العذر بالجهل في أصول الإيمان- فركوس- - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

العذر بالجهل في أصول الإيمان- فركوس-

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-06-10, 14:38   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B9 العذر بالجهل في أصول الإيمان- فركوس-

في توجيه الاستدلال بحديث حذيفة رضي الله عنه في العذر بالجهل بتفاصيل الإسلام وأركانه

السـؤال:

وأختم أسئلتي بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «قال رسولُ الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَدْرُسُ الإِسْلاَمُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لاَ يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلاَ صَلاَةٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ، وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ، فَلاَ يَبْقَى فِي الأََرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ: الشَّيْخُ الكَبِيرُ، وَالعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الكَلِمَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا».
فقال له صِلَةُ: ما تغني عنهم «لا إله إلاَّ اللهُ» وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأَعْرَضَ عنه حذيفةُ، ثمَّ رَدَّهَا عليه ثلاثًا، كُلَّ ذلك يُعرِضُ عنه حذيفةُ، أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلةُ! تُنجيهم من النار -ثلاثًا-»(1).
فهذا الحديث يفيد أنَّ الجهل يفشو في آخر الزمان، وتغيب كثيرٌ من الأحكام الظاهرة والمتواترة لاِنْدِرَاسِ كثير من علوم الكتاب والسُّنَّة، فدلَّ ذلك دلالة واضحة على إعذارهم بالجهل لأركان الإسلام وتفاصيله، وهذا المعنى مطلوبٌ توجيهه إن أمكن. وجزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فالحديث خارج عن مسألة التوحيد وترك الشِّرك الذي هو أصل الدِّين كُلِّه، فلم يرد عنهم أنهم أتوا ما يناقض كلمة الإخلاص التي كانوا يقولونها، وغاية ما يدلُّ عليه أنهم تركوا كثيرًا من تفاصيل الإسلام وأركانه الظاهرة والمتواترة بالنظر إلى فُشُوِّ الجهل واندراس الدِّين، ويكفي المسلم أدنى الإيمان في قلبه، والإقرار بالشهادتين بلسانه إذا لم يقدر على أداء ما افترض اللهُ عليه من أركان الإسلام وتفاريعه، كمن مات قبل التمكُّن من الامتثال بالفعل أو كان قريبَ عهدٍ بالإسلام أو في بلدٍ انْدَرَسَتْ فيه تعاليمُ الإسلام، بحيث تكون مسائل الاعتقاد والأحكام خفيةً، وقضاياها غيرَ معلومة، أو كانت أدلَّتها غير ظاهرة، ففي هذه الأحوال يُعذر بالجهل قبل قيام الحُجَّة الرِّسالية، وكشف الشُّبهة وإظهار المحجَّة، بخلاف حال من نشأ في بلدِ عِلْمٍ، والأمور الشرعية والمسائل الدينية منتشرة، ومشهورة بين الناس: عالمهم وعامِّيهم.
وضمن هذا المنظور قال ابن تيمية -رحمه الله-: «.. وأمَّا الفرائض الأربع فإذا جحد وجوب شيءٍ منها بعد بلوغ الحُجَّة فهو كافر، وكذلك مَن جحد تحريمَ شيءٍ من المحرَّمات الظاهرة المتواتر تحريمها، كالفواحش والظلم، والكذب والخمر، ونحو ذلك، وأمَّا من لم تقم عليه الحُجَّة مثل: أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك، أو غلط فظنَّ أنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يُستثنون من تحريم الخمر، كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر، وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون وتقام الحُجَّة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذٍ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك، كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامَةَ بنِ مظعون وأصحابِه لما غلطوا فيما غلطوا من التأويل»(2).
وقال –رحمه الله- في موضعٍ آخر: «.. مثل من قال: إنَّ الخمر والربا حلال لقرب عهده بالإسلام أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلامًا أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن، ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قالها، وكما كان الصحابة يشكُّون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم(3)
وجاء في كتاب «التوضيح عن توحيد الخلاق» ما نصه: «وأمَّا إخراج الله من النار مَن لم يعمل خيرًا قط، بل كفى عن العمل وجود أدنى إيمان في قلبه وإقرار بالشهادتين في لسانه فهو إمَّا لعدم تمكُّنه من أداء ما افترض الله عليه من أركان الإسلام بل بمجرَّد أدنى إيمان في قلبه وشهادة بلسانه خرمته المنية، لكنه قد عمل عملاً مفسِّقًا به لوجود ما صدر منه عالِمًا به فاستحقَّ دخول النار عليه، وإمَّا لكونه نشأ في مكانٍ قريبٍ من أهل الدِّين والإيمان فلم يعمل ما أوجب اللهُ على خلقه من تفاصيل الدِّين والإيمان والإسلام وأركانه، بل جهل ولم يسأل أهل الذِّكر عنه، وبأنَّ الله أوجب على خلقه المكلَّفين التفقُّه في الدِّين وإن لم يحصل إلاَّ بقطع مسافة كثيرة غير معذور بهذا الجهل، إذ مثله لا يجهل ذلك لقُربه من المسلمين، فيعاقبه الله على ترك تعلُّم ما أوجب الله عليه، ولهذا لا يخلَّد في النار إن لم يوجد منه منافٍ للإسلام من إنكار أمر عُلم من الدِّين بالضرورة، ولم يمتنع من إجابة إمام المسلمين إذا دعاه لتقويم أركان الدِّين، بل هو مؤمنٌ بالله لكنه جهل تفاصيل ذلك وأحكامه وما يحب عليه منه»(4).
قال سفيان الثوري -رحمه الله- ضمن ردِّه على المرجئة-: «ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمِّدًا من غير جهل ولا عُذر هو كفر»(5).
هذا بالنسبة لتارك تفاصيل الإسلام وأركانه الظاهرة أو المتواترة، أمَّا مَن وقع في المعصية جهلاً أو لقِلَّة العلم كالشِّرك والقتل والزِّنا فإنَّ هذه الأفعال توصف بالقُبح قبل ورود الشرع وبعده، ويُسمَّى فاعلُها بها، فمن قتل يسمَّى قاتلاً، يثبت وصف القتل مع الجهل قبل قيام الحُجَّة وبعدها، وكذلك من زنا يسمَّى زانيًا أو أشرك يسمَّى مشركًا فإنَّ وصف الزِّنا والشِّرك يثبتان للمتَّصف بهما مع الجهل قبل قيام الحُجَّة وبعدها، فإنَّ هذا من جهة تسمية الصِّفة المتلبَّس بها، أمَّا من جهة الحكم فإنَّ مرتكِب هذه المعاصي لا يستحق العقاب إلاَّ بعد البلاغ، لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: 15]، ولقوله تعالى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ، قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ﴾ [الملك: 8-9]، فدلَّت الآية على اعتراف كُلِّ فوجٍ ممَّن يدخل النار أنه جاءهم نذير، فمن لم يأته نذير لم يدخل النار(6)، إذ «لاَ تَكْلِيفَ إِلاَّ بِشَرْعٍٍ»، و«الشَّرْعُ يَلْزَمُ بِالبَلاَغِ مَعَ انْتِفَاءِ المُعَارِضِ».
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هذا التفصيل بيانًا شافيًا بقوله: «وقد فرَّق اللهُ بين ما قبل الرِّسالة وما بعدها في أسماء وأحكام، وجمع بينهما في أسماء وأحكام، وذلك حُجَّة على الطائفتين: على مَن قال: إنَّ الأفعال ليس فيها حسن وقبيح، ومن قال: إنهم يستحقُّون العذاب على قولين، أمَّا الأول فإنه سمَّاهم ظالمين وطاغين ومفسدين، لقوله تعالى: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [النازعات: 17]، وقوله: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلاَ يَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 10-11]، وقوله: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 4]، فأخبر أنه ظالم وطاغ ومفسد هو وقومه، وهذه أسماء ذمّ الأفعال، والذمّ إنما يكون في الأفعال السيِّئة القبيحة، فدلَّ ذلك على أنَّ الأفعال تكون قبيحةً مذمومةً قبل مجيء الرسول إليهم، لا يستحقُّون العذاب إلا بعد إتيان الرسول إليهم، لقوله: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: 15]، وكذلك أخبر عن هود أنه قال لقومه: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ﴾ [هود: 50]، فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكمٍ يخالفونه، لكونهم جعلوا مع الله إلهًا آخر.
فاسم المشرك ثبت قبل الرِّسالة، فإنه يشرك بربِّه ويعدل به، ويجعل معه آلهةً أخرى، ويجعل له أندادًا قبل الرسول، ويثبت أنَّ هذه الأسماء مقدم عليها، وكذلك اسم الجهل والجاهلية، يقال: جاهلية وجاهلاً قبل مجيء الرسول، وأمَّا التعذيب فلا»(7).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 5 من ذي القعدة 1429ه
الموافق ل: 3 نوفمبر 2008م

________________________________________
1- أخرجه ابن ماجه في «سننه»، كتاب «الفتن»، باب ذهاب القرآن والعلم (4049)، والحاكم في «المستدرك» (4/520)، من حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه. والحديث قوى إسناده الحافظ في «فتح الباري» (13/16)، وصحّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/171).
2- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (7/609 -610).
3- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (35/165).
4- «التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق» لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (105-106)، وقد رجّح الدكتور عبد العزيز بن محمّد بن عبد اللطيف أنه من تأليف الشيخ محمّد بن علي بن غريب، والشيخ حمد بن معمر، والشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. انظر «دعواى المناوئين» (59).
5- «السنة» لعبد الله بن أحمد: (745).
6- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (19/215).
7- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (20/37-38).



في تقويم الاستدلال بشك الحواريين في العذر بالجهل في أصول الإيمان

السـؤال:

فضيلة الشيخ، ذكرتم في حديث القدرة أنَّ ظاهر الحديث غيرُ مرادٍ، وأنه قضية عين جزئية لا تنتهض في نقض الكُليات التي تقضي بعدم العذر بالجهل في مسائل أصول الإيمان والتوحيد، غير أنه قد أشكل علي شكُّ الحواريين في قُدرة الله تعالى في إنزال مائدة من السماء، وشكِّهم في صدق رسالة عيسى بن مريم عليه السلام، حيث قال الله تعالى مبيِّنًا حوار الحواريين مع نبيِّهم: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: 113]، فالرجاء التفضُّل بإيضاح هذه المسألة المستشكلة عليّ؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
ففيما أخبر الله تعالى عن الحواريِّين في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ﴾ فإنَّ ما عليه الجمهور من المفسِّرين أنَّ الحواريين لم يحدث لهم شكٌّ في قدرة الله تعالى، حتى يُعذَروا، وإنما هو تلطّف في العبارة والسؤال، وأدب مع الله تعالى. ووجه تقدير سؤالهم على حالتين:
الحالة الأولى: على قراءة علي وعائشة وابن عباسٍ ومعاذٍ بنِ جبل رضي الله عنهم، وجماعة من التابعين كمجاهد وسعد بن جبير وغيرِهم: «هل تستطيع» بالتاء، «ربَّك» بنصب الباء، فيكون المعنى: هل تستطيع أن تدعو ربَّك وتسألَه أن يُنَزِّل مائدةً من السماء، وهي قراءة الكسائي، فلم يكن الحواريون شاكِّين أنَّ الله تعالى قادر أن يُنَزِّل عليهم ذلك، وإنما قالوا ذلك لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام(1).
الحالة الثانية: وعلى قراءة الباقين: «هل يستطيع ربُّك»، فإنَّ تقدير معنى السؤال الفِعل والإجابة، وهذا مشهورٌ في كلام العرب، وهذا مثل قول الرجل لغيره، هل يستطيع فلان أن يأتي أو يساعدني، وقد علمت أنه يستطيع، فيكون المعنى: هل يفعل ذلك؟ وهل يجيبني إلى ذلك؟(2). وذكر ابن تيمية في معرض بيان الاستطاعة الكونية القدرية والمقارنة للفعل التي هي مناط القضاء والقدر، حيث قال: «وكذلك قول الحواريين»: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ﴾ إنما استفهموا عن هذه القدرة، وكذلك ظنّ يونس أن لن نقدر عليه، أي: فسّر بالقدرة، كما يقال للرجل: هل تقدر أن تفعل كذا؟ أي: هل تفعله؟ وهو مشهور في كلام الناس»(3).
أمَّا المقصود من العلم في قوله تعالى مخبرًا عنهم: ﴿وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ [المائدة: 113]، فلم يشكوا في صدق رسالة نبيِّهم صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، وإنما حصل لهم علم اليقين بالدليل والخبر فأرادوا علم معاينة ونظر في آية حسية تطمئنُّ قلوبهم بمشاهدتها ويزدادوا إيمانًا ويقينًا بالمعاينة التي لا يدخلها ريب ولا شبهة، فأرادوا الانتقال من علم اليقين إلى عين اليقين، على مثال ما سأل إبراهيم عليه السلام ربَّه، قال تعالى: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]، والمعلوم أنّ العرب تضع الرؤية مكان العلم، والعلم مكان الرؤية(4).
فعلى مذهب الجمهور -إذن- أنَّ الحواريين لم يشكوا في قُدرة الله تعالى ولا في صدق نُبوَّة رسولهم صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم وإنما سألوا آية حِسيةً تقوِّي إيمانهم، ويزدادوا بها يقينًا وصدقًا خالصًا من شوائب الخواطر والهواجس النفسية.
وذهبت طائفة من أهل العلم إلى ترجيح الشكِّ في قدرة الله تعالى، والشكِّ في صدق رسالة نبيِّهم عليه الصلاة والسلام، وذلك في أول معرفتهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله تعالى، وفي شكّهم في قدرة الله على إنزال مائدة من السماء كُفر، لذلك استتابهم ودعاهم إلى الإيمان به وبرسوله حيث قال: ﴿اتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 112]، وهو الذي رجَّحه الطبري وقوَّاه(5).
قلت: وإن كان الصحيح من التفسيرين المذهب الأول؛ لأنَّ السؤال عن استطاعته ينافي ما حكوه عن أنفسهم بقولهم: ﴿قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة: 111]، إلاَّ أنه ليس في كِلا التفسيرين السابقين أدنى مسكة في الاحتجاج بالآية في العذر بالجهل والشكّ في مسائل التوحيد وأصول الإيمان؛ لأنَّ الجمهور على عدم الشكِّ، وغيرهم على الاستتابة وعدمِ الإعذار به.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 20 جمادى الثانية 1429ه
الموافق 24 جوان 2008م

________________________________________
1- انظر: «تفسير الطبري»: (7/129)، «تفسير البغوي» (2/77)، «تفسير القرطبي» (6/264)، «تفسير ابن كثير»: (6/112)، «فتح القدير» للشوكاني: (2/92).
2- المصادر التفسيرية السابقة.
3- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (8/374).
4- العرب تضع العلم مكان الرؤية، مثل قوله تعالى في تحويل القبلة: ﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: 143]، معنى لنعلم: لنرى. وتضع الرؤية مكان العلم كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ [الفيل: 1]، بمعنى: ألم تعلم. [انظر: «تفسير القرطبي»: (2/156)].
5- «تفسير الطبري»: (7/130).

https://www.ferkous.com/site/rep/Ba66.php
https://www.ferkous.com/site/rep/Ba69.php








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-08-22, 11:24   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
Chicobustan
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية Chicobustan
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أسوء, العذر, الإيمان-, بالجهل, فركوس-


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:36

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc