تحقيق التقوى التي أشار الله تعالى إليها في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وأهل العلم رحمهم الله على أن التقوى : هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله تعالى وقاية بفعل ما أمر ، واجتناب ما نهى . هذان هما قطبا رحى التقوى التي أشار القرآن إلى تحقيقها في الصيام ، فتأمّل نفسك أيها الصائم الحبيب ، واكتب عقداً مع الله تعالى في تحقيق هذه التقوى ، وجرّب في هذا الشهر بعض طموحاتك الكبيرة في تحقيق مثل هذه المقاصد العظيمة ، إن الحرص على حضور صلاة الجماعة مع الإمام ، وصلاة النوافل المقيّدة ، والمطلقة ، واستغلال هذا الشهر في ذكر الله تعالى بعض معاني التقوى المشار إليها في القرآن الكريم . ويمكن من خلال عزيمتك أن تكتب في نهاية شهرك بعضاً مما قاله السلف رحمهم الله تعالى في تحقيق مراد الله تعالى من خلقه . لقد قال ابن المسيّب وهو يلفظ أنفاس الموت ما أذّن المؤذّن من سبعين سنة إلا وأنا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر : ما فاتتني تكبيرة الإحرام من أربعين سنة إلا مرة واحدة انشغلت بدفن أمي ماتت ففاتتني تكبيرة الإحرام ، وقال الثالث : ما رأيت قفا مأموم من أربعين عاماً ، أي لم يصل في الصف الثاني طيلة هذا الزمن كله . ألا ترى أن الفرصة مواتية لخوض غمار هذه التجربة في هذا الشهر الكريم على الأقل ؟أحسب أن ذلك مواتياً جداً . أما القطب الآخر وهو ترك ما حرّم الله تعالى عليك فأنت أكبر من أن تقع في شراكه ، فكن حريصاً على رعاية جوارحك من الخوض في ما حرم الله تعالى ، واعلم أن هذه الجوارح لو انفكت عن مراقبتك فيمكن أن تسلبك بعض هذه الأفراح ! ورب كلمة ندت من فمك أو نظرة تجاوزت حدود الله تعالى كتبت عليك شقاء الدارين . ومثلك يعلم أن المعصية سبب لشتات الحال ، وموجبة من موجبات خذلان الله تعالى للعبد في نفسه وأسرته وحاله ومآله .