حكمة التفريق بين الكافر والمؤمن في إنزال العقوبة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حكمة التفريق بين الكافر والمؤمن في إنزال العقوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2017-03-21, 16:09   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبو أنس ياسين
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي حكمة التفريق بين الكافر والمؤمن في إنزال العقوبة

حكمة التفريق بين الكافر والمؤمن في إنزال العقوبة

الشيخ سمير ميرابيع حفظه الله

قد يشكل على بعض الخاصة فضلا عن العامة, فيقولون: إذا كانت الحسنات والسيئات تحمل نفعا وضررا للمسلمين, فما بالها ليست كذلك على الكافرين, حيث نراهم يتنعمون في الدنيا ويتمتعون بلذاتها وشهواتها, من غير أن يلحقهم عقاب وهم سبب كل عذاب؟

وقد حمل هذا الاستشكال بعض المتعالمة على التشكيك في النص الشرعي, وتعطيل وتأويل الوحي السماوي, وتحكيم النتاج العقلي, والسير وراء كل متفيهق عمي, حتى اعتبروا مقاييس النجاح والفلاح والعزة والنصر ما وجدوه بأيدي الكفرة من نعيم زائل, وزخرف عن الحق مائل, فاتبعوا كل ناعق جاهل, ورويبضة متحامل, ونبينا صلى الله عليه وسلم يكذب بصريح قوله ما اعتقدوه والتزموه واعتبروه فيقول : «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» (1).

يقول القاضي عياض رحمه الله: «معناه أن المؤمن في الدنيا ممنوع من الشهوات المحرمة, مكلف بالأعمال الشاقة, فإذا مات استراح من هذا, وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم المقيم, وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل له في الدنيا مع قلته وتكديره بالشوائب, حتى إذا فارق ذلك صار إلى سجن الجحيم »(2), بل النصوص العديدة والروايات المحكمة السديدة جاءت لبيان هذا الأصل , فالله جل وعلا يعجل مثوبة أعمال الكافر في الدنيا مع ما يمنحه إياه من الطيبات والملذات , حتى إذا بلغ يوم القيامة أدخل النار وبئس القرار; لأنه مكذب بيوم القيامة, منكر للبعث والنشور, فكيف يثاب في يوم هو لا يؤمن به ويكفره؟ قال جل وعلا: (وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) [السجدة: 20].

ومن الآيات الدالة على هذا الأصل قوله سبحانه: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) [الأحقاف: 20], وقال جل جلاله: (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) [محمد: 12], حتى أيقن الكفار والمشركون بأن سبيل النجاة من النار لا يكون إلا بجمع المال وعد الأولاد فخاب ظنهم وساء سبيلهم , قال سبحانه: (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون) [سبأ: 36 37].

لهذا قد يغيب هذا الأصل عن كثير, إلا من أوتي حظا من علم وإيمان ويقين, يقول سبحانه وتعالى مخبرا عمن اغتر بكنوز قارون: (قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون )[80] .

أما المؤمن فإن الدار الآخرة هي مركز جزائه وموعد مكافأته, مع تعجيل شيء من ثواب حسناته في الدنيا خشية السآمة ورفعا للحرج والضيق, فربنا سبحانه وتعالى يكفر عنه سيئاته في حياته الدنيا, بأشكال وأنواع من البلاء والمحن, وكلما ازدادت معاصيه وكثرت مخازيه, ازداد شقاؤه وعظم بلاؤه, وللآخرة خير له وأبقى, فيجازى يومها بالثواب الكثير والجزاء الوفير, حكمة من رب عزيز خبير, يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجازى بها في الآخرة , وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل به لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها » ( 3 ).

لهذا ما كانت كثرة المصائب والمتاعب والأزمات والنكبات التي ما برحت تصيب المؤمن ويغتم لها قلبه , إلا دليلا على خيرية الأمة المحمدية, وأفضليتها على سائر الأمم يقول صلى الله عليه وسلم : «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة »(4), لذا شبه صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنبتة الرطبة اللينة التي تأتيها الرياح العاتية (5), فتأخذها يمنة ويسرة من غير أن تكسرها أو تقتلعها , وضرب للمنافق والكافر والفاجر مثلا بالشجرة الباسقة العظيمة التي لا تؤثر فيها الرياح بشيء, حتى يأتي أمر الله فيجتثها دفعة واحدة, يقول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء , والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء » (6) .

فلا غرابة إذن, أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بهذا الأصل حين يغيب عن الأذهان , أو تعظم شفقتهم على حال خير الأنام صلى الله عليه وسلم , قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش , قد أثر الرمال بجنبه متكئ على وسادة من أدم حشوها ليف , فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة (7) فقلت: يا رسول الله! ادع الله فليوسع على أمتك, فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون الله , فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال : «أو في شك أنت يا ابن الخطاب! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا », فقلت: يا رسول الله استغفر لي» ( 8 ), فكانت عظة لعمر رضي الله عنه وتذكرة لمن أحسن النظر وأخذ بالعِبَر.

وقد أحسن صلى الله عليه وسلم وصفها ونعتها, لإظهار هوان منزلتها وحقارة رتبتها, فقال: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء » (9), بل بالغ صلى الله عليه وسلم في ذلك تأكيدا وتنفيرا , حتى شبهها بالميتة النتنة المعيبة التي لا يقربها المؤمن إلا عند خشية الهلاك , فعن جابر رضي الله عنه قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوق داخلا من بعض العالية والناس كنفيه , فمر بجدي أسك (10) ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال:« أيكم يحب أن هذا له بدرهم? فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به? قال: «أتحبون أنه لكم?» قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه; لأنه أسك فكيف وهو ميت? فقال: «فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم» ( 11 ).

حينئذ لا يغتر المؤمن بمن يؤتى ويعطى وتسبغ عليه الخيرات والنعم والملذات, مع قبح أقواله وسوء أفعاله وخبث مقاصده, فإن ذلك طريق هلاكه وعلامة شقائه, يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب, فإنما هو استدراج ثم تلا: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) [الأنعام: 44] »(12), بل البشارة السارة; أن جعل الله جل وعلا هذه المحن والبلايا سببا لحط الخطايا والرزايا حتى يسير العبد المؤمن على وجه الأرض وما عليه خطيئة , يقول صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة » (13), وفي رواية: «فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة » ( 14 ).

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «فلابد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة , لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء, ثم ينقطع ويعقبه أعظم اللذة, والكافر يحصل على اللذة والسرور ابتداء ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة » (15), فالأمراض والأوجاع والأسقام التي يبتلى بها المؤمن في حياته تحط عنه الكثير من الخطايا وتكفر عنه كثيرا من السيئات , قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر عنه كل ذنب » (16).

ومن ثم; يجب أن نوقن بأن المركز الأصيل لعقوبة الكفار هي الدار الآخرة, إلا أنه قد يظهر شيء منها في الحياة الدنيا لحكم ربانية سماوية, فإذا قاموا بما يستوجب تعجيل العقوبة في الدنيا, كالظلم مثلا, قوبلوا بأنواع من العقوبات والنكبات في حياتهم الدنيا قبل الآخرة , وما قصص الدول والأمم البائدة المذكورة في القرآن عنا ببعيد , قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته , قال: ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) [ هود: 102] » ( 17 ).

فهذه حياة المسلم المؤمن الصادق وتلك حياة الكافر المشرك المنافق, فهو سبحانه وتعالى خالق الأسباب, ومدبر شؤون خلقه, قد جعل فرقانا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان على نحو هذا البيان, فهل عسينا أن نستبدل دنياهم بأخرانا, وقد رضوا بأن تكون ثمنا لأخراهم, قال جل وعلا عنهم: (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة) [البقرة: 86], وقال سبحانه: (زُيِّنَ للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب) [البقرة: 212].

وصلى الله على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1) رواه مسلم (2956) من كتاب الزهد والرقائق.

(2) «شرح الأبي على مسلم» (9/427).

(3) رواه مسلم (2808): كتاب صفة القيامة والجنة والنار, باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا.

(4) حسن: رواه الترمذي (2507): أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, باب الصبر على البلاء, انظر: «الصحيحة» لزيادة تخريجه (1220).

(5) وهي بمعنى المصائب التي تلحق المؤمن.

(6) رواه البخاري (5320), ومسلم (2810), واللفظ للبخاري.

(7) الإهاب: هو الجلد ما لم يدبغ [«مختار الصحاح» (ص 31)].

(8) متفق عليه: البخاري (4895), مسلم (1479).

(9) صحيح: رواه الترمذي (2422), أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: باب ما جاء في هوان الدنيا على الله, انظر: «الصحيحة» لزيادة تخريخه (686/943).

(10) جدي أسك: أي صغير الأذنين, قاله النووي في «شرح مسلم» (18/93).

(11) مسلم (2957): كتاب الزهد.

(12) صحيح: رواه أحمد (4/145), انظر: «الصحيحة» لزيادة تخريجه (413).

(13) حسن صحيح: رواه الترمذي (2510), أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, باب في الصبر على البلاء, انظر: «الصحيحة» لزيادة تخريخه (228).

(14) صحيح: رواه الترمذي (2509), أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, باب في الصبر على البلاء, انظر: «الصحيحة» لزيادة تخريخه (143).

(15) «شفاء العليل» (2/671).

(16) صحيح: رواه الحاكم (1/347/348), انظر: «الصحيحة» لزيادة تخريجه (3393).

(17) متفق عليه: البخاري (4409), مسلم (2583).
https://www.rayatalislah.com/index.ph...07-03-20-16-26








 


رد مع اقتباس
قديم 2017-03-22, 10:11   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المهاجرة 50
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكم الله خيرا









رد مع اقتباس
قديم 2017-05-10, 19:25   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
العضوالجزائري
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية العضوالجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك على الموضوع المبارك بإذن الله تعالى
و ما أغرب السنة و أهلها.
و الله المستعان.
أسأل الله أن ينفع بموضوعك هذا من شاء من خلقه, و ينتبهوا لعظيم نعمة الإسلام عليهم و يتركوا الإعجاب بالكفار على ما هم عليه من الضلال البعيد.










رد مع اقتباس
قديم 2017-05-29, 10:46   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ami500
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
تصحيح المفاهيم،


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:20

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc