مصلحة شخصية ومشروعة، سواء كانت مادية أو أدبية ( ).
يعتبر أنصار هذه النظرية أن خطاب الضمان المصرفي يترتب عليه وجود علاقات ثلاثية بين أطرافه، كما هو الحال في الاشتراط لمصلحة الغير وهي:
أ/ العلاقة بين المشترط والمتعهد أي بين الزبون والبنك:
يحكمها عقد الاشتراط لمصلحة الغير المبرم بينهما، بحيث يتعاقد الزبون مع البنك على إنشاء حق للمستفيد. بالطبع فان مصلحة الزبون واضحة، لأنه بهذا الاشتراط يضمن تعاقده مع المستفيد، دون أن تكون هناك رابطة تعاقدية بين البنك والمستفيد( ).
ب/ أما العلاقة بين المشترط والمستفيد:
فهي ليست واضحة رغم أنها موجودة حقيقة( ). وتتحدد على ضوء نوع التعامل القائم بينهما، باعتباره السبب الذي دفع المشترط إلى التعاقد مع المتعهد لمصلحة الغير" المستفيد".
ج/ فيما يخص العلاقة بين المتعهد (البنك) والمستفيد:
فتعتبر من أهم العلاقات التي تترتب عن عقد الإشتراط لمصلحة الغير، لأن المستفيد _وإن لم يكن طرفا في هذا العقد_ فهو يكتسب منه حقا مباشرا وشخصيا، يستطيع أن يطالب به البنك المتعهد، ويكون من حق هذا الأخير أن يدفع مطالبة المستفيد له بكل دفوع عقد الاشتراط.
ولما كان هذا الأمر غير جائز في خطاب الضمان المصرفي، نتيجة لأهم خاصية يتميز بها وهي الإستقلالية. فلقد حاول أصحاب هذه النظرية إيجاد أساس آخر يصلح للتقريب بين هذه الخاصية وبين الإشتراط لمصلحة الغير، وهذا الأساس هو العرف حيث يقولون:" ليس ثمة في المنطق القانوني ما يمنع أن يضيف العرف على هذا الإشتراط صبغة التجريد، فيمنع المتعهد من التمسك بتلك الدفوع..."( ).
هل وفقت نظرية الإشتراط لمصلحة الغير في أن تكون أساسا قانونيا لخطاب الضمان المصرفي؟
من خلال ما سبق ذكره، لاحظنا فعلا وجود عدة مسائل مشتركة بين الاشتراط لمصلحة الغير وخطاب الضمان والتي وفقت هذه النظرية كثيرا في إبرازها. لكن تبقى هناك اختلافات جوهرية بينهما لا يمكن التغاضي عنها وهي كالآتي:
* مع أن شكل الاشتراط لمصلحة الغير يصلح لاستيعاب العلاقات الثلاثية، فإنه لا يصلح كأساس لخطاب الضمان الذي يصدره البنك للمستفيد محددا للحق المتضمن فيه ومداه، وملتزما تجاهه بصفة مباشرة دون تدخل الزبون. ويرجع سبب اللبس هنا إلى اعتماد أصحاب هذه النظرية على العقد الأصلي المبرم بين الزبون والمستفيد لمحاولة إيجاد أساس قانوني لخطاب الضمان. لكن الواقع العلمي أثبت أن هذا الخطاب في حقيقته تعهد صادر بإرادة البنك، ومستقلا عن أية علاقة سابقة عنه( ).
* رأينا أن القواعد العامة للاشتراط لمصلحة الغير، تجيز للمتعهد (البنك) أن يتمسك في مواجهة المستفيد بكل الدفوع الناشئة عن عقد الاشتراط، وهو ما يؤدي لتعطيل وظيفة خطاب الضمان المتمثلة في الدفع لدى أول طلب من المستفيد ضمن نطاق عباراته( ).
إضافة لذلك فإن الأخذ بهذا الرأي، يعني ربط عقد الاشتراط لمصلحة الغير بخطاب الضمان، وتبعية التزام البنك لالتزام زبونه. وهذه الفكرة تناقض تماما ما رأيناه في خصائص خطاب الضمان المصرفي( ).
* في عقد الاشتراط لمصلحة الغير لا يكون حق المنتفع مؤكدا إلا إذا أظهر رغبته بقبول الاشتراط، وعلى العكس من ذلك لا يشترط لتأكيد حق المستفيد من الخطاب تعبير صريح بالقبول، فبمجرد أن يتسلمه يتأكد حقه عليه ( ).
* يتميز خطاب الضمان بأنه لا يجوز المساس بحق المستفيد منه متى وصل إلى علمه، بينما نجد في الاشتراط لمصلحة الغير، أنه يجوز للمشترط دون ورثته أو دائنيه أن ينقض عقد المشارطة قبل أن يعلن المنتفع إلى المتعهد أو المشترط رغبته في الاستفادة منها( )، ما لم يكن ذلك مخالفا لمقتضيات العقد، كما عبرت على ذلك المادة 117/ف1 من القانون المدني الجزائري.
نظرا لهذه الاختلافات الجوهرية بين نظرية الاشتراط لمصلحة الغير وخطاب الضمان المصرفي، فلقد حاول أصحاب هذه النظرية اللجوء إلى العرف كمخرج أمام الصعوبات التي صادفتهم لتبرير نظريتهم. حيث اعتبروا أن خاصية الاستقلالية التي يتمتع بها التزام البنك في الخطاب، قد استقر العمل بها حتى أصبحت عرفا. وبالتالي اعترفوا بها وقالوا إن العرف قانون بالنسبة للعمليات المصرفية التي لم تنظم بالتشريع.
الملاحظ أن أصحاب هذه النظرية قد وقعوا في الخلط لمحاولة إثبات وجهة نظرهم، لأنه لا يجوز فصل أهم خصائص عقد الاشتراط لمصلحة الغير لتفسير بعض جوانب خطاب الضمان( )، وعليه لا يمكن إعتبار خطاب الضمان المصرفي عقد اشتراط لمصلحة الغير.
الفرع الثاني: نظرية الإرادة المنفردة.
يذهب جانب من الفقه( )، إلى تأصيل خطاب الضمان المصرفي على أساس فكرة الإرادة المنفردة، فالإلتزام في خطاب الضمان لا ينشئ عن تلاقي إرادتين، بل عن إرادة مصدر الضمان. والذي لا يمكنه أن يحتج بأي سبب للتحلل من التزامه الذي أفرغه في الخطاب بمجرد إرساله إلى المستفيد.
-يقول أصحاب هذا الرأي: أن خطاب الضمان لا ينشأ عن علاقة الزبون بالمستفيد، أو عن العلاقة بين البنك وزبونه. وإنما ينشأ حق المستفيد في مواجهة البنك من تعبير البنك عن إرادته، والذي يفرغه في صك الخطاب، بحيث يضمنه شروطا معينة تحكم العلاقة بينهما( ).
والسؤال الذي يطرح هنا هو: ما هو الوقت الذي يقوم فيه التزام البنك في الخطاب، هل بمجرد إصداره أو يشترط قبول المستفيد له؟؟

الراجح أن البنك يلتزم بمجرد إصداره الخطاب ووصوله لعلم المستفيد، وهذا العلم يفترض متى تسلم المستفيد صك الخطاب، إذ يعتبر قبولا ضمنيا له. خاصة عندما لا يَعْترض على أي عنصر فيه. بمعنى أنه لايلزم أن يقترن إيجاب البنك بقبول صريح من المستفيد، لأن البنك يلتزم بإرادته المنفردة وهي كافية لذلك. والعبرة من إشتراط وصول الخطاب إلى علم المستفيد، هو تمكن البنك من الرجوع في التزامه طالما لم يصل خطاب الضمان إلى علم المستفيد، ومتى وصل لعلمه تأكد حقه نهائيا( ).
ويترتب على أن التزام البنك ناشئ عن إرادته المنفردة النتائج الآتية:
*1* لا يشترط أن يقبل المستفيد الخطاب بل يكفي أن يصل إلى علمه حتى يتأكد حقه عليه، فالتزام البنك ينشأ عن إرادته المنفردة، ويفترض العلم من جانب المستفيد كما أشرنا متى تسلم الخطاب لأن هذا الأخير ليس نتيجة عقد بين البنك والمستفيد( ).
*2* بما أن التزام البنك ناتج عن إرادته المنفردة فهو بات ونهائي بمجرد إصدار الخطاب ووصوله إلى علم من وجه له، وعليه لا يحق للبنك الرجوع فيه أو تعديله. وهذا ما يجعل خطاب الضمان صالحا لتحقيق الوظيفة التي يؤديها، وهي كونه بديلا عن التأمين النقدي( ).
*3* كما يترتب على التزام البنك بناءا على إرادته المنفردة، أنه يلتزم بصفته أصيلا وليس نائبا عن زبونه، أو متعهدا في عقد الاشتراط لمصلحة الغير. وهو ما يترتب عنه استقلال التزامه عن العلاقات الأخرى التي تنشأ بمناسبة الخطاب، على أن استقلال التزام البنك لا يمنعه من التمسك في مواجهة المستفيد بالدفوع الناشئة عن إرادته المنفردة. فإذا وقع البنك في غلط في شخصية المستفيد مثلا، أو انعدمت إرادته بأن صدر الخطاب بتوقيع مزور، يكون من حقه أن يتمسك في مواجهة المستفيد بما وقع فيه من غلط أو انعدام إرادته( )، لكن نظرية الإرادة المنفردة تعرضت بدورها للنقد من عدة جوانب نذكر أهمها:
* إن خطاب الضمان ينشئ حقا للمستفيد وهو استفاء المبلغ المحدد فيه، وفي نفس الوقت يتحمل الزبون عدة التزامات مقابل استصداره له. مثل: الالتزام بدفع الغطاء، أو ما يسمى: ضمانات إصدار الخطاب، كذلك دفع العمولة والمصاريف للبنك. ومادامت الإرادة المنفردة أساس التزام البنك في الخطاب – حسب هذه النظرية- فكيف يمكن إلزام الزبون بتغطية التزامات البنك المترتبة على إرادته المنفردة( ).
* من الفقهاء( )، من نادى بضرورة استبعاد فكرة الإرادة المنفردة كأساس قانوني لالتزام البنك في خطاب الضمان، وقال أنها تقوم على افتراض خاطئ، أبعدها عن الصواب هو تجاهل العلاقات الناشئة عن الخطاب. بمعنى أنها لا تقيم وزنا لوحدة عملية إصدار خطاب الضمان المصرفي، وتفصل تماما بينه وبين العملية التي اقتضت إصداره( ).
* إن فكرة إصدار خطاب الضمان المصرفي لا توصف بأنها التزام جديد، يقوم به البنك من تلقاء نفسه حتى يمكن اعتبار التزامه بإرادة منفردة، وإنما يأتي التزامه قبولا لإيجاب من الزبون لإصدار خطاب ضمان لصالح المستفيد. وهكذا باقتران الإيجاب والقبول نكون بصدد تصرف عقدي وليس تصرف بإرادة منفردة، ولا ضرورة لأن يفرغ الإيجاب والقبول في ورقة واحدة كما هو الحال في التعاقد بالمراسلة، والملاحظ أن ارتباط طلب الزبون بعملية إصدار الخطاب واضحة في صياغته منذ البداية( ).
لاقت نظرية الإرادة المنفردة قبولا أكثر من باقي النظريات السالفة الذكر في تفسيرها لطبيعة التزام البنك، وحتى لو كانت الالتزامات الناشئة عن الإرادة المنفردة تقوم بمقتضى نص قانوني خاص، فليس من الضروري أن يكون المصدر القانوني في هذه الحالة هو قاعدة تشريعية. إذ من الممكن أن يكون قاعدة عرفية، ولا خلاف في أن هذه القاعدة ملزمة للأطراف والقاضي، ما لم يتفق الأطراف على استبعادها صراحة. ولقد تكفلت البيئة المصرفية بخلق العرف التجاري المتطور في خطاب الضمان المصرفي( ).
رغم ذلك فإنه لا يمكن تجاهل الانتقادات التي وجهت لنظرية الإرادة المنفردة، والتي حالت دون أن يكتب لها النجاح في التأسيس القانوني لالتزام البنك في الخطاب.
من خلال ما سبق ذكره، يتبين أن سبب فشل جميع هذه النظريات هو الرغبة التقليدية في تفسير جميع العمليات المصرفية على ضوء القواعد العامة في القانون المدني( ). رغم ما يوجد بينهما من اختلافات، كما أن النظرة العملية إلى وقت صدور خطاب الضمان تبين أن التزام البنك نهائي ومباشر، ومستقل عن أية علاقة أخرى، ولا صلة له من الناحية القانونية بالعقود التي تسبق صدوره. رغم أنه مرتبط بها ارتباطا وثيقا من الناحية الاقتصادية( ).
أمام هذه الصعوبة في تحديد الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي، يذهب اتجاه حديث إلى اعتباره عملية شكلية محضة من عمليات البنوك الائتمانية التي ابتدعها العرف المصرفي، لتحقيق هدف اقتصادي هو حلولها محل النقود( ). حيث استقرت حوله مجموعة من القواعد العرفية جعلته قادرا على تحقيق هذا الهدف، فأضفت عليه إطارا متميزا من المبادئ والأحكام، كما هو الشأن في غالبية العمليات المصرفية التي توالى العمل بها منذ سنين مما دعت الحاجة إلى الاعتراف بها في جميع مصارف العالم( ).
ونؤيد بدورنا هذا الاتجاه الحديث، لأننا نرى انه يتماشى مع واقع الممارسة العملية في البنوك. ذلك أن العقود المصرفية _ في عمومها_ بما فيها خطاب الضمان المصرفي تقدم مجموعة من الخصوصيات، فهي بحكم أصالة التقنيات التي تستعملها ودور العرف المصرفي، وكذا التقاليد المتبعة في مختلف البنوك، تبتعد عن كل ارتباط بنماذج العقود التي ينظمها القانون المدني، وبالفعل إذا كانت النظرية العامة للعقد تمتد قواعدها إلى تكوين عقد خطاب الضمان وحجته، وتفسيره وتنفيذه، فإن تقنيات البنوك والأعراف المهنية تلعب دورا أساسيا في تحديد قالبه التنفيذي( ).
وعليه لا يوجد ما ينقص من شأن الاعتراف بخطاب الضمان المصرفي كعملية مصرفية من نوع خاص، استقر العمل بقواعده العرفية حتى أصبحت بمنزلة القانون غير المكتوب، إن لم تكن أقوى منه( ). وما يؤيد هذه الفكرة هو انتشار استعمال هذه التقنية، والاعتداد بها أمام المحاكم، التي لخصت التزام البنك المستقل في الخطاب باعتبار أن أساسه إرادة كل من البنك وزبونه، ويعتمد القضاء _خاصة الفرنسي_ في أحداث أحكامه( ) على العرف المصرفي للفصل في النزاعات الناشئة عن خطاب الضمان المصرفي.













المبحث الثاني: أنواع خطاب الضمان المصرفي.
تتعدد أنواع خطاب الضمان المصرفي تبعا لتعدد حاجات النشاط الاقتصادي المعاصر، حيث يستعمل في أغلب الحالات التي تحتاج لتوفير الثقة بين المتعاملين، فأصبح بذلك عملا يوميا في مختلف البنوك التجارية. هذه الأخيرة تتمتع بملاءتها الدائمة فيضفي ذلك على علاقة الأطراف نوع من الأمان، كما يترتب عليه إلغاء العديد من المخاطر والتخوفات التي تعترض تنفيذ العمليات التجارية، فازداد الطلب عليه كثيرا من رجال الأعمال والتجار والمقاولين والموردين…إلخ في سبيل تنفيذ أعمالهم وتعاقداتهم، وإبرام صفقات لا يمكن إنجازها بدون الحصول على هذا الضمان المصرفي.
يتخذ خطاب الضمان المصرفي أشكالا مختلفة سواء على صعيد العمليات المصرفية الداخلية (المحلية) أو الخارجية، ومجالات استخدامه بدورها لا تقع تحت حصر، لهذا يصعب بل يستحيل وضعه في تعداد معين خاصة وأنه يطلب إصداره لضمان أكثر من عمل من طبيعة قانونية مختلفة.
وعليه يقتصر بحثنا على دراسة أهم أنواع خطاب الضمان والأكثر استخداما في التعامل، ولهذا نقسم هذا المبحث إلى مطلبين على النحو الآتي:
المطلب الأول: خطابات الضمان المحلية.
المطلب الثاني: خطابات الضمان الدولية.
المطلب الأول: خطابات الضمان المحلية.
في إطار العلاقات الداخلية تقوم البنوك المحلية بإصدار خطابات ضمان للمستفيدين بناءا على طلب زبائنها المقيمين، سواء كانوا أشخاصا طبيعية أو معنوية. الواقع العملي في مختلف البنوك يثبت أن عملية إصدار هذه الخطابات تزداد كثيرا في الوقت الحاضر، ولعل السبب في ذلك هو كثرة القوانين التي تتطلب إصدارها. سواء باشتراطها صراحة أو النص على إمكانية قبولها بدلا من الضمانات النقدية، خاصة في الصفقات العمومية، وكذلك القوانين الجمركية والملاحية وحتى الضريبية( )، وسوف نتطرق من خلال هذا المطلب للأنواع الرئيسية والأكثر استعمالا، على أن يكون المعيار المعتمد في هذا التقسيم بحسب الغرض من إصدار الخطاب أو الالتزام المضمون، وهذا في فرعين كالآتي:
الفرع الأول: خطابات ضمان المناقصات والمزايدات.
الفرع الثاني: خطابات الضمان الجمركية والملاحية.
الفرع الأول: خطابات ضمان المناقصات والمزايدات.
تعتبر خطابات ضمان المناقصات والمزايدات الأوسع انتشارا في الحياة العملية، تصدر غالبا لصالح الوزارات والجهات الحكومية والمؤسسات والشركات، ضمانا لحقوقها في الصفقات التي تبرمها مع المقاولين أو الموردين…إلخ( )، تبعا لإجراء المناقصة أو المزايدة. ونظرا لأهمية هذه المشاريع وكذلك ضخامة حجمها يلاحظ أنه نادرا ما تجري ممارسة عطاء بالمناقصة أو المزايدة دون أن تطلب الجهة صاحبة الشأن (أي التي طرحت المناقصة أو المزايدة) خطاب ضمان مصرفي، أو كفالة مصرفية، إما لضمان جدية العطاء أو لضمان التنفيذ وحسن الأداء.
وتنظم هذه الصفقات في الجزائر، وتضبط طرق ممارستها بواسطة:
المرسوم الرئاسي رقم 02-250، المؤرخ في13جمادى الأول عام1423 الموافق لـ: 24 يوليو سنة 2002، يتضمن تنظيم الصفقات العمومية( ).
تحرص المصلحة المتعاقدة في عملية التعاقد وفي المقام الأول على منح الصفقة للمتعامل المتعاقد المقتدر ماليا، أي صاحب الكفاية المالية، وهذا من أجل ضمان التنفيذ الحسن للعقد المبرم بينهما، فيجب على المتعاقدين مع الإدارة تقديم ضمانات مالية تحميها من الأخطار المالية التي يمكن أن تواجهها في حالة إخلالهم بالتزاماتهم( ). هذه الضمانات المالية تكون إما في شكل مبالغ مالية أو في شكل ضمانات مصرفية، ولأن المشرع الجزائري _كما سبق وأن أشرنا_ يخلط كثيرا بين خطاب الضمان المصرفي والكفالة المصرفية، فإنه يستعمل غالبا مصطلح: كفالة التعهد، وهذا راجع لعدم وجود إطار قانوني خاص بخطاب الضمان المصرفي في الجزائر.
إن خطابات ضمان المناقصات والمزايدات بدورها متنوعة، وتأخذ إحدى الصور الثلاثة التالية: 1/ خطاب الضمان الابتدائي، 2/ خطاب الضمان النهائي، 3/ خطاب ضمان الدفعات المقدمة. ونتطرق فيما يلي لكل صنف على حدى:
أولا: خطاب الضمان الابتدائي.
قد تطرح جهات حكومية أو غير حكومية مناقصات أو مزايدات لتوريد سلع أو أجهزة، أو لتنفيذ مشاريع مختلفة. وغالبا ما تتضمن تلك العطاءات شروطا تقضي بتقديم المتعهدين لضمان يسمى: ضمان الدخول في المناقصة( )، بمعنى أن كل شخص (طبيعي أو معنوي) يرغب في المشاركة في تلك المناقصة أو المزايدة يتعين عليه أن يقدم تأمين نقدي أي نقودا سائلة إلى الجهة المعنية بنسبة مئوية من قيمة العطاء المطروح، إلا أن تقديم الضمان بهذا الشكل– أي بإيداع مبالغ نقدية للمصلحة المتعاقدة_ أرهق كثيرا المقاولين والموردين لأنهم قد يعجزون على توفيرها فيفلت المشروع منهم، كما أن تجميدها لدى الجهات المستفيدة لمدة قد تطول _حسب نوع العملية_ أدى لتعطيل الاستثمار. ونظرا لهذه الصعوبات أصبحت الجهات المعنية بطرح المناقصات أو المزايدات تقبل كبديل عن التأمين النقدي الضمانات المصرفية( ).
وترحب هذه الجهات المستفيدة دائما بتدخل البنوك في العملية، باعتبار أن تعهد البنوك صادر عن مؤسسات معترف لها باحترام التزاماتها، وكان من نتائج ذلك تمكن عدد أكبر من الدخول في العطاءات المطروحة، ما أفاد بدوره الجهات التي تطرح المناقصات أو المزايدات، حيث أصبحت لديها فرصة أوسع لاختيار المتعهد الأنسب من بين عدد أكبر من المتعهدين( ).
والمشرع الجزائري على غرار باقي المشرعين نص في المادة 45 من المرسوم الرئاسي رقم 02-250 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية، على أن تعهدات الأشخاص المتقدمين للمناقصات يجب أن ترفق بكفالة التعهد الخاصة بصفقات الأشغال واللوازم. والملاحظ على هذا النص أن المشرع لم يحدد شكل هذه الكفالة، فقد تكون مبالغ نقدية وقد تكون كفالات مصرفية صادرة من البنوك، وهذا هو الغالب في العمل، حيث يلجأ المتعهد الذي قدم عرضا في إطار المنافسة من أجل الفوز بالصفقة المطروحة للتعاقد إلى أحد البنوك، ويطلب منها إصدار خطاب ضمان بقيمة التأمين المطلوب لمصلحة الجهة المتعاقد معها، يتضمن تعهد هذا البنك بأنه على استعداد لدفع قيمته بالكامل بمجرد الطلب ودون إلتفات إلى أية معارضة من جانب زبونه( ). ومعنى ذلك أن خطاب الضمان الابتدائي يقدم للمستفيد منه أقوى ضمان، لأن الغرض منه هو ضمان جدية كل المتقدمين للمشاركة بعروضهم في دخول المنافسة، وإثباتا لحسن نيتهم في ذلك، وعدم تراجعهم في عطاءاتهم إذا ما إرتفعت الأسعار مثلا في الفترة ما بين تقديم العطاء وتوقيع العقد، أو إذا تبين لهم أنهم أخطأوا التقدير بسبب تدني الربح الذي سوف يحققونه لظهور صعوبات لم يتوقعوها( ). كما قد ينسحبون فقط بسبب أن عطاءاتهم في الأصل هي عطاءات كيدية، تقدموا بها لمنافسة غيرهم منافسة غير مشروعة.
مهما اختلفت الأسباب فإن التراجع عن إتمام إجراءات إبرام الصفقة بعد رسو المناقصة أو المزايدة، يؤثر سلبا على المصلحة المتعاقدة والتي تكون قد إستنفذت وقتا طويلا قبل فتح مظاريف العطاءات، وبعد اتخاذها إجراءات عديدة روتينية ومعقدة وقيامها بدراسات فنية مختلفة، ولتفادي ذلك كله تطلب الضمان المصرفي منذ البداية لتؤمن نفسها في مثل هذه الحالات( ).
من الأمور المتعارف عليها لدى المتعهدين أنه يجب عليهم تقديم عروض لعدة مشاريع حتى يتمكنوا من الحصول على مشروع واحد، وما دامت مشاركتهم مشروطة بتقديم خطاب ضمان إبتدائي، يقومون بإستصدار أكثر من خطاب الضمان وهذا عن كل مناقصة أو مزايدة يشاركون فيها( ).
بالرجوع لنص المادة 45 من المرسوم الرئاسي رقم 02/250 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية، نجدها تقرر أن نسبة هذا النوع من الضمانات لا يمكن أن تقل في أي حال من الأحوال عن 1% من مبلغ التعهد.
يلاحظ أن المشرع قد حدد الحد الأدنى لقيمة الضمان، ولم يضع له حدا أقصى، وترك ذلك للمصلحة المتعاقدة، لأنها الأقدر على تحديده بالنظر لأهمية المشروع أو الصفقة. وعموما تتراوح ما بين1% و2% وقد تصل إلى 10% من مجموع قيمة العطاء.
يسمى خطاب الضمان هنا إبتدائيا أو مؤقتا لأن مدته قصيرة تتراوح عادة ما بين3 و6 أشهر، حيث ينتهي مفعوله إما بعدم رسو المزاد أو المناقصة على الزبون أو برسوها عليه وتوقيعه على العقد( ) ونتطرق فيما يلي للحالتين:
أ/ حالة عدم رسو المزايدة أو المناقصة:
إذا لم يرس المزاد أو المناقصة على مقدم العطاء، فإن المادة 45 من المرسوم الرئاسي 02/250 السالف الذكر تنص على وجوب أن ترد كفالة التعهد بعد خمسة وثلاثين(35) يوما من تاريخ إعلان المنح المؤقت للصفقة. وهكذا يلغى خطاب الضمان الإبتدائي من سجلات البنك برده من المستفيد (المصلحة المتعاقدة)، أو بوصول إخطار كتابي من المستفيد للبنك يفيد أن زبونه لم يكن هو الشخص الذي رسا عليه المزاد أو المناقصة. إلا أنه في كثير من الحالات يتخلف المستفيد عن إعلام البنوك التي أصدرت خطابات ضمان إبتدائية أو مؤقتة لصالح بقية المتعهدين بأن العطاء لم يرس عليهم، فيترتب على هذا الوضع إستمرار سريان مفعول تلك الخطابات. وهو ما يؤدي بدوره إلى تكبد بقية المتعهدين لمصاريف تمديد هذا الضمان دون مبرر( ).


ب/ حالة رسو المزايدة أو المناقصة:
حسب نص المادة 45 من المرسوم الرئاسي 02/250 السالف الذكر، فإنه إذا رست المزايدة أو المناقصة على هذا المتعهد، ترد كفالة التعهد عند إمضائه الصفقة مع المصلحة المتعاقدة.
وفي هذه الحالة يتعين عليه أن يقدم خطاب ضمان نهائي لصالح تنفيذ الصفقة، كما يمكنه أن يحتفظ بخطاب الضمان الإبتدائي ويكمل عليه خطابا آخر، بحيث تكون قيمة مجموع الخطابين معادلة لقيمة الضمان النهائي المطلوب( ).
قد يحدث وأن يمتنع الشخص الذي رسى عليه المزاد أو المناقصة عن توقيع العقد النهائي، وينسحب دون مبرر، فيكون من حق المصلحة المتعاقدة مصادرة قيمة خطاب الضمان الابتدائي، بمعنى مطالبة البنك بدفع قيمته بسبب عدم وفاء زبونه بالتزاماته تجاهها وهذا دون قيد أو شرط( ).
ملاحظة:
أمام توسع البنوك في إصدار خطابات الضمان الابتدائية، يتوجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الائتمانية المحتملة والمترتبة على عملية الإصدار، خاصة وأنه لوحظ عمليا أن زبون البنك يتقدم إليه يوم تقديم العروض أو قبل ذلك بيوم واحد، ليطلب منه إصدار خطاب ضمان ابتدائي ليشارك في مناقصة أو مزايدة معينة، وأمام ضيق الوقت قد يستجيب البنك لطلبه دون أن يدقق في وثائق الصفقة، وطبعا دون أن يعرف ما إذا كان السعر الذي وضعه الزبون في عرضه ملائما أو غير ملائم. فيجد البنك نفسه في أغلب الأحيان مضطرا لإصدار الخطاب دون إجراء الحد الأدنى من التدقيق اللازم تحت ضغط عامل السرعة( )، وهو ما يشكل خطرا عليه في حال اضطر فيما بعد لدفع قيمة هذا الخطاب.

ثانيا: خطاب الضمان النهائييسمى كذلك ضمان حسن التنفيذ).
يعتبر حسن تنفيذ المتعهد لالتزاماته التعاقدية من أهم المخاطر التي تتحملها المصلحة المتعاقدة صاحبة المشروع، إذ أن مواصفات العمل المنجز قد لا تتطابق مع شروط العقد، مما يحمل هذه الجهة تكاليف إضافية تؤدي في مجملها إلى إضعاف جدوى المشروع الاقتصادية، فعلى الرغم من أن معظم العقود تتيح للجهة صاحبة المشروع فحص العمل المنجز خلال مراحل تنفيذه، إلا أن تلك المخاطرة لا تزول إلا عند استلام المشروع بشكل نهائي والتأكد من أن إنجازه قد تم وفق المقاييس المناسبة( ).
لتفادي مخاطر عدم التنفيذ أو التنفيذ المعيب للمشاريع والصفقات فإن المصلحة المتعاقدة تشترط على من يرسو عليه العطاء، أن يقدم لها ضمانا مصرفيا لحسن تنفيذ العملية أو الصفقة يسمى خطاب ضمان نهائي( ).
فتنص المادة 80 من المرسوم الرئاسي 02/250 على إلزام المصلحة المتعاقدة على جمع كل الضمانات الضرورية، التي من شأنها توفير أحسن الظروف لتنفيذ الصفقة. ومن بينها ضمان حسن التنفيذ الذي نصت عليه المادة 84 من المرسوم الرئاسي 02/250( ).
بعد رسو المزاد أو المناقصة على جهة معينة فإنها تلجا للبنك الذي تتعامل معه عادة، وتطلب منه أن يصدر خطاب ضمان نهائي لفائدة المصلحة المتعاقدة، ليحل محل خطاب الضمان الابتدائي الذي قدمته في البداية قبل رسو العطاء عليها. ونشير هنا أنه يتعين تقديم خطاب الضمان النهائي خلال فترة زمنية قبل توقيع العقد( )، وبقيمة أكبر من قيمة الخطاب الابتدائي الذي تم إلغائه.
إن الغرض من إصدار هذا الضمان المصرفي، هو أن تتأكد الجهة التي طرحت العطاء أن زبون البنك الذي رسا عليه المزاد أو المناقصة لديه الموارد المالية الكافية لإنجاز المشروع أو الصفقة، وكذلك ضمانا لقيامه بتنفيذ التزامه طبقا لشروط العقد وضمن المواعيد المحددة. كما يعتبر دليلا على بدء التنفيذ بحسن نية( )، بحيث لو قصر في ذلك كان للمصلحة المتعاقدة حق مصادرة هذا الضمان أو التأمين، حتى ولو لم ينص على ذلك في دفتر الشروط الإدارية العامة، أو في العقد النهائي للعملية بين الزبون والجهة التي صدر خطاب الضمان المصرفي لصالحها (المصلحة المتعاقدة)، مادام أن الغرض من التأمين هو ضمان التنفيذ الفعلي للعقد.
يتميز هذا التأمين المودع لضمان تنفيذ العقد بأنه يمثل الحد الأدنى للتعويض الذي يحق للمصلحة المتعاقدة إقتضاؤه، و لكنه لا يمثل الحد الأقصى، حيث تتراوح قيمته ما بين 5% و10% من قيمة الصفقة، حسب طبيعة وأهمية الخدمات الواجب تنفيذها( ). وطبعا هذه النسبة تختلف من بلد لآخر تبعا لظروفه والقوانين السارية فيه، ولكنها في الأغلب لا تتجاوز 10% من قيمة الصفقة.
يبقى خطاب الضمان النهائي ساري المفعول بكامل قيمته لحين الانتهاء من تنفيذ العقد، هذا طبعا مع ترك فترة تسمح بالتأكد من حسن التنفيذ، أو لحين إنقضاء المدة المحددة فيه( )، أما إذا لم يتم تنفيذ العقد خلال مدة سريان الضمان فإن الزبون (المتعاقد) يمكنه أن يطلب من البنك مد أجله، كما يحق للجهة المستفيدة بدورها المطالبة بالتمديد، وإلا فإنها سوف تطالب بسداد قيمته فورا لو رفض طلبها( ). وليس من حق المتعاقد (زبون البنك) الاعتراض على ذلك، ولكن يمكنه أن يرفع ضدها دعوى قضائية يثبت من خلالها عدم أحقيتها في مصادرة قيمة خطاب الضمان( ).
إن خطاب الضمان النهائي بهذا المعنى يحقق ثلاثة أهداف:
أ/ يعتبر ضمانا للمصلحة المتعاقدة، وفي نفس الوقت دليلا على أن هذا المتعاقد لديه القدرة المالية على تنفيذ العقد، وهذا يتطلب التدقيق في مركزه المالي وتقييم قدراته الفنية في هذا المجال.
ب/ خلق حافز لدى المتعاقد (زبون البنك) لتجنب الإخلال بشروط العقد خشية فقدانه قيمة الضمان.
ج/ يعتبر تعويضا للمصلحة المتعاقدة إذا ما أخفق المتعاقد في تنفيذ العقد وفقا للشروط المتفق عليها( ).
لقد حددت المادة 88 من المرسوم الرئاسي 02/250 مدة إسترجاع هذا الضمان بشهر واحد ابتداءا من تاريخ التسليم النهائي للصفقة.
لابد من القول هنا أن المتعهد (زبون البنك) يتحمل بدوره مخاطرة هامة، لأن مفهوم حسن التنفيذ هو مفهوم مرن، ينطوي على تزويد كميات معينة أو تركيب أجهزة بطريقة محددة وتشغيلها...إلخ. فإذا كان من السهل السيطرة على الكم في هذه الحالة، إلا أنه من الصعب جدا السيطرة على الكيف، لعدم خضوع جميع الظروف والمتغيرات لسيطرة المتعهد في كثير من الحالات( ).
لذلك يحرص الأطراف على ضرورة وضوح العبارات التي تصاغ بها خطابات الضمان النهائية، لما لها من أهمية قصوى في تحديد التزامات الأطراف( ). فقد تلحق بالمتعهد (زبون البنك) أضرار بالغة إذا ما تقدمت المصلحة المتعاقدة (الجهة المستفيدة) بطلب قيمة الخطاب من البنك لأسباب احتياطية، أو لأي سبب آخر لا يخضع لموافقة الزبون، الذي قد يعتقد أنه قام بإنجاز جميع التزاماته بموجب العقد في حين ترى الجهة المستفيدة خلاف ذلك.
إن مصادرة قيمة خطاب الضمان النهائي يؤدي لتكبد الزبون لخسارة قد تزيد عن نسبة ربحه المحقق نتيجة تنفيذ المشروع أو الصفقة. لذلك نلاحظ في نماذج البنك الخاصة بخطابات الضمان النهائية، أنها تخضع الدفع لشرط إثبات إخلال الزبون بالتزاماته التعاقدية من خلال تقديم تقارير الخبراء التي تثبت ذلك( ).

ثالثا: خطاب ضمان الدفعات المقدمة.
قد تكون إمكانيات المقاول الذي رست عليه المزايدة أو المناقصة محدودة بالمقارنة مع ضخامة المشروع أو الصفقة المراد تنفيذها، فيلجأ إلى الجهة المتعاقدة معه ليطلب منها أن تقدم له دفعات نقدية تشكل نسبة معينة من قيمة العملية، ليستطيع مواصلة التنفيذ( ). هذه الدفعات المقدمة يطلق عليها أيضا مصطلح "التسبيقات" ولقد عرفتها المادة 62 من المرسوم الرئاسي 02/250 بأنها: "كل مبلغ يدفع قبل تنفيذ الخدمات موضوع العقد".
إن المصلحة المتعاقدة لا تدفع أي تسبيق، ومن أي نوع كان للمتعامل المتعاقد معها إلا إذا تم دفع كفالة الإرجاع ضمانا لتسديدها، فكفالة التسبيقات هي إلتزامات بنكية بالتوقيع على خطابات ضمان، تضمن إسترجاع أو إسترداد التسبيق أو التسبيقات التي منحتها المصلحة المتعاقدة للمتعامل المتعاقد قبل أو أثناء تنفيذ الصفقة.
تستخدم هذه التسبيقات المالية لمواجهة النفقات الأولية الضرورية للصفقة من شراء مواد، وآلات، وأدوات...إلخ، وغالبا ما توافق الجهة صاحبة المشروع على تقديمه وهذا استثناء من الأصل العام في المقاولات عموما والذي يقضي أن يكون الدفع بعد إنجاز العمل.
في مقابل ذلك وحتى تضمن بدورها حقها، فإنها تطلب منه إستصدار خطاب ضمان مصرفي لصالحها لكفالة رد الدفعات النقدية التي تسلمها، أو رد ما تبقى منها عند تسوية الحساب( )، وفي هذا الصدد تنص المادة 63 من المرسوم الرئاسي 02/250 على مايلي:" لا تدفع التسبيقات إلا إذا قدم المتعامل المتعاقد مسبقا كفالة بقيمة معادلة بإرجاع تسبيقات، يصدرها بنك جزائري أو صندوق ضمان الصفقات العمومية أو بنك أجنبي يعتمده بنك جزائري".

يتميز خطاب ضمان الدفعات المقدمة، أنه لا يصبح ساري المفعول إلا بعد الإيداع الفعلي لهذه التسبيقات النقدية في حساب الزبون (المقاول)( )، وأنه غالبا ما يكون بقيمة معادلة للتسبيقات المقدمة. وعموما هذه النسبة لا تتجاوز 15% من قيمة الصفقة حسب نص المادة 65 من المرسوم الرئاسي 02/250( ).
لقد جرت العادة على أن يتم تسديد قيمة هذه الدفعات على فترات، من خلال قيام الجهة صاحبة المشروع بإقتطاعها بصورة تدريجية، وذلك بخصمها من مستحقات الزبون المتعاقد معها بما يتناسب مع درجة التقدم في تنفيذ العقد( ).
هذا ما تؤكد عليه المادة 71 من المرسوم الرئاسي 02/250 بنصها أن استعادة هذه التسبيقات يكون عن طريق اقتطاعات من المبالغ المدفوعة في شكل دفع على الحساب، أو تسوية على رصيد الحساب تقوم به المصلحة المتعاقدة، بحيث تتم حسب وتيرة تحدد تعاقديا بخصم من المبالغ التي يستحقها حائز الصفقة.
لأن قيمة خطاب ضمان الدفعات المقدمة تكون مرتفعة جدا، فإن البنوك تطلب من زبائنها في مقابل إصدارها التنازل عن العملية التي صدر بشأنها الخطاب، لصالحها حتى تضمن وصول الدفعات النقدية مسبقا للزبائن، وتراقب أوجه صرفها، وضمان أن تصرف على العملية التي صدر خطاب الضمان من أجلها. وكذا متابعة تخفيض قيمة الخطاب حسب سير العمل( )، وفي هذا الصدد تلزم المادة 69 من المرسوم الرئاسي 02 /250 المتعامل المتعاقد والمتعاملين الثانويين أن لا يتصرفوا في هذه التسبيقات التي حصلوا عليها إلا في إطار الأشغال واللوازم المنصوص عليها في الصفقة.
أما فيما يتعلق بمدة سريان خطاب ضمان الدفعات المقدمة، فيمكن أن تحدد له مدة صلاحية معينة تتفق مع التاريخ المقرر للانتهاء من العملية، كما يمكن أن يكون بمدة غير محددة وبشرط أن يظل ساري المفعول لحين انتهاء العملية أو الصفقة( ).
من خلال ما سبق ذكره، يتضح لنا جليا أن خطاب ضمان الدفعات المقدمة يشكل تغطية فعالة للمخاطر الائتمانية، التي تتعرض لها الجهة صاحبة المشروع من جراء تقديمها لدفعات نقدية غالبا ما تكون كبيرة، لأنه يضمن لها حقها في حالة عدم رد المتعاقد لتلك الدفعات، أو عدم تنفيذ العملية( ).
كما أن زبائن البنك المتعاقدون يستفيدون كثيرا من هذه الدفعات النقدية التي تقدم لهم، لأنها تساعدهم على تمويل العملية أو الصفقة. لكن تبقى من أهم المشاكل التي تعترضهم هي عدم تخفيض قيمة الخطاب بشكل يتناسب مع حجم العمل المنجز، خاصة أن خطاب الضمان غالبا مالا يحتوي على أي نص يتعلق بالتخفيض. ولهذا فإنهم يفاجئون عند اكتشافهم أن البنك لا يقوم بتخفيض قيمة الخطاب، بنسبة معادلة لما تم اقتطاعه من مستحقاتهم تسديدا للدفعات أو التسبيقات المقدمة بموجب العقد. وسبب ذلك هو تقيد البنك بحرفية نص الخطاب، خاصة وانه (البنك) غير ملزم قانونا إلا بنصوص ما يحرره. ولا علاقة له على الإطلاق ببنود العقد المبرم بين زبونه والمصلحة المتعاقدة (الجهة المستفيدة)( ).
الفرع الثاني: خطابات الضمان الجمركية والملاحية.
سبقت الإشارة أن خطابات الضمان المصرفية تصدرها البنوك للوفاء بالحاجات العملية لزبائنها، ولهذا فهي تتخذ عدة أشكال أخرى حاولنا تقسيمها لتسهيل دراستها، ونتطرق فيما يلي لنوعين آخرين يعتبران كذلك من الأنواع الأكثر استعمالا وهما:
أولا: خطابات الضمان الجمركية.
ثانيا: خطابات الضمان الملاحية.

أولا: خطابات الضمان الجمركية.
إن خطابات الضمان الجمركية بدورها متنوعة، وغالبا يجمعها غرض واحد هو ضمان أداء الحقوق والرسوم الجمركية المستحقة. والتي يتوجب تحصيلها قبل تسليم البضائع، ذلك أن الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، لا تستحق بمجرد وصولها إلى أرصفة المنطقة الجمركية وإنما بخروجها منها للأسواق المحلية( )، أي بعد الانتهاء من إجراءات الفحص. كما يحدث وان يتم استيراد سلع معينة ليعاد تصديرها إلى دول أخرى، وقد تتطلب الضرورة الإسراع في إخراج البضائع مراعاة لطبيعتها لأنها لا تحتمل الانتظار لغاية تقدير الرسوم الجمركية التي قد تطول.
ففي مثل هذه الحالات وغيرها تطلب إدارة الجمارك من المستورد ضمانا نقديا_ وهذا نادرا_ أو يلجأ إلى بنكه ويطلب منه إصدار خطاب ضمان مصرفي لمصلحة إدارة الجمارك بمبلغ يغطي ما يستحق من رسوم وحقوق جمركية( )_ وهذا ما يحدث غالبا_ حيث تنص المادة 106 من القانون 98-10 المتضمن التشريع الجمركي( )، على ما يلي:" إن الحقوق والرسوم بالنسبة للبضائع المصرح بها تصبح واجبة الأداء نهائيا، بمجرد انتهاء الفحص وإمكان منح رفع اليد عن البضائع، غير انه يمكن لإدارة الجمارك أن تطالب بإيداع المبلغ الذي يمثل الحقوق والرسوم أو تقديم ضمان كاف تأمينا لأداء الدفع الكامل لهذه الحقوق والرسوم عند رفع اليد".
للجمارك أنظمة عديدة تسهل على المستوردين الحصول على بضاعتهم، ودفع الرسوم عليها. ويمنع في نفس الوقت من تكدس البضائع في مخازن الميناء( )، وهي منصوص عليها في الفصل السابع من التشريع الجمركي بعنوان: النظم الجمركية الاقتصادية، في المادة 115 مكرر(القانون 98-10 المؤرخ في 22 غشت 1998) ( ).
تمكن هذه الأنظمة الجمركية الاقتصادية حسب الفقرة الثانية من المادة 115 مكرر السالفة الذكر، من تخزين البضائع، وتحويلها واستعمالها أو نقلها مع توقيف الحقوق الجمركية والرسوم الداخلية للاستهلاك.
نتطرق فيما يلي لأهم هذه الأنظمة الجمركية التي تصدر في شأنها خطابات الضمان المصرفية:
أ/ نظام الإيداع الجمركي:
وضع هذا النظام بشأن البضائع المستوردة والتي يعاد تصديرها إلى جهة أخرى، حيث تودع في المستودعات والمخازن داخل المنطقة الجمركية لمدة قد تطول إلى عدة أسابيع أو أشهر قبل شحنها إلى الخارج( ).
لهذا تطلب إدارة الجمارك من مالك هذه البضاعة خطاب ضمان مصرفي، يكفل لها ما يستحق من رسوم الإيداع عن المدة المحتملة التي سوف تظل فيها البضائع في المستودعات( ). والمستودع الجمركي حسب نص المادة 129 من القانون رقم 98-10 المتعلق بالتشريع الجمركي، هو النظام الجمركي الذي يمكن من تخزين البضائع، تحت المراقبة الجمركية في المحلات المعتمدة من طرف إدارة الجمارك وذلك مع وقف الحقوق والرسوم.
وتوجد ثلاثة أصناف من المستودعات الجمركية هي: المستودع العمومي، المستودع الخاص، المستودع الصناعي. ويتميز خطاب الضمان الصادر على أساس نظام الإيداع الجمركي أنه يصدر بقيمة غير محددة، وبالتالي يتم تحديدها بعد ذلك من طرف إدارة الجمارك على ضوء الرسوم الجمركية وغيرها( ).
ب/ نظام السماح المؤقت:
من خلال هذا النظام يتم السماح باستيراد مواد أولية إلى الدولة لتصنيعها، أو سلع لإصلاحها أو تكملة صنعها مع إعفائها من الضرائب والرسوم الجمركية، وفي مقابل ذلك يتعين على المستورد أن يقدم إلى إدارة الجمارك تأمينا أو خطاب ضمان مصرفي بقيمة تلك الرسوم والضرائب، التي تصبح واجبة الأداء والدفع إذا لم تصدر تلك البضائع خلال فترة معينة من تاريخ الاستيراد( ).
لقد حددت هذه المدة بسنة واحدة حسب نص المادة 132 من القانون رقم 98-10 المتضمن التشريع الجمركي، وتنص الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه يمكن تمديد هذه المهلة من طرف إدارة الجمارك( )، فإذا لم يقم المستورد باحترام هذه الآجال القانونية يمكن لإدارة الجمارك مطالبة البنك بدفع قيمة خطاب الضمان الذي أصدره، وهكذا تفقد تلك البضائع المستوردة بنظام السماح المؤقت امتياز الإعفاء من الرسوم والضرائب الجمركية.
إضافة لما سبق ذكره يعتبر كذلك من قبيل نظام السماح المؤقت: السماح بتصدير بعض السلع نصف المصنعة إلى الخارج، لاستكمال صنعها وإعادتها، ففي مثل هذه الحالات يستصدر صاحب هذه المنتجات خطاب ضمان مصرفي يكفل عودة السلع المصدرة بعد استكمال صنعها( ).
ج/ نظام العبور الجمركي:
هو من الأنظمة الجمركية الاقتصادية المنصوص عليها في القسم الرابع من القانون رقم 98-10 السالف الذكر، ويعرف على أنه النظام الجمركي الذي توضع فيه البضائع تحت المراقبة الجمركية، المنقولة من مكتب جمركي إلى آخر برا أو جوا مع وقف الحقوق والرسوم وتدابير الحضر ذات الطابع الاقتصادي( ).
إن نظام العبور الجمركي ينطبق على البضائع التي تعبر إقليم الدولة دون أن تأخذ طريق البحر، ولما كانت الرسوم الجمركية غير مستحقة أصلا على هذه البضائع باعتبار أنها غير واردة إلى الدولة، وكان عدم الاستحقاق للرسوم الجمركية مرتبط بثبوت وصولها إلى البلد الآخر الذي اتجهت إليه. فإن إدارة الجمارك وللاحتياط تطلب من مالك هذه البضاعة خطاب ضمان مصرفي بقيمة الرسوم الجمركية عن هذه البضائع، وذلك لغاية تقديم ما يثبت وصولها لوجهتها خلال المدة المحددة( ).
حيث تنص المادة 127 من القانون رقم 98-10 على مايلي:" للاستفادة من العبور، يجب على الملتزم اكتتاب تصريح مفصل يحتوي على التزام مكفول، يلتزم بموجبه_ تحت طائلة العقوبات_ بتقديم البضائع المصرح بها إلى المكتب المحدد وبترصيص سليم في الآجال المحددة...".
لا ينتهي مفعول خطاب الضمان المصرفي الصادر وفقا لهذا النظام، إلا بعد أن يثبت صاحب الشأن، كما ذكرنا وصول البضاعة إلى وجهتها. ومتى ثبت ذلك يسترد خطاب الضمان ( ). فبمجرد استفاء الالتزامات المترتبة عن هذه العملية تقوم إدارة الجمارك بإلغاء الالتزام بتقديم الضمان المصرفي، وتسلم سند الإبراء للمعني بالأمر( ).
د/ نظام ضمان التخليص على البضائع:
الأصل أنه لا يجوز أن تسلم إدارة الجمارك رخصة رفع البضائع إلا بعد أن يتم دفع الرسوم والضرائب المستحقة أو تقديم ضمان بقيمتها( )، لكن صاحب البضاعة قد يضطر إلى سحبها من الميناء حتى لا يتحمل تكاليف التخزين التي قد تكون كبيرة، أو قد يكون الهدف من سرعة إخراج البضاعة هو سد حاجات السوق إليها، وكذلك إذا كانت البضاعة سريعة التلف. فلا يكون في وسع صاحبها انتظار استكمال الإجراءات الجمركية، من فرز البضاعة وفحصها، حتى يتم تقدير الرسوم المستحقة عليها( ).
لهذا تجيز أغلب الأنظمة الجمركية وفي كثير من الدول_استثناءا_ أنه يفرج على البضائع بمجرد مراجعتها أول بأول، وقبل تقدير الرسوم الجمركية مقابل أن يقدم لها صاحب البضاعة ضمان أو كفالة تأخذ غالبا شكل خطاب ضمان مصرفي، يكفل لها سداد الرسوم التي تستحق تسويتها، لو رفض صاحب البضاعة دفعها بعد ذلك( ).

ثانيا: خطابات الضمان الملاحية:
من بين أهم الحالات التي تصدر فيها البنوك التجارية خطابات ضمان بناءا على طلب زبائنها، هو حالة خطاب الضمان الذي يحل محل وثيقة الشحن.
فالملاحظ من الناحية العملية أنه كثيرا ما تصل السفن إلى الميناء محملة بالبضائع المستوردة، قبل أن تصل المستندات المتعلقة بها ولاسيما وثيقة أو سند الشحن، والتي لا يسمح بدونها للمستورد من استلام بضاعته، مما يضطره لانتظار وصول هذه الوثيقة. إلا أن هذا الانتظار غالبا ما يتسبب له في أضرار كبيرة بسبب تعرضه لمخاطر تقلبات أسعار تلك البضائع في الأسواق المحلية، كما قد يكون مرتبطا بمواعيد لتسليمها لجهات أخرى( )، إضافة إلى أنه يترتب على بقاء هذه السلع المستوردة في الدائرة الجمركية تكدسها في المخازن.
لتجنب كل هذه الأضرار، وحتى يتمكن هؤلاء المستوردون من إستلام بضائعهم رغم عدم وصول سندات الشحن، فإنهم يلجـؤون إلى البنوك التي يتعاملون معها لطلب إصدار خطاب ضمان ملاحي لصالح وكيل الشركة الناقلة، وهنا تبرز الوظيفة الائتمانية الكبيرة التي تؤديها خطابات الضمان في الحياة الاقتصادية( ).
يتعهد البنك في خطاب الضمان الملاحي الذي يصدره بان يدفع لوكيل الشركة الناقلة قيمة البضاعة، أو أي تعويض عن الأضرار التي قد تتحملها نتيجة تسليمها البضاعة المستوردة دون وثائق الشحن الخاصة بها( ). كما لو تبين مثلا أن المستورد الذي تسلم البضاعة غير مالك لها. ويكون ضمان البنك في هذه الحالة غير محدد القيمة، وغير محدد المدة. لكن أحيانا يكون مع الناقل صورة من وثيقة الشحن يتضمن قيمة البضاعة، فيتمكن على أساسها من تحديد المبلغ الذي يصدر به خطاب الضمان الملاحي( ).

أما بالنسبة لضمانات البنك لإصدار هذا النوع من الخطابات فنميز بين حالتين:
أ- إذا كانت البضاعة الصادر بشأنها خطاب الضمان الملاحي، مستوردة بموجب اعتماد مستندي مفتوح بواسطة البنك نفسه مصدر الخطاب، وكان هذا الاعتماد مغطى بالكامل نقدا أو بتسهيل إئتماني ممنوح للزبون، فلا يكون البنك في حاجة إلى طلب ضمانات أخرى، وهذا لانتفاء إحتمالات المخاطرة في هذه الحالة، ذلك أن مستندات الشحن سوف ترد إلى البنك بإعتباره هو نفسه فاتح الإعتماد، فضلا على أن خطاب الضمان الملاحي يصدره البنك في هذه الحالة ضمانا لزبونه المستورد المفتوح لصالحه الاعتماد، وبناءا على طلبه( ).
ب-أما إذا لم يكن هناك إعتماد مستندي مفتوح من طرف البنك، المطلوب منه إصدار خطاب ضمان ملاحي، فإن البنك يطلب ضمانا نقديا كاملا قبل عملية الإصدار.









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
المصرفي, النظام, خطاب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:21

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc