هل الحقيقة نسبية ؟!
يحيى المرء كثيرا ليرى كثيرا , والبعض منا يرى الكثير الكثير من خلال تجاربه الدنيوية بالرغم من صغر السن , هي في النهاية كمية المعلومات التي تدخل " النافوخ " في فترة مقدارها كذا , وهكذا تقاس المعرفة ولا تقاس المعرفة أبدا بعمر الانسان ربما تكون عاملا مساعدا ولكنها في الاخير تخضع خضوعا كليا للتجارب والممارسة والاحتكاك بأوجه الدنيا المختلفة , سيئها وحسنها ويبقى السؤال متى نستطيع ان نقول وصلنا لمعرفة تكون كافية ان نعرضها على الاخر ونكون مقتنعين بها تماما لدرجة تصل كونها حقيقة مطلقة .
تدور في فلك العقل افكار لا حصر لها , وتختلف من عقل لآخر ويدخل في التأثير عليها عوامل عدة منها البيئة المحيطة والتربية والعائلة والعينين وما رأته , لذلك لا يوجد حقيقة مطلقة ابدا , وفي زعمي ان الحقيقة المطلقة هي التي يبرمجها العقل على انها كذلك , وكما قلت سابقا تبقى العقول مختلفة في تصويرها للحقيقة , لذلك ترى العقول دائما في مشادة فكرية , ومن يستطيع ان يثبت للاخر ان هذا حق وان الاخر باطل حتى في داخل العقل الواحد مشادة فكرية لا تهدأ بل تصبح كسوق الاوراق المالية , تصعد نسبة الحقيقة للموضوع الفلاني وفجأة يتم احداث مفاجأة كصفقة مثلا والصفقة هنا معلومة جديدة فيرتفع اللون الاخضر وتزيد نسبة الحقيقة , ويستمر العقل بين شد وجذب ولن يصل ابدا للحقيقة المطلقة , فما دام هناك خبر جديد كل يوم تظل الحقيقة رهينة الاخبار والمعلومات الجديدة القادمة .
اريد ان انبه بأن فكر كهذا لا ينطبق على كل الامور , فكوننا مسلمين فهناك مسلمات لا يجرأ العقل على طرقها مادامت وردت الينا عبر التواتر , وكوننا مسلمين لا يمكن ان نصادر مسلمات هي من صميم ديننا , لذلك العقل يقصر احيانا عند الاسئلة " الالحادية " ونعرف ان ردنا الدائم هي اننا مسلمون ولا يجوز الوصول الى تقصي الحقائق في امور عقدية نؤمن بها .
في عصرنا الحالي هناك محاولات كثيرة من التأثير الثقافي الغربي علينا ونبش ما هو مدفون بين خلايا ادمغتنا , وقد توصولوا الى طرق مخيفة فعلا في اقناعنا في أمور لا تمت الى الحقيقة بصلة , هم يرونها هكذا او حتى لو لم يكونوا يرونها المهم ان تُصدر الينا وكأنها مسلمات ولابد ان نعتقد بها وان رفضنا قليلا تم التركيز والضغط على حقيقة معينة حتى نقتنع بها , انها نظرية الكذب المتكرر حتى التصديق مثل غداء حتى الاشباع , وحين يتشبع العقل بهذه الحقيقة يصبح لزاما عليه الدفاع عنها , هي مثل خطوات الشيطان كأن يقول لك اعمل الحرام لمره واحدة لا تضر وبعدها مرتين وبعدها تعتاد انت على الامر بل وتصبح مدافعا عن الحرام من حيث لا تدري , حين تصل الى هذه الدرجة من التوهان ارجع الى عقلك وفرغة من كل الامور الثانوية " مؤقتا " وضع كل تركيزك في هذه الحقيقة وتجنب المحفزات الجانبية بل لا تدع اي عامل " عاطفي " يؤثر عليك , فإن اقتنعت تماما تكون انت وصلت للحقيقة التي تنشدها وان راودك شك " وهو الطبيعي " فهي ليست الحقيقة الفعلية وتحتاج الى تمحيص مستمر .
لن تصل الى الحقيقة مهما حاولت وسيظل الشك يراودك , فقط في حاله واحدة تستطيع نبذ الشك , اقفل عقلك ونم نوما عميقا حينها لن تشعر بتعذيب الشك ولا فرحة الوصول للحقيقة , انها دهاليز تحمل صاحبها الى دهاليز اكبر واكثر تيها , فاحذر يا بني فالحقيقة هي ما تراه عيناك ويصدقه قلبك ولا يراودك به شك وذلك هو الايمان بالشيء ايمانا مطلقا والذود عنه دائما