انعقاد الزواج وآثاره.doc - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

انعقاد الزواج وآثاره.doc

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-11, 21:06   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 انعقاد الزواج وآثاره.doc

إشكالات انعقاد الزواج وآثاره.doc



خطــة الموضــوع
مقدمــة
الفصل الأول : إشكالات انعقاد الزواج وآثاره.
المبحث الأول : مقدمات الزواج وآثارها.
المطلب الأول : الخطبة.
المطلب الثاني : الفاتحة.
المبحث الثاني : أركان عقد الزواج وشروطه.
المطلب الأول : أهلية الزواج.
المطلب الثاني : تعدد الزوجات.
المطلب الثالث : الولي.
المبحث الثالث : آثار عقد الزواج.
المطلب الأول : الذمة المالية.
المطلب الثاني : النسب وطرق إثباته ونفيه.
الفصل الثاني : إشكالات إنحلال عقد الزواج وآثاره.
المبحث الأول : حالات إنحلال عقد الزواج.
المطلب الأول : الطلاق.
المطلب الثاني : التطليق.
المطلب الثالث : الخلع.
المبحث الثاني : آثار إنحلال عقد الزواج.
المطلب الأول : النفقة.
المطلب الثاني : الحضانة ومسكن ممارستها.
خـاتمـة




قال تعالى « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجـا لتسكنوا إليهـا وجعـل بينكــم مـودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقـوم يتفكـرون ».
وقال أيضـا: "الطـلاق مرتــان فإمســــاك بمعروف أو تسريح بإحسان".
يدرك الجميع أن حجر الزاوية و عنصر القوة الوحيد الباقي في العالم الإسلامي بــل الحبل المتين الذي يشد هذه الأمة إلى دينها ورسالتها إنما هو الأسرة ونظامها، فالأسرة كما بناها الإسلام بقيت تمثل حجر الزاوية في البناء الإسلامي كله وهي التي حافظت علــى مـا بقـي من عناصره، وكل ما بقي من روابط وعلاقات بين المسلمين وبهذا تصبح الأسرة الهدف المنشود والمقصود بالتنظيم، و هذا الأخير ما يعبر عنه بقانون الأسرة أو قانون الأحوال الشخصية،ويقصد به مجموعة القواعد المنظمة لحالة الأشخاص وعلاقاتهم المالية و غير المالية مع أسرهم ومجتمعهم وقد ارتكزت الحركة التشريعية في مجال التدوين والتقنين في الوطن العربي والعالم الإسلامي على أساس الفقه المقارن لوضع قانون عام شامل يعتمد على الشريعة الإسلامية ويستقي من المذاهب المختلفة تيسيرا على الناس وتماشيا مع روح التشريع الإسلامي الذي يدعو إلى رفع الحرج ودفـع الضرر على الأسرة بعيدا عن التقليد و الجمود وعدم التقيد بمذهب معين والاستفادة بالمذاهب الاجتهادية كلها.
و بالرجوع إلى المجتمع الجزائري نجده كان يطبق أحكـام وقواعد الشريعة الإسلامية إلى غاية احتلاله سنة 1830 من قبل المستعمر الفرنسي الذي لم يعمد مباشرة إلى إلغاء هذه الأحكام والأعراف المحلية لعلمه بمدى تعلق الشعب الجزائري بها. لكنه لم يبق مكتوف الأيدي اتجاهها بل عمد إلى إلغائها عبر مراحل تمثلت أولها في تعويضها بقضاء مدني أوربي مع استمرار مجلس القضاء الشرعي بالجامع الكبير بالعاصمة فقط، واستبدال قوانين المحاكم الشرعية بنظام الجماعات الأهلية التي تتبنى أحكام العرف والتقاليد مقصية بذلك أحكام الفقه الإسلامي وبهذا راهنت فرنسا علـى سياسة الخطوة خطـوة، ورتبت أولوياتها حسب نظرية التنصير ثم التغيير من خلال إصدارهـا لمجموعة من القوانين و المراسيم تتعلق بحالة الأشخاص وأهليتهم.
ولكن الشعب الجزائري كعادته انغلق على نفسه ولم يسمح بتطبيق تلك المراسيم والقوانين، وظل يحكم أحكام الشريعة الإسلامية بعيدا عن الإدارة الفرنسية لسبب واضـح وهو أن الشعب الجزائري متمسك بدينه وعقيدته.
وقد عرفت الجزائر أول قانون مكتوب بشكل منظم يتعلق بالزواج والطلاق ويهتم بتنظيم الأسرة وهو الأمر رقم 56/274 المؤرخ في 04 فيفري 1959.
وبعد الاستقلال استمر العمل بهذا القانون تطبيقا للقانون رقم 62/157 الصادر في
31/12/1962 الذي نص على ضرورة إستمرارية العمل بالقانون الفرنسي فيما عدا مواده الإستعمارية والعنصرية أو المخالفة للحقوق والحريات العامة.
وفي 29/06/1963 صدر القانون رقم 224/63 المتعلق بتحديد سن الزواج وتسجيله، ورغم هذا لم ينل الشعب الجزائري جزءا من إستقلاله التشريعي وظل طوال مدة 21 سنة بلا قانون للأحوال الشخصية إلى أن صادق البرلمان الجزائري على قانون للأسرة مستمدا من الشريعة الإسلامية وأصبح ساريا في
09/06/1984 وهو القانون رقم 84/11. الذي اشتمل على أربعة كتب، عالج الكتاب الأول منها عقد الزواج وانحلاله، والثاني النيابة الشرعية، والثالث الميراث، و الرابع التبرعات.
وما يلاحظ أنه لم يكن قانونا في مستوى الواحد والعشرون سنة من الدراسة، حيث اشتمل على ثغرات عديدة كانت محل نقد ونقاشات حادة بين رجال الدين والقانون والسياسة. ذلك ما استدعى حتمية التعديل لسد هذه الثغرات، وأسندت هذه المهمة للجنة تتكون من 52 عضوا باشرت عملها في شكل ورشات على مستوى المحكمة العليا. كانت ثمرتها وضع مشروع تمهيدي لتعديل قانون الأسرة مازال محل مناقشة ولم يصادق عليه البرلمان بعد.
وهذا المشروع جاء بعد عشرين سنة أخرى من معاناة ساحة القضاء من إشكالات إستحال حلها تحت ظل هذا القانون. فهل هذا المشروع سوف يكون بمستوى هذه المدة من الإنتظار. لاسيما ما تعلق منها بالزواج وانحلاله، وهذا ما جعل واضعي المشروع يقصرون إقتراحاتهم على هذا الجانب. وذلك ما دفعنا إلى حصر دراستنا عليه تحت عنوان: إشكالات قانون الأسرة بين التشريع الساري و التعديلات المقترحة –الزواج والطلاق-
وإن غايتنا المنشودة من موضوع البحث هي معالجة فقهية وقانونية لأحكام الزواج والطلاق، وإبراز أهم الإشكالات في الواقع العملي، ومدى فعالية التعديلات المقترحة لحلها، منتهجين في ذلك الأسلوب المقارن، التحليلي والنقدي.
وفي ظل أهمية قانون الأسرة في تنظيم المجتمعات عموما والمجتمع الجزائري خاصة، فالسؤال الذي يطرح بهذا الصدد : هل وفق المشرع الجزائري فيما ذهب إليه من أحكام في تنظيم الزواج والطلاق؟ ثم هل توافق في ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية؟ وما هو مرجعه في ذلك؟
ومتى كانت إجابتنا بلا فما هي المقترحات البديلة؟ وهل أصاب واضعوها في تدارك ما أغفله المشرع؟
لمعالجة هذه الإشكالات إرتأينا تقسيم البحث إلى فصلين، الفصل الأول خصصناه لإشكالات عقد الزواج وآثاره، وضمناه ثلاث مباحث، المبحث الأول تعلق بمقدمات الزواج، والمبحث الثاني بأركان عقد الزواج، والمبحث الثالث بآثار عقد الزواج، أما الفصل الثاني فخصصناه لانحلال عقد الزواج وآثاره وذلك في مبحثين الأول عالج حالات انحلاله والثاني لآثار هذا الانحلال.






المبحث الأول : مـقــدمـات الزواج.

إن كل عقد من العقود المهمة ذات الشأن و الخطر تسبقها مقدمات، يبيّن فيها كل واحد من المتعاقدين مطالبه و رغباته، فإذا ما تلاقت الرغبات أقدما و تفاهما فيتم العقد بتلاقي الإراديتين و وجوب الإيجاب و القبول.
و عقد الزواج هو أخطر عقد لأن موضوعه الحياة الإنسانية، إذ يعقد على نية الدوام و البقاء ما بقي كلا الزوجين على قيد الحياة. لهذا كانت مقدماته لها شأنه و أهميته. و قد إختصت الشريعة الإسلامية و كذا قانون الأسرة الزواج بأحكام خاصة، و لم تعن بمقدمات أي عقد من العقود سواه، و هي ما يسمى عند العرب و في لسان الشرع الإسلامي بالخطبة.
و في دراستنا لهذه المقدمات سنتطرق في مطلب أول إلى تعريف الخطبة و طبيعتها القانونية ،و حكم العدول عنها و آثاره. و في مطلب ثاني إلى الفاتحة و إقترانها بالخطبة و حكمها.

المطلب الأول : الخطبة
أولا : تعريف الخطبة
الخطبة لغة : تعني طلب النكاح.
و اصطلاحا : هي التماس التزويج و المحاولة عليه.
و قد عرفها البعض بأنها : « عقد النيّة بين طالبيّ الزواج أو المختطبين على أن يجتازا معا تجربة شخصية خلال فترة تسبق الزواج، فيختبر فيها كل منهما الآخر تمهيدا للزواج به مع الاعداد و التجهيز خلالها لتأسيس العائلة التي تتطلبها أحكام الزواج » .
و قد عرفها الإمام أبو زهرة : "بأنها طلب الرجل يد امرأة معينة للتزوج بها والتقدم إليها أو إلى ذويها ببيان حاله، و مفاوضتهم في أمر العقد و مطالبه و مطالبهم بشأنه" .
-و بالنظر إلى هذه التعريفات نجد جلها تتكلم عن تقدم الرجل و طلبه يد المرأة قصد الزواج بها، بينما حقيقة ذلك التقدم أو الطلب الشرعي قد يكون منها أو من وليها، و ذلك ما بيّنه القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة.
و قد أجاز الفقهاء عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحه و إذا رغب فيها تزوجها بشروطه.
و بالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نجده لم يعرّف الخطبة، تاركا ذلك للفقه, و المحكمة العليا في العديد من قراراتها عرفت الخطبة و أكدت على التعريف الفقهي لها فقضت بأنه :
" من المقرر كذلك أن الأصل في الخطبة و في غالب الأحيان هي مقدمة للزواج و ليست زواجا" .
و نفس الإشكال بالنسبة للتعديل المقترح فهو لم يعرف الخطبة، لكنه لما نص عليها أدرجها تحت عنوان : مقدمات الزواج، و بذلك فهو يعتبرها مقدمة للزواج.
ثانيا : حكمة الخطبة
الخطبة طريق لتعرف كل من الخاطبين على الآخر، إذ أنها السبيل لدراسة أخلاق و طبائع و ميول الطرفين، و لكن بالقدر المسموح به شرعا. فإذا وجد التلاقي و التجاوب أمكن إبرام عقد الزواج الذي هو رابطة دائمة في الحياة، و إطمأن الطرفان إلى أنه يمكن التعايش بينهما بسلام و أمان و سعادة و وئام، و هي غايات يحرص عليها كل الشبان و الشابات و الأهل من ورائهم.
و الخطبة ليست فرضا و لا واجبا، بل هي مستحبة قبل انعقاد الزواج لأن وجودها أحرى لدوام العشرة لتمكينها كلا من الخاطبين معرفة الآخر و مدى احتمال البقاء معه أو عدمه.
فالزواج ميثاق غليظ و عهد قوي و مؤبد و حتى يتبيّن كل من الزوجين الصفات التي يرغبها و ينشدها الآخر، ندبت له الخطبة.

ثالثا : شروط الخطيبة
لقد وضعت الشريعة الاسلامية صفات و بينّت مقاييس للزوجة الصالحة التي يمكن أن يجد الانسان معها الراحة و الاطمئنان و السكينة، و حسن إخيتار المرأة له هدفين : إسعاد الرجل و تنشئة الأولاد نشاة صالحة تتميز بالاستقامة و حسن الأخلاق، لقوله صلى الله عليه و سلم : " تخيروا لنطفكم فأنكحوا الأكفاء، و أنكحوا إليهم ".
و من هذه الصفات أو المستحبات نذكر ما يلي :
- أن تكون المرأة ديّنة، لقوله صلى الله عليه و سلم : "فعليك بذات الدين". و قوله : " .. فأظفر بذات الدين تربت يداك".
- أن تكون ولودا، لقوله صلى الله عليه و سلم : "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".
- أن تكون بكرا، لقوله : "فهلا بكرا تلاعبها و تلاعبك".
- أن تكون من الغر يبات عن الخاطب، غير ذات قرابة قريبة، و قد قيل : "إن الغرائب أنجب، و بنات العم أصبر". و لأنه لا يأمن الطلاق فينتج عنه قطيعة للرحم المأمور بصلتها. لقوله صلى الله عليه و سلم : "لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا". أي يخلق نحيفا.
و قد أثبتت التجارب العلمية أن الزواج بين الأقارب غالبا ما يخلق نسلا ضعيفا، حيث تشيع الأمراض الخلقية و العضوية.
- أن لا تكون المرأة مما يحرم الزواج بها سواء حرمة دائمة أو حرمة مؤقتة.
رابعا : النظر إلى الخطيبة :
لقد أجاز الشرع الإسلامي النظر إلى الخطيبة، و ذلك حتى يكون كل من العاقدين على علم قاطع أو ظن راجح بحال العاقد الآخر و ما عليه من عادات و أخلاق، ليكون العقد على أساس صحيح. و هذا العلم يتحقق بالرؤية.
و يروى أن رسول الله قال : "إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل".
و القدر المباح النظر إليه هو الوجه و الكفان و القدمان عند غالبية الفقهاء, و لابد أن لا تكون رؤية الخاطب لمخطوبته في خلوة، لأن الخلوة بين الرجل و المرأة حرام و لم يرد من الشارع ما يبيحها لأجل الخطبة فيبقى النهي قائما لذلك قال صلى الله عليه و سلم : "لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان". و عليه لابد من وجود محرم مع المخطوبة وقت النظر.
و في مجتمعنا الحاضر نجد من لا يسمح بالنظر بل تعطى للخاطب صورة شمسية للمخطوبة أو العكس، و قد تخفي الصورة عيوبا قد تكون بصاحبها. و كثيرا من لا يسمح حتى بالصور، بل تخطب الفتاة و تزوّج دون أن تعرف الخاطب حتى ليلة الزفاف، مما يؤدي إلى مآسي كثيرة كالشقاق و الطلاق نظرا للمعلومات المبالغ فيها عن الطرف الآخر.
و العكس نجد أسر أخرى تدعي التفتح و حرية المرأة فتسمح للفتاة بالتعرف على الشاب، و تختاره ثم تقدمه لأهلها، و تتطور العلاقات بينهما باسم التطور و التفتح، فتتجاوز حدود المعقول مما يؤدي إلى وقوع ما لا يحمد عقباه.
و بالرجوع إلى قانون الأسرة نجده لم يتطرق إلى مسألة النظر إلى المخطوبة و لا يعتبر سكوته إهمالا و إنما اكتفى بالإحالة على الشريعة الإسلامية بموجب نص المادة 222 من قانون الأسرة.
خامسا : طبيعة الخطبة
أ- من الناحية الشرعية :
الخطبة شرعا ليست عقدا، و إلا لكانت ملزمة إلزاما يستتبع حتمية عدم العدول عنها، و من ثم فإنها تعتبر وعدا بالزواج، و هذا الوعد لا يزيد شيئا عن مرتبة الإلتزام الأدبي المطلوب للوفاء بالعهد.
و ذلك لأن الإلزام بالتصرفات يجب أن يكون بحكم الشارع لأنه هو الذي يعطي القوة الإلزامية للتصرفات أو يكون التراضي كاملا على الالتزام، و ما نراه هو أن الخطبة تخلو من هذا الإلزام، فقد كان التراضي بين الخاطب و المخطوبة و أهلها على أساس أن هذا كان تمهيدالعقد هو عقد الحياة. و كما نعلم فالالزام يكون بوجود العقد لا في التمهيد له, و عليه فإنه مادام لم يتم نهائيا بين الطرفين فإنه يمكن لكل واحد من الطرفين أن يعدل عن ما وعد به.
يقول الدكتور مصطفى شلبي : "لا تخرج الخطبة عن كونها وعد بالزواج و الوعد ليس عقدا فلا يكون ملزما كالعقد، فيصبح لكل من الطرفين أن يعدل عنها بفسخها لأننا لو قلنا بإلزامها لحملنا الخاطبين على ما لا يريدانه و في هذا من الضرر ما لا يخفى".
فجمهور الفقهاء متفقين على أن الخطبة ليست أكثر من وعد تمهيدي للزواج و في هذا الصدد يقول الدكتور السهوزي : "لا يجوز أن يتقيد شخص بوعد أن يتزوج، و من باب أولى أن يتزوج بشخص معين، فمثل هذا التقييد يكون مخالفا للنظام العام".
ب- من الناحية القانونية :
المادة الخامسة من قانون الأسرة نصت صراحة على أن : "الخطبة وعد بالزواج و لكل من الطرفين العدول عنها".
فالخطبة من الناحية القانونية عندنا كالناحية الشرعية فهي لا تعدو أن تكون وسيلة للتعرف وفق أحكام الشرع و تحديد الشروط الموضوعية و الشكلية لإبرام عقد الزواج.
إذن فالإيجاب و القبول اللذين تمت بهما الخطبة ما هما إلا مجرد إجراء تمهيدي و وعد بزواج لاحق.
ولقد كانت المادة الرابعة من الأمر الصادر في 4 فبراير 1959 تنص على أن : "الوعد بالزواج من طرف واحد أو من الطرفين لا يعتبر زواجا ولا ينشأ أي إلتزام بعقد الزواج " .
وفي مجلة الأحكام الشرعية الجزائرية الصادرة عام 1907 نجد أن المادة الأولى منها نصت على أن : "الوعد بالنكاح في المستقبل ومجرد قراءة الفاتحة دون إجراء عقد صحيح ,كل منهما لا ينعقد به نكاح و للخاطب العدول عمن خطبها, وللمخطوبة أيضا رد الخاطب الموعود بتزويجها منه ".
ففي هذا النص المشرع تكلم عن الوعد بالنكاح في حد ذاته مبينا بأنه لا يمكن أن يكون عقد زواج و لا ينعقد به نكاح ؛ وعليه يمكننا القول أن النص أراد أن يخلع عن الخطبة صفة الزواج ،لا صفة العقدية بوجه عام ،مما جعل البعض يقول أن الوعد بالزواج لايعتبر حقا عقد زواج ولكن يمكن إعتباره عقدا من نوع خاص ، كأن يسمى عقد خطبة مثلا . ويجعل من مقتضياته الإلتزام ببذل عناية قصد الوصول إلى عقد الزواج، لكن إذا كان بالإمكان الأخذ بهذا القول سابقا فإنه غير ممكنا حاليا في ضوء قانون الأسرة الحالي لأن نص المادة 5 تكلم عن الخطبة وإعتبرها وعدا بالزواج ولم يتكلم عن الوعد غير معتبر إياه عقد زواج .
فالمادة 5 نصت على أن : "الخطبة وعد بالزواج". و لم تنص على أن :" الوعد بالزواج لا يعتبر زواجا"، كما جاء في بعض القوانين الأخرى.
و عليه نصل إلى أن الوصف القانوني للخطبة هو أنها وعد بالزواج لا أكثر. و قد ذهبت المحكمة العليا في العديد من قراراتها إلى أن الخطبة وعد بالزواج لا أكثر، و بالنسبة للتعديل المقترح لقانون الأسرة فالمادة الخامسة عرفت الخطبة بأنها وعد بالزواج و بذلك أبقت على الوصف القانوني الذي أعطاه لها المشرع في القانون الساري العمل به.
سادسا : العدول عن الخطبة
بما أن الخطبة ليست زواجا، و إنما هي وعد بالزواج فإنه يجوز في رأي أغلب الفقهاء للخاطب أو المخطوبة العدول عن الخطبة، إذ ما لم يوجد العقد فلا إلزام و لا التزام. و لكن من الأخلاق ألا ينقض أحدهما وعده إلا لضرورة أو حاجة شديدة مراعاة لحرمة البيوت و لكرامة الفتاة.
و من المستحسن شرعا وعرفا التعجيل في العدول إذا بدا سبب واضح يقتضي ذلك عملا لقوله تعالى : "و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا".فمن وعد عليه الوفاء بوعده إلا إذا وجد عارض قوي.
و قال صلى الله عليه و سلم : "إضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : أصدقوا إذا حدثتم، و أوفوا إذا وعدتم، و أدّوا إذا إئتمنتم، و إحفظوا فروجكم، و غضوا أبصاركم، و كفوا أيديكم".
و بالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نجده يجيز العدول عن الخطبة بنصه في المادة الخامسة على أن : "الخطبة وعد بالزواج و لكل من الطرفين الدول عنها ". فكلا الطرفين أي الخاطب والمخطوبة لهما الحق في العدول عن الخطبة، و بذلك فالمشرع أخذ بالمذهب المالكي.
و إذا ما عدنا إلى نص المشروع أو التعديل المقترح نجده ينص في المادة الخامسة على أنه : "يجوز للطرفين العدول عن الخطبة".

آثار العدول عن الخطبة :
لا يترتب على العدول عن الخطبة أي أثر ما دام لم يحصل عقد، لكن قد يكون الخاطب قد دفع المهر كله أو بعضه أو تبادلا الهدايا، فما مصير تلك الأموال ؟ كذلك قد ينجم عن العدول ضرر للطرف المعدول عنه فهل يستحق التعويض أولا ؟
أ- بالنسبة للصداق :
المهر أو الصداق هو ركن من أركان عقد الزواج طبقا لنص المادة 9 من قانون الأسرة و كذا المادة 15.
م9 : "يتم عقد الزواج، برضا الزوجين و بولي الزوجة و شاهدين و صداق".
م15 : "يجب تحديد الصداق في العقد سواء أكان معجلا أو مؤجلا".
و لم يحدد المشرع وقت دفع الصداق فقد يكون أثناء فترة الخطوبة أي قبل إبرام العقد أو في مجلس العقد أو يكون مؤجلا.
و ما يهمنا هو إذا ما قبضت المخطوبة المهر المتفق عليه أثناء فترة الخطوبة فإنها إذا ما تم العدول عن الخطبة سواء من طرفها أو من طرف الخاطب قبل إبرام العقد، ملزمة برده للخاطب لأنه ليس لها الحق في أخذه، بل أن الشرع و القانون لا يجيزان لها إلا نصف الصداق إذا ما تم العقد و افترقا قبل الدخول.
و في حالة الهلاك أو الاستهلاك فإن المهر يرجع بقيمته إن كان قيميا و بمثله إن كان مثليا، أيا كان سبب العدول، و هذا متفق عليه فقها.
و من خلال الواقع العملي نجد أن ذلك صعب التطبيق لأنه من عاداتنا أن المخطوبة عندما تتسلم المهر فإنها تتصرف فيه لتحضير جهازها و ما يلزم من فراش و لباس و حلي و قد يتم العدول من أحدهما، فيستحيل عليها إرجاعه. فما العمل ؟
المشرع الجزائري لم يتكلم على هذه المسألة بل أنه لم يتطرق إلى الصداق أصلا عندما نص على جواز العدول و كان الأولى به أن يضع حلا كما وضعه بالنسبة للهدايا، و هذا ما دعى القضاة إلى محاولة إيجاد حلول فذهب البعض منهم إلى إلزام المخطوبة بإرجاع قيمة الصداق و البعض الأخر ذهب إلى إلزامها بتسليم الأشياء التي إشترتها إلى الخاطب مقابل مبلغ المهر الذي تصرفت فيه.
و في نظرنا فالحل الذي يبدو معقولا هو تحميل تبعات المهر لمن كان عادلا، فإن كان الخاطب هو الذي عدل عن الخطبة ألزمه تسلم الأشياء التي حوّل إليها مبلغ الصداق، ذلك أن المخطوبة لا مبرر لإجبارها على تملك هذه الأشياء التي كان الخاطب بخطبته لها دافعا في تملكها إذ لولا تلك الخطبة و الوعد و الدفع ما تصرفت هذه التصرفات، و على العكس، إذا كانت هي التي عدلت عن الخطبة فعليها أن ترجع المهر للخاطب كما دفعه لها أو مثله إن كان مثليا، و لا يرغم على تقبل الفراش أو اللباس أو الحلي الذي إشترته المخطوبة و المصاريف التي صرفتها عليه لأنه قد يجد من لا ترغب فيه، و يضطر إلى بيعه و إنقاص قيمته، مما يجعله يجمع بين ضررين، ضرر العدول عنه و ضرر إنقاص قيمة المهر.
و مجمل القول أن المهر يعد من متطلبات الزواج لا من متطلبات الخطبة فعلى الخطيبة إذا فسخت الخطبة رده للخاطب.
ب- بالنسبة للهدايا :
لقد اختلف الفقهاء في حكم الهدايا، هل ترد أو لا ترد ؟
الحنفية : قالوا أنه يمكن إسترداد الهدايا متى لم تستهلك أو تتصل بزيادة لا يمكن فصلها عنها وهذا قياسا على الهبة، إذ يجوز للواهب الرجوع في هبته ما لم يوجد مانع بالعين الموهوبة يحول دون ذلك. مثلا : لباس أخيط أو بلى أو ساعة تكسرت … فلا تعاد.
الشافعية و الحنابلة : قالوا أنه يجوز رد الهدايا التي يتقدم بها الخاطب إلى مخطوبته ذلك لأن الباعث على هذه الهدايا هو إتمام الزواج دون شك و هو أمر مشروع لذا عدت من ضمن هبات الثواب التي يحق لصاحبها طلب ردها متى لم يتحقق ذلك المقابل، هذا ما لم تتغير تلك الهدايا بالزيادة أو النقصان أو الاستهلاك.
المالكية : فصلوا بين ما إذا كان الـعدول من جانب الخاطب أو من جانب المخطوبة.
فإذا عدل الخاطب فلا حق له في إسترداد ما أهداه إلى مخطوبته و لو لم يستهلك و يستنفذ. و إن كان العدول من جانب المخطوبة فإن الخاطب يسترد ما أهداه إليها إن كانت قائمة بعينها أي الهدايا، و إن هلكت فله مثلها إن كانت مثلية أو قيمتها إن كانت عينية.
في قانون الأسرة : لقد نص المشرع الجزائري في المادة 5 عن الهدايا و كيفية إستردادها و قد أعطاها عناية و تفصيلا، ذلك لأنه من النفقات التي تنفق أثناء الخطبة و بعدها و قبل العقد ما يكون هاما، لأن الخاطب خاصة في مجتمعنا الجزائري كثيرا ما تكلفه الخطبة آلاف الدنانير إلى جانب الهدايا التي يقدمها لمخطوبته في المناسبات و الأعياد، و أغلبها من الذهب و اللباس الفاخر، لذا نصت المادة 5 على أنه:
"لا يسترد الخاطب شيئا مما أهداه إن كان العدول منه، و إن كان العدول من المخطوبة فعليها رد ما لم يستهلك".
فالمشرع في هذه الفقرة تكلم عن الهدايا التي يقدمها الخاطب للمخطوبة و لم يتكلم عن الهدايا التي تقدمها المخطوبة للخاطب لأنه قد تكون المخطوبة موظفة أو ميسورة الحال فتقدم هدايا ثمينة للخاطب. فهل تفقد حقها في إسترجاع هذه الهدايا إذا عدل الخاطب عن الخطبة، أو هل نطبق حكم الفقرة السابقة عليها أي أن يلزم الخاطب برد الهدايا التي قدمتها له المخطوبة إذا عدل هو عن الخطبة ؟
فحسب نص المادة 5 فالخاطب إذا عدل عن الخطبة فإنه يفقد حقه في إسترجاع الهدايا التي قدمها للمخطوبة. و إذا كان العدول من المخطوبة فإنها ملزمة برد الهدايا التي قدمها لها الخاطب ما لم يستهلك بمعنى أنها تعفى من هذا الالتزام إذا كانت هذه الهدايا قد استهلكت.
و ما يمكننا ملاحظته أن المشرع الجزائري في هذه المسألة لم يأخذ بالمذهب المالكي الذي يغرم العادل عن الخطبة و يلزمه بإرجاع الهدايا إن كانت قائمة بذاتها. أم استهلكت فيرجع قيمتها إن كانت قيمية أو مثلها إن كانت مثلية، و ذلك حتى لا يجمع المعدول عنه بين ألمين، و هذا ما يجري به العمل في المجتمع الجزائري.
بل أن المشرع قد أخذ بالمذهب الحنفي في عدم رد ما أستهلك باعتباره أن ما يتبادله كل من الخاطبين هو من قبل الهبات و الهبة لا يجوز إرجاعها إن هلكت.
و الهدايا التي هي محل النصوص التشريعية هي تلك التي لم يلحق بها عقد فإن عقد على المخطوبة فالغاية المبتغاة من تلك الخطبة و هي الاستمرار على ذلك الموعد حتى الزواج و قد حصل ،و من ثم لا محل للمطالبة بها.
مثلا : لو أهدى الخاطب لمخطوبته أقراطا من ذهب و مأكولات و أقمشة فإنه إن عدل فلا يسترد سوى الأقراط لأن الطعام و الملبوس أستهلك.
و لكن يبدوا لنا منطقيا ربط استرجاع الهدايا بالعدول عن الخطبة و سهلا لكنه في الواقع الجزائري صعب التطبيق، إذ أن العدول عن الخطبة لا يتم بدون سبب إلا نادرا، فغالب ما يقترن العدول بسبب كعدم احتمال أهل الخاطب لشروط أهل الخطيبة من مسكن منفرد و مهر مرتفع أو إطالة الخاطب في مدة الخطوبة لسنوات مما يظطر أهل الخطيبة إلى العدول... أو أن المخطوبة ترفض العيش مع حماتها... و هكذا.
و كان على المشرع تحري سبب العدول وليس النظر إلى من أعلن العدول أولا لأنه أحيانا كثيرة نجد الراغب في العدول يملي شروطا صعبة التحقيق تظطر الطرف الآخر إلى الانسحاب والعدول، و غالبا ما تكون هذه الشروط مفتعلة ليستأثر لنفسه بالهدايا. و حسنا فعل المشرع عندما استعمل لفظتي الخاطب والمخطوبة في المادة5.
و لم يقل الزوج أو الزوجة، ذلك لأنه بعد العقد يصبحان زوج و زوجة و إذ ذاك لا نتكلم عن الهدايا بل على الصداق، و لو طلقت الممنوحة هدايا و صداقا قبل الدخول، فلا كلام عن الهدايا و لو عظمت قيمتها بل لها زيادة على ذلك نصف الصداق إن كان مقدرًا، و سميت بذلك مطلقة لا معدولا عنها و قد قضت المحكمة العليا في قرار لها بأنه : "من المقرر شرعا أنه لا رجوع للهدايا إذا كان فسخ الخطوبة من الخاطب بعدما تحقق أنه أصبح عاجزا جسميا على الزواج على إثر حادث مرور أفقده قدرة ممارسة العلاقات الجنسية.
حيث أن الشريعة الإسلامية قررت بأن الزوجة لها الحق في نصف صداقها إذا طلقت قبل البناء بها و ذلك بدون شروط، كما أنها قررت بأن الزوج الذي قدّم لزوجته شيئا و سماه هدية لا يسوغ له أخذه منها بأي وجه كان إلا إذا أصدر فسخ عقدة نكاحهما كذلك قبل البناء بها فيرد له ما يبقى من تلك الهدية".
بالنسبة لمشروع التعديل : فالمادة 5 المعدلة نصت على أنه : " لا يسترد الخاطب شيئا مما أهداه إن كان العدول منه و عليه رد مالم يستهلك أو قيمته.
و إن كان العدول من المخطوبة فعليها رد مالم يستهلك من هدايا أو قيمته".
فهذا المشروع خصّ الاسترجاع بالهدايا فقط دون أن يتطرق للمهر، و لكنه ذكر الهدايا التي يقدمها الخاطب للمخطوبة و كذا الهدايا التي تقدمها المخطوبة للخاطب و بذلك فهو أكثر توضيحا للأمور.
و عليه فالخاطب إن عدل عن الخطبة فلا يسترد شيئا من الهدايا التي قدمها للمخطوبة و عليه هو برد الهدايا التي قدمتها له المخطوبة ما لم تستهلك أو قيمتها. و إذا عدلت المخطوبة عن الخطبة فعليها رد الهدايا التي قدمها لها الخاطت مالم تستهلك أو قيمتها.
و الاشكال المطروح هو أن أصحاب هذا المشروع لم يبينوا هل المخطوبة عندما تعدل تسترجع الهدايا التي قدمتها هي للخاطب بما أنها تلزم برد الهدايا التي قدمها هو لها؟ أو هل نطبق عليها نفس حكم الخاطب الذي يعدل و بذلك لا تسترد الهدايا التي قدمتها للخاطب إذا عدلت؟
و الاشكال الثاني يكمن عندما أضاف التعديل لفظ "أو قيمتها" فهل يقصد يها قيمة الهدايا التي قدمت أو قيمة الهدايا التي قدمت و استهلكت؟
فالمادة نصت : " ... و عليه رد ما لم يستهلك أو قيمته." و في الفقرة الثانية : " ... فعليها رد ما لم يستهلك من هدايا أو قيمتها." بمعنى هل المادة أعطت للعادل أو العادلة الخيار بين رد الهدية ذاتها و بين رد قيمتها نقدا؟ ما دامت المادة تضمنت حرف التخيير "أو" أو أنه يقصد أن الطرف العادل يلزم برد الهدايا التي لم تستهلك و أما الهدايا التي أستهلكت فيقدم قيمتها نقدا.
و ما يمكننا ملاحظته هو أن المشرع في المادة 5 من القانون الساري فيما يخص رد الهدايا بعد العدول عن الخطبة كان يحذو حذو المذهب الحنفي الذي يقول برد الهدايا ما لم تستهلك أي ربط العدول بالاسترجاع. و نجد أصحاب التعديل في المشروع المقترح أخذوا بالمذهب المالكي الذي يقول أن الطرف المعدول عنه يسترد الهدايا سواء كانت قائمة أم هلكت فإن هلكت أو استهلكت وجب رد قيمتها.
التعويض عن الأضرار :
المشروع و القانون يجيزان لكل من الخطيبين حق العدول عن الخطبة و منه فالعدول ذاته لا يرتب على أي منهما تعويض لكن التعويض يكون نتيجة ما صاحب العدول من أفعال أحدثت أضرار مادية أو معنوية بالمعدول عنه، و هذه الأضرار قد تكون ناتجة عن تصرفات غير أجنبية و قد تكون ناتجة عن تصرفات أجنبية :
أ- الأضرار التي تنتج عن تصرفات أجنبية عن الخطبة. فالمضرور منها يستحق التعويض و منها كأن ينسب لأحد الطرفين إلى الآخر إحدى الأفعال التي تعتبر قذفا أو يفشي سرًا من أسراره و ما إليه.
ب- الأضرار التي تنتج عن تصرفات غير أجنبية عن الخطبة فيوجد خلاف بين الفقهاء حول استحقاقها التعويض ، ويقصد بها تلك الأعمال التي يقوم بها الخاطبان أو أحدهما فيما يدور حول الخطبة أو أعمال تحضيرية لعقد الزواج ككراء الفندق استعدادا لليلة الزفاف، أو تحضير الحلويات أو إعداد بيت الزوجية على الشكل الذي طلبته الخطيبة أو ترك العمل أو الدراسة تلبية لطلب الخاطب.
أولا الضرر المادي : و هو كل ما يصيب الشخص في جسمه أو ماله. و لقد نصت المادة 5 من قانون الأسرة على أنه : "إذ ترتبت عن العدول ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم بالتعويض". فيفهم من هذا النص أن القاعدة العامة أن الخطبة ليست عقد ملزما، و لا تتضمن أي التزام، فلا تعدو أن تكون وعدا شفهيا متبادلا بين شخصين من جنسين مختلفين أو بين عائلتين لابرام عقد الزواج مستقبلا. و أنه يجوز لكل واحد من الطرفين العدول عن الخطبة بمحض إرادته بسبب أو بدون سبب و لا يمكن اللجوء إلى القضاء لإجبار من يستعمل حقه في العدول أن لا يتعسف فيه و إلا جاز للطرف الآخر أن يطلب التعويض إذا ما أصابه ضرر نتيجة خطأ صاحب العدول فتقوم المسؤولية. و قد وصفها الفقهاء بأنها تغرير بالطرف الآخر نشأ عنه ضرر ، بمعنى أنه إذا صاحب الوعد بالزواج و العدول عنه فعال مستقلة عنهما استقلالا تاما و ألحقت ضررا ماديا لأحد المتواعدين وجب التعويض باعتبارها أفعالا ضارة. و هذا ما دفع الكثير من رجال القانون إلى تأسيس مبدأ التعويض على نظرية التعسف في استعمال الحق عملا بقوله صلى الله عليه و سلم "لا ضرر و لا ضرار" و عملا بالقاعدة الفقهية : " التغرير يوجب الضمان"
و الإمام مالك و تلاميذه متفقون على أن التسبب في الضرر يوجب التعويض و يعتبرون أن كل وعد كان سببا في تصرف الموعود بما ألحق به الضرر يجب ضمانه يقول الدكتور السنهوري " فإذا انحرف الخطيب و هو يفسخ الخطبة عن السلوك المألوف للشخص العادي في مثل الظروف الخارجية التي أحاطت بالخطيب كان فسخ الخطبة خطأ يوجب المسؤولية التقصرية".
إذن لكي يحصل تعويض لا بد من توافر شرطين و هما:
- ألا يكون لمن عدل مبرر ينزع عن أفعاله صفة السلوك الخاطئ المعتبر أساسا للتعويض. و ذلك كأن يتوفى أحد الخطيبين فيصيرتنفيذ الزواج مستحيلا، و لا دخل لارادة الطرف الباقي على قيد الحياة في عدم تنفيذه، أيضا إكتشاف مانع من موانع الزواج كان مجهولا قبل الخطبة…
- أن تكون للعادل يد في إحداث الضرر الحاصل للمعدول عنه : كالأمر بإجراء تصرف على وجهة معينة و فجأة تنقلب الموازين رأسا على عقب، فأحدث ذلك ضررا ماليا للمتصرف وفق ذلك الرأي، كأن يخبر الخاطب خطيبته بتاريخ الدخول و عليها التخلي عن عملها و بعد إستقالتها بيوم يلغي الموعد و يفسخ الخطبة، فالخاطب هو سبب الضرر، بتصرفه أما إن تخلت هي عن عملها برغبة منها فليس لها التعويض لعدم تسببه هو في هذا الضرر .
ثانيا الضرر المعنوي : هو تلك الآلام التي تمس عاطفة الإنسان عن طريق الطعن في سمعته أو شرفه، فيكون على شكل شعور بالحزن و ضيق الصدر و انعدام الطمأنينة.
و لم يتطرق الفقهاء سابقا للأضرار الأدبية لأنها ظهرت حديثا نتيجة لانحراف الناس في سلوكهم أثناء الخطبة و تأثرهم بالظواهر المادية للمجتمعات الأوروبية.
مثلا : التعرف على الخطيبة الذي أصبح مألوفا تجاوز النطاق التقليدي السليم للنظر إلى المخطوبة، وفاق الحدود حيث صار الانفراد بها و استصحابها للمحلات العامة... و ما ينتج عنه. فهو يلحق بها ضرر لا محالة، فالخاطب هنا ملزم بالتعويض عن الضرر المعنوي في المادة الخامسة، ذلك لأن الخطيبة في مجتمعنا هي التي تتأذى من عدول الخاطب عنها لما يلحقها من أقوال و إشاعات بخلاف الأمر إذا ما عدلت هي عن الخطبة فالخاطب لا يتأذى مثلها.
و أغلب القوانين العربية لم تنص على التعويض عن هذه الأضرار المعنوية و لا المادية.
و ما نلاحظه على المادة 5 أن المشرع الجزائري لم يجعل التعويض واجبا و إنما جعله جائزا لأنه ليس معقول أن كل عدول عن الخطبة يصاحبه ضرر، فالمشرع كقاعدة عامة أباح العدول، فهو حق الطرفين لكنه جعل التعويض عن الضرر الذي ينتج عن استعمال هذا الحق استثناءا و جائزا.
فالمادة 5/ف2 نصت على أنه : "جاز الحكم بالتعويض" فالقانون هنا أعطى للقاضي السلطة التقديرية في تقديم الضرر و تقديم التعويض.
فقد يكون الطرف العادل قد أراد تفادي ضرر أكبر بعدوله فهل هنا يلزم بالتعويض أيضا؟
و ما يمكننا قوله أن المشرع الجزائري عندما نص على التعويض عن الضرر المادي و المعنوي معا فهو حقق نتيجتين هما :
1- أنه ساير العصر و أعطى حكما ظلت الشريعة في عهودها الأولى مستغنية عنه لنزاهة تصرفات الأولين.
2- أنه سد الفراغ الذي كان موجودا في القانون المدني الذي لم ينص على التعويض عن الضرر المعنوي.
كيفية التعويض عن الضرر :
يخضع التعويض عن الضرر للقواعد العامة في القانون المدني، و ذلك بإدخال الظروف المصاحبة للأفعال التي كانت مصدرا للضرر و ثقافة الطرفين و مراكزهم الاجتماعية، و كذلك السن و الوظيفة.
مثلا لو أصاب المعدول عنها ضررا ماديا كفقدها وظيفتها، و ضرر معنويا كأن جرحها في سمعتها و شرفها، فهنا تستحق التعويض عن الضررين.
فالقاضي عليه أن يتبين سبب العدول و الظروف الملابسة لرفع دعوى التعويض حتى يكون اقتناعه باستحقاق المعدول عنه التعويض أو بعدم استحقاقه.
فمثلا الخاطب الذي يؤثث بيته تحضيرا للزواج بما أنه في مرحلة الخطوبة لا يعني أنه لحقته خسارة و ضرر مادي إذا عدلت المخطوبة لأنه كان لا محالة سيؤثث منزله، سواء كان خاطبا أو لا، و سواء كان خاطبا هذه الفتاة أو غيرها فلا يمكنه طلب التعويض.
بالنسبة لمشروع التعديل : المادة الخامسة الفقرة الثانية لم يغير فيها شيئا بل أصبحت الفقرة الثالثة و تنص على أنه : "إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له بالتعويض". فأصحاب التعديل أضافوا عبارتي : " عن الخطبة " و " لـه " لكن لا ندري إلى ماذا يهدفون من وراء ذلك هل لجعل الفقرة أكثر وضوحا، أو يقصدون شيئا آخر؟
أيضا بقي الإشكال السابق فكان عليهم أن يوضحوا بأن للقاضي السلطة التقديرية لتقرير الضرر و التعويض عنه في ذات الفقرة فتكون على النحو التالي : "إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له بالتعويض، و للقاضي تقدير حصول الضرر و التعويض".
و بالرجوع إلى القضاء نجد المحكمة العليا في قرار لها تؤكد على حق المتضرر من العدول عن الخطبة في الحصول على تعويض فجاء فيه أنه :
" من المقرر قانونا أن الإقرار القضائي هو اعتراف الشخص بواقعة قانونية مدعى بها عليه أمام القضاء، و هو حجة قاطعة على المقر، و من المقرر أيضا أنه إذا ترتب على العدول على الخطوبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم بالتعويض.
و من ثَمَ فإن القضاء بما يخالف هذين المبدأ ين يعد خرقا للقانون، و لما كان من الثابت في قضية الحال، أن المجلس القضائي بإلغائه الحكم المستأنف و رفضه الدعوى المتضمنة طلب تعويض من الطاعن على الضرر الذي أصيب به بالرغم من إقرار المطعون ضدها بفسخ الخطوبة أمام القضاء يكونوا قد خالفوا القانون و متى كان ذلك استوجبَ نقض القرار المطعون فيه".
إضافة إلى ما قلناه فإن المادة 5 سواء في القانون الساري به العمل أو في مشروع التعديل تنص على أنه: "... جاز الحكم بالتعويض...".
و نحن نعلم أن القانون المدني و هو يعتبر الشريعة العامة نص في المادة 124 تحت عنوان المسؤولية عن الأعمال الشخصية على أنه : " كل عمل أيا كان، يرتكبه المرء و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض".
فالمادة 5 من قانون الأسرة استعملت لفظ "جاز" و المادة 124 استعملت لفظ "يلزم" و دون أن نتغاضى على أن التعويض يكون نتيجة حتمية على وقوع الضرر فإنه
للقاضي السلطة التقديرية في تقدير وقوع الضرر و في تحديد مبلغ التعويض دون أن تكون له هذه السلطة في ضرورة التعويض أو عدمه. فكان يجب أن يتضمن نص المادة 5 لفظ الإلزام حتى يكون متماشيا مع القانون المدني و ليس متناقضا معه.

المطلب الثاني : الفاتحة
أولا : مفهوم الفاتحة :
كما سبق أن قلنا ففي الخطبة تجري عملية تعارف بين عائلتين ، يختلف شكلها من منطقة لأخرى وتتفق، في جوهرها فيما روته كتب السنة من أن الخاطب ينظر لمخطوبته في بيت أهلها بحضور محرم.
والخطبة في مجتمعنا الجزائري هي عبارة عن اتفاق يسبق قراءة الفاتحة ويقع غالبا في مجلس المواعدة بالزواج بين والدي الخطيبين أو أوليائهما وينتهي بايجاب وقبول المصاهرة بين العائلتين دون إبرام أي عقد وقد يتوج ذلك الاتفاق بقراءة فاتحة القرآن الكريم للدلالة على أنهما اتفقا مبدئيا عازمين على إبرام عقد الزواج فكأن تلاوتها تدل على أن جميع الإجراءات قد تمت ولم ينازع شأن الأمور الهامشية والشروط التي تكون في شكل إشعار بالعادات والتقاليد للطرفين دون المساس بالأمور الجوهرية، وسواء حضر شهود على ذلك أو لا.
وقد جرى العرف على أن تطلق تسمية فاتحة على هذا الاتفاق، وفي الواقع أنها تقرأ للتبرك لا أكثر.
وبعض الفقهاء عرفها بأنها عبارة عن مجلس أو اجتماع يحضره عادة ولي الزوجة والزوج أو وكلاؤهما، وجمع من الناس من أقارب الخطيبين وأصدقائهما ومن أعيان الجماعة، وينتهي بإبرام عقد زواج شفهي لصالح الخطيبين يتم فيه تحديد الصداق، تليه قراءة الفاتحة متبوعة ببعض الدعوات للزوجين، وبتقديم الصداق كله أو بعضه في نفس المجلس أحيانا.
في قانون الأسرة : المشرع الجزائري نص في المادة 6 على الفاتحة على أنه :
"يمكن أن تقترن الخطبة مع الفاتحة أو تسبقها بمدة غير محدودة.
تخضع الخطبة والفاتحة لنفس الأحكام المبينة في م 5 أعلاه".
فالمشرع أجاز إمكانية إقتران الفاتحة بالخطبة وإمكانية أن تسبق الخطبة الفاتحة بمدة زمنية غير محددة، فهو بذلك جعل الفاتحة منفصلة عن الخطبة أي عن الاتفاق التمهيدي، إذ يصح أن تتأخر الفاتحة إلى ليلة الزفاف مادامت في المرحلة بين الاتفاق المبدئي وعقد الزواج، وأجاز أن تتلى الفاتحة مصاحبة للقاء الخطبة وهي الحالة المعمول بها في الغالب في المجتمع الجزائري.

ثانيا : الطبيعة القانونية للفاتحة :
إن الفاتحة بتقديمها أو تأخيرها عن مجلس الخطبة لا يغير القيمة القانونية للوعد بالزواج أي الخطبة، ذلك لأن المشرع الجزائري قد أخضع آثار الفاتحة إلى نص المادة 5 الفقرة الأولى كما نص على ذلك في المادة 6. بمعنى أن الفاتحة والخطبة لهما على السواء حكم واحد، وهو أن كل منهما يعتبر قانونا وعد بالزواج وينتج عنه أنه يمكن لكل واحد من الخطيبين أن يتراجع عن وعده ويعدل عنه في أي وقت شاء قبل إبرام عق الزواج بصفة رسمية أمام الموظف المختص والمكلف قانونا بتحرير عقود الزواج في البلدية أو الموثق أو المحكمة.
وبالطبع ينتج على العدول عن الفاتحة ما ينتج عن العدول عن الخطبة، وما يتعلق بالتعويض عما يمكن أن يصيب الطرف الآخر من ضرر يمكن أن يترتب عن العدول عن الفاتحة.
ثالثا : أثر إقتران الفاتحة بالخطبة :
لقد سوى قانون الأسرة بين الخطبة والفاتحة وأجاز إقترانهما معا، ولكن سواء أكانتا مقترنتين أو متفرقتين وسواء أكانتا متحدتين، من حيث عناصرهما وآثارهما أو مختلفتين فإنهما لايرتقيان إلى درجة العقد في نظر قانون الأسرة ومادامتا كذلك فإن العدول أو الرجوع عنهما ممكن، وأنه إذا ترتب ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين المتخاطبين نتيجة للعدول بعد الفاتحة أو الخطبة جاز الحكم بالتعويض للطرف المتضرر، وهذا هو إذن وجه إخضاع كل من الخطبة والفاتحة إلى أحكام واحدة هي أحكام المادة 5 رغم ما قد يبدو من اختلاف بينهما.
لكن هناك من يعتبر الفاتحة بأنها تلك الصيغة التي تتم بها وهي : "زوجني ابنتك فلانة على صداق قدره كذا"، و "زوجتك إياها" أو : زوجت موكلك ابنتي أو موكلتي على مهر قدره كذا"، ولكن من باب تسمية الأصل بالفرع أو الكل بالجزء صار يطلق على العقد الذي تقرأ فيه الفاتحة بالفاتحة ، ألا تعد هنا عقدا شرعيا؟
إذن كان على المشرع الجزائري أن يراعي ما تعارف عليه المجتمع الجزائري من عادات وتقاليد ففي الكثير من المناطق تعتبر الفاتحة عقد شرعي إذ تتم بحضور الخاطب أو من ينوبه من ولي، أو وكيل، وولي المخطوبة إلى المسجد ومعهم جمع غفير من الرجال بينهم من نفقة في أمر الدين ويتم في هذا المحضر التزويج، ذلك لأن الصفة التي يتم بها التخاطب بين كل من ولي الخاطب والمخطوبة هي صفة الزواج لا الخطبة مع تعيين المهر، وبعدها يقرؤون الفاتحة ويدعون للزوجين وفقا لما جاءت به السنة النبوية الشريفة.
فهي في الواقع عقد زواج شرعي مرتب لجميع الآثار والأحكام حيث به تصير المخطوبة زوجة والخاطب يصير زوجا وإن توفي أحدهما قبل الدخول ورثه الثاني واعتدت المرأة عدة وفاة من توفي عنها زوجها. وثبت لها النصف الثاني من المهر عند المالكية، كما أنه لا يحق لها أن تتزوج إلا بعد طلاق.
فالاشكال يبقى مطروح أمام القضاء فهل يطبق القاضي القانون الذي يعتبرها مجرد وعد ولا ترقى إلى مستوى العقد أو أنه يعتبرها عقدا مادامت شروط العقد التي نص عليها القانون متوفرة، لذلك يجب رفع الالتباس المنصوص عليه في هذه المادة وجعل الفاتحة التي تتم في شكل عقد الزواج لها نفس أحكامه من حيث الآثار سواء كانت هذه الآثار نسبا أو ميراثا وإذا تمت الفاتحة دون توافر هذه الأركان فإنها تخضع لأحكام المادة 5 من قانون الأسرة. فهذه المادة إذن بحاجة إلى تعديل.
وبالرجوع إلى قضاء المحكمة العليا نجده يعتبر الفاتحة التي تتوفر فيها شروط الزواج عقدا شرعيا كما جاء في القرار التالي :
"ومن المقرر كذلك أن الأصل في الخطبة وفي غالب الأحيان هي مقدمة للزواج وليست زواجا، غير أنها قد تتجاوز مرحلة إلتماس النكاح إلى النكاح الشرعي وتصبح فعلا زواجا شرعيا إذا واكبها تحديد شروطه وتحققت أركانه، ومن ثم فإن القضاء بما يتفق مع هذا المبدأ يعد قضاء صحيحا".
بالنسبة لمشروع التعديل : لقد نصت المادة 6 من التعديل :
"إن اقتران الفاتحة بالخطبة لا يعد زواجا.
غير أن اقتران الفاتحة بالخطبة بمجلس العقد تعتبر زواجا متى توافرت أركانه و شروطه طبقا لأحكام المادتين 9 و 9 مكرر من هذا القانون".
فهذه المادة المعدلة تجيز اقتران الفاتحة بالخطبة من جهة سواء سبقتها أو صاحبتها، و من جهة أخرى اعتبرت أن هذا الاقتران ليس عقدا.
و منه نستشف أن الخطبة يعتبرها أصحاب التعديل و عدا بالزواج و كذلك الفاتحة و يخضعهما لحكم المادة الخامسة من حيث العدول عنهما و آثاره و ذلك نفهمه بمفهوم المخالفة فهذه المادة نصت على أن اقتران الفاتحة بالخطبة لا يعد زواجا بل يعد وعدا بالزواج فقط و هي القاعدة العامة. و بالنسبة للفقرة الثانية فنصت على أنه كاستثناء من القاعدة العامة فإن اقتران الخطبة بالفاتحة يعتبر عقد شرعي و ذلك إذا توافرت أركان الزواج المحددة قانونا في المادتين 9 و 9 مكرر من هذا القانون و هي الولي و الشاهدين و الرضا و الصداق و أهلية الزواج و انتقاء الموانع الشرعية حسب المشروع.
فأصحاب التعديل يكونوا بذلك قد حذو حذوَ المحكمة العليا التي قضت في عدة قرارات بأن الفاتحة إن اقترنت بالخطبة فهي تتجاوز مرحلة الوعد بالزواج إلى الزواج الشرعي إذا ما توفرت أركانه و شروطه.
و مجمل القول أن المادة السادسة في مشروع التعديل تضمنت قاعدة عامة و استثناء و بذلك تكون قد حلت مشكلا كان قائما منذ زمن و هو اعتبار الفاتحة المقترنة بالخطبة وعدا بالزواج رغم توافر شروط الزواج و بذلك زال هذا الإشكال.





































المبحث الثاني : أركان عقد الزواج و شروطه :

إن المقومات الأساسية والأسباب الحقيقة لوجود الشيء هو أركانه وشروطه ، وعقد الزواج كغيره من العقود يتطلب أركان وشروط تتجلى هذه الأخيرة في الأهلية وخلو المرأة من موانع الزواج ، والتعدد.
أما أركانه فهو ما نصت عليه المادة 9 من قانون الأسرة وهي : الرضا، الولي، المهر والشاهدين ولعلى أهم النقاط التي أثارت الجدل واستقطبت النقاشات من الشروط هي الأهلية والتعدد ، ومن الأركان الولي ،فما هي الاشكالات التي تثيرها هذه النقاط ؟ وما هو الجديد الذي أتى به دعاة التعديل ؟
للإجابة على هذه التساؤلات ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب هي :
المطلب الأول : أهلية الزواج
يعرف عبد العزيز سعد العقد الصحيح بأنه : "العقد الذي يكون قد استوفى كل أركانه و شروط انعقاده، و توفرت في المتعاقدين أهلية عقد الزواج".
و عليه فإن شرط أهلية الزواج يجب توافره لصحة عقد الزواج بحيث انعدامها يرتب بطلان العقد بطلانا مطلقا.
و للتفصيل أكثر في هذا الشرط سنتعرض إلى تعريف أهلية الزواج موقف الفقه منها كعنصر أول، ثم أهلية الزواج في قانون الأسرة الساري كعنصر ثاني، و كعنصر أخير نتناول أهلية الزواج في التعديلات المقترحة.
أولا : تعريف أهلية الزواج و موقف الفقه منها.
تعرف الأهلية بأنها : "صلاحية شخص لتلقي الحقوق و التحمل بالواجبات". و هذا التعريف القانوني يقترب من التعريف الفقهي إذ يعرفونها بأنها : " صلاحية شخص لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه".2
و الأهلية نوعان :
1- أهلية وجوب : " و هي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له و عليه. " و بهذا التعريف نعلم أن كل إنسان حر هو شخص تتوافر له أهلية الوجوب. و تثبت له هذه الأهلية من وقت ميلاده بل و قبل ذلك عندما يكون جنينا في بطن أمه إلى وقت موته، بل و بعد ذلك إلى حين تصفية تركته و سداد ديونه. و هي لا تعنينا في التصرفات القانونية المرادة هنا.
2- أهلية أداء : " و هي صلاحية الإنسان لاستعمال الحق." و يحصل أن تتوافر للإنسان أهلية الوجوب دون أهلية الأداء، فيكون مستمتعا بالحق و هذه أهلية الوجوب دون أن يستطيع استعماله بنفسه و هذه هي أهلية الأداء.
و من هنا أمكن فصل أهلية الوجوب عن أهلية الأداء. و الأهلية التي تعنينا في هذا المجال هي أهلية الأداء، فمتى توافرت للشخص الأهلية الكاملة "بأن يكون بالغا، عاقلا، خاليا من الموانع الشرعية" كان صالحا لمباشرة كافة العقود و من بينها عقد الزواج.
و لم يحدد الفقهاء بصفة قاطعة سن البلوغ الذي تتم فيه أهلية الفتى و الفتاة للزواج. و قالوا بأن مرحلة البلوغ هي تلك الفترة الزمنية التي تأتي بين مرحلتي الطفولة و التمييز. و هي تظهر طبيعيا بعلامات توجد في الفتى كالاحتلام، و في الفتاة كالحيض. و رغم هذا قدر جمهور العلماء سن البلوغ بالخامسة عشر للذكور و الإناث، في حين ذهب الفقه المالكي إلى أن نهايته هي ثمانية عشر عاما في الفتى و الفتاة.
و على هذا فالصغير غير المميز لا ينعقد الزواج بعبارته قولا واحدا. و أما الصبي المميز فينعقد عند أغلب الفقهاء و لكن يكون موقوفا على اجازة و ليه. على أنه متى ظهرت فيه إحدى علامات البلوغ الطبيعية جاز له أن يعقد الزواج بنفسه، و هذا طبقا لقوله تعالى : "و ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم".
و هنا دلالة على أن بلوغ سن النكاح هو علامة انتهاء الصغر.
- بالنسبة للعقل فإن جمهور الفقهاء لا يشترطونه لصحة عقد الزواج، فيجوز عندهم أن يزوج الولي (أبا أو غيره) المجنون أو المجنونة، و كذا المعتوه أو المعتوهة. و لا فرق في الجنون بين أن يكون أصليا أو طارئا عند أبي حنيفة و أصحابه، و قال الإمام زفر : "إذا بلغ عاقلا ثم طرأ عليه جنون فلا يملك أحد تزويجه". و قال الجعفري: "بل الولاية حينئذ للقاضي لا للأولياء".
و يترتب على زواج الصغير أو المجنون حق البلوغ بالنسبة للأول فيختار عند بلوغه فسخ زواجه أو إمضاؤه، و مثله خيار الإفاقة لكل من المجنون أو المعتوه.
ثانيا : أهلية الزواج في قانون الأسرة الساري
إذا كان الزواج في الفقه الإسلامي لم يكن موقوفا على سن معينة، و لا معلقا على شرط بلوغ عدد من السنين مضبوط و متفق عليه. فإن النصوص القانونية الوضعية تناولت المسألة بالتنظيم، باعتبارها تحافظ بقوانينها على سلامة الفرد و المجتمع و تحميهما مبررة عملها بما أثبته، الأطباء و علماء الاجتماع من أن زواج الصغار يترتب عليه كثيرا من الأضرار الجسمانية و النفسية و الاجتماعية. و كم نشأت من جراء ذلك من مآسي اجتماعية و أضرار خلقية و اضطرابات عائلية، و ذلك لتعقد الحياة و صعوبة طرق المعيشة، فالزوج مطالب بتأمين النفقة على الأسرة الناشئة، و الزوجة تنال من جسمها و صحتها العلاقة الجنسية و تبعات الزوجية، وفوق هذا. و ذلك فإن الزواج أبدي به تنشأ الأسرة و تكون رعاية الأولاد و كل هذه التبعات التي يفرضها عقد الزواج تفترض أن يكون المتعاقد جسميا قادرا على تحملها و متمتعا بقدر كاف من التمييز يستطيع معه إدراك نتائج و عواقب ما هو مقدم عليه. و هذه الأمور كلها لا تكون إلا ببلوغ الشخص سنا معينة رأى المشرع أن يجعلها 18 سنة للمرأة و 21 سنة للرجل.
و لعل أهم نص نظم أهلية الزواج قبل صدور قانون الأسرة الحالي هو القانون رقم 224-63 الصادر في 29/06/1963 و المتعلق بتحديد سن الزواج حيث تضمن ستة مواد، فنص في المادة الأولى منه على أنه : "لا يجوز للرجل الذي لم يكمل الثامنة عشر سنة و لا للمرأة التي لم تكمل السادسة عشرة أن يعقدا زواجا و يجوز لرئيس المحكمة الابتدائية الكبرى أن يعفيهما من شرط السن إذا رأى لذلك أسبابا خطيرة، و ذلك بعد استطلاع رأي وكيل الدولة". كما نص في بقية المواد على معاقبة الأشخاص الذين يخالفون أحكام المادة الأولى، و لا يحترمون السن القانونية المحدودة.
أما قانون الأسرة الحالي فقد نص في المادة السابعة منه على أنه : "تكتمل أهلية الرجل للزواج بتمام الواحد و العشرين سنة، و المرأة بتمام الثامنة عشر سنة و للقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك للمصلحة أو للضرورة".
دون أن ينص على أية عقوبة يمكن ترتبها على مخالف هذا السن، و دون أن يرتب أي أثر على إبرام عقد الزواج قبل هذه السن و هذا على عكس القانون السالف الذكر.
و من خلال تحليلنا للمادة 7 من قانون الأسرة و مناقشتها، نجد أنها أتت بقاعدة و استثناء.
فالقاعدة تضمنت عدم السماح للفتى قبل 21 سنة و لا للفتاة قبل 18 سنة أن يتزوجا معا أو مع أجنبي أبدا مهما كانت إمكانيات قابليتهما الجسدية لهذا الزواج.
أما الاستثناء فأجاز لكل من لم يبلغ السن المحددة لأهلية الزواج قبل ذلك إذا أثبت أن هناك ضرورة أو مصلحة في ذلك الزواج المراد إبرامه، و استطاع أن يحصل نتيجة لذلك على إعفاء من السن المطلوب و ذلك بموجب إذن أو رخصة يطلبها من رئيس المحكمة التي يسكن بدائرة اختصاصها المعني نفسه أو وليه. جاعلا بهذا القاضي رقيبا غير مباشر لهم و أمينا على مصالحهم و مقدرا عادلا لظروفهم الخاصة، و لما يجابههم من ضرورات تخصهم هم أنفسهم، و ليست فيها مصلحة لآبائهم و أمهاتهم. و لتحقيق هذه الغاية فإن المشرع أعفى القاضي من تسبيب قبوله أو رفضه لطلب الإعفاء من سن الزواج، و أن ما يقرره في هذا المجال لا يقبل أية طريق من طرق الطعن أو المراجعة.
و بهذا فإن المشرع لم يأخذ الناس جميعا مأخذا واحدا سواء أكانوا ذكورا أو إناثا، و إنما أعطى للقاضي السلطة التقديرية في السماح و الإذن بالزواج لمن كانت ظروفه و أحواله تستدعي ذلك و لو قبل اكتمال السن القانونية.مراعيا بهذا العادات السائدة في بلادنا و ما تعود عليه الناس في مجتمعنا و في و معظم المجتمعات الشرقية من تزويج الفتيان و الفتيات في سن مبكرة قبل السن المحددة للزواج خوفا مما قد يترتب عن تأخير الزواج من آثار لا تحمد عقباها.
و لكن و رغم أن المادة السابعة قد تصدت بالتنظيم لأهلية الزواج، و كذا لاستثناء الإعفاء منها، إلا أنه تبقى المادة الوحيدة في قانون الأسرة التي نظمتها، مغفلا بذلك تنظيم حالة خرقها، حيث قد يتم العقد شرعا قبل بلوغ الفتى أو الفتاة السن القانونية و هذا دون الحصول على إذن من رئيس المحكمة، و دون سبب جدي. و بعد مدة من العقد الشرعي يقومون بطلب تسجيله قضائيا أمام المحكمة بعد اكتمال السن القانونية، و القاضي قد يحس و يلمس بأن عقد الزواج قد أبرم شرعا قبل بلوغ السن القانونية، و لكن ليس في وسعه توقيع عقوبة على أي منهما، فرغم أن المشرع وضع نصب عينيه مصلحة الفرد و المجتمع عند تحديده لسن الزواج إلا أنه لم يعطه القيمة القانونية اللازمة لها ذلك أن نهيا دون جزاء قد لا يجد نفعا لدى البعض خاصة عند علمهم بما تنص عليه المادة 22 من قانون الأسرة من إمكانية تسجيل العقد بحكم أمام القضاء إذا اكتملت أركانه، و الأهلية كما نعلم ليست ركن بل شرط .و على العكس من هذا القانون ما كان يقضي به القانون رقم 224-63 في المادة الثانية التي تنص : "يعاقب كل من ضابط الأحوال المدنية و القاضي و الزوجين و ممثليهما و الشركاء الذين لم يراعوا شرط السن المنصوص عليها في المادة الأولى بالحبس من 15 يوما إلى 3 أشهر و بغرامة من 400 إلى 1000 فرنك جديد أو بإحدى هاتين العقوبتين".
و بهذا يكون القانون رقم 224-63 قد حقق المصلحة المرجوة من وراء تحديد سن الزواج. و في هذا الإطار نجد أن الدكتور عبد العزيز سعد قد ناقش في كتابه الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري هذا النقص في قانون الأسرة حول الأهلية و متعرضا بالتفصيل إلى مواد القانون 224-63 أين خلص في الأخير إلى أن قانون الأسرة لم يتضمن نصا يلغي صراحة جميع أحكام القانون رقم 224-63 و إنما تضمن عبارة تقول "تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون". أي قانون الأسرة، و بهذا تلغى فقط المادة الأولى التي تخالف المادة 7 منه و تبقى باقي المواد لأنه لا يوجد في قانون الأسرة ما يماثلها و لا ما يخالفها، أو يتعارض معها، و بالتالي فهي إذن ما تزال سارية المفعول، و مازالت قابلة للتطبيق.
و نخلص في الأخير من خلال هذه الدراسة البسيطة للمادة 7 من قانون الأسرة إلى أن المشرع كان عليه لزاما أن يأخذ احتياطاته اللازمة لضمان تطبيق هذه المادة، و تفادي الاعتماد على قانون سابق اشتمل قانون الأسرة على معظم أحكامه، و يعتبره الأغلبية ملغى. فالمادة السابعة جاءت ناقصة، حيث لم تتناول بالتنظيم عدة نقاط هامة معرضا بهذا المشرع إياها و كذا تطبيقها إلى الخرق. و أهم هذه النقاط :
- منح سلطة الإعفاء من السن المحددة لأهلية الزواج دون أن تعين حدا أدنى لذلك، مما يحمل على الاعتقاد بأن القاضي حسب ظاهر النص يمكن أن يمنح الإعفاء أو الإذن حتى للفتاة التي لم تبلغ سن العاشرة من عمرها. عكس القانون السوري الذي اعتبر الحد الأدنى للزواج هو 15 سنة للفتى و 13 سنة للفتاة.
- كما أن المادة لم توضح ما إذا كان طلب الترخيص يجب تقديمه من الولي أو يكفي أن يقدمه المعني و يوافق عليه الولي أو لا يوافق.
- إن انتهاك هذه المادة بدا واضحا، و يؤكد ذلك الدعاوى الكثيرة التي ترفع إلى المحاكم بغرض تسجيل عقود الزواج في الحالة المدنية و هذا لكونها لم ترتب أي أثر قانوني على من يخالفها.
- لم تعط المادة 7 من قانون الأسرة أي دور لوكيل الجمهورية في مجال الإعفاء من السن القانونية المقررة لأهلية الزواج عكس المادة الأولى من القانون 224-63 و التي تم إلغاؤها بموجب المادة السابقة الذكر من قانون الأسرة و الذي يتمكن من خلاله الإطلاع على حالات الإعفاء التي يكون الدافع إليها إخفاء فعل إجرامي أو مصلحة أو ضرورة غير متوفرة.كما أن منح الرخصة لإمكانية إبرام عقد الزواج يدخل ضمن المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص و النظام العام مما يتوجب إطلاع النيابة العامة و تدخلها عند اللزوم.
و تبقى هذه المادة السابعة و المتعلقة بأهلية الزواج بحاجة إلى النظر و التعديل لحسم هذه النقاط التي تعتبر تغيرات تتيح إفلات و تملص الأشخاص من حكمها.
ثالثا : أهلية الزواج في التعديلات المقترحة
من بين مواد قانون الأسرة التي مسها التعديل المقترح نجد المادة 7 من قانون الأسرة. المتعلقة بأهلية الزواج، حيث تم تعديل المادة ذاتها بموجب المادة الرابعة من مشروع التعديل و كذا استحداث مادة أخرى تحت رقم 7 مكرر.و هذا بموجب المادة الخامسة منه، و هما ما سنتناولهما بالدراسة لمعرفة ما أتيا به من جديد.
فتنص المادة 7 من التعديل المقترح "تكتمل أهلية الرجل و المرأة في الزواج بتمام 19 سنة و للقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة متى تأكدت قدرة الطرفين علىالزواج.
و يكتسب الزوج القاصر أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق و التزامات".
حيث من خلال قراءة و تحليل هذه المادة نجدها تتكون من فقرتين عكس ما كانت عليه . أين في الفقرة الأولى تم تحديد سن الزواج للرجل و المرأة و هو 19 سنة و كذا تم الإبقاء على صلاحية القاضي منح ترخيص للزواج قبل ذلك متى تأكدت قدرة الطرفين عليه .
أما الفقرة الثانية فتضمنت منح القاصر أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج و التزاماته، أي منحته الترشيد بقوة القانون.
و قد ورد في عرض الأسباب أن السن المقترح تم تحديده ليتطابق مع سن الرشد المدني، و يتساوى بهذا الرجل و المرأة.
أما في إطار تقييم هذه المادة نقول أنه بعد أن كان سن الزواج في القانون رقم 224-63 هو 18 سنة للفتى و 16 سنة للفتاة، و هو ما يوافق سن التمييز في القانون المدني، لكي يتفادى المشرع الوقوع في حالة تصرف عديم التمييز و الذي يترتب عليه البطلان المطلق. أصبح في قانون الأسرة الساري المفعول رقم 84/11 محدد ب : 18 سنة للفتاة و 21 سنة للفتى. و هو ما يوافق بالنسبة للفتاة سن البلوغ عند الإمام مالك، و يتناسب بالنسبة للرجل مع انتهاء واجب الخدمة الوطنية و تفرغه لإنشاء عائلة و التكفل بالتزاماتها.
أما التعديل المقترح فقد جعل سن الزواج 19 سنة بالنسبة للرجل و المرأة ليوحد بهذا بين سن الرشد المدني و سن الزواج و هذا ما يؤكده عرض الأسباب المرفق بالمادة، لكن نتساءل ما جدوى هذا التوحيد بين سن الرشد المدني و سن الزواج، بل أكثر من هذا ما جدوى مساواة سن الرجل بالمرأة خاصة إذا علمنا أنه :
- فيما يخص مساواة الرجل بالمرأة في سن الزواج، فإنه لا يخدم مصلحة المرأة، حيث أنه من الثابت علميا و فقها أن المرأة تبلغ قبل الرجل و تصبح مؤهلة للزواج قبله، إضافة إلى عاداتنا و أعرافنا السائدة عندنا و في كل الدول العربية و التي تميل كلها إلى زواج الفتاة قبل الفتى و إلى الزواج المبكر بصفة عامة لتفادي الانحرافات الأخلاقية و الاجتماعية.
- و فيما يخص توحيد سن الرشد المدني مع سن الزواج، فإنه يعتبر مبالغ فيه كونه و بالنظر لأغلب بلدان العالم نجد أن سن الزواج فيها يختلف عن سن الرشد المدني، و هذا لما يتميز به عقد الزواج من خصائص عن بقية العقود حيث أنه يفترض البلوغ و العقل أكثر من الرشد، و قد أكد الفقهاء على صحة زواج المميز.
كما أنه ورد في تعديل المادة 7 من قانون الأسرة أن الزوج القاصر يكتسب أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق و التزامات، و هو ما يجعل إشكالية اختلاف سن الرشد عن سن الزواج غير قائمة، حيث أنه يصبح راشدا بقوة القانون في حدود عقد زواجه و ما يرتبه من آثار.
و منه يكون مشروع التعديل قد حل إشكالية اختلاف سن الزواج عن سن الرشد بمجرد نصه على الترشيد القانوني سابق الذكر، و عليه لم يكن ملزما أن يساوي بين الرجل و المرأة من حيث سن الزواج، و لم يكن مجبرا أن يساوي بين أهلية الزواج و سن الرشد المدني. فلا يخضع تحديد سن الزواج سوى لدراسة إجتماعية للبيئة الجزائرية، يقوم بها علماء الاجتماع و أطباء و علماء الشرع و رجال القانون و هذا للوصول إلى الأفضل و تفادي الحالات العديدة التي يلجأ فيها إلى الزواج رغم عدم توافر السن القانونية و لما يتبع ذلك من مشاكل بالنسبة لأبناء هؤلاء.
و منه يكون التعديل المقترح بدل التطرق إلى ما أشرنا إليه من انتقاد للمادة 7 من قانون الأسرة أضاف إشكاليات أخرى، نلخصها فيما يلي :
- يصبح الاستثناء قاعدة و القاعدة استثناء، و هذا ما يجعل رئيس المحكمة و كأنه من يأذن بالزواج من خلال منحه لترخيص بصفة كبيرة.
إضافة إلى إشكالية الضرورة و المصلحة التي تقدر لمنح الترخيص و التي حتما تختلف من قاضي لآخر، فما يعتبر عند واحد ضرورة لا يعتبر كذلك عند الآخر دون الإشارة إلى اختلافها من منطقة إلى أخرى و من عرف لآخر و بهذا نكون في مواجهة حالة من تفاوت في منح التراخيص لكي لا نقول تناقض، حيث يصدر أمر يبرر منح التراخيص، و يصدر أمر آخر في نفس الحالة في مكان آخر يبرر رفض منحه ؟!
- و بالنتيجة على ازدياد طلب التراخيص بسبب رفع سن الزواج يزداد رفض منحها لأن الأسباب غالبا ما تتعلق بعرف المنطقة (خاصة الزواج المبكر للفتاة) و تزداد دعاوى تسجيل الزواج في الحالة المدنية، أين لا تشترط المادة 22 من قانون الأسرة سوى ضرورة توافر الأركان، و أهلية الزواج كما نعلم ليست كذلك.
و فيما يخص المادة 7 مكرر من مقترحات التعديل على أنه : "يجب على طالبي الزواج أن يقدما وثيقة طبية لا يزيد تاريخها عن الشهرين تثبت خلوهما من أي مرض يتنافى مع الزواج.
يتعين على الموثق أو ضابط الحالة المدنية أن يتأكد قبل تحرير عقد الزواج من خضوع الطرفين للفحوصات الطبية و من علمهما بما قد تكشف عنه من أمراض.
تحدد شروط و كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم".
و قد وردت هذه المادة التي نحن بصدد تحليلها و مناقشتها في مقترحات التعديل متكونة من ثلاث فقرات، حيث تضمنت الفقرة الأولى النص على شرط جديد من شروط الزواج، و هو تقديم وثيقة طبية تثبت خلوهما من أي مرض يتنافى مع الزواج، لا تزيد مدة إستخراجها عن شهرين. و في الحقيقة فإن هذا الشرط ليس بجديد فعلا عن عقود الزواج عندنا، كونه كان متوفر كشرط خاص يخص بعض الفئات الاجتماعية بالنظر إلى طبيعة وظيفتهم و هم أفراد الجيش.
و المتصفح كذلك لقانون الأحوال الشخصية السوري رقم 34 الصادر بتاريخ 31/12/1975 نجده أورد هذا الشرط في الفصل السادس (معاملات الزواج الإدارية) في المادة 40 : فأوردت : "…ج : شهادة من طبيب يختاره الطرفان بخلوهما من الأمراض السارية و من الموانع الصحية للزواج. و للقاضي التثبت من ذلك بمعرفة طبيب يختاره" . فهو من بين الشروط التي وضعها القانون السوري و سماها الدكتور عبد الرحمن الصابوني بالشروط القانونية لأن الفقهاء لم يشترطوها و لا تؤثر على صحة العقد و انعقاده، و لكنها ضرورية لتوثيق العقد و تسجيله و التأكد من شخصية الزوجين.
أما الفقرة الثانية فإنها تناولت إلقاء التزام على عاتق الموثق و ضابط الحالة المدنية للتأكد من قيام الطرفين بالفحوصات، و هذا من خلال الوثيقة المقدمة و باعتبارهم المكلفين بتحرير عقود الزواج.
أما الفقرة الأخيرة فقد أحالت على التنظيم لتطبيق هذا الشرط .
و كتقييم لهذه المادة نقول أنها أتت لتدعم شرط الأهلية الكاملة في الزواج، فأضافت شرط تقديم شهادة طبية تثبت أن الطرفان خاليان من أي مرض يتنافى مع الزواج، لأن إصابة أحد الزوجين بمرض معد ينتقل للزوج الآخر فيه من الضرر ما لا يخفى كما أن فيه تغرير للسليم منهما إذ ربما لو علم بمرض زوجه لما وافق على الزواج به.
و قد أوكل مهمة تجسيد هذا الشرط إلى الموظف المكلف بتحرير عقود الزواج و هما الموثق و ضابط الحالة المدنية اللذان يعتبران أكثر الناس ضمانا لها و لتطبيقها.
و في الأخير نشير أنه من خلال الإطلاع على مؤلف الصابوني نجده قدم اقتراح أن يضيف مشرعهم إلى جانب الشهادة الطبية تقريرا يتضمن فحص لدم كل من الزوجين لأن الطب الحديث بما توصل إليه المخبر من دقة في التحليل على أن فصيلة دم الزوجة إذا لم تكن على وفاق مع فصيلة دم الزوج، فقد يحصل تشويه في الجنين أو إجهاض قبل الأوان أو ينشأ الولد مريضا إلى غير ذلك من الأمور. و لابأس من تبني اقتراحه ليضاف إلى مقترحات التعديل.
المطلب الثاني : تـعـدد الزوجات
ارتأينا أن نتناول موضوع التعدد ضمن المبحث الثاني، و هذا لورود التعدد في المادة 8 من قانون الأسرة، و التي تشترط ليتم عقد الزواج أن يتم إعلام الزوجة السابقة و اللاحقة في حالة تعدد الزوجات، و بالتالي فهو بشكل أو بآخر شرط من الشروط العامة لعقد الزواج مثله مثل إشتراط أهلية الزواج و إن كانت معظم القوانين العربية لا تتناول هذه النقطة منفردة بل ضمن شرط حل المرأة للتزوج بالرجل الذي يريد الإقتران بها، و الذي يعتبره الفقه كله من شروط صحة عقد الزواج إضافة إلى الشاهدين.
بحيث أنه عند تفصيل شرط حل المرأة للتزوج بالرجل الذي يريد الإقتران بها نجد ضمن المحرمات من النساء مؤقتا الزواج بالخامسة و عنده أربع في عصمته و لو حكما.
و يعتبر تعدد الزوجات، و ما إشترطه المشرع من شروط لجوازه من بين أهم مواضيع قانون الأسرة و أكثرها جدلا، بين مؤيد و معارض و متحفظ في إبداء رأيه.
و هذا ما أدى إلى اعتبارها من ضمن اشكالات قانون الأسرة سواء لصياغة المادة 8 الغامضة أو لأحكامها وأصبح من الضرورات الملحة للتعديل . وقدمت المقترحات لتعدل المادة 8 من قانون الأسرة بموجب المادة 6 منه.¨ وتضاف مادتان جديدتان وهما المادة 8 مكرر و 8 مكرر 1 و هذا بموجب المادة 7 من مقترح التعديل.
و لنقف على هذه المسألة بالتفصيل قسمنا المطلب إلى :
أولا : تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية و الشرائع الأخرى و القوانين المقارنة:
إن نظام تعدد الزوجات هو شكل من أشكال الزواج، و هو أن يجمع الرجل في عصمته أكثر من زوجة واحدة.
و قد أباح الإسلام للرجل أن يتزوج أربع زوجات ليس بينهن قرابة محرمة، و حرم عليه الزواج بالخامسة حتى يطلق إحدى زوجاته و تمضي عدتها سواء أكانت العدة من طلاق رجعي أو بائن و هو ما جعل مسألة تعدد الزوجات ترتبط به و كأنه من أوجدها و كرسها، و إعتبرت المنفذ لمهاجمته خاصة بعد أن ساء تطبيق هذا المبدأ.
و الحقيقة أن تاريخ تعدد الزوجات قديم قدم المجتمعات و ما تبنته من شرائع و قوانين مختلفة، و الإسلام قام فقط بتنظيمه و تقييده. و عليه سندرسه بالتفصيل في الشريعة الإسلامية في جزء منفصل، ثم في مختلف الشرائع الأخرى و القوانين المقارنة في الجزء الأخر.

1- التعدد في الشريعة الإسلامية :
يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات في وقت واحد، إذ أن في الأربع الكفاية و في الزيادة عليها تفويت الإحسان الذي شرعه الله لصلاح الحياة الزوجية.
و قد ورد ذلك في القرآن الكريم و السنة النبوية و الإجماع. ففي القرآن الكريم قوله تعالى : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ".
أما في السنة النبوية فقد وردت عدة أحاديث تمنع الرجل الزواج بما زاد على أربع زوجات، و من ذلك أن غيلان الثقفي أسلم و له عشر نسوة أسلمن معه، فقال عليه السلام : "إمسك أربعا و فارق سائرهن".
كما إنعقد إجماع الأمة على ذلك دون خلاف منذ نزول القرآن حتى عصرنا الحاضر.
و بهذا فقد أباحت الشريعة الإسلامية تعدد الزوجات، و تبدو لنا حكمة ذلك إذا عرفنا أن هذه الشريعة جاءت عامة شاملة لكل الأمم و لمختلف العصور، فكان لا بد لتشريع هذه صفاته من أن يوجد الحلول لكل أمر واقع أو متوقع و لو كانت نسبة وقوعه واحد من ألف أو مرة واحدة لكل جيل من الناس أو لقوم دون قوم في فترة من الزمان.
و الزواج كما شرعه الله فيه سكن للنفس و راحة للضمير و القلب و إستقرار للحياة و الوجدان، قد تعترضه بعض العقبات على نطاق الأفراد و الجماعات، فقد تصاب الزوجة بعقم أو مرض مزمن، أو تبتلى الأمم بكوارث و نكبات تفقد فيها شبابها فيزيد عدد الإناث على الذكور.
فما هو الحل لمثل هذه الحالات ؟
الأمم الأجنبية وجدت الحل الرخيص حين أباحت معاشرة النساء من دون قيد أو شرط فسدت باب التعدد و فتحت أبوابا أخرى.
أما القرآن الكريم فقد ذكر حلا واضحا حين الحاجة إليه فأباح تعدد الزوجات الذي كان معروفا لدى العرب دون قيد فجاءت حكمة التشريع الإسلامي بثلاث قيود أو شروط :
أ- شروط التعدد :
لقد جعل القرآن الكريم التعدد مباحا حين تدعو إليه الضرورة، فلم يجعله واجبا أو أمرا مستحبا لأن الزواج الأمثل هو الزواج المفرد، لهذا لم يترك التعدد للممارسة العشوائية، حيث وجدت القيود الشرعية الثلاث :
- حصر العدد بأربع زوجات فقط : جاء في الآية الكريمة : " مثنى و ثلاث ورباع ". فبموجب الآية الكريمة هذه يجب عدم الزيادة على الأربع، و المرأة الزائدة على الأربع هي من قبل النساء المحرمات. و هو شرط ثابت بالقرآن و السنة كما رٍأينا.
و في حكم من زاد على أربع قال مالك و الشافعي عليه الحد إن كان عالما، و قال الزهري : يرجم إذا كان عالما، و إن كان جاهلا أدى الحدين الذي هو الجلد و لها مهرها و يفرق بينهما و لا يجتمعان أبداً.
- شرط العدل : من الشروط التي قيد الله سبحانه و تعالى بها إباحة التعدد هو العدالة بين الزوجات، قال تعالى : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ".
و قد فسر أبو بكر الرازي هذه الآية في كتابه أحكام القرآن : ( أمر الله تعالى بالإقتصار على واحدة، إذا خاف الجور و مجانبة العدل، إنها إباحة للتنثين إذا شاء، و للثلاث، فإن خاف ألا يعدل إقتصر على إثنتين فإن خاف ألا يعدل بينهما إقتصر على واحدة.
و العدل المطلوب هو العدل الظاهر و هو القسم بين الزوجتين، و المساواة في الإنفاق و المساواة في المعاملة الظاهرة، و ليس هو العدل في المحبة الباطنة فإن ذلك لا يستطيعه أحد و لا يكلف الله إلا ما يكون في الوسع.
و كان النبي صلى الله عليه و سلم لا يسوي بين أزواجه في المحبة القلبية، و لذلك كان يقول عند قسمه بين أزواجه : " اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك
و لا أملك".
- شرط القدرة على الإنفاق : لا يحل شرعا الإقدام على الزواج سواء من واحدة أو من أكثر إلا بتوافر القدرة على مؤن الزواج و تكاليفه، و الاستمرار في آداء النفقة الواجبة للزوجة على الزوج، لقوله صلى الله عليه و سلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم، الباءة فليتزوج..." و الباءة مؤنة النكاح.
و قد اتفق جميع العلماء على أن شرطي العدل و القدرة على الإنفاق لا بد من توافرهما لكل من يرغب في الزواج. فإذا خاف الجور و عدم الوفاء بما عليه من تبعات حرم عليه أن يتزوج بأكثر من واحدة، بل إذا خاف الجور بعجزه عن القيام بحق المرأة الواحدة حرم عليه أن يتزوج حتى تتحقق له القدرة على الزواج، فبهذا التعدد ليس واجبا، و لا مندوبا، و إنما هو أمر أباحه الإسلام لمقتضيات و مبررات.
ب- حكمة تعدد الزوجات :
إن نظام وحدة الزوجة هو الأفضل و هو الغالب. و أما تعدد الزوجات فهو إستثنائي لا يلجأ إليه إلا عند الحاجة الملحة، و لم تجبه الشريعة على أحد بل و لم ترغب فيه. و إنما أباحته لأسباب عامة و خاصة.
- فالأسباب العامة : تتمثل في :
- معالجة حالة قلة الرجال و كثرة النساء، سواء في الأحوال العادية بزيادة نسبة النساء كشمال أوربا، أم في أعقاب الحروب كما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى قامت النساء الألمانيات بمظاهرات يطالبن بنظام تعدد الزوجات بعد أن قتلت الحرب معظم الرجال.
وحينئذ يصبح نظام التعدد ضرورة إجتماعية و أخلاقية تقتضيها المصلحة
و الرحمة و صيانة النساء عن التبدل و الإنحراف، و الإصابة بالأمراض الخطيرة و الإيواء في ظل بيت الزوجية الذي تجد فيه المرأة الراحة و الطمأنينة، بدلا من البحث عن الأصحاب الوقتيين، أو حمل لافتات في مواطن إشارات المرور يعلن فيها عن الرغبة في الإتصال الجنسي أو العرض الرخيص في واجهات بعض المحلات في الشوارع العامة.
- إن مسلك التعدد هو مسلك الشريعة التي تخاطب كل الأجناس، و كل الأجيال، فهي تخاطب أهل أروبا و أهل المناطق الحارة، و تخاطب المعتدل المزاح و المعتدل في شهواته، و تخاطب الحاد المفرط في شهواته ، من غير أن يضيق القيد فينخلع من الربقة. إنه بلا ريب الإقتصار على واحدة هو الزواج الأمثل في الجماعة، و هو البعيد عن نطاق الظلم، و لكن لا يرضى به إلا أمثل الرجال، فهل الناس جميعا على هذا الطراز. و إنه لو أغلقنا على ذوي الشهوات الحادة باب الزواج، لفتحوا لأنفسهم باب الفساد فتهتك الستور، و يكون الأولاد الذين لا آباء لهم. و لو خيرنا بين زواج معيب و بين الزنا لإخترنا الأول إن كنا نسير على هدى العقل ونوره.
- لقد كان لهذا التشريع و الأخذ به في العالم الإسلامي فضل كبير في بقائه نقيا بعيدا عن الرذائل الإجتماعية و النقائص الخلقية التي تفشت في المجتمعات التي لا تؤمن بالتعدد و لا تعترف به. فقد لوحظ في المجتمعات التي تحرم التعدد :
* شيوع الفسق و إنتشار الفجور حتى زاد عدد البغايا عن عدد المتزوجات في بعض الجهات.
* و تبع ذلك كثرة المواليد من السفاح حتى بلغت نسبتها في بعض الجهات 50%ففي الولايات المتحدة حسب إحصائيات 1959، يولد كل عام مائتي ألف ولادة غير شرعية.
* انتشار الأمراض الخبيثة و العقد النفسية و الإضطربات العصبية.
* تسربت عوامل الضعف و الإنحلال في النفوس.
* إنحلت عرى الصلات الوثيقة بين الزوج و زوجته و إضطربت الحياة الزوجية
و إنفكت روابط الأسرة حتى لم تعد شيئا ذا قيمة، و ضاعت الأنساب.
- أما الأسباب الخاصة : و أهمها هي :
- أن تكون الزوجة عقيما لا تلد أو مريضة مرضا لا يرجى شفاؤها منه و هي مع ذلك راغبة في إستمرار الحياة الزوجية، و الزوج راغب في إنجاب الأولاد و في الزوجة التي تدبر شؤون بيته.
فهل من الخير للزوج أن يرضى بهذا الواقع الأليم، فيصطحب هذه العقيم دون أو يولد له، و هذه المريضة دون أن يكون له من يدبر أمر منزله، فيحتمل هذا الغرم كله وحده ؟... أم الخير في أن يفارقها و هي راغبة في المعاشرة فيؤذيها بالفراق؟.
أم يوفق بين رغبتها و رغبته فيتزوج بأخرى و يبقى عليها فتلتقي مصلحته
و مصلحتها معا ؟ و نعتقد أن الحل الأخير هو أجدى الحلول و أحقها بالقبول و لا يسع صاحب ضمير حي، و عاطفة نبيلة إلا أن يتقبله و يرضى به.
- قد يتطلب عمل الزوج، السفر الطويل و المستمر، و هو لا يستطيع أخذ زوجته كلما سافر، و في هذه الحالة قد تستغرق إقامته في غير بلدته شهورا لا يستطيع أن يصبر على عيشه وحيداً. و هنا إما أن يتصل بإمرأة ثانية إتصالا غير شرعي و يتحمل نتائج ذلك من مشاكل ومخاطر، و إما أن يتزوج إمرأة ثانية لها حقوقها و لأولادها أيضا، ليجنب نفسه و المجتمع المآسي و الأولاد غير الشرعيين و كذا ظاهرة الإنحلال الخلقي.
و بهذا نخلص إلى أن نظام تعدد الزوجات هو علاج و وقاية في آن واحد يجنب المجتمع مشكلات لا حل لها بدونه، فمن رحمة الله بعباده أن أباحه بعد أن قيده بالقدرة على العدل و قصره على أربع لأن ثمة مقتضيات و ضرورات لا يجمل بالمشرع إغفالها، و لا ينبغي له التغاضي عنها.
ج- حق المرأة في مقابل التعدد :
- إذا كان الإسلام أباح التعدد فإنه لم يجعله واجبا و لا مندوبا، و يبقى الزواج المفرد هو الزواج الأمثل و الأحسن في الإسلام.
- إذا كان الإسلام قد أباح التعدد، فإنه جعل من حق المرأة أو وليها أن يشترط ألا يتزوج الرجل عليها. فلوا شرطت الزوجة في عقد الزواج على زوجها ألا يتزوج عليها صح الشرط و لزم، و كان لها حق فسخ الزواج، إذا لم يف لها بالشرط، و لا يسقط حقها في الفسخ إلا إذا أسقطته و رضيت بمخالفته.
و إلى هذا ذهب الإمام أحمد، ورجحه إبن تيمية و إبن القيم. إذ الشروط في الزواج أكبر خطرا منها في البيع و الإجازة و نحوهما.و قد يكون المشروط لفظا أو عرفا، فسيان بين أن يشترط بالقول عند إنعقاد الزواج أو عرفا كفرض أن المرأة من بيت لا يتزوج الرجل على نسائهم ضرة، و لايمكنونه من ذلك وعادتهم مستمرة بذلك كان كالمشروط لفظا.
و قد جاء في هذا المقام ما روي عن عبد الله بن أبي مليكة أن الميسور بن مخرمة حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر يقول : " إن بني هشام بن المغيرة إستأذنوني أن ينكحوا إبنتهم من عليّ بن أبي طالب فلا آذن لهم، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد إبن أبي طالب أن يطلق إبنتي و ينكح إبنتهم، فإنما إبنتي بضعة مني، يريبني ما أربها و يؤذيني ما آذاها " و في رواية : " إن فاطمة مني و أنا أتخوف أن تفتن في دينها "
و معلوم قطعا أنه صلى الله عليه و سلم إنما زوجه فاطمة رضي الله عنها على ألا يؤذيها و لا يربيها، و لا يؤذي أباها صلى الله عليه و سلم و لا يريبه، و إن لم يكن هذا مشترطا في صلب العقد فإنه من المعلوم بالضرورة إنه إنما دخل عليه .
- إذا كان الإسلام أباح التعدد فإن الفقهاء أجازوا للزوجة الأولى إذا تضررت بزواج زوجها أو قصر بواجبه نحوها أن تطلب الطلاق و للقاضي أن يجيبها لطلبها هذا إذا كانت لم تشترط حين عقد الزواج ألا يتزوج زوجها عليها، و إلا لها شرطها في هذه الحالة و طلب فسخ العقد إن تزوج ثانية.
و كذلك للمرأة التي تفاجأ بأن زوجها متزوج دون أن يخبرها بذلك، فلها أن تطلب التفريق للتغرير لأنها تزوجته على أنه غير متزوج عرفا. و المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
2- التعدد في الشرائع الأخرى والقوانين المقارنة
إن نظام تعدد الزوجات كان سائدا قبل ظهور الإسلام في شعوب ومجتمعات كثيرة وهذا دون قيد أو شرط، فالرجل يتزوج كما يشاء من النساء دون رقيب من تشريع أو ضمير. وأن القرآن أتى ليبقى على ما هو موجود بعد تنظيمه وتقييده، ومنه ليس صحيح ما يدعو من أن الإسلام من أتى بهذا النظام. والحقيقة أيضا أن تعدد الزوجات لا يزال إلى الوقت الحاضر منتشرا في عدة شعوب لا تدين بالإسلام. والحقيقة كذلك أنه لا علاقة للدين المسيحي في أصله بتحريم التعدد، و لتأكيد كل هذا نفصل هذا الجزء كما يلي :
أ- التعدد في الأديان السماوية : وهي اليهودية والمسيحية
- في الشريعة اليهودية : عند تناولنا للتعدد في الشريعة الإسلامية لاحظنا مدى ربط المستشرقين والمستغربين للأول بالثانية، وارتأينا أن نتناول التعدد في الشريعة اليهودية ونتساءل لماذا لم يرتبطا ؟
فقد أباح اليهود تعدد الزوجات عند توافر مسوغ شرعي و لهذا قالوا في المادة 55 من كتاب شمعون : إذا كان الرجل في سعة من العيش ويقدر أن يعدل أو كان له مسوغ شرعي جاز له أن يتزوج بأخرى .
وقد يكون التعدد حكما إلزاميا كما لومات زوج دون إنجاب فتعتبر زوجته زوجة لأخيه حكما دون رضاها.
- في الشريعة المسيحية : إنه لا علاقة للدين المسيحي في أصله بتحريم التعدد، وذلك أنه لم يرد في الإنجيل نص صريح يدل على هذا التحريم. وإذا كان السابقون الأولون إلى المسيحية من أهل أوربا قد ساروا على نظام وحدة الزوجة فما ذلك إلا لأن معظم الأمم الأوروبية الوثنية التي إنتشرت فيها المسيحية في أول الأمر – وهي شعوب اليونان والرومان – كانت تقاليدها تحرم تعدد الزوجات المعقود عليهن وقد سار أهلها – بعد إعتناقهم المسيحية- على ما وجدوا عليه آباءهم من قبل وبعدها إستقرت على هذا النظم الكنسية المستحدثة.
ب - التعدد في مختلف المجتمعات :
من بين الشعوب الكثيرة التي عرفت هذا النظام منذ القدم نذكر « العبريون » و « العرب » في الجاهلية، وشعوب « الصقالبة أو السلافيون » وهي التي تنتهي إليهم معظم أهل، البلاد التي نسميها الآن : روسيا، ليتونيا، ليتوانيا، إستونيا، بولونيا، تشيكوسلوفاكيا، يوغسلافيا، وعند بعض الشعوب " الجرمانية والسكسونية " التي ينتمي إليها معظم أهل البلاد التي نسميها الآن : ألمانيا ، النمسا، سويسرا، بلجيكا، هولندا، الدانمارك. ولا يزال إلى الوقت الحاضر منتشرا في عدة شعوب لا تدين بالإسلام كـإفريقيا التي أعلنت كنيستها الإستقلال على الكنيسة الأوروبية بسبب إباحة التعدد الذي هو معروف عندهم و في عاداتهم منتشرا ، وكذا : الهند، والصين، واليابان.

ج- التعدد في القوانين المقارنة :
إذا كانت الدول الغربية قد منعت التعدد بنص صريح كفرنسا في المادة 147 من القانون المدني، وألمانيا في المادة 1326 من القانون المدني وسويسرا في المادة 101 من القانون المدني.
فإن الدول العربية نجدها إنقسمت حول هذه المسألة، فنجد أن أغلب دول المشرق والخليج تأخذ بهذا النظام دون قيد أو شرط ومثالها : الكويت، السعودية، الجمهورية اليمنية، ليبيا، السودان، ودول أخرى أخذت به مع التقييد ومثالها : المغرب، العراق، سوريا، مصر، الجزائر.
وأما المثال الوحيد للدول التي منعت التعدد نجد تونس، وهذا من خلال الفصل 18، مجلة الأحوال الشخصية التي تعاقب بسنة حبس وبغرامة قدرها 240 دينار لكل من يخالف هذا المنع.
ثانيا : تعدد الزوجات في قانون الأسرة الساري والتعديلات المقترحة :
في الجزائر وبصدد القانون رقم 84/11 المؤرخ في 9 جوان 1984 المتضمن قانون الأسرة، نجد أن المشرع الجزائري قد أجاز تعدد الزوجات وابقاه، لكن أورد عليه قيود إضافية وهذا من خلال نص المادة 8 فما هي هذه القيود؟ وماهي الإشكاليات التي تثيرها المادة 8 ؟ وما أضافه التعديل إليها ؟
1- قيود إباحة التعدد في التشريع الجزائري :
نصت المادة 8 من قانون الأسرة على أنه : «يسمح بالزواج بأكثر من واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي و توفرت شروط و نية العدل ويتم ذلك بعد علم كل من الزوجة السابقة واللاحقة، ولكل واحدة الحق في رفع دعوى قضائية ضد الزوج في حالة لغش والمطالبة بالتطليق في حالة عدم الرضى ».
فمن خلال دراسة هذه المادة نجد أن المشرع إلى جانب ما أقرته الشريعة من قيود لإباحة التعدد وهي : العدد، والقدرة على الإنفاق ، أوجد قيود قانونية أخرى لضمان أحسن لتطبيق التعدد في إطار شرعي.
أ- القيود الشرعية : وهي نفسها القيود التي سبق أن درسناها، والمتمثلة في :
- شرط العدد : لقد نص المشرع على أنه يسمح بالزواج بأكثر من واحدة، دون أن يبين العدد، ولكنه ذكر أن يكون في حدود الشريعة الإسلامية، وهذه الأخيرة حسمت الأمر بأربع زوجات كما سبق تفصيله.
- القدرة على الإنفاق : لم ينص المشرع الجزائري عليه صراحة في المادة 8 من قانون الأسرة، وبالتالي علينا أن نرجع إلى الشريعة الإسلامية لتفصيل هذه النقطة لأن القدرة على الإنفاق أمر واجب يقتضيه الشرع وعلى الزوج أن يوفر لزوجاته السكن اللائق وغيره.
- نية العدل : اشترط المشرع في المادة 8 من قانون الأسرة «نية العدل » بدل اشتراط العدل ، وبهذا يكون قد خالف الشريعة الإسلامية، وما ذهبت إليه القوانين العربية الأخرى، إذ كيف يشترط نية العدل على الرغم من أنها من خفايا النفس البشرية دون أن يبين ما إذا كان يجب توافرها قبل زمن إبرام العقد أو بعده أي أنه من ينوي العدل قبل العقد ثم يغير رأيه من بعد جائز في القانون .
لهذا كان على المشرع الاكتفاء بعبارة العدل، دون الدخول في متاهة النية خاصة أن القاضي يقدر هذا الشرط حسب الظاهر أي الجانب المادي .
ب- القيود القانونية : لقد تدخل المشرع لتنظيم التعدد بقواعد قانونية من أجل ضمان العدل، لهذا أوجد إلى جانب القيود الشرعية، قيود قانونية هي :
- وجود المبرر الشرعي : إن اشتراط المبرر الشرعي قبل الزواج بأكثر من امرأة واحدة يعني أنه ليس من الجائز للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة بدون توفر هذا الشرط إلى جانب بقية الشروط .
لكن ما نوع هذا المبرر الشرعي وما شكله. خاصة أنه بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية لا نجدها قد وضعت مبررات لإباحة التعدد، بل كل ما هنالك مجرد مبررات وضعها الناس، في شكل قواعد قانونية وألزموا أنفسهم بتطبيقها.
ولكثرة التساؤل والغموض الذي تكتنف شرط المبرر الشرعي، أصدرت وزارة العدل منشورين لمعالجة هذه القضية، فطبقا للمنشور رقم 102-84 الذي جاء يبين كيفية تطبيق الشروط الواردة في المادة 8 من قانون الأسرة، وضح بأنه على الموثق أو ضابط الحالة المدنية عند إبرام عقد الزواج بزوجة ثانية أن يتحقق من توفر شرط المبرر الشرعي، إذ يكتفي في إثباته بشهادة طبية من طبيب إختصاصي تثبت عقم الزوجة الأولى أو مرضها العضال فإذا لم يثبت هذا، رفض الموثق أو ضابط الحالة المدنية تلقي العقد.
وأضاف المنشور الوزاري رقم 14 المؤرخ في 22/08/1985 أنه خارج حالة المرض العضال أو عقم الزوجة الأولى يستوجب أخذ رأي القاضي في تقرير سبب الزواج الثاني سيما في حالة رفض الزوجة الأولى، وللقاضي السلطة التقديرية في الترخيص بالزواج الثاني أو رفضه بمجرد أمر على عريضة غير قابلة للطعن.
ومع هذا نجد أن هاذين المنشورين بقيا طي النسيان، ولا يتم العمل بهما، ويبقى المبرر الشرعي يطرح التساؤل عن مفهومه.
- علم الزوجة السابقة واللاحقة : أي أنه يجب على الزوج أن يطلع زوجته الأولى عن عزمه الزواج ثانية، ويخبر زوجته الثانية عن زواجه الأول، وهذا ليس بقصد المشورة لأن لهما حق طلب التطليق فيما بعد، بل لكي لا يبقى زواجه سواء الأول أو الثاني طي الكتمان خاصة أن أغلب شهادات الميلاد يغفل ضابط الحالة المدنية أن يسجل عليها زواج صاحبها، ولنمكن كل واحدة من ممارسة حقها في طلب التطليق.
ولكنه لم يبين كيفية القيام بالإجراء، ومن يقوم به ؟
ولسد الفراغ الحاصل في المادة والذي يعطل تطبيقها تم اللجوء إلى المنشور رقم 102-84 السابق الإشارة إليه، فأوضح أن الإعلام يتم بالتبليغ الرسمي عن طريق محضر قضائي، فإذا حضرتا سجل في صلب العقد رضا كل منهما أو إعتراض الزوجة السابقة ليكون حجة يرجع إليه عند التنازع فإذا لم تحضر هذه الأخيرة أثبتت غيبتها وأبرم العقد.
2- الإشكاليات التي تثيرها المادة 8 قانون الأسرة :
إنه من خلال تحليل المادة 8 من قانون الأسرة نجد أن هذه الأخيرة تتميز بثلاث مبادىء :
- المبدأ الأول : هو الإبقاء على نظام تعدد الزوجات كما حددته الشريعة الإسلامية فحافظ على احترام القواعد العامة الثابتة للشريعة الإسلامية ، وهو بهذا يكون قد أقر أن
للرجل حق الزواج بأكثر من واحدة في حدود الشريعة الإسلامية
- المبدأ الثاني: هو وضعه لشروط تضمن حماية نظام التعدد وضمان حسن تطبيقه، حيث إضافة إلى القيود الشرعية وهي : نية العدل والعدد والقدرة على الإنفاق، أورد قيود القانونية وهي المبرر الشرعي وكذا إعلام الزوجة السابقة واللاحقة.
- المبدأ الثالث : فتضمن ما يمكن القيام به عند مخالفة أحد الشروط لكن هذه المبادئ الثلاثة عند تحليلها نجد أنها تطرح إشكاليات أكثر مما تشرع أمرا، فالمشرع رغم حفاظه على نظام التعدد، فإنه وضع عراقيل في طريق ممارسته. وذلك بوضع شروط غامضة ومبهمة وهو ما نجده في النقاط التالية :
* النص على المبرر الشرعي دون أن يحدد نوعه أو شكله، ورغم أنه صدر المنشور الوزاري رقم 14-85 ونص على حالة العقم وكذا المرض العضال لكنه نص أيضا على أنه خارج الحالتين السابقتين يعود أمر تقدير المبرر الشرعي إلى القاضي. لنبدأ بهذا من جديد التساؤل : ما هو نوع أو شكل المبرر الشرعي وأي المقاييس يعتمدها القاضي لتقرير ذلك.
* النص على نية العدل بدل العدل، لأن الأول يدخل في باطن النفس، وأما الثاني فيستشف من المظاهر الخارجية المادية، حيث ا لأول مستحيل التأكدمنه و الثاني يمكن التأكد منه من طرف القاضي.
ثم إن العدل يتحقق منه بعد الزواج وليس قبله، وهو بهذا لا يشكل قيدا أو شرطا مسبقا للتعدد، وإنما يشكل مطلب من مطالب ومقاصد الشريعة الإسلامية لهذا يبقى تحري العدل لإباحة التعدد أمر بين العبد وربه ولا مجال للرقابة القبلية عليه.
* إغفال المشرع لأحد الشروط المهمة التي تبيح التعدد، ألا وهو القدرة على الإنفاق رغم ما لهذا العنصر من أهمية في إباحة التعدد، حيث هو الوسيلة التي يلجأ إليها للتأكد من أحقية الرجل في إعادة الزواج وعكس العدل أو نية العدل، فإن هذا الأخير ظاهر للعيان يمكن التحقق من وجوده.
ورغم أنه إفترضنا عودتنا للشريعة فإنه نقول أنه كان على المشرع أن يذكر شرطي، العدل والقدرة على الإنفاق معا في المادة أو يحيلنا على الشريعة وفقط.
* اشترط المشرع علم الزوجة السابقة واللاحقة متغاضيا عن كيفية الإعلام وكذا المكلف بها. وإضطر بعدها لإصدار منشورين وزاريين هما 102-84 و14-85
ليوضح الحل، لكن التطبيق يبقى نادر.
لهذا على المشرع تدارك الأمر إما بالنص في المادة على كيفية الإعلام، أو يشير إلى أن التطبيق يحدده تنظيم لاحق ليضفي عليه صفة القوة، ولا يحتج أحد بجهل وجوده.
* بالنسبة للمبدأ الثالث والذي نص على ضمانات المادة 8، حيث أعطت حماية قانونية لكل من الزوجة السابقة واللاحقة. وهذا للموازنة بينها وبين الرجل وحقه في التعدد، كون المرأة الأولى تزوجت على أساس أنها الوحيدة والمرأة الثانية تتزوجه على أساس أنه غير متزوج عرفا، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا لهذا نصت المادة 8 من قانون الأسرة على أنه : «ولكل واحدة الحق في رفع دعوى قضائية ضد الزوج في حالة الغش، والمطالبة بالتطليق في حالة عدم الرضى » فنجد أن تدخل المشرع جاء محتشما حيث إكتفى بمنح الزوجة المتزوج عليها والزوجة المتزوج بها حق الإلتجاء إلى القضاء لطلب الحكم بتطليقها في حالة الغش أو عدم الرضا. متناسيا بهذا أن يرتب على مخالف شروط المادة 8 أية عقوبة جزائية أو حتى مدنية، أو يرتب على إغفالها أو إهمالها أو فقدانها مجتمعة أي أثر، ولم يجعل منها شروط صحة للزواج الثاني، كما لم يجعل من فقدانها وعدم إحترامها سببا من أسباب الفسخ أو البطلان قبل الدخول أو بعده.
* وفي ختام هذه المادة نشير إلى أن المشرع عند منح المرأة حق التطليق لم يبين أبسط شيء فيه وهو متى يسقط أم أنه يبقى حقها قائما تطالب به بعد شهر، سنة، عشر سنوات...من يوم العلم بالزواج الخفي أو الزواج الذي لم ترض به وهذا من شأنه أن يهدد العلاقات الأسرية القائمة.
وبهذا تكون المادة 8 من قانون الأسرة المادة الأكثر غموضا وإبهاما ولا تصمد في وجه النقاشات التي ماتفتأ أن تثور على مبدأ التعدد.
3 - ما أضافه التعديل المقترح للمادة 8 من قانون الأسرة :
لقد كان سوء التطبيق وعدم مراعاة تعاليم الإسلام وقانون الأسرة جزء منها حجة ناهضة للذين لا يريدون تعدد الزوجات، حيث أن بعض الأفراد يسيئون فهم هذا الحق ويتعسفون في تطبيقه، وللحيلولة دون ذلك وسد الثغرات التي تشوب المادة 8 من قانون الأسرة ومن خلالها تعدد الزوجات مس تعديل قانون الأسرة المقترح المادة 8 والمتعلقة بالتعدد و هذا بموجب المادتين 6 و7. وفي هذا المقام نتساءل ماذا أضاف التعديل للمادة 8 ؟ وإلى أي مد وفق في حل الإشكالات التي تطرحها ؟
وللإجابة على هذا نتطرق إلى دراسة وتحليل المادة المعدلة و المواد المقترحة ثم إلى تقييمها.
لقد جاء مشروع التعديل بالمواد 8، 8 مكرر، 8 مكرر1 التي تناولت في مجملها موضوع تعدد الزوجات وعليه سندرسها معا لوجود إرتباط وثيق بينها.
فالمادة 8 تنص على أنه : « يسمح بالزواج بأكثر من زوجة واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي وتوفرت شروط ونية العدل.
وفي هذه الحالة يجب على الزوج إخبار كل من الزوجة أو الزوجات السابقة والمرأة التي يرغب في الزواج بها وأن يقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمكان مسكن الزوجية.
و يمكن لرئيس المحكمة أن يرخص بالزواج الجديد إذا تأكد من موافقتهن أو موافقتهما واثبت الزوج المبرر الشرعي وقدرته على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية »
وتنص المادة 8 مكرر أنه « في حالة الغش يجوز لكل زوجة رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق ».
وتنص المادة 8 مكرر 1 أنه : « يفسخ الزواج الجديد قبل الدخول إذا لم يستصدر الزوج ترخيصا من القاضي وفقا للشروط المحددة في المادة 8 أعلاه »
إنه من خلال دراسة هذه المواد نجد أن التعديل إلى جانب إحتفاظه بالقيود الشرعية والقانونية الواردة في المادة 8، وكذا الضمانات المتمثلة في حق الزوجتين في طلب التطليق عند الغش أو عدم الرضا، نجد أنه أضاف :
- شرط طلب الترخيص من رئيس المحكمة.
- كما جعل موافقة الزوجة السابقة واللاحقة تلعب دورا في منح الترخيص.
- و أسقط حق المرأة في التطليق لعدم الرضا، حيث أبقى فقط حقها في التطليق عند الغش.
- كما رتب على عدم إستصدار الترخيص، من القاضي فسخ الزواج الجديد قبل الدخول.
وهي النقاط التي سنحاول تفصيلها وتقييمها على النحو التالي:
لقد أضاف التعديل المقترح شرط طلب الترخيص من رئيس المحكمة لإباحة التعدد، و اعتد بموافقة الزوجتين لمنح الترخيص، وهذه كلها تعتبر قيودا على حق الزوج في التعدد، كما أضاف التعديل المقترح ضمانات أخرى للزوجة الأولى، أين رتب على عدم استصدار الزوج لترخيص من القاضي وفق للشروط المحددة في المادة 8 عقوبة فسخ الزواج الجديد قبل الدخول ، مع التساؤل هل إسقاط عبارة « في حالة عدم الرضى » يعني إسقاط حق المرأة في التطليق إذا أعلمها زوجها بزواجه الثاني وحصل على ترخيص من رئيس المحكمة ؟
أ- القيود المضافة بالتعديل المقترح : والمتمثلة في :
- شرط طلب الترخيص من رئيس المحكمة لإباحة التعدد : إن الجزائر من بين البلدان العربية التي قيدت التعدد فلم تبحه إطلاقا ولم تمنعه إطلاق. وهذا لضمان إحترام الناس لمبدأ التعدد المنصوص عليه في الشريعة الإسلامية ، وكذا حسن تطبيقه. فنصت على العدل والقدرة على الإنفاق وكذا وجود المبرر الشرعي، وإعلام الزوجة السابقة واللاحقة.
لكن التعديل المقترح أضاف شرطا آخر هو طلب الترخيص من رئيس المحكمة مسايرا بهذا المشرع السوري الذي نص في المادة 17 أنه : «للقاضي أن لا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي وكان الزوج قادرا على نفقتهما ، فالقاضي من يتولى التأكد من تحقق ما إشترطه المشرع لإباحة الزواج، وهذا للحد من الجهلة الذين أساءوا إستعمال رخصة التعدد المأذون بها شرعا لغايات إنسانية كريمة.
لكن يبقى هذا القيد وإشتراطه محل نظر خاصة ان الفقهاء عارضوا هذا القيد وأكدوا أنه مرفوض لأن شرطي التعدد منوطة بالراغب في الزواج دون غيره كما أن إشراف القاضي على الأمور الشخصية أمر عبث إذ قد لا يطلع على السبب الحقيقي فإذا إطلع على الحقائق كان إطلاعه فضحا لأسس الحياة الزوجية وتدخلا في حريات الناس وإهدار لإرادة الإنسان.
ثم إن تعدد الزوجات ليس بهذه الكثرة المخيفة وإنما بالعكس فهو محدود .
- موافقة الزوجة السابقة واللاحقة ودورها في منح الترخيص : نصت الفقرة الثالثة من المادة 8 انه يمكن للقاضي منح الترخيص إذا وافقت الزوجة أو الزوجات السابقة واللاحقة على هذا التعدد وأثبت الزوج المبرر الشرعي وقدرته على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية.
وبهذا تكون هذه الفقرة قد أتت لتجعل موافقة كل من الزوجة السابقة والمرأة المراد التزوج بها سببا لمنح رئيس لمحكمة للرخصة بعد التأكد من قدرة الزوج على توفير، العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية.
ونتساءل هنا : عن سبب وجود عبارة « وأثبت الزوج المبرر الشرعي »، وما هو محلها من الإعراب ؟
فما دام المشرع قد ذكر في الفقرة الثانية أن القاضي يمنح الترخيص بعد إخبار ) و ليس موافقة ( الزوجة السابقة واللاحقة، والتأكد من المبرر الشرعي وباقي الشروط ثم ذكر أنه في حالة موافقة ) وليس إخبار( الزوجة السابقة واللاحقة يمنح القاضي رخصة. فهذا يعني أن الموافقة تحل محل المبرر الشرعي، ولا يتأكد القاضي سوى من باقي الشروط.
ومنه نقترح أن يكون التعديل :
- إما بحذف الفقرة الثالثة كلية، ما دام أن الزوج ورغم موافقة الزوجتين ملزم على تقديم المبرر الشرعي، والاكتفاء بالفقرة )1( و )2(
- وإما بحذف عبارة « بعد إثبات الزوج للمبرر الشرعي » وإعتبار الموافقة تكفي.
ب- الضمانات المضافة بالتعديل المقترح : والمتمثلة في :
- حق المرأة في طلب التطليق عند الغش : نلاحظ في المادة 8 مكرر أن التعديل قد أسقط عبارة «في حالة عدم الرضى » مكتفيا بحالة الغش أي إخفاء أمر زواجه الثاني عن زوجته الأول أو إخفاء زواجه الأولى عن زوجته الثانية، أي عدم تحقق شرط العلم فرتب حق التطليق، متغاضيا بهذا عن حالة إعلام الزوجة السابقة ورفضها للزواج هنا هل يثبت لها حق التطليق ؟ وإذا كان كذلك لماذا تم إنقاصها ؟
وبهذا يكون التعديل المقترح قد فصل جزءا من المادة 8 من قانون الأسرة وخصص لها مادة دون تدقيق وقد كان أولى به أن يعين مدة محددة لسقوط حق المرأة في طلب التطليق بدل خلق إشكال آخر بنزع حالة علم الزوجة ورفضها.
- معاقبة مخالف شرط الحصول على ترخيص من رئيس المحكمة : إن المادة
8 مكرر 1 قد نصت على جزاء مخالفة شرط الحصول على ترخيص من رئيس المحكمة وهذا لجعل المادة 8 أكثر فعالية ولكي لا نقول أكثر إلزامية فالمادة التي لا ترتب جزاءا على مخالفتها نجدها أكثر عرضة للخرق.
ولهذا رتب على مخالف شرط الحصول على ترخيص من رئيس المحكمة وفقا للشروط المحددة في المادة 8 جزاء الفسخ للزواج الجديد لكن قبل الدخول، ونسطر على عبارة قبل الدخول، فرغم ما تهدف إليه من حماية ما ينتج عن الزواج الجديد من أولاد، فإنها تعود بنا إلى نقطة البداية قبل ترتيب الفسخ، خاصة أن عقود الزواج عند نا تتم بصفة شرعية وبعد الدخول يتم اللجوء إلى القضاء لتسجيلها، وبالتالي يتم الإفلات من عقوبة الفسخ.
لهذا كان على التعديل المقترح أن يضيف للمادة 8 مكرر 1 : " أنه في حالة الدخول فإنه تفرض على الزوج المخالف ولو عقوبة مالية "، هذا إذا سلمنا بضرورة وأهمية الحصول على إذن من القاضي وإعتمد ا الشرط أصلا.
المطلب الثالث : الولي
يعد الولي أحد العناصر الجوهرية لإبرام عقد الزواج و الذي أخذ حصة الأسد في استقطاب النقاشات الحادة حول ضرورة وجوده من عدمه في إبرام عقد الزواج و بصيغة أدق الموقف الحقيقي و الفعلي في الوجود القانوني للعقد و آثار تخلفه و أمام الثورة القانونية حول هذا العنصر ارتأينا تسليط الضوء على الولي من خلال تحديد مفهومه و أنواعه وتحديد موقف المشرع الجزائري من خلال قانون الأسرة الساري المفعول و أصحاب التعديلات المقترحة .2
أولا: تعٍٍريف الولاية :
الولاية لغة : الولاية بكسر الواو هي المحبة و النصرة و نقول ولى الرجل و الرجل يليه و ولى عليه و ذلك إذا نصره و أعانه أو قام بأمره و تولى شؤونه و الولي الوصف منه فللولي في اللغة معنيان : أحدهما الناصر و المعين و ثانيهما القائم بأمر الشخص و المتولي لشؤونه.
و الولاية في الشريعة : هي تنفيذ القول على الغير و الإشراف على شؤونهم أو هي القدرة على إنشاء العقد نافذ غير موقوف على إجازة أحد ، أو هي حق منحته الشريعة لبعض الناس ليكتسب به صاحبه تنفيذ قول على غيره رضي ذلك الغير أو لم يرض و سببه أحد الأمرين أولهما : عجز الذي ينفذ القول عليه و ثانيهما : قصور أهليته عن التصرف بنفسه.
ثانيا : أنواع الولاية :
يختلف تقسيم الولاية باختلاف نظرة الفقهاء إليها فهناك من قسمها إلى قسمين مثل الشيخ أبو زهرة حيث قسمها إلى ولاية قاصرة و ولاية متعدية و هناك من قسمها إلى ثلاث أقسام مثل الدكتور العربي بلحاج و رمضان السيد اللذان قسماها إلى ولاية على النفس، و ولاية على المال و ولاية على النفس و المال معا، و هناك من ارتأى أن يجعل تقسيمها وفقا لمنظور المذاهب الأربعة و هو ما أقدم عليه الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي و أدلته – الجزء السابع – الأحوال الشخصية و الدكتور محمد محدة و قد ارتأينا الأخذ بالتقسيم الأخير لأنه سيساعدنا أكثر في تحديد موقف المشرع الجزائري من الولي.
I- الولاية عند فقهاء الشريعة الإسلامية :
1- فالولاية عند الحنفية : على ثلاثة أقسام تتمثل في: الولاية على النفس و الولاية على المال و الولاية على النفس و المال معا و ما يهمنا هنا هي الولاية على النفس .
- و الولاية على النفس : هي الإشراف على شؤون القاصر الشخصية كالتزويج و التطبيب و التعليم و التشغيل و هي تثبت للأب و الجد و سائر الأولياء و هي على نوعين :

أ‌- ولاية الإجبار :
و تسمى الولاية الكاملة و هي تلك الولاية التي يكون فيها للولي حق الاستبداد بإنشاء العقد و التزويج من كانت تحت ولايته دون مشاركة له في الاختيار أو العقد، أو هي تنفيذ القول على الغير بما يشاء.
و أسباب هذه الولاية أربعة هي :
- القرابة : و تعني الرابطة الدموية التي أساسها عمود النسب و حاشيته و يدخل فيها كل من يرث بالتعصيب و ذلك بناءا على ذلك الأساس .
- الملك : و يعني ملك رقبة العبد أو الأمة حيث بهذا الملك يصير المملوك عاجزا عن التصرف كما أخبر المولى سبحانه و تعالى " كعبد مملوك لا يقدر على شيء"، حيث المقدرة المقصودة هي المقدرة الحكيمة هي مقدرة إبرام العقود و المشاركة فيها.
- الولاء : و المقصود به ولاء العتق و سبب هذه الولاية هي الإنعام بالحرية من السيد على العبد.
–الإمامة : و المقصود بها هي ولاية الحاكم أو السلطان أو من يقوم مقامهما من القضاة .
- لمن تثبت هذه الولاية عند الحنفية ؟ تثبت هذه الولاية للصغر و ضعف العقل المؤدي إلى العجز و من ثم فهي تكون على الصغار القاصرين و من في حكمهم فاقدي الأهلية لجنون أو عته و هذا لعدم مقدرتهم على التصرف و عجزهم على إدراك معالم العقد المرجوة منه، فسبب ولاية الإجبار عند الأحناف هي الصغر لا البكارة و لا الجهالة بأمور النكاح. و تثبت هذه الولاية عند الأحناف لكل العصبة و هي مرتبة حسب ترتيبهم في الميراث فيقدم الأقرب منهم على الأبعد وفق قواعد الحجب و ثمة أولاهم بالولاية هو الابن و ابن الابن و إن نزل و إن كان هذا خاصا بالمعتوه و المعتوهة ثم يليه في المرتبة الأب و الجد ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم أبن الأخ الشقيق ثم لأب ثم العم الشقيق ثم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب ثم أعمام الأب ثم أبنائهم على الذين لأب و هكذا ،فإذا تقدم العصبة من النسب على الترتيب السابق انتقلت لمولى العتاقة ثم لعصبته على ذلك الترتيب ثم بعد ذلك و عند فقدهم تثبت الولاية للأم ثم للبنت إن كانت أمها مجنونة ثم لبنت الابن ثم لبنت البنت و هكذا.
ب- ولاية الاختيار أو ولاية الاستحباب :
و هي تلك الولاية التي تكون على البالغة العاقلة بكرا كانت أم ثيبا حيث يستحب للمرأة أن تفوض الأمر إلى وليها لئلا تنسب إلى الوقاحة ، فإذا كان الحنفية أطلق للمرأة في تزويج نفسها دون إشراك الولي إلا أنه قيدها وفق شروط هي :
الكفاءة : فقد اشترط الحنفية أن يكون الزوج كفء و أن يكون المهر مهر المثل و إلا ترتب عليه حق اعتراض الولي.
2- أما المذهب الشافعي : فقد ذهب إلى تقسيم الولاية في الزواج إلى قسمين : ولاية الإجبار و ولاية إذن و اختيار .
أ- ولاية الإجبار : و هذه الولاية تثبت في حق الذكر كما تثبت في حق الأنثى و إن اختلف المناط أو العلة في حق كل منهما حيث جعلوها في الذكر قائمة و مؤسسة على الصغر فمن كان صغيرا تثبت في حقه ولاية الاختيار أما من بلغ النكاح زالت عنه تلك الولاية و صار من حقه الزواج بنفسه و أن ينفرد بعقد الزواج لوحده أما الأنثى فلقد جعلوا علة قيام الولاية عليها هي البكارة سواء كانت المرأة صغيرة حقا أم كبيرة فما دامت المرأة بكرا تبقى ولاية الإجبار قائمة في حقها فإن تزوجت سقطت عنها و إن طلقت و هي لا زالت صغيرة لم تستطع التزوج بعد ذلك ، لسقوط ولاية الأب عليها، و أساس تزويج المطلقة الصغيرة هو أنها تنتظر حتى تبلغ 0 ذلك أنه قد زالت عنها ولاية الإجبار فيتولى وليها زواجها و هي أصلا لا تستطيع أن تنشئ عقد الزواج بنفسها بل لا بد لها من ذكر يتولى أمرها و هذا يكون بعد إذنها و اختيارها و هي لا رأي لها في اختيار الزوج لصغرها و على هذا تنتظر حتى بلوغها لصلاح اختيارها، كما تثبت هذه الولاية على المجانين و المعاتيه ذكورا و إناثا و هذا متى وجدت المصلحة الداعية إلى زواجهم و لا فرق في ذلك بين الكبير منهم و الصغير، الثيب و البكر و على هذا فإن ولاية الإجبار عند الشافعية تعود إلى واحد من الأسباب التالية :
- الصغر عند الذكور.
- البكارة في الإناث.
- الجنون و العته في كليهما دون تحديد سن أو صنف لما اعتراهم من ضعف.
و تثبت هذه الولاية عند الشافعية بحسب من كان مجنونا أو معتوها و من كان سليم العقل و لكن فرضت عليه ولاية الإجبار لصغر أو بكارة حيث قصروا ولاية الإجبار على الصغيرة و المرأة البكر في الأب و الجد ، و أضافوا الحاكم أو السلطان فيما يخص المجنون و المجنونة متى وجدت المصلحة و دعت إلى ذلك الحاجة و في هذا يقول الشافعي " ولا يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أحد غير الآباء و إن زوجها فالتزويج مفسوخ و الأجداد آباء إذا لم يكن الأب يقوم مقامه الآباء في ذلك و لا يزوج المغلوب على عقلها أحد غير الآباء ، فإن لم يكن الآباء رفعت إلى السلطان وعليه يعلم الزوج ما اشتهر عنده أنها مغلوبة على عقلها ".
و يكون نكاح الولي المجبر ساريا في حق المرأة أو الصغيرة متى كان الزواج بكفء فإن زوج الولي ابنته بغير كفء كأن يكون الرجل مجنون لم يمض العقد في حقها و لم يجز ذلك لأنها لو كانت بالغة ما استطاع وليها تزويجها به إلا بعد خيارها و تخييرها له.
ب- ولاية إذن و اختيار : لقد ذهب الشافعية إلى أن ولاية الاختيار تثبت في حق من كانت ثيب كبيرة بالغة لكونها قد صارت تعرف المقصود من الزواج ولا تجهل أمر النكاح و عاقبته ، أما من كانت ثيبا لكن صغيرة فلقد ثبت القول أنها لا تزوج حتى تبلغ عند الشافعية.
هذه الولاية تثبت لكل العصبة فيجوز بها لأي منهم تزويج المرأة الثيب بعد إذنها ورضاها، و إقصار هذه الولاية على العصبة دون سواهم من الأوصياء و ذوي الأرحام راجع إلى مشاركتهم لها في العار أو الفخار إذا ما تزوجت بكفء أو غيره .
3- و الولاية في المذهب الحنبلي و المالكي : تقسم كغيرها في المذاهب الأخرى إلى ولاية إجبار و ولاية إذن و اختيار و لكن اختلفوا معهم فيمن تكون و لمن تكون.
أ - ولاية الإجبار : لقد أقام الملكية و الحنابلة ولاية الإجبار على أساس الصغر و البكارة معا فقالوا بالنسبة للصغر ذكرا كان أم أنثى يستطيع وليه إجباره متى لم يبلغ و يزوجه دون إذنه و رضاه فإن بلغ فالذكٍر يملك أمر نفسه و يتزوج بمحض إرادته، أما المرأة فالبكر أيضا كبيرة كانت أم صغيرة لوليها جبرها و تزويجها دون إذن ما لم ترشد على المشهور، و العانس فهي محل خلاف و الأصح أنه يجبرها و في رواية عن مالك أنه يجبرها و إن عنست و بلغت أكثر من أربعين سنة يتحقق علة إجبارها و هي البكارة هذا كله ما لم يزوجها من مجبوب أو أبرص أو نحوهما فإن كان كذلك فلا حق له في جبرها و من تثيبت قبل بلوغها بقي لوليها حق جبرها لاستمرار علة الصغر قائمة في حقها، وعليه فإنه تثبت الولاية في الزواج في حق المرأة ما دامت بكرا و إن كانت بالغة ما لم ترشد وفي حق الصغيرة و إن كانت ثيبا، و إلى جانب أولئك الذين أجبروا لصغر أو بكارة قال المالكية و الحنابلة بإجبار من اتصف بجنون أو عته و ذلك لقصورهم على مواجهة الحياة .
- لمن تثبت هذه الولاية ؟ لقد أثبت الحنابلة و المالكية للأب سلطة إجبار الصغير و البكر على الزواج سواء كان عاقلين أم لا و قصروا الأبوة على المباشرة منها فقط دون امتداد إلى الأجداد ذلك لأن الأب يختلف في كثير من الأحكام عن الجد حيث لا ينزل منزلته في الغراوين كما أنه يحجب كغيره من الوارثين بالتعصيب و ما دام يحجب مثلهم فإنه يأخذ حكمهم، كما أثبتوا هذه الولاية للوصي أي وصي الأب ذلك لأن الوصي كما يقول ابن المفلح في النكاح بمنزلة الموصي لأن ولاية الأب ثابتة فجازت الوصية بها كولاية المال و لأن له أن يستنيب في حياته فكذا بعد مماته كالمال فعلى هذا يجبره من ذكر أو أنثى و هذا القول مشهور عند المالكية أيضا، و روي رأي آخر للمالكية في الوصي و هو المعتمد و الراجح أن الوصي لا يستطيع تزويج الصغير و الصغيرة حتى يبلغا إلا إذا أمره الموصي، و عليه فإن ولاية الإجبار في الزواج تكون للأب أصلا حيث باستطاعته تزويج الصغار من أبنائه و بناته دون إذن أو استشارة عاقلين كانوا أو مجانين. كما تكون هذه الولاية أيضا لوصيه من بعده و إن قلصت قليلا وفق الراجح و المعتمد في البالغ و غير البالغة إذا لم يوصه الأب بالإجبار أو أوصاه بالإجبار سواء كان صريحا كقوله أجبرها أو ضمنيا كزوجها صغيرة فإن له حق تزويجها و جبرها قبل البلوغ و لا خيار لها بعده هذا كله بالنسبة للعاقل و العاقلة ، أما المجنون و المجنونة فإن كان جنونهما قائما معهما منذ الصغر و استمر حتى بعد البلوغ كان للأب و الوصي إجبارهما على الزواج و إن تثيبـت المرأة و أنجبت الأولاد أما إن بلغ عاقلين راشدين ثم جنا فلا ولاية عليهما من طرف الأب أو وصيه لانقطاع الولاية عليهما و إنما تؤول حقيقة و حكما للحاكم.
ب- ولاية إذن و اختيار : و يختص أصحاب هذه الولاية بتزويج من لهم عليهن ولاية بإذنهن و رضاهن لأنه لا حق لأصحاب ولاية الإذن و الاختيار في إجبار من كن تحت ولايتهم و ذلك لورود النصوص الدالة على طلب الإذن و وضوحها و من النسوة اللائى لا حق لأوليائهن في تزويجهن دون رضاهن و اختيارهن الثيب البالغة حيث مثل هذه المرأة هي أحق بنفسها من وليها و أنه ليس له إجبارها على النكاح و إنكاحها بغير إذنها و إنما له أن يزوجها بإذنها ممن ترضى و أن تعرب في إذنها ذلك بصريح قولها، كما أن من هؤلاء النسوة البكر المرشدة حيث لا يجوز للأب تزويجها إن لم تأذن له بصريح لفظها بذلك و الترشيد للمرأة يكون متى حس الأب أو الوصي برجاحة عقلها و سلامته و حسن تدبيرها و تصرفها بعد بلوغها أو قبله بشرط أن تكون إرادة التزويج بعد البلوغ ، و هذا الترشيد يتم بإعلان أي منهما بأنها رشيدة مرفوعا عنها الحجر و ذلك كقول الأب أو الوصي رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك أو نحو ذلك و ثبت هذا بإقرار من المرشد أو ببينة عند إنكاره.









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
الزواج, انعقاد, وآثاره.doc


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:26

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc