بحث كامل حول خصائص اللغة العربية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

بحث كامل حول خصائص اللغة العربية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-10-12, 09:41   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
بيبيone
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










B18 بحث كامل حول خصائص اللغة العربية


اليكم بحثي الذي نلت فيه العلامة الكاملة
المقدمة :
الحمد لله الذي رفع هذه اللغة وأعلى شأنها، حيث أنزل بها خير كتبه وأفضلها، والصلاة والسلام على أفصل الأنبياء وخاتم المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أمَّا بعد:
فلغتنا العربية هي ركن ثابت من أركان شخصيتنا، فيحق لنا أن نفتخر بها، ونعتز بها، ويجب علينا أن نذود عنها ونوليها عناية فائقة. ويتمثل واجبنا نحوها في المحافظة على سلامتها وتخليصها مما قد يشوبها من اللحن والعجمة وعلينا أن لا ننظر إليها بوصفها مجموعة من الأصوات وجملة من الألفاظ والتراكيب. بل يتعين عينا أن نعتبرها كائنًا حيًا، فنؤمن بقوتها وغزارتها ومرونتها وقدرتها على مسايرة التقدم في شتى المجالات كما تعد مقومًا من أهم مقومات حياتنا وكياننا، وهي الحاملة لثقافتنا ورسالتنا والرابط الموحد بيننا والمكون لبنية تفكيرنا، والصلة بين أجيالنا، والصلة كذلك بيننا وبين كثير من الأمم .
إنَّ اللغة من أفضل السُبل لمعرفة شخصية أمتنا وخصائصها، وهي الأداة التي سَجلت منذ أبعد العهود أفكارنا وأحاسيسنا. وهي البيئة الفكرية التي نعيش فيها، وحلقة الوصل التي تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. إنَّها تمثل خصائص الأمة واستطاعت أن تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها الأساسية والموجهين لسفينتها
الباب الأول :
1ـ تعريف اللغة :
اللغة هي اهم وسيلة اتصال بين الناس ولا يمكن أن نجد مجتمعا دون لغة وعلم اللغة الحديث ينظر إلى اللغات جميعاً على حد سواء ، ويشير بعض الباحثين إلى أن اللغة كانت إشارية أي تلك الإشارات التي مازلنا نستعمل بعضها كحركات اليدين والأصابع وهي حركات تقوم مقام اللغة المتعارف عليها
ودليلهم على أن اللغة كانت إشارية أن لغة الصم منظومة من اللغة وهي بالإشارات دون استعمال حرف واحد إلا أننا لحد الآن نستعمل الإشارات أحيانا بدل الكلام. 2ـ ما قيل في اللغة يوجز الشيرازي تعريف اللغة ـ كما ورد ذلك في القاموس المحيط ـ بقوله: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. ويتقاطع هذا التعريف مع ما ذهب إليه ابن خلدون من أن اللغة ملكة في اللسان للعبارة عن المعاني. وهي في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم. إدوارد سابري : اللغة وسيلة للإنسانية لتوصيل الأفكار والانفعالات والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية أي نتكلم عندما نرغب أما عندما لانرغب فلا نتكلم
هنا كتعريف لدائرة المعارف البريطانية يقول : هي نظام من الرموز والوسائل الصوتية والمفردات والنحو وما إلى ذلك من القواعد التي تعد أداة للتعبير عن الأفكار والأحاسيس كذلك اللغة ظاهرة اجتماعية تشكل مع الفكر وحدة عضوية إذ لا توجد لغة دون فكر ولا فكر دون لغة .
يقول المفكر الأمريكي يقول ستيفن أولمان : اللغة نظام من رموز صوتية مخزونة في أذهان أفراد الجماعة اللغوية فاللغة نظام من الرموز الصوتية الاصطلاحية .
يقول الفيلسوف الصيني هونغ تسو : إنما نسمي الأشياء كما نرغب فإذا تمت رغبتنا اعتدنا على التسمية ولا تملك الأسماء حقيقة صوتية تلائم الأشياء تلاؤماً ضرورياً
3ـتعريف اللغة العربية اختلفت الآراء في تعريف اللغة العربية, فعلماء المعاجم العرب أجمعوا على أن كلمة (لغة) كلمة عربية أصيلة, ذات جذور عربية, بينما ذهب فريق آخر إلى أن الكلمة منقولة من اللغة اليونانية (لوجوس), ومعناها الكلام أو اللغة, ثمّ عرّبوها إلى لوغوس وأعملوا فيها الإعلال والإبدال, وغيرهما من الظواهر الصرفية, على النحو الذي رسمه (ابن جني) بقوله: "انتحاء سمت كلام العرب من إعلال, أو إبدال, أو حذف, أو إعراب, أو بناء" حتى اندرجت ضمن الكلمة العربية على الوجه الذي نراه". أما الخليل بن أحمد الفراهيدي فقد ذهب إلى أن العرب تشتق في كثير من كلامها أبنية المضعف في بناء الثلاثي المثقل بحرف التضعيف, وكلام العرب مبني على أربعة أصناف: الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي. وآخرون قالوا بأن اللغة العربية مغرقة في القدم, فهي لغة مكتملة النمو, استطاعت أن تعبّر عن دقائق المشاعر الإنسانية, والصور, والأحاسيس. وهي التي حدّدت هوية العربي, وهي تنحو في ثنايا تكوينها وخصائصها الذاتية منحى إنسانياً, وعالمياً, يصل إلى آفاق العالمية والإنسانية, وقد تجسّد هذا المنحى عندما أصبحت لغة الوحي الإلهي, واختارها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لغة التنزيل العزيز إذ يقول في محكم آياته: "عربي مبين" (الشعراء2/195), وكذلك أوحينا إليك قرآناعربياً" (الشورى7). وهكذا وجدت اللغة العربية مجالها الحيوي في عالمية الدعوة الإسلامية بوصفها لغة القرآن تفكير, ورؤية للحياة. وهي أداة أساسية للعلاقات الثقافية الخارجية, حيث تملك كل المقومات التي تؤهلها. فهي منهج ونظام للتفكير, والتعبير, والاتصال, إنها علاقة دالّة بين المعاني والألفاظ, بما يشكل نظاماً ونسقاً خاصاً, له قوانينه الداخلية الخاصة. وهي سمة إنسانية لجنسنا البشري, فهي خاصة إنسانية, لاتعبّر فقط عن الأفكار بل تشكّلها. والتفكير ليس إلا لغة صامتة. واللغة تولّد الفكر. وهي نظام دقيق, يتطلّب الكثير من المعارف, والمهارات, لأن عملية الاتصال بين المتكلم والمستمع, أو الكاتب والقارئ, تمرّ بعدة خطوات في غاية الدقة, وكل خطوة من خطوات عملية الاتصال هذه, تحتاج إلى تعليم, وتدريب, بطريقة مباشرة, وغير مباشرة, في الأسرة, ومن خلال المناهج المدرسية, والإعلام والفنون والآداب هنا نستنتج بأن "مفهوم اللغة منهج ونظام للتفكير, والتعبير, والاتصال, وقد اهتم الفكر اللغوي الحديث, بالكشف عن ماهية البنية اللغوية العميقة, وتفسير عمل الآليات الدقيقة لمنظومة اللغة, تميّزت عندها اللغة العربية" بأنها واحدة من اللغات الإنسانية المعاصرة, التي يتحدّث بها الملايين من العرب, والمسلمين, وهي إحدى لغات منظمة الأمم المتحدة". 4ـ قال غير العرب في العربية قال المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس :
" إنّ في الإسلام سنداً هامّاً للغة العربية أبقى على روعتها وخلودها فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة ، كاللاتينية حيث انزوت تماماً بين جدران المعابد .
ولقد كان للإسلام قوة تحويل جارفة أثرت في الشعوب التي اعتنقته حديثاً ، وكان لأسلوب القرآن الكريم أثر عميق في خيال هذه الشعوب فاقتبست آلافاً من الكلمات العربية ازدانت بها لغاتها الأصلية فازدادت قوةً ونماءً .
والعنصر الثاني الذي أبقى على اللغة العربية هو مرونتها التي لا تُبارى ، فالألماني المعاصر مثلاً لا يستطيع أن يفهم كلمةً واحدةً من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة ، بينما العرب المحدثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كتبت في الجاهلية قبل الإسلام " . ( الفصحى لغة القرآن
2- قال المستشرق الألماني يوهان فك
إن العربية الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسياً لهذه الحقيقة الثابتة ، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية ، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر ، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية" .
3- قال جوستاف جرونيباوم :
" عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد أنزلها " قرآناً عربياً " والله يقول لنبيّه " فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدّاً " وما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها ، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية ، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان ، أما السعة فالأمر فيها واضح ، ومن يتّبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية ، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات .
ما قال العرب في اللغة العربية : قال ابن تيميّة رحمه الله :" فإنّ اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون " قال ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله :" وإنّما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب ، فعرف علم اللغة وعلم العربية ، وعلم البيان ، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها ، ورسائلها ... "
نشأتها
هنالك العديد من الآراء والروايات حول أصل العربية لدى قدامى اللغويين العرب فيذهب البعض إلى أن يعرب كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي فسميت اللغة باسمه، وورد في الحديث الشريف أن نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من فُتق لسانه بالعربية المبينة، وهو ابن أربع عشرة سنة بينما نَسِي لسان أبيه، أما البعض الآخر فيذهب إلى القول أن العربية كانت لغة آدم في الجنة2، إلا أنه لا وجود لبراهين علمية أو أحاديث نبوية ثابتة ترجح أي من تلك الادعاءات ولو اعتمدنا المنهج العلمي وعلى ما توصلت إليه علوم اللسانيات والآثار والتاريخ فإن جل ما نعرفه أن اللغة العربية بجميع لهجاتها انبثقت من مجموعة من اللهجات التي تسمى بلهجات شمال الجزيرة العربية القديمة. أما لغات جنوب الجزيرة العربية أو مايسمى الآن باليمن وأجزاء من عُمان فتختلف عن اللغة العربية الشمالية التي انبثقت منها اللغة العربية، ولا تشترك معها إلا في كونها من اللغات السامية، وقد كان علماء المسلمين المتقدمين يدركون ذلك حتى قال أبو عمرو بن العلاء (770م) : "ما لسان حمير بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا."
وقد قام علماء الآثار بتصنيف النقوش العربية الشمالية القديمة المكتشفة حتى الآن إلى أربع مجموعات هي الحسائية (نسبة إلى منطقة الأحساء) والصفائية والديدانية والثمودية، والأخيرة لا علاقة لها بقبيلة ثمود وإنما هي تسمية اصطلاحية. وقد كتبت جميع هذه النقوش بالخط المسند (أي الخط الذي تكتب به لغات جنوب الجزيرة)، وأبرز ما يميز هذه اللهجات عن اللغة العربية استخدامها أداة التعريف "هـ" أو "هنـ"، ويعود تاريخ أقدمها إلى عدة قرون قبل الميلاد. أما أقدم النقوش باللغة العربية بطورها المعروف الآن فهما نقش عجل بن هفعم الذي عثر عليه في قرية الفاو (قرب السليل)في العربيه السعوديه ، وقد كتب بالخط المسند ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، ونقش عين عبدات في صحراء النقب، ويعود تاريخه إلى القرن الأول أو الثاني بعد الميلاد، وقد كتب بالحرف النبطي. ومن أشهر النقوش باللغة العربية نقش النمارة الذي اكتشف في الصحراء السورية، وهو نص مؤرخ بتاريخ 328 م ومكتوب بنوع من الخط النبطي القريب من الخط العربي الحالي، وهو عبارة عن رسم لضريح ملك الحيرة امرئ القيس بن عمرو وصف فيه بأنه "ملك العرب". لم يعرف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب؛ وكذلك جميع المفردات المشتقة من الأصل المشتمل على أحرف العين والراء والباء، مثل كلمات: عربية وأعراب وغيرها، وأقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري ( شلمانصر الثالث) في القرن التاسع قبل الميلاد، ذكر فيه انتصاره على تحالف ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق، وأنه غنم ألف جمل من جنديبو من بلاد العرب، ويذكر البعض - من علماء اللغات - أن كلمة عرب وجدت في بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية، ولم يكن هناك لغة عربية معينة، لكن جميع اللغات التي تكلمت بها القبائل والأقوام التي كانت تسكن الجزيرة العربية سميت لغات عربية نسبة إلى الجزيرة العربية . اللغة العربية من اللغات السامية التي شهدت تطورًا كبيرًا وتغيرًا في مراحلها الداخلية، وللقرآن فضل عظيم على اللغة العربية حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته؛ في حين اندثرت معظم اللغات السامية، وما بقي منها عدا لغات محلية ذات نطاق ضيق مثل: العبرية، الامهريه لغه أهل الحبشة أي مايعرف اليوم بإثيوبيا، واللغة العربية يتكلم بها الآن قرابة 422 مليون إنسان كلغة أم، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية. تطور اللغة العربية الفصحى تطورت اللغة العربية الحديثة عبر مئات السنين، وبعد مرور أكثر من ألفي سنة على ولادتها أصبحت - قبيل الإسلام - تسمى لغة مضر، وكانت تستخدم في شمال الجزيرة، وقد قضت على اللغة العربية الشمالية القديمة وحلت محلها، بينما كانت تسمى اللغة العربية الجنوبية القديمة لغة (حمير) نسبة إلى أعظم ممالك اليمن حينذاك، وما كاد النصف الأول للألفية الأولى للميلاد ينقضي حتى كانت هناك لغة لقريش، ولغة لهذيل ولغة لربيعة، ولغة لقضاعة، وهذه تسمى لغات وإن كانت ما تزال في ذلك الطور لهجات فحسب، إذ كان كل قوم منهم يفهمون غيرهم بسهولة، كما كانوا يفهمون لغة حمير أيضًا وإن بشكل أقل، وكان نزول القرآن في تلك الفترة هو الحدث العظيم الذي خلد إحدى لغات العرب حينذاك، وهي اللغة التي نزل بها - والتي كانت أرقى لغات العرب - وهي لغة قريش، فكل أشعار العرب في العهد الجاهلي كتبت بلغة قريش وسميت لغة قريش منذ ذلك اللغة العربية الفصحى بقول القرآن ((وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)) وقوله "وهذا لسان عربي مبين".
الاختلافات بين العربية واللغات السامية العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظًا بسمات السامية الأولى فقد احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية. *فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، ح، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية. *احتفظت العربية بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى. *احتفظت بمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم، اسم الفاعل، المفعول. وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني. *احتفظت بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة. يضم معجم العربية الفصحى ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر. ولهذا أصبحت عونا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.
الباب الثاني
خصائص اللغة العربية :
1ـ الإعراب
تعريف الإعراب : تغيير العلامة الموجودة في آخر الكلمة ، لاختلاف العوامل الداخلة عليها ، لفظا ، أو تقديرا .
نحو : أشرقت الشمس . شاهد الناس الشمس مشرقة بعد يوم مطير . ابتهج الناس بشروق الشمس .
في الأمثلة الثلاثة السابقة ، نجد أن كلمة " الشمس " قد تغيرت علامة إعرابها ، لتغيير موقع الكلمة ، وما رافق ذلك من العوامل الداخلة عليها .
فقد جاءت " الشمس : في المثال الأول فاعلا مرفوعا بالضمة الظاهرة .
وجاءت في المثال الثاني مفعولا به منصوبا بالفتحة الظاهرة .
وفي المثال الثالث مضافا إليه مجرورا بالكسرة الظاهرة . وهذا ما يعرف بالإعراب .
1 ـ ومنه قوله تعالى : { ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد } ـ 48 يوسف.
2 ـ وقوله تعالى : { إني أرى سبع بقرات سمان }43 يوسف
3 ـ وقوله تعالى : {أفتنا في سبع بقرات سمان }. ـ 46 يوسف
1 ـ الإعراب اللفظي : هو ما لا يمنع من النطق به مانع كما في الأمثلة والشواهد القرآنية التي مثلنا بها في أعلى الصفحة .
والإعراب التقديري : هو ما يمنع من النطق به مانع للتعذر ، أو الاستثقال ، أو المناسبة . نحو : حضر الفتى . الفتى فاعل مرفوع بضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر .
ونحو : جاء القاضي . القاضي فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل .
ونحو : تأخر غلامي . غلامي فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منه من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة لياء المتكلم
والشاهد في الآيات السابقة كلمة : " سبع " ، حيث تغيرت علامة إعرابها بتغير موقعها من الجملة ، واختلاف العوامل الداخلة عليها .
أنواع الإعراب :
الإعراب أربعة أنواع : الرفع ، والنصب ، والجر ، والجزم .
يشترك الاسم والفعل في الرفع ، والنصب ، ويختص الاسم بالجر ، أما الجزم فيختص به الفعل . حيث لا فعل مجرور ، ولا اسم مجزوم .
كما يختص الإعراب بالأسماء ، والأفعال . أما الأحرف فمبنية دائما ، ولا محل لها من الإعراب .
تعريف البناء : هو لزوم لآخر الكلمة علامة واحدة في جميع أحوالها مهما تغير موقعها الإعرابي ، أو تغيرت العوامل الداخلة عليها .
مثال ما يلزم السكون : " كمْ " ، و " لنْ " .
1ـنحو قوله تعالى : { كم تركوا من جنات وعيون }. ـ 25 الدخان
وقوله تعالى : { قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل }. 124 الأنعام
ولزوم الكسر نحو " هؤلاءِ " ، و " هذهِ " ، و " أمسِ " .
2ـ نحو قوله تعالى : { هؤلاءِ قومنا اتخذوا من دونه آلهة } . 15 الكهف
وقوله تعالى : { وإن هذه أمتكم أمة واحدة }. 52 المؤمنون
3ـ ومنه قول الشاعر :
أراها والها تبكي أخا ها عشية رزئه أو غب أمسِ
الشاهد هنا : أمسِ .
ولزوم الضم : " منذُ " ، و " حيثُ " .
نحو : لم أره منذُ يومين .
4ـ وقوله تعالى : { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام } . 150 البقرة
ولزوم الفتح : " أينَ " ، و " أنتَ " ، و " كيفَ " .
5 ـ نحو قوله تعالى : { أينما تكونوا يدركُّم الموت } . 78 النساء
ونحو قوله تعالى : { إنك أنت العليم الحكيم } . 32 البقرة
ونحو قوله تعالى : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم } . 28 البقرة
والبناء في الحروف ، والأفعال أصلي ، وإعراب الفعل المضارع الذي لم تتصل به نون التوكيد ، ولا نون النسوة فهو عارض . وكذا الإعراب في الأسماء أصلي ، وبناء بعضها عارض .
بناء الاسم لمشابهته للحرف :
يبنى الاسم إذا أشبه الحرف شبها قويا ، وأنواع الشبه ثلاثة :
1 ـ الشبه الوضعي : وهو أن يكون الاسم على حرف ، كـ " تاء " الفاعل في " قمتُ "، أو على حرفين كـ " نا " الفاعلين . نحو : قمنا ، وذهبنا ، لأن الأصل في الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف إلى سبعة أحرف .
فالتاء في قمت شبيهة بباء الجر ولامه ، وواو العطف وفائه ، والنا في قمنا وذهبنا شبيهة بقد وبل وعن ، من الحروف الثنائية . لهذا السبب بنيت الضمائر لشبهها بالحرف في وضعه ، وما لم يشبه الحرف في وضعه حمل على المشابهة ، وقيل أنها أشبهت الحرف في جموده ، لعدم تصرفها تثنية وجمعا .
2 ـ الشبه المعنوي : وهو أن يكون الاسم متضمنا معنى من معاني الحروف ، سواء وضع لذلك المعنى أم لا .
1ـفما وضع له حرف موجود كـ " متى " ، فإنها تستعمل شرطا . كقول سحيم بن وثيل الرياحي :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
2ـ فـ " متى " هنا شبيهة في المعنى بـ " أنْ " الشرطية . ومنه قول طرفة بن العبد :
متى تأتني أصحبك كأسا روية وإن كنت عنها غانياً ، فاغن وازدد
3ـوتستعمل استفهاما . نحو قوله تعالى : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين}. 48 يونس
وقوله تعالى : { فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هذا الوعد }51 الإسراء .
فـ " متى " في الآيتين السابقتين شبيهة في المعنى بهمزة الاستفهام .
أما الذي لم يوضع له حرف ككلمة " هنا " فإنها متضمنة لمعنى الإشارة ، لم تضع العرب له حرفا ، ولكنه من المعاني التي من حقها أن تؤدى بالحروف ، لأنه كالخطاب والتثنية ) . لذلك بنيت أسماء الإشارة لشبهها في المعنى حرفا مقدرا ، وقد أعرب هذان وهاتان مع تضمنهما معنى الإشارة لضعف الشبه لما عارضه من التثنية .
3 ـ الشبه الاستعمالي :
وهو أن يلزم الاسم طريقة من طرائق الحروف وهي :
أ ـ كأن ينوب عن الفعل ولا يدخل عليه عامل فيؤثر فيه ، وبذلك يكون الاسم عاملا غير معمول فيه كالحرف .
ومن هذا النوع أسماء الأفعال . نحو : هيهات ، وأوه ، وصه ، فإنها نائبة عن : بَعُد ، وأتوجع ، واسكت . فهي أشبهت ليت ، ولعل النائبتين عن أتمنى
وأترجى ، وهذه تعمل ولا يعمل فيها .
ب ـ كأن يفتقر الاسم افتقارا متأصلا إلى جملة تذكر بعده لبيان معناه . مثل : إذ ، وإذا ، وحيث من الظروف ، والذي ، والتي ، وغيرها من الموصولات .
فالظروف السابقة ملازمة الإضافة إلى الجمل .
فإذا قلنا : انتهيت من عمل الواجب إذ . فلا يتم معنى " إذ " إلا أن تكمل الجملة بقولنا : حضر المدرس . وكذلك الحال بالنسبة للموصولات ، فإنها مفتقرة إلى
جملة صلة يتعين بها المعنى المراد ، وذلك كافتقار الحروف في بيان معناها إلى غيرها من الكلام لإفادة الربط .
أنواع البناء :
البناء أربع أنواع : الضم ، والفتح ، والكسر ، والسكون . وهذه الأنواع الأربعة تكون في الاسم ، والفعل ، والحرف . في حين لا يكون الإعراب في الحرف .
1 ـ المبني على الضم ، أو ما ينوب عنه :
أ ـ يبنى على الضم ستة من ظروف المكان هي : قبلُ ، وبعدُ ، وأولُ ، ودونُ ، وحيثُ ، وعوضُ .
ب ـ ويبنى على الضم ثمانية من أسماء الجهات هي : فوقُ ، وتحتُ ، و وعلُ ، وأسفلُ ، وقدامُ ، ووراءُ ، وخلفُ ، وأمامُ .
ج ـ ويبنى على الضم : غيرُ ، إذا لم تضف إلى ما بعدها ، وكانت واقعة بعد لا .
نحو : اشتريت كتابا لا غير .
أو واقعة بعد ليس . نحو : قرأت فصلا من الكتاب ليس غير .
ومنها " أيُّ " الموصولة إذا أضيفت ، وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا .
نحو : أرفق على أيُّهم أضعف .
* أما ما يبنى على نائب الضم ، فهو المنادى المثنى ، وجمع المذكر السالم ، وما يلحقهما . نحو : يا محمدان ، ويا محمدون . فالألف نابت عن الضم في المثنى المنادى ، ونابت الواو عن الضم في جمع المذكر السالم المنادى .
2 ـ المبني على الفتح ، أو ما ينوب عنه :
أ ـ يبنى على الفتح : الفعل الماضي مجردا من الضمائر . نحو : ذهبَ ، وجلسَ .
ب ـ الفعل المضارع المتصل بنون التوكيد الثقيلة ، أو الخفيفة . نحو :
والله لأتصدقنَّ من حر مالي . أتصدقن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة . ونحو : هل تذهبنَ إلى مكة ؟
ج ـ الأعداد المركبة من أحد عشر إلى تسعة عشر . ما عدا اثني عشر ، واثنتي عشرة ، لأنهما ملحقان بالمثنى .
د ـ المركب من الظروف الزمانية ، أو المكانية . نحو : يحضر يومَ يومَ ، ويأتي العمل صباحَ مساءَ ، ويسقط بينَ بينَ ، وهذا جاري بيتَ بيتَ .
هـ ـ المركب من الأحوال . كقول العرب : تساقطوا أخولَ أخولَ . أي متفرقين .
و ـ الزمن المبهم المضاف إلى جملة كالحين ، والوقت والساعة .
نحو : حينَ حضر المعلم سكت التلاميذ .
ز ـ المبهم المضاف إلى مبني ، سواء أكان المبهم زمانا ، كـ : بين ، ودون ،
أم كان غير زمان . كـ : مثل ، وغير .
* والمبني على نائب الفتح : هو اسم لا النافية للجنس . فيبنى على الياء نيابة عن الفتحة ، إذا كان مثنى ، أو ما يلحق به . نحو : لا طالبين في الفصل .
ونحو : لا اثنين حاضران .
أو جمعا مذكرا سالما وما يلحق به . نحو : لا معلمين في المدرسة .
ونحو : لا بنين مهملون .
كما يبنى اسم لا النافية للجنس على الكسر نيابة عن الفتحة ، إذا كان جمعا مؤنثا سالما ، أو ما يلحق به . نحو : لا فتياتِ في المنزل .
ونحو : لا عرفات أهملت من التوسعة .
3 ـ المبني على الكسر :
أ ـ العلم المختوم " بويه " : كنفطويه ، وسيبويه ، وخمارويه .
ب ـ اسم الفعل ، إذا كان على وزن " فَعالِ " ، كنزالِ ، وتراكِ ، وحذارِ .
ج ـ ما كان على وزن " فَعالِ " وهو علم لمؤنث ، مثل : حذامِ .
د ـ ما كان على وزن فَعالِ ، وهو سب لمؤنث . مثل : خباثِ ، ولكاعِ .
هـ ـ لفظ " أمسِ " ، إذا استعمل ظرفا معينا خاليا من " أل " ، و الإضافة .
4 ـ المبني على السكون :
المبني على السكون كثير ، ويكون في الأفعال ، والأسماء ، والحروف .
أ ـ من الأفعال المبنية على السكون : الفعل الأمر الصحيح الآخر مثل : اكتبْ ، اجلسْ سافرْ . والمضارع المتصل بنون النسوة نحو : اكتبْنَ ، العبْنَ ، اجلسْنَ .
ومنه : الطالبات يكتبْنَ الواجب .
ب ـ من الأسماء المبنية على السكون : منْ ، وما ، ومهما ، والذي ، والتي ، وهذا .
ج ـ من الحروف المبنية على السكون : مِنْ ، وعنْ ، وإلى ، وعلى ، وأنْ وإنْ .
أقسام الأسماء المبنية :
تنقسم الأسماء المبنية إلى قسمين :
1 ـ بناء عارض . 2 ـ بناء لازم .
أولا ـ البناء اللازم : وهو بناء الاسم بناء لا ينفك عنه في حال من الأحوال .
من هذا النوع : الضمائر ، وأسماء الشرط ، وأسماء الإشارة ، والأسماء الموصولة ، وأسماء الاستفهام ، وكنايات العدد ، وأسماء الأفعال ، وأسماء الأصوات ، وبعض الظروف ، والمركب المزجي الذي ثانيه معنى حرف العطف ، أو كان مختوما بويه ، وما كان على وزن فَعالِ علما ، أو شتما لها . وما سبق ذكره يكون مبنيا على ما سمع عليه .
2 ـ البناء العارض : وهو ما بني من الأسماء بناء عارضا ، في بعض الأحوال ، وكان في بعضها معربا ، ويشمل هذا النوع :
أ ـ المنادى ، إذا كان علما مفردا ، يبنى على الضم ، أو نكرة مقصودة ، وتبنى على ما ترفع به .
ب ـ اسم لا النافية للجنس ، إذا لم يكن مضافا ، ولا شبيها بالمضاف ، ويكون مبنيا على ما ينصب به .
ج ـ أسماء الجهات الست ، وبعض الظروف ، ويلحق بها لفظتا " حسب ، وغير .
نماذج من الإعراب
1 ـ قال تعالى : { ثم يأتي من بعد ذلك سبعٌ شداد } 48 يوسف .
ثم يأتي : ثم حرف عطف وتراخ ، يأتي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل .
من بعد ذلك : جار ومجرور وشبه الجملة متعلق بمحذوف في محل نصب حال من سبع ، لأنه كان في الأصل صفة له ، ولما تقدم عليه أعرب حالا على القاعدة ، وبعد مضاف ، وذلك : اسم إشارة في محل جر مضاف إليه .
سبعٌ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة . شداد : صفة مرفوعة بالضمة .
2 ـ قال تعالى : { إني أرى سبع بقراتٍ سمان } 43 يوسف .
إني : إن واسمها في محل نصب . أرى : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا . سبع : مفعول به منصوب بالففتحة وهو مضاف .
بقرات : مضاف إليه مجرور بالكسرة . سمان : صفة مجرورة بالكسرة .
وجملة أرى في محل رفع خبر إن . وجملة إني في محل نصب مقول القول للفعل قال في أول الآية .
3 ـ قال تعالى : { أفتنا في سبع بقراتٍ سمان } 46 يوسف .
أفتنا : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت ، والنا ضمير متصل في محل نصب مفعول به .
في سبع : في حرف جر ، سبع اسم مجرور وعلامة جره الكسرة وشبه الجملة متعلق بأفتنا ، وسبع مضاف ، بقراتٍ : مضاف إليه مجرور بالكسرة . سمان : صفة مجرورة بالكسرة .
4 ـ قال تعالى : { كم تركوا من جناتٍ وعيون } 25 الدخان .
كم : خبريه مبنية على السكون في محل نصب مفعول به مقدم لتركوا .
تركوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، واو الجماعة في محل رفع فاعل . من جنات : جار ومجرور متعلق بمحذوف في محل نصب حال من المفعول به " كم " .
وعيون : الواو حرف عطف ، عيون معطوفة على جنات .
5 ـ قال تعالى : { هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة } 15 الكهف .
هؤلاء : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ .
قومنا : خبر مرفوع بالضمة ، وقال الزمخشري : قومنا عطف بيان ، وقال الألوسي : قومنا عطف بيان لا خبر لعدم إفادته . . ونقول : الوجه الأول أحسن لأن " قومنا " أفادت الإخبار عن اسم الإشارة ، نحو قولنا : هذا رجل ، وهذان صديقان .
فهذا : مبتدأ ، ورجل خبر .
اتخذوا : فعل وفاعل في محل نصب حال من قومنا على الوجه الأول ،وفي محل رفع خبر على الوجه الثاني . من دونه : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب حال ، ودون مضاف ، والهاء في محل جر مضاف إليه .
آلهة : مفعول به منصوب بالفتحة .
1 ـ قال الشاعر :
أراها والهاً تبكي أخاها عشية رزئه أو غب أمس
أراها : أرى فعل ماض مبني على الفتح أصله " رأى " المتعدية لمفعولين ولما دخلت عليها الهمزة تعدت لثلاثة مفاعيل نحو قوله تعالى : { ولو أراكهم كثيراً لفشلتم } 43 الأنفال ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا ، وهاء الغائب في أراها في محل نصب مفعول به أول . والهاً : مفعول به ثان منصوب بالفتحة .
تبكي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة ، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هي .
أخاها : مفعول به لتبكي منصوب بالألف ، وأخا مضاف ، وهاء الغائب في محل
جر مضاف إليه ، وجملة تبكي في محل نصب مفعول به ثالث لأرى .
عشية : ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بتبكي ، وهو مضاف ، رزئه : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وهو مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة .
أو غب أمس : أو حرف عطف ، غب أمس : غب معطوف على عشية ، وهو مضـاف ، وأمسِ مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه ، وهو الشاهد في هذا المقام .
6 ـ قال تعالى : { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام } 150 البقرة.
ومن حيث : الواو للاستئناف ، من حرف جر ، حيث اسم مبني على الضم ، وشبه الجملة متعلق في الظاهر بوَلِّ الآتي ، ولكن فيه إعماء ما بعد الفاء فيما قبلها وهو ممتنع غير أن المعنى متوقف على هذا الظاهر ، فالأولى تعليقهما بفعل محذوف يفسره فولِّ ، والتقدير : ولِّ وجهك من حيث خرجت . 1 .
والوجه الأول أحسن وهو تعلق شبه الجملة بولِّ الآتي لأن حيث في هذا المقام لا
تكون أداة شرط لعدم اتصالها بما . 1 .
خرجت : فعل وفاعل ، والجملة الفعلية في محل جر بالإضافة لحيث .
فول : الفاء رابطة لما في حيث من معنى الشرط ، وول فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، والجملة لا محل لها من الإعراب مفسرة .
وجهك : وجه مفعول به وهو مضاف ، والكاف في محل جر مضاف إليه .
شطر المسجد : شطر ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بول وهو مضاف ، والمسجد مضاف إليه . الحرام : صفة مجرورة بالكسرة ، وجملة من حيث وما في حيزها استئنافية لا محل لها من الإعراب .
7 ـ قال تعالى : { أينما تكونوا يدرككُّم الموت } 78 النساء .
أينما : اسم شرط جازم في نصب على الظرفية المكانية متعلق بمحذوف خبر مقدم لتكونوا . تكونوا : فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون واو الجماعة في محل رفع اسمه إذا اعتبرنا الفعل ناقصاً ، وفي محل رفع فاعل إذا اعتبرنا الفعل تاماً ، وعلى الوجه الثاني تكون " أينما " متعلقةً بجواب الشرط . والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية .
يدركْكُم الموت : يدرككم فعل مضارع مجزوم جواب الشرط وكاف الخطاب في محل نصب مفعول به . الموت : فاعل مرفوع بالضمة . وجملة أينما مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، وجملة يدرككم لا محل لها من الإعراب جواب شرط جازم لم يقترن بالفاء أو بإذا الفجائية . وجملة الشرط لا محل لها من الإعراب استئنافية مسوقة لخطاب اليهود والمنافقين .
2 ـ قال الشاعر :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
أنا : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ . ابن : خبر المبتدأ .
جلا : أحسن ما فيه من الأعاريب أنه فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازاً تقديره هو ، وله مفعول محذوف ، وتقدير الكلام : أنا ابن رجل جلا الأمور ، وجملة جلا الفعلية وما في حيزها في محل جر صفة لموصوف مجرور بالإضافة محذوف ، كما ظهر في التقدير . وطلاع : الواو حرف عطف ، طلاع معطوف على الخبر ، وهو مضاف ، والثنايا : مضاف إليه .
متى : اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ .
أضع : فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا .
العمامة : مفعول به منصوب بالفتحة .
تعرفوني : جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وواو الجماعة في محل رفع فاعل ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم في محل نصب مفعول به ، وجملة تعرفوني لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو إذا .
3 ـ قال الشاعر :
متى تأتني أصبحك كأساً رويةً وإن كنت عنها غانياً ، فاغن وازدد
متى : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل تأتي بعده . تأتني : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره ، وهو الياء ، والكسرة قبلها دليل عليها ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت ، والجملة الفعلية ابتدائية لا محل لها من الإعراب .
أصبحك : فعل مضارع جواب الشرط مجزوم ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا ، والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول . كأساً : مفعول به ثانٍ .
روية : صفة وجملة " أصبحك … إلخ " لا محل لها لأنها جملة جواب الشرط ، ولم تقترن بالفاء ، ولا بإذا الفجائية ، ومتى ومدخولها كلام مستأنف لا محل له .
وإن : الواو حرف عطف ، إن حرف شرط جازم . كنت : فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط ، والتاء ضمير متصل في محل رفع اسمها .
عنها : جار ومجرور متعلقان " بغانياً " بعدهما . غانياً : خبر كان ، وجملة " كنت غانياً عنها " لا محل لها ، ويقال لأنها جملة شرط غير ظرفي .
فاغن : الفاء واقعة في جواب الشرط ، اغن : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره ، وهو الألف ، والفتحة قبلها دليل عليها ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت ، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور ، والدسوقي يقول : لا محل لها لأنها لم تحل محل المفرد ، وإن مدخولها معطوف على متى ومدخولها لا محل له مثله .
وازدد : الواو حرف عطف ، ازدد فعل أمر مبني على السكون المقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بالكسر العارض لضرورة الشعر ، والفعل تقديره أنت ، والجملة الفعلية معطوفة على جملة جواب الشرط ، فهي في محل جزم مثلها .
8 ـ قال تعالى : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } 48 يونس .
ويقولون : الواو للاستئناف ، يقولون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، واو الجماعة في محل رفع فاعل . متى : اسم استفهام عن الزمان مبني على السكون متعلق بمحذوف في محل رفع خبر مقدم . هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل لرفع مبتدأ مؤخر . الوعد : بدل مرفوع بالضمة . إن : حرف شرط جازم .
كنتم : فعل الشرط والضمير المتصل في محل رفع اسم كان .
صادقين : خبر كان منصوب بالياء ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : فمتى هذا الوعد . وجملة كنتم في محل جزم فعل الشرط ، وجملة يقولون استئنافية لا محل لها من الإعراب الاشتقاق : أولاً: تعريف الاشتقاق:
أ - تعريفه في اللغة: الاشتقاق في اللغة أخذ شيء من شيء.
قال ابن منظور - رحمه الله -: "اشتقاق الشيء: بنيانه من المرتجل، واشتقاق الكلام: الأخذ به يميناً وشمالاً، واشتقاق الحرف من الحرف: أخذه منه". ب - تعريفه في الاصطلاح: عرف الاشتقاق بعدة تعريفات منها:
1- هو أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنىً ومادة أصلية، وهيئة تركيب لها؛ ليُدَلَّ بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة؛ لأجلها اختلفا حروفاً أو هيئة.
2- وعرف بأنه: عملية استخراج لفظ من لفظ، أو صيغة من صيغة أخرى.
3- وعرف بأنه: استخراج لفظ من لفظ آخر متفق معه في المعنى والحروف الأصلية.
4- وعرف بأنه: أخذ كلمة من كلمة أخرى أو أكثر مع تناسبٍ بينهما في اللفظ والمعنى.
ج - أمثلة على الاشتقاق: ضارب من ضرب، وحَذِرٌ من حَذِر.
د - طريقة معرفة الاشتقاق: أما طريقة معرفته فتكون من خلال تقليب تصاريف الكلمة حتى يرجع منها إلى صيغة هي أصل الصيغ دلالة اطرادٍ، أو حروفاً غالباً، كضرب فإنه دال على مطلق الضرب فقط.
أما ضارب ومضروب، ويضرب، واضْرب فكلها أكثر دلالة، وأكثر حروفاً.
وضَرب الماضي مساوٍ حروفاً، وأكثر دلالة، وكلها مشتركة في (ض ر ب) وفي هيئة تركيبها.
هذا هو الاشتقاق الصرفي المعروف المحتج به الذي ينصرف الذهن إليه عند إطلاق الاشتقاق، وهو ما يعرف عند بعض اللغويين كابن جني بالاشتقاق الصغير أو الأصغر، حيث قال: "فالصغير ما في أيدي الناس وكتبهم كأن تأخذ أصلاً من الأصول، فتتقَّراه، فتجمع بين معانيه، وإن اختلفت صيغه ومبانيه.
وذلك كتركيب (س ل م) فإنك ما تأخذ منه معنى السلامة في تصرفه، نحو: سلم، ويسلم، وسالم، وسلمان، وسلمى، والسلامة، والسليم: اللديغ؛ أطلق عليه تفاؤلاً بالسلامة.
وعلى ذلك بقية الباب إذا تأولته، وبقية الأصول غيره كـ: تركيب (ض ر ب) و (ج ل س) و (ز ب ل) على ما في أيدي الناس من ذلك؛ فهذا هو الاشتقاق الأصغر".
ثانياً: أقوال العلماء في وقوع الاشتقاق في اللغة:
قال السيوطي - رحمه الله -: "واختلفوا في الاشتقاق الأصغر؛ فقال سيبويه، والخليل، وأبو عمرو، وأبو الخطاب، وعيسى بن عمر، والأصمعي، وأبو زيد، وابن الأعرابي، والشيباني، وطائفة: بعض الكلم مشتق، وبعضه غير مشتق.
وقالت طائفة من المتأخرين اللغويين: كل الكلم مشتق؛ ونسب ذلك إلى سيبويه والزجاج.
وقالت طائفة من النظار: الكلم كله أصل، والقول الأوسط تخليط لا يعد قولاً؛ لأنه لو كان كل منها فرع للآخر لدار أو تسلسل، وكلاهما محال؛ بل يلزم الدور عيناً؛ لأنه يثبت لكل منها أنه فرع، وبعض ما هو فرع لابد أنه أصل؛ ضرورة أن المشتق كله راجع إليه - أيضاً -.
لا يقال: هو أصل وفرع بوجهين؛ لأن الشرط اتحاد المعنى، والمادة، وهيئة التركيب؛ مع أن كل منها مفرَّع عن الآخر بذلك المعنى".
وقال ابن فارس - رحمه الله -: "باب القول على لغة العرب هل لها قياس، وهل يشتق بعض الكلام من بعض؟
أجمع أهل اللغة - إلا من شذ منهم - أن للغة العرب قياساً، وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجن مشتق من الاجتنان، وأن الجيم والنون تدلان أبداً على الستر، تقول العرب للدرع: جُنَّة، وأجَنَّه الليل، وهذا جنين، أي هو في بطن أمه أو مقبور، وأن الإنس من الظهور؛ يقولون: آنَسْتُ الشيء: أبصرته.
وعلى هذا سائر كلام العرب، علم ذلك من علم وجهله من جهل.
قلنا: وهذا - أيضاً - مبني على ما تقدم من قولنا في التوقيف؛ فإن الذي وقفنا على أن الاجتنان التستر هو الذي وقفنا على أن الجن مشتق منه.
وليس لنا اليوم أن نخترع ولا أن نقول غير ما قالوه ولا أن نقتبس قياساً لم يقيسوه؛ لأن في ذلك فسادَ اللغة وبطلان حقائقها.
ونكتة الباب أن اللغة لا تؤخذ قياساً نقيسه الآن نحن".
وقال ابن دحية في التنوير: "الاشتقاق من أغرب كلام العرب، وهو ثابت عن الله - تعالى - بنقل العدول عن الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لأنه أوتي جوامع الكلم، وهي جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة؛ فمن ذلك قوله فيما صح عنه: "يقول الله: أنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي" وغير ذلك من الأحاديث".
أما أكثر العلماء كلاماً على الاشتقاق فهو ابن جني - كما مضى النقل عنه، وكما سيأتي - .
ثالثاً: التغييرات بين الأصل المشتق منه والفرع المشتق:
قال السيوطي: (ثم التغييرات بين الأصل المشتق منه والفرع المشتق خمسة عشر:
الأول: زيادة حركة، كعلم وعلم.
الثاني: زيادة مادة، كطالب وطلب.
الثالث: زيادتهما، كضارب وضرب.
الرابع: نقصان حركة، كالفرس من الفرس.
الخامس: نقصان مادة، كثبت وثبات.
السادس: نقصانهما، كنَزَا ونزوان.
السابع: نقصان حركة وزيادة مادة، كغضبى وغضب.
الثامن: نقص مادة وزيادة حركة، كحرم وحرمان.
التاسع: زيادتهما مع نقصانهما، كاستنوق من الناقة.
العاشر: تغاير الحركتين، كبَطِر بَطَراً.
الحادي عشر: نقصان حركة وزيادة أخرى وحرف، كاضرب من الضرب.
الثاني عشر: نقصان مادة وزيادة أخرى، كراضع من الرضاعة.
الثالث عشر: نقص مادة بزيادة أخرى وحركة، كخاف من الخوف؛ لأن الفاء ساكنة في خوف لعدم التركيب.
الرابع عشر: نقصان حركة وحرف وزيادة حركة فقط، كعِدْ من الوَعْد؛ فيه نقصان الواو وحركتها وزيادة كسرة.
الخامس عشر: نقصان حركة وحرف وزيادة حرف، كفاخر من الفخار، نقصت ألف، وزادت ألف وفتحة".
رابعاً: أقسام الاشتقاق:
1- الاشتقاق الصرفي: وهو ما يسميه ابن جني بالصغير أو الأصغر. هو أخذ الكلمات من المادة بوساطة إقحام الحركات فى الصوامت سواء اقتصرنا على هذا الإقحام وهو التحول الداخلي أو أضفنا إلى استخدام طريقة الإلصاق . مثل كتب - كتابة - كاتب - مكتوب
2- الاشتقاق الأكبر: وأول من قال به ابن جني؛ حيث قال في الخصائص:
باب في الاشتقاق الأكبر
هذا موضع لم يسمِّه أحد من أصحابنا، غير أن أبا علي - رحمه الله - كان يستعين به، ويخلد إليه، مع إعواز الاشتقاق الأصغر، لكنه - مع هذا - لم يسمِّه، وإنما كان يعتاده عند الضرورة، ويتروح إليه، ويتعلل به.
وإنما هذا التلقيب لنا نحن، وستراه، فتعلم أنه لقب مستحسن، وذلك أن الاشتقاق عندي على ضربين: كبير وصغير.
ثم عرف الصغير - كما مر - وعرف الكبير، وسماه الأكبر حيث قال:
وأما الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً، وتجتمع عليه التراكيب الستة، وما يتصرف من كل واحد منها عليه.
وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدَّ بلطف الصنعة والتأويل إليه".
ثم ذكر أمثلة لذلك؛ وأحال إلى ما ذكره في أول الكتاب؛ حيث كان يذكر الكلمة، وتقليباتها ثم يجعل بينهما معنى عاماً مشتركاً تدور حول هذه المادة وسائر تقليباتها، وما ذكره من أمثلة ما يلي:
أ - (كلم): وتقليباتها: كمل، مكل، ملك، لكم، لمك، - وتفيد كلها معنى (القوة والشدة).
ب - (قول): وتقليباتها: قلو، وَقَل، وَلَقَ، لقو، لوق - وتفيد كلها معنى: (الإسراع والخفة).
ج - (جبر): وتقليباتها: جرب، بَجر، بَرَجَ، رجب، ربج - وتفيد كلها معنى (القوة والشدة).
د - (قسو): وتقليباتها: قَوَس، وَقَسَ، وَسق، سوق، سقو - وتفيد كلها معنى (القوة والاجتماع).
هـ - (سمل): وتقليباتها: سلم، مسل، ملس، لمس، لسم - وتفيد كلها معنى (الإصحاب والملاينة).
هذان هما القسمان المشهوران للاشتقاق، والأخير منهما من صنيع ابن جني.
وهما عنده صغير ويسميه أصغر، وكبير ويسميه أكبر.
وهناك تقسيمات أخرى لبعض المحدثين كعبدالله أمين في كتابه الاشتقاق، وغيره ممن كتبوا في الاشتقاق، حيث يقسمون الاشتقاق تقسيماً أخر على نحو ما يأتي:
1- الاشتقاق الصرفي الصغير - كما مر - وعرفه بأنه: انتزاع كلمة من كلمة أخرى بتغير في الصيغة مع تشابه بينهما في المعنى واتفاق في الأحرف الأصلية وفي ترتيبها. .
2- الاشتقاق الكبير: ويقصد به انتزاع كلمة من أخرى بتغيير في بعض أحرفها مع تشابه بينهما في المعنى واتفاق في الأحرف الثابتة وفي مخارج الأحرف المغيَّر.
ويعرف هذا عند بعض العلماء بـ (القلب المكاني) .
ومن أمثلته قولهم: جبذ وجذب، وما أطيبه وما أيطبه، وربض، ورضب، وصاعقة، وصاقعة، ولعمري، وعملي، واضمحل، وامضحل، وعميق، ومعيق، وأيسر مكَلَّبٌ، ومكبَّلٌ، وسبسب وبسبس: القفر، وشرخ الشباب وشخره: أوله، وعاث ويعيث، وعثا يعثي: إذا أفسد، وأحجمت عن الأمر وأجحمت وهكذا. . .
3- الاشتقاق االكُبَار، أو ماسماه ابن جني: الاشتقاق الكبير أو الأكبر: وهو أن تتحد الكلمات في بعض الحروف، وتختلف في باقيها مع اتحادها في المخرج.
مثل: نعق ونهق: العين والهاء حرفان حلقيان.
ومثل: هتن، وهتل، وهطل.
4- الاشتقاق الكبَّار: وهو أن يؤخذ من كلمتين أو أكثر كلمة واحدة، وهو ما يعرف بالنحت.
مثاله قولهم في: أدام الله عزك: د معزة، وفي: لا حول ولا قوة إلا بالله: حوقلة، وفي بسم الله: بسملة.
كما قال الشاعر:
لقد بسملت ليلى غداة iiلقيتها * فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل
وفي قولهم: في عبدشمس: عبشمي كما في قول الشاعر:
وتضحك مني شيخة عبشمية * كأن لم تر قبلي أسيراً iiيمانيا
3 ـ مناسبة الحروف العربية لمعانيها : و يعني هذا أن الحرف الواحد له تناسب بينه و بين مدلوله و ذلك بوقوع الحرف على صوت معين و إيحائه بالمعنى المناسب سواء كان في أول اللفظ أو في وسطه أو في آخره ..
مثال : (لو وقع الحرف في أول الكلمة) : (( صعد )) (( سعد)) .. فيكون اختيار الصاد لصعد لأنها أقوى فكلمة صعد فيها أثر المشاهدة كصعود الجبل أو الحائط ..
في حين جعلوا السين لسعد لأنها أضعف فكلمة سعد لا يشاهد فيها أثر و إنما هو فعل نفسي يعني استبشر ..
مثال : (لو وقع الحرف في وسط الكلمة) : ((الوسيلة )) ((الوصيلة)) .. فبرغم أن الكلمتين لهما نفس المعنى مع اختلاف طفيف ..
فتم اختيار الصاد للوصيلة لأنها أقوى صوتاً من السين و فيها شيء من الاستعلاء أيضاً فالمعنى يعني التوسل مع وجود عصمة الوصل أو الصلة (( اتصال شيء بشيء )) ..
بينما الوسيلة فهي تعني التوسل و يكون المتوسل إليه أعلى مقاماً فاستخدم لها الصوت الأضعف الملائم لمعنى الكلمة..
مثال ( لو وقع الحرف في آخر الكلمة ) ( النضح)) (( النضخ)) .. فالنضح للماء و نحوه .. و النضخ أقوى من النضح فجعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف .. و الخاء لغلظها لما أقوى منه ..
و يرى علماء العرب أن اختلاط الحروف و امتزاجها و تركيبها لا يغير الحقيقة من أن دلالة الحرف الواحد دلالة تعبيرية خاصة من خلال صوته و إيقاعه ..
و يضرب أحد علماء اللغة مثل فيقول " أن وجود الدال و التاء و الطاء و الراء و اللام و النون مختلطة بالفاء فأكثر معاني هذه الكلمات تدل الوهن و الضعف "
أمثلة
التالف الدالف ( تعني الضعيف) الدنف الفتور الطّفل
و كلها كلمات توحي بالوهن و الضعف ..
شيء آخر
يقولوا أن باب (( ق مع ط )) و أي حرف ثالث تدل على القطع
أمثلة
قطع قطم قطل قطف 4– الخصائص الصوتيـة :
إن اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات، حيث تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين إلى أقصى الحلق. وقد تجد في لغات أخرى غير العربية حروف أكثر عدداً ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون مجتمعة متكاثرة في الشفتين وما والاهما من الفم أو الخيشوم في اللغات الكثيرة الغنة ( الفرنسية مثلاً)، أو تجدها متزاحمة من جهة الحلق .
وتتوزع هذه المخارج في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات. ويراعي العرب في اجتماع الحروف في الكلمة الواحدة وتوزعها وترتيبها فيها حدوث الانسجام الصوتي والتآلف الموسيقي. فمثلاً لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال. ولا تجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا الخاء قبل الهاء ، ولا النون قبل الراء ، ولا اللام قبل الشين .
وأصوات العربية ثابتة على مدى العصور والأجيال منذ أربعة عشر قرناً. ولم يُعرف مثل هذا الثبات في لغة من لغات العالم في مثل هذا اليقين والجزم. إن التشويه الذي طرأ على لفظ الحروف العربية في اللهجات العامية قليل محدود، وهذه التغيرات مفرقة في البلاد العربية لا تجتمع كلها في بلد واحد. وهذا الثبات، على عكس اللغات الأجنبية، يعود إلى أمرين : القرآن، ونزعة المحافظة عند العرب .
وللأصوات في اللغة العربية وظيفة بيانية وقيمة تعبيرية، فالغين تفيد معنى الاستتار والغَيْبة والخفاء كما نلاحظ في : غاب ، غار ، غاص ، غال ، غام. والجيم تفيد معنى الجمع : جمع ، جمل، جمد ، جمر. وهكذا .
وليست هذه الوظيفة إلا في اللغة العربية ، فاللغات اللاتينية مثلاً ليس بين أنواع حروفها مثل هذه الفروق، فلو أن كلمتين اشتركتا في جميع الحروف لما كان ذلك دليلاً على أي اشتراك في المعنى. فعندنا الكلمات التالية في الفرنسية مشتركة في أغلب حروفها وأصواتها ولكن ليس بينها أي اشتراك في المعنى Ivre سكران oeuvre أثر أو تأليف ouvre يفتح livre كتاب lèvre شفة . 5ـ خصائص الكلمة العربية ( الشكل والهيئة أو البناء والصيغة أو الوزن ) :
إن صيغ الكلمات في العربية هي اتحاد قوالب للمعاني تُصبُّ فيها الألفاظ فتختلف في الوظيفة التي تؤديها. فالناظر والمنظور والمنظر تختلف في مدلولها مع اتفاقها في أصل المفهوم العام الذي هو النظر. الكلمة الأولى فيها معنى الفاعلية والثانية المفعولية والثالثة المكانية .
وللأبنية والقوالب وظيفة فكرية منطقية عقلية. لقد اتخذ العرب في لغتهم للمعاني العامة أو المقولات المنطقية قوالب أو أبنية خاصة : الفاعلية - المفعولية - المكان - الزمان - السببية - الحرفة - الأصوات - المشاركة - الآلة - التفضيل - الحدث .
إن الأبنية في العربية تعلم تصنيف المعاني وربط المتشابه منها برباط واحد، ويتعلم أبناء العربية المنطق والتفكير المنطقي مع لغتهم بطريقة ضمنية طبيعية فطرية .
وللأبنية وظيفة فنية، فقوالب الألفاظ وصيغ الكلمات في العربية أوزان موسيقية، أي أن كل قالب من هذه القوالب وكل بناء من هذه الأبنية ذو نغمة موسيقية ثابتة. فالقالب الدال على الفاعلية من الأفعال الثلاثية مثلاً هو دوماً على وزن فاعل والدال على المفعولية من هذه الأفعال على وزن مفعول .
وإن بين أوزان الألفاظ في العربية ودلالاتها تناسباً وتوافقاً، فصيغة ( فعّال) لمبالغة اسم الفاعل تدل بما فيها من تشديد الحرف الثاني على الشدة أو الكثرة، وبألف المد التي فيها على الامتداد والفاعلية الخارجية .
وتتميز اللغة العربية بالموسيقية فجميع ألفاظها ترجع إلى نماذج من الأوزان الموسيقية، والكلام العربي نثراً كان أم شعراً هو مجموع من الأوزان ولا يخرج عن أن يكون تركيباً معيناً لنماذج موسيقية .
وقد استثمر الشعراء والكتاب العرب هذه الخاصة الموسيقية فقابلوا بين نغمة الكلام وموضوعه مقابلة لها أثر من الوجهة الفنية. فمثلاً يقول النابغة الذبياني :
ميلــــوا إلى الــدار مـن ليلى نحييـهـــا نـعــم ونســـألهـا عن بعــض أهليـهــــا
حيث ينقلك إلى جو عاشق يهيم ويتأمل وتهفو نفسه برقة وحنان إلى آثار الحبيب بما في البيت من نعومة الحروف وكثرة المدود وحسن توزعها وجمال تركيب الألفاظ .
ويقول البحتري متحدثاً عن الذئب :
عوى ثـــم أقـعــى فارتجــزت فهجتـــــه فأقـبــــل مثــــل البـرق يتبعه الرعد
فينقل تتابع حركات الذئب السريع في ألفاظ قصيرة الأوزان متوالية الحركات .
وقد بلغت هذه الخاصة الموسيقية ذروتها في التركيب القرآني، فأنت تحس، مثلاً في سورة العاديات ، عدو الخيل : (( والعاديات ضبحاً. فالموريات قدحاً. فالمغيرات صبحاً. فأثرن به نقعاً. فوسطن به جمعاً )).
وكان لأوزان الألفاظ أثر في جمال الكتابة العربية، فالكلمات التي على وزن واحد تتشابه ألفاظها الكتابية مثل الكلمات على وزن فاعل أو على وزن مفعول. إن هذه الكلمات في التركيب يكون منها ما يشبه الزخارف العربية .
وتتأرجح الصيغ بين الثبات والتطور، والثبات غالب ولا يسبب هذا جمود العربية، فإن لها على حالتها الحاضرة من الصيغ والأبنية غنى لا تضارعها فيه لغة أخرى من اللغات الراقية التي تفي بحاجات الإنسان في مثل هذا العصر .
إن الإخلال بهذه الأبنية وإفسادها إفساد لنظام اللغة، فلذلك كان العرب إذا أدخلوا كلمة أعجمية احتاجوا إليها صاغوها على نماذج ألفاظهم وبنوها على أحد أبنيتهم وجعلوها على أحد أوزانهم .
وبين العربية والطبيعة صلة وثقى، فالأجسام في الطبيعة على كثرتها ترجع إلى عناصر بسيطة محدودة العدد تتشابه وتختلف بحسب تشابه تركيب مادتها واختلافه. وكذلك اللغة العربية ترجع كلماتها التي لا تكاد تحصى إلى عناصر محدودة ثابتة هي الحروف. وفي الطبيعة تشابه ونمطية وتكرر، فللشجرة مهما كان نوعها أوراق وأغصان جذع وثمر. وفي اللغة أيضاً تشابه بين أبنية الفاعلين والمفعولين والمكان والزمان. ولكل فرد من أفراد الجنس الواحد في الطبيعة ذاتيته مع مشابهته لسائر أفراد الجنس. وكذلك للفظ ذاتيته مع مشابهته لسائر الألفاظ المشتركة معه في الأصل أو البناء والصيغة. وفي الطبيعة تسلسل وتوارث يقابله تسلسل وتوارث في اللغة. وفي الطبيعة محافظة وتجديد، وكذلك في اللغة محافظة وتجديد أيضاً . 6– التعـريـب :
يتشابه نظام العربية مع نظام المجتمع العربي. فكما يرتبط أفراد المجتمع العربي وقبائله بصلات القربى والنسب والتضامن والتعاون، ترتبط ألفاظها في نسق خاص في حروفها وأصواتها، ومادتها وتركيبها ، وهيئتها وبنائها .
وحين يدخل غريب على المجتمع فلا بد لـه لكي يصبح عضواً فيه من أن يلتزم بأخلاقه وعاداته، فكذلك اللفظة الأعجمية إذا دخلت يجب أن تسير على أوزان العربية وهيئاتها وصيغها لكي تصبح عضواً كامل العضوية في الأسرة اللغوية .
ويُستعمل في العربية مصطلح التعريب بينما في اللغة الأجنبية استعارة emprunt. والتعريب أحد مظاهر التقاء العربية بغيرها من اللغات على مستوى المفردات.
وكانت الألفاظ الدخيلة في العصر الجاهلي قليلة محدودة تتصل بالأشياء التي لم يعرفها العرب في حياتهم. وهي محصورة في ألفاظ تدل على أشياء مادية لا معنوية مثل : كوب - مسك - مرجان - درهم.. وتعود قلة الدخيل إلى سببين : انغلاقهم على أنفسهم واعتدادهم بأنفسهم وبلغتهم .
أما بعد الإسلام فقد اتصلت العربية باللغات الأخرى فانتقلت إليها ألفاظ جديدة تتعلق كلها بالمحسوسات والماديات مثل أسماء الألبسة والأطعمة والنباتات والحيوان وشؤون المعيشة أو الإدارة. وقد انعدم التأثير في الأصوات والصيغ والتراكيب .
إن هذا الداخل على الغالب لم يبق على حاله بل صيغ في قالب عربي، ولذلك كانت المغالاة والإكثار من الغريب وفسح المجال من غير قيد مظهراً من مظاهر النـزعة الشعوبية في الميدان اللغوي قديماً وحديثاً .
وكانت طريقة العرب في نقل الألفاظ الأجنبية أو التعريب تقوم على أمرين :
أ – تغيير حروف اللفظ الدخيل، وذلك بنقص بعض الحروف أو زيادتها مثل :
برنامه ـــــــــــــــــــــ> برنامج - بنفشه ـــــــــــــــــ> بنفسج
أو إبدال حرف عربي بالحرف الأعجمي :
بالوده ـــــــــــــــــــــ> فالوذج - برادايس ـــــــــــــــ> فردوس
ب – تغيير الوزن والبناء حتى يوافق أوزان العربية ويناسب أبنيتها فيزيدون في حروفه أو ينقصون، ويغيرون مدوده وحركاته، ويراعون بذلك سنن العربية الصوتية كمنع الابتداء بساكن، ومنع الوقوف على متحرك ، ومنع توالي ساكنين ...
وأكثر ما بقي على وزنه وأصله من الألفاظ هو من الأعلام : سجستان – رامهرمز..
أما دليلهم إلى معرفة الدخيل فهو إحدى ثلاث طرق :
أ – فقدان الصلة بينه وبين إحدى مواد الألفاظ العربية :
بستان : ليس في العربية مادة بست .
ب – أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في الكلمة العربية :
ج ق جوسق – ج ص جَِصّ – ج ط طازج ...
ج – أن أن تكون على وزن ليس في العربية :
إِبْرَيْسَم إفعيلل – آجر فاعُلّ ..
(أحسن الحرير ) 7– خصائص معانـي الألفـاظ العربيـة :
تقوم طريقة العربية في وضع الألفاظ وتسمية المسميات على الأمور التالية :
أ - اختيار صفة من صفات الشيء الذي يراد تسميته أو بعض أجزائه أو نواحيه أو تحديد وظيفته وعمله واشتقاق لفظ يدل عليه .
ب - تحتفظ العربية بالمعاني الأصلية الدالة على أمثال هذه المسميات ، فألفاظها معللة على عكس غيرها من اللغات التي لا تحتفظ بهذه المعاني .
ج - الإشارة إلى أخص صفات المسمى وأبرزها أو إلى عمله الأساسي ووظيفته، على عكس اللغات الأجنبية التي تشير إلى ظاهره وشكله الخارجي أو تركيبه وأجزائه. فمثلاً تسمية الدراجة في العربية تشير إلى وظيفتها وعملها وحركتها. أما في الفرنسية فإن bicyclette (ذات الدولابين) تشير إلى أجزائها وتركيبها وحالتها الساكنة. ومثل ذلك السيارة التي تشير تسميتها إلى عملها بينما في الفرنسية كلمة automobile تعني المتحرك بنفسه.
ويظهر تفكير العرب وحياتهم واضحين جليين في مفردات لغتهم، فكلمة العامل، مثلاً بعد الإسلام، أخذت معنى الوالي والحاكم، وهذا يدل على أن الولاية عمل من الأعمال وليست استبداداً، وأن الحكم تكليف وليس تشريفاً. ولفظ ( المرأ ) للمذكر و (المرأة) للمؤنث يدل على تساوي الرجل والمرأة عندهم في الأصل. والمروءة هي الصفات المستحسنة المأخوذة من أخلاق الإنسان ذكراً كان أو أنثى .
وللغة العربية طريقة في تصنيف الموجودات، فمفرداتها تدل على أن العرب صنفوا الوجود تصنيفاً شاملاً دقيقاً منطقياً يدعو إلى الدهشة والتعجب، ويدل على مستوى فكري قلما وصلت إليه الأمم في مثل هذا الطور المبكر من تاريخ حياتها .
وهناك ألفاظ تدل على الموجودات بمجموعها مثل ( العالَم) و (العالَمين ) فهي تشتمل على الخلق كله. وكذلك الشهادة ( الحس) وعكسه الغيب .
وتظهر في الألفاظ العربية أنواع الموجودات كالنبات والحيوان. ويتضمن الحيوانُ الإنسانَ والوحوش والطير والسباع والهوامَّ والسوائم والحشراتِ والجوارحَ والبغاث .
وتظهر أيضاً الأخلاق والمشاعر كالمكارم والمثالب، والمحاسن والمساوئ ، والفرح والحزن، والحسيات والمجردات .
ولم تقتصر العربية على الحسيات كما تقتصر كل لغة في طورها الابتدائي. فبالإضافة إلى ما فيها مما لا يكاد يحصى من الألفاظ الدالة على الحسيات لم تهمل المعنويات والمجردات. إننا نجد في العربية سعة وغزارة في التعبير عن أنواع العواطف والمشاعر الإنسانية. كما أنهها اشتملت على الكلمات الدالة على الطباع والأفعال والمفاهيم الخلقية. واشتملت كذلك على المفاهيم الكلية والمعاني المجردة. لقد جمع العرب في لغتهم بين الواقعية الحسية والمثالية المعنوية ، فالمادية دليل الاتصال بالواقع ، والتجريد دليل ارتقاء العقل .
ولها باع في الدقة والخصوص والعموم، إذ تمتاز برقة تعبيرها والقدرة على تمييز الأنواع المتباينة، والأفراد المتفاوتة، والأحوال المختلفة سواء في ذلك الأمور الحسية والمعنوية. فإذا رجعنا إلى معاجم المعاني وجدنا أموراً عجباً. فتحت المشي الذي هو المعنى العام أنواع عديدة من المشي :
درج حبا حجل خطر دلف هدج رسف اختال تبختر تخلج
أهطع هرول تهادى تأود...
والأمثلة كثيرة في كتب معاجم المعاني كفقه اللغة للثعالبي وهو مجلد صغير، والمخصص لابن سيده الذي يقع في 17 جزءاً .
ومن ضروب الدقة ما يظهر في اقتران الألفاظ بعضها ببعض، فقد خصص العرب ألفاظاً لألفاظ ، وقرنوا كلمات بأخرى ولم يقرنوها بغيرها ولو كان المعنى واحداً.
فقد قالوا في وصف شدة الشيء : ريح عاصف - برد قارس - حر لافح .
وفي وصف اللين : فراش وثير - ثوب لين - بشرة ناعمة - غصن لدن .
وكذلك في الوصف بالامتلاء، والوصف بالجدة، والوصف بالمهارة في الكتابة والخطابة والطب والصنعة ووصف الشيء بالارتفاع الحقيقي أو المجازي وغيرها وغيرها .
لا شك أن هذا التخصص في تراكيب العربية في النعت والإضافة والإسناد نوع من الدقة في التعبير، لأن هذه الألفاظ المخصصة ببعض المعاني والأحوال توحي إلى السامع الصورة الخاصة التي تقترن معها. فلفظ باسق يوحي إلى الذهن معنى الارتفاع وصورة الشجرة معاً، كما توحي كلمة وثير معنى اللين وصورة الفراش. وكثيراً ما يحتاج المتكلم إلى أن ينقل إلى مخاطبه هذه المعاني والصور متلازمة مقترنة ليكون أصدق تصويراً وأدق تعبيراً وأقدر على حصر الصورة المنقولة وتحديدها .
وفي العربية منـزلة للتخصيص والدقة والتعميم، فلا ينطبق عليها وصف الابتدائية لكثرة ما فيها من الألفاظ الدالة على الكليات والمفاهيم والمعاني العامة والمجردة . وما فيها من الدقة والتخصيص قرينة على أن أصحابها بلغوا درجة عالية في دقة التفكير ومزية وضوح الذهن وتحديد المقصود والدلالة. والمستعرض للشعر الجاهلي يجد نماذج من الوصف تتضمن الجزئيات والتفصيلات في الألوان والأشكال والحركات والمشاعر إلى جانب شعر الحكم الذي يتضمن قواعد عامة في الحياة ومعاني عالية من التعميم والتجريد .
إن دقة التعبير والتخصيص سبيل من سبل تكوين الفكر العلمي الواضح المحدد .
والتخصيص اللغوي والدقة في التعبير أداة لا بد منها للأديب لتصوير دقائق الأشياء وللتعبير عن الانفعالات والمشاعر والعواطف .
لقد ألف اللغويون العرب مؤلفات خاصة بإبراز الفروق بين الألفاظ مثل : الفروق لأبي هلال العسكري، وأدب الكاتب لابن قتيبة ، وفقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي. ونجد مثل هذه الدقة في الوصف عند كثير من كتاب العربية في مختلف العصور ولا سيما في القرون الأربعة الأولى بعد الإسلام .
وفي العربية عموم وألفاظ عامة إذ يحتاج الإنسان في مراحل ارتقائه الفكري إلى ألفاظ دالة على معان عامة سواء في عالم المادة أو في عالم المعنويات. وسدت اللغة العربية هذه الحاجة، وأمدت المتكلم بما يحتاج إليه وبذلك استطاعت أن تكون لغة الفلسفة كما كانت لغة العلم والفن والشعر . 8– الإيجــاز :
الإيجاز صفة واضحة في اللغة العربية . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أوتيت جوامع الكلم )). ويقول العرب (( البلاغة الإيجاز )) و (( خير الكلام ما قلّ ودلّ )). وفي علم المعاني إيجاز قصر وإيجاز حذف .
الإيجاز في الحرف : والإيجاز في العربية على أنواع ، فمنها الإيجاز في الحرف، حيث تكتب الحركات في العربية عند اللبس فوق الحرف أو تحته بينما في اللغات الأجنبية تأخذ حجماً يساوي حجم الحرف أو يزيد عليه. وقد نحتاج في اللغة الأجنبية إلى حرفين مقابل حرف واحد في العربية لأداء صوت معين كالخاء (KH) مثلاً ولا نكتب من الحروف العربية إلا ما نحتاج إليه، أي ما نتلفظ به، وقد نحذف في الكتابة بعض ما نلفظ : لكن - هكذا - أولئك. بينما في الفرنسية نكتب علامة الجمع ولا نلفظها، وأحياناً لا تلفظ نصف حروف الكلمة. ونكتب في الإنكليزية حروفاً لا يمر اللسان عليها في النطق ، كما في كلمة (right) مثلاً التي نسقط عند النطق بها حرفين من حروفها (gh) نثبتهما في كتابتها .
وفي العربية إشارة نسميها ( الشدة )، نضعها فوق الحرف لندل على أن الحرف مكرر أو مشدد، أي أنه في النطق حرفان، وبذلك نستغني عن كتابته مكرراً، على حين أن الحرف المكرر في النطق في اللغة الأجنبية مكرر أيضاً في الكتابة على نحو (frapper) و (recommondation) .
ونحن في العربية قد نستغني كذلك بالإدغام عن كتابة حروف بكاملها، وقد نلجأ إلى حذف حروف. فنقول ونكتب ( عَمَّ ) عوضاً عن ( عن ما ) و ( مِمَّ ) عوضاً عن ( من ما ) و (بِمَ) عوضاً عن ( بما ) ومثلها ( لِمَ ) عوضاً عن ( لِما ) .
الإيجاز في الكلمات : وبمقارنة كتابة بعض الكلمات بين العربية والفرنسية والإنكليزية نجد الفرق واضحاً :
العربية وحروفها الفرنسية وحروفها الإنكليزية وحروفها
أم 2 mère 4 mother 6
أب 2 père 4 father 6
أخ 2 frère 5 brother 7
وليست العربية كاللغات التي تهمل حالة التثنية لتنتقل من المفرد إلى الجمع، وهي ثانياً لا تحتاج للدلالة على هذه الحالة إلى أكثر من إضافة حرفين إلى المفرد ليصبح مثنى، على حين أنه لا بد في الفرنسية من ذكر العدد مع ذكر الكلمة وذكر علامة الجمع بعد الكلمة :
الباب البابان - البابين les deux portes the two doors
الإيجاز في التراكيب : والإيجاز أيضاً في التراكيب ، فالجملة والتركيب في العربية قائمان أصلاً على الدمج أو الإيجاز . ففي الإضافة يكفي أن تضيف الضمير إلى الكلمة وكأنه جزء منها :
كتابه son livre كتابهم leur livre
وأما إضافة الشيء إلى غيره فيكفي في العربية أن نضيف حركة إعرابية أي صوتاً بسيطاً إلى آخر المضاف إليه فنقول كتاب التلميذ ومدرسة التلاميذ، على حين نستعمل في الفرنسية أدوات خاصة لذلك فنقول : le livre de l’élève ، l’école des élèves .
وأما في الإسناد فيكفي في العربية أن تذكر المسند والمسند إليه وتترك لعلاقة الإسناد العقلية المنطقية أن تصل بينهما بلا رابطة ملفوظة أو مكتوبة، فنقول مثلاً ( أنا سعيد ) على حين أن ذلك لا يتحقق في اللغة الفرنسية أو الإنكليزية ، ولا بد لك فيهما مما يساعد على الربط فتقول :
( je suis heureux ) ، ( I am happy ) .
وتستعمل هاتان اللغتـان لذلك طائفـة من الأفعـال المساعدة مثل (avoir , étre) في الفرنسـية و (to have , to be) في الإنكليزية .
كما أن الفعل نفسه يمتاز في العربية باستتار الفاعل فيه أحياناً، فنقول (أكتب) مقدرين الفاعل المستتر، بينما نحتاج إلى البدء به منفصلاً دوماً مقدماً على الفعل كما هو الأمر في الفرنسية (je-tu…) وفي الإنكليزية (I , you ...). وكذلك عند بناء الفعل للمجهول يكفي في العربية أن تغير حركة بعض حروفه فتقول : كُتب على حين نقول بالفرنسية ( il a été écrit ) وفي الإنكليزية ( it was written ) .
وفي العربية إيجاز يجعل الجملة قائمة على حرف : فِ ( وفى يفي )، و (ع) من وعى يعي، و ( ق ) من وفى يفي، فكل من هذه الحروف إنما يشكل في الحقيقة جملة تامة لأنه فعل وقد استتر فيه فاعله وجوباً .
وفي العربية ألفاظ يصعب التعبير عن معانيها في لغة أخرى بمثل عددها من الألفاظ كأسماء الأفعال .
نقول في العربية : ( هيهات ) ونقول في الإنكليزية ( it is too far )
( شتان ) ( there is a great difference )
وحرف الاستقبال مثل : ( سأذهب ) ( I shall go )
والنفي أسلوب في العربية يدل على الإيجاز :
العربية : ( لم أقابله ) ، الإنكليزية : ( I did not meet him )
الفرنسية : ( Je ne l’ai pas rencontré )
العربية : ( لن أقابله ) ، الإنكليزية : ( I will never meet him )
الفرنسية : ( Je ne le rencontrerai jamais )
الإيجاز في اللغـة المكتوبـة :
فمثلاً سورة ( الفاتحة ) المؤلفة في القرآن من 31 كلمة استغرقت ترجمتها إلى الإنكليزية 70 كلمة . 9ـ الترادف هناك مقولة شهيرة تؤكد أن اللغة العربية غنية بمترادفاتها، والحق أن فيها ألفاظاً تتقارب معانيها ولكن لا تتحد تماماً في دلالتها.
والترادف لغةً: هو «الردف» وهو ما تبع الشيء، وكل شيء تبع شيئاً فهو ردفه.
الترادف اصطلاحا: دلالة عدد من الكلمات المختلفة على معنى واحد، مثل:
- الجود، والسخاء، والأريحية، والندى، والسماحة، والكرم، والبذل.
- رأيت الشيء، وأبصرته، وعاينته، وشاهدته.
- عام، سنة، حول.
- طبيعة فلان، وخلقه، وسجيته، وسليقته، ونقيبته.
- وجدت فلانا مسرورا، محبورا، فرِحاً، جذِلاً، بلجاً، مستبشراً.
- الحزن، الغم، الغمة، الأسى، والشجن، الترح الوجد، الكآبة، الجزع، الأسف، اللهفة، الحسرة، الجوى، الحرقة، واللوعة.
- خاف الرجل، وفزع، وخشي، ووجل، وفرق، ورهب، وارتاع، وارتعب، وانذعر.
- الرحمة، والرقة، والشفقة، والحٌنو، والحنان، والعطف، والرأفة.
- فلان يشبه فلانا، ويشابهه، ويشاكله، ويشاكهه، ويضاهيه، ويماثله، ويضارعه، ويحاكيه، ويناظره.
- هفوة، وزلة، وسقطة، وعثرة، وكبوة.
الاختلاف حول وجود الترادف في اللغة
اختلف اللغويون قديما وحديثا حول حقيقة وجود الترادف في اللغة بين مثبت ومنكر.
المثبتون للترادف:
سيبويه: وهو من أشهر المثبتين لهذه الظاهرة. بيّن في باب (اللفظ للمعاني): "اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ... فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلس وذهب، واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق، واتفاق اللفظين والمعنى مختلف نحو قولك: وجدت عليه من الموجدة، ووجدت إذا أردت وجدان الضّالة، وأشباه هذا كثير." [2] فقوله: "اختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق" ينصرف إلى الترادف.
الأصمعي: ألف فيه كتابا عنوانه: ما اتفق لفظه واختلف معناه. وكان يقول أحفظ للحجر سبعين اسما.
أبو الحسن الرماني الذي ألف كتاب: الألفاظ المترادفة.
ابن خالويه: الذي كان يفتخر بأنه جمع للأسد خمسمائة اسم وللحية مئتين، وأنه يحفظ للسيف خمسين اسما.
وحمزة بن حمزة الأصفهاني:الذي كان يقول إنه جمع من أسماء الدواهي ما يزيد على أربعمائة.
والفيروزآبادي الذي ألف كتابا في الترادف بعنوان: الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف.
والتهانوي الذي يقول: والحق وقوعه (أي الترادف) بدليل الاستقراء، نحو أسد وليث.
ومعظم المحدثين من اللغويين العرب يعترف بوقوع الترادف في اللغة، من هؤلاء:
علي الجارم الذي يقول: إن الترادف موجود ولا سبيل إلى إنكاره، ولكن لا يجوز المبالغة فيه بإدخال الصفات مرادفة للأسماء.
إبراهيم أنيس الذي يقول إنّ علماء اللغات يجمعون على إمكان وقوع الترادف في أي لغة من لغات البشر، والذين أنكروا الترادف من القدماء كانوا من الأدباء النقاد الذين يستشفون أمورا سحرية ويتخيلون في معانيها أشياء لا يراها غيرهم وفي هذا من المبالغة والمغالاة ما يأباه اللغوي الحديث في بحث الترادف.
حجج المثبتين: يحتج بعضهم لإثبات الترادف بما يلي:
(1) لو كان لكل لفظةٍ معنى غيرُ معنى الأخرى لما أمكنَ أن نعبِّر عن شيء بغير عبارته، وذلك أنا نقول في ‏"‏لا ريب فيه":‏ "لا شكَّ فيه" وأهل اللغة إذا أرادو أن يفسروا (اللب) قالوا هو "العقل." و(الجرح) هو "الكسْب،"فلو كان الريبُ غيرَ الشك والعقل غير اللب لكانت العبارةُ عن معنى الريب بالشك خطأ، فلما عُبِّرَ بهذا عن هذا عُلم أن المعنى واحد‏.‏
(2) إنّ المتكلم يأتي بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحد تأكيداً ومبالغةً كقوله‏:‏ وهند أتى من دونها النَّأْي والبعد قالوا‏:‏ فالنَّأْيُ هو البعد‏. ‏
(3) الترادف لا يعني التشابه التام إنما أن يُقام لفظ مقام لفظٍ لمعانٍ متقاربة يجمعُها معنًى واحد كما يقال‏:‏ أصلحَ الفاسد ولمّ الشّعث ورتَقَ الفَتْق وشَعَبَ الصَّدع‏.‏
(4) وقال الطاهر ابن عاشور إذا أصبحت عدد من المفردات تدل على شيء واحد فهي من االترادف ولا يهمنا ما إذا كانت في الماضي تدل عليه أو على صفة فيه، مثل الحسام والهندي التي أصبحت الآن تدل على السيف ولا يلحظ معنى القطع أو الأصل الهندي فيها.
المنكرون للترادف: لقد أنكر الترادف فئة من العلماء قديما وحديثا من العرب ومن غيرهم:
ثعلب الذي كان يقول: لا يجوز أن يختلف اللفظ والمعنى واحد.
ابن درستويه: لا يكون فعَل وأفْعَل بمعنى واحد كما لم يكونا على بناء واحد إلا أن يجيء ذلك في لغتين مختلفتين فأما من لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد كما يظن كثير من اللغويين والنحويين، وإنما سمعو العرب تتكلم على طباعها ولم يعرف السامعون العلل والفروق فظنوا أن هذه الألفاظ بمعنى واحد فأخطؤوا في فهم ذلك، وليس يجيء شيء من هذا الباب إلا على لغتين متباينتين.
ابن فارس: الذي يقول فِي هَذَا: إن الاسم واحد وهو "السيف" وَمَا بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها معناها غير معنى الأخرى.
أبو علي الفارسي: الذي رد على ابن خالويه، عندما افتخر بأنه يحفظ للسيف خمسين اسما، قائلا لا أعرف له إلا اسما واحدا هو السيف وأما الباقي فصفات.
أبو هلال العسكري: إن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني في لغة واحدة يقتضي كل واحد منهما خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا كان الثاني فضلة لا يحتاج إليه. وقد ألف كتاب الفروق اللغوية لنقض فكرة الترادف وإبراز الاختلاف بين هذه الكلمات.
البيضاوي الذي جزم في المنهاج أن الترادفَ على خِلاف الأصْل والأصلُ هو التباينُ.
حجج المنكرين للترادف:
(1) يقول ثعلب: لا يجوز أن يختلف اللفظ والمعنى واحد لأنّ في كل لفظة زيادة معنى ليس في الأخرى، ففي ذهب معنى ليس في مضى. ويبين أبو هلال العسكري الفروق بين معاني الكلمات التي قيل فيها الترادف، فيقول:
- الفرق بين الحلم والرؤيا: كلاهما ما يراه الانسان في المنام لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير، والشئ الحسن، والحلم: ما يراه من الشر والشئ القبيح.
- الفرق بين الحماية والحفظ: أن الحماية تكون لما لا يمكن إحرازه وحصره مثل الأرض والبلد، تقول: هو يحمي البلد والأرض، والحفظ يكون لما يُحرز ويُحصر وتقول هو يحفظ دراهمه ومتاعه.
- الفرق بين الحمد والمدح: أن الحمد لا يكون إلا على إحسان، والمدح يكون بالفعل والصفة وذلك مثل أن يمدح الرجل باحسانه إلى غيره وأن يمدحه بحسن وجهه وطول قامته ولا يجوز أن يحمده على ذلك وإنما يحمده على إحسان يقع منه فقط.
- الفرق بين الخجل والحياء: الخجل مما كان والحياء مما يكون.
- الفرق بين الخشوع والتواضع: التواضع يعتبر بالاخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة. والخشوع: يقال باعتبار الجوارح.
- الفرق بين القسم والحلف: أن القسم أبلغ من الحلف.
- الفرق بين الغضب والسخط: أن الغضب يكون من الصغير على الكبير ومن الكبير على الصغير، والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير.
(2) يقول أبو هلال العسكري: الشاهد على أن اختلاف الأسماء يوجب اختلاف المعاني أن الاسم يدل كالإشارة، فإذا أُشير إلى الشيء مرة واحدة فعُرف فالإشارة إليه ثانية وثالثة غير مفيدة، وواضع اللغة حكيم لا يأتي فيها بما لا يفيد.
يبدو أن الاختلاف عائد إلى معنى الترادف. هل يعني التشابه التام في كل الأحوال أم هل يعني التشابه النسبي الذي يمكن فيه أن تستعمل لفظة مكان أخرى. إذا كان الأول فالتشابه مستحيل بين كلمتين بل إن بعض علماء اللغة يستبعد أن تشبه الكلمة نفسها في موضعين مختلفين؛ أما إذا قبلنا بالتعريف الثاني فإننا لن نعدم عددا من الألفاظ التي يمكن أن تحل محل أخرى في سياقات معينة، فنعدها من الترادف.
أسباب الترادف
1- فقدان الوصفية: بعض الألفاظ كانت تدل في الماضي على أوصاف محددة لاعتبارات معينة غير أنه مع مرور الزمن تُوسع في استعمالها ففقدت الوصفية واقتربت من الاسمية واكتفي بالصفة عن الموصوف، وأصبح هذا الوصف اسما، فمثل:
- المُدام: كانت صفة للخمر تعني "الذي أُديم في الدن"وهي الآن تُطلق على أنها اسم من أسماء الخمر.
- السيف: له اسم واحد هو السيف، وله أكثر من خمسين صفة لكل صفة دلالتها المميزة كالمهند "مصنوع في الهند" ومثلة اليماني "مصنوع في اليمن" والمشرفي "معمول في مشرف." والحسام لحدته وسرعة قطعه.
2- اختلاط اللهجات العربية: العربية لغة ذات لهجات متعددة تختلف في أسماء بعض الأشياء، فالشئ الواحد قد يسمى عند قبيلة بلفظ وعند أخرى بلفظ آخر، وبسبب اختلاط العرب في حروبهم ومعاشهم وأسواقهم فقد تطغى بعض الألفاظ على بعض، واشتهرت الكلمات التي تعتبر أسهل أو أفضل من غيرها فاجتمع للأنسان الواحد أكثر من لفظة للشئ الواحد، من ذلك مثلا:
- السكين يدعوها بذلك أهل مكة وغيرهم وعند بعض الأزد يسميها المدية.
- القمح لغة شامية، والحنظة لغة كوفية، وقيل البر لغة حجازية.
- الإناء من فخار عند أهل مكة يدعى بُرمة وعند أهل البصرة يسمى قدرا.
- البيت فو ق البيت يسمى عِلّية عند أهل مكة، وأهل البصرة يسمونه غرفة.
- الحقل "المكان الطيب يُزرع فيه" وهو الذي يسميه أهل العراق القَراح.
- المضاربة عند أهل الحجاز تسمى مقارضة.
- الجرين عند أهل نجد "المكان الذي يجفف فيه التمر والثمر" يسميه أهل المدينة المِربَد.
- المتقاضي المتجازي "من يستوفي الديون" يدعى في المدينة المتجازي.
3- الاقترض من اللغات الأعجمية: اختلاط العرب بغيرهم من الأمم الأعجمية من فرس وروم وأحباش أدى إلى دخول عدد من الكلمات الأعجمية في العربية، بعضها كثر استعماله حتى غلب على نظيرة العربي، من ذلك:

أعجمي عربي أعجمي عربي
النَّرجس العَبْهر الأُتْرُجّ المُتْك
الرَّصاص الصَّرَفان التُّوت الفِرصاد
الخِيار القَثْد الياسمين السَّمْسَق
الهاون المِنحاز المِيزاب المِثْعب
المِسك المشموم اللُّوبياء الدَّجَر

4- المجاز: المجازات المنسية تعتبر سببا مهما من أسباب حدوث الترادف؛ لأنها تصبح مفردات أخرى بجانب المفردات الأصلية في حقبة من تاريخ اللغة، من ذلك:
- تسمية العسل بالماذية (تشبيها بالشراب السلس الممزوج) والسلاف (تشبيها بالخمر) والثواب (الثواب النحل وأطلق على العسل بتسمية الشيء باسم صانعه)، والصهباء (تشبيها بالخمر) والنحل"العسل" (سمي العسل نحلا باسم صانعه).
- تسمية اللغة لسانا لأن اللسان آلة اللغة.
- تسمية الجاسوس عينا لعلاقة الجزئية.
- تسمية الرقيق رقبة لعلاقة الجزئية.
5- التساهل في الاستعمال : التساهل في استعمال الكلمة وعدم مراعاة دلالتها الصحيحة يؤدي إلى تداخلها مع بعض الألفاظ في حقلها الدلالي:
- المائدة: في الأصل لايقال لها مائدة حتى يكون عليها طعام وإلا فهي خوان.
- الكأس: إذا كان فيها شراب وإلا فهي قدح.
- الكوز: إذا كان له عروة وإلا فهو كوب.
- الثرى إذا كان نديا وإلا فهو تراب.
6- التغيير الصوتي : التغييرات الصوتية التي تحدث للكلمات تخلق منها صورا مختلفة تؤدي المعنى نفسه. وهذه التغييرات قد تكون بسبب:
* إبدال حرف بحرف مثل: حثالة وحفالة؛ ثوم وفوم؛ هتنت السماء وهتلت، حلك الغراب وحنك الغراب.
* قلب لغوي بتقديم حرف على آخر، مثل: صاعقة وصاقعة؛ عاث وثعا؛ طريق طَامِس وطَاسِم.

10ـ المشترك اللفظي
- في التعريف : هو اتحاد اللفظ وتعدد المعنى؛ أي أن لفظا واحدا يدل على معنيين أو أكثر على السواء في لغة واحدة، أو هو ما اتحدت صورته واختلف معناه .
هذه الظاهرة لا تقتصر على لغة العرب بل هي ظاهرة عامة في كل اللغات تقريبا ، وقد توسع بعضهم فيها في لغة العرب مثل: سيبويه والأصمعي والخليل . غير أن كثيرا من العلماء اعتبروا ذلك مما تطورت فيه المعاني عن طريق المجاز و الكناية ، ويكمن بالتتبع الرجوع إلى المعنى الأصلي الذي لبس كل يوم معنى جديدا.
وكان على رأس المنكين للاشتراك اللفظي (ابن درستويه)، بينما اعتدل بعضهم مثل أبي علي الفارسي الذي لم ينكر المشترك ، ولكنه لم يبالغ فيه ولم يسلم بكل صوره ، وهو يرى أن الكثير من المشترك هو من قبيل تداخل اللغات، أو أن تكون لفظة وضعت لمعنى ثم استعيرت لغيره.
ويرى العالم لروا (Le Rou) أننا حين نقول أن لإحدى الكلمات أكثر من معنى في وقت واحد إنما نكون ضحايا الانخداع إلى حد غير قليل، إذ لا يطغى على الشعور من المعاني المختلفة التي تدل عليها إحدى الكلمات إلا المعنى الذي يعنيه السياق في النص
وقد قال أبو العباس (ثعلب) عن ابن الأعرابي : " كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه، ربما عرفنا فأخبرنا به ، وربما غمض علينا . فكلمة الليث للأسد، ونوع من العنكبوت، واللسن البليغ . و السياق هو الذي يعين إحدى هذه المعاني المشتركة " .
مثال: قال الشاعر :
يا ويح قلبي من دواعي الهوى إذا رحل الجيران عند الغروب
أتبعتهم طرفـي وقد أزمعـوا ودمع عـيني كـفيض الغروب
كــــانوا وفيهم طفلة حرة تفتر عن مثل أقاحـي الغروب
فالغروب الأولى غروب الشمس، و الثانية جمع غرب وهو الدلو الممتلئ
والثالثة جمع غرب وهو الوهاد المنخفضة .
إن إطلاق سمة واحدة أو لفظة واحدة على عدة معان لا يكون إلا مصادفة حين يسمى الشيء باسم معين في لغة ما ، ويسمى شيء آخر بالاسم نفسه في لغة أخرى، ثم يكون هناك تداخل بين اللغتين فيستخدم اللفظ للمعنيين معا وذلك قليل نادر . أما إذا كان في لغة واحدة فالأمرلا يعدو التشابه و المجاز. ومثالنا على ذلك كلمة العين ، فعين الماء تشبه العين الباصرة في رقتها وصفائها ، وأما إطلاقها على الجاسوس فهو من قبيل العلاقة بين الجزء والكل. وتطلق العين أيضا على السحاب وعلى الذات وعلى النقد ... وحتى حرف العين فإنه يشبه العين بالرسم .
ومن المشترك ( الخال) للشامة على الخد ( له خال على صفحات خد ) وأخ الأم . ومن ذلك أيضا: الصدى للعطش، ورجوع الصوت ، وذكر البوم وجسم الرجل بعد موته .
الغرْب الجمع غروب ، البعْد .
الغرب : ضد الشرق
والغرب : الفرس الكثير الجري.
والغرب : عرق في العنق.
والغرب : أول كل شيء ، و النشاط و الجدة .
" وإني أخاف عليك غَرْبَ الشباب " .
والغرب : الدلو الكبيرة .
و من المشترك كذلك : الشوى : القوائم ، وجلدة الرأس ، وإخطاء المقتل
( رماه فأشواه ) .
والشوى : رذال المال ، ومن المشترك الظليم : ذكرا لنعام (والجمع ظلمان ) والظليم : التراب المستخرج من حفر حفرة في الأرض.
- موقف الباحثين من وقوع الاشتراك .
العلماء بالنسبة للاشتراك بين مثبت ومنكر، والأصح أنه ثابت في العربية، وقيل أن ما يظن أنه من الاشتراك هو ليس كذلك .
فمن المقرين بوجود الاشتراك ابن خالويه الذي قال إن (العين) تنقسم ثلاثين قسما ، وذكر منها : " العين " خيار كل شيء؛ أي أحسنه .
أما الذين ينكرون الاشتراك فيقف على رأسهم ( ابن درستويه ) ، وكان هناك المعتدلون مثل أبي علي الفارسي الذي لا ينكر الاشتراك ، ولكنه لا يغالي فيه كما ذكرنا من قبل. هناك حالات تختلف فيها صيغ جمع التكسير للتفريق بين معنيين متقاربين ، ومن أمثلة ذلك :
1- بيت: تجمع على أبيات وبيوت ، وقد خصصت (أبيات) جمعا لبيت الشعر و(البيوت) جمعا لبيت المسكن.
2- الشاهد: هو الذي يطلع على الشيء وجمعه أشهاد وشهود، وقد ورد الجمعان في القرآن الكريم ، ولكن العرف اللغوي لا يستعمل إلا الشهود ، وخاصة في القضايا و المنازعات .
3 - العباد: والعبيد بتخصيص العباد لله دون العبيد ، والأصل الاستعمالان فقد ورد في القرآن الكريم : " و الصالحين من عبادكم وأبنائكم " .
4 - الفضل: الأصل أن تجمع على فضول وهو القياس، ولكنها كثيرا ما تجمع على أفضال لأن العرف اللغوي جعل الفضول للشيء الذي لا خير فيه، وجاء من ذلك المعنى (الفضولي) ..
- أهم أسباب وقوع المشترك اللفظي :
1 - اختلاف اللهجات العربية باختلاف القبائل وتداخلها، وعند جمع هذه اللهجات ضمت المعاني إلى بعضها دون أن يقال إن هذا اللفظ للقبيلة كذا والآخر لغيرها .
2 - التطور الصوتي جعل أحيانا لفظا يتفق مع لفظ آخر في النطق ولكنهما يختلفان في المعنى .
3 - الاستعمال المجازي الذي ربما يكون دون قصد ومن عدة أفراد دون اتفاق بينهم، ثم يتحول هذا المجاز مع مر الأيام إلى حقيقة ويغيب المجاز عن الأذهان .
- أقسام المشترك :
قسم المحدثون المشترك إلى أربعة أقسام :
1 - وجود معنى مركزي للفظ له عدة معان فرعية .
2 - تعدد المعنى نتيجة لاستعمال اللفظ في مواقف مختلفة .
3 - دلالة الكلمة الواحدة على أكثر من معنى نتيجة لتطور في جانب المعنى.
4 -وجود كلمتين بدل كل منهما على معنى ، وقد اتحدت صورة الكلمتين نتيجة لتطور جانب النطق .
11ـ التضاد تعريف التضاد الكلمات التي تؤدي دلالتين متضادتين بلفظ واحد . ابن فارس : ومن سنن العرب في الأسماء أن يسموا المتضادين باسم واحد، سموا الجون للأسود والجون للأبيض " أهمية الأضداد : تعتبر الأضداد اللغوية من أكبر مسببات اللبس اللغوي ،لذلك يجب تحديدها وضبط معانيها بدقة بالإضافة إلى أسبابها. دور التضاد في إثراء المعجم : يعد التضاد ظاهرة لغوية مهمة في إيضاح المعنى حيث أن مضاد الكلمة يوضح معناها ويجليه ، على الرغم من أن التضاد لا يكون كاملا إلا في حالات نادرة , ولكن يكون غالبا في سمة أو أكثر . مثال : "ميت " مضادها حي أي أن التضاد حدد في سمة الحياة فقط ،مع أن ميت فيها سمة الحياة والجنس والنوع ... بمعنى أنه يمكن أن يكون, رجل ميت وعصفور / طفل ميت ورجل حي. بل أن المضاد في بعض الأحيان لا يصلح مع نفس النوع. والمضادات هي نوع من أنواع الترادف السلبي ,حيث تؤدي المرادفات الصفة الإيجابية للمجال الدلالي، بينما تؤدي المضادات الصفة السلبية . و على هذا الأساس ،فإن التضاد يقوم بإبراز السمات الدلالية من جانب , وإثراء المعجم من جانب آخر ,علاوة على الربط الدلالي بين المجالات . إذا تأملنا العلاقة بين اللفظ المشترك والترادف والتضاد وجدنا كما يلي:
1-أن عدد المضادات لا يتساوى مع عدد المترادفات ،ففي بعض الأحيان يزيد ،وفي أحيان أخرى يقل.
2- أن الكثير من الكلمات لا مضاد لها،وأكثر الوحدات الصرفية الني لها مضادات هي الصفات .
3- أن المضادات التي لها صورة مشتقة لا تتساوى مع صورة مشتقة أخرى،مثل :
حب: ح ب ب (س) وداد, ميل, محبة, مودة, هيام, غرام, هوى, إعزاز, شغف, جوى, صبوة, إخلاص, تلطف
كره : ك ر ه (س) بغض , قلا ,مقت , مج , عاف , لفظ .
كراهية : ك ر ه (س) كراهة , بغض, فلا , مقت .
كريه: ك ر ه (س) بغيض, مقيت.
12ـ الـتــذكــيــر والـتـأْنـيــث
التذكير هو الأصل، والتأنيث فرع يحتاج إلى زيادة، وعلامات المؤنث هي:
تاء متحركة للأسماء: فاطمة، تاء ساكنة للأفعال: قرأَتْ، ألف مقصورة: سلمى، ألف ممدودة: صحراء. وهناك أسماء عرفت بالتأنيث يستدل عليها بالضمير العائد.
علامات المؤنث هي: في الأسماء تاء متحركة، أو ألف ممدودة، أو ألف مقصورة، نحو: رقيةُ، هناء، نجوى. وفي الأفعال تاء ساكنة: لعبَتْ. وهناك أسماء مؤنثة خلت من علامات التأنيث، يظهر تأنيثها بالضمير العائد عليها أو الإشارة إليها، نحو: زينب، ودار ، فنقول: زينب أخلاقها سامية ، وأسكن في دار أهلها طيبون. المؤنث ثلاثة أنواع:
- لـفـظـي: ما كان لمذكر يحمل علامة التأنيث: طلحة.
- معـنوي: ما كان لمؤنث لم يحمل علامة التأنيث: زينب.
- لفظي معنوي: ما كان لمؤنث وحمل علامة التأنيث: فاطمة، ليلى.
هناك صيغ تستخدم للمذكر والمؤنث دون علامة خاصة هي: فَعُول بمعنى فاعل: شكور، فَعِيل بمعنى فعول: جريح، مِفْعال: مِعْطار، مِفْعِيل: مِعْطِير، مِفْعَل: مِهْذَر. تأنيث الفعل للفاعل ونائبه 1. يجب تأنيث الفعل في حالتين: إذا كان الفاعل أو نائبه اسما ظاهرا حقيقي التأنيث متصلا بالفعل، نحو : جاءت الزهراء إلى المدرسة متفائلة.
أو كان الفاعل أو نائبه ضميرا يعود على مؤنث حقيقي التأنيث أو مجازيه أو جمع تكسير لغير العاقل، نحو: الزهراء جاءت إلى المدرسة متفائلة، الشمس ألقت بأشعتها على بيتنا، الأزهار تبسمت لاستقبال جنودنا. 2. يجوز تأنيث الفعل في ثلاث حالات: إذا كان الفاعل أو نائبه، اسما ظاهرا مجازي التأنيث، نحو: أشرقت الشمس، أو أشرق الشمس. مؤنثا حقيقي التأنيث غير متصل بالفعل، نحو: استلمت الجائزة من المديرة الزهراء ، أو استلم الجائزة من المديرة الزهراء. جمع تكسير لغير العاقل، نحو: استسلمت الأزهار للنسيم، أو استسلم الأزهار للنسيم. 3. متى يجوز تأنيث الفعل للفاعل ونائبه ؟ يمتنع تأنيث الفعل للفاعل ونائبه في غير الحالات التي يجب فيها تأنيثه والحالات التي يجوز فيها تأنيثه، في نحو: جاء محمد إلى المدرسة مستبشرا.
13ـ الإطناب
تعريفه:
أ-في اللغة: جاء في لسان العرب أن الإطناب هو: البلاغة في المنطق والوصف، مدحاً كان أو ذمّاً. وأطنب في الكلام: بالغ فيه. والإطناب: المبالغة في مدح أو ذم والإكثار فيه.
وقال ابن الأنباري: أطنب في الوصف، إذا بالغ واجتهد. وأطنبت الريح: إذا اشتدت في غبار.
وأصل الإطناب (بالكسر) من: الطُّنْب والطُّنُب، وهما معاً: حبل الخباء والسرادق ونحوهما. والجمع: أطناب (بالفتح).
وقال ابن سيده: الطنب: حبل طويل يشد به البيت والسرادق. وطنبه: مده بأطنابه وشده.
ب-في الاصطلاح البلاغي: الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة. هذا هو التعريف البلاغي المختصر. ولو شئنا التوسع قليلاً لقلنا: إن الإطناب باب بلاغي قديم قدم الإيجاز، ارتبط به ارتباط العضو بالعضو يتتامان ليؤلفا هيئة أدبية سوية البنية والملامح... فقد وصفه الجاحظ، ولم يسمه، في ذكره فضائل الصمت والكلام الموزون، يقال في موضعه.
ثم ذكره صراحة عندما عرض لحاجات الكلام ومنطقه، رافضاً الفضول والتكلف فقال: هناك أبواب توجب الإطالة وتحوج إلى الإطناب. وليس بإطناب ما لم يجاوز مقدار الحاجة، ووقف عند منتهى البغية.
ووصفه أبو العباس المبرِّد (ت 286هـ/ 899م) بالكلام المفَخِّم، في مقابل: الاختصار المفهم، والإيماء البيِّن، واللمحة الدالة.
"وقيل لعمرو بن العلاء (ت 154هـ/ 770م) هل كانت العرب تطيل؟ قال: نعم؛ كانت تطيل ليسمع منها، وتوجز ليحفظ عنها".
ج-الربط بين التعريفين اللغوي والبلاغي:
لو قارنا تعريف اللسان، بتعريف البلاغيين القائل: (الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة) لما وجدنا خلافاً. لأن القولين يرميان، من وراء الزيادة اللفظية إلى الفائدة.
و (المبالغة في المدح أو الذم)، من شروط التصوير الفني الأدبي، لأنه لا يصح في الأدب، أن يوصف الممدوح أو المهجو بما فيهما من معالم التمييز الإيجابي أو السلبي، من دون زيادة أو نقصان. إذاً لانتفى دور الأدب وجماله وتأثيره في النفوس. حتى قول المعجم عن (إطناب الريح واشتدادها في غبار)، يصب في هذه الغاية الجمالية التي ينتهي إليها الإطناب. لأن "الغبار" في النهاية هو الدليل الحسي على اشتداد الريح وقسوتها.
والذي يزيد في توضيح صورة الإطناب، تفريق البلاغيين بينه وبين التطويل الذي عدوه زيادة لفظية، من غير فائدة. فقال أبو هلال العسكري (ت 395هـ/ 1004م):
الإطناب بلاغة؛ والتطويل عِيٌّ. لأن التطويل بمنزلة سلوك ما يبعد جهلاً بما يقرب. والإطناب بمنزلة السلوك طريق بعيد نزه يحتوي على زيادة فائدة.
"ومن أوفى الشواهد دلالة على فائدة الإطناب، وحسنه، تكرار آية: [فبأيِّ آلاءِ ربِّكُما تُكَذِّبان] من سورة الرحمن، إحدى وثلاثين مرة، لأنه سبحانه وتعالى، عدَّد فيها نعماءه وأذكَر عباده آلاءه، ونبههم على قدرها، وقدرته عليها، ولطفه فيها؛ وجعلها فاصلة بين كل نعمة وأخرى ليعرف موضع ما أسداه إليهم منها".
2-أقسامه أو أنواعه:
أ-الإطناب في الجملة الواحدة:
وهو في معظمه لا يتعدى إطاري الحقيقة والمجاز.
1-إطناب الحقيقة:
وهو ما يزاد الكلام فيه لشرح ما هو معروف فيظن السامع أنه زيادة لا حاجة إليه، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك، لأن ما زيد في هذا الصدد يقال في كل شيء يعظم مناله، ويعز الوصول إليه، فيؤكد الأمر فيه على هذا الوجه، دلالة على نيله والحصول عليه
مثل قولهم: رأيته بعيني، وبأم عيني، وقبضته بيدي وذقته بفمي. فالمعروف أن الرؤية لا تكون إلا بالعين، والقبض لا يكون إلا باليد.. وهكذا. ولكن عظم الأمر يستدعي مزيداً من التأكيد والاطمئنان، فيُعمد إلى هذه الإضافات التي ليست أكثر من معان أضيفت إلى نفسها، ليتم الوصول إلى قلب المعنى العزيز الجانب. كقوله تعالى لمن افترى عليه بالقول [ذلكمْ قولُكُمْ بأفواهكمْ]. سورة الأحزاب/ 4
2-إطناب المجاز:
قرَّظه ابن الأثير وعظَّمه فقال:
"وهذا موضع من علم البيان كثيرة محاسنه، وافرة لطائفه. والمجاز فيه أحسن من الحقيقة، لمكان زيادة التصوير في إثبات وصف الحقيقي للمجازي، ونفيه عن الحقيقي".
كقوله تعالى: )فإنَّها لا تَعْمَى الأبصارُ ولكن تَعْمَى القلوبُ التي في الصدور(سورة الحج/ 46"ففائدة ذكر الصدور" ههنا أنه قد تُعُورف وعُلم أن المعنى على الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تُصاب الحدقة بما يَطمس نورها، واستعمالها في القلب تشبيه ومثل. فلما أريد إثبات ما هو خلاف المتعارف من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة، ونفيه عن الأبصار، احتاج هذا الأمر إلى زيادة تصوير وتعريف، ليتقرر أن مكان العمى إنما هو القلوب، لا الأبصار".
ب-القسم الثاني، الإطناب في الجمل المتعددة:
ويتضمن أربعة أشكال، فصَّلها ابن الأثير وشرحها بعناية..
1-ذكر الشيء والإتيان به بمعان مختلفة:
إلا أن كل معنى يختص بشيء ليس للآخر وقد استعمله أبو تمام في مواضع كثيرة، كقوله من قصيدة في رثاء القاسم بن طوق:
زكيٌّ سجاياهُ تضيف ضيوفُهُ ويُرجى مرجِّيه ويسأل سائلُهْ
فالفكرة العامة تدور على عظمة الممدوح وقوة عطائه. ولكن الشاعر نَفَذ إلى ما وراء ذلك، عارضاً لصور ومعان أخرى، يتوهمها السامع أنها مكررة، وهي في الحقيقة لازمة لفائدتها في تجميل الصورة العامة وتعميق الفكرة الرئيسة.
ومعنى البيت بصورة تفصيلية: أن ضيفه يستصحب معه ضيفاً طمعاً في كرم مُضيفه؛ ويعطي السائل عطاء كثيراً يصير به معطياً. ومعنى "يرجَّى مُرجِّيه": إذا تعلق به رجاء راج فقد أيقن بالفلاح والنجاح حتى يصبح هذا الأخير موضع رجاء الآخرين، لمكان رجائه الممدوح. وهذا أبلغ الأوصاف الثلاثة).
2-النفي والإثبات:
وهو أن يذكر الشيء على سبيل النفي، ثم يذكر على سبيل الإثبات، أو بالعكس.
شرط أن يكون في أحدهما زيادة ليست في الآخر، وإلا عُدَّ تكراراً. كقول الحق المبارك: [لا يَسْتأذنُكَ الذين يؤمنون بالله واليوم الآخرِ أن يُجاهِدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليمٌ بالمتَّقين* إنما يَسْتأذِنُكَ الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارْتابَتْ قلوبُهُم فهم في ريبهم يتردَّدون]. سورة التوبة/ 44 و 45
فقد ذكر الشيء منفياً، ثم ذكره مثبتاً، لوجود الفائدة في الذكر الثاني، وهي تأكيد المعنى الأول المنفي، فقد نفى ربُّ العزة استئذان المؤمنين للنبي بالجهاد وأثبت ذلك بالنسبة للملحدين المُشكِّكين.
"والمعنى في ذلك سواء. إلا أنه زاد في الآية الثانية قوله: )وارْتابَتْ قلوبهم فهم في ريبهم يترددون( ولولا هذه الزيادة لكان حكم هاتين الآيتين، حكم التكرير".
3-ذكر المعنى الواحد تاماً، ثم يضربُ له مثال من التشبيه:
قال عنه ابن الأثير "هذا الضرب من أحسن ما يجيء في باب الإطناب" كقول أبي عبادة البحتري متغزلاً:
ذات حسن لو استزادت من الحسـ ـن إليه لما أصابت مزيدا
فهي كالشمس بهجة، والقضيب اللَّـ ـدْنِ قدَّاً، والريم طرْفاً وجيدا
البيت الأول كاف لبلوغ الغاية في الحسن؛ ومع ذلك فقد جاء الشاعر، في البيت الثاني، بتشبيهات ليزيد السامع تصويراً وتخيلاً.
ومثل ذلك قول البحتري أيضاً- من قصيدة يمدح فيها الفتح بن خاقان:
تنقَّل في خُلقي سؤدد سماحاً مرجَّى وبأساً مَهيبا
فكالسيف إن جئتَهُ صارخاً وكالبحر إن جئته مستثيبا
فالبيت الأول تضمن معنيين رئيسيين بارزين هما الكرم والقوة. فجاء البيت الثاني ليصور ذلك تصويراً جمالياً كان التشبيه حليته وزينته، بعد أن كان المعنى عارياً تماماً في البيت السابق.. وفي ذلك وجه آخر من وجوه الحسن في الإطناب.
4-استيفاء معاني الغرض المقصود من الكلام:
كقول الشاعر المخضرم حميد بن ثور الهلالي (ت 30هـ/ 650م) واصفاً ذئباً:
يَنامُ بإحدى مُقلتَيه ويتَّقي بأخرى، المنايا، فهو يقظان هاجعُ
فالبيت مكتمل المعنى والسياق في صدره ونصف عجزه. لكن الشاعر أراد استيفاء المعنى في خاطره وخاطر السامع، فقال، مضيفاً ومطنباً: فهو يقظان هاجع". وهذه الإضافة مفيدة على الصعيدين الفكري والبلاغي، إذ لخصت الكلام كله، والصورة كلها بهاتين الكلمتين الجامعتين: (اليقظة، والهجوع).
قال ابن الأثير عن هذا الضرب: إنه أصعب الضروب الأربعة طريقاً وأضيقها باباً لأنه يتفرع إلى أساليب كثيرة من المعاني.. وضرب لنا مثلاً آخر آية قرآنية غاية في الإيجاز، وهي في وصف بستان، [فيهِ منْ كُلِّ فاكِهَةٍ زوجان] شرحها ابن الأثير شرحاً إطنابياً فقال: جنَّة علت أرضها أن تُمسك ماءً وغنيت بينبوعها أن يستجدي سماء، وهي ذات ثمار مختلفة الغرابة، وتربة منجبة، وما كل تربة توصف بالنجابة... ففيها المَّشمش الذي يسبق غيره بقدومه... وفيها التفاح الذي رقَّ جلده وتورَّد خدُّه... وفيها العنب الذي هو أكرم الثمار طينة... وفيها الرمان الذي هو طعام وشراب... وفيها التين الذي أقسم الله به تنويهاً بذكره.. وفيها من ثمرات النخيل ما يُزهى بلونه وشكله.. الخ.
ج-القسم الثالث: الإطناب وفقاً لتقسيمات القزويني:
كان للقزويني (ت 739هـ) دور هام في وضع القواعد شبه النهائية لعلوم البلاغة ومصطلحاتها، فأسهم في الإضافة والتفريع والترسيخ الأمر الذي جعل البلاغيين المحدثين يعتمدون تقسيماته وتعريفاته التي كانت هي حصيلة التطور النظري للبلاغة العربية خلال العصور السابقة.
وهكذا وجدنا الدارسين المعاصرين يتناولون الإطناب وفقاً لتقسيمات القزويني، على شيء من الاختلاف، لجهة التنويع، فكان له ولهم الأنواع الآتية:
1-الإطناب بالإيضاح بعد الإبهام:
ليُرى المعنى في صورتين مختلفتين؛ أو ليتمكن في النفس أفضل تمكن، ويكون شعورها به أتم. كقوله تعالى: )وإنَّ لكُمْ في الأنْعام لَعِبْرةً نَسْقيكُمْ مما في بطونه من بين فَرْثٍ ودَم لَبَنَا خالصاً سائغاً للشاربين(سورة النحل/ 66
فقد ذكر المعنى العام وهو (العبرة)، غير الواضح، ثم أعقبه بشرح وتوضيح لا لبس فيه ولا غموض. كان التوضيح على مرحلتين: الأولى هي (سُقيا البطون) والثانية: (اللبن السائغ) الذي يخرج من موضع دقيق لا يكاد يعرفه إلا الطبيب الجراح المختص، تماماً كخلق الإنسان، في قوله تعالى: )من ماءٍ دافقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبْ(سورة الطارق/ 7. فتأمل فائدة هذا الإطناب التوضيحي، وأهميته في شرح جوامع الكَلِمَ.
2-إطناب التوشيع:
ومعنى التوشيع اللغوي لف القطن بعد ندفه. وهو أن يؤتى في سياق الكلام، وبخاصة الشعر، بمثنى مفسر باسمين، أحدهما معطوف على الآخر. ومنه قول عبد الله بن المعتز (ت 296هـ/ 908م):
سقتني في ليل شبيه بشعرها شبيهة خديها بغير رقيب
فما زلت في ليلين: شعر وظلمة وشمسين: من خمرٍ ووجهِ حبيب
فالبيت الثاني، يتضمن ذكر لليلين فسرهما الشاعر بالشَّعر والظلمة، وكذلك عجز البيت نفسه، تضمن ذكراً لشمسين، مفسرين بالخمر ووجه الحبيب.
3-إطناب الخاص بعد العام أو العكس:
بالنسبة إلى الوجه الأول، يكون الإطناب للتنبيه على فضل المذكور أولاً، حتى كأنه ليس من جنسه "تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات" كقوله جلَّ وعلا: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى] بعض الآية 238 من سورة البقرة. فالحفاظ على الصلوات، يتضمن حكماً الصلاة الوسطى. لكن الباري آثر التخصيص، بعد التعميم، للتنبيه على فضل المخصَّص وهو هنا الصلاة الوسطى (أي صلاة العصر) كونها حلقة اتصال بين صلاتي السُّحور والعشاء.
أما الجانب الثاني أي، ذكر العام بعد الخاص، فكقوله تعالى، ذاكراً أيام الصوم المتوجبة على الحاج والمعتمر غير القادرين على الصدقة والتضحية في الحج: [... فَمَنْ لم يَجِدْ فَصيامُ ثلاثة أيامٍ في الحجِّ وسبعةٍ إذا رَجَعْتُم تلك عشرة كاملة] بعض الآية 196 من سورة البقرة.
4-إطناب التكرير:
فصَّل القزويني أغراض هذا النوع فذكر منها خمسة، نلخصها على الوجه الآتي:
*النكتة؛ وهي هنا الفكرة اللطيفة المؤثرة في النفس، كتأكيد الإنذار في قوله تعالى: )كَلاَّ سوف تعلمون، ثم كَلاَّ سوف تعلمون(سورة التكاثر/ 3 و 4.. ففي التكرار إنذار مُبين أشد وأبلغ مما لو اكتفي بالآية الأولى.
*زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة، ليحصل قبول المتلقي لما يقال له أو يخاطب به كما في قوله تعالى: )وقال الذي آمن: يا قومِ اتَّبعونِ أهْدكُمْ سبيلَ الرَّشاد، يا قومِ إنما هذه الحياة الدنيا مَتاعٌ وإنَّ الآخرة هي دارُ القَرار(سورة غافر/ الآيتان 38 و 39.
*طول الكلام، زيادة في التأثير النفسي المطلوب، كقول الحق تبارك: [ثمَّ إنَّ ربَّكَ للَّذين هاجروا من بعد ما فُتِنوا، ثمَّ جَاهَدوا وصَبَروا، إنَّ ربَّكَ من بعدها لَغفورٌ رحيم] سورة النحل/ 110. الفتنةُ ههنا، بمعنى الابتلاء والاختبار.
*تَعدُّد المتعلَّق، لتنوع الغرض الذي يبرز من خلال كل قول مكرَّر. وخير مثال على ذلك تكرار قول الله تعالى )فبأيِّ آلاءِ ربِّكُما تُكَذِّبان( ثلاثين مرة في سورة الرحمن لأنه كان في كل مرة يذكر عَقِبَ نعمة جديدة من نِعَم الله على الإنسان.
*الزَّجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات. نحو قوله تعالى )وَيْلٌ يومئذٍ لِلْمُكَذِّبين( المتكرر عشر مرات في سورة (المُرسلات) "لأنه تعالى، ذكر قصصاً مختلفة، وأتبعَ كل قصة بهذا القول. فصار كأنه قال عقب كل قصة: ويلٌ يومئذٍ للمكذبين بهذه القصة".
وهناك من جعل للتكرير أقساماً، بعضها،
*في اللفظ والمعنى معاً، نحو قولنا، هَلُمَّ! هَلُمَّ! وبعضها الآخر،
*في المعنى دون اللفظ، نحو: اصدُق معي ولا تمكرُ بي!‍ فعدم المكر هو الصدق والوفاء.
*ومنها ما هو مفيد يأتي في الكلام توكيداً له وتسديداً لأمره، وإشعاراً بعظَم شأنه.
كقوله تعالى: )وقال اللهُ لا تَتَّخِذوا إلهَيْنِ اثْنين إنما هو إلهٌ واحد(سورة النحل/ 51.
فهو من تكرير المعنى دون اللفظ؛ والغرض منه تأكيد معنى المعدود ومنع الالتباس في شأنه.
*ومنها ما هو غير مفيد، كقول المتنبي، من قصيدة في مدح المغيث بن العجلي:
ولم أرَ مثل جيراني ومثلي لِمثْلي عند مِثلهُمُ مقامُ
ومعنى البيت: لم أر مثل جيراني في سوء الجوار وقلة المراعاة؛ ولا مثلي في مصابرتهم مع جفوتهم. فهو يشكو جيرانه ويلوم نفسه على الإقامة بينهم. فقد حذف الشاعر وأوجز، ولكن على حساب التكرار الإطنابي غير المفيد.
5-إطناب الإيغال:
وهو ضرب من المبالغة في الوصف والتصوير، أو هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها. كقول الأعشى (ت 007هـ/ 629م):
كناطحِ صخرة يوماً ليفلِقَها فلم يَضِرْها، وأوهى قَرْنَه الوعِلُ
قال ابن رشيق (ت 456هـ) إن المثل في هذا البيت قد تمَّ بقول الشاعر:
"وأوهى قرنه فلما احتاج إلى القافية قال: "الوعِلُ" فقد استخدم الشاعر نوعاً من الإيغال في القافية، لا البيت. ومثله قول ذي الرمة (ت 77 أو 117هـ/ 696 أو 735م):
قِفِ العيس في أطلال مية واسألِ رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل
فتمَّ كلامه قبل إضافة (المسلسل) ولكنه احتاج إلى القافية، فزاد شيئاً، وأطال المعنى والصورة. ومثله قول ذي الرمَّة، في القصيدة نفسها:
أظنُّ الذي يُجدي عليك سؤالها دموعاً كتبديد الجُمان المفصَّل
فتم كلامه عند قوله: "الجمان". لكنه احتاج إلى القافية فقال: "المفصَّل" فزاد شيئاً..
وعرَّفه قدامة بن جعفر (ت 327هـ/ 948م) فقال: الإيغال أن يأتي الشاعر بالمعنى في البيت تاماً من غير أن يكون للقافية في ما ذكره صنع، ثم يأتي بها لحاجة الشعر، فيزيد بمعناها في تجويد ما ذكره من المعنى في البيت، كما قال امرؤ القيس:
كأنَّ عيون الوحشِ حول خِبائنا وأرحُلنا الجِزعُ الذي لم يُثقَبِ
فقد أوفى الشاعر التشبيه قبل القافية، لأن عيون الوحش شبيهة بالجزع. ولكن إضافة القافية "لم يثقَّب" جعلت الشاعر يوغل في الوصف وتوكيده، فإن عيون الوحش غير مثقبة وهي بالجزع الذي لم يثقب أدخل في التشبيه.
ومن هذا القبيل، قول الخنساء (ت 24هـ/ 646م) ترثي أخاها صخراً:
وإنَّ صَخراً لتأتمُّ الهُداةُ به كأنَّه عَلَمٌ في رأسه نارُ
لم ترض أن تشبهه بالعلم الذي هو الجبل المرتفع المعروف بالهداية، حتى جعلت في رأسه ناراً.
6-إطناب التذييل:
معناه إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد بعينه ليظهر لمن لم يفهمه، ويتأكد عند مَن فَهِمَهُ، كقول الشاعر ربيعة بن مقروم الضبِّي (ت 16 هـ/ 637م):
فَدعَوا نَزالِ فكنت أوَّل راكبٍ وعلام أركبُهُ إذا لم أنْزل؟
فالمصراع الأول مكتمل المعنى. لكن الشاعر لم يكتف بذلك، بل ذيل به مصراعاًُ آخر، توضيحاً للمعنى وتأكيداً، ومثله قول الشريف الرضي متغزلاً:
قمرٌ إذا استَخْجَلتَهُ بعتابِهِ لبس الغروبَ ولم يعُد لِطلوعِ
أبغي رضاهُ بشافعٍ من غيره شرُّ الهوى ما رمته بشفيعِ
فقد استوفى المعنى في صدر البيت الثاني. لكنه ذيله في العجز تحقيقاً لمزيد من الفهم والتوضيح وقد جعله بعضهم أحد مواضع البلاغة الثلاثة: الإشارة والمساواة والتذييل، لأن فيه موقعاً جليلاً ومكاناً شريفاً خطيراً يزداد بهما المعنى انشراحاً والمقصد إيضاحاً. ومن الأمثلة الشعرية الدالة على إطناب التذييل، قول أبي نواس يمتدح الخليفة العباسي الأمين:
عَرمَ الزمانُ على الذين عَهِدتُهُمْ بكِ قاطنينَ، وللزمانِ عُرامُ
المعنى مستوفى في صدر البيت. والعجز المذيَّل جعل منه ما يشبه الحكمة عندما أكَّد شدَّة الزمان وثباتها على الأيام.
ومن البلاغيين القدامى، من جعل التذييل إضافة جملة يذيل بها الكلام ليتحقق بها ما قبلها، فقسمه أو قسم الجملة المذيلة قسمين:
1-قسم لا يزيد على المعنى الأول، وإنما يؤتى بها للتأكيد والتحقيق.
2-قسم يخرجه المتكلِّم مخرج المثل السائر ليحقق ما تضمن الكلام السابق من زيادة المعنى. كقوله تعالى: )إنَّ اللهَ اشترى من المؤمنينَ أنفسَهُمْ وأموالَهُمْ بأنَّ لهم الجنَّةَ، يُقاتلون في سبيل الله فيَقْتلون ويُقتلَون وعْداً عليه حقَّاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومَنْ أوفَى بعهدِهِ من اللهِ، فاسْتَبْشِروا بِبَيْعِكُمُ الذي بايَعْتُمْ به(سورة التوبة/ 111 فهذه الآية الكريمة تضمنت القسمين من التذييل. أحد القسمين قوله تعالى: )وعْداً عليه حقَّاً( فقد تم الكلام. ثم أتى سبحانه، بهذه الآية تحقيقاً لما سبق. والقسم الآخر قوله تعالى: )ومَنْ أوفى بعَهْدِهِ مِن الله(، فخرج هذا الكلام مخرج المثل السائر لتحقيق ما تقدمه.
ومن أجود ما يصح شاهداً بلاغياً على إطناب التذييل، قول ابن نباتة السعدي، من شعراء البلاط الحمداني في القرن الرابع، مادحاً سيف الدولة:
لم يبق جودك لي شيئاً أؤمله تركتني أصحب الدنيا بلا أمل
فصدر البيت مكتمل المعنى، وليس العجز إلا تذييلاً حسناً، زاد في جمال المعنى وحقيقته..
7-إطناب التكميل أو الاحتراس:
وهو أن يؤتى به في كلام يوهم خلاف المقصود، بما يدفعه وهو ضربان: ضرب يتوسط الكلام، كقول طرفة بن العبد يمدح قتادة بن مسلمة الحنفي:
فسقى بلادكَ –غير مفسدها، صوب الغمام وديمة تهمي
فجملة: "غير مفسدها" أكملت المعنى وحالت دون الوقوع في وهم غير مقصود، وهو ضرر مطر الربيع للديار؛ وإذا المطر نافع. ولهذا السبب سمى هذا النوع: احتراساً، كقوله تعالى: )فسَوْفَ يأتي اللهُ بقومٍ يُحبُّهمْ ويُحبُّونَهُ، أذلَّةٍ على المؤمنين، أعِزَّةٍ على الكافرين(بعض الآية 54/ من سورة المائدة يقول القزويني، شارحاً:
فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذلَّة على المؤمنين؛ لتوهم أن ذلتهم لضعفهم، فلما قيل: "أعزَّة على الكافرين" علم أنها منهم تواضع لهم، ومعنى ذلك أن هؤلاء القوم، مع شرفهم، وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين، خافضون لهم أجنحتهم
ومثله قول ابن الرومي، فيما كتب إلى صديق له: إني وليُّك الذي لا يزال تنقاد إليك مودته عن غير طمع ولا جزع، وإن كنت لذي الرغبة مطلباً، ولذي الرهبة مهرباً
ففي قول ابن الرومي كما نرى احتراسان متعاقبان، الأول، في قوله: "عن غير طمع ولا جزع" لأنه أزال توهم المودة الانتفاعية المتخوفة.. والثاني، في قوله: "وإنْ كنت" وما بعدها، لأنه بدَّد ما قد ينشأ في الاحتراس الأول، من شعور بانتفاء دوافع الرغبة والرهبة لدى الناس.. ونرى أن هذا الشاهد من أفضل الأمثلة على إطناب التكميل أو الاحتراس.
ومن هذا النوع قول الشاعر السعودي المعاصر الأمير عبد الله الفيصل:
والنار تعشق، إن تَغِب، فإذا دنت بك فرَّ من رمضائها الموؤودُ
فالاحتراس من جعل النار معشوقة، اقتضى استكمال المعنى باستدراك لطيف، هو "إنْ تَغِبْ". ومثله، للشاعر نفسه، مكملاً ومحترساً مرتين، على طريقة الاستدراك:
قد ساءلتْ من أنتَ؟ قلتُ أنا الذي قضَّيتُ عمري –مُدنفاً- أهواكِ
أرنو إليك –على بعادِك- مثلما يرنو الحزينُ الساطعُ الأفلاكِ
ونختم الكلام على التكميل أو الاحتراس، بإيراد شاهدين معبرين يزيدان في تعريفهما وتحديد ملامحهما، الأول: بيت شعري للشاعر الإسلامي التابعي كعب بن سعد الغنوي:
حليمٌ إذا ما الحلم زيَّن أهلهُ مع الحلم في عين العدو مهيبُ
البيت في رثاء أخيه أبي المغوار، وقد نعته بالحلم وهو الرويّة والحكمة. وصفة محمودة كهذه توهم أنه لا يهابه أحد، حتى أعداؤه. فأردف الشاعر بالقول: إنه مع ذلك يخافه الأعداء ويتهيبونه. وهذا إطناب احتراسي جيد.
والشاهد الثاني: بيت لأبي الطيب، مادحاً علي بن محمد بن سيَّار بن مكرم التميمي:
أشد من الرياح الهوج بطشاً وأسرع في النوى منها هبوبا
فإنه لو اقتصر على وصفه بشدة البطش لأوهم ذلك أنه عنف كله، ولا لطف عنده. فأزال هذا الوهم بالسماحة
). وهذا من جيد التكميل والاحتراس في الإطناب.
8-إطناب التتميم:
وهو أن يؤتى –أي التتميم- في كلام لا يوهم خلاف المقصود، بفضلة تفيد نكتة، كقول الله عزَّ وجل: )ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ على حُبِّهِ(سورة الإنسان/ جزء من الآية 8. فإضافة "على حُبِّه" أتمت المعنى وزادت عليه فأفادت القارئ: أي إنهم لا يطعمون كيفما كان، بل طعاماً مشتهى وعزيزاً..
مثال آخر، قول الشاعر:
إني على ما تَريْنَ من كِبَري أعرف من أين تؤكل الكَتِفِ
في البيت نكتة لطيفة تحمل معنى القوة والذكاء، في المرحلة المتقدمة من السن. وهذه النكتة، كامنة في صدر البيت الذي يبدأ بجملة اسمية تقريرية، خبرها في عجز البيت. أي أني ذكي قوي، رغم كِبرَ سني، أو بالعكس: أنا كبير السن، لكنني لا أزال أحتفظ بقواي العقلية. ومثله تماماً، ولكن في اتجاه آخر، قول زهير بن أبي سلمى مادحاً هرماً بن سنان أحد أجواد عصره المشهورين:
مَن يَلقَ يوماً –على علاَّته" هَرِماً يَلقَ السماحة منه والندى خُلُقا
التتميم كامن في الفضلة "على علاَّته" التي أفادت استمرارية السجايا الكريمة في الممدوح، سجايا لا تؤثر فيها الأحداث وكثرة الانشغالات، لأنها متأصلة فيه لا يحول دونها شيء...
ومن جيد التتميم، في النثر، قول أعرابية لرجل: كبَتَ الله كلَّ عدوٍّ إلا نفسك
فالقول –على ما فيه من تمام المعنى- ناقص لأنه مطلق. وقولها: "إلاَّ نفسك" إضافة لازمة لأنها أوفَت على حقيقة الدعاء وحُسن دلالته ومساره الإنساني. فنفس الإنسان تجري مجرى العدوّ له لأنها تورطه وتدعوه إلى ما يوبقُه
ومن التتميم ما يسيء إلى القصد، فيصبح إطناباً نافلاً، كقول ذي الرمَّة:
ألا يا سلمي يا دار مَيَّ على البِلى ولا زال منهلاًّ بجرعائِكِ القطرُ
يدعو الشاعر لحبيبته بالسلامة رغم ما أصاب دارها من بلى واندثار. لكنه في العجز، أو هي كما لو أنه يدعو عليها لأن استمرار انهمار المطر على التربة والنبات يفسدهما، فأساء إلى المعنى المقصود من حيث لم يدر..
9-الإطناب بالاعتراض:
وهو أن يؤتى في أثناء الكلام، أو بين كلامَين متصلين معنى، بجملة أو أكثر، لا محل لها من الإعراب، لنكتة سوى ما ذكر في تعريف التكميل
*ومن وجوه الاعتراض ههنا، التنزيه والتعظيم كما في قوله تعالى: )وَيجعلونَ للهِ البناتِ، سُبْحَانَه، ولهم ما يَشْتَهون(سورة النحل/ 57. فقد اعترضت جملة: "سبحانه سياقَ الآية، تنزيهاً لذات الإله من نسبة الولد إليه، أو تعجباً من قولهم.
*ومن وجوهه التنبيه، كما في قول الشاعر:
واعْلَم –فعلمُ المرء ينفعُهُ- أنْ سوف يأتي كلُّ ما قُدِرا
فالجملة الاعتراضية في الصدر، تنبيه مفيد، يزيد في عمق الوعظ الشعري وترسيخ مغزاه الحكمي.
*ومن وجوهه التكريم، كما في قول المتنبي مادحاً كافوراً في بائيته: "كفى بك داءً":
وتحتقرُ الدنيا احتقارَ مجرِّبٍ يرى كل ما فيها، وحاشاك، فانيا
شرح العكبري هذا البيت فقال: أنت عظيم القدر. فلهذا تحتقر الدنيا احتقار من جربها وعرفها، وعلم أنها فانية، ولا يبقى إلا ذكر الجميل بين الناس.. "وحاشاك": من أحسن ما خوطب به في هذا الموضع، والأدباء يقولون: هذه اللفظة حشوة، ولكنها حشوة فستق وسكر؛ ومثلها في الحشوات قول عوف بن المحلَّم الشيباني:
إنَّ الثمانين –وبلِّغْتَهَا- قد أحوجَت سمعي إلى تَرجُمان
فقد اعترضت "وبلِّغْتَهَا" صدر البيت لفائدة كبيرة ما أحوج السامع إليها لأنها تحدث فيه هزة التنبيه أو الانتباه لما يرمي إليه الشاعر من تأكيد الكِبَر والشيخوخة.
*ومن وجوهه المعروفة التخصيص بزيادة التأكيد، كقول الحق تبارك: )ووصَّيْنا الإنسانَ بوالديه، حَمَلَتْه أمُّهُ وَهْناً على وهْن، وفِصالُهُ في عامَيْن، أنِ اشْكُرْ لي ولوالديكَ(في الآية اعتراض ضمني يقع في جملة "حمَلَتهُ أمُّهُ وهْناً على وهْن" وهذا يعني تخصيص حق الأم في التوصية الربَّانية، وما ذكرها هنا إلا من قبيل ما يقوله الفقهاء في أن لها من عمل الولد قبل الحُلْمِ جلُّه وهو مما يفيد تأكيد حقها، والله أعلم.
ومن الناس من لا يقيد فائدة الاعتراض بما ذكرناه، بل يجوّز أن تكون دفع توهُّم ما يخالف المقصود. وهؤلاء فرقتان، واحدة لا تشترط فيه أن يكون واقعاً في أثناء الكلام، وفرقة تشترط ذلك.
وقد تبسَّط القزويني في شرح وجوه الاعتراض مما لم نرَ فيه صورة للوقوف عنده كالمطابقة مع الاستعطاف، والتنبيه على أمر غريب، ومجيء معنى مستقل بين كلامين مستقلين، قد يأتي المعنى في جملة واحدة أو أكثر من جملة، أو يأتي الاعتراض بغير واو ولا فاء أو يأتي بأحدهما.... ليخلص إلى القول الجامع المركَّز: "ووجهُ حُسْن الاعتراض على الإطلاق: حُسْنُ الإفادة، مع أن مجيئه مجيء ما لا معوَّل عليه في الإفادة. فيكون مَثَله مَثَل الحسنة تأتيك من حيث لا تَرتَقبها".
وفي كلمة أوجز وأعمَّ، نقول إن الإطناب معنى كبير عرَّفناه في مطلع هذه المادة (بزيادة لفظية لفائدة..) تفرَّع هذا المعنى واتسع فاتخذ أشكالاً ووجوهاً وسماتٍ متعددة تداخل بعضها ببعض وتشابه، وفي بعض الأحيان اختلط وتشابك، ولا سيما الأنواع الخمسة الأخيرة التي اعتمدها القزويني ومن بعده، وهي: الإيغال، والتذييل، والتكميل أو الاحتراس، والتميم، والاعتراض؛ فهي شديدة التداخل والتشابه فيما بينها حتى ليصعب على الدارس في كثير من الأحيان التفريق بينها فيما عدا الأمثلة التي أعطيت لكل واحد منها، وهي مع ذلك –أي الأمثلة- يمكن نقلها من موقع إلى آخر. فتخدم الغرض الذي وضعت فيه دونما اختلاف يذكر بين ما كانت فيه وما نقلت إليه. ولعل الدارسين البلاغيين القدامى قصدوا من وراء هذه التقسيمات والتفريعات إيفاء الإطناب كلَّ ما يحتاجه من شرح وتمثيل.

يتبع ,,,,,,,,,,









 


قديم 2010-10-12, 09:43   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
بيبيone
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

تابع لما قبله
الباب الثالث 1ـ أهميـة اللغــة :
إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فإنها الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم. إن القوالب اللغوية التي توضع فيها الأفكار، والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف لا تنفصل مطلقاً عن مضمونها الفكري والعاطفي .
إن اللغة هي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها. وقد قال فيلسوف الألمان فيخته : ((اللغة تجعل من الأمة الناطقة بها كلاً متراصاً خاضعاً لقوانين . إنها الرابطة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان )) .
ويقول الراهب الفرنسي غريغوار : (( إن مبدأ المساواة الذي أقرته الثورة يقضي بفتح أبواب التوظف أمام جميع المواطنين، ولكن تسليم زمام الإدارة إلى أشخاص لا يحسنون اللغة القومية يؤدي إلى محاذير كبيرة، وأما ترك هؤلاء خارج ميادين الحكم والإدارة فيخالف مبدأ المساواة، فيترتب على الثورة - والحالة هذه - أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية؛ وذلك بمحاربة اللهجات المحلية، ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين )) .
ويقول فوسلر : (( إن اللغة القومية وطن روحي يؤوي من حُرِمَ وطنَه على الأرض )) .
ويقول مصطفى صادق الرافعي : (( إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمة. كيفما قلّبت أمر اللغة - من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها - وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها .))
وقد صدر بيان من مجلس الثورة الفرنسية يقول : (( أيها المواطنون : ليدفع كلاً منكم تسابق مقدس للقضاء على اللهجات في جميع أقطار فرنسا لأن تلك اللهجات رواسب من بقايا عهود الإقطاع والاستيعاب 2ـ أهمية اللغة العربية :
اللغة - عند العرب - معجزة الله الكبرى في كتابه المجيد .
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت شعوب غرب آسيا وشمال إفريقية بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة القرآن، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم، فهجروا ديناً إلى دين، وتركوا لغة إلى أخرى .
لقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها للآخرين فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة بفنونها الثلاثة : المعاني ، والبيان ، والبديع .
وقد غبر دهر طويل كانت اللغة العربية هي اللغة الحضارية الأولى في العالم .
واللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة. ونظراً لتمام القاموس العربي وكمال الصرف والنحو فإنها تعد أمّ مجموعة من اللغات تعرف باللغات الأعرابية أي التي نشأت في شبه جزيرة العرب ، أو العربيات من حميرية وبابلية وآرامية وعبرية وحبشية، أو الساميات في الاصطلاح الغربي وهو مصطلح عنصري يعود إلى أبناء نوح الثلاثة : سام وحام ويافث. فكيف ينشأ ثلاثة أخوة في بيت واحد ويتكلمون ثلاث لغات ؟
إن اللغة العربية أداة التعارف بين ملايين البشر المنتشرين في آفاق الأرض، وهي ثابتة في أصولها وجذورها، متجددة بفضل ميزاتها وخصائصها .
إن الأمة العربية أمة بيان، والعمل فيها مقترن بالتعبير والقول، فللغة في حياتها شأن كبير وقيمة أعظم من قيمتها في حياة أي أمة من الأمم. إن اللغة العربية هي الأداة التي نقلت الثقافة العربية عبر القرون، وعن طريقها وبوساطتها اتصلت الأجيال العربية جيلاً بعد جيل في عصور طويلة، وهي التي حملت الإسلام وما انبثق عنه من حضارات وثقافات، وبها توحد العرب قديماً وبها يتوحدون اليوم ويؤلفون في هذا العالم رقعة من الأرض تتحدث بلسان واحد وتصوغ أفكارها وقوانينها وعواطفها في لغة واحدة على تنائي الديار واختلاف الأقطار وتعدد الدول. واللغة العربية هي أداة الاتصال ونقطة الالتقاء بين العرب وشعوب كثيرة في هذه الأرض أخذت عن العرب جزءاً كبيراً من ثقافتهم واشتركت معهم - قبل أن تكون ( الأونيسكو ) والمؤسسات الدولية - في الكثير من مفاهيمهم وأفكارهم ومثلهم، وجعلت الكتاب العربي المبين ركناً أساسياً من ثقافتها، وعنصراً جوهرياً في تربيتها الفكرية والخلقية .
إن الجانب اللغوي جانب أساسي من جوانب حياتنا، واللغة مقوم من أهم مقومات حياتنا وكياننا، وهي الحاملة لثقافتنا ورسالتنا والرابط الموحد بيننا والمكون لبنية تفكيرنا، والصلة بين أجيالنا، والصلة كذلك بيننا وبين كثير من الأمم .
إن اللغة من أفضل السبل لمعرفة شخصية أمتنا وخصائصها، وهي الأداة التي سجلت منذ أبعد العهود أفكارنا وأحاسيسنا. وهي البيئة الفكرية التي نعيش فيها، وحلقة الوصل التي تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل. إنها تمثل خصائص الأمة، وقد كانت عبر التاريخ مسايرة لشخصية الأمة العربية، تقوى إذا قويت، وتضعف إذا ضعفت .
لقد غدت العربية لغة تحمل رسالة إنسانية بمفاهيمها وأفكارها، واستطاعت أن تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها الأساسية والموجهين لسفينتها، اعتبروها جميعاً لغة حضارتهم وثقافتهم فاستطاعت أن تكون لغة العلم والسياسة والتجارة والعمل والتشريع والفلسفة والمنطق والتصوف والأدب والفن .
واللغة من الأمة أساس وحدتها، ومرآة حضارتها، ولغة قرآنها الذي تبوأ الذروة فكان مظهر إعجاز لغتها القومية .
إن القرآن بالنسبة إلى العرب جميعاً كتاب لبست فيه لغتهم ثوب الإعجاز، وهو كتاب يشد إلى لغتهم مئات الملايين من أجناس وأقوام يقدسون لغة العرب، ويفخرون بأن يكون لهم منها نصيب .
وأورد هنا بعض الأقوال لبعض العلماء الأجانب قبل العرب في أهمية اللغة العربية . يقول الفرنسي إرنست رينان : (( اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة .))
ويقول الألماني فريتاغ : (( اللغة العربية أغنى لغات العالم )) .
ويقول وليم ورك : (( إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر. ))
ويقول الدكتور عبد الوهاب عزام : (( العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة . ))
ويقول مصطفى صادق الرافعي : (( إنما القرآن جنسية لغوية تجمع أطراف النسبة إلى العربية، فلا يزال أهله مستعربين به، متميزين بهذه الجنسية حقيقةً أو حكماً .))
ويقول الدكتور طه حسين : (( إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضاً.))
الخاتمة
وما نخلص إليه هو أن اللغة العربية الفصحى من أسمى اللغات و أقدمها فبها نقلت الثقافة العربية عبر القرون باعتبارها الأداة التي سجلت منذ أبعد العهود أفكار و أحاسيس العرب لأنها البيئة الفكرية التي عاشوا فيها وحلقة الوصل بين الماضي و الحاضر فالمستقبل وبالتالي تعد همزة وصل بين الأجيال العربية جيلا بعد جيل كما أنها حاملة لرسالة إنسانية بمفاهيمها وأفكارها فهي لغة حضارة واسعة كان العرب نواتها الأساسية و الموجهين لسفينتها فالعربية أساس وحدة الأمة العربية ومرآة حضارتها ولغة قرآنها الذي تبوأ الذروة و لبست فيه العربية ثوب الإعجاز وجذبت إليها الملايين من الأجناس نظرا لكونها حاملة لواء الإسلام . لذلك أوجب علينا أن نتبع نهج السابقين من العرب فنقدس لغتنا ونعطيها من القدر ما تستحق وأن نكون بالمرصاد لكل محاولات الطعن فيها. وفي ختام عرضنا هذا أتمنى أنا نيابة عن زميلتي أن يكون بحثنا هذا قد نال رضا أستاذنا الفاضل وزودكم زملائي الطلبة زميلاتي الطالبات بما استطعنا جمعه من ورود المعارف وزمرد المفاهيم وأملنا مصحوب باعتذار عن كل خطأ أو تقصير بدر عنا وبصدر رحب نتقبل جل انتقاداتكم . فنحن مجرد طلبة علم رأينا صواب يحتمل الخطأ إذ أن الكلام عن اللغة العربية لا ينتهي أبدا مهما كتبنا لكن كل ما أرجوه أن نعتز بلغتنا وبعروبتنا ونسعى لان تكون هي اللغة الأم لأبنائنا لأنها الصورة الحقيقية لانتمائهم وعزتهم بدينهم ... وبهذا نرجو أن تقبلوا منا آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين ولا أفضل من تحية العالمين أصحاب الجنان فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .


لا تبخلوا علينا بارائكم
سلاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ام










قديم 2010-10-12, 16:03   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
مجيد 88
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية مجيد 88
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ماشاء الله










قديم 2010-10-12, 18:03   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
بيبيone
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجيد 88 مشاهدة المشاركة
ماشاء الله
شكرااااا على مرورك ولكن احببت ان افيد الجميع
سلاااااااااااااااااااااااااااام









 

الكلمات الدلالية (Tags)
اللغة, العربية, خصائص, كامل

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:59

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc