لماذا حصل الاختلاف في مسائل الفقه بين الأئمة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لماذا حصل الاختلاف في مسائل الفقه بين الأئمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-02-28, 05:42   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة لماذا حصل الاختلاف في مسائل الفقه بين الأئمة

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

لماذا حصل الاختلاف في مسائل الفقه بين الأئمة؟

وهل يجب تقليد أحد المذاهب؟


السؤال

: مع بالغ احترامي للأئمَّة الفضلاء ، إلا أنني أستغرب لماذا قضية " التمذهب " الموجودة في هذه الأيام ، ألم تكن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة ، فلماذا الاختلاف إذاً ؟

هذا حنفي ، وهذا شافعي ... إلخ ، ألم يكن يتبع هؤلاء الأئمة سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمِن أين نشأ الخلاف ؟

وهل يجب على المسلم أن يتبع مذهباً محدَّداً ، أم أنه يكفيه أن يتبع الكتاب ، والسنَّة ، وكفى ؟


الجواب :

الحمد لله

بُعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام الخالدة ، وقد أُمر المسلمون باتباع ما جاء في كتاب ربهم تعالى ، وما جاء في سنته صلى الله عليه وسلم ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرتوون من هذين المصدرين ، ثم إنهم رضي الله عنهم قاموا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بمهة تعليم الناس دينهم ، وقد تفرقوا في الأمصار ، ولا شك أنهم لم يكونوا سواء في حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن كان منهم أحفظ كانت فتياه مطابقة للسنَّة ، ومن لم يكن حافظاً فإنه يجتهد لمعرفة الصواب ، وهكذا كان اختلافهم في الحفظ سبباً لاختلافهم في الفتيا .

ثم إن النص الواحد قد يكون محفوظاً لكلا الصحابيين ، لكنَّ كل واحدٍ منهما يفهم منه غير ما فهم الآخر ، ويكون النص محتملاً لهذا ، وذاك ، وكل واحد منهما يجتهد في فهم النص وفق مراد الشرع ، والمصيب منهما واحد ، وهكذا كان الاختلاف في فهم النص من أسباب اختلافهم .

ثم انتشر العلم في الآفاق ، وصار في هذا الدين أئمة علم وهدى ، ومنهم الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) ، فظهرت أسباب أخرى لاختلافهم غير ما سبق ، وهو اختلافهم في صحة الحديث وضعفه ، واختلافهم في بعض قواعد فهم النصوص ، وهو ما اصطلح على تسميته " أصول الفقه " .

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

"أما أسباب اختلاف العلماء فكثيرة ، منها : أن كل واحد منهم لا يحيط بالعلم كله فقد يخفى عليه ما علم غيره ، وقد يفهم من النصوص ما لا يفهمه غيره عندما يختفي عليه الدليل الواضح" انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 178 ) .

وبهذا يتبين ما يلي :

1. الواجب على المسلم أن يتبع ما جاء في القرآن الكريم ، وما ثبت في السنَّة النبوية ، ولا يجب عليه التمذهب بمذهب فقهي معين .

2. أن الاختلاف بين العلماء له أسبابه الكثيرة ، وقد جُمعت هذه الأسباب في كتاب " رفْع الملام عن الأئمة الأعلام " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وكتاب " أسباب اختلاف العلماء وموقفنا من ذلك " للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .

3. أن أئمة الدين ليسوا أربعة فقط ، بل هم كُثر ، لكن الله تعالى جعل الشهرة للأئمة الأربعة رحمهم الله .

4. هؤلاء الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين مذهبهم هو اتباع النصوص ، وتعظيمها، وقد أمرونا بذلك ، ونهونا عن تقليدهم ، فمن رضيهم له أئمة : فليرض مذهبهم .

فلم يدعُ واحد من أئمة الدين الناس لتبني أقواله وتقديمها على أقوال غيره ، وقد نزههم الله تعالى عن هذا ، بل قد ثبت عنهم جميعاً التحذير من هذا الفعل ، والوصية بالأخذ من الكتاب والسنَّة .

5. أن هذه المذاهب هي بمثابة مدارس لفهم الكتاب والسنة ، وأئمتها اجتهدوا للوصول إلى الأحكام التي يرون أنها أقرب إلى الكتاب والسنة ، ولا حرج على المسلم أن يتمذهب بمذهب من هذه المذاهب ، ولكن بشروط أنه من ظهرت له السنة النبوية في خلاف ما علمه من مذهبه ، فالواجب عليه ترك المذهب واتباع السنة ، وهذه هي وصية هؤلاء الأئمة ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله وغيره : "إذا صح الحديث فهو مذهبي" .

6. الناس ليسوا سواء في الاطلاع على نصوص الوحي ، ولا سواء في إمكانية فهم النصوص ، لذا ، فقد ارتضت طائفة كبيرة من المسلمين بتقليد هؤلاء الأئمة ، وبما أن الشهرة كانت لأولئك الأئمة الأربعة ، وكان لهم تلاميذ نشروا أقوالهم : صرت ترى ذلك المقلد "حنفيّاً" أو "مالكياً" أو "شافعيّاً" أو "حنبلياً" ، وغالباً ما يكون مذهب أولئك العوام مذهب شيخهم في مدينتهم ، أو قريتهم ، وهذا العامي لا حرج عليه في فعله ؛ لأنه مأمور بسؤال أهل العلم ، لكن ليس له أن يُنكر على غيره تبني قولاً آخر ، وليس له أن يفتي ، ولا أن يتعصب لقول شيخه ، بل متى ظهر له الحق فيجب عليه العمل به ، ولا يسعه غير ذلك .

والله أعلم


وللوقوف على طائفة من أقوال العلماء قديماً وحديثاً
في هذه المسألة : انظر أجوبة الأسئلة الأتية








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-02-28, 05:45   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

هل يجب على كل مسلم أن يتبع أحد المذاهب (المالكي أو الحنفي أو الحنبلي أو الشافعي) ؟

إذا كان الجواب نعم فما أفضل مذهب ؟

هل صحيح أن مذهب أبي حنيفة هو أكثر مذهب منتشر بين المسلمين ؟.


الجواب

الحمد لله

لا يجب على المسلم اتباع مذهب بعينه من هذه المذاهب الأربعة ، والناس متفاوتون في المدارك والفهوم والقدرة على استنباط الأحكام من أدلتها ، فمنهم من يجوز في حقه التقليد ، بل قد يجب عليه ، ومنهم من لا يسعه إلا الأخذ بالدليل . وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة بيان كاف شاف لهذه المسألة ، يحسن أن نذكره هنا بنصه :

السؤال :

ما حكم التقيد بالمذاهب الأربعة واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان ؟

فأجابت اللجنة :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :

أولا : المذاهب الأربعة منسوبة إلى الأئمة الأربعة الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد ، فمذهب الحنفية منسوب إلى أبي حنيفة وهكذا بقية المذاهب.

ثانيا : هؤلاء الأئمة أخذوا الفقه من الكتاب والسنة وهم مجتهدون في ذلك ، والمجتهد إما مصيب فله أجران ، أجر اجتهاده وأجر إصابته ، وإما مخطئ فيؤجر على اجتهاده ويعذر في خطئه.

ثالثا : القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة يأخذ منهما كما أخذ من قبله ولا يسوغ له التقليد فيما يعتقد الحق بخلافه ، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق ، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه واحتاج إليه.

رابعا : من لا قدرة له على الاستنباط يجوز له أن يقلد من تطمئن نفسه إلى تقليده ، وإذا حصل في نفسه عدم الاطمئنان سأل حتى يحصل عنده اطمئنان .

خامسا : يتبين مما تقدم أنه لا تتبع أقوالهم على كل الأحوال والأزمان ؛ لأنهم قد يخطئون ، بل يتبع الحق من أقوالهم الذي قام عليه الدليل ).

فتاوى اللجنة 5/28 .

وجاء في فتوى اللجنة رقم 3323

( من كان أهلا لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة ، ويقوى على ذلك ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام كان له ذلك ؛ ليعمل به في نفسه ، وليفصل به في الخصومات وليفتي به من يستفتيه . ومن لم يكن أهلا لذلك فعليه أن يسأل الأمناء الموثوق بهم ليتعرف الحكم من كتبهم ويعمل به من غير أن يتقيد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة ، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم وضبط كتبهم وانتشارها وتيسرها لهم.

ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقاً فهو مخطئ جامد سيئ الظن بالمتعلمين عموما ، وقد ضيق واسعا .

ومن قال بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة فهو مخطئ أيضا قد ضيق واسعا بغير دليل . ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة وغيرهم كالليث بن سعد والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء ) فتاوى اللجنة 5/41 .

وجاء في الفتوى رقم 1591 ما نصه :

( ولم يدعُ أحد منهم إلى مذهبه ، ولم يتعصب له ، ولم يُلزِم غيره العمل به أو بمذهب معين ، إنما كانوا يدعون إلى العمل بالكتاب والسنة ، ويشرحون نصوص الدين ، ويبينون قواعده ويفرعون عليها ويفتون فيما يسألون عنه دون أن يلزموا أحدا من تلاميذهم أو غيرهم بآرائهم ، بل يعيبون على من فعل ذلك ، ويأمرون أن يضرب برأيهم عرض الحائط إذا خالف الحديث الصحيح ، ويقول قائلهم " إذا صح الحديث فهو مذهبي " رحمهم الله جميعا .

ولا يجب على أحد اتباع مذهب بعينه من هذه المذاهب ، بل عليه أن يجتهد في معرفة الحق إن أمكنه ، أو يستعين في ذلك بالله ثم بالثروة العلمية التي خلفها السابقون من علماء المسلمين لمن بعدهم ، ويسروا لهم بها طريق فهم النصوص وتطبيقها . ومن لم يمكنه استنباط الأحكام من النصوص ونحوها لأمر عاقه عن ذلك سأل أهل العلم الموثوق بهم عما يحتاجه من أحكام الشريعة لقوله تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " وعليه أن يتحرى في سؤاله من يثق به من المشهورين بالعلم والفضل والتقوى والصلاح )

فتاوى اللجنة الدائمة 5/56 .

ومذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله قد يكون أكثر المذاهب انتشاراً بين المسلمين ، ولعل من أسباب ذلك تبني الخلفاء العثمانيين لهذا المذهب ، وقد حكموا البلاد الإسلامية أكثر من ستة قرون ، ولا يعني ذلك أن مذهب أبي حنيفة رحمه الله هو أصح المذاهب أو أن كل ما فيه من اجتهادات فهو صواب ، بل هو كغيره من المذاهب فيه الصواب والخطأ ، والواجب على المؤمن اتباع الحق والصواب بقطع النظر عن قائله .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-28, 05:53   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

هل ملزم كل بلد بتتبع مذهب خاص به ، ومحاولة تعليمه للآخرين دون ذكر جميع المذاهب ، مثلا ذكر حكم خاص بأمر شرعي قاله أحده المذاهب دون الآخرين . وجزاكم الله خيرا

الجواب

الحمد لله

الناس في البلاد – من حيث الاجتهاد والتقليد - على قسمين اثنين :

الأول : علماء مجتهدون في الشريعة ، بلغوا من العلم والمعرفة حدًّا ملكوا به أدوات الاجتهاد والاستنباط ، فهؤلاء فرضهم اتباع الحق الذي يرونه بدليله .

والقسم الثاني - وهو السواد الأعظم من الناس - : من لم يتخصص بدراسة العلوم الشرعية أو لم يبلغ فيها درجة الاجتهاد وأهلية الفتوى : من عامة الناس أو المثقفين والمتخصصين في العلوم الأخرى .

فهؤلاء فرضهم – الشرعي والطبيعي – سؤال أهل العلم ، والأخذ عنهم ، نجد ذلك في قول الله سبحانه وتعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43

إذا فأهل كل بلد ملزمون بسؤال أهل العلم واتباع فتاواهم ، ولكنها ليست تبعية مطلقة تضفي على المتبوع صفة العصمة والقداسة وحق التشريع والتصرف في دين الله – كما وقع في ذلك اليهود والنصارى والرافضة وغلاة الصوفية والباطنية – فإن ذلك خروج عن الدين ، واتخاذ للأنداد والشركاء والأرباب من دون الله ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31

وإنما المقصود من لزوم اتباع فتاوى العلماء هو الوصول إلى تعلم الحكم الشرعي من طريق المتخصصين الذين درسوا قواعد الشريعة وأصولها وبلغوا الأهلية فيها بالعلم المبني على الدليل ، وليس بالقداسة الممنوحة باسم الرب أو باسم الولاية ونحو ذلك من الأباطيل .

يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (20/211) :

" الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كان صِدِّيق الأمة وأفضلها بعد نبيها يقول : أطيعوني ما أطعت الله ، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم . واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال غير واحد من الأئمة : كل أحدٍ مِن الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .

ثانيا :

يبقى السؤال في تعيين أهل العلم أو المرجعية العلمية التي ينبغي الاعتماد عليها :

فيمكن القول بأن هناك مرجعيتين ينبغي الرجوع إليهما على مستوى الأمة والأفراد ، وهي :

1- المرجعية المعاصرة : المتمثلة في المجامع الفقهية واللجان الشرعية التي يقوم عليها أهل العلم والديانة والأمانة ، وكذلك أفراد العلماء وأصحاب الكفاءات من المتخصصين في العلوم الشرعية : فهؤلاء لهم حظ وافر من لزوم أخذ الناس عنهم والاستفادة من توجيهاتهم ، خاصة في أمور الناس الحياتية اليومية ، وفي النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة ، وأيضا في المسائل التي تحتاج إلى إعادة النظر والاجتهاد فيها في ضوء الأدلة الشرعية والعقلية التي تراعي المصالح وتدرء المفاسد ، وترفع الحرج وتجتنب المشقة والضرر ، إذا كان تقليد أحد المذاهب الأربعة فيها يسبب الحرج والضيق ، فالشريعة مبنية على التيسير ، وليس فيها عنت ولا حرج .

2- المرجعية التراثية : المتمثلة في المذاهب الأربعة المشهورة : الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ، وهذه المرجعية لها الحظ الأكبر والنصيب الأوفر من لزوم اتباع الناس لها والأخذ بما فيها : فإن القوانين التي يتواضع الناس في الرجوع إليها وتحكيمها ، ومناهج التعليم التي تقرر على طلبة العلم في حلق المساجد والمدارس ، ومراتب التنشئة العلمية التي يتدرج فيها المتخصصون في علوم الفقه والشريعة ، والتراث الذي ينبغي أن يستقر في أذهان العوام ويشكل ثقافتهم الفقهية ، والمنهل الذي يؤوب إليه كل من لا يجد الفرصة من المجتهدين لدراسة المسائل الكثيرة والوصول إلى نتيجة فيها ، والانضباط الذي يحسم الشقاق والنزاع في المجتمع ، ويسد على الأهواء والآراء الشاذة الأبواب ، كل ذلك يمنح هذه المرجعية المتمثلة في المذاهب الأربعة المساحة الأرحب في لزوم التقليد وضرورة الاتباع .

يقول الحافظ ابن رجب في رسالة له اسمها "الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة" (2/624) – مطبوعة ضمن مجموع رسائله - :

" فاقتضت حكمة الله سبحانه أن ضبط الدين وحفظه : بأن نصب للناس أئمة مجتمعاً على علمهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية المقصودة في مرتبة العلم بالأحكام والفتوى ، من أهل الرأي والحديث ، فصار الناس كلهم يعولون في الفتاوى عليهم ، ويرجعون في معرفة الأحكام إليهم ، وأقام الله من يضبط مذاهبهم ويحرر قواعدهم ، حتى ضبط مذهب كل إمام منهم وأصوله وقواعده وفصوله ، حتى ترد إلى ذلك الأحكام ويضبط الكلام في مسائل الحلال والحرام .

وكان ذلك من لطف الله بعباده المؤمنين ، ومن جملة عوائده الحسنة في حفظ هذا الدين .

ولولا ذلك لرأى الناس العجاب مِن كل أحمق متكلف معجبٍ برأيه جريء على الناس وثَّاب

فيدعي هذا أنه إمام الأئمة ، ويدعي هذا أنه هادي الأمة ، وأنه هو الذي ينبغي الرجوع دون الناس إليه ، والتعويل دون الخلق عليه .

ولكن بحمد الله ومنته انسد هذا الباب الذي خطره عظيم وأمره جسيم ، وانحسرت هذه المفاسد العظيمة ، وكان ذلك من لطف الله تعالى لعباده ، وجميل عوائده وعواطفه الحميمة .

ومع هذا فلم يزل يظهر من يدعي بلوغ درجة الاجتهاد ، ويتكلم في العلم من غير تقليدٍ لأحد من هؤلاء الأئمة ولا انقياد .
فمنهم من يسوغ له ذلك لظهور صدقه فيما ادعاه ، ومنهم من رد عليه قوله وكذب في دعواه ، وأما سائر الناس ممن لم يصل إلى هذه الدرجة ، فلا يسعه إلا تقليد أولئك الأئمة ، والدخول فيما دخل فيه سائر الأمة " انتهى .

ويقول أيضا (2/628) :

" فإن قيل : فما تقولون في نهي الإمام أحمد وغيره من الأئمة عن تقليدهم وكتابة كلامهم ، وقول الإمام أحمد : لا تكتب كلامي ولا كلام فلان وفلان ، وتعلم كما تعلمنا . وهذا كثير موجود في كلامهم ؟

قيل : لا ريب أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء والاشتغال بها حفظاً وكتابة ، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظاً وفهماً وكتابة ودراسة ، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام مَن بعدهم ، ومعرفة صحة ذلك من سقمه ، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه ، ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمام به والاشتغال بتعلمه أولاً قبل غيره .

فمن عرف ذلك وبلغ النهاية من معرفته - كما أشار إليه الإمام أحمد - فقد صار علمه قريباً من علم أحمد ، فهذا لا حجر عليه ولا يتوجه الكلام فيه ، إنما الكلام في منع من لم يبلغ هذه الغاية ، ولا ارتقى إلى هذه النهاية ، ولا فهم من هذا إلا النزر اليسير ، كما هو حال أهل هذا الزمان ، بل هو حال أكثر الناس منذ أزمان ، مع دعوى كثير منهم الوصول إلى الغايات والانتهاء إلى النهايات ، وأكثرهم لم يرتقوا عن درجة البدايات " انتهى .

والناظر في تاريخ الفقه والتشريع يجد أنه قد بني في جميع مراحله على مجموعة من أهل العلم الذين اشتهر في الناس علمهم ، وذاع في الآفاق فضلهم وورعهم ، يأخذون عنهم أحكام الدين ، ويرجعون في الغالب إلى تقريرهم وفتاواهم .
يقول ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/17) :

" والدين والفقه والعلم انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود ، وأصحاب زيد بن ثابت ، وأصحاب عبد الله بن عمر ، وأصحاب عبد الله بن عباس ، فعلم الناس عامته عن أصحاب هؤلاء الأربعة ، فأما أهل المدينة فعلمهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر ، وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس ، وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود " انتهى .

وقال العلامة المحقق أحمد باشا تيمور رحمه الله في " المذاهب الفقهية الأربعة " (16-17) :

" وكانت الفتيا ـ قبل حدوث هذه المذاهب تؤخذ في عصر الصحابة والتابعين عن القراء منهم ، وهم الحاملون لكتاب الله العارفون بدلائله ؛ فلما انقضى عصرهم ، وخلف من بعدهم التابعون ، اتبع أهل كل مصرٍ فتيا من كان عندهم من الصحابة ، لا يعتدونها إلا في اليسير مما بلغهم عن غيرهم ؛ فاتبع أهل المدينة في الأكثر فتاوى عبد الله بن عمر ، وأهل الكوفة فتاوى عبد الله بن مسعود ، وأهل مكة فتاوى عبد الله بن عباس ، وأهل مصر فتاوى عبد الله بن عمرو بن العاص .

وأتى بعد التابعين فقهاء الأمصار ، كأبي حنيفة ومالك وغيرهما ممن ذكرناهم ، وممن لم نذكرهم ، فاتبع أهل كل مصر مذهب فقيه في الأكثر ، ثم قضت أسباب بانتشار بعض هذه المذاهب في غير أمصارها ، وبانقراض بعضها .. " انتهى .

ولا يعني ذلك التعصب إلى واحد من المذاهب والأقوال ، بحيث نوجب على الناس اتباعه حرفيا دون اجتهاد ولا تصويب ولا تعديل ، بل المقصود أن المدرسة الفقهية التي ينبغي أن يتخرج الناس وطلبة العلم والعلماء عليها ينبغي أن تكون مأخوذة عن واحد من المذاهب الأربعة ، ثم إن تبين – لمن لديه أهلية الاجتهاد – خطأ المذهب في مسألة معينة ترك تلك الفتوى ، وأخذ بما يراه صوابا من المذاهب الأخرى .

وبهذا يحتفظ الناس بالسبيل العلمي الذي سار عليه السلف والأئمة ، ويتخلصوا من بعض السلبيات التي أنتجها الجهل والتعصب
.
جاء في "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/10 ش2) :

" التمذهب بمذهب من المذاهب الأَربعة سائغ ، بل هو كالإجماع ، ولا محذور فيه ، كالانتساب إِلى أَحد الأَربعة ، فإِنهم أَئمة بالإِجماع .

والناس في هذا طرفان ووسط :

قوم لا يرون التمذهب بمذهب مطلقًا : وهذا غلط .

وقوم جمدوا على المذاهب ولا التفتوا إلى بحث .

وقوم رأَوا أَن التمذهب سائغ لا محذور فيه ، فما رجح الدليل مع أَي أَحد من الأَربعة أَو غيرهم أَخذوا به ، فالذي فيه نص أَو ظاهر لا يلتفت فيه إِلى مذهب ، والذي لا من هذا ولا من هذا وكان لهم فيه كلام ورأَى الدليل مع مخالفهم أَخذ به " انتهى بتصرف يسير

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/28) :

" ما حكم التقيد بالمذاهب الأربعة ، واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان ؟

الجواب : .
.
- القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة يأخذ منهما كما أخذ من قبله ، ولا يسوغ له التقليد فيما يعتقد أن الحق بخلافه ، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق ، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه واحتاج إليه ..

- من لا قدرة له على الاستنباط يجوز له أن يقلد من تطمئن نفسه إلى تقليده ، وإذا حصل في نفسه عدم اطمئنان سأل حتى يحصل عنده اطمئنان ...

- يتبين مما تقدم أنه لا تتبع أقوالهم على كل الأحوال والأزمان ؛ لأئهم قد يخطئون ، بل يتبع الحق من أقوالهم الذي قام عليه الدليل " انتهى باختصار ، وتصرف يسير .

وجاء فيها أيضا (5/54-55) :

" وكل هؤلاء كانوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من أفضل أهل زمانهم رضي الله عنهم ، وقد اجتهدوا في أخذ الأحكام من القرآن وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وما أجمعت عليه الصحابة رضوان الله عليهم ، وبينوا للناس الحق ، ونقلت إلينا أقوالهم ، وانتشرت بين المسلمين في جميع بلادهم ، وتبعهم كثير ممن جاء بعدهم من العلماء لثقتهم بهم ، وائتمانهم إياهم على دينهم ، وموافقتهم لهم في الأصول التي اعتمدوها ، ونشروا أقوالهم بين الناس ، ومن قلدهم من الأميين وعمل بما عرفه من أقوالهم نسب لمن قلده ، وعليه مع ذلك أن يسأل من يثق به من علماء عصره ، ويتعاون معه على فهم الحق من دليله .

ومما تقدم يتبين أنهم أتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس الرسول تابعا لهم ، بل ما جاء به عن الله من شريعة الإسلام هو الأصل الذي يرجع إليه هؤلاء الأئمة وغيرهم من العلماء رضي الله عنهم ، وكل مسلم يسمى حنيفيا لاتباعه الحنيفية السمحة التي هي ملة إبراهيم وملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-30, 11:00   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الفارس النبيل 93
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

باراك الله فيك أخي

و الإختلاف الفقهي بين أهل العلم لا يضر ولا ينتج عنه سوء أو تفرق في الدين الاشكال في إختلاف العقائد

فيجب أن توضح للمسلمين الفرق بين المداهب الفقهية والمداهب العقدية










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:32

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc