جميع دروس الشريعة سنة 1 ثانوي تفظلواا☺☺☺☺☺ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الثانوي > منتدى السنة الأولى ثانوي 1AS > المواد العلمية و التقنية

المواد العلمية و التقنية كل ما يخص المواد العلمية و التقنية: الرياضيات - العلوم الطبيعة والحياة - العلوم الفيزيائية - الهندسة المدنية - هندسة الطرائق - الهندسة الميكانيكية - الهندسة الكهربائية - إعلام آلي.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

جميع دروس الشريعة سنة 1 ثانوي تفظلواا☺☺☺☺☺

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-04-21, 18:06   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي جميع دروس الشريعة سنة 1 ثانوي تفظلواا☺☺☺☺☺

حول الكتاب


تـأليف: مخلوف زغبان، أستاذ علوم الشريعة.
تصميم و إنجاز

Lotphilosophie

من هدي القرآن الكريم
قال النبي صلى الله عليه وسلم
( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ )
رواه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.




الدرس الأول:





النص القرآني:
قال الله تعالى: ( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُواْ أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُواْ بِالاَلْقَابِ بِيسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الاِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ اِجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمُ أَنْ يَّاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ). سورة الحجرات الآية 10/13.
معنى المفردات:
-يسخر: يستهزئ ويحتقر.
-تلمزوا: تعيبوا، واللمّاز يطلق أيضاً على النمّام.
-تنابزوا: التنابز هو دعاء البعض للبعض بلقب يكرهه.
-اجتنبوا: تنحوا وابتعدوا.
-تجسّسوا: التجسّس هو استخدام الحواس في الوقوف على سيّئات الناس.
-يغتب: من الغيبة وهي ذكر الإنسان بما يكره ويستقبح في غيبته.
المعنى الإجمالي للنص:
النص القرآني المتقدّم تضمّن أربع آيات في الآداب الاجتماعية، وما يجب على المؤمن الكامل الإيمان أن يتحلّى به من صفات محمودة تضمن له سعادة الدارين:
1) واجب الأخوة في الدّين التي تستوجب على المؤمنين التعاون والتناصر والتواصل والتناصح، والسعي في الخير إمّا بجلب الخير والمصلحة أو دفع الشر والضرر، والتواصي على الحق وعلى التقوى.
2) على المؤمن الكامل الإيمان المتصف بأخلاق الإسلام وآدابه ألّا يسخر من غيره مستهزئاً ومحتقراً لما في ذلك من إظهار خُبث النفس وحقارتها وسوء تربيتها، إذ كيف يتصوّر تكوين مجتمع صالح يسخر بعض أفراده من البعض الآخر ويستهزئ، وقد يكون المستهزأ به خيراً عند الله من المستهزئ عملاً وتقوى وصلاحاً ممّا يزيد في عظم الذنب وخبث المعصية.
والمؤمن الحقيقي هو الذي لا يلمز أخاه ولا يعيبه، لأنّه في الحقيقة يعيب نفسه وينقص من قدرها حيث لا يشعر حين يعيب أخاه، لما نعلمه جميعاً من كون المسلمين كالجسد الواحد يتمّم بعضهم البعض الآخر.
كما يجب على المؤمن ألَّا يدعو وينادي أخاه بالألقاب التي يكرهها والتي فيها تنقيص من قدره لما ينشأ عن ذلك من عداوة وبغضاء وتنافر الأفراد والجماعات.
وأنّه حقًّا ممّا يعيب الإنسان ويقدح فيه أن يرتكب هاته الأعمال المنهي عنها والتي تنعته بصفة الفسق بعد إيمانه. والجمع بين الإيمان والفسق مستقبح لا ترضاه النفوس قويّة الإيمان، لذلك يجب على من تلبّس بها أن يتوب إلى الله ويكفّ عنها حتى لا يكون ظالماً متعدياً حدود الله بارتكاب العصيان بدل الطاعات المأمور بها.
3) والمؤمن الحق هو الذي يتجنّب الظنّ السيّئ بغيره وما ينشأ عنه من أوهام وتخيلات فاسدة ممّا لا خير فيه للفرد ولا للمجتمع، ومن إثم وذنب أمامه سبحانه.
وعلى المؤمن كذلك أن يتجنب استعمال حواسّه في الوقوف على سيئات الناس ومعايبهم للتشهير بها والتنقيص من قيمتهم وأقدارهم، وإلحاق السوء بهم ممّا لا خير وراءه ولا مصلحة للأمّة الإسلامية، كما يجب على المؤمن ألَّا يذكر أخاه في غيبته بما يستقبح ويستكره من الأعمال والصفات، إلَّا إذا كان في الغيبة مصلحة للفرد والأمّة فهي مباحة كالتشنيع على المُجاهر بالمعصية والشهادة في المنازعات والخصومات مثلاً.
وقد مثّل الله سبحانه المغتاب الناهش في أعراض الناس بآكل لحم أخيه الميت، فكيف يتصوّر من مؤمن أن يحبّ شيئاً حقُّه أن يكون مكروهاً منفّراً كما ينفر الإنسان ويكره أن يأكل لحماً وهذا اللحم هو لحم أخيه، وكون هذا الأخ ميتاً، ولا يخفى ما في هذا التصوير من بيان فداحة جرم الغيبة والتنفير منها.
واتقوا الله الذي تسع معرفته كل شيء، وتوبوا إليه من أعمالكم المتقدّمة المنهي عنها، فهو التواب القابل لتوبة عباده، الرحيم بهم.
4) وبعد أن بيّن سبحانه الصفات التي يجب على المؤمن أن يتجنبها لأنها تنافي الإيمان الكامل، شَرَع في بيان مرض يعمّ الناس أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، فهو نداء للبشرية جمعاء، وهذا المرض هو التباهي بشرف الأصل، والفخر بلون البشرة أو ما نسميه حالياً بمرض العنصرية، الذي لا أساس له ولا مرجع، لأنّ الناس أمام الله سواسية، أصلهم واحد، وأبوهم آدم وأمّهم حواء، فلا فضل لقبيلة ولا لأمّة ولا لشعب ولا لجنس على كافّة البشر، وما خلقهم للتفاخر والتباهي بل خلقهم وكوّن منهم الشعوب والقبائل للتعارف والتعاون والتواصل، وإذا كان هناك فضل لأحد فبأعماله وخوفه من الله وبفعل الخير الذي يقدّمه للبشرية، لا بشرف آبائه ولون بشرته وما شابه ذلك، فهو سبحانه عليم خبير ببواطنكم لا يخفى عنه شيء من أعمالكم.
العبر المستخلصة من النص:
ـ يأمرنا الله سبحانه أن نتجنّب السخرية والاستهواء بغيرنا ولمزه وتعييبه والتنابز بالألقاب واجتناب الظن السيئ، وعدم التجسّس والغيبة ممّا لا مصلحة فيه.
ـ النهي عن التفاخر بالشرف والنسب وإنما التفاخر بالتقوى والعمل الصالح.
ـ إنّ مسؤولية بناء المجتمع الإسلامي العالمي تقع على عاتق الرجل والمرأة على السواء.
ـ خلق الله تعالى آدم وحواء وجعل من ذريَّتهما الشعوب والقبائل والأجناس والألوان، فالناس كلُّهم إخوة، لذلك فلابدَّ لجسور التوادد والتواصل من أن تبقى قائمة بينهم، فلا تفاضل بين لون وآخر، أو عِرق وآخر، بل مساواة بين الجميع أمام الله تعالى، الذي يُكرَمُ الناسُ لديه على درجة تقواهم، فمن نال شرف التَّقوى حصل على وسام مرضاة الله، والله أعلم بأعمال مخلوقاته خبير بنواياهم.

الدرس الثاني:

النص القرآني:
قال الله تعالى: ( إِنَّ اللهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُوفَكُونَ (95) فَالِقُ الاصْبَاحِ وَجَاعِلَ اليْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ(96) وَهُوَ الْذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الْذِي أَنْشَأَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الْذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ اَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ (99) ).سورة الأنعام الآية 95/99.
معنى المفردات:
-فالق الحبّ: شاقّه عن النبات، أو خالقه.
-فأنّى توفكون: فكيف تصرفون عن عبادته.
-فالق الإصباح: شاق ظلمته عن بياض النهار، أو خالقه.
-حسباناً: أي بحساب مقدّر نيطت به مصالح الخلق.
-فمستقرّ: في الأصلاب، وقيل في الأرحام.
-ومستودع: في الأرحام، وقيل في الأصلاب.
-خضراً: أخضرَ غضّاً.
-متراكباً: متراكماً.
-طلعها: هو أوّل ما يخرج من ثمر النخل في الكيزان.
-قِنوان: عراجين كالعناقيد تنشق عن الكيزان.
-دانية: متدلّية أو قريبة من المتناول.
-ينعِـه: حال نضجه وإدراكه.
المعنى الإجمالي للنص:
هذه الآيات تتضمّن أخطر حكم تكليفي خاطب الله تعالى به الناس جميعاً في مختلف الأزمنة والأمكنة، وهو الإيمان بربوبيّة وألوهية الله وحده: الإيمان بأنّه وحده الخالق، وهو وحده المحيي والمميت، وهو الضارّ والنافع، وهو المسبّب لأسباب الكون جميعاً، وهو الذي خلق في الأشياء طبائعها ورتّب لها وظائفها أي أنّه هو الذي ( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثَمَّ هَدَى ) طه الآية 50، وهو الذي يجمع الناس كلّهم ليوم الجمع الذي لا ريب فيه، فريق في الجنّة وفريق في السّعير.
وتتضمّن أيضاً هذه الآيات الإقرار بأنّ الكون كلّه وما فيه من نجوم السماء ونجوم الأرض ( النّبات ) مسخّر للإنسان وحده. فنجوم السماء تهدي الإنسان في ظلمات البرّ والبحر، والكون كلّه يهديه في ظلمات الجهل لمعرفة الخالق الحق، الذي خلقه في أحسن تقويم، وهيأ له أسباب الحياة ليزداد في العرفان والارتقاء فيكتمل إيمانه ويطرد الشكّ عنه.
ـ ( إِنَّ اللهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخْرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُوفَكُونَ ): فالله وحده الذي خلق الحبّ والنوى من العدم فأنبت منه الزرع والثمر على اختلاف أنواعه وأصنافه وأشكاله وطعومه. وهو الذي يخرج النبات وهو مصدر الحياة من الحبّ الذي هو ميِّت كالجماد، ويخرج الخشب الميِّت من النبات الحي. وقيل يخرج الولد المؤمن من الكافر، والولد الكافر من المؤمن. ذلك هو فعل الله وحده فكيف تُصرفون عن الإيمان به وتعدلون عن عبادته إلى الباطل.
ـ ( فَالِقُ الاصْبَاحِ وَجَاعِلَ اليْلِ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ): الله خالق الضياء والظلام، وجعل الليل وما فيه من ظلام للراحة والسّكون من تعب ومشقّة العمل في النهار، والله يجري الشمس والقمر بحساب متقن لا يتغيّر ولا يضطرب، فهما سبب الصيف وما فيه من حرارة والشتاء وما فيه من برودة، قال الله تعالى: ( لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وُكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يَسِ الآية 40. والكلّ يجري بتقدير الله العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف، العليم بكلّ شيء.
ـ ( وَهُوَ الْذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ): فالله الذي خلق النجوم يهتدي بها الإنسان في ظلمات البرّ والبحر، وهي زينة السماء، وخلقها رجوماً للشياطين، فتلك آيات كافية للاهتداء إلى الحق وتجنّب الباطل.
ـ ( وَهُوَ الْذِي أَنْشَأَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ): والله وحده الذي خلق الإنسان من نفس واحدة قال تعالى: ( يَأَيُّهَا النَّاسُ اِتَّقُواْ رَبَّكُمُ الْذِي خَلَقَكُم مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ) النساء الآية 1. ثم جعله عضواً مستقلاً بذاته، مستقرّ على ظهر الأرض ثم مستودع في الدار الآخرة بعد إكمال مهمّته ووظيفته في الحياة الدنيا.
ـ ( وَهُوَ الْذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ اَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ اُنْظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ ) فالله الذي ضمن أسباب الحياة للإنسان من مشرب ومأكل مختلفاً ألوانه وطعومه وأشكاله وروائحه.
ثم ختم الله هذه الآيات الدّالّة على قدرته جلّ وعلا بالدعوة إلى استعمال العقل، والحثّ على التفكير في قدرة الخالق وحكمته ورحمته، لأنّ إعمال العقل هو السبيل الوحيد الموصل إلى الإيمان المنتج للسّلوك الحسن والعمل القويم.
العبر المستخلصة من النص:
ـ الإيمان بأنّ الله هو المسبّب لأسباب الكون جميعاً.
ـ الله وحده الذي يهدي الإنسان إلى الخير، وقد فطره على ذلك.
ـ التدبّر في الكون من أسباب الهداية.
ـ كلّ ما في الكون من شيء مسخّر للإنسان.
ـ تأمّل قوله تعالى في هذه الآية : ( فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِباً ) أي إنّ الله يخرج الحبّ من النبات الأخضر و هذا ما أدركه العلم من أنّ النبات ينتج المواد الغذائية بواسطة خلايا الورقة الخضراء، إنّ أحسن معمل لدى الإنسان لا يقارن بنشاط ذلك المعمل الموجود في الورقة الخضراء فتأمّل سرّ تعبير القرآن الدّقيق .


الدرس الثالث:

النص القرآني:
قال الله تعالى: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الْذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلَاماً (63) وَالْذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً(64) وَالْذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اَصْرَفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً (66) وَالْذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) وَالْذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَاباً(71) وَالْذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَاماً (72) وَالْذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمًّا وُعُمْيَاناً (73) وَالْذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً (76) قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77) ).سورة الفرقان الآية 63/77.
معنى المفردات:
-عباد الرحمان: مبتدأ خبره أولئك يجزون الغرفة، وإضافة العباد إلى الرحمان للتفضيل.
-هوناً: هيِّنين متواضعين غير متكبِّرين.
-قالوا سلاماً: قالوا قولًا سديداً فيه عفو وصفح وسلامة من الإثم.
-كان غراماً: كان ملازماً وثابتاً.
-لم يقتروا: لم يبخلوا ولم يضيّقوا على أنفسهم تضييق البخيل وضده يسرفوا.
-قواماً: وسطاً، أما القوام بكسر القاف فهو ما يدوم عليه الأمر ويستقر.
-أثاماً: جزاءً وعقاباً.
-مهاناً: ذليلاً ومحتقراً.
-لا يشهدون الزور: لا يدلون بالشهادة الباطلة، أو لا يحضرون محاضر الكذب.
-اللغو: كل ما لا خير فيه من قول أو عمل.
-كراماً: معرضين عنه، مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والمشاركة فيه.
-لم يخرّوا عليها صمًّا وعمياناً: خرّ بمعنى سقط، والمعنى أنهم إذا سمعوا آيات الله أقبلوا عليها واعين لها متبصرين بما فيها، ليس شأنهم شأن الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله أعرضوا عنها كمن لا يسمع ولا يبصر.
-قرّة أعين: تقرّ أعيننا بهم بمعنى تسكن وتهدأ.
-الغرفة: أعلى مواضع الجنّة وأفضلها.
-المستقر: محلّ الاستقرار.
-المقام: مكان الإقامة.
-ما يعبأ بكم ربي: لا يبالي بكم ربي، ولا يعتدّ بكم. من قولك لا أعبأ بالأمر أي لا أبالي به ولا أعتد.
المعنى الإجمالي للنص:
1) الآيات الكريمة المتقدّمة في صفات المؤمنين الذين يستحقّون أن ينعتوا بعباد الرحمان، وهاته الصفات كما وردت في النص القرآني الكريم، بعضها إيجابي يجب على المؤمن الحق أن يتصف بها، وبعضها الآخر سلبي يجب على المؤمن أن يبتعد عنها ويحاربها في نفسه وطبائعه.
فالصفات الإيجابية هي: التواضع، والحِلم، والتهجد ليلاً، والخوف من عذاب الله، والتذكر بآيات الله، ودعاء الله بصالح الأزواج والذرية.
والصفات السلبية هي: ترك الإسراف والتقتير، والبعد عن الشرك والزنى والقتل، والبعد عن شهادة الزور وما لا خير فيه ولا فائدة من اللغو.
2) هؤلاء المؤمنون المتصفون بصفات الكمال، المستحقّون للقب عباد الرحمان، هم الذين يجزون يوم القيامة بأحسن موضع في الجنّة وأفضله، جزاءً لهم على تحمّل مشاقّ الطاعات، ورفض الشهوات، وتحمّل مجاهدة النّفس ومحاربتها، ويلقّون فيها تحيّة من الله وسلاماً من الملائكة، وهم في هاته الغرفة خالدين، حيث طابت لهم، وحسنت مستقرًّا ومقاماً.
3) وختم الله سبحانه وتعالى هاته الآيات ببيان أنّه غنيّ عن الكلّ، وأنّه لولا عبادة بعض خلقه وإيمانهم واتباعهم لأوامره سبحانه ما كان ليعتدّ بهم ويبالي، لأنّ شرف الإنسان بطاعته ومعرفته، وبذلك يتميّز عن سائر المخلوقات الأخرى.
أما أنتم يا كفار قريش الذين كذّبتم ما جاء به رسولي، وخالفتم أوامري، واتبعتم شهوات أنفسكم الأمّارة بالسّوء، فسوف تساقون إلى جهنّم خالدين فيها جزاء تكذيبكم.
العبر المستخلصة من النص:
ـ النص القرآني الكريم يدعونا إلى الاتصاف بصفات الكمال، ونبذ النقائص والموبقات.
ـ التوسّل إلى الله بالدعاء واجب للوقاية من عذاب جهنّم الأليم.
ـ التوسّط في المعيشة واجب شرعي.
ـ الصبر طريق النجاح والنجاة.


الدرس الرابع:

النص القرآني:
قال الله تعالى: ( قُلْ تَعَالَوَاْ اَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمُ أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ مِنْ اِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الْتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ). سورة الأنعام الآية 151/ 153.
معنى المفردات:
-تعالوا: أقبلوا، وأصله أن يستعمله من كان في مكان عال ينادي به من كان أسفله.
-اتل: أقرأ.
-الإملاق: الفقر، وأملق إذا أنفق ماله حتى الفقر.
- الفواحش: ما عظم جرمه وذنبه من كبائر الذنوب.
-ما بطن: ما خفي واستتر.
-لعلّكم تعقلون: لعلّكم ترشدون.
-حتى يبلغ أشدّه: حتى يبلغ رشده ويصير قادراً على التصرّف في أمواله.
-الكيل: كال إذا عيّن كمية الشيء ومقداره بواسطة آلة معدّة لذلك.
-بالقسط: بالعدل وعدم النقصان.
-إلا وسعها: إلا ما في استطاعتها القيام به.
-لعلّكم تذكرون: لعلّكم تتعظون وتعتبرون.
-صراطي: طريقي ومنهاجي.
-السُبل: الأديان الأخرى.
-لعلكم تتّقون: لعلكم تبتعدون وتتجنّبون الضلال وتتمسّكون بالحق.
المعنى الإجمالي للنص:
النص القرآني المتقدّم تضمن ثلاث آيات في توضيح أصول الفضائل وأنواع البر وأصول المحرّمات والكبائر، ليكون المسلم على بيّنة من دينه، وما يجب عليه القيام به أو تركه وتحاشيه وليعرف أهداف هذا الدّين الحكيم وما يرمي إليه من مكارم الأخلاق وتكوين نفس المسلم تكويناً صالحاً.
وهي وصايا عشر، خمس منها بصيغة النهي والباقية بصيغة الأمر:
1) فمن المحرمات والذنوب العظيمة التي لا تُغفر الإشراك بالله، وعبادة ما لا يجدي نفعاً من الأصنام ومظاهر الطبيعة ونحوها، وترك عبادة الرحمان الذي تتمثّل فيه القدرة، وبين يديه مصير هذا العالم بما فيه من أراضي وسماوات، ولا يَخفي ما في هذا العمل من عدم تقدير الله حق قدره، لذلك نهى سبحانه عن الإشراك به. وأمر بالاقتصار على عبادته، لأنّه هو الذي يستحقّ غاية التعظيم.
2) الأمر بالإحسان إلى الوالدين لأنّهما السبب الظاهر في وجودنا، فالأم تلقى بسبب الحمل والوضع مشقّة، والأب يتحمّل من مصاعب الحياة أمرها، فلذلك يجب البرّ بهما وإعانتهما والترحّم عليهما بعد وفاتهما. ونظراً لمكانتهما وما يجب على الإنسان أن يقوم به نحوهما قَرن الله سبحانه الإحسان إليهما بعبادته، قال الله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء 23.
3) النهي عن قتل الأولاد خوفاً من الفقر كما كانت تفعل بعض القبائل في الجاهلية، لِما في ذلك من الذنب العظيم الذي لا يُغفر، ولِما يتمثّل كذلك في هذا العمل من إبادة للجنس البشري، وما كان حقّهم أن يفعلوا ذلك فالذي خلقهم وضمن أرزاقهم وما تقوم عليه حياتهم قد ضمن لهؤلاء الأولاد كذلك أرزاقهم.
4) النهي عن ارتكاب الفواحش والذنوب الكبيرة ممّا تأمر به القوّة الشهوية أو النفس الأمارة بالسوء في حالتي الخفاء والجهر. فالفواحش الظاهرة قد يبتعد عنها الإنسان حياءً من الناس، أو خوفاً من ملامتهم، أو خشيةً من سلطة القانون، أمّا الابتعاد عن الفواحش الباطنة التي لا يطلّع عليها الناس لاتصالها بخفايا النفس فهي مرتّبة تتجه بالناس إلى الصعود نحو المشارف العليا للكمال، والسلوك المثالي، وفي هذا قال الله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنَ) الأعراف 33.
5) النهي عن القتل ظلماً وعدواناً لما في ذلك من الإثم العظيم أمام الله وأمام المجتمع، ولا يجوز مطلقاً لأيّ أحد أن يقتل أحداً إلَّا لسبب أوجبت فيه الشريعة الإسلامية القتل ( كالقصاص والردّة..)، مستعيناً في الوصول إلى حقّه بالطرق القانونية وبولاية الأمر من حكام وقضاة.
6) النهي عن التلاعب بأموال اليتيم الذي كُلّف الإنسان بالسّهر على مصالحه ورعايتها، فالواجب يقتضي منه أن يؤدّي هاته الرسالة السامية على أكمل وجه، ولا يستغلّ فرصة وصايته ويعتدي على أموال اليتيم ويستغلّها لنفسه بل يجب أن يسهر على هذا المال بالإنماء والمحافظة حتى يبلغ اليتيم سنّ الرشد فيعامله بما يعامل به سائر المسلمين داخل المجتمع الإسلامي.
7) الأمر بعدم بخس الكيل والميزان، لأنّ النقص فيهما سرقة، والسرقة محرّمة في الإسلام، بل من الأحسن للإنسان أن يكون صادقاً وفيّاً في كيله وميزانه لما في ذلك من إعطاء الناس حقوقهم وبراءة ذمّته يوم المرجع والحساب حيث تجزى كل نفس بما عملت حسب استطاعتها لأنّه سبحانه لا يكلّف البشر إلَّا بما يستطيعون القيام به.
8) الأمر بأداء الشهادة على حقيقتها وبالعدل في الأحكام الصادرة عن الإنسان أثناء الفصل بين الناس.
وإن كان الظالم من ذوي القربى فلا يتردّد الإنسان في إعانته على الرجوع إلى الحق بإزالة ظلمه وعدوانه، ولا يخفى ما يسبب هذا المبدأ إذا حقّق من عدالة وإنصاف واستقرار أمن داخل المجتمع.
9) الأمر بالوفاء بالعهود لأنّ ذلك من كمال أخلاق الإنسان، سواء كان هذا العهد بينه وبين ربّه، أو بينه وبين نفسه أو إنسان آخر.
10) الأمر باتّباع سبيل الله القويم ودينه الواضح الجلّي. والنهي عن اتّباع مختلف الأديان والمناهج المضلّة عن الطريق الحق الموصلة إلى ما فيه رضا الله وإنعامه.
الفوائد المستخلصة من النص:
ـ النص القرآني تضمّن عشر وصايا: النهي عن الإشراك بالله، وقتل الأولاد خوفاً من الفقر، وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما خفي، وقتل الغير ظلماً وعدواناً، والتلاعب بأموال اليتيم، والأمر بالإحسان إلى الوالدين، وعدم النقص من الكيل والميزان، واتّباع سبيل الله المتمثّل في الإسلام.
من هدي السنّة النّبويّة
قال الرسول صلى الله عليه وسلم
( نَظََّر اللهُ امْرَءاً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَحْفَظُ لَهُ مِنْ سَامِعٍ )
رواه أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.




الدرس الأول:



نص الحديث الشريف:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ فَقَالَ تَعَالَى: ( يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )، وَقَالَ تَعَالَى: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثٌ أَغْبَرْ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ ).رواه مسلم.
التعريف براوي الحديث:
هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الدوسي المكنّى بأبي هريرة، وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا للأمّة الإسلامية هذا الركن العظيم ( السنّة النبويّة ) وقد رضي الله عنه، وهو من أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّه كان يلازمه ملازمة تامّة حتى شهد له الرسول الكريم بالحرص على الحديث، ودعا له بثبات الحفظ، فلم يسمع شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حفظه. أسلم سنة سبعة للهجرة عام خيبر، روى عن الرسول عليه الصلاة والسلام 5374 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على ثلاثمائة وانفرد البخاري بثلاثة وسبعين. ولَّاه عمر رضي الله عنه على البحرين ثم المدينة المنوّرة، فمكث فيها حتى توفي سنة 57 هـ ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه.
معاني المفردات:
-طيّب: جميل ومطهر ومقدس ومنزه عن العيوب والنقائص.
-المؤمنون: الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
-المرسلون: الذين أرسلهم الله لهداية البشر.
-الطيبات: التي تستسيغها النفوس المعتدلة.
-أشعث: ثائر الرأس.
-أغبر: متغيّر اللون لطول سفره.
-يمدّ يديه: يرفعهما إلى السماء بالدعاء.
-فأنّى: فكيف.

المعنى الإجمالي للحديث:
في هذا النداء الخالص للمؤمنين أمرهم سبحانه وتعالى أن يأكلوا من طيّبات ما رزقهم وأن يؤدوا حقّ النعمة بشكر المنعم جلّ شأنه فيخلصوا العبادة والدعاء له وحده، وألَّا يخلطوا بين الحلال والحرام، لأنّ الذي يتوجّه إلى الله بالدّعاء الخالص يستوجب ذلك عليه أن يحرّر سعيه للكسب من الحرام، وأن يتحرّى الحلال في الطعام وفي الشراب وفي اللباس..قال الله تعالى: (يَأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) سورة البقرة 168.
ولا شك أنّ الكسب الحلال يبارك الله تعالى جهد صاحبه ويرزقه من حيث لا يحتسب، وأنّ الكسب الحرام يمحقه الله ويبعثر ثروة صاحبه فلا ينال منه إلَّا الخيبة والخسارة في الدنيا وفي الآخرة.
لقد اختلط على الناس فهمهم لدين الله فلم يفهموا كنهه، يقعون في الحرام ثم يلجأون إلى الله عند الحاجة فيتضرعون له ليمدّهم من فضله ويعطيهم من رزقه وهم لا يعلمون أنّ الله طيّب لا يقبل إلا طيّباً.
فعلى المسلم أن يسعى للكسب من طريقه المشروع وأن يتجنّب الحرام. ومن يبذل طاقته، ويكدّ، ويكدح، فكدّه وكدحه في سبيل الله وهو صدقة ما بقي نفعه.
عن كعب بن عمرة قال: ( مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَلَده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَاراً فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْهِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ). رواه الطبراني.
ما يستفاد من الحديث:
ـ ما كان خالص النفع فهو حلال طيّب، وما كان خالص الضرر فهو حرام خبيث.
ـ أفضل وأطيب أنواع الكسب عمل الرجل بيده.
ـ من أنواع الكسب الحرام: الربا، الاحتكار، القمار، التجارة بالمخدرات، تطفيف الكيل والتلاعب بالموازين، السرقة، أكل أموال الناس بالباطل...
ـ أثبت العلم الحديث أنّ الطعام الحلال المفيد الكامل له أثر طيّب على السلوك.


الدرس الثاني:



نص الحديث الشريف:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: ( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشَرَ حَسَنَاتِ إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عنِْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ) رواه البخاري ومسلم.
التعريف براوي الحديث:
هو الصحابي الجليل أبو العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنه، بن عمّ رسل الله صلى الله عليه وسلم ، رضي الله عنهما. وُلد قبل الهجرة بثلاث وستين. كان من أغزر الصحابة علماً، دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اللَّهُمَّ فَقِّّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ الحِكْمَةَ وَالتَّأْوِيلَ )، فكان يُسمَّى البحر لسِعَة عِلمه، وكان عُمَر رضي الله عنه يدنّيه من مجلسه ويستعين به ويستشيره. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 1660 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة وتسعين، وانفرد البخاري بثمانية وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين. توفي رضي الله عنه وأرضاه بالطائف سنة 68 للهجرة ودفن بها.
معاني المفردات:
-الحديث القدسي: هو الحديث الذي يضيف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً إلى الله عزّ وجلّ.
-كتب: قدّر مقادير الحسنات والسيّئات.
-الحسنات: كل ما فيه خير.
-السيّئات: كل ما فيه شر.
- بيّنَ: وضّح وفصّل
-همّ: عزم ونوى.
-يعملها: يقوم بها في الواقع.
-كتبها: أمر الله الملائكة بكتابتها وتثبيتها.
-عنده: أي في الملء الأعلى، و"عنده " للتشريف.
-كاملة: من غير تنقيص.
المعنى الإجمالي للحديث:
من فضل الله تعالى على هذه الأمّة ورحمته الواسعة بمضاعفة الحسنات والتجاوز عن السيّئات. فإذا قصد المسلم الخير ولم يفعله كتب الله له بذلك حسنة واحدة لقاء نيّته الحسنة وسريرته الطيّبة، وإذا فعل الخير وحقّقه في الواقع فله بذلك أفضل الجزاء وأجزل الأجر ويضاعفه الله له أضعافاً كثيرة ما لا يعلمه إلا الله العليم القدير. أمّا إذا همّ بفعل سيّئ ثم تجّنبه خشية من الله فله بذلك حسنة تشجيعاً له على ترك المنكر، أمّا من يفعل السّوء ويصنعه في الواقع فيؤذي به نفسه أو غيره فمن عدل الله أنّه لا يمدّ له في الوزر وإنّما يكتب له بذلك سيّئة واحدة، وليس ذلك تشجيعاً على المنكر وإنّما ترغيباً في التوبة والرجوع إلى الله الذي يستطيع العذاب ويصفح ويغفر، وإن تاب العبد المذنب عفا الله عنه وبدّل سيئاته حسنات، انظر إلى فضل الله وكرمه في قوله: ( مَثَلُ الْذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَّشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة 261. ومن فضل الله كذلك أنّه جعل الحسنات سبب إزالة السيّئات فقال الله تعالى: ( إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) هود الآية 114. فالحديث يحثّ على العفو والصفح وسعة الصدر، وهو دلالة واضحة على فضل الله وعدله ورحمته بعباده.
ما يستفاد من الحديث:
ـ فضل الله على هذه الأمّة ورفع الإصر عنها.
ـ عدم الإصرار على المعصيّة، والاستعاذة بالله تعالى من كلّ وسواس أو هاجس.
ـ الترغيب في العمل الصالح ولو كان قليلاً، فإنّ الله تعالى يضاعف الأجر الصغير حتى يُصبح كبيراً.


الدرس الثالث:

نص الحديث الشريف:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبَهُ حَسَناً وَنعْلَهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُ الجَمَالَ، الكِبْرُ بَطْرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ). رواه مسلم.
التعريف براوي الحديث:
هو الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهذلي، حليف بني زهرة. أسلم قديماً. وكان رضي الله عنه صاحب الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة المنوّرة. وكان أوّل من جهر بالقرآن عند مقام الكعبة، قرأ سورة الرحمن. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكرمه، وكان مشهوراً بأنّه صاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وليّ قضاء الكوفة في خلافة عمر رضي الله عنه، وصدراً من خلافة عثمان رضي الله عنه، ثم رجع إلى المدينة المنوّرة.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 848 حديثاً، أخرج البخاري ومسلم منها أربعة وستين، وانفرد البخاري بواحد وعشرين، ومسلم بخمسة وثلاثين.
توفي رضي الله عنه سنة 32 هـ بالمدينة المنوّرة ودفن بالبقيع.
معاني المفردات:
-مثقال ذرّة: وزن أصغر شيء.
-كِبر: الكبر هو الارتفاع على الناس واحتقارهم، ودفع الحق.
-رجل: قيل الرجل الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم هو مالك بن مرارة الرهاوي، وقيل معاذ بن جبل، وقيل عبد الله بن عمرو بن العاص..
-حسن: جميل ولائق.
-نعله: النعل هو الحذاء.
-جميل: صاحب الأسماء الحسنى وصفات الكمال. وذو النور والبهجة.
-بطر الحق: ردّه وعدم الإذعان له.
-غَمْط الناس: احتقارهم وازدراؤهم.
المعنى الإجمالي للحديث:
التكبّر من كبائر الإثم التي نهى عنها الإسلام وحذّر منها أشدّ تحذير، وهو من العوامل التي تُبعد الإنسان عن الهداية إلى الطريق المستقيم، وتتسبّب في السُخط الإلهي، قال الله تعالى:
( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الْذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ ) الأعراف 146.
وقال عزّ وجلّ: ( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْتَكْبِرِينَ ). النحل 23. وقال جلّ وعلا: ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ). غافر 35.
والكبر من آفات المجتمعات في كلّ عصر ومصر لأنّ أضرارها لا تحصى:
فهو الأنانية الطاغية التي تصرف عن محبّة الغير وتقديم الخدمات للمجتمع. وهو المولّد للضغائن والمنازعات بين أفراد المجتمع. وهو الذي يصمّ الآذان عن كل نصيحة من الغير فيجرّ إلى الخسران المبين.
والتكبر على الناس يجرّ إلى التكبر على الله، وهناك الهلاك الأكيد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَكَبَّرُ وَيَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَى يُكْتَب فِي الجَبَّارِين فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُم). رواه مسلم.

وأهمّ أسباب التكبر:
اعتقاد الإنسان أنه مميّز على غيره بالعلم، أو المال، أو النسب، أو الجاه، أو القوة، أو كثرة الاتباع.
وعلاج الكبر أن يعوّد الإنسان إلى نفسه بأن يتأمّل في منشأ خلقه، فهو من تراب ومن ماء مهين، ثم يموت فيقبر حيث يعود جيفة نتنة، قال الله تعالى: ( قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيْ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمِّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرُ ). عَبَسَ 17/21.
ومظاهر التكبّر كثيرة أهمّها:
ـ استعظام النفس، واحتقار الغير، ورفض الانقياد بالحق والرضوخ له.
ـ الاختيال في المشية، قال الله تعالى: ( وَلَا تُصَاعِرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً اِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ). لقمان 18.
ـ رفض النصيحة والاستنكاف عن الحق، قال الله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِيسَ المَهَادِ ). البقرة الآية 204/206.
ـ محبّة أن يسعى الناس إليه ولا يسعى هو إليهم وأن يمثّلوا له قياماً إذا قدم أو مرّ بهم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَثّلَ لَهُ الرِّجُالُ قِيَاماً فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مَنَ النَّارِ ) رواه أبو داود.
ـ محبّة التقدّم على الغير في المشي أو في المجلس أو في الحديث أو نحو ذلك.
ما يستفاد من الحديث:
ـ عندما تكبّر إبليس ولم يذعن لأمر الله ابتلاه الله بالذلّة وطرده من الجنّة مهاناً.
ـ الكبر ينمّ عن خِفَّة في العقل.
ـ حقيقة التكبّر إنكار الحق وسلب حقوق الناس.
ـ ليس من الكبر الاعتناء بالمظهر.


الدرس الرابع:

نص الحديث الشريف:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى .) رواه البخاري ومسلم.
التعريف براوي الحديث:
هو النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري المكنّى بأبي عبد الله، وهو أوّل مولود في الإسلام من الأنصار، وُلد بعد الهجرة بأربعة أشهر ولأبيه صحبة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، تولّى قضاء الشام، ثم استعمله معاوية رضي الله عنه على الكوفة، وكان من الخطباء المشاهير. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مئة وأربعة عشر حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على خمسة منها، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بأربعة.
قُتل رضي الله عنه بالشام سنة 64 هـ، ودُفن هناك.
معاني المفردات:
-مَثَل: صفة وحال.
-توادّهم: تزاورهم وتواصلهم الجالب للمحبة.
-تراحمهم: أن يرفق بعضهم على بعض بسبب أخوّة الإيمان.
-تعاطفهم: أن يعاون بعضهم بعضاً عند الشدائد.
-سائر الجسد: باقي الجسم.
-الحمّى: الحرارة المرتفعة التي تسري في جميع البدن وتؤلمه.
المعنى الإجمالي للحديث:
يمثّل الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين في هذه الصفات الثلاث بالجسد الواحد، فكما أنّ الجسد إذا مرض منه عضو تألّم له الباقي، فلم يذق نوماً، سرت إليه حرارة الحمّى، فآلمته، فكذلك المؤمنون حقيقة إذا نابت واحد منهم نائبة شعر بألمه الباقون، فسرعوا بما فيهم من العواطف لدفع الألم عنه، وجلب الخير له، فالمسلمون في مجموعهم كشخص واحد وكل فرد منهم بالنسبة للمجموع كالعضو بالنسبة للشخص، فالخير يصيب الواحد منهم كأنّما أصاب كلهم، والشرّ ينوبه كأنما ناب جميعه، فليعتبر بهذا الحديث بعض الأمم الإسلامية التي لا تألم لما يصيب جارتها، بل ربنا ساعدت عدوّها على القضاء عليها.
فالمؤمنون شأنهم التعاون والتناصر، والتظاهر والتكاتف على مصالحهم الخاصّة، والمصالح العامّة قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ العُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ). المائدة الآية 2. ذلكم هو سلاح الائتلاف والاتحاد والوفاق، سلاح ضمّ اليد إلى اليد، والأخ للأخ، وترك النزاع جانباً.
ما يستفاد من الحديث:
ـ حثّ المسلمين على التعارف والتواصل.
ـ التعاون بين المسلمين سبيل النجاح والنجاة.
ـ التعاون بين المسلمين سلاح ماض وجيش غلاب وعدّة عتيدة.
ـ من ثمار الإيمان الشعور بألم المسلمين.



الدرس الخامس:

نص الحديث الشريف:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الجَلِيسُ الصَّالِحِ وَالسُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ فَحَامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذّيكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً وَنَافِخِ الكِيرِ إِمَّّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً). رواه البخاري.
وفي رواية أخرى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ الجَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ ). رواه أبو داود والنسائي.
التعريف براوي الحديث:
* هو الصحابي الجليل أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري ( نسبة إلى الأشعر قبيلة باليمن). قَدِم مكّة وأسلم وعاد إلى قومه وأسلم معه نحو خمسين رجلاً من قومه. وكان حَسَن الصوت بالقرآن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّكَ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ ).استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، وساحل اليمن. وولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البصرة والكوفة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 360 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم مها على تسعة وأربعين، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة عشر. توفي رضي الله عنه وأرضاه بالكوفة سنة 50 هـ عن ستين سنة.
الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر الخزرجي الأنصاري، أمّه أمّ سليم رضي الله عنها، أهدته أمّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين، لازم خدمته عليه الصلاة والسلام عشر سنين، تعلّم منه الأخلاق والمثل العليا، وكان حَسَن الصلاة وكثيرها، قال أبو هريرة فيه: ما رأيت أحداً أشبه بصلاة النبيّ من أنس. دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( اللَهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ ).
روى عن النبي عليه الصلاة والسلام الكثير من الأحاديث بلغت ألفين ومئتين وستة وثمانين حديثاً، اتّفق الشيخان منها على مئة وثمانية وستّين حديثاً، وانفرد البخاري بثمان، ومسلم بسبعين. توفي رضي الله عنه عن عمر تجاوز المئة وذلك سنة 93 هـ.
معاني المفردات:
-مَثَل: صفة وحال.
-الجليس: المجالس القاعد معك.
-المسك: نوع جيد من الطِيب يؤخذ من الغزال.
-صاحب المسك: بائع الطيب وإن لم يكن مسكاً.
-يحذيك: يعطيك.
-تبتاع: تشتري.
-أصابك: حلّ بك.
-الكير: جراب من جلد تنفخ به النار.
-صاحب الكير: الحداد، الذي يصنع آلات الحديد.
-سواده: شرار ناره حيث يسود بعد أن ينطفئ.
المعنى الإجمالي للحديث:
يحثّ الرسول الأكرم على أن نحسن اختيار الصديق والرفيق حيث شبّه الرسول صلى الله عليه وسلم حال الجليس النافع والصديق الصالح بحال بائع المسك، فإنّك تنتفع به إذا اشتريت منه أو أهدى إليك بعض طيبه، وإذا لم يحصل ذلك فإنّك تشمّ رائحة الطيب الزاكية، وكذا الصديق الصالح تتبادل معه الحديث فيما يعود عليكما بخيري الدنيا والآخرة، أو يكون النصح والتوجيه من جانبه فقط فتنتفع بنصائحه وإرشاداته، أو لا يكون هذا ولا ذاك ولكن تنظر إلى وجهه وحال صلاحه فتتبع طريقته وتحاول أن تكون مثله فتزكو في نفسك محبّة الخير والصلاح.
وشبّه النبي صلى الله عليه وسلم حال الجليس السيّئ الطباع والصديق الفاسد الأخلاق بحال الحدّاد الذي ينفخ الكير، فإنّه إذا طار شراره ووقع على ثيابك أحرقها بناره، وإذا لم يكن هذا فكفى أنّك تشمّ رائحة الدخان الكريهة وتضيق أنفاسك منها، وكذا الصديق الفاسد فإنّه قد يحملك أن تشاركه في أعمال الضرر والفساد وتسري عدوى الأخلاق الفاسدة إليك سريعاً فتصير عضواً فاسداً وإنساناً شرّيراً، وإذا أخذت الحذر والحيطة ولم تشاركه في فساده فإنّك لا تخلو من الضيق به ولا تسلم من التهمة وسوء السمعة بأنّك تصاحب الأشرار.
فرحم الله مسلماً كرّم نفسه وابتعد عن مواطن الشبهات واختار أصدقاءه ورفاقه من الطيبين المخلصين الطاهرين.
ما يستفاد من الحديث:
ـ ‏قال رسول الله ‏ ‏ صلى الله عليه وسلم: (‏ ‏الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُر أَحَدُكُم مَنْ ‏ ‏يُخَالِل) رواه الترمذي، إن الصحبة الصالحة شرط لبلوغ مقام اليقين.
ـ إن الظَّفَر بصحبة صالحة في زمن الفتنة لممّا يعينك على صلاح حالك مع الله سبحانه وتعالى وتقويم خُلقك وسلوكك مع الخَلق.
ـ الصحبة الصالحة تقويك على الطاعة وتجنّبك المزالق والهفوات. تذكرك إذا نسيت، وتنصحك إذا انحرفت. إنّها ظَفَر لك في الدنيا وذخر لك في الآخرة.


الدرس السادس:

نص الحديث الشريف:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على دابة فقال: ( يَا غُلَام، إِنِي أُعَلِمُكَ كَلِمَاتٍ: اِحْفَظِ اللهِ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللهِ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ). رواه الترمذي.
التعريف براوي الحديث:
قد سبق التعريف به في درس ( سعة فضل الله وعدله وقدرته تعالى ).
معاني المفردات:
-الغلام: الصبي الذي لا يتجاوز التسع سنين.
-أعلمك كلمات: أدلّك إلى أمر ينفعك الله به.
-احفظ الله: اتّق الله وتعرّف عليه.
-يحفظك: يقيك من الشرور والمهالك.
-سألت: دعوت، وأردت السؤال.
-استعنت: طلبت الإعانة والمساعدة.
-الأمّة: جميع الخلق.
-ينفعوك: يحقّقون لك ما تريد.
-بشيء: ولو بسيط وقليل.
-كتبه الله: قدّره الله وقضاه.
-رُفعت الأقلام وجَفّت الصحف: أي أنّ ما قضاه وقدّره الله للإنسان لا يستطيع أي مخلوق تغيّيره.
المعنى الإجمالي للحديث:
هذا الحديث الذي أمامنا تعبير عجيب يحمل في بساطته حقيقة التوّكل على الله وحده الذي هو أعلى درجات الإيمان، ويكون ذلك بعلم واع لصفات الله العلى وأسمائه الحسنى، وفهم دقيق لتعاليمه العادلة التي أنزلها لعباده، وترجمتها إلى واقع منظور، من خلال التوسّل إلى الواحد القهار في المنشط والمكره بالدعاء والتضرّع، والاستعانة به وحده، لأنه ليس لأحد من خلقه أن يضرّ أو ينفع، أو يزيد أو أن ينقص في الصحيفة التي كتب الله فيها أقدار خلقه.
وعلى المؤمن بالله أن يعلم أن جميع الخلق لا يملكون له ضراً ولا نفعاً وإن حاولوا بأقوالهم وأفعالهم. فإذا أطاع الله في الرَّخاء واتبع هديه كان معه عند الشدّة والحاجة ويجعل له مخرجاً وفرجاً.
هذا الإيمان الكامل يحصّن الفرد من وساوس نفسه، ويقيه من مشاكل الدنيا النفسية والاجتماعية التي لا تنتهي، ويريح ذهنه من تعب الشرود، وعقله من عناء التفكير في إرضاء الغير، ويحرّر توجهه لله الخالق المنعم.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اِحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ تَعَرَّف عَلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَاعْلَم أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبكَ وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئكَ وَاعْلَم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرَبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً ) رواه الترمذي.
ما يستفاد من الحديث:
ـ إنّ كمال الإيمان ثمرة العلم والتصديق بالقلب والتوكّل على الله وحده وإذا قوي صار يقيناً، وثمرته العمل الحسن والسلوك الطيّب.
ـ التعرّف على الله والاتصال به من أهمّ الوسائل لقضاء الحاجات.
ـ الاستعانة بالخلق فيما يقدرون على حوائج الدنيا لا يتعارض مع التوكّل على الله.
يتبع....









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-04-21, 18:07   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

القيم الإيمانيّة والتعبديّة
قال الله تعالى:
( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالاِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِّنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُّطْعِمُونِ
إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ )
الذّاريات 56 / 58.




الدرس الأول:





إنّ صفات الله تعالى وأسماءه الحسنى لها في نفس المؤمن إشراقة روحية يحسّ بها من صفا بالإيمان قلبه، وزكت بنور أسماء الله وصفاته نفسه، وتلذّذ بالمعرفة بربّه شعوره الداخلي ووجدانه.
فالمؤمن الذي يوقن بأنّ الله تعالى متّصف بكلّ صفات الكمال منزّه عن كلّ نقص، وبأنه موجوداً لا أوّل له، وباق بقاء لا نهاية له، والذي يؤمن بأنّ الله تعالى واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله إيماناً صادقاً واعياً، فإنّه يعيش مع ربّه، ويقيم على الطهر حياته، ويملأ بالأمل قلبه ويشيع النور في بيته ومجتمعه، ويفيض الخير على من عاشره وعرفه.
صفات الله تعالى:
اتّفق العلماء على أنّه يجب في حقّ الله تعالى اتّصافه بكلّ كمال يليق بجلاله وعظمته. ويستحيل في حقّه تعالى أن يتّصف بأيّ صفة من صفات النقص التي لا تليق بجلاله تعالى. هذا على سبيل الإجمال، أمّا على سبيل التفصيل فإنّ أكثر العلماء اتّفقوا على أنّ الله تعالى يجب عقلا أن يتّصف بثلاث عشرة صفة، عليها مدار الألوهية وعظمة الربوبية. ويستحيل في حقّه تعالى ضدّ هذه الصفات.
وإليك تفصيل ما يجب في حقّه سبحانه وتعالى وما يستحيل:
الرقم
الواجب في حق الله تعالى
المستحيل في حق الله تعالى
الرقم
الواجب في حق الله تعالى
لمستحيل في حق الله تعالى
01
الوجود
العدم
08
الإرادة
الكراهية
02
الوحدانية
التعدّد
09
القدرة
العجز
03
القدم
الحدوث
10
الحياة
الموت
04
البقاء
الفناء
11
السمع
الصمم
05
المخالفة للحوادث
المشابهة للحوادث
12
البصر
العمى
06
القيام بالنفس
الاحتياج إلى الغير
13
الكلام
البكم
07
العلم
الجهل
وجود الله تعالى:
* تعريف وجود الله تعالى: إنّ الله الخالق الذي يستحقّ العبادة موجود بذاته وبصفاته وبأفعاله.
* الدليل على وجود الله: هل أنت تحتاج إلى أدلّة تثبت لك أنّ الله الخالق البارئ الواجد موجود ؟ إنّ الحقيقة الإنسانية والفطرة البشرية تكذّبان هذا الإدعاء. فما من إنسان إلَّا وعنده شعور ذاتي أقوى من الشعور بالجوع والعطش بأنّه مخلوق، وأنّ له خالقاً.
قال تعالى: ( أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ بَلْ لَّا يُوقِنُونَ ) الطور الآية 35/36.
وهذا الشعور الفطري يستيقظ عند وجود مثير يبعث على اليقظة، من ألم ينزل أو ضرّ يحيط، قل الله تعالى: ( وَإِذَا مَسَّ الاِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً اَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ) يونس الآية 12.
وحدانية الله تعالى:
تعريف الوحدانية:
أنّ الله تعالى واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله. فليس في الوجود ذات تشبه ذات الله تعالى وليس أحد متصفاً بصفة تشبه صفة الله تعالى وليس لأحد غير الله فِعل يشبه فعل الله تعالى. قال الله تعالى: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُؤًا أَحَدٌ) سورة الإخلاص.
الدليل على أنّّ ذات الله واحدة:
قال الله تعالى:
ـ ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء الآية 22.
ـ ( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَّلِدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ اِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) المؤمنون 91.
ـ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ ) سورة الإخلاص.
العلم طريق إلى الإيمان:
يظن بعض الناس الذين لم يدركوا من العلم إلا قليلاً إن الكفر من ضروريات العلم وإن أكثر الناس علماً هم أشدّهم إلحاداً .
والحقيقة أن العلم لا يؤدي بصاحبه إلى الإلحاد في أيّ عهد من العهود، فإنّ العالِم المنقّب عن الحقائق يجد نفسه في هذا الوجود في عالَم لا حدّ له. والعلماء بما أُوتوا من صفات النظر العميق والتحقيق الدقيق يقفون على أسرار الإبداع الإلهي في الوجود ممّا لا يظهر لغيرهم .
فالتفكير والبحث والتأمّل باستعمال العقل والقلب في الخلق هو الطريق الوحيد إلى معرفة الله ومعرفة كماله، وبذلك ينشأ الإيمان الحقيقي.
قال الله تعالى: ( أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الاَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوَ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ ) الحج الآية 46.
( أَوَ لَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُواْ فِي الاَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شِيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت الآية 19/20.
هذا الكون آية على وجود الله:
من أعظم الدلائل على وجود الله: خلق الكون، فالأرض التي نعيش عليها والمجموعة الهائلة من النجوم التي تتراءى لنا تُبهر الناظر عند التأمّل فيها، فتقف النفس أمامها حائرة تسودها الرهبة و يسيطر عليها الإعجاب، فتزداد إيماناً بعظمة الخالق .
والقرآن الكريم كثرت فيه الآيات التي تدعو الإنسان بأن يوجه نظره إلى خلق هذا الكون - من سمائه و أرضه - وتدعوه إلى التفكر في أسراره ليدعم إيمانه ويطرد الشك من نفسه قال الله: ( قُلُ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ) يونس الآية101.
فالقرآن يصرّح بأن الإلحاد إذا استمر بعد النظر في هذا الكون وما فيه من حِكم وأسرار تدلّ على التصميم وعلى وجود خالق له، فليست هناك أدلّة أقوى من هذه،كما أنه لن يؤثر في الملحدين أي دليل آخر.
فالمؤمنون هم الذين يستدلون بخلق هذا الكون على وجود الله، جاء في القرآن ( خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُومِنِينَ ) العنكبوت الآية 44، وجاء أيضاً ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ لَآياتٍ لِّلْمُومِنِينَ ) الجاثـية الآية 3.
أقوال العلماء في وجود الله:
من أقوال الفقهاء:
ـ قال أبو حنيفة: ما تقولون في رجل يقول لكم: إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة من الأثقال قد احتوشها في لجّة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة وهي من بينها تجري مستوية ليس لها ملاّح يجريها، ولا متعهّد يدفعها. هل يجوز ذلك في العقل ؟ قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل، فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله ! إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهّد ولا مُجْر فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها، وتغيّر أعمالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ ؟.
ـ سئل الشافعي رحمه الله، ما الدليل على وجود الله ؟ فقال: ورقة التوت، طعمها ولونها وريحها وطبعها واحد عندكم، فتأكلها دودة القز فيخرج منها الحرير، والنحل فيخرج منها العسل، والشاة فيخرج منها البعر، وتأكلها الظباء فيعقد في نوافجها المسك، فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحد؟
من أقوال الفلاسفة والعلماء:
ـ قال ديكارت فيلسوف فرنسي: إني مع شعوري بنقص ذاتي أحسّ في الوقت ذاته بوجوب وجود ذات كاملة وأراني مضطر للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليّة بجميع صفات الكمال وهي الله.
ـ وقال: إني لم أخلق ذاتي بنفسي، وإلا فقد كنت أعطيتها جميع صفات الكمال التي أدركها. إذن أنا مخلوق بذات أخرى، وتلك الذات يجب أن تكون حائزة جميع صفات الكمال، وإلا اضطررت أن أطبق عليها التعليل الذي طبّقته على نفسي.
ـ قال نيوتن وهو أكبر علماء الفلك في عصره:كيف تكوّنت أجسام الحيوانات بهذه الصناعة البديعة ولأي المقاصد وضعت أجزاؤها المختلفة ؟ هل يُعقل أن تُصنع العين الباصرة بدون علم بأصول الإبصار ونواميسه ؟ والأذن بدون علم بقوانين الصوت ؟ كيف يحدث أنّ حركات الحيوانات تتجدّد بإرادتها ومن أين جاء هذا الإلهام الفطري في نفوس الحيوانات ؟
شبهات منكري وجود الله والردّ عليها:
الماديون لا يعتقدون أن للوجود خالقاً بل يقولون بأنّ كلّ ما في الوجود أزلي صادر عن المادة، والنواميس الطبيعية نشأت على سبيل الصدف وبلغت من الكمال والارتقاء عن طريق التطورات المتعاقبة، وقد سرت تعاليم المادة إلى بعض الناس فألحدوا فتصدى كثير من العلماء للرّدّ على هؤلاء وبيان فساد مزاعمهم، وإليك بعضاً من أقوالهم :
ـ نظرية الصدفة: فسّرت الصدفة بحدوث شيء أو ظاهرة دون سبب ولا مرجع.
الرّدّ على هذه الشبهة:
لنفرض أنّ معك كيساً يحوي مئة قطعة رخام، تسع وتسعون منها سوداء وواحدة بيضاء. والآن هزّ الكيس وخذ منه واحدة: إنّ فرصة سحب القطعة البيضاء هي بنسبة واحد إلى مئة، والآن أعد قطع الرخام إلى الكيس، وأبدأ من جديد: إن فرصة سحب القطعة البيضاء مرتين متواليتين، هي بنسبة واحد إلى عشرة آلاف. والآن جرّب مرّة ثالثة، إن فرصة سحب تلك القطعة البيضاء ثلاث مرّات متوالية هي نسبة مئة مرّة عشرة آلاف أي بنسبة واحد من المليون، ثم جرّب مرّة أخرى أو مرّتين، تصبح الأرقام فلكية.
* قال جون وليام كلوتس وهو عالم في الوراثة: إن هذا العالم الذي نعيش فيه، قد بلغ من الإتقان والتعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشأ بمحض المصادفة، إنه مليء بالروائع والأمور المعقّدة التي تحتاج إلى مدبّر، والتي لا يمكن نسبتها إلى قَدَرٍ أعمى. ولا شك أن العلوم قد ساعدت على زيادة فهم وتقدير ظواهر هذا الكون المعقّدة، وهي بذلك تزيد من معرفتنا بالله ومن إيماننا بوجوده.
ـ نظرية التصور المادي: أي لا وجود إلا للمادّة التي تدركها الحواس.
الرّدّ على هذه الشبهة:
الذين لا يؤمنون إلا بالمادة هم لا ينكرون وجود الجاذبية وقوانينها ولم يشاهدوها، بل رأوا آثارها، ويؤمنون بالعقل ولم يروه بل رأوا آثاره، ويؤمنون بالمغناطيسية وقد شاهدوا فقط الجذّاب الحديد إلى الحديد دون رؤية الجاذب. فواقع أمرهم يدلّ على أنهم آمنوا بأشياء لم تدركها حواسهم، ولكن آثارها هي التي دلّتهم عليها وهم فيها على يقين لا يخلطه شكّ.
ـ نظرية التطور: التطور هو تغيّر هذه المخلوقات من حال إلى حال آخر يختلف تماماً عن الأصل.
الرّد هذه الشبهة:
قال أوستن كلارك العالم البيولوجي: لا توجد علامة واحدة تحمل على الاعتقاد بأن أياً من المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيره، إنّ كلّ مرحلة لها وجودها المتميّز الناتج عن عملية خلق خاصة ومتميّزة .. لقد ظهر الإنسان على الأرض في نفس الشكل الذي نراه عليه الآن.
دليل الإتقان على وجود الله:
هذه السماء وما فيها من بلايين النجوم المشتعلة والكواكب السيارة التي يحفظها قانون الجاذبية من أن تتصادم أو يرتطم بعضها بالكواكب السيارة والتي يحفظها قانون الجاذبية من أن تتصادم أو يرتطم بعضها بكوكبنا الأرضي الذي نعيش عليه فتنسفه. هذه الكرة الأرضية التي نعيش عليها وما فيها من نبات وحيوان وجبال وبحار كل ذلك لمنفعة الإنسان، إنّ هذا من البراهين القوّية على وجود قدرة إلهية حكيمة وعلى بطلان مزاعم الماديين بأن الكون وُجد صدفةً .
يقول العلَّامة كريسي موريسون: " إنّ استعراض عجائب الطبيعة ليدلّ دلالة قاطعة على أنّ هناك تصميماً وقصداً في كلّ شيء، وثمّة برنامجاً ينفّذ بحذافيره طبقاً لمشيئة الخالق جلّ وعزّ ويقول: إنّ حجم الكرة الأرضية، وبُعدها عن الأرض، وبُعدها عن الشمس، ودرجة حرارة الشمس أشعتها الباعثة للحياة، وسُمك قشرة الأرض وكميّة الماء، ومقدار ثاني أكسيد الكربون، وحجم النتروجين، وظهور الإنسان وبقاء الحياة كلّ أولاء يدلّ على خروج النظام من الفوضى وعلى التصميم والقصد ".
إنّ هذا التصميم والقصد هو الذي لفت القرآن إليه الأنظار في آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَاخْتِلافِ اليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالاَرْضِ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة الآية 164.
فالأرض كرة معلّقة في الفضاء تدور حول نفسها فيكون بذلك الليل والنهار وبالتالي فإن دوران الأرض له تأثير على تحرّكات الرياح، والرياح تنقل بخار الماء من المحيطات إلى مسافات بعيدة داخل القارات حيث يمكن أن يتكاثف ويتحوّل إلى مطر، والمطر مصدر الماء العذب ولولاه لأصبحت الأرض جرداء خالية من كل أثر للحياة .
هذا مع العلم أنّ ما وضعه الله من العناصر التي يمتصها النبات ويحولها إلى أنواع مختلفة من الغذاء يفتقر إليها الحيوان .
هذه حقائق علمية عن سرّ الحياة على هذه الأرض فصّلته الآية القرآنية وبيّنت وجود التصميم في الطبيعة والعلاقة المنتظمة بين عناصرها كافة وهي دلائل واضحة على وحدانيته سبحانه وتعالى عن طريق العقل كما هو مطلوب في الآية : ( .. لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة الآية 164.
وجاء في القرآن وصف قدرته سبحانه وتعالى : ( وَهُوَ الذِي مَدَّ الاَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اليْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الرعد الآية 3.
فالرواسي في هذه الآية هي الجبال التي يحسبها الجاهل فضلة في الأرض لا حاجة إليها ولكنها ذات فائدة عظيمة إذ ينزل عليها الثلج فيبقي في ثناياها حافظاً لشرت الناس يذوب بالتدريج فتسيل منه الأنهار، ومن الماء تخرج أصناف متنوعة من الثمرات تتوقف حياتها على اختلاف الليل والنهار بهذا الطول المعروف الآن، فلو كان نهارنا وليْلنا أطول مما هما الآن عشر مرات لأحرقت شمس الصيف نباتاتنا نهاراً، ولتجمّد ليلاً كل نبات في الأرض.
هذه هي الحقائق التي ذكرتها الآية القرآنية والتي تبيّن وجود التصميم في الطبيعة ووجود إرادة حكيمة وهي إرادة الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد.
التنسيق في الكون دليل على وحدانية الله تعالى:
إنّ هذا الكون وما فيه من النجوم التي يعجز العقل الإنساني عن معرفتها، أو الإحاطة بعددها، وعلى كثرة عددها فإنّ لكلّ نجم موقعاً ومساراً تسير فيه، لا تتعدّاه ولا تخرج عنه، ولو تعدّاه لاصطدم بآخر ممّا يؤدّي إلى اضطراب نظام الكون، واستحالة الحياة فيه، ووجود هذه النجوم يهتدي بها الإنسان في سيره وحلّه وترحاله حيث يستطيع أن يحدّد الاتجاهات.
فإذا رفعنا أعيننا نحو السماء، فلا بدّ أن يستولي علينا العجب من كثرة ما نشاهده فيها من النجوم والكواكب السابحة فيها، التي تتّبع نظاماً دقيقاً لا تحيد عنه قيد أنملة، مهما مرّت بها الليالي، وتعاقبت عليه الفصول والأعوام والقرون، إنها تدور في أفلاكها بنظام يمكّننا من التنبؤ بما يحدث من الكسوف والخسوف قبل وقوعه بقرون عديدة، فهل يظن أحد بعد ذلك أن هذه الكواكب والنجوم قد لا تكون أكثر من تجمعات عشوائية من المادة تتخبط على غير هدى في الفضاء ؟ وإذا لم يكن لها نظام ثابت، ولم تتّبع قوانين معيّنة فهل كان من الممكن أن يثق الإنسان بها، ويهتدي بهديها في خضمّ البحار والمحيطات، وفي متاهات الطرق الجويّة التي تتبعها الطائرات ؟ فلا شك أن الأجرام السماوية تخضع لقوانين خاصة وتتّبع نظاماً معيّناً، وأنّها ليست حرّة تتخبّط في السماء كيف تشاء.. ولا يسع الإنسان إلا أن يمجّد الله الذي وضع ذلك النظام الرائع وتلك الدقّة البالغة التي تعبّر عن تماثل السلوك وتجانسه الذي يؤكد أن خالق هذا الكون واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله.
بعض أمثلة التنسيق:
الهواء: الذي نستنشقه مركّب من عدّة عناصر منها جزءان هامّان: جزء صالح لتنفس الإنسان، ويسمى باصطلاح الكيميائيين الأكسيجين، وجزء ضار به ويسمى الكاربون. فمن دقائق الارتباط ( التنسيق ) بين وحدات هذا الوجود والمعجز أن هذا الجزء الضار بالإنسان يتنفّسه النبات وهو نافع له. ففي الوقت الذي يكون الإنسان يستنشق الأكسيجين ويطرد الكاربون، يكون النبات يعمل عكس هذا.
وتتمّ عملية التوازن بين الصادر والوارد من غاز الفحم البحر، فإنه يمتص كل زيادة موجودة في الجو إذا بلغت هذه الزيادة فوق الحدّ المناسب، فانظر إلى الرابطة التعاونية التكاملية بين الإنسان والنبات والبحر في شيء أهم عناصر الحياة وهو التنفّس.
الطعام: أنت تأكل الطعام وهو مركّب من عدّة عناصر نباتية أو حيوانية يقسمها العلماء إلى بروتينات ونشويات ودهنيات وفيتامينات ومعادن.
الزَهرة: ترى الزهرة في النبات ولها أوراقاً جميلة جذّابة ملوّنة بألوان مبهجة، فإذا سألت علماء النبات عن الحكمة في ذلك أجابوك بأنه إغراء للنحل وأشباهه من المخلوقات التي تمتصّ رحيق الأزهار لتسقط على الزهرة حتى إذا وقفت على عيدانها علقت حبوب اللقاح بأرجلها وانتقلت بذلك من الزهرة الذّكر إلى الزهرة الأنثى فيتمّ التلقيح. فبعض النباتات تلقّح نفسها بنفسها، وبعضها يأتيها اللقاح بواسطة الهواء والحشرات من نبتة أخرى.
فسبحان القائل: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهَ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء الآية 22.
فلو كان للكون صانعان فعند اختلافهما مثلاً أن يريد أحدهما تحريك جسم ويريد الآخر تسكينه، أو يريد أحدهما إحياءه والآخر إماتته: فإمّا أن يحصل مرادهما، أو يحصل مراد أحدهما ، أو لا يحصل مرادهما.
والأوّل ممتنع، أنّه يستلزم الجمع بين الضدّين، والثالث ممتنع لأنّه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون، وستلزم أيضاً عجز كل منهما، والعاجز لا يكون إلهاً وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان هذا هو الإله القادر، والآخر عاجز لا يصلح للألوهية.

الدرس الثاني:


الإيمان:
معنـاه: التّصديق الجازم الذي لا شكّ معه ولا ظنّ.
أركانه: الإيمان بالله، الإيمان بالملائكة، الإيمان بالكتب، الإيمان بالرسل، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالقضاء والقدر.
ضرورة الإيمان:
تتّفق آراء الأطباء أن أخطر ما يهدّد سلامة الإنسان في عصره الحالي وعصوره المقبلة الشعور بالوحدة، هذا الإحساس الذي يتوّلد في نفس الإنسان لظروف خارجة عن إرادته إذ يتولاه في وقت معيّن وفي مكان محدّد أو بنتيجة إحساس داخلي فنجده قد نفر من الناس وانزوى عن المجتمع، وبدأ يتطوّر هذا الإحساس إلى شعور مدمّر بوحدة قاتلة فتسبّب له ضيقاً في صدره ويأساً من عمله وفشلاً في حياته، وبذلك يتهدّد مستقبله وينتهي دوره الإيجابي في الحياة. فقرّر الأطباء العلاج الناجع بعد بحث طويل ومحاولات عديدة وهو أن يغرس الإنسان الشعور بأنه ليس وحيداً وأنه مهما كان فلن يكون في لحظة ما بمفرده، ونصح الأطباء والعلماء أن يتعلّم الإنسان منذ طفولته أنه إذا كان يسير على جانب من الطريق فإن الله على الجانب الآخر.
وهذا الإيمان الجازم له آثار قوية في حياة الفرد والمجتمع معاً:
1) آثار الإيمان في حياة الفرد:
ـ الطمأنينة: وهي أهم عنصر في حياة الإنسان فكلما فقد الإيمان زادت المشاكل وقلَّ الأمن النفسي، ومن فقد الطمأنينة من داخله عجز عن جلبها، فالدّين يزرع الطمأنينة ويوضّح كيفية التعامل مع المشاكل.
ـ التفاؤل والأمل: وهو أثر هامّ، أمل في الدنيا وذلك بالتعمير والبناء، وأمل في الآخرة وذلك بالإخلاص وحسن التدبير.
ـ التمتّع باللّذات المعنوية: على اعتبار أنّ اللّذات الحسيّة ليست هي القصد الأول، بل إنّ لها نهاية وهناك لذات عقلية ومعنوية وروحية.
2) آثار الإيمان في حياة المجتمع:
ولا يمكن إغفال أثر الإيمان في الناحية الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية حيث هي التي توجّه المجتمع للبناء وأنواع التعامل الاجتماعي مثل التكافل والاتحاد والتآزر وتجنّب الفرقة..، وأنواع التعامل الأخلاقي مثل احترام الغير بالمعاملة الحسنة وتجنّب الأخلاق القبيحة..، وأنواع التعامل الاقتصاديمثل إعانة الفقير وكفالة اليتيم وتجنّب التعامل بالربا والرشوة واحتكار المال..، وهكذا أثر الإيمان في ربط قلوب المؤمنين وإخائهم واعتقاد الإنسان شرف ما ينتمي إليه من عقيدة، وعظم الأمّة التي ينتسب إليها، والعمل من أجلها وابتغاء مرضاة الله وحده.
والإيمان أساس العدل والمساواة والإحسان إلى الناس. فإذا أرادت الإنسانية مستقبلاً مشرقاً فلا يكون ذلك إلا بالإيمان الذي يحدّد ويوجّه مسيرة الكون إلى المستقبل المشرق.


الدرس الثالث:

التأدّب مع الله:
اعلم أخي المسلم أنّ الأدب مع الله سبحانه وتعالى قوام هذا الدين الإسلامي.
ومن تأدّب مع الله صار من أهل محبّته.
فضائل التأدّب مع الله:
إذا أخلص المسلم التأدب مع الله تعالى كتب له النجاح والسداد، والوصول إلى غاية المراد وحقّق له كلّ ما يرغب من مطالب الحياة الدنيا والحياة الآخرة. فهذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لما تأدّب مع رب العالمين سبحانه وتعالى رفعه الله رفعة ما بعدها رفعة فأعطاه المقام المحمود، هذا المقام: أُفق وضيء طليق مرفرف عاش فيه قلب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وبصره، فأعطاه الله تعالى ما لم يعط أحداً غيره ( من تواضع لله رفعه ). ولما تأدّب بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى الله تعالى عليه فقال عز وجل: ( مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم الآية 17.
تأدّب الرسول rمع الله:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة العظمى لنا جميعاً في كل شئ وخاصة في الأدب مع ربه سبحانه وتعالى فلقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورّم منه الأقدام ولمّا تقول له عائشة رضي الله عنها يا رسول الله هوّن على نفسك إنّ الله قد غفر لك فيقول: ( يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً )، كان صلى الله عليه وسلم يكثر من البكاء من خشية الله تعالى، ويكثر من الاستغفار، ويقول: ( والله إني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة ) رواه البخاري.
يقول رب العالمين عن نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم سيّد الأولين والآخرين في كتابه العزيز: ( مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم الآية 17، قال ابن القيم في معنى هذه الآية: هذا وصف لأدبه صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانباً ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب، والإخلال به أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله أو يتطلع أمام المنظور، فالالتفات زيغ، والتطلع إلى ما أمام المنظور طغيان ومجاوزة فكمال إقبال الناظر على المنظور ألاّ يصرف بصره عن يمينه أو شماله ولا يتجاوزه وفي هذه الآية أسرار عجيبة وهذا هو الأدب اللائق بأكمل البشر محمد صلى الله عليه وسلم.
مظاهر التأدّب مع الله:
التأدّب مع الله تعالى يكون بثلاثة أشياء:

1 ـ صيـانة الفكر: فمن الأدب مع الله أن نقابل ما أنعم الله علينا بواجب الشكر لله فهو وحده الذي خلقنا ورزقنا وأعطانا من فضله الكثير والكثير. والتعرّف على صفات الله العلى، وتنزيهه سبحانه عن كل عيب ونقص.
2 ـ صيـانة القلب: وذلك بالإيمـان بالله ، وإخلاص العبـادة له وحده، وبالتوكّل عليه، قال الله تعالى: ( فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران الآية 159، والتعوّد على حبّه سبحانه وحبّ رسوله صلى الله عليه وسلم.
3 ـ صيـانة الأفعال: وذلك بتأدية فرائض الله تعالى التي فرضها علينا مثل الصلوات الخمس في أوقاتها وبخشوع كامل ثم نؤدي بقية الفرائض من صيام وزكاة وحج لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً فأحب الأعمال وأفضلها عند الله تعالى التي تقرّب منه أكثر أداء الفرائض. ثم بعد ذلك نتعلّم مراقبته سبحانه وتعالى وخشيته ومن تعرّف على الله في الرّخاء يعرفه في الشدّة.
ـ ومن الأدب مع الله تعالى أن لا يكون القَسَم إلا به: ( فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).
ـ ومن الأدب مع الله تعالى أن يحبّب المسلم الإسلام إلى غيره من غير المسلمين بأن ينشر تعاليمه السمحة عن طريق المعاملة بالحسنى.






الدرس الرابع:

العبــادة:
معنى العبادة في اللغة: أصل العبودية الخضوع والذل. يقال طريق معبّد أي كثير الوطء عليه.
والعبادة: الطاعة والاستكانة. وقيل التعبّد التنسّك. والعبادة غاية الطاعة والخضوع.
معنى العبادة في الشرع: هي غاية الطاعة والتذلل والخضوع لله وحده الممزوج بالحبّ الكامل.
فالعبادة لا تتحقق إلَّا بأمرين هامّين:
ـ الالتزام بجميع تعاليم الله جلّ وعزّ التي أنزلها لعباده وبيّنها رسوله الكريم محمّد صلى الله عليه وسلم. وأساس هذه العبادة هو الشعور بكبرياء الله وقهره وقدرته وسلطانه، قال الله تعالى: ( وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) الرعد الآية 15.
ـ أن يصدر هذا الخضوع من قلب مؤمن بالله محبّ له. وأساس هذا الحبّ هو الشعور بفضل الله وكرمه وإحسانه، ويكون ذلك بمعرفة الله حقّ المعرفة.
الغاية من العبادة:
لماذا نعبد الله وهو الغني عنّا ؟
الجواب:
من حقّ الله أن يفرض علينا ما يشاء، ويكلفنا ما يريد، بحكم أننا خلقه وهو المنعم علينا، ولنعلم أن الله لا يأمرنا إلا بما فيه خيرنا وصلاحنا نحن الفقراء وهو الودود الكريم البّر الرحيم الغني الحكيم.
فالغاية من العبادة والخضوع والتذلل والاستكانة لله هي:
ـ العبادة أداء الحق الإلهي:
الأساس الأول لأداء العبادة هو اعتراف الإنسان بفقره وحاجته لله، واعتراف البشر بأن الله الذي خلقهم ورزقهم يجب أن يُعبد ويُشكر. وهم بذلك يوثّقون صلتهم بالله لأنّ الله أوّل من ينبغي توثيق الصلة به، إجلالاً لألوهيته، وإقراراً بفضله وابتغاءً لثوابه، واتّقاءً لعقابه.
والعبادة جسم وروح والقبول الإلهي يكون لمن قدّمها حيّة لا ميّتة. والأساس في الطاعة أنها تجعل الإنسان يتحقّق بأوصاف عبوديته بين يدي ربّه ومع صنوف الخلق.
ـ العبادة سبيل التحرر:
عبادة الله وحده في الحقيقة عين الحرية لأنها تخرج من قلب الإنسان المخلص في عبادته لله كل أنواع العبودية المزعومة، وتعتق القلب من رقّ المخلوقين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وكل من استكبر عن عبادة الله لا بد أن يعبد غيره. فإنّ الإنسان حسّاس يتحرّك بالإرادة.. فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبّه وإرادته، بل استكبر عن ذلك، فلا بد أن يكون له مراد محبوب يستعبده غير الله، فيكون عبداً لذلك المراد المحبوب إمّا المال، وإمّا الجاه، أو غير ذلك ممّا عبد من دون الله..).
ـ العبادة سعادة النفس:
ليس أجلب لسعادة الإنسان وسلامة ضميره من توجيه همّه إلى الله الواحد بالخضوع والحب. فالعبد السالم لرب واحد يطيعه ويلبي نداءه يكون ضميره مرتاح وقلبه منشرح.
ـ العبادة راحة القلب والروح:
قال ابن قيم الجوزية: ( إنه لا شيء أحبّ إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليّها ومولاها، وربّها ومدبّرها ورازقها ومميتها ومحييها، فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس وقوت القلوب، ونور العقول، وقرّة العيون، وعمارة الباطن..).
وقال الدكتور يوسف القرضاوي: ( فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا ينعم ولا يبتهج ولا يلتذّ ولا يطمئن ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبّه، والإنابة إليه، وكلما تمكّنت محبّة الله من القلب، وقويت فيه أخرجت منه تألهه لما سواه وعبوديته له.. ).
ـ العبادة تربية إلهية:
إن العبادة التي شرعها الإسلام رياضة جليلة الآثار في تربية الأخلاق وتقويم الطباع. والعبادة تنافي الجفوة والقسوة، لأنها تواضع ولين جانب وسهولة خلق. إن الله شرع العبادة ليتواضع العباد بها وليستقبلوا بها رحمة الله، ثم يلقوا بها سائر الخلق وفي قلوبهم رقّة، وفي نفوسهم وداعة، وفي سيرتهم طيبة.
الشعائر الكبرى:
إن الشعائر الكبرى للعبادة هي الأسس التي تقوم عليها وتسمى بأركان الإسلام الفعلية، وتتمثّل في الصلاة والزكاة والحج والصيام. وعن أبي عبد الرحمان عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) رواه البخاري ومسلم.
1) عبادة الصلاة:
الصلاة صلة بين العبد وخالقه، والإنسان في حاجة دائمة إلى تقوية هذه الصلة، ولذلك فرض الله عليه أن يقف بين يديه خمس مرّات في اليوم والليلة خاشعاً مطيعاً، ليشعر دائماً في حياته برقابة ربه ويعمل جاهداً لمرضاته، وبذلك تستقيم حياته، وتصلح أعماله. والصلاة تقوّي روابط الأخوّة بين أفراد المجتمع الذين يؤدّون الصلاة في جماعة.
معنى الصلاة:
الصلاة في اللغة: هي الدعاء، ومنه قوله تعالى: ( وَصَلِّ عَلَيْهِمُ إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لّهُمْ ) التوبة الآية 103.
الصلاة في الشرع: هي أقوال وأفعال مخصوصة تبتدأ بالتكبير وتختتم بالتسليم.
حكم الصلاة:
شرّعت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج، وهي واجبة وجوباً عينياً، ودلّ على وجوبها القرآن والسنّة: قال الله تعالى: ( وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَيُوتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ) البيّنة 5. وقال عزّ وجلّ: ( فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) التوبة الآية 11.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الأعمال أفضل ؟ قال: الصلاة لوقتها، قلت ثم أيّ ؟ قال: برّ الوالدين، قلت ثم أيّ ؟ قال: الجهاد في سبيل ) متفق عليه.
منزلة الصلاة:
الصلاة من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، وهي عماد الدين ودعامته وركنه وشعيرته، والفارق بين الكفار والمسلمين، وهي شرط النجاة وحارسة الإيمان، وهي الصلة بين العبد وربّه، وهي قرّة العين، وراحة الضمير، ومناجاة المخلوق لخالقه، وهي تكفير للذّنوب والخطايا، وتطهير للنفوس من الرذائل، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أرأيتم نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كلّ يوم خمس مرّات هل يبقى من دَرَنه شيء ؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا ). متفق عليه.
حكم ترك الصلاة:
لا شك أنه من ترك الصلاة يعاقب في الآخرة أشدّ العقاب وتفوته مصالح الصلاة ومنافعها في الدنيا الكثيرة، قال الله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ اليَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ المُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ ) المدّثر الآية 38/43. وقال الله تعالى: ( وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ المُشْرِكِينَ ) الروم 31. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة ) متفق عليه.
2) عبادة الزكاة:
إن عناية الإسلام بعلاج الفقر، ورعاية الفقراء وذوي الحاجة والضعف لم يسبق لها نظير في ديانة سماوية، ولا في شريعة وضعية، سواء ما يتعلّق بجانب التربية والتوجيه، أو ما يتعلّق بجانب التشريع والتنظيم، أو ما يتعلّق بجانب التطبيق والتنفيذ.
ومن أظهر الأدلة على اهتمام الإسلام بمشكلة الفقر، وعنايته بأمر الفقراء أنه منذ بزوغ فجر الإسلام في مكّة، والمسلمون يومئذ أفراد معدودون مضطهدون في دينهم، محارَبون في دعوتهم، ليس لهم دولة ولا كيان سياسي، وكان هذا الجانب الإنساني الاجتماعي موضع عناية بالغة واهتمام مستمرّ من القرآن الكريم. ذكره القرآن أحياناً باسم إطعام المسكين والحض عليه، وأحياناً تحت عنوان الإنفاق ممّا رزق الله، وتارة باسم أداء حقّ السائل والمحروم، والمسكين وابن السبيل، وطوراً بعنوان الزكاةوغير ذلك من الأسماء والعناوين.
معنى الزكاة:
الزكاة لغة: مصدر زكا إذا نما وزاد، يقال زكا الزرع إذا نما، وزكت النفس إذا طهرت وصلحت، ومنه قوله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) الأعلى الآية 14.

الزكاة شرعاً: هي إخراج جزء مقدّر من المال، شرط وجوبها وإعطائه لمستحقيه، إذا بلغ المال النصاب. ويسمى هذا الجزء زكاة لأنه يزيد البركة في المال ويطهره من الآفات.
حكم الزكاة:
شرّعت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة على كل من توفّرت فيه شروطها، والزكاة من أهمّ الفروض العينية، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة، قال تعالى: ( وَالذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ ) المعارج الآية 24/25. وقال الله تعالى: ( وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ) البقرة الآية 83.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) رواه البخاري ومسلم.
عقاب مانع الزكاة:
حرّم الإسلام منع الزكاة وعاقب على تركها في الدنيا والآخرة، أما العقوبة التي في الدنيا: فتؤخذ منه عُنْوة لقوله تعالى: ( فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمُ ) التوبة الآية 5. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ( والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ) رواه البخاري.
وأمّا التي في الآخرة: فسخط الله وسوء الحساب وعذاب النار، قال الله تعالى: ( وَالذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ اَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة الآية 34/35.
الحكمة من مشروعية الزكاة:
شرّع الإسلام الزكاة لحِكم جليلة وعظيمة منها:
الزكاة عبادة مالية يزكو فاعلها عند الله وتعلو مرتبته ويشهد لذلك قوله تعالى: ( خُذْ مِنَ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) التوبة 103.
وهي تشعر بشكر الله عزّ وجلّ على ما أنعم به على عبده من نعمة المال، كما تغرس في النفوس أن المال مال الله وأن الأغنياء خلفاء الله، والفقراء عيال الله، وأنّ أحبّ خلفاء الله أبرّهم بعياله، وأنّ البرّ ذمّة وفريضة وليس منّة وعطاء.
والزكاة تزيد في البركة وتحصّن المال من الضياع وتحفظه من التلف، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستعينوا على أمواج البلاء بالدعاء ).
فالزكاة قاعدة اجتماعية من أسمى القواعد السماوية، إذ تضمن للفقراء حقّ في أموال الأغنياء، وتحارب الميْز الطبقي الذي لا تعترف به شريعة الإسلام، وتجعل الغني يشعر بذلك النقص الذي يعيشه الفقير، فيخصّص له من أمواله حقّاً يساهم به في دفع الأذى عنه، الشيء الذي يزيد في ربط أواصر المجتمع الإسلامي.
ولا تقتصر حكمة الزكاة على ما ذكر فقط، فهي تلقّننا معنى التضامن والتعاون الذي يغرس في أفئدتنا الرحمة والشفقة نحو تلك الطبقة التي تفترش الأرض وتلتحف السماء، أو التي لا تحصل على قوت يومها إلا بعد تعب ومشقّة.
وما يُؤسف له أن الزكاة لا تُخرج على حقيقتها ، فلو أدى كل مسلم واجبه، ودُفعت الزكاة لمن يستحقّها لانقطع هذا الجيش من المتوسّلين والضعفاء، الذين تُدمى لهم أفئدة المسلمين المقدّرين لواجبات الإسلام ومراميه الإنسانية البعيدة المدى.
3) عبادة الحج:
عُرف الحج عند العرب منذ عهد إبراهيم الخليل عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام حيث انتشرت عبادة الأصنام فأمر سبحانه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يبنيا البيت المقدّس العتيق لعبادته وحده فصدعا بالأمر شُكراً له جلّت قدرته
على ما أنعم عليهما من نعمة التوحيد، قال الله تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) البقرة الآية 127. كما أمرهما أن يبعدا عن كل رجس: ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة الآية 124. فالكعبة على هذا أوّل بيت بني في العالم بأسره لعبادة الله وحده (إِنَّ أَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) آل عمران الآية 96.
ثم توفى إبراهيم ومن بعده إسماعيل عليهما السلام، وبحكم تتابع العصور وما يخلّفه عاملا الزمن والإنسان من أثر النسيان والزيادة والنقصان فقد تبدّلت وتغيّرت مناسك الحج التي رسمها سبحانه لإبراهيم حيث أشرك الناس بالله الأصنام والأوثان، وجعلوها شفعاء وقدّموا لها القرابين، وطافوا بالبيت عراة الأجسام مشبّكين أصابعهم يصفّرون ويصفّقون، قال الله تعالى: ( وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ) الأنفال 35.
معنى الحج:
الحج في اللغة: هو مطلق القصد.
الحج في الشرع: هو التوجّه بإحرام إلى بيت الله الحرام للقيام بأعمال مشروعة.
حكم الحج:
شرّع الحج في أواخر السنة التاسعة من الهجرة، وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة مرّة واحدة في العمر، على من استطاع إليه سبيلاً، قال الله تعالى: ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) آل عمران 97. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه أيّها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجّوا ... ) رواه أحمد.
الحكمة من الحج:
والحج بالإضافة إلى كونه عبادة مالية وجسدية في آن واحد فهو يتضمّن حِكماً ومزايا كثيرة تشير إليها هذه الآية القرآنية الجامعة: ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَاتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الاَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البَائِسَ الفَقِيرَ ). الحج الآية 27/28.

فأولاً، الحج مناسبة لاجتماع المسلمين في صعيد واحد داخل مؤتمر سنوي موحّد يتكوّن من مختلف الأجناس والألوان واللغات، تجمعهم عقيدة
الإسلام وأخوّة دينية خالدة هي أخوّة الإسلام التي تعتبر مُقدَّمة على أخوّة الدم والنسب.
وثانياً، هذا التجمّع الإسلامي الضخم يكون فرصة لتبادل الرأي وتبادل المنفعة الروحية والاقتصادية والاجتماعية بين الجماعة الإسلامية الموحّدة فتتم شخصيتهم وتقوى دولتهم ويتمّم بعضهم بعضاً، ويعرفون بذلك مهمّتهم الحقيقية في الحياة التي هي إسعاد البشرية عن طريق المحبّة والتعاون.
وثالثاً، فهذا التجمّع العظيم لا سيما الوقوف بعرفة يذكّر المسلمين باليوم الذي يقفون بين يدي الله فلا ينفع الإنسان إلا ما قدّمت يداه من عمل صالح، فيقوّى ضميرهم الديني وتضعف نفوسهم الأمّارة بالسوء.
4) عبادة الصوم:
لا يختص الإسلام وحده بهذه الفريضة بل إنها عُرفت عند سائر الأمم منذ أقدم العصور، فقد عرفها اليونان والرومان كما ثبت أن موسى عليه السلام صام أربعين يوماً، وما يزال اليهود إلى يومنا هذا يصومون أسبوعاً تذكاراً لخراب أورشليم وأخذها، وكما أن التوراة فرضت عليهم صيام اليوم العاشر من الشهر السابع، وثبت كذلك أن عيسى عليه السلام والحواريين كانوا يصومون الصوم الكبير الذي قبل عيد الفصح، ولا زال النصارى إلى يومنا هذا تبعاً لكنائسهم المختلفة يصومون عن اللحم أو البيض واللبن، وعن السمك أو كل ذي روح.
ولمّا قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صام من كل شهر ثلاثة أيام، ويوم عاشوراء قبل أن يفرض سبحانه صيام شهر رمضان، وحيث يقول الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) البقرة الآية 183/184.
وقد خُصّ شهر رمضان بالصيام تعظيماً لأهمّ حدث وقع في تاريخ الإسلام، لأنّ فيه نزل القرآن العظيم على خاتم المرسلين ثم تتابع نزوله بعد ذلك منجّماً بالتدرّج، قال الله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ ) البقرة الآية 185.
معنى الصيام:
الصيام في اللغة: هو الإمساك مطلقاً.
الصيام في الشرع: هو الإمساك عن المفطرات يوماً كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
حكم الصيام:
شُرّع صيام رمضان في السنة الثانية للهجرة النبوية، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة، وركن من أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ ) البقرة الآية 183/ 184.
الحكمة من مشروعية الصيام:
الصيام إلى جانبه شهر تقديس وإكبار لأحداث وقعت فيه، فهو كذلك شهر المزايا الكبرى والحِكم العظمى:
ـ ففيه تسمو النفس عن الدنايا وتتّصل بعالم الروح، ويتغلّب الإنسان على وساوس النفس الأمارة بالسوء، حيث يكون الصيام وِقاء وجُنّة من سفاسف الأمور التي يعتادها الإنسان في حياته، حيث روى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربّه: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم... ) متفق عليه.
ـ وفيه كذلك يتحقّق العطف الاجتماعي، لأنّ الصائم عندما يجوع يتذكّر حالة الفقراء في عموم الأوقات، فيدفعه ذلك إلى الشعور بالرحمة نحو هذه الطائفة المحرومة من البشر، لا سيما وأن الرحمة عند الإنسان تنشأ عن الألم والتجربة.
ـ تحقيق المساواة بين الأغنياء والفقراء في أروع مظاهرها، وهذه أقوى قاعدة تبنى عليها سعادة البشرية إذا طبّقت وروعيت.
ـ تقوية الإرادة بطريقة الصبر، إذ أن الصوم هو الوسيلة الفعالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد، فيعيش الإنسان مالكاً زمام نفسه لا أسيرها.
ـ ثم إنّ الصوم في الأخير ينفع الإنسان بالاقلاع عن بعض عاداته التي يألفها طول السَّنة من أكل وشرب، فتتغيّر رائحة فمه، ويشعر بألم الجوع مع القدرة على دفعه، ثم يقدّر هذه النعم الكثيرة المتنوّعة التي أنعم الله بها عليه، ويحقق ثواباً وأجراً عند الله تعالى.



الدرس الخامس:

الحكم الشّرعي:
معنى الحكم الشرعي:
الحكم في اللغة: القضاء والأمر، ومنه قوله تعالى: ( إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ ) يوسف الآية 40. أي القضاء والأمر.
الحكم الشرعي في الاصطلاح: هو خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً.
شرح التعريف:
ـ خطاب الله: هو كلامه عز وجل أو ما يرجع إلى كلامه وهي السُنّة أو سائر الأدلة التي نصّبه الشارع لمعرفة حكمه.
ـ اقتضاء: وهو طلباً، سواء كان طلب الفعل أو طلب الترك، وسواء كان هذا الطلب على سبيل الإلزام أو على غير سبيل الإلزام.
ـ تخييراً: وهو التسوية بين فعل شيء أو عدم فعله ويسمّى كذلك بالإباحة.
ـ وضعاً: وهو جعل الشيء لشيء آخر، أو شرطاً له أو مانعاً منه...
أقسام الحكم الشّرعي:
ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين: الحكم التكليفي والحكم الوضعي. وسوف لا نتطرّق للحكم الوضعي لأنه غير مقرّر.
الحكم التكليفي:
معنى الحكم التكليفي: هو ما يقتضي طلب الفعل أو تركه أو التخيير فيه بين الفعل والترك.
أقسامه الحكم التكليفي: قسّم علماء أصول الفقه الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام وهي:
1) الواجب: ويسمّى الفرض وهو ما طلب المشرّع ( الله أو الرسول ) من المكلّفين فعله على سبيل الإلزام يثاب فاعله ويعاقب تاركه.
مثال: قال الله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء الآية 23. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيّره.. ) رواه مسلم.
2) المندوب: ويسمّى المستحب وهو ما طلب المشرّع من المكلّفين فعله على سبيل غير الإلزام يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
مثال: قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ اِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) البقرة الآية 282. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ يوم الجمعة فبهاو نعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ) رواه أبو داود.
3) المباح: هو ما ترك المشرّع للمكلّفين التخيير فيه، إن شاؤوا فعلوه وإن شاؤوا تركوه.
مثال: قال الله تعالى: ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُواْ فِي الاَرْضِ.. ) الجمعة الآية 10. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي.. ) متفق عليه.
4) المكروه: وهو ما طلب المشرّع من المكلّفين تركه على سبيل الإلزام يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.
مثال: قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمُنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ اِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) المائدة الآية 101. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن أبغض الحلال عند الله الطلاق) رواه أبو داود.
5) الحرام: وهو ما طلب المشرّع من المكلّفين تركه على سبيل الإلزام يثاب تاركه ويعاقب فاعله.
مثال: قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالاَنْصَابُ وَالاَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة 90. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظنّ فإن الظنّ أكذب الحديث.. ) رواه البخاري.
الغاية من التكليف:
لاشك أن الإسلام لم يكلّف الإنسان إلا إذا توفّرت فيه شروط التكليف الكاملة، وهي:
ـ أن يكون الإنسان قادراً على فهم الكلام الموجّه إليه.
ـ أن يكون أهلاً لما كلّف به، أي عاقلاً وبالغاً ومستطيعاً.
* فالغاية من التكليف بعد هذه الشروط هي ضبط سلوك المكلّف وتوجيهه، لأن المكلّف يصلح لأداء الواجبات، فتصرفاته معتبرة تترتب عليها آثارها، ويؤاخذ بأقواله وأفعاله.










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-21, 18:08   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

القيم الاجتماعية والأسرية
قال الله تعالى:
( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً
لِتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
الروم الآية 21.




الدرس الأول:




تعريف الأسرة:
مفهوم الأسرة في اللغة: المتأمل في معنى لفظ الأسرة في اللسان العربي يجده مشتقاً في أصله من الأَسْر، والأَسْر لغةً هو القيد وقد يكون طبيعياً لا فكاك منه إذ يولد الإنسان أسيراً لمجموعة من الصفات الفيزيولوجية كاللون والطول، وقد يكون طاغياً أو مصطنعاً كأسْرِ مجرم أذنب في حق ضحيته وقد يكون أسْراً اختيارياً يرتضيه الإنسان بل يسعى إليه، ويكون بدونه مهدّداً. ومن هذا الأسْر الاختياري اشتقت الأسرة فنخلص في النهاية إلى أن المعاني اللغوية للأسرة تلتقي في معنى واحد يجمعها، و هو قوّة الارتباط.
تعريف الأسرة في الشرع: الأسرة هي مؤسسة فطرية اجتماعية، ينشئها رجل وامرأة توفرت فيهما الشروط الشرعية للاجتماع، التزم كل منهما بماله وما عليه شرعاً أو شرطاً أو قانوناً، تكون مسؤولة عن حماية أطفالها من الأخطار المادية والمعنوية، ويكون المجتمع مسؤولاً عن حمايتها ومساعدتها.
العلاقة الأسرية في الحضارات القديمة :
عَرَف المجتمع البشري نظاماً منذ بدايته الأولى منذ عهد آدم u والذي خاطبه ربه في القرآن الكريم خطاباً أُسرياً فقال تعالى: ( وَقُلْنَا يَا ءَآدَمُ اسْكُن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ ) البقرة الآية 35. بل إن هذا الخطاب الأسري كان مع خلق آدم ممّا يشعر أن نظام الأسرة والاجتماع نظام فطري، وقال الله تعالى: ( وَاتَّقُواْ اللهَ الْذِي تَسَّاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً ) سورة النساء الآية 1. وقال أيضاً: ( هُوَ الْذِي خَلَقَكُم مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لَيَسْكُنَ إِلَيْهَا) سورة الأعراف الآية 189. وهذه الآيات وغيرها تفيد أن الإنسان اجتماعي بطبعه، ولذلك لم يتركه وحيداً بل جعل له من جنسه من يسكن إليه ويجتمع معه.
إذن أقدم أسرة في تاريخ البشرية على القول الراجح هي أسرة أبناء آدم عليه السلام الذي عُمِّر طويلاً ومات بعد أن رأى من نسله أربعمائة ألف نسمة كما يذكر أهل التاريخ، هذا يعني أن آدم عليه السلام ترك مجتمعاً رسّخ فيه نظام الأسرة وفضائل العمران والاجتماع ووصّى لابنه شيث، فورث عن أبيه النبوة والفضل وكان من تسلّمها إدريس عليه السلام الذي عاش من عمره ثلاثمائة سنة مع آدم حتى لحق آدم بربه فتوارث الأنبياء علم أبيهم ومنهجه في هذا المجتمع الذي ترك. ثم كان نوح عليه السلامبعد ذلك واستمرت معه مسير وقصة أسرته معروفة في القرآن الكريم وذكرتها كتب التاريخ، وكانت من بعده الشعوب والقبائل وانتشر الخلق في أنحاء الدنيا يتوارثون نظام الأسرة جيلاً بعد جيل وإن اختلفت أشكال أسرهم وطرق اجتماعها ولكنها بقية أسراً مبنية على ذكر وأنثى ( رجل وامرأة ) يتزاوجان ويكون لهما ذريّة.
إن نظام الأسرة وُجد مع وجود البشرية ومستمر ما دام للبشر وجود على الأرض ومن يريد أن يتتبع الأسرة ونظامها فلينظر في سيرة الأنبياء عليهم السلام منذ آدم عليه السلامإلى محمد صلى الله عليه وسلم وأسرته، باعتبار أن الأنبياء والرسل هم عُيون البشرية وهم أشرف الخلق عند الله عز وجل. وسنكتفي بذكر بعض الأسر كالأسرة البابلية، والأسرة اليونانية، والأسرة الرومانية، والأسرة الفرعونية، ثم الأسرة عند العرب في العصر الجاهلي فالأسرة في الإسلام.
الأسرة البابلية:
الأسرة في بابل كانت أكثر تقدّماً، وكانت العلاقة الزوجية أكثر راحة للزوج، حيث كانت الزوجة حسب شريعة حمورابي في عداد الماشية المملوكة ويقضي العرف بأن تلزم بيتها وتربية أطفالها ورعايتهم وتوفير الراحة لزوجها وإدخال السرور إلى قلبه. وكانت شريعة حمورابي تحمي الزوجة من زوجها إذا أراد بها سوءً، وكان من حقّ الزوجة طلب الطلاق من زوجها إذا قسا عليها. وكانت تعتبر بحكم القانون المتصرّفة في مال زوجها عند وفاته. وإذا مات الزوج انتقلت الزوجة إلى أخيه تلقائياً وبلا مناقشة كأنها شيء من الميراث.
الأسرة اليونانية:
كانت الأسرة في اليونان مفكّكة بحكم إهانة المرأة كزوجة.. وفي العصر الذهبي للحضارة اليونانية كانت الزوجة معزولة تماماً من طرف زوجها، وكان يعتبرها كالأثاث في البيت. وقال خطيب اليونان المشهور جوستين: ( إننا نتّخذ الزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين فقط ). وقال أرسطو: ( إن الزوجة للزوج كالعبد للسيّد ). وهذا القول يعبّر عن واقع الأسرة في اليونان، وإذا ولدت المرأة انتزع منها أولادها. وكان القانون يسمح أن يتزوج الأخ بأخته على شريطة أن يكونا من أمّين مختلفين. كما كان الطلاق مباحاً، وللزوج أن يقتل زوجته إذا ثبت عليها اقتراف الزنا. وإذا مات الرجل ووصّى وصيًّا يصير الوصيّ رئيساً على الأسرة، يتصرّف في أموالها وأفرادها كيف شاء، يزوّج من شاء من بنات الأسرة، ويمنع من يشاء منهن.
الأسرة الرومانية:
وأمّا عن الرومان فقد بلغ الاستهتار بالزوجة حدّاً جعل من حقّ زوجها أن يحاكمها عندما تتّهم بجريمة، وأن يعاقبها بل ويحكم عليها بالإعدام وينفّذ الحكم بنفسه !
ومذهب الرومان يحكم على الزوجة بالقصور وشعارهم أن: ( قيد الزوجة لا ينزع ونيرها لا ينخلع ) النير هو الخشبة التي توضع على عنق الثوريين. وكان الرومان يعتنون بأولادهم ويربّونهم التربية الجسمية لاستعمالهم في الحروب والأعمال الشاقّة. وإذا مات الأب انتقلت ثروته إلى فروعه ويتساوى في ذلك الذكور والإناث، ثم إلى الأصول.. وليس للزوجين حق التوريث من بعضهما لانعدام القرابة.
الأسرة الفرعونية:
الفراعنة من أقدم الشعوب وحضارتهم من أقدم الحضارات. وهيكل الأسرة عند الفراعنة واحد وإن اختلفت قدسيّتها من فئة إلى فئة ومن طبقة إلى طبقة، ففي طبقة الحكم يعني مولد ملك مولد إله وهناك نرى آمون يأخذ شكل الفرعون الحاكم ويضاجع الملكة الأم، وبعد هذا الزواج الإله يشكل خنوم " الطفل المقدّس" فتقم الولادة على أيدي الربّات الحكيمات ويقوم الطفل الحديث الولادة إلى آمون "والده" وترضعه الحتحورات السبع وتعمده الآلهة.
وقد كان المصريون يتوقون إلى تزويج أولادهم وكانوا يسمحون لأبنائهم بالاختيار وكانت الزيجات بالأقارب ذوي الدم الواحد هي القاعدة تقريباً في بداية الأمر. وكان الزواج القانوني بالمحرمات امتيازاً ملكياً كان الإله الموجود على الأرض كثير الزوجات وله حرم من الملكات ونبيلات المولد وأميرات أجنبيات، وكان الزواج باثنين من الأمور النادرة بين البشر العاديين. وكان الفراعنة يعتقدون أن الزوجة أكمل من الرجل، وكان الزوج يكتب للزوجة كل ما يملك من عقارات ثابتة. وكانت الزوجة تساعد زوجها في الزراعة والعمل. وكان الطلاق كتعدّد الزوجات نادراً، وينتسب الأطفال إلى أمهاتهم لا إلى آبائهم ! وأنّ الأم تملك كل شيء كانت هي التي تورث بعد موتها وكذلك كانت مكلّفة شرعاً بكفالة والدها.
العلاقة الأسرية في الجاهلية ( عند العرب ):
إنّ الكيان الأسري كان قائماً عند العرب قبل الإسلام وفي العصر الجاهلي بالخصوص لكن قيامه كان معوج الاستواء بما كان فيه من تضييع لحقوق المرأة وبما كان شائعاً من أنواع الزواج التي تنصرف كلها إلى الفاحشة وإلى غير ذلك مما يضرّ بالأسرة ويحط من قيمتها ويقوّض كيانها.
كانت علاقة الرجل بأهله في الإشراف على الأسرة على درجة كبيرة من الرقيّ والتفوّق وكان له الحرية المطلقة ونفاذ القول وهذه أسرة في وسط الأشراف، في حين كانت الأوساط الأخرى تختلط اختلاطاً بهيمياً لا نستطيع أن نعبّر عنه إلا بالمجون وتفشي الفاحشة وكان من المعروف لديهم أنهم يعدّدون الزوجات من غير حدّ معروف ينتهون إليه، وكانوا يجمعون بين الأختين ويتزوجون بزوجات أبنائهم وآبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها، وكانت علاقة الرجل مع أولاده داخل الأسرة على أنواع شتى فمنهم من يقول:
إنما أولادنا بيننا *** أكباد تمشي على الأرض
ومنهم من كان يئد البنات خشية العار والفقر ويقدِم على قتل أولاده خشية إملاق، لكن مع هذا كله لا يمكن أن نعدّ هذا من الأخلاق المنتشرة السائدة فقط بل كانت لديهم بعض الخصال الحميدة وكانت علاقة الرجل مع الأبناء والأعمام وطيدة فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية ويموتون لها، وكانوا يطبقون قولتهم المشهورة آنذاك: " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" بمنطوقها لا بمفهومها في الأخذ بالثأر أمّا العلاقة القبلية كانت مفكّكة ويسودها توتر وغارات متبادلة وما يمكن أن أقوله هو أن الحالة الاجتماعية كانت عندهم في الحضيض وكانت إحدى الأعمدة الأولى للأسرة وللمجتمع تباع وتشترى بثمن بخس وليس لها أيّ قيمة ذاتية أو إنسانية وتُعامل كالجماد. أما رؤساء القبيلة أو الحكومة فكان جلّ اهتمامهم امتلاء الخزائن من رعيتهم أو جرّ الحروب على المناوئين لهم.
العلاقة الأسرية في الإسلام:
إذا كانت معظم الحضارات السالفة قد عزفت ألواناً متعدّدة من الأُسَر طبعت حياتها بطابع يعكس فلسفة كل أمّة من تلك الأمم فإن الأمّة الإسلامية قد انفردت عن غيرها من الأمم بنظام أسري وتربوي متميّز قادر على تكوين أجيال مسلمة متوازنة قادرة على تحمّل المسؤولية الكاملة في تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، ويأتي في طليعة المسألة هنا تكريم الإسلام للأم باعتبارها الركيزة الأولى للبيت والأسرة. فقد أوجب لها الإسلام كامل الاهتمام والعناية ما لم نجده عند الأمم السالفة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( جاء رجل إلى رسول الله rفقال يا رسول الله مَن أحقّ الناس بحسن صحبتي ؟ قال أمّك. قال ثّم مَن ؟ قال: أمّك. قال ثّم مَن ؟ قال: أمّك. قال ثمّ مَن ؟ قال أبوك ) متفق عليه.
بناء الأسرة والمحافظة عليها:
الأسرة في الإسلام يبدأ بناؤها بالزواج الشرعي الذي تستقرّ وتستمرّ به الحياة الزوجية، فالأسرة السعيدة هي حصن للرجل وستر للمرأة، قال الله تعالى: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ) البقرة الآية 187. والأسرة السعيدة هي السكن الروحي والنفسي، وفيها المودّة والرحمة، قال الله تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم الآية 21.
الأسرة الشريفة التي يؤدّي فيها كل أفرادها واجباتهم سوف يتخرّج منها الرجال الذين يستطيعون مواجه الحياة بحكمة وصبر، ويتخرّج منها النساء القانتات اللاتي يتحصنّ بالعفّة الكرامة.
والحفاظ على الأسرة يحتاج إلى تعاون بين جميع أفرادها على تحمّل أعباء الحياة وواجباتها. ويحتاج إلى آداب واستعدادات وتقوى وإيمان.
وقد جعل الإسلام مناهجاً مشتركة بين جميع أعضاء الأسرة، ودعاهم إلى تطبيقها على واقع حياتهم حتى تخيّم عليهم السعادة، ويعيشون جميعاً في نعيم وارف وهي:
1) الحبّ والمودّة:
دعا الإسلام إلى سيادة الحبّ والمودّة والتآلف بين أفراد الأسرة وأن يجتنبوا عن كل ما يعكّر صفْوَ الحياة والعيش، وتقع المسؤولية بالدرجة الأولى على المرأة فإنها باستطاعتها أن تحوّل البيت إلى روضة أو جحيم، فإذا قامت بواجبها، وراعت ما عليها من الآداب كانت الفذّة المؤمنة.
وإذا التزمت المرأة برعاية زوجها، وأدّت حقوقه وواجباته شاعت المودّة بينهما وتكوّن رباط من الحبّ العميق بين أفراد الأسرة، الأمر الذي يؤدي إلى التكوين السليم للتربية الناجحة.
2) التعاون:
وحثّ الإسلام على التعاون فيما بينهما على شؤون الحياة، وتدبير أمور البيت وأن يعيشوا جميعاً في جوّ متبادل من الودّ والتعاون، والمسؤولية تقع في ذلك على زعيم الأسرة وهو الزوج، فقد طلب الإسلام منه أن يقوم برعاية زوجته ويشترك معها في شؤون منزله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى خدمة البيت مع نسائه، ومن الطبيعي أن ذلك يخلق في نفوس الأبناء روحاً من العواطف النبيلة التي هي من أهمّ العناصر الذاتية في التربية السليمة.
3) الاحترام المتبادل:
وحث الإسلام على تبادل الاحترام، ومراعاة الآداب بين أعضاء الأسرة فعلى الكبير أن يعطف على الصغير، وعلى الصغير أن يقوم بإجلال الكبير وتوقيره، إن مراعاة هذه الآداب تخلق في داخل البيت جوًّا من الفضيلة والقيم الكريمة، وهي توجب تنمية السلوك الكامل في نفس الطفل، وتبعثه إلى الانطلاق في ميادين التعاون مع أسرته ومجتمعه.
الدرس الثاني:

المسلم لا يعمل لخير نفسه فقط، بل لخيرها وخير غيرها، والعمل التطوّعي يعوّد به نفسه البذل، ويثبّت فيها خُلق الكرم، وينفع بها المجتمع. ذلك ما ينبغي للمسلم نحو الناس: أن يكون نفّاعاً لهم بقدر ما يستطيع، لا يدّخر وسعاً لجلب الخير لهم، ودفع الشر عنهم، فلو أمكنه أن يقوم بكل ذلك فيتصدّق ويعمل، ويعين وينفع، ويأمر بالخير، ويمسك عن الشر كلّ من يقوم به.
معنى العمل التطوّعي:
التطوّع في اللغة: هو التبرّع لعمل شيء من دون مقابل، أو الانخراط في جمعية خيرية بالرضا.
العمل التطوّعي في الشرع:مساهمة الأفراد في أعمال الرعاية والتنمية الاجتماعية سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل أو بغير ذلك من دون مقابل.
والتطوّع هو الجهد الذي يقوم به الفرد باختياره لتقديم خدمة للمجتمع دون توقع لأجر مادي مقابل هذا الجهد.
معنى الواجب الكفائي:
الواجب الكفائي هو ما طلب المشرّع فعله على سبيل الإلزام من مجموع المكلّفين لا من جميعهم ( أيْ ليس من كل فرد منهم ).
والقصد من ذلك هو وقوع هذا الواجب بنفسه ولو من طرف فرد واحد، لأن المصلحة تتحقّق من بعض المكلّفين. أمّا إذا لم يأته أحد فهم آثمون جميعاً.
مثال الواجب الكفائي: الجهاد في سبيل الله. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. القضاء والإفتاء. ردّ السلام. صلاة الجنازة...
مجالات العمل التطوّعي في المجتمع:
لكلّ مسلم حق المشاركة في بناء المجتمع بما له من طاقة زائدة تطوّعاً في شتّى الميادين التربوية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها:
المجال التربوي: التطوّع لخدمة المعرفة وتنمية القدرات العقلية والحرفية، وتنمية الملكات الروحية والفنّيّة والجمالية، كي تُشاع هذه المعرفة لكل الناس أطفالاً ورجالاً ونساءً، وذلك بإنشاء الأندية والرابطات والجمعيات في كل مكان.
المجال الاجتماعي: التصدّي للرذيلة وأسباب الفساد بجميع الوسائل المتاحة، وذلك بإعانة ذا الحاجة من مظلوم يستغيث، ومكروب يستجير، وعاجز يستعين. مساعدة المكروب بتفريج كربته، وتخفيف بليّته. وإعانة العاجز على قضاء مآربه، وتحقيق أمانيه. ويكون ذلك بالتعاون وغرس الوعي الاجتماعي الذي يقوم على الأخوّة والتكافل، وتعليم الفضيلة.
المجال الاقتصادي: العمل على إقامة صندوق مشترك يكون محور التعاون المالي بين أفراد المجتمع، هدفه تنظيم المساعدات المالية لإعانة الفقراء بالتصدّق عليهم والإقراض لهم، وتحمّل الديْن عنهم...
فضل العمل:
للعمل الفضل العظيم في حياة الفرد والمجتمع، فبالعمل تزكو النفس، وتقوّم الأخلاق، وتقوى العلاقات الإنسانية، وتنتظم الحياة، وتصان ضرورات الإنسان. وبالعمل يزيد الإنتاج، وتنمو الثروة فتكون للأمّة السيادة، ويكون لها المجد.
ـ إن الله تعالى أعدّ للعاملين الأجر الوافر ولا يضيع عمل الإنسان وجهده، قال الله تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًّا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُم اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) التوبة الآية 120/121
ـ إن منزلة الإنسان عند الله بقدر ما يقدّم من عمل، قال الله تعالى: ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُواْ وَلِنُوَفِّيَهُم أَعْمَالَهُمْ وَهُم لَا يُظْلَمُونَ ) الأحقاف 19.
ـ وليس للجنّة سبيل سوى العمل، قال الله تعالى: ( وَنُودُواْ أَنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ ) الأعراف الآية 43.
بالعمل تكون للإنسان العزّة والخلافة في الأرض، قال الله تعالى: ( وَعَدَ اللهُ الْذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمِا اسْتَخْلَفَ الْذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُم الْذِي إِرْتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِم أَمْناً )النور الآية 55.
ـ والذي لا يعمل فهو في خسر ونقص، يعرّضه للضلال والشقاء، قال الله تعالى: (وَالعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الْذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ) سورة العصر.
دور العمل التطوّعي في خدمة الفرد والمجتمع:
إن العمل التطوّعي بمثابة المتنفّس للفرد الذي يمتلك الطاقة الزائدة، فيفجّرها في الخير وفي خدمة الصالح العام، بما لديه من خبرات ومعارف. ويعدّ السوار المنيع والحاجز الحصين للمجتمع الذي يقيه من مصائب الحياة ومتاعبها التي يبتلى بها بعض أفراده.
أهميّة العمل التطوّعي للشباب:
1. تعزيز انتماء ومشاركة الشباب في مجتمعهم.
2. تنمية قدرات الشباب ومهاراتهم الشخصية والعلمية والعملية.
3. يتيح للشباب التعرّف على الثغرات التي تشوب نظام الخدمات في المجتمع.
4. يتيح للشباب الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم في القضايا العامّة التي تهمّ المجتمع.
5. يوفّر للشباب فرصة تأدية الخدمات بأنفسهم وحلّ المشاكل بجهدهم الشخصي.
6. يوفّر للشباب فرصة المشاركة في تحديد الأولويات التي يحتاجها المجتمع، والمشاركة في اتخاذ القرارات.


الدرس الثالث:


نظرة الإسلام إلى المجتمع:
المجتمع هو المحيط الذي يعيش فيه الإنسان. الذي يتكوّن من مجموع أسر، التي تربطها الحقوق والواجبات، ويعيش الفرد فيه بروح الجماعة ومصلحتها وآمالها، فلا يرى لنفسه وجوداً بغيرها ولا امتداداً إلا فيها.
المجتمع المسلم: هو المجتمع الربّاني، الناس فيه أسرة واحدة لا فضل فيه لعربيّ على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ إلا بالتقوى. ولا يوزن الناس فيه بالأحساب والأنساب، مجتمع عالمي لا عنصريّ ولا قومي، ولا يعرف التعصّب. مجتمع مفتوح لجميع بني الإنسان. مجتمع مفتاح شخصيته: الدين والإيمان وعقيدة الإسلام. مجتمع ينفر من الترف، ويعمل بالأسباب ويتوكّل على الله. من خصائصه العدالة والقسط. مجتمع يؤمن باستخدام المواهب والتخطيط للمستقبل، ويضع الرجل المناسب في مكانه.
الآفات والمفاسد الاجتماعية وأخطارها:
الآفات والمفاسد الاجتماعية هي كل ما نهى الله عنه، وما نص القرآن
والسنة النبوية الصحيحة على تحريمه، قال الله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَ الإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ ) الأعراف 33.
والآفات الاجتماعية إذا أردنا عدّها فكثيرة ، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
الظلم. قطع الطريق. قتل الأبرياء. الخمر وما شابهها كالمخدرات. الزنا وما شابهه كمحرمات الزواج والاغتصاب. الإجهاض. القذف ( الاتهام بالباطل ). شهادة الزور. السرقة. الغش. الربا. الرشوة. أكل مال اليتيم. الاحتكار...
ولا شك أن لهذه الآفات والمفاسد أخطار كثيرة:
ـ فهي تؤدّي إلى ظلمة القلب وقسوته، وابتعاد صاحبه عن الله، فيصير مصدر شرّ في المجتمع، فلا يلقى المجتمع منه إلا الإفساد والتخريب، ويكون مصيره الخسران في الدنيا والآخرة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يزيد في العمر إلا البّر ولا يردّ القدر إلا الدعاء وأنّ الرجل ليُحرَم الرزق بخطيئة يعملها ) رواه ابن ماجه. وإذا كانت الآفات سبب الفقر فإنّ الطاعات سبب إدرار الرزق على الفرد والمجتمع، قال الله تعالى: ( وَلَوَ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) الأعراف الآية 96.
ـ تؤدّي إلى غضب الله وعقابه للإنسان، وهذا العقاب إمّا أن يكون بالظواهر الطبيعية كالفيضانات أو الزلازل أو القحط والجفاف، وإما أن يكون بالثورات والحروب المدمّرة، قال الله تعالى: ( فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِم وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِم قَرْناً آخَرِينَ ) الأنعام الآية 6. وقال عزّ وجلّ: ( مِمَّا خَطِيئَاتِهِم أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُم مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصَاراً ) نوح الآية 25.
ـ وهي من أهمّ العوامل في شقاء الإنسان لما لها من أضرار بالفرد والمجتمع على حدّ سواء، تضرّ بالفرد في صحّته وعقله وماله وعمله، وتضرّ بالمجتمع بجعله منقسماً على نفسه، وضعيفاً في تماسكه، قال الله تعالى: ( قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُم عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُم أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُم أَوْ يَلْبِسَكُم شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ) الأنعام الآية 65.
محاربة الإسلام للآفات والمفاسد الاجتماعية:
الدّين هو العنصر الهام في معالجة الآفات والمفاسد الفردية والاجتماعية، لأنّ الدّين هو الطريق إلى العقل كما هو الطريق إلى القلب، فالدّين يعالج الآفات من أصلها ولا يترك لها مكاناً في قلب الإنسان، وذلك بالمساعدة للتغلّب على التوترات التي يتعرّض لها الإنسان والتي تحرّضه على الوقوع في الآفات والمفاسد بأنواعها.
ومن عظمة الإسلام أنّه قبل أن حارب الآفات الاجتماعية عالجها بشتّى الوسائل التربوية منها:
ـ الشعور بالإثم: الإسلام يدعو الإنسان إلى الاعتراف بذنبه أمام الله، وطلب الغفران منه وحده، لأنّ الله هو الذي يساعد المذنب على تجاوز الخطأ، وتجديد الحياة نحو الأفضل، قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَه ُثُمَّ يَسْتَغْفِر ِاللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء الآية 110 .
ـ التوبة: فالتوبة أسلوب من أساليب تكفير الذنب، وهي المدخل إلى المغفرة، وهي المتنفّس للمشاعر الثائرة والشفاء للنفس التي عذبها الإحساس بالخطيئة، قال الله تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الْذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنْفُسِهِم لَا تَقْنَطُواْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوِ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر 53.
ـ تربية النفس على خشية الله: لقد لفت القرآن أنظار الناس إلى أهوال القيامة وما فيها من عذاب أليم وشديد أعدّه الله للذين يقترفون الآفات ويتعدّون على الحرمات بأسلوب رهيب يصل إلى أعماق النفس ويثير فيها أحاسيس الخوف من الوقوع في الآفات، ويكون الدّافع إلى القيام بالطاعات والقربات من الله.
ـ سدّ جميع الذرائع التي تدفع إلى الوقوع في الآفات الاجتماعية، وذلك بتقديم الإعانات الفعلية كالمساعدات المالية قصد تجاوز الأزمات النفسية والأخلاقية والاقتصادية، فشرّع لذلك الإسلام كفالة اليتيم للتحصين من التشرّد المؤدي إلى الآفات الاجتماعية الخانقة، وشرّع الزواج وتسهيل سبله لتفادي الوقوع في الزنا وما شاكله، وشرّع الزكاة للتّحصين من السرقة وأشكالها...
ـ فمن أبى بعد كل هذا العلاج إلا الاعتداء والوقوع في الآفات والمفاسد استحق العقوبة، وهي نوعان:
1) الكفارة: وهي ما يكفّر الإنسان به ذنبه، المحدّد شرعاً.
ككفّارة اليمين المنعقدة وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ومن لم يستطع يصوم ثلاثة أيام. وكفّارة القتل الخطأ وهي الديّة يسلّمها إلى أهل المقتول، وغيرها.
2) الحدّ: وهو العقوبة المقدّرة شرعاً.
كالقصاص من القاتل العمد، وقطع يد السارق الذي توفرت فيه شروط الحد، والجلد لشارب الخمر والزاني، وغيرها من الحدود.
الدرس الرابع:

الطفـولة:
الأطفال زينة الحياة الدنيا تسرّ الفؤاد بمشاهدتهم، وتقرّ العين برؤيتهم، وتبتهج النفس بمحادثتهم ، هُم شباب الغد الذي تنعقد عليهم آمال المستقبل، قال الله تعالى: ( المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) الكهف الآية 46.
يقول الله عز وجل: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنْفُسَكُم وَأَهْلِيكُم نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم الآية 6.
التربية في عصر النبوّة: كان النبي صلى الله عليه وسلم المربّي الأول الذي قام بهذه المهمّة التربوية فرسم نماذج تربوية للطفولة لم يسبق لها مثيل في عالم الرعاية بالأطفال حيث يشرف بنفسه وبأسلوبه الخاص الفريد في تنشئة تلك البراعم التي لم تنفتح والأغصان التي لم يشتدّ عودها بعد.
ولم تكن هذه التربية قاصرة على من يعيش في كنف النبي صلى الله عليه وسلم أو من يعيش تحت سقف بيته بل كان ذلك مبدأ تربويًّا ينتهجه لأمّته عامّة ويرسّخه لكلّ الأجيال من بعده ليقتفوا أثره ويسيروا على منهجه التربوي عملاً بقوله تعال: ( لَقَدْ كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرِ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) الأحزاب الآية 21. ولو تتبعنا مراحل المنهج التربوي النبوي في عالم الطفولة لرأينا أن مرحلة التربية تبدأ منذ أن يكون الطفل سِرًّا في عالم الغيب وذلك ليضمن له الأصل والمنبت الطيّب والحضن الأمين، فدعا الزوج لاختيار الزوجة الصالحة التي ستكون مصدر عزّة الطفل ومربيته على الفضائل، كما دعا أهل الزوجة على القبول بالزوج الصالح فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها ) رواه ابن حبّان. وهكذا تتدرّج العناية بالطفل والاهتمام به من خلال توجيهات نبويّة كريمة في كل مرحلة من مراحل نموِّ الطفل عقلياً ونفسياً وجسدياً بدءً من التربية العقدية السليمة ومروراً بالتربية الاجتماعية والخلقية والعاطفية، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجاً فريداً للأبوّة الكريمة في حياة البشرية، يفرح بقدوم الأطفال ويشارك في اختيار أسمائهم ويحنّ عليهم فيمازحهم ويلاعبهم ويضمهم إلى صدره الكريم ويُقبّلهم بفمه، فإنّ هذا يعطيهم الجوّ النفسي للحياة الإنسانية، وبذلك كان من ثمار هذه التربية الفذّة أن أنشأت أسرة متماسكة مثالية حقاً في إيمانها وعبادتها وأخلاقها ومعاملتها وإذا كانت الأسرة كذلك فلا شك أنّ المجتمع بدوره كان مثاليًّا وخاصّة المجتمع في عهده صلى الله عليه وسلم.
حقوق الطفل:
لقد اهتم الإسلام بالطفل في كل مراحل حياته: جنيناً، ورضيعاً، وصبياً، ويافعاً، ثم شابًّا إلى أن يصل إلى مرحلة الرجولة.
ـ ولقد أوجب الإسلام على الأم رعاية جنينها، والمحافظة عليه، وأباح لها أن تفطر إذا شعرت أنّ صيامها خطراً على جنينها أو رضيعها، كما ينبّهها إلى عدم تناول ما يضرّ بالجنين من مأكل ومشرب، وحرّم على الأم الإجهاض إلا إذا كان خطراً على حياتها، قال تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُم وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُم كَانَ خِطْئاً كَبِيراً ) الإسراء الآية 31.

ـ وحفظ للطفل حقّه في النسب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأيّما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احجب الله تعالى منه وفضحه على رؤوس الأوّلين والآخرين يوم القيامة ) رواه أبو داود والنسائي.
ـ كما حفظ للطفل حقوقه المالية من النفقة عليه وعلى والديه أثناء الحمل وبعده، وحفظ له حقّ الوصيّة، والوقف. وغيرها من الحقوق التي تتصل بالمولود حين ولادته مثل:
ـ استحباب البشارة والتهنئة عند الولادة.
ـ استحباب الأذان في أذنه اليمني والإقامة في أذنه اليسرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من وُلد له ولد فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم يضرّه أم الصبيان ) رواه ابن السني.
ـ حلق شعر المولود والتصدّق بوزن شعره ذهباً على الفقراء، قال صلى الله عليه وسلم: (كلّ مولود مرهون بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه ويُحلّق ويسمّى ) رواه أبوداد والترمذي.
ـ عقيقة المولود، قال عليه الصلاة والسلام: ( مع الغلام عقيقته فأهرقوا عليه دماً وأميطوا عنه الأذى ) متفق عليه.
ـ ختان المولود، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقصّ الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط ) متفق عليه.
ـ رعاية الطفل ( جسدياً ووجدانياً وسلوكياً واجتماعياً ) وحضانته ورضاعه، وهنا يقرر القرآن الكريم حقيقة فائدة الرضاع من حليب الأم المعقّم، والذي هو أصح غذاء من كل أنواع الحليب الصناعي، وفائدته الغذائية والنفسية المهمّة للطفل والأم معاً.
مجالات تربية الطفل:
لقد اهتّم الإسلام بمرحلة الطفولة، لأنها اللبنة الأساسية في بناء شخصية الفرد إيجاباً أو سلباً، وفقاً لما يلاقيه من اهتمام، وهذا الاعتناء من أبلغ الأثر في بنائه النفسي الإيجابي الذي بدوره ينعكس على تكوين المجتمع المسلم.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله ما حقّ ابني هذا ؟ قال: تحسّن اسمه وأدبه وضعه موضعاً حسناً ) رواه الطوسي.
هناك العديد من جوانب العناية التي أولاها الإسلام للطفل:
أولاً: التربية الجسمية:
تلخّص السنة النبوية رعاية الطفل جسمياً فيما يلي:
ـ النفقة عليه: عن ثوبان بن مجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ).
ـ وقايته من الأمراض: من مقاصد الشريعة الإسلامية، حفظ النفس في ثلاثة معان هي: إقامة أصله بشرعية التناسل، وحفظ بقائه من جهة المأكل والمشرب، وذلك يحفظه من الداخل، والملبس والمسكن، وذلك يحفظه من الخارج، وحفظ ما يتغذى به أن يكون ممّا لا يضرّ أو يقتل..
ـ إبعاد الطفل عن تناول الحرام، فإن للتغذية أثراً فعالاً في سلوك الطفل. فالتغذية الملوّثة بالحرام تؤثر أثراً ذاتياً في دخائل النفس، وتوقف فعالياتها السلوكية، فتغرس فيها النزعات الشريرة كالقسوة، والاعتداء والهجوم المتطرف على الغير...
ـ تعويدهم بعض السلوكات الصحيّة كالنظافة والطهارة والرياضة، قال عليه الصلاة والسلام: ( علّموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل ) أخرجه البيهقي.
ثانياً: التربية العقلية:
وهذه التربية تتعلّق بتعليم الطفل القراءة والكتابة، وحفظ آيات القرآن الكريم وأحاديث النبيّ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وتعليمه العقيدة الإسلامية الصحيحة. وتعويده على التأمّل في ملكوت السماوات والأرض. وتعليمه العلوم الدنيوية التي تنفعه في مستقبله.
ثالثاً: التربية النفسية:
ذلك بالإحسان إليهم ورحمتهم وملاعبتهم وإدخال السرور عليهم، والتسوية بينهم، ومصاحبتهم في سنّهم المبكّر ومراقبة سلوكهم، وتعليمهم الإيمان، والعبادات، وأعمال البرّ ومكارم الأخلاق وآداب السُنّة. وهذه التربية هي أسباب الحياة الحقيقية: حياة القلب والروح والسعادة الأبدية.
فإذا التزم الآباء بهذه المحدّدات التربوية المستمدة من الكتاب والسُنّة النبوية المطهّرة، لأدّى هذا إلى وضع الركائز الأساسية لمقوّمات البناء النفسي السليم للطفل حتى يكون قادراً على مواجهة التحدّي الحضاري عبر الأزمنة المختلفة.
الدرس الخامس:
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيته:
قدوة المسلمين في هذا المجال هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أكرم الناس وألطفهم لأسرته وذلك بما تشهد به سيرته حيث لم يثبت عنه أهان واحدة من زوجاته بشتم أو سبّ أو ضرب أو غير ذلك من وجوه الإيذاء بل كان صلى الله عليه وسلم أعظم البشرية برًّا بزوجاته وإحساناً لهنّ وأوصى بهن كثيراً وحضّ على تكريمهنّ وحذّر من الإساءة إليهنّ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنّ من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله ) رواه الترمذي. وكان صلى الله عليه وسلم يستشيرهنّ وينزل على رأيهنّ في أمور سياسته كما صنع يوم الحديبية، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع أهله ألين الناس، ضحّاكًا بسّامًا، وكان يقول: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي..). وكان صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله ما دام في البيت، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويعمل بيده، ويخدم نفسه. وكان صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالأطفال، رآه عمر بن الخطاب حاملاً الحسن والحسين على عاتقه، فقال: نِعم الفرس تحتكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ونِعم الفارسان هما، وكان أحدهما أو كلاهما يعتلي ظهره إن سجد، فلا ينهرهما، وصلّى وأمامة على عاتقه، وهى ابنة ابنته زينب، فكان إذا ركع وضعها، وإذا رفع وضعها، أما إذا جاءته ابنته فاطمة، فإنه يبادرها باللُّقيا، ويقبّلها ثم يأخذ بيدها ويجيء بها حتى يجلسها في مكانه. ثم هو لا يترفع على عبيده في مأكل ولا ملبس، ويخدم من خدمه، ولم يقل لخادمه أفٍ قط، ولا عاتبه على فعل شيء أو تركه.
أسباب استقرار البيت واستمراره:
لاستقرار واستمرار البيت لابد أن تسوده الأمور التالية بشكل نبيل:
1 ـتوفير الاستقرار والأمن والحماية وتبادل الحُبّ والعطف بين الزوجين من ناحية، وبينهما وبين الأولاد من ناحية أخرى، فإنّ الأسرة إذا غادرها الحبّ، وهجرها العطف لابد أن تتفاعل فيها عوامل الانهيار والهدم. إن الحبّ المتبادل هو العامل الفعال الذي يدفع كل واحد من أفراد الأسرة إلى أن يتحمّل مسؤولياته برحابة صدر.
2 ـ يجب أن يسود التعاون المشترك في المجالات المختلفة بين أفراد العائلة. لكي لا تشلّ الأسرة عن حيويتها، ونشاطها بصورة مستمرّة، فإن التعاون يزيل الإرهاق، ويذيب التذمّر مِن تحمّل المسؤوليات. وكذلك يوطّد علاقات أفراد الأسرة بعضهم مع بعض. ولا يدع مجالاً لأن يتسرّب التفكّك إلى ربوع العائلة المسلمة التي تلتزم بمبدأ التعاون، والتكافل الاجتماعيين.
3 ـ تبادل الاحترام والتوقير والإحسان، سواءً من جانب الصغير للكبير، أو من جانب الكبير للصغير، فإن الاحترام والإحسان يزرعان بذور الشعور بالشخصية، ويغرسان أوتاداً توطّد العلاقات الأسرية بين الأفراد.
4 ـ إطـاعة الأب من قِبل جميع أفراد العائلة لأنّه يمثّل النقطة المركزية في الأسرة، ولأنّه أعرف بالمصالح الفردية والاجتماعية لكل واحد منهم، وطبيعي أنّ الإسلام يقرّر الطاعة للأب في حدود طاعة الخالق.
5 ـ قيام الوالد بواجب النفقة، وتجهيز الملبس، والمسكن للزوجة والأولاد في مقابل قوامته عليهم.
6 ـ أن تمدّ الأسرة الأطفـال بالبيئة الصالحة لتحقق حاجـاتهم البيولوجية والاجتماعية، وليست وظيفة الأسرة مقتصرة على إنجاب الأطفال فإنّ الاقتصار عليها يمحو الفوارق الطبيعية بين الإنسان والحيوان.
7 ـ أن تمدّهم بالوسائل التي تهيّئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.
القيم الاقتصاديّة والماليّة
قال الله تعالى:
( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى )
النجم الآية 39/40/41.



الدرس الأول:
العمل في الإسلام:
مفهوم العمل: هو ممارسة أيّ نشاط، والعمل في أيّ مجال، عن طريق الزراعة أو التجارة أو الصناعة، وأيّ حرفة من الحرف اليدوية وغيرها، ما دام ذلك كله في دائرة ما أحلّ الله تعالى.
والعمل الذي يريده الإسلام، ويدعو إليه هو كلّ عمل صالح تزكو به النفس، وتقوّم به الأخلاق، وتقوى به العلاقات الإنسانية، وتنتظم به الحياة، وتصان به ضرورات الإنسان. وهو كلّ عمل ينمّي الإنتاج، ويزيد الثروة، فتكون للأمّة السيادة، ويكون لها المجد.
العمل الفكري والعمل البدني:
العمل الفكري هو كلّ ما يتعلّق بإعمال العقل والفكر، كالتعليم، والقضاء، والإدارة وغيرها.
والعمل البدني هو كلّ ما يتعلّق باستعمال البدن والجسم والعضلات، كالحِرَفِ اليدوية (الحدادة والخياطة.. ) والزراعة والصناعة وغيرها.
البطالة: هي القعود عن العمل، وعدم الاشتغال.
البطالة ظاهرة وُجدت في أغلب المجتمعات الإنسانية في السابق والحاضر، ولا يكاد مجتمع من المجتمعات الإنسانية على مرّ العصور يخلو من هذه الظاهرة أو المشكلة بشكل أو آخر.
محاربة الإسلام للبطالة:
حرّم الإسلام البطالة، ومقت القاعدين عن العمل من غير سبب، فقد ورد في الأثر أنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المكفيّ الفارغ ( وهو من يكفيه الناس ضرورات الحياة )، وقد ورد في الأثر ( إنّ الله يحبّ العبد المحترف ويكره العبد البطال )، وكانت هذه الحرمة لأنّ التبطّل سبيل إلى الفقر الذي كاد أن يكون كفراً. ولأنّ العمل حركة ونشاط والبطالة سُكون وموت. ولقد حارب الإسلام البطالة بوسائل شتّى منها:
ـ توفير مناصب الشغل، وجعلها من حقوق الإنسان.
ـ الترغيب في العمل والترهيب من البطالة.
ـ الترغيب في الشركة والمضاربة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنّ الله عزّ وجلّ يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما ) رواه أبو داود
ـ مشروعية القرض الحسن الذي يساعد على العمل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما من عبد يُقرض مسلماً قرضاً مرّتين إلا كان له كصدقة مرّة ) رواه ابن ماجه.
ـ حث الإسلام على إعانة الفقير، وجعل المُعين خيراً من المعان من جهة نيل الأجر والثواب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) متفق عليه.
ـ تشريع الحج وجعله من العبادات الساميّة، وذلك لا يتحقّق إلا بالمال والعمل، فكان الحج دافعاً للعمل والكسب.
العامل في القرآن والسنّة:
أسلوب الإسلام في الدعوة إلى العمل أسلوب متميّز، لا يكاد يضاهيه أو يقاربه أيّ أسلوب آخر. قال الله تعالى:
ـ ( وَهُوَ الْذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَنُ عَمَلاً ) هود الآية 7.
ـ ( وَلَكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُواْ وَلِنُوَفِّيَهُم أَعْمَالَهُم وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) الأحقاف الآية 19.
ـ ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى ) النجم الآية 39/40/41.
ـ ( وَقُلْ اِعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ ) التوبة الآية 105.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ ( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) رواه البخاري.
ـ ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحُزمة حطب فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطَوْه أو منعوه ) متفق عليه.

الدرس الثاني:
المال في نظر الإسلام هو قوام الحياة، وعصبها، وأساسها، فيجب على الإنسان أن يسعى في كسبه، ويجدّ في تحصيله وتنميته بالطرق المشروعة النافعة، وألاّ ينفقه إلا في الحلال وفي منفعة.
الاعتدال:
هو التوسّط بين الإفراط والتفريط، وفي النفقة التوسّط بين الإسراف والتقتير.
ترشيد الاستهلاك:
الترشيد: هو حسن التدبير والتصرّف. للمالك الحق في ماله، ومن تلزمه نفقته من أبنائه وزوجته وأقاربه. وتشمل النفقة الغذاء والكساء والسكنى والتربية والتعليم والعلاج وكل ما هو ضروري للحياة.
فالله تعالى ينهى عن البخل، ويصوّر البخيل بحال من شُدّت يده إلى عنقه، فلا تنبسط بخير. وينهى عن الإسراف، ويصوّر حال المسرف بحال من بسُطت يده، فلا تمسك شيئاً، فقال الله تعالى: ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدْ مَلُوماً مَحْسُوراً ) الإسراء 29.
إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده. وكلّ ما اشترط الإسلام في هذه النفقة الاعتدال، والقصد، فلا يسرف ولا يبخل. قال الله تعالى: ( وَالْذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ) الفرقان الآية 67. ومن العدالة أن يملك العامل ثمرة كدّه ونتائج كدحه وسعيه، ولكن من الاعتدال أن يكون رشيداً في التصرف بماله على نفسه وأهله. قال الله تعالى: ( كُلُواْ مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) الأنعام الآية 141.
أثر ترشيد الاستهلاك على حياة الفرد والمجتمع:
الحقّ هو العدل والقصد في جميع الأمور، فإنّ ملازمة الطيّبات تفضي إلى الترفّه والبطر، الذي كان السبب في هلاك الأمم المترفة، قال تعالى: ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهِلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) الإسراء 16.
كما أنّ منع النفس من تناول الطيّبات يؤدّي إلى التنطّع المنهي عنه، قال الله تعالى: ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ..) الإسراء الآية 29.
إنّ ترشيد الاستهلاك يؤدّي إلى أمور محمودة كثيرة منها:
ـ الحفاظ على المال الذي هو عصب الحياة.
ـ التحصين من الفقر الذي تنجرّ عنه انحرافات خطيرة.
ـ ضمان كفاية الفرد والمجتمع وإشباع حاجات الإنسان الأساسية كي لا يلجأ إلى السّؤال المنهي عنه.
الدرس الثالث:
التكافل المالي:
لقد جاء الإسلام لتزكية النفوس، فدعا إلى البذل، وحضّ على الإنفاق في أسلوب يستهوي الأفئدة، ويبعث في النفس الأريحية، ويثير فيها عواطف الخير والبر، ويوقظ بها مشاعر الرحمة والإحسان.
قال الله تعالى: ( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ ) الحديد الآية 10.
والإسلام دعا إلى التكافل المالي بطرق كثيرة منها:
ـ الزكاة: هي إخراج جزء مقدّر من المال، وإعطائه لمستحقّيه، وسمّي هذا الجزء زكاة لأنّه يزيد البركة في المال الذي أخرج ويطهّره من الآفات.
قال تعالى: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) التوبة الآية 103.
ـ الصدقة: هي ما يقدّم للمحتاجين من أموال تقرّباً من الله، وسمّي هذا المال صدقة لأنّه برهان على صدق الإيمان بالله.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة في خفاء تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر وكلّ معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة وأوّل من يدخل الجنّة أهل المعروف ).
ـ الوقف: هو حبس المال وصرف منافعه في سبيل الله تعالى، والوقف هو قربة يتقرب بها العبد إلى ربّه لما فيها من الإحسان والبر بالفقراء والمحتاجين.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم.
ـ العاريّة: وتسمّى أيضاً بالإعارة، وهي أن يُعطى الإنسان غيره شيئاً ينتفع به بغير مقابل على أن يردّه له. والإعارة في ذاتها من أعمال البر، وهي من مظاهر التكافل الاجتماعي.
قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ) المائدة الآية 2.
ـ القرض: هو المال الذي يُعطيه الإنسان لمن يحتاجه على أن يردّ مثله عند قدرته عليه. والقرض من أهمّ الوسائل التي تفَرِّج الكُرَب وتيسّر الأمور.
قال الرسول: صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يُقرض مسلماً قرضاً مرّتين إلا كان كصدقة مرّة ) رواه ابن ماجه.
ـ الهديّـة: وهي ما يُعطى للغير إكراماً له، وهي تشبه الهبة. والإسلام رغّب في الهديّة لما فيها من مصالح حيث تؤلّف القلوب، وتوثّق العلاقة بين الأفراد. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا تحابّوا ) رواه مسلم.
فضل وثواب التكافل المالي:
لا شكّ أنّ للتكافل المالي الأجر العظيم عند الله والثواب الجزيل يوم القيامة:
قال الله تعالى:
ـ ( مَثَلُ الْذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة الآية 261
ـ ( مَنْ ذَا الْذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) البقرة الآية 245.
ـ ( وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَأَنْفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) الحديد الآية 7.
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) رواه البخاري. وقال: ( أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى ) متفق عليه.
أثر التكافل المالي على حياة الفرد والمجتمع:
إن للتكافل المالي الأثر الطيّب في حياة الناس:
* تحقيق المصالح الخاصّة للفرد، وذلك أنّ المحسنين هم دائماً في رعاية الله وعافيته، فيحفظهم من السوء، ويقيهم من طوارئ الأحداث.
للمال سيطرة على القلوب وسلطان على النفوس، فأراد الإسلام أن يعالج هذه السيطرة ويزيل هذا السلطان بتخفيف هذا الحبّ عن طريق التمرّن على بذل المال.
زرع بذور الرحمة والإحسان في القلب، لأنّ إمساك المال وعدم إنفاقه في أوجه الخير، وحرمان المحتاج منه يؤدّي إلى قسوة القلب، وإذا قسا القلب ابتعد صاحبه عن الله تعالى، وصار مصدر الشرّ في المجتمع، ولا شكّ أنّ ذلك يؤدّي إلى غضب الله وعقابه.
* وتحقيق المصالح العامّة للمجتمع بتقويّة النظام الاقتصادي الذي يساهم بقدر كبير في تحسين أحوال الناس الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتكون بذلك للأمّة القوّة الماديّة والمعنويّة، فيتحرّرون من التبعية لغيرهم الهالكة، ويستردّون حقوقهم المغصوبة ويثبّتون ملكهم.










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-21, 18:09   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

القيم الفكرية والعقلية
قال الله تعالى:
( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ )
البقرة الآية 242.



الدرس الأول:
إنّ العقل هو أعظم النعم وأجل المنح، ولا ريب في أنّ صلاح العقل واستقامته في الإدراك والتفكير ووزنه الأشياء بميزان الحقيقة، وتحرّيه الإنصاف في أحكامه يترتّب عليه إصلاح الأعضاء كلّها، فلا تُصدر إلّا خيراً ولا تعمل إلا صلاحاً، ولا تقول إلا حسناً، لأنّه الحاكم عليها والرئيس بينها، وإذا صلح العقل صلحت الحياة، أمّا إذا فسد العقل واختلّ نظام التفكير فسدت الحياة فلا يصدر إلّا الشر.
نعمة العقل:
العقل هو تلك النعمة العظيمة والمنحة الربانية العجيبة التي منحها الله تعالى للإنسان وكرّمه بها وفضّله. وهي إحدى معجزات الخلق. ثم نمرّ بها غافلين أنّنا تعوّدناها! ولا نشكر الله الذي تفضّل بها علينا، إلّا حين يقع العقل على سرّ من أسرار الكون.. مع أنّ الشّكر يكون في كلّ وقت وحين، وعلى جميع النعم الصغيرة والكبيرة سواء!
اتّباع الأسلاف من غير إعمال العقل سبب الضلال:
لقد ذمّ الإسلام اتباع الأمم السالفة وحتى الأمم الحاضرة من غير إعمال العقل وهو ما يسمّى بالتقليد الأعمى ( والتقليد في عُرف اللغة هو مجموع العادات التي يرثها الآباء عن الأجداد أو التي تسري بمجرّد عامل الاحتكاك في بيئة من البيئات أو بلد من البلدان ) الذي لا دليل عليه يقوّيه، ولا برهان يعضّده، قال الله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُم اِتَّبِعُواْ مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُم لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ ) البقرة الآية 170. هذه الآية تنعي على الذين اتّخذوا تقليد الآخرين منهجاً لهم في الحياة، وتنهى المسلمين عن اتّباع هذا السبيل.. سبيل تقليد الآخرين دون معرفة أو تقويم لميزان الحقّ والباطل في ذلك.
وقال الله تعالى: ( بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُهْتَدُونَ) الزخرف الآية 22.
والإسلام ذمّ هذا النوع من الاتّباع لأنّه يؤدّي إلى تلاشي الشخصية تماماً، ويتنافى مع الكرامة الإنسانية التي أعزّه الله بها، كما يتنافى مع حركة العقل الطبيعية. والله جلّ وعزّ إنما تعبّد عباده بهذا الدّين إعزازاً لهم وتكريماً لا إهانة وإذلالاً.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ وكره إلا أن يُؤمر بمعصية فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) رواه مسلم. وقال أيضاً: ( لا تكونوا إمّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تُحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا ) رواه الترمذي.
وجوب إعمال العقل:
وبناء على الآيات التي سبق ذكرها فقد أجمع المسلمون على أنّه لا يجوز التقليد في مبادئ العقيدة، وأنّ من قال أنّني أومن بالله لأني أرى أهلي جميعاً يؤمنون به أو لأنّ البيئة تفرض عليَّ ذلك، فإنّ إيمانه ليس بالإيمان الصحيح الذي أراده الله تعالى.
فأحكام الله تعالى ليست من قبيل التعاليم التي تنتقل بالوراثة، وإنما هي مبادئ قائمة على أساس من المصالح الدنيوية والأخروية.
إنّ المتأمّل في آيات القرآن الكريم يلقاه حافلاً بالدعوة إلى إعمال العقل في كل أمر، قال الله تعالى:
( وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك الآية 10.
( أُفٍ لَكُم وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الأنبياء الآية 67.
ثمار إعمال العقل:
من خصائص العقل الإدراك الذي يتحقّق به الفهم والتصوّر، فإعمال العقل يقود إلى فهم الأمور فهماً كاملاً وتصوّرها تصوّراً صحيحاً، وذلك هو الذي يُعين على إدراك الأمور على حقيقتها فتُستخرج منها أسرارها وتُبنى عليها النتائج والأحكام الصحيحة.
وإذا استعمل الإنسان عقله يمنع غيره من السيطرة عليه، ممّن يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، بل ويمنعه من الحيلولة بينه وبين الحياة العادية.
التي يُنشدها كلّ إنسان عرف إنسانيته في هذه الحياة الدنيا.

الدرس الثاني:
تعريف الشّريعة:
الشّريعة في اللغة: عُرِف لفظ الشّريعة عند العرب بمفهومه الذي أتى به القرآن الكريم، وتعني عندهم معنيين:
ـ تُطلق الشّريعة على شرعة الماء ومورده ومشربه.
ـ وتُطلق أيضاً على الطريقة المستقيمة التي لا اعوجاج فيها.
ومنه قوله تعالى: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ) الجاثية 18
الشّريعة في الشرع: أما الشّريعة في مراد الفقهاء فتعني ما شرّعه الله تعالى لعباده من الأحكام. التي جاء بها نبيّ من الأنبياء، سواء ما تعلّق منها بالاعتقاد أو العمل. قال القرطبي: (أمّا الشّريعة تعني ما شرّعه الله لعباده من الدّين ).
الغاية من التشريع:
الغاية من الشّريعة الإسلامية إقامة العباد على منهج العبودية الصادقة لله، لإيجاد المجتمع الطاهر الذي تسوده القيَم الفاضلة، ويعمّ فيه المعروف، وتجتثّ منه المنكرات.
والمعروف هو الخير الذي يناسب فطرة الله التي فطر الناس عليها ، والمنكر هو الباطل الذي يصادم الفطرة.
قال الله تعالى: ( الْذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم فِي الأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) الحج الآية 41.
خصائص الشّريعة الإسلامية:
للشريعة الإسلامية خصائصها الخاصة التي تميّزت بها عن غيرها من الشرائع تمييزاً واضحاً بارزاً نذكر بعضها فيما يلي:
1) الربانية:
إن مصدر الإسلام، ومشرّع أحكامه ومناهجه، هو الله وحده، فهو وحيه الذي أوحاه إلى رسوله الكريم محمّد صلى الله عليه وسلم باللّفظ والمعنى ( القرآن الكريم ). وبالمعنى دون اللفظ ( السنّة المطهّرة ).
قال الله تعالى: ( تَنْزِيلُ الكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ ) السجدة الآية 2 وقال تعالى: ( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) النمل الآية 6.
وقال سبحانه عن السنّة النبويّة: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم الآية 3/4.
ويترتّب على كون مصدر الشريعة من الله جلّ وعلا كماله وخلوّه من النقائص وأنّه يظفر بقدر كبير جدّاً من الهيبة والاحترام من قِبَل المؤمنين به.
2) الوسطية:
وهذه الخاصية تعني أنّ الإسلام في نظرته للأمور وعلاجه للمشكلات يقف موقفاً وسطاً لا إفراط فيه ولا تفريط.
وهذا شأن الإسلام في كل القضايا التي عادة ما تجنح فيها المذاهب وتتطرّق إلى هذه الجهة أو تلك .
أمثلة للوسطية :
ـ في عقيدة التوحيد نجد الوسطية الإسلامية بين المادية الإلحادية وبين الإيمان بتعدد الآلهة.
ـ والإسلام في نظرته إلى الرسل يقف موقفاً وسطاً بين الذين قدّسوهم وعبدوهم من دون الله وبين الذين كذبوهم أو قتلوهم. فالرسل في نظر الإسلام هم صفوة الخلق وخيرتهم والأمناء فيما بلغوا عن الله ولكنهم بشر تسري عليهم كل خصائص البشر وأعراضهم، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُم أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ) الرعد الآية 38.
ـ وتتجلى وسطيّة الشريعة في نظرتها إلى الإنسان حيث جمعت بين تكريم الإنسان واستخلافه في الكون وبين عبوديته لله فهي تحترم الإنسان وتعلن تفضيله على سائر المخلوقات، وتؤكّد دوره الإيجابي في الوجود، ولكنها لا تؤلهه ولا نجد تناقضاً بين تكريمه وعبوديته لله سبحانه وتعالى والتي هي مصدر عزّه وعلوّ مكانته قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مَمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) الإسراء الآية 70 .
ـ وفي نظرة الإسلام إلى المعرفة تتجلى الوسيطة التي تقيم المعرفة على دعامتين الوحي المقروء والكون المنظور ، والتي تجمع بين الوحي والعقل فهي تفهم الوحي بواسطة العقل وتضبط العقل بالوحي وتربط نتائج هذه المعرفة المزدوجة وتطبقها بروح الوجدان .
ـ وفي نظرة الإسلام إلى العلاقة بين الفرد والمجتمع يقف وسطاً بين إعطاء الفرد الحريّة المطلقة وإن أضرّ بالجماعة وبين إهدار قيمته لحساب المجموع، فالإسلام يحفظ حقوق الفرد ويصون حريّته ويلزمه بممارسة تلك الحقوق والحريّات ضمن إطار مصلحة الجماعة.
وهكذا يتوسّط الإسلام في كل نُظمه وتشريعاته بين طرفي الإفراط والتفريط بحيث لا يطغى عنصر على حساب عنصر وبحيث تتجمّع كل العناصر النافعة من كل طرف من الأطراف لتؤلّف كلًّا جامعاً يحقّق الخير ويرتقي بالحياة.
قال تعالى : ( ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف الآية 40.
3) العالمية:
إن الجماعة الإنسانية على وجه الأرض تعود إلى أصل واحد على الرغم من اختلاف الألوان والأشكال والأجناس، ولا يحفظ البشر وحدتهم إلَّا إذا أقاموا الهدف الذي خُلقوا من أجله وهو عبادة الله وحده، وتحقيق ذلك يكون باتّباع الدِّين الذي أنزله الله لعباده، والتحاكم إلى الشريعة التي أرادها أن تكون قانوناً عالمياً للناس جميعاً، ألَا وهي شريعة الإسلام.
فالشّريعة الإسلامية هي الرسالة العامّة التي تخاطب جميع الأمم، وجميع الأجناس، وجميع الطبقات، قال الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء الآية 107. وقال عزّ وجلّ: ( قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم جَمِيعاً ) الأعراف الآية 158. وقال سبحانه: ( تَبَارَكَ الْذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) الفرقان الآية 1.
والاعتقاد بعالمية الشريعة الإسلامية يفرض على المسلم أن يبلّغ هذه الرسالة إلى جميع الناس دون استثناء.
4) اليسر ورفع الحرج:
من تكريم الإسلام للإنسان أن اعترف به كلّه كما فطره الله سبحانه: جسماً وروحاً وعقلاً وقلباً وإرادةً ووجداناً، لهذا أمره بالسعي في الأرض، وأمره بعبادته وحده، وأمره بالنظر والتفكير في ما خلق الله، وكل هذه التكاليف لا تتجاوز طاقة الإنسان، قال الله تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة الآية 286. ونفى القرآن الكريم كلّ حرج عن هذه الشّريعة السَّمْحَة فقال تعالى: ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ) البقرة الآية 185.
واليسر ورفع الحرج نتيجة منطقية لعموم الإسلام وشمول شريعته، قال
الله تعالى: ( هُوَاِجْتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج الآية 78.
ونلاحظ يسر الإسلام في جميع أحكامه، فقد رخّص الإسلام الرّخص الكثيرة عند وجود أسبابها، وقد جاء في الحديث الشريف: ( إن الله يحبّ أن تُؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيّته ) رواه أحمد.
والإيمان بيُسر الشّريعة الإسلامية يجعل المسلم لا يحمّل نفسه ما لا تطيق من الأحكام، ويختار لنفسه الطريق اليسير إن لم يكن في ذلك معصية.





الدرس الثالث:
للشريعة الإسلامية مصدرٌ واحد هو القرآن الكريم، أمّا السنّة فهي مصدر مبيّن للقرآن تدور معه حيث يدور. وكلاهما محفوظ، فأمّا القرآن فقد تكفّل الله عزّ وجلّ بحفظه بكامل حروفه، ولم يكل ذلك لأحد من الناس، قال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر الآية 9.
هذا الكتاب الكريم هو المصدر الوحيد للهداية بكل أنواعها ولجميع البشرية في كلّ ظروفها وأزمنتها، لا يضيق عن شعب أو قوم، ولا يعجز عن استيعاب حضارة، باق على هذه الأرض دون زوال. وذلك بما اشتمل عليه من مؤشّرات الهداية، وبما تضمّنه من الكليّات والمقاصد والغايات التي تستوعب ظروف الحياة مهما تنوّعت واختلفت.
ويلازم القرآن ملازمة تامّة السنّة النبويّة المطهّرة. وملازمتها للقرآن هي أوضح ما تكون في قوله تعالى: ( الْذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيءَ الأُمِّيَّ الْذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُم فِي التَوْراَةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمُ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ التِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالْذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الْذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) الأعراف 157.
فهذه هي الصورة الحقيقية للمصادر التي تعدّ المرجعية النهائية للبشرية إلى يوم القيامة من دون الحاجة إلى أيّة مرجعية أخرى، قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنه في قوله: ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسّكتم بهما: كتاب الله وسنّتي ) رواه مالك.
1 / القرآن الكريم:
القرآن في اللغة: اسم المكتوب بالنسبة للكتاب، والقرآن مصدر بمعنى القراءة، قال الله تعالى في سورة القيامة الآية 18: ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) أي قراءته.
القرآن في الشرع: هو كلام الله المعجِزُ المنزّلُ على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين عليه السلام ، المتعبّد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر،المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس.
خصائص القرآن الكريم:
للقرآن الكريم خصائص يمتاز بها عن غيره من الكتب منها:
ـ ألفاظ القرآن ومعانيه من عند الله تعالى وحده، وما الرسول محمّد صلى الله عليه وسلم إلا مبلّغ فقط، قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَاتِهِ ) المائدة الآية 67.
ـ القرآن نُقل إلينا بطريق التواتر، فما نقل إلينا عن غير هذا الطريق كالقراءات الشاذّة، لا يعدّ قرآناً، فلا تصحّ الصلاة به ولا يتعبّد بتلاوته. والتواتر هو الطريق الوحيد الذي حفظ به القرآن من التحريف، قال الله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر الآية 9.
ـ القرآن العظيم معجِز، لا يستطيع أحد من المخلوقات جميعاً أن يأتي بمثله ولو كان بعضهم لبعض معيناً، قال تعالى: ( قُلْ لَئِنْ اِجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) الإسراء 88
حجّيّة القرآن الكريم:
القرآن حجّة ولا خلاف في ذلك لأنّه كتاب الله رب العالمين الذي يلزم على كلّ مكلّف الإذعان له واتّباع ما جاء فيه، والدليل على ذلك، قول الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ..) النساء 57. وقال سبحانه: ( وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرُسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) الأنفال الآية 47.
نزول القرآن وتنزيله:
ذهب العلماء إلى أنّ هناك فرق بين " الإنزال " وبين " التنزيل " إذ أن الإنزال دفعي، والتنزيل تدريجي.
وحين يتّضح الفرق بين الإنزال وبين التنزيل، يُزال التعارض بين كثير من الآيات، ويكون معنى قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ) القدر الآية 1. وقوله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الْذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ.. ) البقرة الآية 185. هو النزول الدفعي للقرآن أو الإجمالي. ومعنى قوله تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنْزِيلاً ) الإنسان الآية 23. وقوله تعالى: ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ) الإسراء الآية 106.
فالقرآن الكريم إذاً نزل على دفعتين هما:
1) أنّ الله أنزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا.
2) ثم تنزّل القرآن من السماء الدنيا على قلب النبي محمّد صلى الله عليه وسلم منجّماً في أوقات مختلفة، خلال ما يقرب من ثلاث وعشرين سنة.
تدوين القرآن الكريم:
1) لقد تمّ تدوين القرآن الكريم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكان كلّما نزل الوحي بالآيات أسرع الرسول صلى الله عليه وسلم لحفظه في ذاكرته فقال الله تعالى له: ( لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) القيامة الآية 16/17. ثمّ سجّلتها فوراً أيدي أمناء الوحي، روى قتادة، قال: ( سألت أنس بن مالك: مَن جمع القرآن على عهد النبي ؟ قال: أربعة كلّهم من الأنصار: أُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد ) رواه البخاري.
إلا أنّ جمع القرآن في مصحف مرتّب الآيات والسور لم يتم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأسباب منها:
ـ تنزيل القرآن منجّماً، فكانت آيات سورة تتنزّل ثم تنقطع لتنزل آيات سورة أخرى، ولا شكّ أنّ حالة كهذه يتعذّر معها جمع القرآن مباشرة عند نزوله.
ـ لم يعش الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن ختم الوحي فترة مناسبة ليقوم هو بترتيب وجمع القرآن في مصحف واحد. فإنّه قُبض في السَّنة التي نزلت فيها آخر آية من القرآن.
2) تمّ في عهد الخليفة أبي بكر رضي الله عنه جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، ممّا ظفر هذا المصحف بإجماع الأمّة عليه وتواتر ما فيهن وهذا الجمع يسمّى بالجمع الثاني.
3) جمع القرآن في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه: ظلّ المسلمون يقرؤون القرآن بقراءات شتّى لاختلاف ألسنتهم، فكان الاختلاف في الحركات الإعرابية مثلاً مثاراً للخلاف بينهم، الأمر الذي دعا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن يسرع إلى الخليفة عثمان رضي الله عنه قائلاً له: أدرك هذه الأمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل إلى حفصة رضي الله عنها أن أرسلي الصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها إليك، فأرسلت بها إليه، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم، فنسخوها في المصاحف. قال عثمان رضي الله عنه للرّهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم..فأرسل في كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا..
المكّي والمدني:
إنّ معرفة المكي والمدني من القرآن من أهمّ ما يستند إليه الباحث في معرفة أسلوب الدعوة، وألوان الخطاب، والتدرّج في الأحكام والتكاليف.
وفي هذا الضوء استعمل العلماء اصطلاح المكّي على قسم من القرآن الكريم، والمدني على قسم آخر منه. وأساس التفريق بين المكي من القرآن والمدني منه هو الهجرة النبوية، ويُسَمّى بالأساس الزماني:
ـ القرآن المكّي: هو ما نزل قبل الهجرة النبوية، وإن كان بغير مكّة المكرّمة.
ـ القرآن المدني: هو ما نزل بعد الهجرة النبوية وإن كان بغير المدينة المنوّرة.
2 / السنّة النبويّة:
السنّة لغة: هي الطريقة التي يسلكها الإنسان في حياته حسنة كانت أو سيئة، قال صلى الله عليه وسلم: ( من سنّ سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) رواه مسلم.
السنّة شرعاً: هي كلّ ما نقل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف.
حجيّة السنّة النبويّة:
كل ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من أحكام وتشريعات وتعاليم وغيرها فهو حجّة، والدليل على ذلك: قوله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواْ ) الحشر الآية 7. وقوله تعالى: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ أَمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ .. ) النساء الآية59.
أقسام السنّة النبويّة:
تنقسم السنّة إلى ثلاثة أقسام وهي:
1) السنة باعتبار تعريفها: وتتنوّع بهذا الاعتبار إلى أربعة أنواع:
ـ السنّة القولية: وهي كلّ ما كان يتحدّث به النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه.
ـ السنّة الفعلية: وهي كلّ ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ويقوم به من أفعال.
ـ السنّة التقريرية: وهي كلّ ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعه فوافق عليه وأقرّه، مثل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل على الاجتهاد لمّا أرسله إلى اليمن.
ـ السنّة الوصفية: وهي تتعلّق بأحواله صلى الله عليه وسلم ، كيف كان يأكل ويشرب وينام ويجلس...
2) باعتبار تعدّد الرواة: وتتنوّع بهذا الاعتبار إلى نوعين:
ـ الحديث المتواتر: وهو ما رواه جمع عن جمع يستحيل اتفاقهم على الكذب، وهذا الجمع غير محصور في عدد، ولكن لا يجوز أن يكونوا أقلّ من أربعة أشخاص. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار ).
ـ الحديث الآحاد: وهو ما عدا المتواتر، وأقسامه ثلاثة وهي:
* المشهور: وهو الحديث الذي رواه فرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تواتر بعد ذلك واشتهر. مثال: قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى الجمعة فليغتسل ).
* العزيز: وهو الحديث الذي رواه ثلاثة رواة عن اثنين، وسمّي عزيزاً لأنّه عزّز بالثالث. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ).
* الغريب: وهو الذي تفرّد بروايته شخص واحد فقط، في أيّ موضع من السند. مثال: ما رواه أنس بن مالك: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أوْلَمَ على صفيّة بسَوِيق وتمر ).
3) باعتبار القبول والردّ: يتنوّع إلى ثلاثة أنواع:
ـ الحديث الصحيح: وهو ما رواه العدل الضابط عن مثله وكان متّصل السّند وسلِم من الشّذوذ والعلّة. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..)
ـ الحديث الحسن: وهو ما اتّصل سنده بنقل العدل خفيف الضبط وسلِم من الشّذوذ والعلّة. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتها بالسواك عند كلّ صلاة ).
ـ الحديث الضعيف: وهو ما لم تتوفّر فيه شروط الحديث الصحيح والحديث الحسن. مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: ( الجنّة تحت أقدام الأمّهات ).
منزلة السنّة النبويّة:
تحتلّ السنّة النبويّة المنزلة الثانية في التشريع بعد القرآن الكريم. حيث لم يكن للمسلمين مصدر للتشريع سوى القرآن والسنّة النبويّة، ففي كتاب الله الأصول العامّة للأحكام الشرعية، وجاءت السنّة النبويّة موافقة للقرآن، تفسّر مجمله، وتوضّح مبهمه، وتشرح أحكامه وأهدافه، قال الله تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل الآية44.
فالسنّة بمنزلة القرآن من حيث أنها وحي، ومن حيث أنّها مصدر تشريعي يجب العمل بما فيها، وهي تلي القرآن في المرتبة من حيث الاعتبار لأنها مبيّنة له.
الأحكام التي جاء بها القرآن والسنّة النّبويّة:
جاء القرآن والسنّة النبويّة بثلاثة أنواع من الأحكام:
1) الأحكام الاعتقادية: وهي التي تتعلّق بما يجب على المكلّف اعتقاده والإيمان به، كالإيمان بالله وصفاته، وملائكته، واليوم الآخر...
2) الأحكام الخلقية: وهي التي تتّصل بالفضائل التي يجب على المكلّفين أن ينطووا تحت أعلامها ويستظلّوا برايتها، وتتّصل بالرّذائل التي لا بد من تجنّبها.
3) الأحكام العمليّة: وهي التي تتّصل بما يصدر عن المكلّفين من قول أو فعل أو أي تصرّف من التصرّفات، وهذا النوع من الأحكام يتنوّع إلى نوعين:
ـ أحكام تعبّدية: وهي التي تنظّم علاقة الإنسان بربّه.
ـ أحكام تتعلّق بالمعاملات: وهي التي تنظّم علاقة الفرد مع أخيه، وعلاقة الفرد بالمجتمع، وعلاقة الأمّة بالأمم.
الأحكام التي أبطلها القرآن والسنّة النبويّة:
أبطل القرآن والسنّة جملة من الأحكام كانت منتشرة بين الناس منها:
ـ ما يتعلّق بالعقيدة: كالادعاء أنّ لله ولد أو زوجة سبحانه...
ـ ما يتعلّق بالعبادة: كعبادة الأصنام، والذبح لغير الله..
ـ ما يتعلّق بالأخلاق: كالتكبّر والتفاخر بالأنساب والرياء...
ـ ما يتعلّق بالمعاملات: كالربا والميسر والخمر ووأد البنات والثأر...
الدرس الرابع:
تعريف العلم:
هو إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع، سواء كان ذلك الشيء من المحسوسات أو المغيبات.
وجوب طلب العلم:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ) رواه ابن ماجه.
العلم هو تلك الطاقّة الهائلة التي يمدّ بها الإنسان حياته، ويوسّع كيانه. وهو تلك النافذة الضخمة المفتوحة على المجهول، وهو ذلك الشعاع النافذ في الظلمات.
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال عن العلم: ( الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة والمحدّث في الخلوة والدليل على السرّاء والضرّاء والسلاح على الأعداء.. وبه يُعرف الحلال والحرام وهو إمام العمل والعمل تابعه ..) رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ألَا يكون هذا العلم واجب يؤدّيه الإنسان إلى الله ويعبّد به إليه، فمن ثم فهو يؤدّيه بأمانة، ويؤدّيه بإخلاص.
منزلة العلماء في الإسلام:
العلماء هم مصابيح الهداية، ورسل الرشاد، وأمناء الله في خلقه، يهدون الضّال، ويأخذون بيد المسترشد إلى حيث السداد والصواب، آتاهم الله من بسطة الفهم، وسعة العقل، ونفاذ البصيرة ما يكون عصمة لهم من الزلل في الرأي، وعوناً لاستكشاف الحقائق وغوامض العلوم، فصدورهم أوعية المعارف، وعقولهم خزائن الحِكم، يفيض منها على الناس ينبوع لا ينضب، ومعين لا يغيض. وعلى قدر كثرتهم في الأمّة واسترشاد الناس بهم يكون رقيّها وعزّها.
فمكانة العلماء عند الله عظيمة وعند الناس رفيعة، قال الله تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْذِينَ يَعْلَمُونَ وَالْذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) الزمر الآية 9. وقال عزّ وجلّ: ( يَرْفَعِ اللهُ الْذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَالْذِينَ أُوتُواْ العِلْمَ دَرَجَاتٍ ) المجادلة الآية 11.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في جوف البحر ليصلّون على معلم الناس الخير ) رواه الترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام: ( فَضْل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلاً ) رواه الترمذي. وقال : ( من سلك طريقاً اِلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنّة ) رواه مسلم.
أخلاقيات العلم:
وهيأن يثمر العلم نتائج مهمّة للجنس البشري:
ـ توثيق صلة الإنسان بالوجود للمزيد بالعرفان.
ـ التحكم في قوى الكون والإفادة من ذخائره المكنونة.
ـ الإسهام في تحسينورفع مستوى نوعية الحياة الإنسانية والحضارة.

الدرس الخامس:
أقسام العلوم:
تنقسم العلوم إلى قسمين: علم الدّين وعلم البدن.
ـ علم الدّين: هذا النوع من العلوم كلّه محمود، وهو العلم الذي يتعلّق بالقرآن والسنّة النبويّة، مثل التفسير والحديث والعقيدة والفقه وأصول الفقه والسيرة النبوية وغيرها..
ـ علم البدن: ينقسم إلى ما هو محمود وما هو مذموم.
* فالعلم المحمود هو ما ترتبط به مصالح أمور الدنيا، كالطب والحساب والفلك وغيرها..
* والعلم المذموم هو ما لا فائدة فيه في دين ولا دنيا، إذ فيه ضرر يغلب نفعه، كعلم السحر والطلمسات وغيرها..
إسهامات المسلمين في شتّى العلوم:
في علم الرياضيات :
تكوّن الرياضيات جملة من العلوم أهمّها الحساب والجبر والهندسة والمثلثات التي يشاركها فيها علم الفلك. وقد كانت للعرب قبل الإسلام مبادئ في العدّ لكن الحساب لم يصبح علماً إلا بعد الإسلام.
فإن من أهم العلماء الرياضيين المسلمين الذين أثّروا في الثقافة الإنسانية تأثيراً عميقاً هو أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي ( توفي بعد 232 هـ / 846 م ) الذي كان كتاباه " الجبر والمقابلة " و " الجمع والتفريق " وقد ترجما إلى اللاتينية في وقت مبكّر. وهو بذلك يستحق أن يتصدّر القول في مظاهر ريادة الحضارة الإسلامية في علم الرياضيات.
ـ في علم الجبر: كتاب " الجبر والمقابلة " للخوارزمي في ثلاثة أقسام:
1 ـ في النظام العشري، والمعادلات التي قدّمها الخوارزمي، وعددها ست، قد حلّها هندسياً، وضروب العمليات الحسابية الأساسية وهي الضرب والجمع والطرح أو النقصان والقسمة، ثم المعاملات وقد اهتم فيه الخوارزمي بمسائل الجبر النظري.
2 ـ في المسـاحة، ويحتوي هذا القسم على ضروب المساحـات كمساحة المثلث والمعين والدائرة وحجم الهرم الثلاثي والهرم الرباعي والمخروط. وقد ذكر الخوارزمي أنواع المربعات والمثلثات وحدّد طريقة الحصول على مساحة كل منها.
3 ـ في الوصايـا وقد أُدخل في باب المواريث أي الفرائض الشرعية. وهذا القسم يعطي الكتاب بُعداً اجتماعياً لأنّه يصل العلم بالمصلحة العامّة. فإنّ أثر " المعاملات " في الكتاب ظاهر لكن الخوارزمي قد وجّه اهتمامه إلى
مسائل الجبر النظرية باعتباره علماً قائماً على المعادلات.
وقد كانت لهذا الكتاب آثار في تطوير الرياضيات العالميّة، وخاصّة من حيث:
(1) إدخال الأعداد العربية إلى الغرب الأوروبي قد عوّض استعمال الحروف الرومانية في الحساب .
(2) استعمال الصفر مع الأرقام العربية والاقتصار بذلك على عشرة رموز لتمثيل جميع الأعداد .
(3) تبسيط استعمال الحساب في معالجة المجاميع المعقّدة المجرّدة.
(4) إدخال علم كامل في الدرس الرياضي الأوروبي ( ثم العالمي ) هو علم الجبر الذي عٌرف بالاسم الذي أعطاه الخوارزمي له، في مختلف لغات العالم.
وقد توسّع العلماء المسلمون بعد الخوارزمي في علم الجبر وأضافوا إليه إضافات كانت لها أهميتها هي أيضاً في التقدّم بالعلم وتطوير مباحثه.
في علم الفلك :
يشتمل علم الفلك على جملة من المباحث تكوّن مادّته العلمية أهمّها أحكام النجوم، والأرصاد، والمثلثات التي تشاركه فيها الرياضيات. وقد كانت للعرب قبل الإسلام " ثقافة نجومية " يظهرها ما يُعرف عندهم بالأنواء، لكنها ثقافة مستمدة من التجربة الجماعية المتوارثة، ثم عرفوا الفلك بعد الإسلام علماً له مبادئه وقوانينه. بعد أن ترجموا إلى العربية بعض كتب الهند واليونانيين. إلَّا أنّ العلماء المسلمين كان لهم استقلالهم الفكري وآراؤهم التي تحصّلت لهم من تعميق النظر بحسب ما استقر في ممارستهم للعلم من منهج مبني على الشك المنهجي، وهو منهج لا يقرّ بالتبعية، وقد ظهر أثر ذلك الاستقلال في أعمال الفلكيين المسلمين، وخاصّة فيما تحقّق لهم في بحثهم من نتائج لم تأت بها كتب السابقين. ونريد أن نشير فيما يلي إلى بعض من تلك النتائج التي تُمثّل بعضاً من إسهام المسلمين في تطوير العلم.
1 ـ المثـال الأوّل مشهور، يرجع إلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري، في أيام الخليفة المأمون، وهو ما يُعرف بقياس محيط الأرض. فقد ذكر " نلينو " نصاً مطولاً منقولاً من كتاب " الزيج الكبير الحاكمي" لابن يونس المصري ( توفي سنة 399 هـ/ 1009 م ) حول ما قامت به جماعة من الفلكيين من الرصد بأمر من المأمون لقياس قوس من دائرة نصف النهار، وقد تكوّن فريقان وذهب كل فريق إلى مكان ليستقلّ برصده عن الآخر. فقاس الفريقان مقدار درجة من أعظم دائرة تمرّ بسطح الأرض فوجدا قياساً واحداً متفقاً وهو سبعة وخمسون ميلاً. وقد درس" نلينو "الميل العربي وقدّر قياسه وانتهى إلى أنّ طول الدرجة عند فلكيي المأمون 111815 متراً وطول جميع محيط الأرض 41248 كيلو مترا، وهو قدر قريب من الحقيقة دال على ما كان للعرب من الباع الطويل في الأرصاد وأعمال المساحة.
2 ـ قانون جابر بن أفلح ( توفي حوالي سنة 545 هـ / 1150 م ). فقد ألّف هذا الفلكي الأندلسي كتاباً في علم الهيئة انتقد فيه "بطلميوس" وأدخل فيه جزءاً خاصاً بالمثلثات وجعل قاعدة " الأقدار الأربعة " في الحساب الخاص بالمثلثات الكروية أساساً لاستخلاص قوانينه، وقد وضع قانوناً جديداً لم يسبقه إليه أحد وعُرف هذا القانون في أوروبا باسم قانون جابر، وهو:
جتا ب = جتا ب. حا أ، أي : Cos A = Cos a Sinus B
3 ـ وقد كانت للعرب أعمال جيّدة تشبه التي ذكرنا، سواء في الأرصاد أو في تقدير الأوقات ووصف حركات الكواكب، وفيما قيل عنهم كثير من الصدق لأنّ أعمالهم الفلكية لا تقوم على التقليد بل على الملاحظة والقوانين الرياضية الدقيقة. وقد استطاعوا لذلك مثلاً أن يعرفوا أصول الرسم على سطح الكرة وأن يضبطوا حركة أوج الشمس وأن يدقّقوا حساب السنة الشمسية، وقد استطاع " البتاني " أن يضبطها ضبطاً محكماً وبيّن أنها 365 يوماً وخمس ساعات و46 دقيقة و24 ثانية، وقد أخطأ بدقيقتين و 22 ثانية.
في علم الطب :
قد غلب على الأطباء العرب تقسيم الطب إلى كليات وجزئيات، وإلى قسم نظري وقسم عملي. فذلك ما نجده عند أبي الوليد ابن رشد ( توفي سنة 595 هـ / 1198 م ) مثلاً في كتاب " الكليّات في الطب ". وتشتمل الكليّات الطبيّة على معرفة الأركان والأمزجة والأخلاط والأعضاء وتشريحها، وأسباب الأمراض وعلاماتها. وتشتمل الجزئيات الطبيّة على الأمراض الجزئية سواء ما اختص منها بعضو أو ما لم يختص بعضو، ثم على المعالجات، وقد اختلف في أمر الأدوية: فهي عند ابن سينا مثلاً إما مندرجة في الطب النظري إذا كانت مفردة. فهي إذن من الكليات. وإمّا مندرجة في الطب العملي إذا كانت مركبّة، فهي إذن من الجزئيات، وهي عند ابن رشد مثلاً من " الآلات التي تحصل بها الغايات " فهي الوسائل التي تحفظ بها الصحة ويُزال المرض، ولا فرق بين الأدوية المفردة والأدوية المركّبة في انتمائها إلى " الكليات الطبية ".
وقد أخذ الأطباء العرب مجمل آرائهم في القسمين الكلي والجزئي أو النظري والعملي من الطب الإبقراطي والجالينوسي، مع تفاوت في اعتماد المصدرين. لكن من الظلم لهم أن نقول إنهم قد انحصروا في النموذجين الطبيّين الذين ذكرنا وأنهم كانوا يكتفون بالنقل عن الأصول. فإن المبادئ العامّة والأسس النظرية كانت يونانية، لكن تناوُل العلم بالممارسة والتطبيق قد أدى إلى إخراجه من العلم القياسي النظري القائم على الاستدلال والبرهنة العقلية إلى العلم التجريبي القائم على المشاهدة والملاحظة العلمية. وهذا الانتقال هو الذي مكّن بعض الأطباء من الخروج عن النموذج الجالينوسي الخالص والإسهام بتصورات جديدة في تطور العلم. ونريد أن
نخصّ من المجالات التي برزت فيها ثلاثة:
أ ـ في الجراحة:
لم تكن الجراحة ـ عامّة ـ من المباحث الأساسية في الطب الجالينوسي على ما أقرّه الاسكندرانيون على الأقل، فهي من الطب العملي، بل هي في الطب العملي من باب " أعمال اليد " الذي كان يعدّ من " أعمال الخدام للطبيب "، ولذلك قلّ الاهتمام بمسائل الجراحة في المؤلفات الطبيّة العامّة إذ كاد الذين عنوا بأعمال اليد لا يخرجون عن جبر الكسور والفصد والحجامة والكي والبط. ولا شكّ أنّ أوّل من عنى بها عناية حقيقية هو أبو القاسم الزهراوي.
فقد خص الزهراوي الجراحة بمقالة تامّة مستقلة هي المقالة الثلاثون من كتابه " التصريف لمن عجز عن التأليف ".
والمقالة في ثلاثة أبواب وكل باب في جملة من الفصول. والباب الأول في الكي والثاني في الجراحة والثالث في الجبر والخلع.
ب ـ في التشريح:
وقد كان التشريح معدوداً من الكليات لأنّ موضوعه الأساسي هو معرفة الأعضاء المكوّنة للبدن. وقد اعتمد فيه المسلمون اعتماداً كبيراً على القدامى وخاصة على جالينوس. ولم يسمح لجالينوس مذهبه القياسي أن يتفطن إلى كل العناصر المكوّنة للبدن والتي يظهرها علم التشريح. ثم إنّ التشريح في العرف الإسلامي قد ارتبط بالتحريم فكان الأطباء يظهرون الابتعاد عنه إمّا بصدق وإمّا تُقية. ومن أشهر الأطبّاء الذين أظهروا التقية في تناولهم التشريح ابن النفيس، ولو لا ممارسته التشريح لما استطاع أن ينتقد أخطاء السابقين. وخاصة جالينوس وابن سينا. وأن يخالفهم ويأتي بالجديد. وقد نتج عن هذا النقد اكتشاف ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى أو الرئوية وقد كان اكتشافه هذا موضع تنويه كبير.
ج ـ في تشخيص المرض:
والتشخيص قد برع فيه أطباء مسلمون كثيرون براعة كبيرة، وهم يسمونه " تقدمة المعرفة " ولهم في ذلك وسائل من أهمّها "النظر في ماء المريض " أي في بوله. ولكن هناك حالات أخرى دالّة على فطنة الطبيب وقوّة ملاحظته وقوّة خبرته بمعرفة الأمراض وأعراضها وأسبابها، ولذلك كله دور حاسم في معرفة سبل العلاج وشفاء المريض. وخاصة في عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة كثير من حالات التشخيص التي سماها " نوادر". فإنّ الغالب على مؤلفاتهم الاكتفاء إمّا بذكر ما اعتقدوه حقاً ممّا نقلوه من الطب وقاموا بتجربته، وإمّا بذكر خلاصات تجاربهم دون أن يحفلوا بذكر الجزئيات والتفاصيل، رغم ما لها من أهميّة، ولعلّ إغفالهم ذلك راجع إلى ملازمة التواضع وكراهة الحديث عن النفس.
ومن المؤلفات النادرة التي اشتملت على نماذج من تجارب مؤلفيها كتاب "التيسير في المداواة والتدبير" لأبي مروان عبد الملك ابن زهر ( توفي سنة 557 هـ / 1162م ). وقد كان أمره فيما يبدو مشهوراّ في الأندلس، فقد ذكر ابن أبي أصيبعة أنّه لم يكن في زمانه من يماثله في مزاولة أعمال صناعة الطب وله حكايات كثيرة في معرفة الأمراض ومداواتها ممّا لم يسبقه أحد من الأطباء إلى مثل ذلك.
تلك أمثلة من إسهامات العقل العربي الإسلامي. وهي أمثلة محدودة في النوع وفي العدد ولكنّها تعدّ نماذج دالة على مظاهر عامّة من جملة مظاهر أخرى قد اختصّ بها بعض عن بعض من العلماء. فإنّ الإضافات في تاريخ العلوم عند المسلمين لم تكن نابعة من اتجاه فكري ما أو مدرسة من المدارس، بل هي في الغالب نتاج أفراد قد أكسبتهم الخبرة ما لم يكتسبه غيرهم في المجال الذي أضافوا فيه.
.
.
.
.
.
.
القيم الإعلاميّة والتواصليّة
قال الله تعالى:
( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
الحجرات الآية 13.




الدرس الأول:

التعارف:
تعارف الجمعُ إذا عَرف بعضهم بعضاً. والتعارف يؤدّي إلى التعاطف والتآلف.
وضدّه التنافر والتناكر وهو التخاصم والتنازع المؤدّي إلى الاختلاف والافتراق.
التواصل:
الاستمرار والتتابع والترابط والاتصال، يقال تواصل معه إذا اجتمع معه واتّفق، وترابط.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) متفق عليه.
ثمار التعارف والتواصل:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من سرّه أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه ) متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: ( إن صلة الرحِم محبّة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر ) رواه الترمذي.
فالتعارف والتواصل من أهمّ وسائل الاتصال بين البشر لما لهما من أثر طيّب في حياة الناس:
ـ التعارف والتواصل يجلبان المحبّة والمودّة والمواساة والنصرة.
ـ التعارف والتواصل من العوامل التي تساعد على تقويّة الصلات الإنسانية وتبادل المصالح بين الناس، سواء كانت مالية أو علمية أو أدبية.. قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات الآية 13.
ـ تقديم المساعدات وإيصال الإعانات للمحتاجين لها.
ـ ترويض النفس على التعايش مع الغير، وتجنّب العزلة والتفرّد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إيّاكم والفرقة وعليكم بالجماعة فإنّ الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة فيلزم الجماعة ) رواه الترمذي.
محاربة الإسلام لمفسدات التعارف والتواصل:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) متفق عليه.
الهجر ضدّ الوصل.
المسلم لأخيه المسلم ودود متودّد، آلف متألف، محبّ متحبّب، لا يعرف الهجر والعداء، والنفور والخصام، لأنّ ذلك يوجب الفرقة، ويمزّق الوحدة، من أجل هذا حرّم الإسلام الهجر، وجميع مفسدات التعارف والتواصل ومن أهمّها:
ـ الظلم: وهو انتقاص الحق.
ـ الاحتقار: وهو الاستصغار والسخرية.
ـ التباغض: وهو الكراهة والعداوة.
ـ التدابر: وهو التقاطع والهجر.
ـ التحاسد: وهو تمنّي زوال النعمة عن الغير.
ـ التجسّس: وهو تتبّع عورات الناس.
ـ الغيبة: وهي ذكر الغير بما يكره في غيبته.
ـ الظن السيّئ: وهو التهمة التي لا سبب لها.
قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لَا يَسْخَرُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُم وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُواْ أَنْفُسَكُم وَلَا تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ بِئسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ اِجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) الحجرات الآية 11/12.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ولا تجسّسوا ولا تحسّسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا.. ) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ..) متفق عليه.

الدرس الثاني:
التعايش السلمي:
يقال تعايش القوم بسلام إذا عاشوا بمودّة مع بعضهم البعض.
التعايش السلمي يقتضي الاحترام المتبادل، والتواصل المستمر، كما يقتضي تقديم المساعدات عند الحاجة.
محاربة الإسلام لكلّ ما يخلّ بالتعايش السلمي:
دعوة الإسلام إلى التعايش مع الغير بسلام ليست جديدة علينا ولا غريبة عنّا، بل هي مبدأ من مبادئ الإسلام.
إنّ الإسلام يحبّ الحياة ويقدّسها، ويحارب كلّ من يريد المساس بحياة أيّ فرد من البشر، لتعيش الإنسانية بسلام، وتتّجه إلى غاياتها من الرقيّ والتقدّم، وهي مظلّلة بظلال الأمن الوارف.
ولأجل تحقيق السّلم بين الناس جميعاً:
ـ أرسل الله تعالى رسوله بالهدى ودين الحق رحمة مهداة فقال الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء الآية 107.
ـ حرّم الإسلام قتل النفس البريئة، وإزهاق الأرواح الآمنة، وإراقة الدماء الطاهرة الزكيّة، قال الله تعالى: ( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) المائدة الآية 32.
ـ حرّم الإسلام ترويع الناس ونشر الخوف فيهم، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة الآية 33. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنّه من أفزاع يوم القيامة ) رواه الطبراني.
ـ تحريم الظلم بكلّ أنواعه، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال له: ( اتق دعوة المظلوم فإنّها ليس بينها وبين الله حجاب ) متفق عليه.
ثمار التعايش السلمي:
ـ التمتّع بالحقوق والنعم التي منحها الله للإنسان، قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) الإسراء 70.
ـ استتباب الأمن والطمأنينة، وتجنّب الحرب لأنها تدمير لما تصلح به الحياة. قال الله تعالى: ( وَإِنْ جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) الأنفال الآية 61.
ـ توفير الحريّة بأنواعها ( الدينية والفكرية والشخصية..) للأفراد والجماعات. لأنّ الحريّة فطرة فطر الله الناس عليها، وهي حقّ طبيعي للإنسان، قال الله تعالى: ( فَذَكِّرِ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) الغاشية الآية 21/22. وقال عزّ وجلّ: ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ) سورة قَ الآية 45.
ـ خَلْق الجوّ الملائم لنشر الإسلام، لأنّ الإسلام يحمل للبشرية الهدى والنور والخير والرشاد.. فالسلم هو السبيل الوحيد الذي يساعد على اعتناق هذا الدين وما يحمل من خير للبشر.










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-21, 18:10   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

القيم الصحيّة والبيئيّة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ
الصِحَّةُ وَالفَرَاغُ )
رواه البخاري.




الدرس الأول:
الصحّة:
هي المعافاة الكاملة بدنياً ونفسياً وعقلياً واجتماعياً.. لا مجرّد انتفاء المرض أو العجز.
وعرّفها البعض بقوله: هي حالة انسجام وتوازن بين الجسم والبيئة الطبيعية والاجتماعية. لأنّه من المعروف أنّنا لا نهتم بهذا العضو أو ذاك طالما لم يجبرنا على الانشغال به.
صحّة العقل:
العقل هو ذلك الجهاز الهائل الذي عند الإنسان، وتلك الملكة الرائعة التي وهبها الله تعالى للإنسان، فهو رئيس الجسم، الذي يقود الإنسان إلى الخير ويهديه إلى الصلاح.
وصحّة العقل واستقامته تكون في الإدراك والتفكير، والتأمّل في ملكوت الله، قال الله تعالى: ( الْذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) آل عمران الآية 191. وقال الله عزّ وجلّ: ( أَوَ لَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ ) الأعراف الآية 185. ودرء عنه ما يفسده من جهل، قال الله تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْذِينَ يَعْلَمُونَ وَالْذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) الزمر 9. وكلّ مسكر ومخدّر، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة 90.
صحّة الجسم:
الجسم يتألّف من ملايين الوحدات الأساسية المعروفة بالخلايا، وتتّحد هذه الخلايا في أنسجة مختصّة تؤلّف بدورها أعضاء تتعهّد بهذه الوظيفة أو تلك، وتتضافر كلّ الوظائف لتجعل هذه الآلة الحيّة العجيبة البالغة التعقيد التي بدأ العلم يكشف أسرارها الهائلة بإعجاب متزايد.
فالجسم يحتاج بوظائفه الطبيعية إلى الطاقة، فعمل العضلات ومكافحة الحرّ والبرد، يستوجب حدًّا أدنى من الوحدات الحرارية التي يحصل عليها الجسم بواسطة الماء والهواء والغذاء المتنوّع.
صحّة النفس:
النفس هي مصدر السلوك والتوجيه حسب ما يغمرها من أفكار ويصبغها من عواطف.
إنّ الاعتناء بصحّة النفس لا يتعارض مع المطالب المادية للجسم والمطالب المعنوية للعقل، ولا يتنافى مع حاجات الإنسان، وسواء منها ما كان ضرورياً كالأكل والشرب واللباس والنوم والراحة، أو طبيعياً كالزواج والعمل والسلامة البدنية والصحة العقلية، بيد أنّ للصحّة النفسية حق الهيمنة على هذه الضروريات من أجل أن يحفظ للإنسان توازن كامل بين مطالبه الروحية ومطالبه الماديّة، فتكمل بذلك إنسانيّته، ويرتقي ببشريّته إلى الكمال المقدّر لها في هذه الحياة.
فصحّة النفس تكون بالتخلّي عن الرذائل والتحلّي بالفضائل، فهو منهاج أخلاقي كامل يتطلّب دراسة وتدقيق.
والرذائل التي يجب تزكية النفس منها، الرياء ( وهو عمل المرء العمل الصالح ابتغاء محمدة الناس )، والشُح قال الله تعالى: ( وَمَنْ يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) التغابن الآية 16. والعُجب، والغُرور، قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ ) الانفطار الآية 6. والكبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر ) رواه مسلم. والحسد، قال الله تعالى: ( وَلَا تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ) النساء الآية 32. وكلّ ما يمقت الله تعالى عليه، ويذمّ المتصف به
وأما الفضائل التي يجب للنفس الاتصاف بها فإنها كثيرة منها: التواضع، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وما تواضع أحد لله إلا رفعه ) رواه مسلم. والإيثار، قال الله تعالى: (وَيُوثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر 9. والورع، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فمن اتّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) متفق عليه. والعفّة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من يستغن يغنه الله ومن يستعف يُعِفُّه الله..) متفق عليه. والقناعة، قال صلى الله عليه وسلم: ( طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع به) رواه مسلم. والعدل، قال الله تعالى: ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ..) النحل الآية 90. والعفو قال الله تعالى:
( وَإِنْ تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التغابن الآية 14، وغيرها كثير.
الاهتمام بالصحّة واجب شرعي:
قديماً قالوا: الصحّة تاج على رؤوس الأصحّاء لا يراه سوى المرضى.
أجل الصحّة تاج موضوع على رأس الإنسان يحمله بلا مبالاة غير واع بأهمّيّة ما يملك وغير واع بأهمّيّة مسؤوليته عليه إلى أن يأتي يوم يسقط فيه التاج عن رأسه أو رأس أقرب الناس إليه، فيذهل ويفهم أنّه كان في نعيم ربّما ذهب بلا رجعة.
فالصحّة هي أوّل نعمة وأكبرها، فواجب الإنسان الأساسي هو المحافظة على هذا الكنز الثمين الذي لا بديل ولا غنى عنه.
وقد يسأل سائل: كيف يسعنا المحافظة على هذا الكنز، أليس المرض مشكلة طبيّة من اختصاص الطبيب وحده، أستشيره إن ألمّ بيَ خطب وأعمل برأيه، وأترك الباقي للقضاء والقدر؟
والجواب عن هذا السؤال:
كلا الصّحة ليست من اختصاص الطبيب وحده، فالصّحة مشكلة أخطر من أن يعهد بها إلى الطبّ والأطبّاء وحدهم.
هناك بعض الحالات المعيّنة التي تتطلّب تدخلاً تقنياً محدّداً لا يقدر عليه إلا الطبيب المختص، ولكن تلك حالات قليلة جداً إن قيست بالأمراض الهائلة العدد والمنتشرة بشكل مخيف في كلّ بقاع العالم والناتجة عن الفقر والجوع والقذارة والجهل.
بعبارة أخرى لو استطعنا توفير الماء الصالح للشرب والهواء النقي والغذاء الكافي والتربية والتعليم لتغيّرت الحالة الصحيّة بكيفية جذرية.
وكذلك أجزم القول بأنّ الإنسان لو أخذ بنصائح الإسلام لزاد وضعه الصحيّ تحسّناً:
ـ في صحّة العقل: قال تعالى: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) محمد الآية 24. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما أسكر قليله فكثيره حرام ) رواه أبو داود.
ـ وفي صحّة الجسم: قال تعالى ( وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ ) الأعراف الآية 31. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما ملأ آدميّ وعاء شراًّ من بطنٍ بحسب ابن آدم أكلاتٌ يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسه ) رواه الترمذي. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صوموا تصحّوا ) رواه الطبراني. وقول الله تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُم المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ) المائدة الآية 3.
ـ وفي صحّة النفس: قال تعالى: ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس الآية 7/10. وقال الله جلّ وعلا: ( إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد الآية11.
والاعتناء بالصحّة فريضة وضرورة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحّة والفراغ ) رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيم فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه ) رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحَّتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك ) رواه أحمد.
الدرس الثاني:
الحفاظ على البيئة:
البيـئة:
هي مجموعة أشياء تحيط بنا وتؤثّر على وجود الكائنات الحيّة على سطح الأرض متضمّنة الماء والهواء والتربة والمعادن والمناخ والكائنات الحيّة.
كما يمكن وصفها بأنها مجموعة من الأنظمة المتشابكة مع بعضها البعض لدرجة التعقيد والتي تؤثّر وتحدّد بقائنا في هذا العالم الصغير والتي نتعامل معها بشكل دوري.
أنواع البيئة: يوجد ثلاثة أنواع من البيئة:
1 ـ بيئة طبيعية: والتي تتمثل أيضاً في: الهواء والماء والأرض.
2 ـ بيئة اجتمـاعية: وهي مجموعة القوانين والنظم التي تحكم العلاقـات الداخلية للأفراد إلى جانب المؤسسات والهيئات السياسية والاجتماعية.
3 ـ بيئة صناعية: أيّ التي صنعها الإنسان من: قُرى ومُدن ومزارع ومصانع وشبكات.
مكوّنات البيئة: وتشتمل على ثلاثة عناصر:
1 ـ عناصر حيّة: (أ) عناصر الإنتاج مثل النبات. (ب) عناصر الاستهلاك مثل الإنسان والحيوان. (ج) عناصر التحليل مثل فطر أو بكتريا إلى جانب بعض الحشرات.
2 ـ عناصر غير حية: الماء والهواء والشمس والتربة.
3 ـ الحياة والأنشطة التي يتمّ ممارستها في نطاق البيئة.
دور التعاون في الحفاظ على البيئة وضرورته:
لا بد من تضافر الجهود للقضاء على كلّ مصادر مفاسد البيئة ممّا يتطلّب دراسة علمية وتتبّع آثارها، واكتشاف أحسن الوسائل التقنية للحدّ من مضارها، ومشاركة جميع الأفراد في هذه المعركة، ( المسؤول السياسي والاقتصادي، والجمعيات، وسائر أفراد المجتمع المدني ).
آليات التعاون في الحفاظ على البيئة:
ـ عدم استعمال السيارات في وسط المدينة إلا عند الحاجة، والاكتفاء بوسائل النقل العمومية.
ـ تجنّب التدخين في الأماكن العمومية كالإدارات والمستشفيات ووسائل النقل، وغيرها.
ـ التخفيض من صوت الراديو والتلفزيون للتقليل من أضرار الضجيج.
ـ عدم رمي القمامات بجوار المنازل حتى لا تكون في متناول الأطفال.
ـ عدم حرق النفايات، بل من الأفضل ردمها في الأرض، تجنّباً لدخانها العائد إلى البيوت.
ـ إبعاد المصانع التي تنبعث منها الروائح الكريهة والغبار والدخان والأصوات المزعجة عن الأماكن العامرة بالسكان.
أثر الحفاظ على البيئة على حياة الفرد والمجتمع:
لا شكّ أنّ الحفاظ على البيئة وظيفة الجميع، والتعاون من أجل بيئة نظيفة وصحيّة له الأثر الطيّب على الفرد والمجتمع معاً.
فالفرد ينعم بحقّه في الراحة والنظافة والصحّة ويتفادى أكثر الأمراض انتشاراً هي أمراض تصلّب الشرايين وبعض أنواع السرطان..
والمجتمع ينعم بحقّه في إيجاد أفراد معافين من كلّ أنواع الأمراض سالمين من كلّ الآفات، التي تتسبّبها تلوّث البيئة.

الدرس الثالث:
السلوكات الصحيّة:
السلوك في اللغة: يقال سلك المكان إذا دخل فيه، وسلك الطريق إذا سار فيه.
والسلوكات الصحيّة في الإسلام: هي جميع التصرّفات والطرق الحسنة التي يسلكها الإنسان في حياته، والتي رغّب فيها الإسلام وحثّ عليها أهله، وتعود بالنفع على الفرد والمجتمع.
الإسلام يبيّن السلوكات الصحيّة:
الإسلام جاء لينتقل بالبشر إلى عالم أفضل وإلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب، وإنّه اعتبر أنّ السلوكات الصحيّة من صميم رسالته، كما أنّه عدّ الاعوجاج في السلوك ابتعاداً عنه.
وقد أحصى الإسلام السلوكات الصحيّة، وحثّ أتباعه على التمسّك بها واحدة واحدة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنّ الله تعالى طيّب يحبّ الطيب نظيف يحبّ النظافة كريم يحبّ الكرم جواد يحبّ الجود ..) رواه الترمذي.
وقد حرص الإسلام على تأكيد هذه السلوكات الصحيّة في المجتمع، قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( إنّ الله كتب الإحسان في كل شيء ..) رواه مسلم.
والسلوكات الصحيّة كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1) السلوكات الخاصّة:
أ ) ما يتعلّق بالجسم:
* في البدن: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تنظّفوا فإنّ الإسلام نظيف ) رواه ابن حبّان، وتتمثّل النظافة في:
ـ غسل كامل الجسم مرّة واحدة في كلّ أسبوع على الأقل في الأيام الباردة، ومرّة واحدة في كلّ يوم في الأيام الحارّة.
ـ الوضوء لكلّ صلاة، وتجنّب استعمال المساحيق التي تؤدّي إلى انسداد مسامّ البشرة.
ـ تنظيف الأسنان باستعمال السواك أو معجون الأسنان أو غسلها جيّداً بالماء والصابون بعد كلّ أكل.
ـ تقليم الأظافر، مع تجنّب استعمال طلاء الأظافر الذي يؤثر على المناطق الحسَّاسَة التي يصل إليها هذا الطلاء عند ملامسته لها.
ـ استعمال الطيب والعطر المزيل للروائح الكريهة.
في الشعر:
ـ الاعتناء بالشعر، ويكون ذلك بغسله ودهنه بالزيت الصحيّة، مع استعمال الحنّاء التي تفيد في علاج قشرة الجلد، وتعمل على التقليل من إفراز العرق. وتجنّب المواد الكيماوية التي تستعمل لدهان وصبغ الشعر التي تؤدّي إلى تساقطه وتقصّفه. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس واللحية فأشار إليه الرسول " كأنّه يأمره بإصلاح شعره " ففعل، ثم رجع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنّه شيطان ؟ ! ) رواه مالك.
ـ حلق الشعر الذي يتسبّب في إفراز العرق في مناطق معيّنة من الجسم خاصّة تحت الإبطين.
في اللباس:
ـ غسل الثياب وتطييبه.
ـ ارتداء الثياب الواسع والجميل، وتجنّب الضيّق منه، لأنّ اللباس الضيّق لا يترك للجسم الراحة الكاملة التي يحتاجها للتنفّس.
ـ ارتداء الحذاء الملائم، وتجنّب الضيّق ذا الكعب العالي.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذَرّة من كبر، قال رجل: إنّ الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً، قال: إنّ الله جميل يحبّ الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس ). رواه مسلم.
في الطعام والشراب:
ـ ذبح الحيوان الذي يباح أكله بآلة حادّة ممّا يريق الدم، ويريح الذبيحة بإزهاق روحها بأقصر طريق. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنّ الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة وليحدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: ( ما أنهر ( أي أريق ) الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ) رواه البخاري.
ـ تغطيّة آنية الطعام والشراب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم وأغلقوا الأبواب وأوكئوا ( أي اربطوا ) الأسقية وخمّروا ( أي غطوا ) الطعام والشراب ) منفق عليه.
ـ تحرّي الطعام الطيّب الذي تشتهيه النفس، وتجنّب الطعام الضار.
قال تعالى: ( يَأَيُّهَا الْذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للهِ إِنْ كُنْتُم إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) البقرة الآية 172. وقال عزّ وجلّ: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ .) النحل الآية 115.
ـ تطهير المياه بأدوات التطهير الصحيّة.
وحفاظاً على الصحّة نقول دائماً ونردّد : الوقاية خير من العلاج:
ـ الوقاية من الأمراض ( بالتلقيح، والرياضة، قال عليه الصلاة والسلام: ( علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل ) أخرجه البيهقي. وتجنّب التدخين والمخدرات والمشروبات الكحولية والآفات الجنسية كالزنا، وغيرها قال الله تعالى: ( وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ) البقرة الآية 195.
ـ العلاج من الأمراض، وعدم استعمال الدواء إلا باستشارة الطبيب. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( نَعَم يا عباد الله تداووا فإنّ الله عزّ وجلّ لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً.. ) رواه أحمد.
في المكان:
ـ تنظيف وتطهير البيوت وتجميلها بأنواع الزهور، وأنواع النقش والزينة الحلال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنّ الله تعالى طيّب يحبّ الطيب نظيف يحبّ النظافة كريم يحبّ الكرم جواد يحبّ الجود فنظّفوا أفنيتكم ولا تشبّهوا باليهود ) رواه الترمذي.
ب) ما يتعلّق بالعقل:
ـ تنوير العقل بالتأمل والنظر في ملكوت الله، ومطالعة الكتب المفيدة التي تنمّي القدرة العقلية خاصة كتب الثقافة الصحيّة.
ج) ما يتعلّق بالنفس:
ـ تقويّة الصلة بالله تعالى عن طريق الصلاة والصيام وقراءة القرآن غيرها.

2) السلوكات العامّة:
ـ تنظيف الحي، وغرس الأشجار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر ) رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه.
ـ رمي القمامات والنفايات في الأماكن المخصّصة لها.
ـ التقليل من استعمال الإنارة والمصابيح من دون فائدة.
ـ احترام إشارات المرور.
أثر السلوكات الصحيّة على حياة المسلم:
السلوكات الصحيّة ليست من الأمور التي يمكن الاستغناء عنها، بل هي أصول حياة المسلم التي يرتضيها الإسلام ويحترم أصحابها.
فالسلوكات الصحيّة تقوّي صلة المسلم بالله تعالى، وترفع من قدره ومكانته عند الناس، وتعوّده حبّ الخير، كما أنها تقيه من الشرور الكثيرة الصحيّة والاجتماعية.




الدرس الرابع:
الاستعفاف:
العفيف هو ذو العفّة، الطاهر النفس، المتبتّل المبتعد عن ملذّات الدنيا وشهواتها.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من يستغن يغنه الله ومن يستعف يُعِفُّه الله..) متفق عليه.
اجتناب الكلام البذيء والكذب وشهادة الزور:
ـ الكلام البذيء: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء ) رواه الترمذي، المؤمن طهّر الإيمان قلبه ودفعه إلى الخير وسما به عن الدنايا، عفّ اللسان فلا يقول إلَّا جميلاً، ولا يعمل إلَّا حسناً، فإذا رأيت من ينطق لسانه بالشّتائم ويخوض في الأعراض وينطق بالكلمات البذيئة والعبارات المستهجنة فهذا ناقص الإيمان، لا زال فيه حظّ الشيطان.
ـ الكذب: قال صلى الله عليه وسلم: ( .. وإيّاكم والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور وإنّ الفجور يهدي إلى النار وما زال الرجل يكذب حتى يُكتب عند الله كذّاباً ) متفق عليه، فالكذب أساس الرذائل، به يتصدّع بنيان المجتمع، ويسقط صاحبه من عيون الناس، لا يصدّقونه في قول ولا يثقون به في عمل، فشهادته مردودة وأحاديثه منبوذة، وفي القرآن الكثير من الآيات، المقبّحة للكذب، والمنفّرة منه، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الْذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَاذِبُونَ ) النحل الآية 105. وقال عزّ وجلّ: ( وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الْذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النحل الآية 116/117.
ـ شهادة الزور: قال صلى الله عليه وسلم: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ـ ثلاثاً ـ قالوا: بلى يا رسول، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وجلس وكان متّكئاً فقال: ألا وقول الزور، قال: فما زال يكرّرها حتى قلنا: ليته سكت ) متفق عليه. الزور والباطل سيان، وقول الزور يشمل شهادة الكذب، والحُكم الجائر، ورمي الأبرياء بما هم منه براء، والقول على الله بغير علم، فكلّ ذلك داخل في قول الزور، وقرن الله قول الزور بالشرك في قوله:
( فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ ) الحج الآية 30. والتعفّف عن قول الزور من أوصاف عباد الله المخبتين قال الله تعالى: ( وَالْذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) الفرقان الآية 72.
غضّ البصر:
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النور: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) النور الآية 30/31. خطاب إلهي موجّه للرجال والنساء على السواء لما يعلم من ميل بعضهم لبعض. وأمَرَ بغضّ البصر عن المحارم والابتعاد عن كل المثيرات الجنسية التي تعبث بالنفس كالنظر المتتالي والخلوة.. فالبصر هو الأداة الأولى التي تزرع في القلب الشهوة، وربّ شهوة أورثت حزناً طويلاً. وللمسلم بغضّ بصره جزاء وأجر، روى الإمام أحمد والطبراني أنّ النبيّ ‏ صلى الله عليه وسلم قال: ( ‏ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة أوّل مرّة ثم يغضّ بصره إلَّا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها ). وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: ( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه ) رواه الطبراني.
اجتناب الزنا:
إنّ من أقبح الفواحش وأكبر المنكرات جريمة الزنا، حرّمه الله وجعله قريناً للشّرك في سفالة المنزلة وفي العقوبة والجزاء، قال تعالى: ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ ) النور الآية 3. ويقول في الجزاء والعقوبة: ( وَالْذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) الفرقان الآية 68/69.
وما ذلك إلَّا لأنّه من أقبح القبائح يبدّد الأموال وينتهك الأعراض ويقتل الذريّة ويهلك الحرث والنسل، عارُه يهدّم البيوت ويُطأطئ عالي الرؤوس، ويُسوّد الوجوه، ويهبط بالعزيز إلى هاوية الذلّ والحقارة والازدراء، ينزع الحياء ويُذهب الورع والمروءة ويطمس نور القلب ويجلب غضب الرب، قال تعالى: ( وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الإسراء الآية 32. وقال عليه الصلاة وسلام: ( يا معشر الناس اتقوا الزنا فإنّ فيه ستّ خصال: ثلاثاً في الدنيا وثلاثاً في الآخرة، أمّا التي في الدنيا فيُذهب البهاء ويُورث الفقر ويُنقص العمر، وأمّا التي في الآخرة فسخط الله وسوء الحساب وعذاب النار ) رواه البيهقي والسيّوطي.
أثر الاستعفاف على حياة الفرد والمجتمع:
العفّة صفة من صفات عباد الله المؤمنين الذين صفت عقيدتهم وزكت نفوسهم وراقبوا الله في سرّهم وعلانيتهم، فهم يوم القيامة في كنفه حيث لا ناصر لهم ولا معين. فالعفّة سبيل كريم وثوابها عند الله جزيل، قال النبي ‏ صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه: إمام عادل، وشابّ نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلّق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها قال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) متفق عليه.
فالعفّة تحصّن الفرد والمجتمع من آفات اللسان الجارحة، ومن آفات الجوارح القاسمة. فهي السبيل الوحيد للوقاية من الأمراض الاجتماعية، وهي أنقى الأخلاق وأطهر السلوك الإنساني.




القيم الفنيّة والجماليّة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ )
رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.




الدرس الأول:
الإسلام دين الحقّ والخير والجمال؛ لأنّه حقّ كلّه، وخير كلّه، وجمال كلّه، فلا باطل فيه، ولا شرّ فيه، ولا قبح فيه. لأنّ المعبود الذي يدعونا إليه هو الحقّ، وهو فاعل الخير، وهو الجميل الذي لا يضاهي جمالَه جمالٌ، وربنا تعالى جميل يحب الجمال. والقرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى كتاب يقول الحق، ويهدي إليه، ويأمر بالخير وينهى عن الشر، ويعبّر عن كل ذلك بلغة هي الذروة العليا من الجمال: ( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) الإسراء: الآية 105. والرسول محمّد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله إلينا حق، كان جميل الصورة، جميل الروح، جميل الحديث.
وبما أنّ هذه القيم الثلاث مجتمعة في الإله المعبود، وفي الكتاب المنزل، وفي الرسول المبعوث، فإنّ أحسن أحوالها أن تكون كذلك متداخلة في حياة البشر. والدعوة إليها إنما تكون بالكلام الجميل الذي تأنس به المسامع وترتاح إليه القلوب قال الله تعالى: ( وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) البقرة 83، وقال: ( اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالْتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل الآية 125.
مفهوم الجمال في اللغة العربية:
جاء في ( لسان العرب ) لابن منظور: " الجمال " الذَّكر من الإبل وفي القرآن الكريم: (حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ ) الأعراف الآية 40. قال الفراء: الجمل هو زوج الناقة وقد ذكر ابن عباس أنه قرأ الجمّل " بتشديد الميم " بمعنى الحبال المجموعة، والجمل أيضا السمكة الضخمة، والجمال مصدر الجميل، والفعل جَمُل. وقوله تعالى: ( ولَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ ) النحل الآية 6، أي بهاء وحسن. قال ابن الأثير: والجمال يقع على الصور والمعنى. ومن الحديث الشريف الذي رواه مسلم ( إنّ الله جميل يحبّ الجمال ) أي حسن الأفعال كامل الأوصاف. وتقول العرب: الجميلة هي السمينة من الجميل وهو الشّحم.
حقيقة الجمال:
قال الكاتب المسلم المعاصر صالح الشامي:
الجمال حقيقية ثابتة في كيان هذا الوجود، وهو قيمة من القيم العليا تعلو عن المنفعة واللذة، وهو سمة بارزة في الصنعة الإلهية، وإنّ وجوده فيها مقصود لا عرضي، وإنّ من خصائصه العموم والشمول، وهو الذروة دائماً إذ به تُستكمل القضايا والأشياء، وإنّ المنهج الإلهي واحد من ميادينه يقوم الجمال في مادته وفي أسلوبه.
وسمات المنهج هي المقاييس الجمالية الثابتة، وإنّ تطبيق المنهج يحقّق الجمال في الحياة، وإنّ الطبيعة ميدان من ميادينه وإنّ وجوده فيما لا نُبصر منها كوجوده فيما نُبصر. والإنسان واحد من ميادينه.
الجمال نوعان:
ـ الجمال الحسّي هو التناسق في كل موجود لا عوج في خلقه ولا اضطراب.
ـ والجمال المعنوي اقتران الجمال في هذا المجال بالصبر والصفح والكرم والشجاعة والبطولة وكلّ خُلق مستقيم حتى إنّه مقرون بأنماط شتّى من السلوك البشري المستقيم.
الجمال في الطبيعة وفي الحيوان وفي الإنسان:
قال تعالى : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) السجدة الآية 7.
1) في الطبيعة:
في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية نصوص تبرز قيمة الجمال في الطبيعة وتدعونا إلى التنّعم بهذه النعمة العظيمة والتأمّل في قدرة الله تعالى من خلالها.. الذي خلق فسوّى والذي قدّر فهدى والذي صوّر فأجاد وأحسن.. وصدق الله تعالى إذ يقول: ( أَفَلَمْ يَنْظُرُواْ إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَالَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) سورة ق الآية 7/8.
وقال الله تعالى: ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُم أَن تُنْبِتُواْ شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) النمل الآية60.
وتأمّل هذه الآية الكريمة التي تدعو إلى النظر إلى ثمر النبات وينعه: ( انظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ ويَنْعِهِ إنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأنعام الآية 99. والنظـر إلى الثمر والينع لا ينفكّ عن رؤية ما فيه من بهجة وجمال. فكما أنّ خَلْقَه آية، وما فيه من غذاء آية، فجماله أيضاً آية لقوم يؤمنون.
2) في الحيوان:
إنّ عالم الحيوان والطيور والحشرات لو نظرنا فيه نظرة تأمّل لوجدنا فيه الجمال العجيب يعجز الإنسان عن تفسيرها ولا يسعه عند إدراكه إلاّ أن يقول: سبحان الله الذي خلق فسوّى ، وقدّر فهدى.
قال الله تعالى: ( والأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ومَنَافِعُ ومِنْهَا تَأْكُلُونَ ولَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ وتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) النحل الآية 5/7.
وقال تعالى: ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) النحل الآية8.
3) في الإنسان:
أما جمال الإنسان، يقول فيه الأستاذ الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره المسمى " الجواهر " الجزء 2 الصفحة 46 في صدد الكلام عن بدائع صنع الإنسان:
(( ويا ليت شعري أيّ هندسة وأيّ نظام وأيّ مقياس كان في الرحم حتى صنع هذه المقاييس أثناء مرور الجنين بأطواره وجعل أعضاء الإنسان وحواسه مرتّبة منظّمة.
1) بحيث تكون قامته ثمانية أشبار بشبره هو، ويكون من رأس ركبتيه إلى أسفل قدميه شبران، ومن ركبتيه إلى حقويه شبران، ومن حقويه إلى رأس فؤاده شبران، ومن رأس فؤاده إلى مفرق رأسه شبران بنسب متساوية كما تساوت نسب الأصابع في اليدين وفي الرجلين.
2) وإذا فتح الإنسان يديه ومدّهما يمنة ويسرة كما يفتح الطائر جناحيه وجد أصابع يده اليمنى إلى رأس أصابع يده اليسرى ثمانية أشبار نصفها عند ترقويه والربع عند المرفقين.
3) وإذا رفع يديه إلى ما فوق رأسه كان ما بين أطراف أصابع يديه إلى أصابع قدميه عشرة أشبار، وذلك قامته وربعها.
4) وطول وجهه من منبت الشعر فوق جبينه إلى رأس ذقنه شبر بشبره.
5) وبعد ما بين أذنيه شبر وربع.
6) وطول شقّ كلّ عين من عينيه ثمن شبره.
7) وطول إبهامه وطول خنصره متساويان.
وهذا قلّ من كثر من المقاييس العجيبة التي في جسم الإنسان وذلك كلّه إذا كان طبيعياً معتدلاً )). وصدق الله تعالى القائل:
ـ ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) التين الآية 4.
ـ ( وَصُوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) التغابن الآية 3.
ـ ( الْذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَّلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ) الانفطار الآية 7/ 8.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتناء بالجمال:
الرسول محمّد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله إلينا حق، نعرف نسبه، ومولده، ونشأته، وصفاته، بل نعرف عنه ما لا يعرف أحد عن بشر سواه. وكان متصفاً بكل صفات الخير، قال عنه الله سبحانه: ( وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم الآية 4، وقالت عنه زوجه التي عرَفَت مداخله ومخارجه: (كان خُلُقه القرآن ) رواه أحمد. فكان صادقاً، أميناً، وفيًّا، كريماً، رحيماً، شجاعاً، صبوراً. وكان جميل الصّورة، جميل الرّوح، جميل الحديث، جميل السّلوك.
كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالاً تطبيقياً لما دعا إليه القرآن الكريم فقد كان صلى الله عليه وسلم معتنياً بمظهره فكان يقصّ شعر لحيته ويأخذ من طولها وعرضها بما يتناسب مع خلقته وهو القائل: ( إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإنّ الله يحبّ الجمال ) رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يتأنّق في ملبسه نوعاً وخياطة ولوناً فقد لبس صلى الله عليه وسلم البرود اليمانية، وكان يبعث بملابسه إلى من يخيطها في بني النجار إذ كان منهم من يتقن الخياطة، وكان يكره لنفسه ولأصحابه تعمّد اختيار الألوان الصارخة الجالبة للأنظار فكان ينهى عن لبس الأحمر غير المشوب بغيره، كما كان يختار ألواناً خاصّة لمناسبات خاصّة، لما يوحي به اللّون من طبيعة الموقف فقد دخل مكة معتمراً بعمامة سوداء للإشعار بجديّة الموقف، كما كانت تصرّفاته صلى الله عليه وسلم في نفسه وفيما يأمر به المؤمنين تراعي مقتضيات الجمال والانسجام، إلى الحدّ الذي أكسب فيه هذا الإحساس بالجمال.










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-21, 18:11   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

دراسات في السّيرة
قال الله تعالى:
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ
إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ )
الأحزاب الآية 21.



الدرس الأول:
تعريف السّيرة النبويّة:
السّيرة في اللغة: سيرة الرجل هي صحيفة أعماله وكيفية سلوكه بين الناس، والسيرة هي تدوين أعمال أحد المشاهير. ومن معنى السيرة الطريقة والسنّة والمذهب.
السّيرة النبوية في الشرع: هي حياة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي رسول الله إلى الناس كافّة. وهي السّيرة الذاتية لخير الخلق وحبيب الحق.
أهميّة دراسة السّيرة النبويّة:
لمّا كان محمد بن عبد الله ‏ صلى الله عليه وسلم آخر رسل الله إلى البشرية جمعاء، لزم أن تكون سيرته واضحة للجميع، يستطيع كل أحدٍ الوصول إليها، والنظر فيها، والاستفادة منها. وقد قيّض الله رجالاً من الصحابة ومَن جاء بعدهم، نقلوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صارت في متناول كل راغب ومحبّ .
وإنّ تتبّع تلك السّيرة العطرة والوقوف على أحداثها ووقائعها، وتناولها بالدّراسة والتحقيق له الأهميّة الكبرى، يرمي لها الباحثون، ويسعى إليها الدارسون، أهميّة عظيمة تجعل السّيرة النبوية مميّزة عن غيرها، فلا تكون دراستها من أجل المتعة فحسب، وإنّما لأجل غايات أسمى. وتكمن أهمية دراسة السيرة النبوية في النقاط الأساسية الآتية:
1 ـ معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة شاملة، كمعرفة نسبه ومولده ونشأته، وأسلوب دعوته من بعثته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ، تلك المعرفة التي تورث القُرب منه، ومحبّته التي ينبغي أن تُملأ بها القلوب بعد محبّة الله عز وجل.
2 ـ معرفة هديه صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها، هديه في المنام والطعام والشراب والنكاح، هديه في الحلّ والتّرحال، هديه في السلم والحرب، هديه في التعامل مع ربه ومع نفسه ومع المخلوقين، هديه في التعامل مع المسلمين والمخالفين لهم، هديه في التربية والتعليم والدعوة والإرشاد، هديه في كل ما يحتاجه البشر، مما يترتب على ذلك محبّته صلى الله عليه وسلم واتباعه والاقتداء به، وتلك عبادة واجبة لا بد منها، وهي سبيل إلى الهداية، قال تعالى: ( قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِنَّ تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُم وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ ) النور الآية 54.
3 ـ أخذ الدروس والعبر، التي تُضيء للسّالك الطريق، وتوصله إلى برّ الأمان، تلك الدروس التي تُؤخذ من سيرته صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال، ولجميع الفئات.
4 ـ الوقوف على التطبيق العملي لأحكام الإسلام التي تضمنتها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
5 ـ الوقوف على دلائل معجزاته صلى الله عليه وسلم ، ممّا يقوّي الإيمان ويزيده.
6 ـ معرفة الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم ، حتى يميّز عن غيره، وبالتالي تبقى السيرة صفحات بيضاء كما هي الحقيقة، بعيدة عن غلوّ الغالين، وتزييف الحاقدين.
7 ـ بيان ما كان عليه هذا القائد العظيم من صفات وشمائل، فلم ولن تجد سيرة أحدٍ ممّن خلق الله تماثلها، فضلاً عن أن تنافسها وتزيد عليها، فهو قدوة في كل شيء يحتاجه الإنسان، قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب الآية 21.
8 ـ معرفة الإسلام، عقيدة، وشريعة، وأخلاقاً.
9 ـ الاستعانة بدراسة السيرة في تفسير القرآن الكريم، وشرح السنّة النبوية.
10 ـ معرفة موقف الإسلام وتعامله مع جميع الناس من صديق وعدوّ، مسلم وكافر، معاهد وخائن وغير ذلك.
تلك هي أهميّة دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلك السيرة التي لا بدّ من بيانها والوقوف معها، ومعرفة عوامل تميّزها عن غيرها، حيث إنّها سيرة باقيةٌ بقاء هذا الدين، وشاملة بشموله، ومحفوظة بحفظه، وصاحبها مُتّبعٌ يُقتدى به إلى آخر الزمان، فلا نبيٌّ بعده صلى الله عليه وسلم.
مصادر السّيرة النبويّة:
اهتم المسلمون قديماً وحديثا بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم باعتبارها المنهج العملي للإسلام، فألّف أئمّة الإسلام مؤلفات عديدة وجامعة في سيرته عليه الصلاة والسلام، ودوّنوا كل ما يتعلق بذلك، والناظر في المكتبة الإسلامية يرى ذلك جليًّا بحمد الله، وسنقف هنا على بعض هذه المصادر:
1) يقف القرآن الكريم في مقدمّة مصادر السيرة ، ففيه بيان واضح للعقيدة والشريعة والأخلاق، ويتضمّن وصفاً للعديد من الأحداث والغزوات، وتصويراً للصّراع الفكري والمادّي بين الإسلام وخصومه، وله أهميّة خاصّة من حيث الثبوت المطلق دينياً وتاريخياً، حيث لا يشكّك أحد فيه من الناحية التاريخية.
فقد جاء في القرآن الكريم كثير من سيرته صلى الله عليه وسلم ، فقد ذكر الله تعالى حال النبي صلى الله عليه وسلم منذ صغره في قوله تعالى : ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ) الضحى الآية 6/8. وذكر حاله بعد بدء نزول الوحي عليه حين خاف وذهب إلى زوجه خديجة رضي الله عنها يقول لها: زملوني دثروني، فأنزل الله تعالى : (يَأَيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ اِلَيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) المزّمّل الآية 1/5. كما أنزل عليه:
( يَأَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) المدّثّر الآية 1/3. وذكر قصة زواجه من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زوجها زيد بن حارثة رضى الله عنه فقال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُومِنٍ وَلَا مُومِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ وَمَنْ يَّعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدَ ضَّلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً وَإِذْ تَقُولُ لِلّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمَتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المُومِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمُ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيءِ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الذِينَ خَلَوْاْ مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ) الأحزاب الآية 36/38. وقد اشتملت هذه السورة ـ سورة الأحزاب ـ على كثير من تفاصيل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وأصحابه كما تضمّنت تفاصيل كثيرة عن غزوة الأحزاب. ومما تضمّنه القرآن من السيرة: الآيات النازلة عقب سؤال الصحابة أو غيرهم عن أمر من الأمور، كما حدث حين سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فأنزل الله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) الإسراء الآية 85. ومن أخصّ ما تضمّنه القرآن من السيرة حادثة الإفك المفترى على زوجه صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ففصّل تلك الحادثة في أكثر من عشر آيات من سورة النور في الآيات من 11 إلى 26.
2) السنّة النبوية: والسنة النبوية قد حوت جُلّ تفاصيل السيرة ممّا رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه أو ما رواه عنه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. فكُتُب الحديث المتنوّعة ما بين الكتب المرتّبة على المسانيد والكتب المرتّبة على الموضوعات الفقهية، وهذه الكتب تقدّم مادة واسعة، وتحتوي على تفاصيل كثيرة متّصلة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وتوضّح جُذور النظم الإسلامية وكيفية تطبيق التشريعات الأولى قبل أن يحاط النص بتفسيرات الفقهاء واجتهاداتهم العديدة. وتمتاز المصادر الحديثية بأنها أوثق رواة وأدقّ متوناً من كتب السيرة المتخصصة، وهذا بالجملة، وينطبق هذا الوصف بدقّة على الكتب السِتَّة وفي مقدّمتها الصحيحان.
3) الكتب المؤلفة في السيرة، وتمتاز كتب السيرة المتخصّصة بسهولة العرض، وتتابع الأحداث التأريخية واتصالها، ومراعاة الزمن في سردها، كما أنها تقدّم وصفاً مفصّلاً للأحداث بحكم تخصّصها. وقد فُقد العديد منها مثل مغازي عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، والزهري.
ومن الكتب المؤلفة في السيرة:
ـ مغازي الواقدي، وقد رفض النقاد من المحدثين قبول مروياته، ولكن المؤرخين اهتموا بها لغزارة معلوماته، وتقديمه تفاصيل كثيرة ينفرد بها، سواء في وصف الغزوات، أو تحديد تواريخ الأحداث بدقّة.
ـ الطبقات الكبرى لمؤلفه محمد بن سعد ( توفي سنة 230 هـ ) وكان كاتباً للواقدي، ممّا جرَّ إلى اتهامه بسرقة مصنّفاته، ولكن المحدّثين النقّاد رفضوا هذه الاتهامات ووثّقوه، كما أنّ التحقيق والاستقراء لكتابه يكشف عن كونه مؤلفاً أصيلاً، وأنّ رواياته عن الواقدي " وقد صرّح بالنقل عنه " لا تمثّل معظم الكتاب الذي استقى مادته من شيوخ عديدين.
ـ ويعتبر القسم الأوّل من أنساب الأشراف للبلاذري هو الكتاب الثالث من حيث الأهميّة والقِدم.
ـ ومن المفيد الإشارة إلى أنّ كتباً متأخرة نسبياً مثل ( الدرر في اختصار المغازي والسير ) لابن عبد البر القرطبي ( المتوفى سنة 463 هـ ) و ( جوامع السيرة ) لابن حزم ( المتوفى سنة 456 هـ ) ليست إلَّا أصداء للمصادر القديمة، ولكنّ المصادر التي تلتها زمنيًّا استقت من كتب الحديث إلى جانب كتب السيرة المتخصّصة، ويبدو هذا المسلك واضحاً عند ابن سيد الناس في ( عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير )، و الذهبي في ( السيرة النبوية )، و ابن كثير في قسم السيرة من كتابه ( البداية والنهاية ).
والاتجاه نحو الجمع الواسع ـ كما هو شأن المتأخرين في الحقول الثقافية الأخرى ـ يظهر عند محمد بن يوسف الدمشقي الشامي ( المتوفى سنة 942 هـ ) حيث انتخب من ثلاثمائة كتاب في سيرته ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ) .
ولا ينبغي في نهاية الأمر أن نغفل أهميّة كتب الدلائل والشمائل، ومن أوسعها ( دلائل النبوة ) للبيهقي، وكذلك كتب الخصائص، ومن أهمّها كتاب ابن الملقن ( غاية السول في خصائص الرسول ) وكتاب الخيضري الدمشقي ( المتوفى سنة 894 هـ ) ( اللفظ المكرم بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم ).
أمّا المراجع الحديثة في السيرة النبوية للعلماء المعاصرين فإنّ أهمّها:
ـ ( فقه السيرة ) للشيخ محمد الغزالي.
ـ ( فقه السيرة النبوية ) للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
ـ ( الرحيق المختوم ) للشيخ صفي الرحمان المباركفوري.
ـ ( معجز محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) للشيخ عبد العزيز الثعالبي.
خصائص السّيرة النبويّة:
تجمع السيرة النبوية عِدّة مزايا تجعل دراستها متعة روحية وعقلية وتاريخية، ونجمل فيما يلي أبرز مزايا السيرة النبوية:
أولاً: أنها أصحّ سيرة لتاريخ نبي مرسل أو عظيم أو مصلح، فقد وصلت إلينا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحّ الطرق العلمية وأقواها ثبوتاً ممّا لا يترك مجالاً للشكّ في وقائعها البارزة وأحداثها الكبرى.
إنّ هذه الميزة من صحّة السيرة صحّة لا يتطرق إليها الشك لا توجد في سيرة رسول من رسل الله السابقين. فموسى عليه السلام قد اختلطت عندنا وقائع سيرته الصحيحة بما أدخل عليها اليهود من زيف وتحريف، ولا نستطيع أن نركن إلى التوراة الحاضرة لنستخرج منها سيرة صادقة لموسى عليه السلام. ومثل ذلك يقال في سيرة عيسى عليه السلام، فهذه الأناجيل المعترف بها رسميًّا لدى الكنائس المسيحية إنمّا أقرّت في عهد متأخّر عن النبّي عيسى بمئات السنين وقد اختيرت ـ بدون مبرّر علمي ـ من بين مئات الأناجيل التي كانت منتشرة في أيدي المسيحيين يومئذ.
وهكذا نجد أنّ أصحّ سيرة وأقواها ثبوتاً متواتراً هي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أنّ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة كلّ الوضوح في جميع مراحلها منذ زواج أبيه عبد الله بآمنة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ، فنحن نعرف الشيء الكثير عن ولادته وطفولته وشبابه ومكسبه قبل النبوّة ورحلاته خارج مكة إلى أن بعثه الله رسولاً كريماً، ثم نعرف بشكل أدق وأوضح وأكمل كل أحواله بعد ذلك سنة فسنة ممّا يجعل سيرته عليه الصلاة والسلام واضحة وضوح الشمس كما قال بعض النقّاد الغربيين: ( إنّ محمداً عليه الصلاة والسلام هو الوحيد الذي وُلد على ضوء الشمس ).
وهذا ما لم يتيسّر مثله ولا قريب منه لرسول من رسل الله السابقين. فموسى عليه السلام لا نعرف شيئاً قط عن طفولته وشبابه وطرق معيشته قبل النبوّة، ونعرف الشيء القليل عن حياته بعد النبوّة ممّا لا يُعطينا صورة مكتملة لشخصيته، ومثل ذلك يقال في عيسى عليه السلام، فنحن لا نعرف شيئاً عن طفولته إلَّا ما تذكره الأناجيل الحاضرة من أنّه دخل هيكل اليهود وناقش أحبارهم، فهذه هي الحادثة الوحيدة التي يذكرونها عن طفولته. ثم نحن لا نعرف من أحواله بعد النبوّة إلَّا ما يتّصل بدعوته وقليلاً من أسلوب معيشته، وما عدا ذلك فأمر يغطّيه الضباب الكثير.
فأين هذا ممّا تذكره مصادر السيرة الصحيحة من أدقّ التفاصيل في حياة رسولنا الشخصية، كأكله وقيامه وقعوده ولباسه وشكله وهيئته ومعاملته لأسرته وتعبده وصلاته ومعاشرته لأصحابه. بل بلغت الدقّة في رواة سيرته أن يذكروا لنا عدد الشعرات البيض في رأسه ولحيته صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أنّ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحكي سيرة إنسان أكرمه الله بالرسالة فلم تخرجه عن إنسانيته، ولم تلحق حياته بالأساطير، ولم تضفِ عليه الألوهية قليلاً ولا كثيراً، وإذا قارنا هذا بما يرويه المسيحيون عن سيرة عيسى عليه السلام وما يرويه البوذيون عن بوذا والوثنيون عن آلهتهم المعبودة اتضح لنا الفرق جليًّا بين سيرته عليه الصلاة والسلام وسيرة هؤلاء، ولذلك أثّر بعد المدى في السلوك الإنساني والاجتماعي لأتباعهم، فادعاء الألوهية لعيسى عليه السلام ولبوذا جعلهما أبعد منالاً من أن يكونا قدوة نموذجية للإنسان في حياته الشخصية والاجتماعية، بينما ظلّ وسيظلّ محمد صلى الله عليه وسلم المثل النموذجي الإنساني الكامل لكل من أراد أن يعيش سعيداً كريماً في نفسه وأسرته وبيئته. ومن هنا يقول الله في كتابه الكريم:
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُواْ اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرِ ) الأحزاب الآية 21.
رابعاً: أنّ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاملة لكل النواحي الإنسانية في الإنسان، فهي تحكي لنا سيرة محمد الشاب الأمين المستقيم قبل أن يكرمه الله بالرسالة، كما تحكي لنا سيرة رسول الله الداعية إلى الله المتلمس أجدى الوسائل لقبول دعوته، الباذل منتهى طاقته وجهده في إبلاغ رسالته، كما تحكي لنا سيرته كرئيس دولة يضع لدولته أقوم النظم وأصحّها، ويحميها بيقظته وإخلاصه وصدقه بما يكفل لها النجاح. كما تحكي لنا سيرة الرسول الزوج والأب في حُنوّ العاطفة وحسن المعاملة والتمييز الواضح بين الحقوق والواجبات لكل من الزوج والزوجة والأولاد، كما تحكي لنا سيرة الرسول المربي المرشد الذي يشرف على تربية أصحابه تربية مثاليّة ينقل فيها من روحه إلى أرواحهم ومن نفسه إلى نفوسهم ما يجعلهم يحاولون الاقتداء به في دقيق الأمور وكبيرها، كما تحكي لنا سيرة الرسول الصديق الذي يقوم بواجبات الصحبة ويفي بالتزاماتها وآدابها، ممّا يجعل أصحابه يحبّونه كحبّهم لأنفسهم وأكثر من حبهم لأهليهم وأقربائهم، وسيرته تحكي لنا سيرة المحارب الشّجاع والقائد المنتصر والسياسي الناجح والجار الأمين والمعاهد الصادق. وقصارى القول أنّ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاملة لجميع النواحي الإنسانية في المجتمع ممّا يجعله القدوة الصالحة لكلّ داعية وكلّ قائد وكلّ أب
وكلّ زوج وكلّ صديق وكلّ مربّ وكلّ سياسي وكلّ رئيس دولة وهكذا...
ونحن لا نجد مثل هذا الشمول ولا قريباً منه فيما بقي لنا من سير الرسل السابقين ومؤسّسي الديانات والفلاسفة المتقدّمين والمتأخّرين. فموسى عليه السلام يمثّل زعيم الأمّة الذي أنقذ أمّته من العبودية ووضع لها من القواعد والمبادئ ما يصلح لها وحدها، ولكننا لا نجد في سيرته ما يجعله قدوة للمحاربين أو المربين أو السياسيين أو رؤساء الدول أو الآباء أو الأزواج مثلاً. وعيسى عليه السلام يمثّل الداعية الزاهد الذي غادر الدنيا وهو لا يملك مالاً ولا داراً ولا متاعاً، ولكنه في سيرته الموجودة بين أيدي المسيحيين لا يمثّل القائد المحارب ولا رئيس الدولة ولا الأب ولا الزوج، لأنه لم يتزوج، ولا المشرّع ولا غير ذلك ممّا تمثّله سيرة محمد صلى الله عليه وسلم. وقُل مثل ذلك في بوذا وأرسطو وأفلاطون ونابليون وغيرهم من عظماء التاريخ، فإنهم لا يصلحون للقدوة ـ إن صلحوا ـ إلا لناحية واحدة من نواحي الحياة برزوا فيها واشتهروا بها. والإنسان الوحيد في التاريخ الذي يصلح أن يكون قدوة لجميع الفئات وجميع ذوي المواهب وجميع الناس هو محمد صلى الله عليه وسلم.
خامساً: أنّ سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وحدها تعطينا الدليل الذي لا ريب فيه على صدق رسالته ونبوّته. إنها سيرة إنسان كامل سار بدعوته من نصر إلى نصر، لا على طريق الخوارق والمعجزات، بل عن طريق طبيعي بحث، فلقد دعا فأُوِي، وبلّغ فأصبح له الأنصار، واضطر إلى الحرب فحارب، وكان حكيماً موفّقاً في قيادته. ومَن عَرف ما كان عليه العرب من عادات وعقائد وما قاموا به من شتى أنواع المقاومة حتى تدبير اغتياله، ومَن عَرف عدم التكافؤ بينه وبين محاربيه في كل معركة انتصر فيها، ومَن عَرف قصر المدّة التي استغرقتها رسالته حتى وفاته وهي ثلاث وعشرون سنة، أيقن أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله حقًّا وأنّ ما كان يمنحه الله من ثبات وقوّة وتأثير ونصر ليس إلَّا لأنّه نبيّ حقًّا، وما كان الله أن يؤيّد من يكذب عليه هذا التأييد الفريد في التاريخ، فسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تُثبت لنا صدق رسالته عن طريق عقلي بحت وما وقع له صلى الله عليه وسلم من المعجزات لم يكن الأساس الأوّل في إيمان العرب بدعوته. بل إنّا لا نجد له معجزات آمَن معها الكفار المعاندون على أن المعجزات المادية إنّما تكون حجّة على من شاهدها، ومن المؤكّد أنّ المسلمين الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشاهدوا معجزاته إنّما آمنوا بصدق رسالته للأدلة العقلية القاطعة على صدق دعواه النبوّة. ومن هذه الأدلة العقلية القرآن الكريم، فإنّه معجزة عقلية تلزم كل عاقل منصف أن يؤمن بصدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة.
وهذا يختلف تماماً عن سير الأنبياء السابقين المحفوظة لدى أتباعهم، فهي تدلّ على أنّ الناس إنّما آمنوا بهم لما رأوا على أيديهم من معجزات وخوارق دون أن يحكّموا عقولهم في مبادئ دعواتهم فتذعن لها. وأوضح مثال لذلك النبي عيسى عليه السلام، فإنّ الله حكى لنا في القرآن الكريم أنّه جعل الدعامة الأولى في إقناع اليهود بصدق رسالته أن يبرئ الأكمه والأبرص ويشفي المرضى ويحيي الموتى وينبّئهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم، كل ذلك بإذن الله جلّ شأنه. والأناجيل الحاضرة تروي لنا أنّ هذه المعجزات هي وحدها التي كانت سبباً في إيمان الجماهير دفعة واحدة به لا على أنّه رسول كما يحكي القرآن الكريم، بل على أنّه إله وابن إله – وحاشا لله من ذلك ـ. حتى ليصحّ لنا أن نطلق على المسيحية التي يؤمن بها أتباعها أنّها دين قام على المعجزات والخوراق لا على الإقناع العقلي. ومن هنا نرى هذه الميزة الواضحة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه ما آمن به أحد عن طريق مشاهدته ( المعجزة ) خارقة، بل عن اقتناع وجداني. وإذا كان الله قد أكرم رسوله بالمعجزات الخارقة، فما ذلك إلَّا إكراماً له صلى الله عليه وسلم وإفحاماً لمعانديه المكابرين. ومن تتبّع القرآن الكريم وجد أنّه اعتمد في الإقناع على المحاكمة العقلية والمشاهدة المحسوسة لعظيم صنع الله. والمعرفة التامّة بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من أميّة تجعل إتيانه بالقرآن الكريم دليلاً على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى في سورة العنكبوت: ( وَقَالُواْ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّنَ رَّبِّهِ قُلْ اِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمُ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُومِنُونَ ) العنكبوت الآية 50/51. ولما حاول كفار قريش في طلب المعجزات من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانت تفعل الأمم الماضية أمره الله أن يجيبهم بقوله:
( سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَّسُولاً ) الإسراء الآية 93. استمع إلى ذلك في قوله تعالى في سورة الإسراء: ( وَقَالُواْ لَنْ نُّوْمِنَ لَكَ حَتَّى تُفَجِّرْ لَنَا مِنَ الاَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّنَ نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَاتِيَ بِاللهِ وِالمَلَائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُّومِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنْزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) الإسراء 90/93.
هكذا يقرّر القرآن بصراحة ووضوح أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم إنسان رسول من الله، وأنّه لا يعتمد في دعوى الرسالة على الخوارق والمعجزات وإنّما يخاطب العقول والقلوب.

الدرس الثاني:
بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم منذ دخوله المدينة يسعى إلى إنجاز المهام الملقاة على عاتقه في مطلع المرحلة الجديدة من الدعوة التي تستهدف إنشاء الدولة الإسلامية على أسس راسخة، وتهيئة كافّة الشروط والمتطلبات لتحقيق هذا الهدف. وكان بناء المسجد الخطوة الأولى على هذا الطريق، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وتشكيل جيش إسلامي مقاتل يمتلك القدرة على حماية الدولة الناشئة والمساعدة على تحقيق أهدافها، ثُمَّ أعقبه إصدار الوثيقة التي نظم فيها العلاقات بين المسلمين وغيرهم من القوى المتواجدة من عرب ويهود في المجتمع المدني، وهاك نصّ الوثيقة كاملة كما وردت في سيرة ابن هشام:
نصّ الوثيقة:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمدٍ النبي صلى الله عليه وسلم ، بأنّ المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنّهم أمّة واحدة من دون الناس.
المهاجرون من قريش على رِبعتهم ( حالهم، من وردوا المدينة ) يتعاقلون بينهم، ويفْدون عانيَهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عَوْف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الحرث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وينو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيَها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وإنّ المؤمنين لا يتركون مفرجاً ( المثقل بالديْن والعيال ) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإنّ المؤمنين المتّقين على من بغى منهم، وابتغى دسيعة ( كبيرة ) ظلم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين. وإنّ أيديهم عليه جميعاً ولو ولد أحدهم، ولا يَقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا يُنصر كافر على مؤمن، وإنّ الله واحد يجير عليهم أدناهم.
وإنّ المؤمنين بعضهم مولى بعض، دون الناس. وإنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم، وإنّ سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلاّ على سواء وعدل بينهم.
وإنّ كلّ غازية غزت معنا، تعقب بعضها بعضاً، وإنّ المؤمنين يبؤُ بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وإنّ المؤمنين المتّقين على أحسن هدى وأقومه، وإنّه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن، وإنّه من اعتبط مؤمناً قتلاً على بيّنة فإنّه قَوَد به، إلاّ أن يرضى وليّ المقتول، وإنّ المؤمنين عليه كافّة، ولا يحلّ لهم إلاّ قيام عليه، وإنّه لا يحلّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ( مجرماً )، ولا يؤويه، وإنّه من نصره أو آواه فإنّ عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. وأنّكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإنّ مردّه إلى الله عزّ وجلّ، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإنّ بني عوف أمّة مع المؤمنين، ليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلاّ من ظلم أو أثم فإنّه لا يُوتغ ( يهلك ) إلاّ نفسه، وأهل بيته. وإنّ ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف. إلاّ من ظلم أو أثم فإنّه لا يوتغ إلاّ نفسه وأهل بيته. وإنّ جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم. وإنّ لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف. وإنّ البر دون الإثم. وإنّ موالي ثعلبة كأنفسهم. وإنّ بطانة يهود كأنفسهم.
وإنّه لا يخرج منهم أحد إلَّا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنّه لا ينحجز على ثار جرح، وإنّه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته، وإلاّ من ظلم، وإنّ الله على أبرِّ هذا.
وإنّ على اليهود نفقاته، وعلى المسلمين نفقاتهم، وإنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأنّ بينهم النصح والنصيحة، والبرّ دون الإثم، وإنّه لم يأثم امرؤ بحليفة، وإنّ النصر للمظلوم، وإنّ يهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم، وإنّه لا تُجَار حرمة إلاّ بإذن أهلها، وإنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حديث أو اشتجار يخاف فساده، فإنّ مردّه إلى الله عزّ وجلّ وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنّ الله على من اتّقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وأنّه لا تُجَار قريش ولا من نصرها. وإنّ بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنّهم يصالحونه ويلبسونه، وإنّهم إذا دعوا إلى مثل ذلك، فإنّه لهم على المؤمنين، إلَّا من حارب في الدّين. على كلّ أناس حصّتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإنّ يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ المحيين من أهل هذه الصحيفة، لا سكيب كاسب إلاّ على نفسه، وإنّ الله على اصدق ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وإنّه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإنّه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلاّ من ظلم أو أثم، وإنّ الله جار لمن برّ واتّقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تنظيم الإسلام للمجتمع:
نظم الرسول صلى الله عليه وسلم بموجب هذه الوثيقة العلاقات بين المجتمع المسلم الجديد نفسه، وبينه وبين الكتل البشرية التي تعايشت في المدينة وبخاصة اليهود. إنَّ نصوص الصحيفة، توافق القرآن الكريـم في المبادئ العامّة من حيث اعتبار المسلمين أمّة واحدة من دون النّاس، ومن حيث التراحم والتعاون بينهم، ومن حيث الاحتفاظ برابطة الولاء وما يترتب عليها من حقوق الموالاة، ثُمَّ من حيث مراعاة حقوق القرابة والصحبة والجوار، وكذلك في تحديد المسؤولية الشخصية والبُعد عن ثارات الجاهلية وحميّتها، وفي وجوب الخضوع للقانون وردّ الأمر إلى الدولة بأجهزتها للتصرّف بالأمور، وفي شؤون الحرب والسلم، وأنَّ حرب الأفراد وسلمهم إنَّما تدخل في الاختصاص العام، فلا تحدث فردياً، كذلك معاونة الدولة في إقرار النظام والأخذ على يد الظالـم وعدم نصرة المجرم أو إيوائه.
إنَّ الصحيفة أعطت للجماعة الإسلامية صفة، فقرّرت أنَّهم أمّة واحدة من دون النّاس.. وبهذا التقرير ألغى النبيّ صلى الله عليه وسلم الحدود القبلية، أو على الأقل لـم يجعل لها وجوداً رسمياً بالنسبة للدولة، أو بلفظ آخر، ارتفع هو عن المستوى القبلي المحدّد، وبهذا أصبح الإسلام مِلْكاً لمن دخل فيه، فدخل بناءً على هذه القاعدة شعوبٌ كثيرة في الإسلام دون أن يضع الرسول أمامها عقبات تحول بينها وبين الاشتراك في حياة العالـم الإسلامي.
الإسلام يدعو إلى التعايش السلمي:
إنَّ إصدار الوثيقة يمثّل تطوراً كبيراً في مفاهيم الاجتماع السياسية، فهذه جماعة تقوم لأوّل مرّة في الجزيرة العربية على غير نظام القبيلة، وعلى غير أساس رابطة الدّم، حيث انصهرت طائفتا الأوس والخزرج في جماعة الأنصار، ثُمَّ انصهر الأنصار والمهاجرون في جماعة المسلمين، ثُمَّ ترابطت هذه الجماعة المسلمة مع اليهود الذين يشاركونهم الحياة في المدينة إلى أمد ولأوّل مرّة بحكم القانون، حيث تُردُّ الأمور إلى الدولة، ومن خلال تغيير شامل وتحوّل سريع، طوى الدستور صفحة اجتماعية طابعها القبلية، وفتح صفحة جديدة أكثر إيجابية وأقرب إلى التسامح والتعايش السلمي والترابط والتكافل والوحدة الفكرية.
ويقول أحمد الجندي في كتابه " الإسلام وحركة التاريخ ": ( لقد أقرّت الصحيفة مفهوم الحرية الدينية بأوسع معانيه، وضربت عرض الحائط مبدأ التعصّب ومصادرة الآراء والمعتقدات، ولـم تكن المسألة مسألة تكتيك مرحلي ريثما يتسنّى للرسول صلى الله عليه وسلم تصفيّة أعدائه في الخارج لكي يبدأ تصفيّة أخرى إزاء أولئك الذين عاهدهم .. إنَّما صدر هذا الموقف السمح المنفتح عن اعتقاد كامل بأنَّ اليهود باعتبارهم أهل كتاب سيتجاوبون مع الدّعوة الجديدة وينهضون لإسنادها في لحظات الخطر والصراع ضدّ العدو الوثني المشترك ـ كما أكّدت بنود الصحيفة نفسها ـ أو أنَّهم ـ على أسوأ الاحتمالات ـ سيكفّون أيديهم عن إثارة المشاكل والعقبات ووضْع العراقيل في طريق الدعوة وهي تبني دولتها الجديدة وتصارع قوى الوثنية التي تتربّص على الحدود، لكن الذي حدث بعد قليل من إصدار الوثيقة، وطيلة سني العصر المدني، غيّر مجرى العلاقات بين المسلمين واليهود، وجمّد البنود المتعلّقة بهم، لا لشيء إلَّا لأنَّهم اختاروا النّقض على الوفاء، والخيانة على الالتزام، والانغلاق على مصالحهم القومية على الانفتاح على الأهداف العامّة الكبيرة للأديان السَّماوية جمعاء ).










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-21, 18:27   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ردووودكممم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟









رد مع اقتباس
قديم 2015-04-21, 18:34   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
☺رتاج القران☺
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية ☺رتاج القران☺
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااا
هادوا للعلميين وللادبيين ايضا
الف شكررررررررر










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-22, 16:24   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ghost0307
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية ghost0307
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

Thanks its veryyyyyy good










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-22, 17:19   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

العفووووووووووووووووووو










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-22, 18:48   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
Hinda07
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك ووفقك شكرًا لك أختي










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-22, 18:54   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
مروة المبدعة
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية مروة المبدعة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اختي سيرين و جعلها الله في ميزان حسناتك









رد مع اقتباس
قديم 2015-04-22, 19:29   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مروة المبدعة مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك اختي سيرين و جعلها الله في ميزان حسناتك
وفيك بركة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hinda07 مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك ووفقك شكرًا لك أختي
وفيك بركة









رد مع اقتباس
قديم 2015-04-23, 18:46   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
~ همسة إحساس ~
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية ~ همسة إحساس ~
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
موضوع في القمة
بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك
وأدامك لي غاليتي أميرة










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-23, 19:05   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ~ همسة إحساس ~ مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
موضوع في القمة
بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك
وأدامك لي غاليتي أميرة

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
شكرااا لك عزيزتي نور
وفقك الله وسدد خطااك









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الشريعة, ثانوي, تفظلواا☺☺☺☺☺, جميع, دروس

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:02

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc