دعوى تجاوز السلطة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

دعوى تجاوز السلطة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-25, 15:37   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 دعوى تجاوز السلطة

شروط قبول دعوى تجاوز السلطة

مـــقـــــدمــــة
تعد الدعوى الإدارية الوسيلة القضائية لتجسيد عملية الرقابة القضائية على أعمال الإدارة وتطبيق الإجراءات اللازمة ضدها حين ترتكب أعملا غير شرعية فتقرر عدم شرعية القرارات الإدارية عن طريق دعوى تجاوز السلطة ويقصد بهذه الأخيرة تلك الدعوى التي يرفعها أحد الأفراد أو الهيئات للقاضي المختص بالمنازعات الإدارية يطالب فيها إلغاء قرار إداري مخالف للشرعية. فهي دعوى يكون بموجبها للقاضي المختص بالمنازعات الإدارية سلطة فحص شرعية القرار الإداري والحكم بإلغائه إذا ما تبين أنه غير شرعي ولذلك سمي بقضاء الإلغاء.
إلا أن الالتجاء إلى القضاء لإلغاء القرار الإداري يتطلب شروطا لا بد منها تسمى شروط قبول دعوى تجاوز السلطة، والتي هي موضوع دراستنا.
ولقد وردت تعريفات مختلفة نسبيا لهذه الشروط منها:
" إن شروط قبول الدعوى الإدارية هي تلك الشروط الضرورية التي يجب توفرها لعرض قضية على القاضي الإداري والتي تسمح له وتلزمه في نفس الوقت أن يفصل في موضوع النزاع وينتج عن عدم احترام أحد هذه الشروط عدم قبول الدعوى الإدارية أي وبصفة مبدئية وعامة لا يتطرق القاضي الإداري لموضوع القضية حتى ولو تبين أن طلب المدعى مؤسس"(1) ولقد أطلق عليها بعض الأساتذة عبارة الشروط الشكلية لقبول الدعوى الإدارية ونجد تعريفا لهذه الشروط في القضاء الفرنسي "هي الشروط الجوهرية التي لا بد من توافرها حتى تكون الدعوى مقبولة أمام هيئة القضاء المختصة"(2) وبالرجوع إلى قانون الإجراءات المدنية الجزائري نجد أن المشروع ينص على هذه الشروط ويحدد محتواها وطبيعتها حيث تتمثل هذه الأخيرة في شروط عامة مشتركة لكل الدعاوى سواء الإدارية أو العادية وذلك في المادة: 459 ق إ م وهي الصفة والمصلحة والأهلية وشروط خاصة تميز الدعاوى الإدارية عن الدعوى العادية، وقد نتج عن الإصلاح الذي مس قانون الإجراءات المدنية سنة 1990 إعادة توزيع الاختصاص بين الغرفة الإدارية للمحكمة العليا (مجلس الدولة حاليا) والغرف الإدارية لدى المجالس القضائية حيث أصبحت الولاية العامة في نظر المنازعات تعود لاختصاص المجالس القضائية بينما بقيت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا تختص بالقرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية.
ولهذا فإن الشروط الواجب توافرها في درجتي التقاضي سواء بالنسبة للمجالس القضائية أو بالنسبة لمجلس الدولة تتشابه إلى حد بعيد من ناحية وتختلف من نواحي أخرى، هذا ما جعل بحثنا يقسم إلى فصلين نتعرض في الفصل الأول إلى شروط مشتركة ما بين المجالس القضائية ومجلس الدولة وشروط خاصة بالمجالس القضائية وخاصة بمجلس الدولة في الفصل الثاني.

الفصل الأول: الشروط المشتركة لقبول دعوى تجاوز السلطة بين المجالس القضائية ومجلس الدولة:
يلتجئ المتقاضي، أو صاحب الحق إلى الجهات القضائية المختصة بغية تحقيق هدف أساسي يتمثل في حماية حقه، أي بمعنى الحصول من القضاء على حكم يلغي به قرار الإدارة الذي ألحق به أذى ومس بمركزه وكما سبق عرضه فلا بد من توفر مجموعة من الشروط خاصة بدعوى تجاوز السلطة لكي تقبل من الناحية الشكلية، وبالنظر إلى التعديل الذي أدخله المشرع على قانون إ م بموجب إصلاح 1990 أصبحت المجالس القضائية تختص إلى جانب الغرفة الإدارية للمحكمة العليا (مجلس الدولة حاليا)، بالفصل في دعوى تجاوز السلطة.
ولهذا سوف نتعرض في الفصل الأول إلى الشروط المشتركة بين درجتي التقاضي (مجلس الدولة، والمجالس القضائية) وهي شروط متطلبة ومستلزمة في كلا الدرجتين.
نتناول بالدراسة الشروط حسب الترتيب التالي:
المبحث الأول: شروط القرار الإداري محل الدعوى.
المبحث الثاني: شروط إجراءات رفع الدعوى.
المبحث الثالث: شرط الميعاد.







المبحث الأول: شرط القرار محل الدعوى" القرار الإداري".
نصت عل هذا الشرط المواد 169 مكرر فقرة 1 والمادة 275 من قانون الإجراءات المدنية، وكذلك المادة 9 من القانون العضوي رقم 98 – 01 المتعلق باختصاص وتنظيم وعمل مجلس الدولة.
وبقراءة هذه المواد يتبين لنا أن المشرع قد اعتمد على المعيار العضوي لتحديد الهيئات الإدارية، وتتمثل هذه الهيئات الإدارية في الدولة، الولاية، والبلدية، والهيئات العمومية ذات الصبغة الإدارية.
ويلاحظ هنا أن المادة 09 قانون عضوي 98 – 01 قد وسعت من اختصاص مجلس الدولة ليشمل النظر في الطعون بتجاوز السلطة المرفوعة ضد قرارات الهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية مقارنة مع نطاق الاختصاص الذي كان ممنوحا للغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا.
حيث تنص المادة 09 قانون عضوي 98 – 01 على أنه " يفصل مجلس الدولة ابتدائيا ونهائيا في الطعون بالإلغاء المرفوعة ضد القرارات التنظيمية والفردية الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية"(1)
وطبقا لنصوص المواد المذكورة أعلاه فإن دعوى تجاوز السلطة يجب أن تكون موجهة ضد قرار صادر عن الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية.
وقبل التطرق إلى شرط القرار الإداري ارتأينا أن نوضح بشكل موجز السلطات الإدارية التي يجوز الطعن في قراراتها بواسطة دعوى تجاوز السلطة وهي على التوالي:


أولا: السلطات الإدارية التي يجوز الطعن في قراراتها أمام مجلس الدولة:
طبقا لنص المادة 09 من القانون العضوي 98-01 فإن هذه السلطات هي:
1- السلطات الإدارية المركزية:
إذا كان تعريف وتحديد مفهوم كل من البلدية والولاية والمؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية لا تثير أي صعوبة تذكر، فإن تحديد مفهوم "الدولة" المذكورة في المادة 07 ق إ م " السلطات الإدارية المركزية" والمذكورة في المادة 274 ق إ م وكذا المادة 09 من القانون العضوي 98-01 يثير بعض الغموض نظرا لأن مصطلح الدولة له معاني مختلفة هي سواء في القانون الدستوري أو القانون الدولي أو القانون الإداري.
إن كلمة الدولة المذكورة في المادة 07 ق إ م تعني كل الهيئات الإدارية المركزية المتمثلة في: الوزارة وكل الهيئات الإدارية التابعة للهيئات الوطنية المذكورة في المادة 09 قانون عضوي 98-01 (1).
ويتمتع الوزراء بسلطة إصدار قرارات إدارية تخص القطاع التابع لكل وزير سواء كانت قرارات تنظيمية أو فردية.
إذن فالتصرفات الصادرة عن وزير ما والتي تتوفر على خصائص القرار الإداري تكون قابلة للطعن بتجاوز السلطة أمام مجلس الدولة، أما التصرفات الأخرى التي لا تتوفر على تلك الخصائص مثل المنشورات والتعليمات والاقتراحات فإنها لا تصلح لأن تكون محلا لدعوى تجاوز السلطة(2).
2- الهيئات القومية الوطنية:
لقد وسعت المادة09 من القانون العضوي 98. 01 من اختصاص مجلس الدولة ليشمل النظر في القرارات الصادرة من الهيئات العمومية الوطنية.
ويقصد بهذه الأخيرة الأجهزة والتنظيمات المكلفة بممارسة نشاط معين تلبية لاحتياجات المجموعة الوطنية في مختلف مجالات الحياة العامة للدولة مثل المجلس الأعلى للوظيفة العامة، المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، الوكالة الوطنية للطاقة(1).
3- المنظمات المهنية الوطنية:
تنشا المنظمة المهنية لتمثل مهنة ما لدى جميع الجهات وتتمتع المنظمات المهنية الوطنية بصلاحية إعداد ووضع قواعد أخلاقيات المهنة والتصرف الذي يصلح لان يكون محلا للطعن قضائي أمام مجلس الدولة. كما تتمتع المنظمات المهنية الوطنية بدراسة وقبول الترشيحات للمنظمة المهنية بموجب قرارات تتمتع بالطابع الإداري وبالتالي تكون قابلة للطعن بتجاوز السلطة وكذلك النظر في تأديب أعضاءها وتوقيع العقوبات التأديبية.
ويلاحظ أن المادة 09 قانون عضوي 98. 01 لم تورد مثل هذا التمييز لما يصدر عن المنظمات المهنيية الوطنية مما يبقى المجال مفتوحا لاجتهاد مجلس الدولة(2).
ثانيا: السلطات الإدارية التي يجوز الطعن في قراراتها أمام الغرف الإدارية لدى المجالس القضائية:
حسب المادة 02 قانون عضوي 98. 02 والمادة07 ق ا م تمثل هذه السلطات الإدارية هي:الولاية والبلدية.
1- الولاية:
وهي إحدى المجموعات المنصوص عليها في الدستور المادة 15 فهي وحدة من وحدات الإدارية المحلية.
ويقصد بالولاية وفقا للمادة الأولى من القانون 90- 09 القانون الخاص بالولاية مختلف الأجهزة والهيئات القائمة بالتنظيم الولائي وتتمثل هذه الأجهزة في:
- جهاز المداولة: و يتمثل في المجلس الشعبي الولائي المنتخب.
- جهاز التنفيذ: يتمثل في الوالي.
وعليه فانه ما يصدر عن مختلف هياكل و أجهزة الولاية من أعمال وقرارات ذات طابع تنفيذي يمكن الطعن فيها بدعوى تجاوز السلطة ونشير إلى ان الاختصاص بمنازعاتها تختص به الغرف الدارية الجهوية المختصة إقليميا(1).
2- البلدية:
وهي الجماعة الإقليمية القاعدية في الإدارة المحلية كما تشير إلى ذلك المادة 15 من الدستور وتشمل البلدية على مختلف الهيئات والأجهزة القائمة بها سواءا أكانت جهاز المداولة أو الجهاز التنفيذي.
- جهاز المداولة: ويتمثل في المجلس الشعبي البلدي المنتخب.
- جهاز التنفيذ: ويتمثل في رئيس المجلس الشعبي البلدي والذي يتمتع بسلطة اتخاذ القرارات سواء بصفة ممثلا لدولة أو ممثلا للبلدية فكل ما يصدر عن هذه الأجهزة من قرارات أو تصرفات ذات طابع تنفيذي يمكن الطعن فيه بدعوى تجاوز السلطة(2).
وبعد هذا التمهيد نتعرض إلى القرار الإداري من خلال تعريفه وبيان خصائصه.









المطلب الأول: تعريف القرار الإداري وبيان خصائصه:
إن موضوع القرار الإداري من أصعب المواضيع في القانون الإداري كما أن تحديد طبيعته في المنازعات الإدارية لا تقل صعوبة.
وقد شكل وما زال يشكل القرار الإداري موضوع دراسات وبحوث عديدة ومختلفة نظرا للنتائج المترتبة عنه في المنازعات الإدارية وكذلك لتطورات مفهومه الناتج عن أنواع الأعمال التي تقوم بها الإدارة في تحقيق أهدافها.
ولقد وضع المشرع الجزائري إطارا قانونيا لقاعدة القرار الإداري السابق في المادتين169 مكرر. و275 ق إ م.
وما يلاحظ من قراءة هاتين المادتين هو الفرق في المصطلحات المستعملة من طرف المشرع لتحديد الأعمال الإدارية التي تعبر على القرار الإداري السابق ففي المادة 274 ق ا م يشير إلى " القرارات التنظيمية أو الفردية" بينما في المادة 164 مكرر ق ا م يشير إلى كلمة" القرار الإداري"
وبالرجوع إلى نظرية القرار الإداري وخاصة أنواعها " فردي تنظيمي" لا يؤثر هدا الاختلاف على الموضوع بالنسبة لأنواع القرارات الإدارية التي تندرج في شرط القرار الإداري لكن ومن باب التوضيح والتبسيط لفهم الإجراءات لابد من توحيد المصطلحات بحيث لكل مصطلح قانوني مفهوم وأثاره (1).
الفرع الأول: تعريف القرار الإداري:
إذا اختلف الفقه على طريقة دراسة القرار الإداري فانه متفق على عناصر تعريفه، حيث عرف الاستاذ "فؤاد مهنا" القرار الإداري بقوله" هو عمل قانوني انفرادي صدر بإرادة إحدى السلطات الإدارية في الدولة ويحدث أثارا قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم"(2).
ويجمع الفقه على أن القرار الإداري السابق محل الدعوى الإدارية. هو عمل قانوني صدر عن سلطة إدارية بإرادتها المنفردة له طابع تنفيذي، ويلحق أذى بذاته.
الفرع الثاني: خصائص القرار الإداري.
من خلال تعريف القرار الإداري تتبين خصائصه وهي:
أ) القرار الإداري عمل قانوني:
لكي يكون العمل الصادر عن الإدارة العامة قرارا إداريا يجب أن يكون بقصد إحداث اثر قانوني وبالتالي يختلف العمل أو التصرف القانوني عن الأعمال المادي التي تقوم بها الإدارة وعليه فان الأعمال المادية التي تقوم بها الإدارة لا تشكل قرارات وبالتالي لا تكون محلا لدعوى الإلغاء(1).
كما اعتبر بعض الفقهاء أن عنصر "القانوني" للقرار يحتوي على معطيات تندرج ضمن عنصر المساس بمركز قانوني بمعنى أن العمل القانوني من حيث الشكل هو العمل الذي يختلف عن التصرفات المادية للإدارة مثل إنجاز طريق أو مدرسة أو تنظيم مرور السيارات في مكان معين(2).
والقرار الإداري عمل قانوني لأنه يولد ويحدث أثار قانونية عن طريق إحداث أو إنشاء مراكز قانونية أو تعديل أو إلغاء هذه المراكز.
ب) القرار الإداري قرار انفرادي:
تنصب دعوى تجاوز السلطة على القرارات والتصرفات الإدارية الصادرة عن الإرادة المنفردة للإدارة ويقصد بالقرار الانفرادي القرار الصادر عن إرادة الإدارة، ويظهر الطابع الانفرادي في العلاقة الموجودة بين القرار والمخاطب بحيث يهدف القرار الانفرادي إلى إحداث أثر اتجاه أشخاص لم تشارك في إنشاءه ودون رضاهم(3) .
وبذلك تستبعد العقود الإدارية من مجال قضاء الإلغاء بما أنها تنشا عن اتفاق أرادتين و منازعات العقود تدخل في مجال القضاء الكامل، وكل منازعة بها تدخل في مجال اختصاص قاضي العقد وهو عادة الذي ينظر في المواد الإدارية(1) .
كما أن العقود الإدارية التي تبرمها السلطات الإدارية المركزية أو الهيئات العمومية الوطنية طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 91/ 434 المؤرخ في 09/11/1991 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية لا تصلح لان تكون محل لدعوى إلغاء أمام مجلس الدولة إذ تؤول المنازعات التي تثور بصدد تنفيذها إلى المحاكم الإدارية( الغرف الإدارية) بموجب دعوى التعويض(2).
ج) القرار الإداري قرار تنفيذي:
لا تكون الطعون بتجاوز السلطة مقبولة إلا في مواجهة القرارات الإدارية التي تنتج أثار قانونية في مواجهة الطاعنين أي تلك التي تمس بالمركز القانوني للفرد.
وعليه فان التصرفات الصادرة عن الإدارة لا تصلح لان تكون محلا للطعن بتجاوز السلطة إذا لم تكن تتمتع بالطابع التنفيذي كما هو الشأن بالأعمال التحضيرية أو المناشير(3).
ويتمثل الجانب التنفيذي للقرار الإداري في نقطتين أساسيتين:
1- الامتياز المعترف به للإدارة في اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ دون اللجوء للقاضي الإداري، ويسمى هذا الامتياز بامتياز الأسبقية le privilège du préalable .
2-موضوع القرار هو إحداث أثار قانونية(3).
د) القرار الإداري يمس بمركز قانوني ويلحق آذى بذاته:
إن القرار المطعون فيه يجب أن يؤثر في المركز القانوني للطاعن بصفة سلبية أي من شانه إلحاق الأضرار به مثل قرار عزل موظف أو قرار رفض أو قرار سحب رخصة، وتتمثل فكرة القرار الإداري الذي يلحق أذى بذاته في أثار القرار الإداري على حقوق وواجبات المعني بالقرار أي المساس بمركزه القانوني(1).
وعلى ذلك فان كل قرار إداري يتوفر على عنصر إلحاق الضرر بالضرورة يكون له طابع تنفيذي أما العكس غير صحيح دائما والمثال على ذلك قرار ترقية أو قرار منح رخصة ما فهذه القرارات لها طابع تنفيذي ولكن لا تلحق أذى بذاتها، وهنا المسألة التي تطرح نفسها تتمثل في هل يمكن رفع دعوى إلغاء ضد قرار إداري يمتاز بالطابع التنفيذي ولا يلحق أذى بذاته أم لا؟.
فانطلاقا من نص المواد 196 مكرر فقرة01 و 275 ق أ م والمادة09 من القانون العضوي 98/ 01 يمكن القول أن رفع دعوى تجاوز السلطة ضد هذا القرار الذي ينقصه عنصر إلحاق أذى بذاته ممكن ولكن ترفض بسبب عدم توفره على عنصر إلحاق الأذى بذاته (حالة انعدام المصلحة).
وقد أشارت المحكمة العليا إلى ضرورة توفر موضوع الدعوى على الجانب التنفيذي من جهة والجانب الثاني إلحاق أذى بذاته في القرار الإداري(2).
ظهر هذا في قضية "عباس مولود" ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية البليدة بتاريخ 18/12/1976 (3).
وفي قضية "شندري رابح" ضد والي ولاية تيزي وزو حيث قضت بما يلي:" حيث ينتج من التعليمة أن صاحب المقرر هو السيد الوالي لولاية تيزي وزو وهو سلطة إدارية في غاية الوجود وان المقرر يلحق أذى بذاته إلى المدعي وان هذين المعيارين كافيين لإعطاء الطابع الإداري للمقرر المطعون فيه"(4).


المطلب الثاني: المجالات التي لا يشترط فيها القرار الإداري:
لم يشترط المشرع الجزائري على المدعي استيفاء شرط القرار الإداري السابق في حالتين: حالة الاعتداء المادي وفي الدعوى الاستعجالية.
1- في حالة الاعتداء المادي: قررت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية " حاج بن علي" ضد والي ولاية الجزائر(1) انه في حالة الاعتداء المادي لا داعي لتطبيق ما تنص عليه المادة 275 من ق أ م بحيث بتصرفها المادي فان الإدارة قد حددت موقفها صراحة في المسألة المتنازع فيها أي بعبارة أخرى لا يشترط من المدعي في هذه الحالة أن يرفع تظلم إداريا مسبقا للحصول على قرار إداري سابق وبالتالي يستطيع أن يذهب مباشرة للقاضي المختص وهو حسب توزيع الاختصاص القضائي الذي جاء في المادتين 07 و 231 من ق أ م.
وبما أن التظلم الإداري حذف من المادة 169 مكرر من ق أ م بالنسبة للمنازعات العائدة لاختصاص الغرف الإدارية بالمجالس القضائية سهل المهمة بالنسبة للمدعي في جميع الحالات حيث يستطيع هذا الأخير التوجه للقاضي المختص مباشرة(2).
2- في حالة الدعوى الاستعجالية: هذه الحالة عكس الحالة الأولى المقررة بموجب الاجتهاد القضائي فان عدم اشتراط القرار الإداري السابق في حالة رفع دعوى استعجالية ينص عليها المشرع حيث تنص المادة 171 مكرر/2 من ق أ م " في جميع حالات الاستعجال يجوز لرئيس المجلس القضائي أو للعضو الذي ينتدبه بناء على عريضة تكون مقبولة حتى في حالة عدم وجود قرار إداري سابق".




المطلب الثالث: الأعمال الإدارية الخارجة عن مجال الطعن بتجاوز السلطة.
بالنظر إلى تعريف القرار الإداري محل الطعن نستنتج أن هناك مجموعة من الأعمال الإدارية الانفرادية لا تعد قرارات إدارية قابلة للإلغاء أي ليس لها طابع القرار الإداري والمتمثلة فيما يلي:
1- الأعمال التحضيرية: وتتمثل في الأعمال التي تسبق إصدار القرار النهائي، وتنقسم إلى:
أ- الآراء: يفرض القانون في بعض الحالات ضرورة وجود الرأي قبل اخذ القرار من طرف السلطات الإدارية وتنقسم الآراء إلى قسمين:
- الرأي البسيط.
- الرأي الموافق.
واتفق الفقه الإداري على أن الآراء لا تعتبر قرارات إدارية وبالتالي لا تكون محلا لدعوى الإلغاء(1).
وقد قضت المحكمة العليا " الغرفة الإدارية" بما يوافق هذا الاتجاه في عدة قضايا منها قضية " بلحوث" ضد بلدية الجزائر الكبرى(2).
رفع السيد " بلحوث" دعوى تجاوز السلطة ضد القرار الذي اتخذه المجلس فقررت المحكمة العليا ما يلي:"حيث انه ينتج عن محضر الجلسة بالمجلس التأديبي بتاريخ 29/05/1964 إن هذا الأخير أبدى رأيه فيما يتعلق بالعقوبة التي يمكن تسليطها على المدعي بسبب الأفعال التي قام بها".
<< حيث أن هذا الرأي لا يشكل بذاته قرارا إداريا يلحق أذى بذاته إلى المدعي" رفض دعوى السيد بلحوث ">>.
وكما نجد الغرف الإدارية بالمحكمة العليا تؤكد نفس هذا الاتجاه في قضية "ايدير بدعوش" ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية اسماعيل ولاية بجاية(1). حيث قررت" أن طعن المدعي في محضر اختيار قطعته الأرضية في احتياطات العقارية حيث ان المدعي يطلب إبطال محضر لجنة اختيار القطعة الأرضية والذي انصب على قطعة ارض يملكها لبناء مقر بلدية غير ان هذه اللجنة عير مكلفة إلا بإعطاء رأي تقني فقط وان هذا الرأي لا ينشا بطبيعته أي حق ومن ثم فهو غير قابل للطعن فيه بالإبطال"
ب- الرغبات والاقتراحات:
تخضع لنفس النظام المطبق على الآراء بمعنى أنها غير قابلة للطعن فيها بدعوى بتجاوز السلطة.
2- الأعمال اللاحقة للقرارات الإدارية
يحدث ان تقوم الإدارة بعد إصدارها للقرار إداري ان تقوم ببعض الأعمال ترمي إلى تنفيذ القرار الإداري وتشمل هذه الأعمال على وجه الخصوص: في إجراءات التبليغ النشر الموافقة تأييد أو ذكر قرار إداري فلا تعتبر هذه الأعمال قرارات إدارية لتجسيدها لقرار إداري أول وبالتالي لا تحتوى على قاعدة تمس من جديد مركزا قانونيا ما(2).
وقد أكدت المحكمة العليا الغرفة الإدارية في قضية " بن كوشة" بتاريخ 25/03/1966 (3)" حيث أن قرار أو إبعاد المدعي من ملكية" jaquemont" لا تشكل قرارا إداريا لكن إجراء تنفيذ للقرار المؤرخ في 17/12/1962 الذي اتخذه رئيس دائرة البليدة".



الأعمال التنظيمية الداخلية للإدارة:
تتعلق أساسا بالتعليمات والمنشورات وتتعلق بحسن سير الداخلي للإدارة ومصالحها، كما تهدف إلى تغير بعض النصوص القانونية.
وقد صنف الفقه والقضاء الإداريين المنشورات حسب الحالات إلى منشورات تكون لها صفة القرار الإداري وبالتالي قابلة للإلغاء، ومنشورات تفقد هذه الصفة وتم هذا التصنيف على أساس محتوى ومدى المنشورات وليس على أساس شكلها أو تسميتها، وفي هذا الصدد ميز الفقه والقضاء الإداريين حسب المنشور التفسيري والمنشور التنظيمي.
يعتبر تفسيريا المنشور الذي لا يضيف شيئا أو قاعدة قانونية إلى النص القانوني محل التفسير وبالتالي لا يمس أي مركز قانوني ولا يلحق أذى بذاته.
أما المنشور التنظيمي فهو المنشور الذي يضيف قاعدة جديدة للنص محل المنشور يمكن أن يلحق آذى بذاته(1).
وكرست الغرفة الإدارية للمحكمة العليا التميز بين المنشورات التفسيرية والمنشورات التنظيمية في قضية شركة( SEMPAC) ضد ( OAIC)(2). عندما ذكرت:<< حيث أن المدير العام لشركة( SEMPAC) لم يكتفي بتفسير النصوص بل أضاف قاعدة جديدة بواسطة القرار المطعون فيه ( المنشور) عندئذ يكتسي هذا المنشور القرار التنظيمي>>.





4- الأعمال التمهيدية:
وتتمثل خصوصا في الإنذارات هدفها تهديد وحمل المخاطب بالقرار المتخذ في مواجهته على تنفيذه في الوقت المحدد.
مسالة بعض القرارات الإدارية المحصنة من الرقابة الإدارية:
توجد بعض الأعمال التي تتخذها السلطات الإدارية ولكنها مع ذلك لا يمكن ان تكون محل أي منازعة قضائية، وعندما يرفع الطعن أمام القاضي ضد قرار من هذه القرارات فانه يعترض بعدم القبول مستعملا بذلك تورية بقوله<< هذه الأعمال ليست من طبيعتها أن تكون محلا للطعن(1).
وهذه الأعمال هي أعمال السيادة أو الحكومة، وقرارات الهيئات البرلمانية.
1- أعمال السيادة أو الحكومة:
إن أعمال السيادة أو أعمال الحكومة كما يسميها بعض الفقهاء هي قرارات إدارية تحتوي على جميع عناصر القرار الإداري لكن لا يستطيع القاضي إلغاءها.
وقد وضع كل من الفقه والقضاء الإداريين قواعد أو نظرية أعمال السيادة، فمبدئيا هذه الأعمال لا تخضع لرقابة مجلس الدولة ولا يمكن لقاضي تجاوز السلطة ان يلغيها وحتى نتمكن من أهمية أعمال السيادة، سندرس هذه المسالة في النظام القضائي الجزائري.
رغم أن القرارات المتعلقة بأعمال السيادة قليلة إلى حد لا يسمح بالتعبير عن اجتهاد قضائي إداري في هذا الموضوع فان الغرفة الإدارية للمحكمة العليا تطرقت إلى هذه المسالة بنوع من الوضوح وفي نفس الوقت بنوع من الحشمة والتحفظ يجعل من هذا الموقف موقف ميول لصالح الإدارة(2).
فقد وضحت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا موقفها اتجاه هذا الموضوع في قضية"ي.ج.ب" بتاريخ 07/01/1984 (3). هذه القضية التي أثار فيها القرار القضائي الصادر عن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا عدة مشاكل قانونية ومحاور نقاش خاصة فيما يتعلق بالطريقة أو الكيفية التي استعملها القاضي للوصول إلى قرارها النهائي المتمثل في التصريح بعدم الاختصاص للغرفة الإدارية للمحكمة العليا، وقد ارتكز القاضي على الحيثيات التالية للفصل في هذا الموضوع:
" حيث أن الرقابة التي يباشرها القاضي الإداري على أعمال الإدارة لا يمكن أن تكون عامة ومطلقة.
حيث أن إصدار وتداول وسحب العملة يعد إحدى الصلاحيات المتعلقة بممارسة السيادة.
حيث أن القرار المستوفى من باعت سياسي غير قابلة للطعن فيه بأية طريقة طعن وان القرار الحكومي المؤرخ في 08/04/1982 الصادر عن وزير المالية المتضمن تحديد قواعد الترخيص بالتبديل( خارج الأجل) هما قراران سياسيان يكتسيان طابع عمل الحكومة ومن ثم فانه ليس من اختصاص المجلس الأعلى فحص مدى شرعيتها ولا مباشرة رقابة على مدى التطبيق".
لقد صرحت بوضوح الغرفة الإدارية للمحكمة العليا عن موقفها اتجاه مسالة تحديد أعمال السيادة بحيث استعملت معيار الباعث السياسي كمعيار لتحديد أعمال السيادة.
وحسب اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي فقد وضع معيار لتحديد ماهي الأعمال الإدارية الداخلة في نطاق السيادة وذلك بوضع قائمة يذكر فيها الأعمال الإدارية التي تعتبر أعمال سيادة، وحسب هذه القائمة تنقسم هذه الأعمال إلى قسمين متعلقين بميدانين:
- يتمثل الميدان الأول: في أعمال الإدارة في علاقاتها مع السلطة التشريعية.
- يتمثل الميدان الثاني: في أعمال الإدارة في علاقاتها الدولية(1).
فأما عن أعمال الحكومة في اتصالها مع البرلمان، فإن كل أعمال السلطة التنفيذية في علاقتها مع السلطة التشريعية تعتبر أعمال حكومة وتفلت بالتالي من أية رقابة قضائية، من هذه الأعمال: حل السلطة التشريعية، اقتراح القوانين، إصدار القوانين، استشارة الشعب حول مشروع قانون، طلب من السلطة التشريعية إجراء مداولة ثانية حول قانون، إخطار المجلس الدستوري.
أما عن أنشطة الحكومة في علاقاتها الدولية فإن القاضي حرصا منه على عدم التدخل في العلاقات بين الحكومة والدول الأجنبية أو المنظمات الدولية يمتنع عن تقبل الطعون الماسة بالأنشطة الدولية، تتعلق هذه الأعمال بـ: المفاوضات الدولية، تنفيذ الاتفاقيات الدولية، المصادقة على الاتفاقيات الدولية، ممارسة حق الحماية الدبلوماسية.
2- قرارات الهيئات البرلمانية:
لا يمكن تقديم أي طعن ضد القرارات الصادرة عن المجلس الشعبي الوطني وعموما ان هذه القرارات هي عبارة عن قوانين والقاضي مكلف بتطبيقها أو تفسيرها دون ان تكون له القدرة على مراقبة، هذه المراقبة التي تعود إلى اختصاص المجلس الدستوري فهو وحده المكلف بتلك المهمة ليتأكد من مطابقة القوانين مع الدستور.
أما بالنسبة لأعمال الهيئات القضائية( الأحكام أو القرارات أو الآراء القضائية) فلا يمكن أن تكون محل طعن بتجاوز السلطة فهذه الأعمال الأخيرة تخضع لنظام ذاتي يعرف بطرق الطعن العادية وغير العادية طبقا للإجراءات معينة نص عليها القانون.





المطلب الرابع: نظرية الأعمال المنفصلة المتعلقة بالعقود الإدارية:
لا تخضع العقود الإدارية إلى رقابة قاضي تجاوز السلطة، لأنها من الأعمال الثنائية( الاتفاقية) أي أن هذه العقود ليست ناتجة عن الإرادة المنفردة للإدارة وإنما تنتج عن اتفاق وتطابق ارادتين، وبالتالي تدخل المنازعات الخاصة بهذه العقود في نطاق القضاء الكامل فلا تكون محل رقابة قضائية إلا عن طريق دعوى القضاء الكامل.
ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة بحيث توصل الفقه والقضاء الإداريين إلى وضع نظرية الأعمال المنفصلة للعقود الإدارية" La théorie des actes détachables".
مفادها أن هذه الأعمال حتى وان كانت مرتبطة مباشرة بالعقود الإدارية إلا أنها أعمال انفرادية قابلة للرقابة عن طريق تجاوز السلطة إذا ما توافرت فيها عناصر القرار الإداري(1).
ولا تعتبر دعوى تجاوز السلطة المرفوعة ضد هذه الأعمال المنفصلة دعوى موازية، وهذا لكون إلغاء هذه القرارات المنفصلة لا يؤثر على وجود العقود الإدارية.
وصنف القضاء الإداري الأعمال المنفصلة إلى أعمال متعلقة بإبرام العقد الإداري وأعمال متعلقة بتنفيذه.
1- الأعمال المتعلقة بإبرام العقد الإداري:
اعتبر القضاء الإداري كل الأعمال التي تسبق العقد الإداري أعمال منفصلة وفي هذا الصدد فان عمل المصادقة على العمل الإداري من الأعمال المنفصلة المتعلقة بإبرام العقد الإداري، وهو عمل انفرادي يصنف ضمن القرارات الإدارية إذا توفرت فيه عنصري التنفيذ والمساس بمركز القانوني(2).
فمداولات المجلس الشعبي البلدي المتعلقة بإبرام صفقات عمومية والتي تسمح لرئيس المجلس من إبرام صفقة عمومية، هذه المداولة رغم أن موضوعها يتعلق بعقد إداري إلا أنها منفصلة عنه ويمكن مخاصمتها بدعوى تجاوز السلطة وهذا ما نصت عليه مثلا المادتين: 45 من قانون 90-08 المتعلق بالبلدية، والمادة 52 من قانون 90-09 المتعلق بالولاية.
كما نجد مثالا أخر في قرار المجلس الأعلى " المحكمة العليا" بتاريخ 02/04/1965 (1). بخصوص نزاع متعلق بعقد إيجار مبرم بين مدينة الجزائر واحد الأشخاص. حيث قررت مدينة الجزائر استرجاع المحل وإنهاء عقد الإيجار، فأصدرت قرار بتخصيص محل أخر للمستأجر دون موافقته، فطعن هذا الأخير بدعوى تجاوز السلطة.
اعتبر المجلس الأعلى قرار التخصيص منفصل عن عقد الإيجار وقبل الطعن ضده بتجاوز السلطة وقضى بإلغائه.
فالقضاء الإداري بتقريره إمكانية رفع دعوى تجاوز السلطة ضد الأعمال الإدارية المنفصلة والمتعلقة بإبرام العقود الإدارية، هذه الإمكانية ممنوحة للطراف المتعاقدة مع الإدارة أو للغير متى ثبتت لهم مصلحة في ذلك.
2- الأعمال المنفصلة المتعلقة بتنفيذ العقد:
إذا تقبل القضاء الإداري بسهولة أن الأعمال المنفصلة المتعلقة بتنفيذ العقد الإداري هي أعمال انفرادية قابلة لطعن فيها بتجاوز السلطة، فان موقفه وكذا موقف الفقه الإداري غير مطلق تجاه الأعمال الإدارية المنفصلة المتعلقة بتنفيذ العقد الإداري(2).
إلا انه يمكن القول وعلى حد رأي الاستاد "احمد محيو" في هذا الخصوص(3):
" وبديهي انه من الصعب معرفة متى يكون القرار منفصلا أو غير منفصلا عن العقد والقضاء ممايز حول هذه النقطة، فادا كان يميل إلى قبول الطعون الموجهة ضد الأعمال التحضيرية للعقد فانه يضيق من دلك تجاه القرارات الإدارية المتعلقة بتنفيذه
وأخيرا قد تطرقنا في هذا المبحث إلى القرار الادارى باعتباره شرطا لقبول دعوى تجاوز السلطة.
بحيث تطرقنا إلى تعريفه وبيان خصائصه وتمييزه بعض الأعمال الإدارية المتشابهة بالإضافة إلى الأعمال المنفصلة مع عرض لنظرية الأعمال المنفصلة المتعلقة بالعقود الإدارية.




















المبحث الثاني: إجراءات رفع دعوى تجاوز السلطة:
إن دعوى تجاوز السلطة هي دعوى بين طرفين الإدارة من جهة والأفراد من جهة أخرى وتهدف إلى إلغاء قرار غير شرعي، فالفرد فيها يمثل مصلحة مجردة من أية سلطة أو امتياز يقف وجها لوجه أمام الإدارة التي تمثل بدورها مصلحة عامة محضة بأساليب وامتيازات السلطة العامة، التي من خلالها تقوم بواجباتها بالإشراف على حسن سير المرافق العامة.
لذلك يجب أن تقوم الدعوى الإدارية على إجراءات خاصة ومتميزة تختلف عن الإجراءات في المنازعات العادية، وتتعلق هذه الإجراءات بالعريضة التي ترفع ضد قرار الإدارة غير الشرعي حيث تخضع لشكلية وكذا خصائص معينة، وكذا شرط إثبات القيام بالتظلم الإداري.
لكن هذه الشروط غير مقننة في إطار قانون إجراءات إدارية، بل نص عليها قانون الإجراءات المدنية، الذي يبقى هو الشريعة العامة في غياب نص خاص فيلجا القاضي لتطبيق الأحكام المتعلقة بالدعوى المدنية.
وقد مصت المادة 40 من القانون العضوي رقم98-01 على انه" تخضع الإجراءات ذات الطابع القضائي أمام مجلس الدولة لأحكام قانون الإجراءات المدنية"(1).
ونصت كذلك المادة 2 من القانون العضوي رقم 98-02 على انه" تخضع الإجراءات المطبقة أمام المحاكم الإدارية لأحكام قانون الإجراءات المدنية"(2).
ويتضح لنا جليا من نص المادتين أنفا أن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية ومجلس الدولة تخضع للأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية، وفي كل الحالات فان أي إهمال لهذه الإجراءات قد يعرض الدعوى إلى للرفض شكلا من قبل القاضي دون النظر في الموضوع.
المطلب الأول: الشروط الخاصة بعريضة افتتاح الدعوى:
لكي تكون عريضة افتتاح الدعوى مقبولة شكلا يتعين ان تشمل على جملة من الشروط والبيانات الشكلية التي تهدف جميعا إلى وضع المدعي عليه في الصورة الكاملة عن الأطراف التي تخاصمه، وعن موضوع المخاصمة وغيرها(1) .
الفرع الأول: أن تكون العريضة مكتوبة:
نصت المادة 169 الفقرة 1 ق إ م على انه" ترفع الدعوى إلى المجلس القضائي بعريضة مكتوبة موقع عليها من طرف الخصم أو محام مقيد بنقابة المحامين وتودع قلم كتابة المجلس"
إن الفقرة الأولى من هذا النص توضح كيفية رفع دعوى تجاوز السلطة أمام الغرف الإدارية بالمجالس القضائية، فأكدت على أن تكون العريضة مكتوبة وموقعة من طرف رافعها أو محاميه مع تسجيلها بكتابة بقلم ضبط المجلس.
وشرط كتابة العريضة يوفر مزايا الدقة وثبات الطلبات الخاصة بالمدعي بعكس التصريح الشفهي الذي يفتح المجال للتؤويلات ولعدم الدقة أحيانا في تحديد الطلبات.(2)
كما نصت المادة240 من ق إ م على أن"يرفع الطعن بالنقض بعريضة مكتوبة موقع عليها من محامي مقبول أمام المحكمة العليا".
نلاحظ أن هذه المادة جاءت بصفة عامة أي وردت في كيفية الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في المواد العادية كجهة نقض في أحكام وقرارات المحاكم أو المجالس القضائية، فلم تأت بصفة خاصة بالنسبة للمواد الإدارية لان الطعن عن طريق دعوى تجاوز السلطة يختلف كثيرا عن الطعن بالنقض, لذلك نتجه إلى الباب الرابع من الأحكام الخاصة بالغرفة الإدارية بالمحكمة العليا وبالضبط في القسم الثالث تحت عنوان"في شكل الطعن".
حيث نصت المادة 281 على "يرفع الطعن أمام الغرفة الإدارية بعريضة تودع لدى قلم كتاب المحكمة العليا. بالأوضاع والأشكال والقواعد المنصوص عليها في الباب الثالث من هذا الكتاب باستثناء أحكام المادة 169/3 الفقرات 2. 3. 4".
إن هذه المواد لم تذكر شروط تتعلق بالكتابة، لكن استنتاجا من المادة169 المتعلقة بالإجراءات أمام الغرف الإدارية لدى المجالس القضائية يجب أن تكون العريضة التي تودع أمام الغرفة الإدارية لدى المحكمة العليا (مجلس الدولة حاليا) مكتوبة.
الفرع الثاني: أن تتضمن العريضة على جميع بيانات أطراف الخصومة:
استنادا إلى ما سبق فان دعوى تجاوز السلطة تقوم على خصومة بين طرفين وبذلك يستوجب إن تشكل العريضة على البيانات الخاصة بكل طرف، وهذا ما يتضح لنا من خلال تحليلنا لنص المادة 169 ق ا م والمتعلق بالدعاوى الإدارية لدى الغرف الإدارية بالمجالس القضائية فنلاحظ ان هذه المادة لم تذكر هذا الشرط واكتفاء بالإحالة إلى المادة 13 من ق إ م.
ولكن المشرع لم يوفق في هذه الإحالة حيث أن هذه المادة الأخيرة تتعلق بالبيانات اللازمة في التكليف بالحضور للجلسات في المواد المدنية.
ونلاحظ أن المادة 281 من ق أ م قد أحالت على المادة 241 في مجال الشكليات العرائض الإدارية الابتدائية أمام المحكمة العليا( مجلس الدولة حاليا) التي نصت في فقرتها الأولى على "أن تشتمل على اسم ولقب ومهنة وموطن كل خصم".
بمعنى أن هذه البيانات تهدف إلى تحديد هوية طرفي الدعوى تحديدا دقيقا وذلك حتى لا يفاجأ المدعي بدعوى مجهولة المصدر، لان معرفة هوية المدعي قد تساعد إلى حد كبير المدعي عليه في تحضير وسائل دفاعية بطريقة مناسبة من جهة، ومن جهة اخرى فان تحديد هوية وموطن المدعي عليه بدقة يؤدي كذلك إلى سهولة تحديد الشخص المطلوب تكليفه للحضور الجلسة ويمنع أي خطأ محتمل في تنفيذ الحكم عند صدوره على شخص آخر غير معني بسبب عدم تحديد البيانات الشخصية بدقة(1).
أما الإشكال الذي يمكن طرحه بالنسبة لهدا الشرط كالأتي:
- هل يترتب على تخلف أو عدم ذكر أطراف الخصومة بطلان العريضة وعدم قبولها؟ أم على القاضي أن يمنح للخصوم أجلا لتصحيحه؟
للإجابة على السؤال يجب علينا البحث فيما إذا كانت هده البيانات من النظام العام أم لا.
لقد رتبت المحكمة العليا البطلان على تخلف هده البيانات بل وإثارتها أحيانا من تلقاء نفسها وكأنها من النظام العام ولا يجوز تصحيحها. دلك انه إذا كانت النصوص المتعلقة بإجراءات الدعاوى الإدارية أمام المجالس القضائية أو أمام المحكمة العليا(مجلس الدولة حاليا ) لا تشير على السواء إلى الطبيعة القانونية لهده البيانات وما إذا كانت معتبرة من النظام العام . فان نصوص أخرى واردة ضمن الأحكام العامة لقانون الإجراءات المدنية تشير إلى الموضوع بشكل عام وغير مباشر.
وهكذا فان المادة 462 قانون إجراءات مدنية تنص على "انه إذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام فيجوزللقاضى أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه".
وبما أن بيانات الأطراف لا تتعلق بأسس النظام القضائي والمصلحة العامة، وقد شرعت لمصلحة الخصوم كما بيناه قبل قليل.فإنها في رأينا ليست من النظام العام بمعنى أن إغفال ذكر مهنة احد الطرفين مثلا لا يؤدي إلى عدم قبول العريضة، إلا إذا أثاره الخصم ولا يتم تصحيحه(2). إما إذا تنازل عنه الخصم الذي شرع هذا الإجراء لمصلحته فان الدعوى تبقى مقبولة وغني على البيان القول إن هذه البيانات ليست جوهرية ولا تؤثر على حقوق الدفاع حتى تعتبر أساسا للمصلحة العامة والنظام القضائي وبالتالي من النظام العام(1).
الفرع الثالث: أن تتضمن العريضة ملخص الموضوع ومستندات الطلب:
يعتبر هذا الشرط من البيانات الأساسية التي يجب أن تتضمنها العريضة فكان لزاما على الطاعن أن يذكر فيها شرحا لوقائع القضية مع التدعيم بالأسانيد القانونية، ولقد أثارت المادة 13 من ق أ م التي أحالت عليها المادة 169 من ق ا م بهذه الصياغة المذكورة أعلاه فقد نصت الفقرة 5 على:" ملخص الموضوع ومستندات الطلب" وكذلك المادة 241 فقرة 3 من ق أ م على انه:" أن تحتوي على موجز الوقائع وكذلك الأوجه التي بني عليها الطعن المرفوع للمحكمة العليا".
هذه البيانات أساسية لأنه بدون عرض الوقائع وتحليلها وتقديم أسانيد الطلب لا يمكن للخصم أن يقدم وسائل دفاعه ومناقشته طلب المدعي، ولا يمكن كذلك للقاضي من الاحاطة بعناصر النزاع والفصل فيه. ولكن ذلك لا يعني أنها من النظام العام ولا يجوز تصحيحها فقد شرعت لمصلحة الطرفين وليست لمصلحة النظام القضائي والعبرة دائما بالطلبات الأخيرة.
إن أهم ما يميز عريضة افتتاح الدعوى عن أي احتجاج أو طلب آخر غير قضائي، فالطلب القضائي أو عريضة الدعوى تقوم على عناصر وأركان أساسية تبدأ بعرض الوقائع، تم تحليلها ومناقشتها ( أي تقديم الأسانيد أو الحجج ) وينتهي بتقديم الطلب الذي يلتمس فيه المدعي من القضاء أن يحكم له بناء على الأسانيد المذكورة.
ولذلك كان الاحتجاج الذي يا خد شكل برقية ليس عريضة لأنه لا يتضمن ابسط وقائع المدعي ولا ذكر أوجه الدفاع التي يستند عليها باعث البرقية لتأسيس دعواه، ومن ثم يستوجب الحكم بعدم قبول العريضة شكلا(2).
لكن فكرة عرض الوقائع غير محددة من حيث كيفية طرحها فيبقى المجال مفتوحا وواسعا أمام القاضي، وله السلطة التقديرية في ذلك فالنصوص القانونية تستلزم هذا الشرط وتضعه تحت طائلة البطلان لكن القضاء كان يطبقها في أضيق الحدود، وما دامت لا تمس بالنظام العام أو لا يجوز تصحيحا فقد شرعت لمصلحة الطرفين وليس لمصلحة النظام القضائي.
لذلك وللتأكيد على ما سبق يقتضي أن تتضمن العريضة على الحد الأدنى من الوقائع مع تدعيمها بالحجج والأسانيد القانونية وذلك على قد يجعل القاضي يدرك غرض الطاعن وطلباته.
















المطلب الثاني: ملحقات العريضة:
هذه الملحقات أو البيانات لها من الأهمية ما يجعلها جوهرية مثل الشروط المتعلقة بالعريضة التي سبق ذكرها وقد نصت عليها المواد 241 ، 282، 169، 111من قانون الإجراءات المدنية ويمكن إيجازها فيما يلي :
صورة رسمية من القرار المطعون فيه، تقديم عدد من النسخ بقدر عدد المدعى عليهم، إيصال دفع الرسم القضائي، وما يثبت وجود التظلم الإداري.
الفرع الأول: صورة رسمية من القرار المطعون فيه:
يجب على الطاعن أن يرفق بالعريضة صورة رسمية من القرار المطعون فيه حتى يتسنى للقاضي دراسة القرار وتقدير مدى شرعيته وعلى أي وجه بني ذلك الطعن، وقد نصت المادة 169 في فقرتها 2 من ق ا م " يجب أن تكون مصحوبة بالقرار المطعون فيه"، وفي دعوى تجاوز السلطة فالقرار المطعون فيه موجود أصلا لان الطعن موضوع الدعوى يتعلق بالطعن بقرار تكون الإدارة قد مست به مركزا قانونيا، لكن تطبيق هذا الشرط في الواقع يعرف نوع من التعقيد إذ كثيرا ما يحكم القاضي بعدم قبول الدعوى لعدم تقديم القرار المطعون فيه حيث يتعذر على المتقاضي تقديم ذلك القرار بسبب تعسف الإدارة وعدم تمكينه على نسخة كاملة منه، فقد تكتفي في بعض الأحيان بإشعاره بمضمون القرار عن طريق رسالة فيجد نفسه في حيرة أن رفع دعواه حكم فيها بعدم القبول للدعوى لعدم تقديم القرار المطعون فيه، وان انتظر تبليغ القرار الكامل يخشى من انقضاء المواعيد لأنه وحسب نظرية العلم اليقين يمكن الجزم بعلمه بالقرار من اللحظة التي اشعر فيها بمضمونه عن طريق الرسائل وغيرها.
ولذلك على المشرع والقضاء إيجاد حل بممارسة السلطات المخولة له في التشريع لتفادي امتناع الإدارة عن تبليغ القرار الكامل للمتقاضين وتفويت المواعيد عليهم.
فنجد ذلك الحل نوعا ما قد تداركته المادة 171 من ق ا م التي تجيز للمستشار المقرر بالغرفة الإدارية أن يأمر بتقديم المستندات التي يراها لازمة للتحقيق في هذه القضية منها صورة القرار المطعون فيه وهو مستند مهم في الدعوى، كما أن النصوص القانونية أغفلت جواز تصيح ذلك العيب عكس القانون الفرنسي الذي يجعله قابلا للتصحيح وذلك بإلزام كاتب الضبط بإخطار المدعي بتقديم القرار خلال 15 يوما.
الفرع الثاني: أن يقدم المدعي عددا من النسخ بقدر عدد المدعى عليهم:
لا بد أن تكون العريضة مصحوبة بعدد من النسخ يساوي عدد الخصوم فيها حتى يتسنى عند إعلانه للخصوم ( أي تكليفهم بحضور جلسة افتتاح الخصومة)، أي تمكين كل واحد منهم بنسخة منها يتولى الرد عليها وتقديم وسائل دفاعه(1).
وقد نصت على هذه الشكلية المادة 241 فقرة 3 المحال عليها من المادة 281 من ق ا م على انه:" كما يجب أن يرفق بها عدد من النسخ بمثل عدد الخصوم".
الفرع الثالث: إيصال دفع الرسم القضائي:
يجب على الطاعن دفع رسوم القضية ومن خلاله يتسلم إيصال الدفع وهذا ما نصت عليه المادة 241 فقرة 3 من ق ا م على انه:" كما يجب أن يرفق بها عدد من النسخ بمثل عدد الخصوم وكذا الإيصال المثبت لدفع الرسم القضائي المقرر لإيداع العريضة".
أما إذا كانت الدعوى أو القضية معفاة من الرسم القضائي بسبب استفادة الطاعن من نظام المساعدة القضائية الصادر بالأمر رقم 71- 57 الصادر بتاريخ 05/08/1971 فعليه أن يرفق قرار الاستفادة من المساعدة بملف القضية.
الفرع الرابع: ما يثبت وجود التظلم الإداري:
يتعلق هذا الشرط بالمنازعات التي يكون فيها التظلم إجباريا وشرطا جوهريا لقبول دعوى تجاوز السلطة أمام الهيئات القضائية، وهذا بالنسبة للدعوى العائدة لاختصاص مجلس الدولة، وبعض المنازعات الخاصة التي ما زال يشترط فيها التظلم الإداري الوارد في النصوص الخاصة بها، وقد نصت المادة 275 من ق أ م على انه:" لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة ما لم يسبقها الطعن الإداري التدرجي الذي يرفع أمام السلطة الإدارية التي تعلوا مباشرة الجهة التي أصدرت القرار فان لم توجد فأمام من أصدر القرار نفسه".
إذ يجب على الطاعن أن يقدم ما يثبت انه قام بتظلم وان الإدارة رفضت طعنه بشكل صريح، أما في حالة سكوت الإدارة فوفقا للمادة 279 من ق ا م يتعين عليه تقديم الوصل الذي يثبت تقديمه التظلم الإداري وهذا ما نصت عليه المادة 282 من ق ا م انه:" يجب أن يرفق بالعريضة إما قرار رفض الطعن الإداري الذي سبق الطعن أو المستند المثبت إيداع هذا الطعن".
وكذالك ا جاء في قرار المجلس الأعلى بقوله"... حيث أن المدعية في الطعن تشير في عريضة افتتاح الدعوى من طرفها إلى أن هناك طعنا أداريا يكون قد استلم من طرف وزير التربية في 11/1/1981 إلا أنها لم تقدم أي مستند يثبت قيامها بهذا الإجراء القانوني حيث أن المجلس الأعلى لا يستطيع في غياب وجود مثل هذا المستند فحص استيفاء الأوضاع القانونية المنصوص عليها في المادة 276 من قانون الإجراءات المدنية حيث انه ومادام الأمر متعلق بإجراء جوهري يتعين رفض هذا الطعن القضائي على النحو المقدم به"(1).








المبحث الثالث: شرط ميعاد رفع دعوى تجاوز السلطة:
تتميز المنازعات الإدارية عن غيرها من المنازعات العادية فضلا عن بقية خصائصها بالطابع الخاص للآجال المفروضة على الأشخاص لرفع الدعاوى الإدارية، وهذا يمكن لهم التأكد من مدى شرعية القرار الإداري الذين يريدون مخاصمته ولمعرفة الإجراءات اللازمة للدفاع عن حقوقهم.
ومن جهة أخرى حماية للصالح العام الذي يستلزم استقرار الأوضاع والمراكز الإدارية حتى لا يعرقل النشاط الإداري في حالة السماح بمخاصمة أعمالها بدون قيد زمني، ولهذا وضع المشرع قواعد تنظيم شرط الميعاد التي سندرسها حسب الترتيب الحالي:
فسنتناول في المطلب الأول ميعاد دعوى تجاوز السلطة أمام مجلس الدولة ثم أمام المجالس القضائية.
ثم نتطرق في المطلب الثاني إلى طبيعة شرط الميعاد ثم في المطلب الثالث لبدا سريان الميعاد وفي المطلب الرابع والخامس نستعرض إلى كيفية حساب المواعيد وحالات تمديده.









المطلب الأول: ميعاد الدعوى أمام مجلس الدولة وأمام المجالس القضائية:
يتميز النظام القضائي الجزائري بأنه يعتمد معيارين مختلفين بالنسبة للدعاوى العائدة إلى اختصاص مجلس الدولة وتلك العائدة إلى اختصاص المجالس القضائية.
الفرع الأول: شرط الميعاد إمام مجلس الدولة:
بناء على المادة 40 قانون العضوي رقم 98-01 المتعلق بمجلس الدولة و المادة 280 ق ا م التي تنص على انه:" يرفع الطعن أمام المحكمة العليا خلال شهرين من تاريخ انتهاء الميعاد المنصوص عليه في المادة (279) في حالة سكوت الإدارة".
تشير هذه المادة إلى الميعاد المحدد لرقع دعوى تجاوز السلطة من طرف المتقاضي الذي يريد مخاصمة الإدارة وحددته بشهرين من تاريخ انتهاء الميعاد المنصوص عليه في المادة 279. وتتعلق هذه الأخيرة بميعاد التظلم الإداري والمتمثل في ثلاثة اشهر ويكون في حالة سكوت الإدارة عن الرد عن التظلم والذي يعتبر كرد ضمني برفض التظلم.
ونستنتج من المادة المذكورة أعلاه بأنه وفي حالة الرد الصريح برفض التظلم والذي يكون بقرار إداري صريح، يبدأ سريان الشهرين المقرر لرفع الدعوى إمام مجلس الدولة من تاريخ تبليغ هذا القرار أو نشره.






الفرع الثاني: شرط الميعاد أمام المجالس القضائية:
نتناول هذا الميعاد قبل اصلاح90/230 المؤرخ في 18/أوت/1990 وبعد الإصلاح.
1- قبل إصلاح 1990: نصت المادة 169 مكرر في فقرتها الرابعة من قانون الإجراءات المدنية على انه" يجوز رفع الدعوى القضائية في ميعاد شهر بعد رد الإدارة على التظلم الإداري"(1).
ففي هذه المرحلة كانت المدة المقررة لرفع المتقاضى أمام الغرف الادراية للمجالس القضائية تقدر بشهر واحد، يبدأ حسابها من تاريخ الرد الصريح أو الضمني عن التظلم الإداري المسبق من طرف الإدارة وهذا ما أشارت إليه المادة المذكورة أعلاه في فقرتها الرابعة بشكل صريح.
2- بعد إصلاح 1990: نتج عن التغيير الذي طرا على قانون الإجراءات المدنية لا سيما المادة 169 مكرر حذف شرط التظلم الإداري والمواعيد المتعلقة به. وبالتالي فان الميعاد الوحيد الموجود في هذه المادة يخص المرحلة القضائية(2).
فقد نصت المادة 169 مكرر في فقرتها الثالثة من ق ا م على انه" يجب ان يرفع الطاعن المشار إليه أنفا خلال أربعة اشهر التابعة للتبليغ القرار المطعون فيه أو نشره ".
وعلى حد ما سبق دراسة في شرط القرار السابق فالدعوى المقصودة في المادة 169 مكرر ق.أ.م هي دعوى تجاوز السلطة
من خلا ل نص المادة 169 مكرر قانون الإجراءات المدنية يتضح لنا أن هذا الإصلاح جاء بتغير كلي عكس ما كان عليه في مرحلة قبل 1990 ،ويكمن في أن ميعاد الدعوى امتد من شهر إلى أربعة أشهر ،ويبدأ سريانها ممن تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه أو نشره والعلة في ذلك قد تكون إلغاء التظلم الإداري كإجراء على مستوى المنازعات العائدة باختصاص الغرف الإدارية لدى المجالس القضائية ونشير هنا إلى أن التظلم الإداري يبقى إلزاميا أمام المجالس القضائية في بعض المنازعات الخاصة كما سنرى لاحقا ،وكان من الأجدر أن يمدد المشرع عند إصلاحه سنة 1990 ميعاد الدعوى العائدة لاختصاص المحكمة العليا( مجلس الدولة حاليا ) إلى أربعة أشهر ليس فقط أسوة بما فعله بالنسبة للدعوى العائدة لاختصاص المجالس القضائية ،وإنما أيضا لتوحيد نظام الميعاد بحيث يصبح واحد بالنسبة لجميع الدعاوى سواء العائدة لاختصاص المحكمة العليا (مجلس الدولة ) أو لاختصاص المجالس القضائية كقاعدة عامة ،إن توحيد الميعاد تفرقه متطلبات تبسيط الإجراءات للمتقاضين(1).















المطلب الثاني: سريان الميعاد " انطلاق الميعاد":
القاعدة أن الميعاد يبدأ من تاريخ تبليغ القرار الصريح برفض التظلم الإدارة المسبق أو من تاريخ القرار الضمني بالرفض الناتج عن مضي مدة تزيد عن 03 اشهر في حالة عدم رد الإدارة عن التظلم الإداري، هذا بالنسبة للدعوى تجاوز السلطة العائدة للاختصاص المجالس القضائية فنقطة انطلاق الميعاد تبدأ من تاريخ تبليغ القرار أو نشره ، فتاريخ الميعاد يبدآ سريانه من تاريخ نشر أو تبليغ القرارات الإدارية محل النزاع طبقا لما نصت عليه المواد 278 ،280 ،169 ق إ م .
إلا أن هاتين المحطتين ( النشر والتبليغ) تعرف محطة استثنائية تتمثل في نظرية العلم اليقين وهو ما سنوضحه فيما يلي :
الفرع الأول :النشر
يعرف النشر على أنه واقعة مادية يتم بموجبها علم الجمهور بصدور قرار أو لائحة .
ويعرف أنه إتباع الإدارة شكليات معينة لكي يعلم الجمهور بالقرار(1) فلا تنطلق المواعيد الخاصة بدعوى تجوز السلطة ضد القرارات التنظيمية إلا بد نشر هذه القرارات .
ويترتب على النشر افتراض علم الجميع افتراضا لا يقبل العكس.
وللإدارة إتباع شكليات ووسائل معينة لضمان العلم بالقرار، فوسائل النشر مثل النشر في لجريدة الرسمية وهي معدة أساسا لنشر القوانين والأوامر والمراسيم واللوائح والقرارات، ولكن الإدارة غير ملزمة بالنشر في الجريدة الرسمية ما لم يفرض عليها القانون ذلك، كما يمكن لإدارة
أن تنشر هده القرارات في الصحف الوطنية أو النشرات المحلية أو التعليق في أماكن مخصصة لهدا الغرض كما هو الحال في البلديات.
إن النشر الذي يعتد به في بدا سريان الميعاد هو النشر الكامل للقرار بحيث يؤدي إلى علم المعني بالأمر علما كافيا نافيا لكل جهالة، يمكن من تحديد مركزه القانوني إزاء الأثر المترتب عليه، فإذا نشر ملخص القرار فلا يعتد به ويشترط في النشر إن يتضمن البيانات الكافية لتحديد محتويات القرار وأسبابه.
وفي حالة النزاع حول عملية النشر يجب على الإدارة أن تثبت وجود وقيام النشر بطريقة قانونية وكاملة(1).
الفرع الثاني: التبليغ.
لا تنطلق المواعيد المتعلقة بالدعاوى الإدارية ضد القرارات الفردية إلا بعد تبليغها ، والتبليغ هو الطريقة التي تنقل بها الإدارة القرار إلى علم الفرد بعينه أو أفراد بدواتهم من الجمهور.(2)
أو هو واقعة مادية تمكن الجهة الإدارية بموجبها شخصا أو أشخاص معنيين بدواتهما من الإطلاع على مضمون القرار الادارى
وقد عرفه المجلس الأعلى " الغرفة الإدارية" بأنه (إجراء مادي بموجبه يحصل العلم الشخصي .بمحتوى نص القرار و الملحق لمصالحه )(3)'
ويشترط فيه أن يكون شاملا لكل البيانات بطريقة تمكن المتقاضى معرفة أو علم حقيقة مركزه القانوني.
و 463 ق ا م على ما يلي "لا يجوز إجراء اى تبليغ أو تنفيذ قبل الساعة الثامنة ولابعد الساعة الثانية عشر، ولا في أيام العطل الرسمية إلا بإذن من القاضي في حالات الاستعجال أو في وجود خطر في التأخير".
كما تنص المادة 467 من نفس القانون على " توجه كافة طلبات الحضور والتبليغات والمراسلات والإنذارات و الاشعارات والتنبيهات الخاصة بفاقد الأهلية أو ناقصها أو الإدارات العمومية والشركات والجمعيات وغيرها من الأشخاص الاعتبارية إلى ممثليهم القانونيين"
كما تنص المادة 473من القانون على انه" كل تبليغ لشخص اعتباري من أشخاص القانون العام يجب أن يؤثر عليه من الموظف الموكل إليه استلامه".
وقد اشترط الفقه والقضاء الإداري في عملية التبليغ لكي تكون بهذه الصفة يشترط في التبليغ ما يلي:
1- يجب أن تكون عملية التبليغ بصورة واضحة تمكن المعني بالأمر من معرفة دقيقة للقرار المبلغ له ومحتواه و استبعاد استعمال التعابير العامة التي تؤدي إلى اللبس والإبهام مثل عبارة "يجب الحضور أو التوجه إلى الإدارة لأمر يهمكم".
2- إن يوجه التبليغ إلى ذي مصلحة شخصيا أو إلى الذي ينوب عنه قانونا إذا كان ناقص أهلية، وإذا كان صاحب المصلحة المبلغ إليه شخصا معنويا فان التبليغ يكون للممثل القانوني للشخص المعنوي.
3- إن يتم التبليغ بواسطة موظف محلف إلى المعني بالأمر مباشرة أو عن طريق رسالة مضمونة(1).
مختص مع الاحتفاظ بتوقيع المبلغ إليه وذلك حتى يسهل عليه فيما بعد إثبات واقعة التبليغ وتاريخها.
ولكن هنا قد تصادفنا مشكلة تتمثل في الحالة التي يرفض فيها المعني بالتبليغ، وإمضاء الوثائق الخاصة بالقرار الإداري المبلغ له أو يرفض الإطلاع على محتوى القرار فما هو الحل هنا؟.
قررت المحكمة العليا في قضية " حوا مد موسى" ضد " وزير الدفاع الوطني" بتاريخ 14/02/1993 حيث جاء فيها مايلي:
" حيث انه يستخلص من وثائق الملف بأنه طلب من المعني أن يوقع محضر استلامه لدفتره العسكري بتاريخ 14/08/1989، لكن هذا الأخير رفض توقيع المحضر المتضمن استلام دفتره العسكري فان عملية التبليغ تمت معاينتها بلا منازع"(1)
الفرع الثالث: نظرية العلم اليقين:
تعرف قاعدة انطلاق الميعاد بواسطة التبليغ أو النشر استثناءا يتمثل في نظرية العلم اليقين ، وهي نظرية من خلق القضاء الفرنسي مفادها انه عندما يثبت من ملف الدعوى أو أية أوراق أخرى أو من دفاع الشخص انه أخد علما كافيا بالقرار محل الطعن فان الميعاد يبدأ في السريان حتى في غياب النشر أو التبليغ (2).
لكي يحقق العلم اليقين غايته لا بد من توافر شروط معينة تتضمن من خلالها أن يكون العلم يقينا لا افتراضيا وهذه الشروط هي:
1- أن يكون العلم يقينيا لا افتراضيا:
جاء في الحكم الصادر عن محكمة النقض المصرية انه " العلم اليقيني الذي يقوم مقام النشر هو العلم الحقيقي الشامل الذي يتبين من صاحبه وضعه القانوني فيما مسه، فلا تكون العبرة إذن بالظن أو الافتراض حيث يتبين منه مركزه اتجاهه ومبلغ تأثيره في حقه"(3).
2- أن يكون العلم شاملا لبيانات ومحتويات القرار:
أي أن يشتمل العلم على كل محتويات و جزيئات القرار وأسبابه، بحيث يتمكن الطاعن من معرفة الجهة التي أصدرت القرار والشكل الذي أصدرته فيه ومضمونه حتى يسمح له بتحديد مركزه القانوني بالنسبة لهذا القرار.



3- ثبوت العلم في تاريخ معلوم:
وذلك حتى يتسنى احتساب الميعاد اعتبارا من هذا اليوم، وفي حال لم يثبت العلم في تاريخ معين فلا يمكن الاحتجاج بهذه النظرية.
4- تخلف النشر والتبليغ للقرار المطعون فيه:
لا عدم وجود النشر والتبليغ هو أساس إعمال هذه النظرية.
وتاريخيا يعتبر القضاء الفرنسي هو الذي سن هذه النظرية وكان يطبق هذه النظرية في حالات عديدة ونزاعات مختلفة لكنه تراجع وأصبح يرتكز عليها بصفة نادرة (1).
وقد اعتاد القضاء على حالات معينة يمكن اعتبارها وقائع تفيد العلم اليقيني بالقرار. فالإقرار الصريح من طرف الشخص المعنى هو اعتراف الطاعن بأنه قد علم بالقرار المطعون فيه في تاريخ معين إلا أن هذا الإقرار من الناحية العملية نادر جدا لأنه ليس من المعقول أن يعترف الطاعن لكي يخسر دعواه لكنه قد يحصل بطريقة ما وإذا حصل هذا الإقرار يترتب عليه قضاء بدا سريان ميعاد الطعن.(2)
وفي الجزائر فان قضاة المحكمة العليا قد كرس تطبيقا واسعا لنظرية العلم اليقين في العديد من المجالات لكن يلاحظ أن قضاة المحكمة العليا قد كرس تطبيقا واسعا لنظرية العلم اليقين في العديد من المجالات لكن يلاحظ أن قضاء المحكمة العليا في هذا المجال يتميز بالتعقيد من حيث كيفية العمل بهذه النظرية وهكذا يعتبر الاجتهاد القضائي أن الطاعن أخد علما يقينا بالقرار محل الطعن من خلال الدعوى الاستعجالية التي يرفعها والمثال على ذلك قرار المحكمة العليا " الغرفة الإدارية" بتاريخ 08/11/1982 تحت رقم 28562 قضية فريق بن تومي ضد وزير الفلاحة ووالي ولاية بومرداس ( غير منشورة).
وخلال المراسلة المتبادلة بين وكيل المدعيات ( أخوهن) والإدارة نفس القرار رقم 28562.
أو من خلال قيام المدعي بالتظلم والمثال على ذلك قرار المحكمة العليا "الغرفة الإدارية " 05-03-1983 تحت رقم 29777 ( قضية ب.م.س.ضد وزير....وزير.... والى ولاية ....) غير منشور .
أو من خلال الحكم بعدم الاختصاص .ومثالنا على ذلك أيضا قرار المحكمة العليا "الغرفة الإدارية "02-04-1983 تحت رقم 32637 أو من خلال الدعوى المدنية التي كان الطاعن قد رفعها والتي تشير وثائقها نفسها إلى علمه بالقرار، والمثال على ذلك قرار المحكمة العليا " الغرفة الإدارية" 14 افر يل 1984قرار رقم 36166 س. ف ضد ك.م وآخرون غير منشور أو من خلال أقساط الضريبة التي كان الطاعن سددها والمثال على ذلك قرار المحكمة العليا " الغرفة الإدارية" 15 جوان 1985 تحت رقم72780 قضية خ .ع.ق ضد نائب مدير الظرائب لولاية ... غير منشور.
وفي جميع هذه الحالات فان الدعوى تجابه بعدم القبول لتنه تطبيق نظرية العلم اليقين تكون قد رفعت خارج ميعادها الذي يبدأ حسابه من تاريخ هذا العلم رغم أن القرار لم يبلغ أو لم ينشر(1).
ونلاحظ أن نظرية العلم اليقين تتحقق في حالتين مختلفتين:
الحالة الأولى: في حالة العلم بوجود قرار إداري خارج أي إجراء قضائي، فقد يحدث أن يعلم شخص ما بوجود قرار إداري لم يبلغ له أو لم ينشر فمن المنطقي أن تنطلق المواعيد حسب ما تقتضيه أحكام المادة 169 مكرر من ق ا م (2) فالمواعيد تنطلق هنا يوم العلم بوجود القرار الإداري.
الحالة الثانية: في حالة العلم بوجود قرار إداري أثناء الفصل في قضية مطروحة أمام جهة قضائية غير الجهة القضائية الإدارية.(1)





















المطلب الثالث: طبيعة شرط الميعاد:
إن رفع دعوى تجاوز السلطة أمام المجالس القضائية أو مجلس الدولة يستوجب على الطاعن أن يحترم المهل أو المواعيد المنصوص عليها في المواد 169 مكرر. 278. 276. 280 قانون الإجراءات المدنية.
إن دراسة موضوع المواعيد القانونية يستوجب بالضرورة دراسة طبيعتها اذ اتفق الفقه والقضاء الإداريين على انه ينتج على انقضاء المواعيد استحالة رفع دعوى قضائية ضد قرار إداري، نظرا لكون شرط الميعاد من النظام العام فان القاضي يثير مسالة انقضاء المواعيد من تلقاء نفسه حتى ولو تبين له من خلال دراسة الملف أن طلبات المدعي في الموضوع سديدة ومشروع.
كما أشار المشرع الجزائري في المادة 461 من قانون الإجراءات المدنية أنه<< فيما عدى حالة القوة القاهرة يترتب السقوط على مخالفة المواعيد لمحددة قانون لمباشرة حق من الحقوق بموجب نص هذا القانون >>.
إن ما جاء في هذه المادة السابقة لا يجيب عن السؤال المتعلق بطبيعة المواعيد المذكورة في قانون الإجراءات المدنية، لكن يظهر من قراءة المواد السابقة الذكر وخاصة من صياغتها، بحيث في كل مادة من هذه المواد يستعمل المشرع كلمة" يجب أن"وبالتالي فإن شرط الميعاد من النظام العام يعني عدم مخالفته وإلزام القاضي بإثارته من تلقاء نفسه(1) .
كما كتب الاستاد احمد محيو في هذا المجال بقوله" وبانقضاء هذه المدة دون تقديم الادعاء فان حف المدعي يسقط ولا يكون بوسعه حينئذ أن يقدم بادعائه إلى القاضي تحت طائلة رفضه وهذا وان كانت الدعوى تتركز على أساس متين(2).
إن ما رأيناه سابقا يؤدي بنا إلى القول ان شرط الميعاد يعد حاجزا يقف أمام المتضرر الذي يقع في اغلب الأحوال في متاهات حساب المواعيد الدقيقة.
المطلب الرابع: كيفية حساب المواعيد:
إن المسالة التي يطرحها موضوع كيفية حساب المواعيد يدور حول ما إذا كانت المدة المذكورة في (المواد 169 مكرر، 278، 279،280) لقد استعمل المشرع في هذه المواد كلمة "اشهر" ولم يشر إلى كلم "يوم" وبالتالي فان المواعيد تحسب من شهر إلى شهر مهما كان عدد أيام الشهر.
مثلا بلغ قرار إداري لشخص ما بتاريخ 06/04 لسنة ما ونظرا لما نصت عليه المادة 280 ق ا م فان على المدعي أن يرفع دعواه في خلال شهرين من تاريخ التبليغ أي قبل 08/06 لنفس السنة لان الحد الأقصى هو07/06 من نفس السنة وهذا بإتباع قاعدة "المواعيد الكاملة" المنصوص عليها في المادة 463 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على انه " جميع المواعيد المنصوص عليه في هذا القانون تحسب كاملة.
أما إذا صادف أخر يوم عطلة امتد إلى أو يوم عمل يليه".
وقد استعمل المشرع الجزائري مصطلح " كاملو" في عملية حساب المواعيد وتعني هذه القاعدة أن يوم التبليغ أو النشر لا تشكل نقطة انطلاق المواعيد بل تيدا في السريان من اليوم الذي يليه، وإذا كان اليوم الأخير يوم عطلة تمتد الآجال إلى أول يوم عمل يليه.
ولتوضيح كيفية حساب المواعيد هذه أمثلة عن ذلك:
المثال 1 : متعلق باليوم الأول:
إذا تم تبليغ أو نشر القرار يوم السبت فلا يحسب هذا اليوم وينطلق الميعاد يوم الأحد إذا كان هذا الأخير يوم عمل.
المثال 2: يتعلق بحساب الأشهر:
إذا انطلق الميعاد في 02 فيفري وكانت مدة الميعاد 04 اشهر فان الحساب يا خد بالمحطات التاريخية التالية من 02/02 إلى 02/03 إلى 02/04 إلى02/05 الى 02/06.

المثال 3: يتعلق بتحديد اليوم الأخير:
بالرجوع إلى المثال رقم2 أعلاه إذا كان يوم 02/05 يوم خميس أو جمعة فان آخر يوم يمتد إلى يوم السبت، وإذا كان هذا الأخير يوم عطلة رسمية أي يوم عيد فان آخر يوم يمتد إلى يوم الأحد(1).
ولقد كرس قضاء المحكمة العليا هذه القواعد في كيفية حساب المواعيد لرفع الدعاوى الإدارية.
حيث قررت المحكمة العليا " الغرفة الإدارية " في قضية والي ولاية... ووزير الداخلية" بتاريخ 29/ماي/1982 " بحيث تجدر الإشارة إلى أن اجل تقديم الاستئناف مدته شهر كامل ويعد حسب الرزنامة الشمسية يوما بيوم دون الالتفات لعدد أيام المكونة للشهر، وهذا الأجل لا يتضمن لا يوم ابتداء سريانه ولا يوم ميعاد حلوله..."(2).
كما قررت المحكمة العليا " الغرفة الإدارية" في قضية " غرلان احمد" ضد بلدية الاغواط بتاريخ 07/04/1991 ما يلي:
" حيث أن المستأنف بلغ بنسخة من القرار المستأنف في 05/03/1990 حيث أن آخر ميعاد الشهر المسموح له فيه بتقديم استئنافه يطابق يوم عطلة 05 افريل يوم خميس مما يسمح بتمديد الأجل إلى يوم السبت07 افريل الذي هو اليوم الأول للعمل وهذا طبقا لنص المادة 463 من قانون الإجراءات المدنية مما يجعل الاستئناف قانوني صحيح"(3).




المطلب الخامس: حالات تمديد ميعاد رفع الدعوى:
القاعدة العامة أن الميعاد يسري في أجاله القانونية والاستثناء عليها بالسماح لهذا الامتداد في حالات معينة، فالميعاد قد يمتد ويطول لسبب من الأسباب وقف الميعاد أو من أسباب قطع الميعاد المقررة في القانون، فإذا حدث أن قامت موانع أو عراقيل عطلت عملية سريان الميعاد المقرر لرفع الدعوى فان هذا الميعاد يتوقف مؤقتا ولا يستأنف إلا بعد غياب السبب الذي أوقفه لكن في اجل المدة المتبقية منه فقط، كما قد ينقطع الميعاد ليبدأ ميعاد جديد لرفع الدعوى بعد إزالة السبب بالنسبة لكل المدة القانونية وهذه الحالات بعضها نص عليها المشرع ق ا م وبعضها كرسه الاجتهاد القضائي وهي:
الفرع الأول: تمديد الميعاد بسبب القوة القاهرة:
تعرف القوة القاهرة بانها الحادث المفاجئ الخارج عن إرادة الطاعن والذي لا يمكن توقعه ولا درؤه عند الحدوث.
وقد نصت المادة 461 ق ا م على انه " فيما عدا حالة القوة القاهرة يترتب السقوط على مخالفة المواعيد المحددة قانونا لمباشرة الحقوق بموجب نصوص هذا القانون".
ويقرر القضاء الإداريان القوة القاهرة يترتب عليها وقف أو إيقاف ميعاد دعوى الإلغاء بحيث لا تبدأ المدة الباقية في السريان من جديد إلا بعد زوال أسباب القوة القاهرة(1)
و كتب الاستاد خلوفي في هذا " واعتقد أن القوة القاهرة وهي خارجة عن إرادة الطرفين وتحديد تاريخ زوالها صعب للمدعي وبالتالي فان القوة القاهرة لا تكون إلا في حالة من الحالات انقطاع الميعاد"(2) .

ويقع عبء إثبات هذه الحالة على كاهل المدعي وللقاضي السلطة في تقدير مدى توفر حالة القوة القاهرة من عدمها، ولا يعود سريان الميعاد إلا بانتهاء القوة القاهرة.
الفرع الثاني: تمديد الميعاد بسبب العطلة:
تنص المادة 463 من ق ا م على أن " جميع المواعيد المنصوص عليها في القانون تحسب كاملة وإذا صادف أخر ميعاد يوم عطلة امتد إلى أو يوم عمل يليه"
كما تنص المادة 464 من ق ا م على انه " تعد أيام العطلة الرسمية في مجال تطبيق هذا القانون أيام الراحة الأسبوعية و الأعياد الرسمية".
من خلال هذين النصين نستخلص أن الميعاد يمدد إلى أول يوم عمل يلي يوم العطلة، ويدخل في مفهوم العطلة حسب القانون أيام الراحة الأسبوعية والأعياد الرسمية، يستوي في ذلك الأعياد الوطنية والدينية وقد طبق الاجتهاد القضائي هذه المادة تطبيقا حرفيا في العديد من الأحكام مثل القرار رقم 28325 حيث جاء فيه<<... اذا كان الاجل ينتهي يوم عطلة حسب المادة 463 من ق ا م يمتد الأجل لليوم الذي يليه>>(1).
الفرع الثالث: تمديد الميعاد بسبب الإقامة بالخارج:
تنص المادة 236 من ق.ا.م. على انه "إذا كان احد الخصوم يقيم خارج البلاد فانه يزاد إلى ميعاد الطعن شهرا واحدا بالنسبة له مهما كانت طبيعة الدعوى "
كما تنص المادة 277 .ق.ا.م على انه"وميعاد الاستئناف شهرا واحدا ابتداء من التبليغ و يجوز مد هدا الميعاد و إيقافه وفقا للشروط المنصوص عليها فى المادتين 104 . 105"
وقد تنص المادة 104 على تمديد مهلة الاستئناف شهرا واحدا للمقيمين في تونس والمغرب وشهرين في البلاد الأجنبية، وفي غياب نص خاص بالغرف الإدارية حول تمديد الميعاد في الدعاوى الإدارية بسبب الإقامة في الخارج فانه يمكن التنازل عن إمكانية تطبيق أحكام المادة 104 ق ا م في هذا المجال ؟
لقد سبق أن بينا انه في حالة عدم وجود نص إجرائي خاص فان الإجراءات العامة تنطبق على المنازعات الإدارية بسبب النظام المعتمد والمتمثل في وحدة النظام الإجرائي الوارد في قانون الإجراءات المدنية(1).
الفرع الرابع: تمديد الميعاد بسبب طلب المساعدة القضائية:
يستلزم اللجوء إلى انقضاء لعرض النزاع بين المدعي والإدارة مبالغ ومصاريف ورسم يدفعها المدعي إضافة إلى أتعاب المحامين لا سيما في الدعاوى التي ترفع أمام مجلس الدولة ويطلب فيها أن يكون المحامي معتمد لدى المحكمة العليا.
كما نصت المادة الأولى من الأمر رقم 71/57 المؤرخ في 05/08/1971 المتعلق بالمساعدة القضائية على انه" تمنح المساعدة القضائية لكل شخص أو مؤسسة ذات مصلحة عامة ولكل جمعية خاصة إتباع عملا اسعافيا إذا تبين أن هذه الأشخاص والمؤسسات والجمعيات يستحيل عليها ممارسة حقوقها أمام القضاء طالبين أو مطلوبين".
وأسباب جعل طلب المساعدة القضائية كسبب من أسباب قطع امتداد الميعاد هو منطق وروح العدالة حيث لا يمكن أن يحرم الفرد من استعمال حق العدالة لحماية حقوقه ومصالحه بسبب فقره الاقتصادي، وان تقديمه طلب المساعدة القضائية هو الدليل القاطع على تمسكه بالدفاع عن حقوقه بحيث يصبح الفقر لا اثر له على المتقاضي باعتبار ان المساعدة القضائية تغنيه أو تعفيه من الرسوم أو إجبارية توكيل محامي له(2) .
وقد نص المشرع الجزائري على هذه الحالة في المادة 237 من ق ا م صراحة بالنسبة لقضايا النقض فيما يتعلق بالمواد المدنية حيث يقطع سريان الميعاد لمجرد تقديم طلب المساعدة القضائية إلى قلم كتابة الضبط في المحكمة العليا، ولا يعود السريان إلى للمدة المتبقية إلا من تاريخ تبليغ قرار قبول آو رفض الطلب من طرف مكتب المساعدة القضائية، أما فيما يخص المواد الإدارية فالمشرع لم يضع نصا صريحا يوجب من خلاله تمديد الميعاد بسبب طلب المساعدة القضائية ولكننا نرى انه يوجب مانع يقف حيال تطبيق هذا النوع من التمديد في المواد الإدارية على قانون الإجراءات المدنية.
الفرع الخامس:تمديد الميعاد بسبب الحكم بعدم الاختصاص:
إذا رفع المتقاضي دعواه خلال المدة المقررة لرفعها إلى جهة قضائية غير مختصة فان ذلك يؤدي إلى قطع ميعاد دعوى تجاوز السلطة ويبدأ هذا الميعاد من جديد من تاريخ صدور الحكم بعدم الاختصاص وتبليغه للمعني بالأمر، وهو ما استقر عليه الاجتهاد القضائي ويعتبر المتقاضي مبلغا بالحكم بعدم الاختصاص ولو كان التبليغ لمحاميه وليس له شخصيا(1).
ويشترط حتى يتم امتداد الميعاد بسبب رفع الدعوى أمام الجهة القضائية غير المختصة الشروط التالية:
- أن تكون الدعوى مرفوعة خطأ.
- أن ترفع أمام جهة قضائية .
- أن ترفع الدعوى أمام الجهة القضائية خلال الآجال القانونية المشترطة أمام الجهة القضائية المختصة.
- أن ترفع الدعوى الإدارية الثانية أمام الجهة القضائية المختصة في الآجال القانونية ابتداء من تبليغ القرار القضائي الذي قضى بعدم الاختصاص(2).
إن ما جاء في الشرط الأخير أعلاه يبين أن حالة رفع دعوى إدارية أمام جهة قضائية غير مختصة تندرج في حالة الانقطاع(3).




تناولنا تحت هذا الفصل الشروط المشتركة لرفع دعوى تجاوز السلطة بين الغرف الإدارية لدى المجالس القضائية ومجلس الدولة وذلك لتفادي التكرار الغير مجدي.
حيث تعرضنا في هذا الفصل إلى بيان محل دعوى تجاوز السلطة أي القرار الإداري، وذلك بتعريفه وبيان الخصائص المميز له وتوضيح الأعمال التي تقوم بها الإدارة والخارجة عن مجال الطعن بتجاوز السلطة بما في ذلك من فائدة واضحة هذت في المبحث الأول.
أما في المبحث الثاني شرحنا الإجراءات الواجب التقيد بها لرفع دعوى تجاوز السلطة سواء الخاصة بعريضة افتتاح الدعوى أو ماحقات العريضة.
وفي الأخير تطرقنا لشرط الميعاد في رفع دعوى تجاوز السلطة حيث انه لا يكفي إن تنصب الدعوى على قرار إداري واستيفاء الإجراءات اللازمة بل على المتقاضي حتى تقبل دعواه احترام مواعيد صارمة ودقيقة ترفع خلالها.
الفصل الثاني: الشروط الخاصة بقبول دعوى تجاوز السلطة أمام المجالس القضائية وأمام مجلس الدولة:
بالنظر إلى التعديل الذي ادخله المشرع الجزائري على قانون الإجراءات المدنية بموجب القانون رقم 90/23 المؤرخ في 18 أوت 1990 فان الشروط الواجب توفرها في دعوى تجاوز السلطة نتيجة هذا التعديل طرا عليها نوع من الاختلاف.
ونتيجة التعديل المذكور أعلاه أعيد توزيع الاختصاص بين جهات القضاء الإداري، فلم تعد دعوى تجاوز السلطة من الاختصاصات الحصرية للغرفة الإدارية للمحكمة العليا" مجلس الدولة حاليا"، بل أصبحت المجالس القضائية مختصة هي الأخرى بالنظر في دعاوى تجاوز السلطة حسب التوزيع الوارد في م 07 ق ا م.
والمعاملة والتمييز الذي خص به المشرع قرارات السلطات الإدارية المركزية عن قرارات السلطات الإدارية المحلية بالنسبة لبعض التعقيدات في الشروط التي مازال ينص عليها رغم الإصلاح الذي ادخله على قانون الإجراءات المدنية.
لهذا سوف نجيب عن هذه الإشكاليات في هذا الفصل حيث نتعرض في المبحث الأول إلى شرط الصلح أمام المجالس القضائية، ثم في المبحث الثاني سنتناول التظلم الإداري في دعوى تجاوز السلطة أمام مجلس الدولة.
ونتعرض في المبحث الثالث للشرط انتفاء الدعوى الموازية، ونختم هذا الفصل بمبحث خاص بالاستعانة بخدمات المحامين.







المبحث الأول: شرط الصلح أمام المجالس القضائية:
كانت القاعدة قبل الإصلاح الصادر بموجب قانون 18 أوت 1990 انه لا يجوز للمتقاضي في المنازعات الإدارية أن يلجأ إلى الغرف الإدارية لدى المجالس القضائية مباشرة بل يتحتم عليه بالقيام بالتظلم الإداري المسبق.
مع ملاحظة انه قبل هذا الإصلاح كان اختصاص المجالس القضائية ينصب فقط على دعاوي القضاء الكامل دون دعاوى تجاوز السلطة.
لكن بصدور تعديل 18 أوت 1990 أعاد المشرع توزيع الاختصاص وأصبحت المجالس القضائية هي صاحبة الولاية العامة في مجال المنازعات الإدارية.
وفي هذا التعديل الجديد ادخل المشرع فكرة الصلح القضائي أو المصالحة القضائية كبديل على شرط التظلم الإداري، وحذف هذا الشرط الأخير وهذا بالنسبة للمنازعات الإدارية التابع للاختصاص المجالس القضائية، حيث نجد أن المادة 169 مكرر ق ا م ج تحتوي على فقرتين فقط تتعلق بقاعدة القرار الإداري وميعاد رفع الدعوى، وأضاف المشرع المادة 169 مكرر3 ق ا م ج والتي تنص على شرط الصلح.
وسنستعرض في هذا المبحث إلى تعريف الصلح وميعاد وإجراءات القيام به والاستثناءات الواردة على شرط الصلح.








المطلب الأول: تعريف الصلح:
استحدث المشرع قاعدة جديدة نص عليها في المادة 169 مكرر فقرة 3 ق ا م تنص على مايلي:<< على كاتب الضبط أن يرسل العريضة عقب قيدها إلى رئيس المجلس القضائي الذي يحيلها إلى رئيس الغرفة الإدارية ليعين مستشارا مقررا.
ويقوم القاضي بإجراء محاولة صلح في مدة أقصاها ثلاثة اشهر...>>.
وبالتالي فان هذه المادة المستحدثة في إطار إصلاح 1990 تضمنت نظاما بديلا عن التظلم الإداري وهو الصلح، والذي يمكن تعريفه بأنه:
هو طريقة ودية لتسوية خلاف قائم بين طرفين أو أكثر(1).
فالمشرع بهذا النص يكون قد تخلى عن شرط التظلم الإداري وهذا كقاعدة عامة، حيث نجد أن بعض المنازعات الخاصة تستلزم القيام بالتظلم لا يطبق عليها شرط القيام بالصلح وهذا ما سنراه لا حقا.
وقد برر المشرع هذا التعديل لإيجاد حلول للتعقيدات وتخفيف العبء على المتقاضين وتبسيط إجراءات الدعوى الإدارية الذي يشكل التظلم احد مظاهر تعقيدها (2).
وبالرجوع إلى نص المادة 169 مكرر من ق ا م نجد أن المشرع يفرض على القاضي الإداري، لقيام بعملية الصلح في الدعاوى الإدارية التي تسجل لدى كتابة الضبط للمجالس القضائية، لكن من الناحية المنطقية هل الصلح يمكن أن يكون في كل الدعوى الإدارية دون مراعاة طبيعتها؟.
من الناحية المنطقية فان الصلح مقبول في الدعاوى القضاء الكامل وهي دعاوى ذاتية قائمة على نزاع بين طرفين وهي قابلة للإجراء محاولة الصلح تحت إشراف القاضي لكن في الدعاوى تجاوز السلطة لا يمكن تصور القيام بالصلح باعتبار هذه الدعوى موضوعية أي دعوى موجهة ضد قرار إداري يطلب المدعي من خلالها إلغاء قرار ادارى غير شرعي بدعوى تجاوز السلطة ترمي إلى الإجابة على مسالة واحدة هي:
هل القرار الإداري محل تجاوز السلطة شرعي أم غير شرعي (1).
وبمجرد رفع الدعوى تصبح القضية قضية قاضي تجاوز سلطة بوصفة ماست للرقابة على الشرعية وليس للصلح، أن تحويله أي دور الصلح في هذه المسائل يكون تحريفا في دوره مقاضي مشروعية مهمته الرقابة على أعمال الإدارة وإلزامها باحترام القانون، أن فكرة الصلح لا تكون مقبولة سوى أحكام القضاء الكامل(2)
وبالتالي ونظرا لما يقتضيه مبدأ المشروعية ومصداقية دور قاضي تجاوز السلطة فمن الملائم استدراك هذه الوضعية الغريبة وتخصيص عملية الصلح في حالة الإصرار على العمل بها على الدعاوى الإدارية الذاتية فقط(3).














المطلب الثاني: ميعاد وإجراءات القيام بالصلح:
لقد تضمنت المادة 169 مكرر/03 ق ا م المستحدثة في إطار إصلاح 1990 نظام بديلا عن التظلم الإداري المسبق إلا وهو الصلح، حيث تنص المادة الأنفة الذكر على المراحل والإجراءات المتعلقة بالقيام بالصلح والجهة القضائية التي تقوم بعملية الصلح والميعاد الذي يجري فيه والنتائج المترتبة على القيام بمحاولة الصلح.
فبالنسبة لميعاد القيام بالصلح حددت المادة المذكورة أعلاه هذه المدة بثلاثة اشهر( 03 اشهر) حيث تنص " ويقوم القاضي بإجراء محاولة الصلح في مدة أقصاها 03 اشهر".
ويلاحظ هنا أن ميعاد القيام بالصلح – 03 اشهر- هو نفس المهلة الممنوحة للإدارة لإعلان موقفها من التظلم الإداري المسبق حيث تبنى المشرع نفس المدة كأقصى ميعاد للقيام بالصلح.
بقد استحدث المشرع الجزائري نظام الصلح القضائي في إطار تعديل قانون الإجراءات المدنية سنة 1990 في المادة 169 مكرر 3 الواقعة في الباب الثاني من الكتاب الثالث من قانون الإجراءات المدنية المتعلقة بالإجراءات المتبعة أما المجالس القضائية الفاصلة في المادة الإدارية.
وهذا يعني أن المنازعات الإدارية التي ترفع إلى المجالس القضائية "الغرف الإدارية" تستلزم القيام بعملية الصلح قبل طرح النزاع على القاضي الإداري.
ولكن يستثني من هذا بعض المنازعات الخاصة التي تستلزم القيام بالتظلم الإداري المسبق ولا مجال فيها للقيام بالصلح.
وتختلف عملية إجراء الصلح من مجلس قضائي إلى آخر فمنهم من يجري عملية الصلح في جلسة علنية والبعض الآخر يجريها في مكتب القاضي بحضور الأطراف ومحاميهم. ويترك للقاضي المصالح السلطة التقديرية للقيام بالصلح وان كانت الجلسة العلنية أكثر فائدة لكونها تظهر أمام الجميع موقف الإدارة.
وبالرجوع إلى المادة 169 مكرر3 ق ا م لم يبين المشرع الطبيعة القانونية لعملية الصلح بمعنى أخر، هل الصلح إجباري أم هو غير كذلك؟
أن صياغة هذه المادة لا تعبر بوضوح عن طبيعة هذا الإجراء.
لكن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا أنظمة على الطابع الإجباري لإجراء عملية الصلح، في قضية بين رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية" عين ولمان" ضد السيد " طرطاق سليمان" بتاريخ 22/12/1992.
كما ذهب مجلس الدولة إلى اعتبار إجراء عملية الصلح من النظام العام يمكن أثارت عدم القيام به تلقائيا من طرف مجلس الدولة(1).
وأخيرا فان القيام بعملية الصلح هي المنصوص عليها في المادة 169 مكرر 3 ق ا م تترتب عليه حالتين أو وضعيتين، حيث يمكن التوصل إلى الصلح أو عدم التمكن إلى الصلح.
حيث تنص المادة 169 مكرر3 ق ا م " في حالة ما إذا تم الصلح يصدر المجلس قرارا يثبت اتفاق الأطراف ويخضع هذا القرار عند التنفيذ إلى الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، وفي حالة عدم الوصول إلى اتفاق، يحرر محضر عدم الصلح وتخضع القضية إلى إجراءات التحقيق المنصوص عليه في هذا القانون".








المطلب الثالث: لزوم القيام بالتظلم الإداري المسبق في بعض المنازعات الخاصة على مستوى المجالس القضائية:
كانت القاعدة قبل سنة 1990 أن التظلم الإداري المسبق شرط لابد من القيام به قبل الالتجاء إلى القاضي الإداري، لكن بعد تعديل 1990 حذف المشرع قاعدة التظلم الإداري المسبق بالنسبة للمنازعات العائدة لاختصاص المجالس القضائية وعوضها بالقيام بعملية الصلح، وبالمقابل فان شرط القيام بالتظلم الإداري المسبق مازال منصوصا عليه بالنسبة لبعض المنازعات الخاصة إضافة إلى وجوب التقييد به في بعض المنازعات العائدة لمجلس الدولة.
وسوف نعرض بعض الأمثلة للمنازعات التي يستلزم فيها القيان بالتظلم على مستوى المجالس القضائية.
1- منازعات الصفقات العمومية: نصت المادتين 100 و 101 من المرسوم التنفيذي رقم 91-434 المؤرخ في 09 نوفمبر1991 والمتضمن تنظيم الصفقات العمومية على ضرورة رفع التظلم الإداري من قبل المتعامل المتعاقد قبل لجوءه إلى القضاء المختص، فيجب القيام بالتظلم إلى** الصفقات العمومية المختصة.
ويوجه التظلم إلى رئيس اللجنة المعينة وهو أما الولي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي المعني حسب نوع الصفقة، ويحول الرئيس التظلم الإداري بموجب قرار إلى اللجنة لدراسته، ويجب عليها أن تعلن رأيها في اجل ثلاثة اشهر من تاريخ تحويل التظلم إليها وعلى طرفي النزاع أن يعلنا كتابة عن قبولهما رائ اللجنة خلال شهر واحد من تبليغه اليهما في حالة القبول يصبح ملزما لهما ولجميع المصالح الأخرى.
2- منازعات التنازل عن أملاك الدولة: نص القانون رقم 81-01 المؤرخ في07 فيفري 1981 المتضمن التنازل عن أملاك العقارية ذات الاستعمال السكني أو المهني أو التجاري أو الحرفي والتسيير العقاري والمؤسسات والهيئات والأجهزة العمومية.
حيث نص القانون أعلاه في مادته33 على التظلم الإداري كشرط وجوبي في الدعاوى المتعلقة بمنازعات أملاك الدولة.
حيث نصت المادة 33 على انه " يجوز لكل مترشح لاكتساب يرى انه مغبون أو أن حقوقه قد أغفلت أن يرفع طعنا إلى اللجنة الولائية المشار اليها في المادة 14 أعلاه وذلك في ظرف شهريين التاليين لتاريخ تبليغه القرار المتخذ ضده"
أما المادة 34 فنصت على انه " يتعين على اللجنة الولائية أن ** في ظرف شهرين التاليين لطلب ويجب أن تعلل القرارات التي تصدرها في هذا الإطار وتبلغ إلى صاحب الطلب ولجنة الدائرة المختصة".
ونصت المادة 35 على انه " يجوز للمترشح أن يرفع طعنا نزاعيا إلى الهيئات القضائية التابعة للقانون العام في حالة رفض الطعن المقدم إلى اللجنة الولائية أو عند عدم تلقي الرد في الآجال المحددة في المادة 34 أعلاه".
من خلال هذه المواد يقدم هذا التظلم من قبل المدعي إلى اللجنة الولائية في شكل طعن ضد قرار لجنة الدائرة يلتمس فيه التظلم من هذه اللجنة الولائية أو إلغاء قرار لجنة الدائرة وعلى اللجنة الولائية أن تفصل في التظلم خلال شهرين من تاريخ تقديمه وبعد انتهاء مدة الشهرين يستطيع المعني اللجوء إلى القضاء وفقا للقواعد العامة.
3- منازعات الضرائب: يعد التظلم شرطا لازما لقبول الدعوى، وقد نصت المادة 329 ف 1 من قانون الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة بالنسبة لمنازعات الضرائب المباشرة والمادة 108 ف 2 من قانون الرسم على القيمة المضافة فيما يخص منازعات الضرائب غير المباشرة.
ويقدم التظلم إلى مدير الضرائب على المستوى الولائي وينتهي ميعاد رفعه في 31 ديسمبر من السنة التي استلم خلالها المكلف بالضريبة إنذار الدفع وعلى مدير التظلم أن يبث في التظلم خلال أربعة اشهر من تاريخ استلامه وفي حالة السكوت وعدم الرد فان المهلة كذلك هي أربعة اشهر.
وفي حالة عدم الاستجابة للتظلم يجب على إدارة الضرائب أن تعلل قرار رفضها يتضمنه الأسباب التي أسسته عليها.
ويترتب على هذا الرفض حق التظلم أما أن يسلك الطريق الإداري أي اللجوء إلى لجان الطعن البلدية والولائية والمركزية، وإما أن يسلك الطريق القضائي ويرفع دعواه أمام الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية.
وإذا اختار هذا الأخير فلا يمكن له اللجوء إلى لجان الطعن البلدية أو الولائية أو المركزية.

















المبحث الثاني: شرط التظلم الإداري المسبق في الدعاوى العائدة لاختصاص مجلس الدولة:
نصت على هذا الشرط المادة 275 من قانون الإجراءات المدنية:
" لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة ما لم يسبقها الطعن الإداري التدريجي الذي يرفع أمام السلطة الإدارية التي تعلو مباشرة الجهة التي أصدرت القرار فان لم توجد فأمام من أصدر القرار نفسه"
وسوف نتعرض إلى تعريف التظلم الإداري المسبق ونميزه عن القرار الإداري السابق في المطلب الأول، ونشير في المطلب الثاني إلى أنواع التظلم، وفي المطلب الثالث بينا شروط التظلم، وأبرزنا مزايا و عيوب التظلم الإداري المسبق في المطلب الرابع، أما أخر مطلب نبرز فيه الطبيعة القانونية لشرط التظلم وميعاد تقديمه.













المطلب الأول: تعريف التظلم الإداري المسبق وتمييزه عن القرار الإداري.
الفرع الأول: تعريف التظلم الإداري المسبق:
نظرا لأهمية التظلم الإداري المسبق باعتباره وسيلة من وسائل حل النزاعات الإدارية بين الأفراد والسلطات الإدارية في الدولة إداريا ووديا.
فقد وليت له عناية خاصة من طرف فقه القانون الإداري، ويعرفه احدهم بأنه التماس أو شكوى يقدمها أصحاب الصفة و المصلحة إلى السلطات الإدارية والولائية و الرئاسية والوصائية واللجان الإدارية، طاعنين في قرارات وأعمال إدارية بعدم الشرعية وطالبين بإلغاء أو سحب أو تعديل هذه الأعمال الإدارية غير المشروعة (1).
ومنهم من طرح مسالة تعريف التظلم الإداري المسبق من خلال معرفة عناصره.
وفي هذا الصدد فان كلمة التظلم تعني الطريقة القانونية أو الشكوى أو الطلب المرفوع من المتظلم للحصول على حقوقه أو لتصحيح وضعيته ويعتبر التظلم الإداري المسبق عملا إداريا ويتمثل العنصر الثاني في التظلم الإداري ويعين هذا الأخير:
- توجيه التظلم إلى السلطة الإدارية المختصة.
- الطابع الغير قضائي لهذا الإجراء.
ويتمثل العنصر الثالث في موضوع ومكانة التظلم في النزاع الإداري، بحيث يعني هذا العنصر انه:
- يوجه مبدئيا ضد عمل قانوني أو مادي قامت به الإدارة.
- إجراء يسبق الدعوى الإدارية.(2)

وهناك من عرف التظلم الإداري المسبق على انه" طعن ذو طابع إداري محض، يوجه إلى الإدارة التي تتولى دراسته.
وغالبا ما تكون هذه الدراسة دون إجراءات محددة، وبدون مناقشة حضوري، وياخد هذا الطعن شكلين:
طعن ولائي، وطعن رئاسي(1).
ويمكن الإشارة إلى أن المشرع أعطى تعريفا للتظلم من خلال المادة275 ق ا م معتمدا على توضيح أنواع التظلم.
" لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة ما لم يسبقها الطعن الإداري التدريجي الذي يرفع أمام السلطة الإدارية التي تعلو مباشرة الجهة التي أصدرت القرار فان لم توجد فأمام من أصدر القرار نفسه".
الفرع الثاني: تميزه عن القرار الإداري:
أن القرار محل الطعن دوما يثار من قبل المدعي، باعتباره يشكل نتيجة التظلم الإداري، ولكي يكون هناك قرار إداري لابد أن ترد الإدارة عب طلبات الأفراد، وفي هذه الحالة ياخد القرار شكلا صريحا، يتمثل في جواب المعني بالأمر تحاشيا من أن تؤدي عطالة الإدارة إلى مثل المراجعة الإجبارية المسبقة فان قانون الإجراءات يورد قاعدة أن سكوت الإدارة خلال فتة ثلاثة اشهر يعتبر بمثابة قرار بالرفض، وفي هذه الحالة يكون القرار السابق ضمنيا.
أن القرار محل الطعن هو شرط ضروري لدعوى الإلغاء حتى يستطيع المتضرر أن يلجا إلى القضاء، وتهدف قاعدة القرار الإداري إلى ضبط المنازعات الإدارية، أي انه لا يمكن رفع دعوى قضائية إلا ضد قرار إداري، وبالتالي فان كلمة "السابق" تعني أصلا في المنازعات الإدارية أن يكفي للمدعي أن يقدم القرار الإداري المتنازع فيه مباشرة إلى رقابة القاضي الإداري دون شرط أخر، أي أن وجود القرار الإداري قبل اللجوء إلى القاضي الإداري يعني سبق الدعوى القضائية، وشكل من جهة شرط بداية قبول الدعوى القضائية(1).
وإذا أخدنا المثال موظف معاقب يريد الاحتجاج عن التدبير الذي لحق به، فان الإجراءات ليس مماثلة في النظام الفرنسي والنظام الجزائري.
ففي النظام الفرنسي تشكل العقوبة القرار المسبق الذي يحق بموجبه للمدعي أن يطعن فيه مباشرة أمام القضاء.
أما في النظام الجزائري فان العقوبة ليست سوى القرار الأصلي الذي يحق للمدعي أن يطعن فيه مباشرة أمام القاضي لان قانون الإجراءات المدنية يفرض عليه أن يمارس ضد هذا القرار الأصلي مراجعة إدارية مسبقة.(2)
ونخلص من المقارنة البسيطة بين النظامين بان النظام الجزائري باعتماد القرار المسبق إلى جانب القرار الأصلي يعد أكثر تعقيدا ومن هنا نتساءل عن جدوى اعتبار التظلم المسبق كإجراء وجوبي بينما يمكن الاعتماد مباشرة على القرار الأصلي في رفع دعوى تجاوز السلطة أمام الجهة المختصة.









المطلب الثاني: أنواع التظلم:
يتفرع التظلم الإداري إلى نوعين حددهما كل من الفقه والتشريع والقضاء فقد يكون رئاسيا وقد يكون ولائيا وهذا ما نصت عليها المادة 275 ق ا م بقولها" لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة ما لم يسبقها الطعن الإداري التدرجي الذي يرفع أمام الجهة الإدارية التي تعلو مباشرة الجهة التي أصدرت القرار فان لم توجد فأمام من أصدر القرار نفسه".
وسنتطرق إلى النوعين التاليين:
الفرع الأول: التظلم الرئاسي:
لمعرفة مفهوم التظلم الإداري الرئاسي لابد أن نتطرق إلى ما أشارت إليه المادة 275 ق ا م " اصطلاح الطعن التدريجي هو الذي يرفع إلى السلطة التي تعلو مباشرة الجهة التي أصدرت القرار".
ويرى بعض اساتدة القانون "أن المشرع الجزائري سلك مسلكا يتسم بالبساطة فحسم الأمر بالنص صراحة على أن الهيئة التي يوجه إليها التظلم الرئاسي هي الجهة التي تعلو مباشرة الجهة التي أصدرت القرار وليس السلطة الرئاسية الأعلى الموجودة في قمة الهرم السلمي ولا باقي السلطات الأقل منها مرتبة(1).
فعن طريق السلطة الرئاسية نلاحظ أن رئيس المؤسسة يمارس رقابة على الأعمال القانونية التي يقوم بها العمال والهدف من ذلك هو تطبيق مبدأ المشروعية، وذلك أن التظلم الرئاسي ير فع إلى الهيئات العليا الممارسة للرقابة على مرؤوسيها.
وخلاصة القول بان التظلم الإداري الرئاسي يعتبر بحق إجراء جوهري وضروري لابد أن يرفعه إلى السلطة التي تعلوا مباشرة مصدرة القرار متوخيا بذلك تحقيق أهدافه ورغباته.

الفرع الثاني: التظلم الولائي:
يعتبر التظلم الرئاسي كقاعدة عامة، ولا يلجا المتظلم إلى التظلم الولائي إلا في الحالات التي لا يكون فيها لمصدر القرار رئيسا وقد عرف على انه هو التظلم الذي يقدم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار الإداري المتظلم فيه أو أمام الجهة التي قامت بالعمل المادي محل التظلم(1) .
فهو إجراء يقوم به ذو مصلحة والصفة والشأن في صورة التماس ورجاء إلى ذات السلطة الإدارية التي صدر منها التصرف أو العمل محل التظلم يطالبون فيها بمراجعة هذا القرار أو العمل وإعادة النظر فيه بما يحقق سلامة ومشروعية.
ومن ثم فالتظلم الولائي ليس موازيا للتظلم الرئاسي، انه بديل عنه في حالات الهيئات الجماعية أو التي ليس لها رئيس للتمتعها بالاستقلالية الذي كما هو الحال في القرارات الصادرة في المجالس و اللجان ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير...الخ.
فهؤلاء جميعا ليس لهم رئيس، فالوزير هو الرئيس الإداري الأعلى في وزارته لأنه المسئول عن سير المرفق وليس رئيس الحكومة، الذي له عليه سلطات سياسية وليست إدارية، كذلك الحال لرئيس الجمهورية.
ويقصد بالرئيس الإداري هو من يتمتع بعناصر السلطة الرئاسية الكاملة ( التعين، التوقيف، التأديب...الخ)(2).




المطلب الثالث: مزايا وعيوب التظلم الإداري المسبق:
لقد ابرز الفقه أن التظلم الإداري المسبق له عدة مزايا كما له عيوبا.
الفرع الأول: مزايا التظلم الإداري المسبق:
الطعن الإداري المسبق يحتوي على مجموعة من المزايا بالنسبة للطاعن في القرار أولا وبالنسبة للإدارة ثانيا وبالنسبة لقضاء أخرا.
فبنسبة للطاعن: يسمح بتوضيح موقفه وطلبه الذي قد يؤدي إلى استجابة الإدارة بعد فحص جديد لقضيته.
الطعن الإداري قد يحقق نفس النتيجة التي يتوخاها الطاعن من القضاء وفي وقت قصير وبأقل التكاليف حيث لا يشترط دفع الرسوم ولا شكل العريضة
وملحقاتها, بل يكفي تقديم شكوى, أو التماس إعادة النظر وأما بالنسبة للإدارة فيسمح لها بالقيام بتصحيح سريع لأخطائها باعتبارها سلطة رئاسية أو ولائية و ذلك من بسط رقابتها الذاتية على مشروعية أعمالها وعدم ملاءمتها وبالتالي يؤدي التظلم إلى التسهيل في عملية الرقابة على أعمال السلطات الإدارية(1).
أما بالنسبة للعدالة: فهو يسهل عملية الرقابة القضائية لأنه غالبا ما يحدد عناصر النزاع بين الإدارة والمتقاضي، وكذلك يخفف العبء عن جهات القضاء الإداري حيث تحل بعض القضايا في مرحلتها الإدارية.
الفرع الثاني: العيوب:
يمكن حصر عيوب التظلم الإداري في:
1- أن اشتراط المراجعة الإدارية المسبقة إذا ما أضيف إلى شرط القرار الأصلي يؤدي إلى تطويل وتعقيد الإجراءات والجهل وبالتالي تثبيط عزيمة المتقاضين المحتملين(2).
فالطعن الإداري كأجراء من إجراءات الدعوى، قد يشكل حاجزا بين العدالة والمتقاضين، حيث يجد المتقاضي نفسه في متاهات من حساب المواعيد المعقدة والمكررة ومعرفة الجهات الإدارية التي يمكن اللجوء إليها وبالتالي يتم التأخير في رفع الدعوى القضائية.
كما يؤدي إلى تضيق الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، إذ انه كثيرا ما يخطئ الطاعن في إتباع الإجراءات الشكلية، وبالتالي فالقاضي قبل أن يصدر الحكم في الدعوى يجب عليه مراقبة الشرعية الشكلية، وبالتالي انتقلت مهمة القاضي من الرقابة الشرعية الموضوعية إلى الرقابة الشرعية الشكلية.
2- وان قلة الوعي القانوني في المجتمع تجعل من الصعب إدراك إلزامية الطعن، وأهميته لذلك غالبا ما يلجا مصدر القرار ضده إلى القضاء معتقدا انه لا جدوى من التظلم الإداري حتى يفاجئه بعدم قبول دعواه لذلك فقاعدة التظلم الإداري مجتمعا واعيا وعيا إداريا وقانونيا.
3- أن المبالغة في التركيز على حماية الإدارة الناشئة عن طريق اللجوء إلى الإجراءات الطويلة ومعقدة تنطوي خطر وضع العقبات أمام المتقاضي الذي نادرا ما يجرؤون على توجيه اتهام إلى السلطات العامة.
4- كما أن نتائج هذه الأوضاع لن يكون أبدا في صالح الإدارة لان المتقاضين الذين يتعذر عليهم سلوك الوسائل المحيطة والعادية سوف يحاولون استخدام الوسائل الموازية مع كل ما يترتب من ذلك من نتائج.
وهكذا فان المراجعة الإدارية المستقلة تشكل عنصرا من عناصر الإجراءات الإدارية لا القضائية وتهدف إلى حل النزاع دون تدخل القاضي ولا يتم تحريك الإجراءات القضائية، إلا بعد فشل تلك المراجعة(1)


المطلب الرابع: شروط التظلم الإداري المسبق:
يشترط في التظلم الإداري المسبق شروط يجب التقيد بها حتى يكون لهذا الأخير فعالية ونتائج، ولا ترفضه الإدارة.
1- أولوية التظلم الرئاسي:
أي بمعنى أن التظلم يرفع إلى رئيس من أصدر القرار الإداري وفي حالة عدم وجود من أصدر القرار، نلجأ إلى التظلم الولائي.
فالمادة 276 ق ا م تنص على قاعدة عامة، فالأصل هو التظلم الرئاسي ولا نلجا إلى التظلم الولائي إلا في الحالات التي لا يكون فيها لمصدر القرار رئيسا.
ولقد طبق القضاء الإداري هذا المفهوم بشكل واضح.
حيث جاء في قرار المحكمة العليا للغرفة الإدارية بتاريخ 23/01/1982، وان الطعن التدريجي في القرار الوالي المتضمن رفض عضو منتخب في المجلس الشعبي البلدي وكان يتعين توجيهه إلى وزير الداخلية الذي هو السلطة التي تعلو مباشرة الوالي(1).
لكن شرط التظلم الإداري المنصوص عليه في المادة 275 ق ا م يثير بعض التساؤلات.
حيث أن هذه المادة تشترط أن يكون التظلم رئاسيا أصلا، فان لم يكن كذلك يكون ولائيا.
وحيث تنص المادة 09 من القانون العضوي رقم 98-01 التي تشير إلى السلطات الإدارية المركزية التي يمكن الطعن في قارارتها أمام مجلس الدولة وهذه السلطات المركزية الإدارية تتمثل في الوزارات المختلفة ومن هذا المنطق نتساءل عن نع التظلم الذي يجب رفعه في دعوى تجاوز السلطة ضد قرارات الوزراء.
أن الوزارات تتمتع بالاستقلال الذاتي، وبالتالي فليس لها رئيس أو سلطة رئاسية تعلوها، وقد يقول البعض أن للوزير رئيس أعلى وهو رئيس الحكومة وان لهذا أيضا رئيس أعلى هو رئيس الجمهورية الذي يعينه، ولكن الحقيقة غير ذلك، فالوزير هو الرئيس الإداري الأعلى في وزارته لأنه المسؤول عن تسيير المرفق، وليس رئيس الحكومة الذي له عليه سلطة سياسية وليس إدارية، وان المقصود بالرئيس الإداري هو من يتمتع بعناصر السلطة الرئاسية الكاملة ( التعين، التأديب، الحلول محله، التصديق على القرارات، حق التأديب من نقل وعزل وغيرها).(1)
ولهذا يمكن القول أن كل وزير يمثل الدولة في الحياة القانونية والسياسية وتعتبر السلطة الإدارية العليا فيما يخص القرارات الإدارية الصادرة عنه، وبالتالي فان نوع التظلم الواجب رفعه هو التظلم الولائي دائما.(2)
2- الكتابة:
حيث انه لا تقبل دعوى تجاوز السلطة إلا إذا كانت عريضة الدعوى مرفقة أما بقرار رفض الطعن الإداري الذي سبق الطعن أو المستند المثبت إيداع هذا الطعن كما تنص على ذلك المادة 282 ق ا م .
نتبين مما سبق أن التظلم الإداري المسبق الشفهي غير متصور وغير عملي وهو لا يعتبر في صالح المتظلم لصعوبة إثباته.
فتقنيات الاتصال الحديثة مثل التليكس والفاكس وحتى البريد الالكتروني يثير إشكال لأنه من المفروض أن تكون مقبولة لتجنب التعقيدات و البيروقراطية وتقريب العدالة من المتقاضي كما هي سهلة الإثبات.(3)
من خلال قرار المجلس فان التظلم الإداري المسبق يجب أن يكون مكتوب وان يحتوي على عرض الوقائع وتحديد النصوص القانونية التي يستند عليها التظلم، وتحديد طلباته، والإشارة إلى اللجوء إلى القضاء في حالة عدم استجابة الإدارة لطلبه.(4)

3- ميعاد التظلم:
بناء على المادة 278 من ق ا م التي تنص على أن الطعن الإداري المسبق والمنصوص عليه في المادة 275 يجب أن يرفع خلال شهرين من تبليغ القرار المطعون فيه أو نشره.
يتبن من النص أن التظلم الإداري المسبق تربطه مواعيد لا يجوز مخالفتها.
فيجب على المتظلم أن يتقدم به خلال شهرين من تبليغه بالقرار محل التظلم أو نشره ويعتبر الالتزام بميعاد التظلم واجبا وان يدفع للتمسك به من صدر القرار ضده، يعد كان لم يكن ويسقط له الحق في التظلم الإداري، وعدم قبول الطعن القضائي.
















المطلب الخامس: الطبيعة القانونية لشرط التظلم:
الفرع الأول: اعتبار التظلم من النظام العام يؤثر على سقوط الحق في الدعوى:
يرى احد الاساتدة " أن التظلم ركيزة أساسية في النظام القضائي الجزائري في المواد الإدارية ومن ثم تكون نية المشرع قد انصرفت إلى اعتباره من النظام العام، خاصة وانه لا يستعمل صيغة جوازية في المادة 275 ق ا م ، فلم يجعله شرطا اختياريا وإنما جعله شرطا وجوبيا ورتب عن تخلفه عدم قبول الدعوى"(1).
وهناك من قال أن شرط التظلم الإداري إلزامي متحفظا حول طبيعة ذلك (2).
ويرى أخر انه بالرجوع إلى المادة 275 ق ا م وجانبها الشكلي والموضوعي استخلص أن قاعدة التظلم الإداري المسبق من النظام العام لأسباب منها، صفة النهي المستعملة من المشرع، وان موضوع وهدف القاعدة حيث تعتبر قاعدة جوهرية لا يمكن تصحيحها أثناء الخصومة، بالإضافة إلى علاقة القاعدة بالميعاد ما يجعلها ركيزة لبنية الهرم القانوني للمنازعات، مع الإشارة أن هذا الرأي قدم انتقادا لهذا الشرط واعتبره لصالح الإدارة(3).
في قضية "الشيخ معنية ومن معه" ضد والي ولاية تلمسان، قضت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا عن الجهة الواجب البث فيه والمأخوذ من خارج أوجه العريضة برفض دعوى المدعين لسبب عدم احترام ما ينص عليه قانون الإجراءات المدنية في التظلم الإداري المسبق(4).
أما فيما يتعلق بالخطأ في نوع التظلم أو الجهة المختصة بنظره فان الاجتهاد القضائي متدبدب كذلك وغير مستقر فأحيانا يقرر عدم قبول العريضة بسبب توجيه التظلم إلى جهة غير مختصة وأحيانا يقرر قبول العريضة على اعتبار انه يقع على الجهة التي استقبلت التظلم أن تحوله إلى الجهة المختصة(1).
الفرع الثاني: اعتبار ميعاد التظلم من النظام العام:
أن ميعاد التظلم المنصوص عليه في المادة 275 ق ا م هو شهران من تبليغ أو نشر القرار المطعون فيه هذا ما تثبته المادة 278 ق ا م كما عرفنا سابقا، كما أن الإدارة ملزمة أن تفصل في فيه خلال ثلاثة اشهر من تاريخ إرسال التظلم إليها.
وإذا كانت الهيئة تداولية فان حساب المهلة يبدأ من تاريخ قفل أول دورة تلي إيداع الطعن حسب ما نصت عليه المادة 279 ق ا م.
إذا فعلى المدعي في دعوى تجاوز السلطة العائدة لاختصاص مجلس الدولة أن يثبت انه قام بالتظلم المطلوب خلال ميعاد الشهرين التاليين لتاريخ تبليغ القرار محل الطعن أو نشره، مع أن التظلم خارج الميعاد يترتب عليه عدم قبول الدعوى شكلا لورود التظلم خارج الميعاد.
ولقد أكدت المحكمة العليا هذا في القرار رقم 23887 بتاريخ29/05/1982.(2)( قرار غير منشور) ويحسب ميعاد التظلم من تاريخ إرسال التظلم وليس استلامه ويترتب على فوات ميعاد التظلم سقوط الحق في ممارسة الدعوى، ذلك لان الدعوى بدون تظلم تجابه بعدم القبول لعدم استيفاء شرط جوهري وهو شرط التظلم.
كما أن ميعاد التظلم كميعاد الدعوى يعتبر من النظام العام وعلى القاضي أن يثيره من تلقاء نفسه، وفي أي مرحلة كانت عليها الدعوى. هذا ما نصت عليه المادة 461 ق ا م بقولها" فيما عدا حالة القوة القاهرة يترتب السقوط على مخالفة المواعيد المحددة قانونا لمباشرة حق من الحقوق بموجب نصوص هذا القانون".
وفي الأخير فان اعتبار ميعاد التظلم من النظام العام يسقط الحق في الدعوى(1) .






















المبحث الثالث: الاستعانة بخدمات المحامين:
تختلف فكرة الاستعانة بخدمات المحامين أمام الهيئات القضائية من دولة إلى أخرى فالجزائر تعتبر هذا الشرط إجباري ودونه تكون عريضة افتتاح الدعوى غير مقبولة، لكن هذه القاعدة ليست عامة فالأمر يقتصر على درجة من درجات التقاضي، فنجد لزوم الاستعانة بالمحامي بالنسبة للقضايا المرفوعة أمام مجلس الدولة، بينما أمام المجالس القضائية فهي اختيارية بالإضافة إلى فكرة إعفاء الدولة من هذا الشرط.

















المطلب الأول: نيابة المحامين على مستوى المجالس القضائية:
لقد نصت المادة 169 فقرة1 من قانون الإجراءات المدنية على انه:" ترفع الدعوى إلى المجلس القضائي بعريضة مكتوبة وموقع عليها من الخصم أو محامي مقيد في نقابة المحامين وتودع قلم كتابة المجلس".
فاللجوء إلى خدمات المحامين لا يقع إلا اختيارا على مستوى المجالس القضائية فالخصم له أن يباشر الخصام بنفسه أو بواسطة محام، كما لا يشترط في المحامي إلا أن يكون مسجلا لدى نقابة المحامين.
















المطلب الثاني: نيابة المحامين على مستوى مجلس الدولة:
أما على مستوى مجلس الدولة " الغرفة الإدارية" لدى المحكمة العليا سابقا فالأمر يختلف، فلا يستطيع الخصم مباشرة لدعواه بنفسه واللجوء إلى خدمات المحامين يكون إلزاميا حيث نصت المادة281 ق أ م على انه:" يرفع الطعن بالنقض بعريضة مكتوبة موقع عليها من طرف محام مقبول أمام المحكمة العليا".
كما نصت المادة 239 ق ا م على انه:" الأصل في إجراءات التقاضي أمام المحكمة العليا أن تكون بالكتابة والنيابة عن الخصوم لا تكون إلا بواسطة محامين مقبولين أمام تلك المحكمة".
وبعد استحداث مجلس الدولة فهنا من المنطقي أن يكون المحامي معتمد لدى مجلس الدولة لقبول نيابته.
والمحامون المقبولون لدى المحكمة العليا هم المحامون الذين لهم أقدمية تفوق عشر سنوات، أو المحامون برتبة استاد محاضر أو أستاذ بكلية الحقوق، والقضاة الذين لهم عشر سنوات ، والمحامون" المجاهدون وأبناء الشهداء" الذين لهم أقدمية خمس سنوات وهذا حسب المادة 13 من قانون المحاماة الصادر في 08/01/1991 تحت رقم 91-04.
ونيابة المحامين وجوبية أمام مجلس الدولة وان جزاء تخلف هذه الشكلية هو القضاء بعدم قبول الدعوى شكلا، ويستمر هذا الإلزام خلال مراحل الإجراءات ليشمل مذكرات الدفاع.
والمحكمة من ذلك ترجع إلى طبيعة الدعوى أمام المحكمة العليا " مجلس الدولة" التي تتعلق بجوانب قانونية في النقض في المواد العادية وهي التي دفعت المشرع إلى إلزام المتقاضين بالاستعانة بخدمات المحامين المعتمدين لدى هذه المحكمة، ويزداد هذا الدافع قوة بالنسبة لقضايا القانون لإداري المطروحة على المحكمة العليا سواء بصفة قاضي ابتدائي و نهائي أو بصفة قاضي استئناف أو بصفة قاضي نقض ففي جميع هذه الحالات تزداد الحاجة إلى الاستعانة بأهل الخبرة في مجال معروف بتعقده وتبعثر نصوصه وعدم تقنينها مما يؤدي إلى جهل غالبية المتقاضين بقواعده، ومن ثم تصبح خدمات المحامين المعتمدين لدى المحكمة العليا شبه حتمية حتى ولم ينص عليها المشرع صراحة(1) .


















المطلب الثالث: عدم إلزامية تمثيل الدولة بواسطة محامي معتمد لدى مجلس الدولة:
تنص المادة 239 الفقرة الأخيرة على انه:" غير أن الدولة معفاة من تمثيلها بمحامي".
الحكمة من عدم إلزام تمثيل الدولة بواسطة محامي معتمد تعود إلى أسباب عملية تتمثل فيما تتوافر عليه من إطارات قادرة على التقاضي مباشرة ودون الحاجة للجوء إلى خدمات المحامين.
وقد استقر قضاة المحكمة العليا على التمسك بهذه الشكلية مطبقا بذلك المادة 239 ق ا م تطبيقا حرفيا وصارما في العديد من الأحكام وان جزاء تخلف هذه الشكلية هو القضاء بعدم قبول الدعوى شكلا ولكنها شكلية ليست من النظام العام بحيث يجوز تصحيحها.
غير أن قضاء المحكمة العليا قد أعطى لمفهوم الدولة المعفاة من شرط تمثيلها بمحام مغزى ضيقا، يقتصر على "السلطة المركزية" دون الجماعات المحلية، وهكذا فالدولة ليست معفاة من شرط اللجوء إلى خدمات المحامين(1) .
ونقول في الأخير أن البيانات الأساسية لعريضة افتتاح الدعوى وملحقات العريضة هي الإجراءات اللازمة لرفع دعوى تجاوز السلطة إلى هيئة القضاء المختصة وتفادي الحكم برفض الدعوى شكلا..





المبحث الرابع: انتفاء الدعوى الموازية:
نصت المادة 276 ف 1 ق ا م على انه:" لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة أيضا إذا كان الطاعنون يملكون للدفاع عن مصالحهم طريق الطعن العادي أمام أية جهة قضائية أخرى".
والواقعة في القسم الأول من الباب الرابع من ق ا م والمتعلقة بالأحكام الخاصة بالغرفة الإدارية للمحكمة العليا.
وبناء على المادة 40 من القانون العضوي رقم 98/01 المتعلق بمجلس الدولة فان الإجراءات المطبقة أمامه تخضع لأحكام قانون الإجراءات المدنية، فيتضح أن هذا الشرط متعلق فقط بقبول دعوى تجاوز السلطة المرفوعة أمام مجلس الدولة.
وسنتناول هذا الشرط في أربعة مطالب، نخصص المطلب الأول لمصدر ومعنى قاعدة انتفاء الدعوى الموازية، وفي المطلب الثاني نتناول خصائص هذه الأخيرة، وفي المطلب الثالث نبين تطبيقات هذا الشرط في القانون الجزائري، وفي المطلب الأخير نبرز الانتقادات الموجهة لهذا الشرط.










المطلب الأول: معنى ومصدر شرط الدعوى الموازية:
ظهرت قاعدة انتفاء الدعوى الموازية في النظام القانوني الفرنسي في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكرسها مجلس الدولة الفرنسي في العديد من القضايا. ويقصد بهذه القاعدة عدم قبول الدعاوى الإدارية الرامية إلى إلغاء بعض القرارات الإدارية على أساس تجاوز السلطة، إذا كان بحوزة المدعي دعوى إدارية أخرى تكون لها نفس الفعالية وتسمح له أن يتحصل على نفس النتيجة(1).
يمكن أن نعطي معنى أخر لهذه القاعدة بأنها طريق قضائي آخر يحقق للمدعي نفس النتائج العملية التي يريد الوصول إليها عن طريق دعوى تجاوز السلطة، وذلك سواء أكان هذا الطريق الأخر، دعوى ترفع أمام محكمة إدارية أو محكمة قضائية(2).
وذهب قضاء مجلس الدولة الفرنسي إلى أن الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود طريق طعن مقابل أو موازي إنما يقوم على أساس القول بان دعوى تجاوز السلطة هي دعوى احتياطية لا يجوز الالتجاء إليها إلا إذا لم يكن أمام الطاعن سواها.
فدعوى تجاوز السلطة كانت في بداية تاريخها القانوني دعوى احتياطية أو كما سماها الأستاذ" اوكوك Aucec" وسيلة أسمى لا تستعمل إلا في حالة وجود دعوى أخرى ممكنة، كما بررها الأستاذ" لافيريار Laferriere" فرض نفس الشرط لأنه يضمن التميز بين الدعاوى ويبعد الخطر الذي من شانه يصبح مجلس الدولة عن طريق دعوى تجاوز السلطة جهة قضائية ذات اختصاص عام.
كما برر الأستاذ " فيدال Vedel " انه لولا وجود هذا الشرط لفلت عدد كبير من النزاعات الإدارية من اختصاصها الطبيعي لتصبح من نزاعات تجاوز السلطة.
وإذا كان القضاء الإداري الفرنسي يبني قاعدة الدعوى الموازية في أول الأمر على أساس أن دعوى تجاوز السلطة هي دعوى احتياطية، فقد تعددت تطبيقات هذا الشرط لكن الوضع تغير الآن بحيث أن قرارات مجلس الدولة الفرنسي تشير إلى دعوى تجاوز السلطة باعتبارها دعوى أصلية وعامة، وانه لا يجوز للقضاء أن يعطيها صفة لم يجعلها لها المشرع، وأصبح القضاء الإداري الفرنسي يضيق من نطاق هذا الشرط تضيقا يكاد لا يبقى معه اثر واضح للشرط، وأصبح أساس الدفع في فرنسا الآن هو المحافظة على قواعد الاختصاص بين الجهات القضائية المختلفة(1).
ومن أمثلة المجالات التي كان يطبق فيها هذا الشرط:
1- مجال الأشغال العمومية: كان مجلس الدولة الفرنسي يحكم بعدم قبول دعوى تجاوز السلطة ضد القرارات الصادرة أثناء عملية تنفيذ الأشغال، إذ يملك الأفراد طريق الطعن الموازي أمام المحاكم الإدارية المختصة بمنازعات الأشغال العمومية.
2- مجال الضرائب: كان مجلس الدولة الفرنسي يحكم بعدم قبول دعوى تجاوز السلطة لقرار فرض الضريبة، لان الأفراد يملكون طريق الطعن الموازي والمتمثل في دعوى الإعفاء من الضريبة والتي تحقق له نفس النتائج المرجوة من دعوى تجاوز السلطة.
3- مجال العقود الإدارية: يملك المتقاضي هنا طريق الطعن الموازي المتمثل في رفع الدعوى أمام قاضي العقود دون اللجوء إلى رفع دعوى تجاوز السلطة.









المطلب الثاني: خصائص الدعوى الموازية:
أن اشتراط عدم وجود الدعوى الموازية كشرط لقبول دعوى تجاوز السلطة لم يأتي خاليا من الشروط والقيود، إذ وضع الفقه والقضاء قواعد متعلقة بهذا الشرط يجب توافرها حتى تعتبر الدعوى موازية وتتمثل فيما يلي:
1- الدعوى الموازية دعوى قضائية: لكي توجد وتطبق قاعدة الدعوى الموازية ولا تقبل دعوى تجاوز السلطة تبعا لذلك يجب أن تكون الدعوى الموازية دعوى قضائية في طبيعتها، فلا تعتبر التظلمات الإدارية دعاوى موازية، حتى ولو نص عليها القانون بحيث ينقصها عنصر أساسي للدعاوى القضائية والمتمثل في حجية الشيء المقضي فيه، فالتظلم الإداري يحتفظ بطبيعته كتظلم إداري مسبق ولا يشكل مطلقا دعوى موازية.
ومن هنا نقول انه حتى يتحقق شرط الدعوى الموازية يجب أن تكون دعوى حقيقية بمعنى أن ترفع إلى المحكمة ليفصل فيها قاضي.
2- أن تكون الدعوى الموازية أداة قضائية هجومية وليست دفاعية: ومن ثم لا يمكن اعتبار الدفوع القضائية مثل الدفع بعدم شرعية القرارات الإدارية دعاوى موازية لدعوى تجاوز السلطة، والفرق بين الدعوى والدفع هو أن الدعوى أداة هجوم يستطيع الطاعن أن يلجا إليها دائما، وهي اشمل من الدفع وتحقق نتائج أوسع، أما الدفع فهو وسيلة دفاع خلال عملية التقاضي يدفع بها المدعى عليه الدعوى.
3- يجب أن تحقق الدعوى الموازية نفس النتائج التي تحققها دعوى تجاوز السلطة: لا يمكننا القول بوجود دعوى موازية إلا إذا كانت هذه الدعوى تحقق نفس النتيجة التي تحققها دعوى تجاوز السلطة فان لم تكن قادرة على تحقيق ذلك فان المجال يبقى برفع دعوى تجاوز السلطة.
وتعتبر منازعات الضرائب أحسن مثال على هذه الإشكالية، إذ أن لمدعي ما متضرر من قرار إداري متعلق بضريبة فرضت عليه من قبل إدارة الضرائب أن يرفع دعوى تجاوز السلطة ضد هذا القرار، يدعي فيها انه غير شرعي بينما يهدف من وراء هذه الدعوى مناقشة المبلغ المفروض عليه.
فعلى قاضي تجاوز السلطة أن يرفض الدعوى لان للمدعي دعوى إدارية أخرى ( أي دعوى موازية) تضمن له نفس النتيجة، وهي الدعوى الخاصة بمنازعات الضرائب والمدرجة ضمن قائمة دعاوى القضاء الكامل(1).
والملاحظات هذا الشرط الأخير من أكثر الشروط صرامة، ويعتبر بمثابة قيد كبير على أعمال نظرية الدعوى الموازية، ولذلك رأى جانب من الفقه انه من الاستحالة بماكان تطبيق هذه النظرية لأنه نادرا ما نجد دعوى قضائية تحقق نفس النتائج التي ترتبها دعوى تجاوز السلطة.
ولهذا جاء في ذكر خصائص دعوى تجاوز السلطة إنها الدعوى الأصلي لإلغاء قرار إداري، ولهذه الأسباب بدأ مجلس الدولة الفرنسي يضيق من مجالات تطبيق هذه النظرية فلا يمكن لدعاوى التعويض ودعاوى العقود الإدارية ودعاوى فحص المشروعية أن تحل محل دعوى تجاوز السلطة وتكون يعيدا عنها ذلك أنها لا تستطيع أن تحقق كافة الآثار التي تحققها هذه الأخيرة.
بالإضافة إلى هذه الشروط الفقهية والقضائية يشترط المشرع الجزائري لتطبيق شرط انتفاء الدعوى الموازية لقبول دعوى تجاوز السلطة أن تكون جهة الاختصاص القضائي بالدعوى الموازية غير جهة الاختصاص القضائي بدعوى تجاوز السلطة " لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة أيضا إذا كان الطاعنون لا يملكون للدفاع عن مصالحهم طريق الطعن العادي أمام أي جهة قضائية أخرى "(1) .



المطلب الثالث: تطبيقات هذا الشرط في القضاء الجزائري:
نظرا للصعوبات العملية التي تواجه تطبيق شرط انتفاء الدعوى الموازية، فأننا لا نجد تطبيقات كثيرة في القضاء الإداري الجزائري لها، إلا انه توجد بعض القرارات الصادرة عن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا (مجلس الدولة حاليا) نتبين فيها أن القاضي الإداري طبق أحكام المادة 276 ف1 من قانون الإجراءات المدنية في عدد من القضايا.
وهذا يدل على أن دعوى تجاوز السلطة يشترط لقبولها انعدام طريق الدعوى الموازية، وبالمفهوم المعاكس فان دعوى تجاوز السلطة ترفض ما دام هناك طريق آخر يملكه الطاعن ويحقق له النتائج ذاتها.
ففي قضية " د س " ضد وزير التعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 06 مارس1982 (1) والتي تتلخص وقائعها فيما يلي:
رفعت السيدة " د س " بموجب عريضة مودعة لدى كتابة الضبط بالمجلس الأعلى بتاريخ 04/03/1981 دعوى تجاوز السلطة ضد قرار صادر عن وزير التعليم العالي والبحث العلمي المؤرخ في 11/06/1980 الذي فسخ العقد الذي كان يربطها بالإدارة.
قضت الغرفة الإدارية بما يلي:" حيث أن المدعية التي تعمل بصفة متعاونة في نطاق التعليم العالي بالتعاقد ضمن إطار الاتفاقية الجزائرية الفرنسية. حيث من الثابت أن طعن المدعية المذكورة الرامي إلى معاينة المساس بحقوقها الناجمة عن التعاقد الذي يربطها بالدولة الجزائرية والأمر أيضا باتخاذ التدابير اللازمة التي تعيدها إلى وضعيتها على أساس أن الحق المطالب به هو نزاع يخضع للقضاء التام.
حيث أن المادة 07 ق ا م تخول الغرفة الإدارية للمجالس القضائية الفصل ابتدائيا في كافة النزاعات الخاضعة للقضاء التام.
حيث أن المادة 274 ق ا م تنص على أن الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى تفصل ابتدائيا ونهائيا في الطعون بالإلغاء المقدمة ضد القرارات التنظيمية أو الفردية المتخذة من السلطات الإدارية.
لكنه تطبيقا لأحكام المادة 267 ف1 من ق ا م " أن الطعن بالإلغاء لا يكون مقبولا عندما يكون النزاع مثل الشأن في القضية الراهنة فان المدعية لها إمكانية الدفاع والمطالبة بحقوقها بواسطة طريق الطعن المطبق في القضاء التام.
وعليه نتيجة لما سبق ذكره يتضمن رفض الطعن الحال لسوء تأسيسه".
كما نجد تطبيقا أخر لشرط الدعوى الموازية في قضية السيد" عمار خوجة شعبان" ضد وزير الداخلية والجماعات المحلية بتاريخ 24/03/1999 (1).
حيث تتلخص وقائع هذه القضية في أن السيد "عمار خوجة شعبان" قام برفع دعوى تجاوز السلطة في قرار صادر عن رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية " مشتراس" الذي رفض له ضمنيا تسليم رخصة البناء.
وإجابة الغرفة الإدارية للمحكمة العليا على الوجه الذي دفعت به الإدارة والمتعلق برفض الدعوى لتقديمها أمام جهة قضائية غير مختصة في الحيثية التالية:
" وبما انه كان بحوزة المعني وطبقا لمقتضيات المادة 276 من ق ا م الطعن الموازي فانه لا يمكن قبول الطلبات الزائدة في العريضة".
ومما سبق يتضح لنا ورغم صعوبة تطبيق شرط انتفاء الدعوى الموازية إلا أن قضاء المحكمة العليا الغرفة الإدارية – قد عمل بهذا الشرط ورفض دعاوى تجاوز السلطة على أساس أن الطاعنين يملكون طريق قضائي أخر يمكنهم من الحصول على النتائج المراد تحقيقها، دون اللجوء إلى رفع دعوى تجاوز السلطة.









 


قديم 2011-02-25, 15:39   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

المطلب الرابع: الانتقادات الموجهة إلى شرط عدم وجود الدعوى الموازية.
رئينا فيما سبق أن مصدر شرط الدعوى الموازية هو النظام القضائي الفرنسي حيث كانت دعوى تجاوز السلطة لها طبيعة استثنائية أو احتياطية فقد كانت هذه الدعوى آخر وسيلة قانونية أمام الأفراد للدفاع عن حقوقهم لكن التطور القانوني جعل هذا الأساس الذي قام عليه هذا الشرط يتقلص بصفة كبيرة، حيث نادى القضاء بالإقلاع عن هذا الشرط لا استحالة تحقيق الدعوى الموازية لنفس النتائج دعوى تجاوز السلطة، ولقد استجاب القضاء الفرنسي بدرجة كبيرة لرأي الفقه وأصبح القضاء الفرنسي الآن يضيق من نطاق هذا الشرط تطبيقا لا يكاد يبقى معه اثر واضح لشرط ن وأصبح أساسه في فرنسا هو المحافظة على قواعد الاختصاص بين الجهات القضائية المختصة. (1)
لهذا يقول الأستاذ الدكتور " سليمان محمد الطماوي" " لهذا نفضل استبعاد فكرة الدعوى الموازية من بين شروط قبول دعوى الإلغاء والاكتفاء بأحكام الدفع بعدم الاختصاص المعروفة، ويكفي في هذا الصدد أن نقول: حتى يختص مجلس الدولة بإلغاء قرار إداري يجب أن لا يكون المشرع قد عمد إلى إلغاءه إلى جهة قضائية أخرى صراحة أو ضمنا"(2) .
أما في الجزائر فقد تبنى المشرع الجزائري في نظرية الدعوى الموازية في قانون الإجراءات المدنية في نص المادة 276، حيث نص على شرط انتفاء الدعوى الموازية، لقبول دعوى تجاوز السلطة المرفوعة أمام مجلس الدولة ( الغرفة الإدارية للمحكمة العليا سابقا).
فعلى الرغم من نص المشرع الجزائري على هذا الشرط في نص المادة 276 من قانون الإجراءات المدنية، إلا أن فقهاء القانون الإداري في الجزائر ابدوا ملاحظاتهم حول هذا الشرط تصب في خانة المطالبة بتخلي عن هذا الشرط بحذف المادة 276 من قانون الإجراءات المدنية وهذا لزوال المبررات والأسس التي ابتكرت بموجبها هذه النظرية.
فقد كتب الأستاذ "احمد محيو" بعد التطرق لمفهوم الدعوى الموازية <<... ولكن مع تطور دعوى تجاوز السلطة التي لم تعد استثنائية أو احتياطية فان هذا التفسير غير صحيح>>(1).
أما الاستاد " عمار عوابدي" فقد تناول هذا الموضوع بنقد شديد حيث توصل إلا انه لا توجد دعوى موازية ومساوية لدعوى تجاوز السلطة ومن المستحيل أن تحقق نفس نتائج هذه الأخيرة.
فكتب يقول:<< ونحن بدورنا نستغرب ونعيب على المشرع الجزائري أن يتبنى في صلب قانون الإجراءات المدنية وفي المادة 276 منه نظرية ميتة لم تطبق إطلاقا من قبل القضاء الإداري الفرنسي الذي خلقها وتخلى عنها نهائيا في نهاية القرن التاسع عشر.
فالمادة276 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري التي تشترط انتفاء نظرية الدعوى الموازية لإمكانية قبول النظر والفصل في دعوى الإلغاء ولا قيمة قانونية نظرية، ولا عملية لها ولا وجود لها إطلاقا ولا يمكن تطبيقها في الواقع، فهذه المادة تزيد عدم الفائدة والمنطق العملي وهي عبارة عن مجرد تقليد أعمى لنظرية قضائية ميتة مهجورة من جانب القضاء الإداري الفرنسي"(1).
فإذا كانت الدعوى الموازية لا تحقق نفس النتائج دعوى تجاوز السلطة، فان لقاعدة انتفاء الدعوى الموازية مدلولا أخر لعبارة " نفس النتيجة" يتمثل المفهوم في انتفاء الدعوى الموازية في النتيجة المنتظرة التي لا تقدر من زاوية نتائج دعوى تجاوز السلطة وهي إلغاء قرار إداري عير مشروع، بل تقدر من الهدف الذي يصبوا إليه المدعي فقط، وأحسن مثال على ذلك نستخلصه من منازعات الضرائب، بحيث ما يهم المدعي يتمثل بدرجة أولى في الجانب المالي أكثر من جانب مشروعية القرار الإداري الصادر من إدارة الضرائب.
أن شرط انتفاء الدعوى يندرج ضمن موضوع الاختصاص النوعي للهيئات القضائية الإدارية، وان رفض دعوى تجاوز السلطة بسبب وجود دعوى موازية، مردها إلى أن النزاع المطروح على قاضي تجاوز السلطة هو نوع أخر ومن اختصاص قاضي أخر.
لكن أحكام الفقرة02 من المادة 276 من قانون الإجراءات المدنية والتغير الذي مس المادة 07 من نفس القانون في سنة 1990 قلل بنسبة كبيرة من أهمية ومجال شرط انتفاء الدعوى الموازية.
كما أن مبرر وجود شرط انتفاء الدعوى الموازية الذي يعتبر أن دعوى تجاوز السلطة كدعوى احتياطية قد تلاشى بحيث أصبحت هذه الأخيرة دعوى أساسية في المنازعات الإدارية(2).

توصلنا بعد دراستنا للشروط الخاصة بقبول دعوى تجاوز السلطة إلى أن هذه الشروط امام المجالس القضائية تتمثل في شرط القيام بالصلح، حيث بموجب القانون 90-23 تخلى المشرع عن شرط التظلم الإداري أمام المجالس القضائية مستحدثا شرط الصلح وموضحا الإجراءات اللازمة للقيام به، كما انه تبقى بعض المنازعات تستلزم القيام بالتظلم الإداري المسبق أمام المجالس القضائية تحت قاعدة الخاص يقيد العام.
وبالنسبة لمسالة الاستفادة بخدمات المحامين فالقاعدة أن المدعي حر في أن يستعين بمحامي أمام المجالس القضائية وفيما يخص الشروط اللازمة لقبول دعوى تجاوز السلطة أمام مجلس الدولة فالمشرع رغم حذفه لشرط التظلم أمام المجالس القضائية لا زال ينص على هذا الشرط لقبول دعوى تجاوز السلطة رغم أن وحدة الأسباب وتبسيط الإجراءات أمام المتقاضين كانت تقتضيان يحذف هذا الشرط على مستوى الدعاوى الخاصة بمجلس الدولة، وعلى العكس ما هو موجود أمام المجالس القضائية، فالعريضة يجب أن تكون موقعة من طرف محامي معتمد لدى مجلس الدولة.
ومن الشروط التي لا زال ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية شرط انتفاء الدعوى الموازية، رغم ما يحيط بهذا الشرط من انتقادات وصعوبة في التطبيق.

الخـــاتمـــة
في ختام هذا البحث المتواضع والذي استعرضنا فيه الشروط التي يستلزم ان تتوافر في دعوى تجاوز السلطة حتى يتسنى للقاضي المختص دراستها والفصل فيها، وهذه الشروط هي من الأهمية بمكان بحيث ترفض دعوى تجاوز السلطة إذا تخلف احد من هذه الشروط فيجب أن تتوافر وتتحقق كلها قبل التطرق لموضوع الدعوى.
وبعد الإصلاح الذي ادخله المشرع على قانون الإجراءات المدنية سنة 1990 وإعادة توزيع الاختصاص بين الغرفة الإدارية للمحكمة العليا والغرف الإدارية للمجالس القضائية، بحيث أصبحت هذه الأخيرة هي صاحبة الولاية العامة في مجال المنازعات الإدارية وأصبحت تختص بالفصل في منازعات دعاوى تجاوز السلطة بعدما كانت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا- وهذا قبل 1990- هي الجهة الوحيدة المخولة لنظر في دعاوى تجاوز السلطة، وبعد تبني المشرع لنظام ازدواجية القضاء في دستور 1996 وإنشاء مجلس الدولة والمحاكم الإدارية.
تبين لنا أن الشروط الواجب توافرها على مستوى كلا الدرجتين تتشابه في بعض الأحيان وتختلف في أحيان أخرى فعند التكلم على القرار الإداري المطعون فيه نجد أن له نفس الخصائص في كلا الدرجتين رغم اختلاف الجهة المصدرة له، أما إجراءات رفع الدعوى فهي تتم بعريضة افتتاحية تتضمن شروط خاصة بها بالإضافة إلى ملحقات يجب إرفاقها بالعريضة.
كما أن ميعاد رفع الدعوى وان اختلف من حيث مدته حيث كان من الأجدر بالمشرع عند تعديله لقانون الإجراءات المدنية أن يوحد المواعيد القضائية سواء بان يمدد من ميعاد رفع دعوى تجاوز السلطة أمام مجلس الدولة إلى أربعة اشهر بدلا من شهرين أو العكس يخفض من الميعاد أمام المجالس القضائية، أما القواعد الأخرى المتعلقة بانطلاق الميعاد وحسابه وتمديده فهي نفسها على مستوى كلا الدرجتين.
وعند تطرقنا للشروط المختلفة لقبول دعوى تجاوز السلطة نجد أن هذه الشروط تختلف وتتباين، فعند التكلم عن دعوى تجاوز السلطة على مستوى مجلس الدولة نجد ان المشرع يعامل القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية وغيرها من الهيئات الواردة في المادة 09 من القانون العضوي رقم 98/01 بنوع من الحماية بحيث مازال يتطلب بشأنها القيام بالتظلم الإداري المسبق مع ما يشكله هذا الأخير من تعقيد وطول مدته وتعسف الإدارة في الرد عليه، أما على مستوى المجالس القضائية فنجد ان التظلم الإداري لا مجال لتطبيقه بل يطبق عوضا عنه نظام الصلح القضائي هذا كأصل عام بحيث تستثنى من هذا الأصل المنازعات التي تنص قوانينها على القيام بالتظلم الإداري قبل رفع الدعوى إلى المجالس القضائية فهذا التميز بين القرارات الإدارية غير مفهوم من المشرع ويزيد من اللبس والتعقيد.
كما انه من الشروط الخاصة بقبول دعوى تجاوز السلطة أمام مجلس الدولة شرط انتفاء الدعوى الموازية مع ما يشكله هذا الأخير من صعوبة في التطبيق، وكان من الأجدر بالمشرع التخلي عنه لتيسير وتبسيط الإجراءات.
والنقطة الأخيرة في الاختلاف تتمحور حول فكرة الاستعانة بخدمات المحامين بحيث نجد أن قانون الإجراءات المدنية يخير المدعي بين توقيع العريضة بنفسه او بواسطة محاميه على مستوى المجالس القضائية، والحال على العكس من ذلك على مستوى مجلس الدولة بحيث يشترط المشرع توقيع العريضة من طرف محامي معتمد لدى مجلس الدولة.
ولهذا نقول انه تبين لنا من خلال هذه الدراسة أن أغلبية هذه الشروط وضعت لصالح الطرف القوي في النزاع الإداري والمتمثل في الإدارة، كما اكتشفنا التعقيدات الناجمة عن فهمها و كيفية تطبيقها الشيء الذي لا يتماشى وتقريب العدالة من المتقاضي.
وربما يكون إصدار قانون إجراءات إدارية يتدارك فيه المشرع الاختلالات والتعقيدات الواردة في قانون الإجراءات المدنية والخاصة بالمنازعات الإدارية، يكون فيه تحقيق لتوازن بين الإدارة والمواطن.

المراجع
الكتب:
1) خلوفي رشيد، قانون المنازعات الإدارية، شروط قبول الدعوى الإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية2004.
2) خلوفي رشيد، شروط قبول دعوى تجاوز السلطة، دعوى القضاء الكامل، ديوان المطبوعات الجامعية، 1994.
3) عمار عوابدي، عملية الرقابة على أعمال الإدارة العامة في النظام القضائي في الجزائر. ديوان المطبوعات الجامعية،1995.
4) عمار عوابدي، النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري، جزء 2، ديوان المطبوعات الجامعية 1995
5) محمد الصغير بعلي، الوجيز في المنازعات الإدارية، دار العلوم للنشر والتوزيع، سنة 2002.
6) محمد الصغير بعلي، القضاء الإداري، مجلس الدولة، دار العلوم، 2004
7) فؤاد مهنا، القانون الإداري، دار المعارف، الطبعة الثانية 1967.
8) محيو احمد. المنازعات الإدارية. ديوان المطبوعات الجامعية. ط 5. 2003.
9) محمد سليمان الطماوي، دروس في القضاء الإداري، دراسة مقارنة، دارا لفكر العربي،1976..
10) مسعود شيهوب- المبادئ العامة للمنازعات الإدارية ج2 الهيئات والإجراءات ، ديوان المطبوعات الجامعية1998.
11). فؤاد احمد عامر – ميعاد رفع دعوى الإلغاء- دار الفكر العربي. 1977
النشرات:
نشرة القضاة، العدد: 44، مقال الأستاذ ختال السعيد.
الملاحق:
- قانون الإجراءات المدنية المؤرخ في 18صفر عام 1368 هجري الموافق ل08 يونيو سنة 1966.
- القانون العضوي 98-01 المؤرخ في04 صفر عام 1419 الموافق 30 مايو سنة1998المتعلق باختصاصات مجلس الدولة و تنظيمه و عمله.
- القانون العضوي 98-02 المؤرخ 04 صفر 1419 الموافق 30 مايو سنة 1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية.
المجلات:
Recueil des arrêts de la jurisprudence administrative.-
-Revue algérienne.
- المجلة القضائية للمحكمة العليا.
- مجلة مجلس الدولة العدد 05.
الرسائل:
- Les conditions de recevabilité de la requête dans le *******ieux administratif en algerie. Thèse de doctorat .ben badis fawzia










قديم 2011-02-26, 21:10   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
dingo
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

thxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx brather










قديم 2011-03-05, 16:53   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الف الف الف شكر










قديم 2011-03-20, 14:39   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










 

الكلمات الدلالية (Tags)
السلطة, تجاوز, يعود


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:40

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc