حياة الشـهيد نوري محمد الطاهر
البيئــــة :
ظهر نوري محمد الطاهر في قرية تيزي "بتفلفال". وهي قرية من قرى دوار غسيرة. وينتسب إلى عرش أولاد سي أحمد بتاحمامت، وعرش أولاد سي أحمد من ذرية الولي الصالح الشيخ أحمد بن عبد المؤمن صاحب الزاوية بقرية بلعلى. كما أنها قرية من القرى الجبلية بسفوح جبل أحمر خدو. ويوجد بها ضريح الولي مع ضريح والده بمسجد هناك. وتظهر قبته البيضاء للزائر من بعيد. وتوجد بها زاوية قديمة العهد للولي المذكور. وكان يقوم بالتدريس فيها العالم الجليل عبد الرحمن الأخضري في القرن الهجري 941 هـ و 1539 م. وكانت قرية كثيرة السكان حسب الآثار الموجودة فيها لحد الآن. وقد ألف فيها الشيخ عبد الرحمان الأخضري-على ربوة بيضاء فوق عين مزي – كتابه المشهور والمعروف "بالدرة البيضاء". وبعد وفاته دفن ببلدة ابن طيوس بالزاب الغربي مسقط رأسه. والتي ينتسب إليها هذا العالم المشهور الجليل عند العلماء والمؤرخين. وبعد مرور الأيام والليالي انتشرت قبيلة أولاد سي أحمد إلى عدة قرى بغسيرة وغيرها. منها قرية أولاد ميمون والتي منها الشهيد نوري الجودي بن الأخضر. ثم مشونش وتيزي مسقط رأس الشهيد، كما انتقل البعض منهم إلى قرى آريس. ولحد الآن يوجد عدد كثير من هؤلاء ومنهم الشهيد العقيد احمد انواورة والشهيد الملازم الأول يوسف النوري. وأغلبهم استقر بهم الحال بقرية تاحمامت الممتدة على ضفة وادي شناورة الذي ينبع من اللشعة ببني بوسليمان، على امتداد كلم واحد. وكانت هذه القرية محط رحال شيوخ الزاوية الرحمانية بتيبرماسين في عهد شيخها الصادق بن الحاج ولا يفوتنا التعريف بتيزي، وهي قرية تطل على الضفة الغربية الجنوبية للوادي الأبيض، الذي ينبع من شليا، ويصب في شط ملغيغ، مرورا بواد براز بين قين الناقة وسيدي عقبة. ويقرية تيزي ظهر نوري محمد الطاهر في وسط اجتماعي ضيق من جراء الحصار المضروب على السكان من طرف الاستعمار، مع قلة الأراضي الخصبة. مما جعل سكان القرية يعانون من ويلات الفقر والاحتياج. وفي هذه الظروف الصعبة نشأ وتربى تربية متواضعة في كنف والديه رحمهما الله.
ميـــلاده :
ولد نوري محمد الطاهر بقرية تيزي خلال سنة 1920 من أبوين كريمين هما: الأخضر بن أحمد أمزيان. وبرسولي عائشة بنت الصالح، وقد أولياه عناية كاملة من حيث الدراسة وحفظ القرآن العظيم مع أخيه الوحيد محمد أمزيان، رغم الضيق الاجتماعي المفروض على السكان وذلك لقلة الموارد والإمكانات المادية.
نشأته وتربيته:
نشأ وتربى نوري محمد الطاهر بقرية تيزي الواقعة على جنوب الطريق الوطني رقم 31 الرابط بين آريس وبسكرة على يد والديه المحترمين. ونال عناية كاملة من طرف أبويه. فقد قاما بتربيته تربية دينية وتعلم القرآن العظيم على يد الشيخين: محمد بن علي برسولي وبلقاسمي بلقاسم بن المدني الذي أفنى حياته في تحفيظ القرآن العظيم لأبناء الجهة. وحفظ القرآن العظيم في سن مبكرة. كما تعلم المبادئ العلمية من فقه ونحو وصرف وتاريخ، بحيث تحصل على مستوى هام على يد الشيخين المذكورين.
وفي سبيل طلب العلم انتقل إلى زاوية الشيخ علي بن الحملاوي بنواحي التلاغمة، مع مجموعة من أبناء الجهة. وأخذ من المنبع الهام في تلك الجهة مما أهله أن يصبح متمتعا بالأخلاق الفاضلة والنشاط الإصلاحي والسياسي رغم صغر سنه. ثم انتقل إلى تونس في الأربعينات، رغبة في إثراء معلوماته الدينية والعلمية. ولكن الحرب العالمية الثانية 1939-1945 حالت دون ذلك، ورجع إلى مسقط رأسه. وكان عصاميا يعتمد على شخصيته لإثراء معلوماته بواسطة الكتب المختلفة. وأصبح متمكنا من كثير من المعارف العلمية.
حياته الاجتماعية :
الحياة الاجتماعية كانت صعبة للغاية من جراء قلة الإمكانات، وقلة الأراضي بالجهة، ومضايقة الاستعمار الفرنسي من جهة ثانية، شأنه شأن أهل بلده.مما جعله يمارس النشاط الفلاحي القليل. وكان يساعده أخوه الشيخ محمد أمزيان. حيث ينتقل معه-أحيانا-لتعليم القرآن في عدة أماكن، منها: قرية أهلال الموجودة بالجبل. قرب جارالله وقرية أوماش بالزاب الغربي لتعليم القرآن هناك.
ومن أبر تلاميذه العقيد محمد شعباني ومجموعة كثيرة من عرش بن علي في أوماش. كما كان يقوم أحيانا بتعاطي التجارة البسيطة. وبهذا استطاع أن يتغلب على متاعب الحياة. وهذا الواقع لم يثنه عن ممارسة النشاط السياسي. كما سيأتي ذكره. وقد تزوج بامرأة من أسرته. تسمى نوري خديجة. لم ينجب منها أطفالا.
حياته الإصلاحية والسياسية قبل الثورة :
لقد امتاز نوري محمد الطاهر بالأخلاق الفاضلة والسلوك الاجتماعي الطيب. وهذه الصفات جعلت منه الرجل القدير على تحمل الكثير من الأعمال الإصلاحية والتنظيمات السياسية، ضمن المجتمع الذي عاش في أحضانه. ومن مميزاته أيضا أنه متواضع إلى أقصى ما يمكن من التواضع. مما كون له الاحترام والتقدير من طرف المجتمع. وقد شارك في الحركة الإصلاحية في صفوف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. كما شارك في تكوين المدرسة الحرة بتفلفال مع مجموعة من رفاقه في الدراسة، وإصلاح ذات البين وغيرها، من الأعمال الكثيرة.
وفي سنة 1949=1369هـ. انخرط في حركة الانتصار للحريات الديمقراطية وأصبح عضوا بارزا فيها، مع نخبة من شباب القرية. بخاصة وفي تفلفال بعامة. وكان على رأس هذا التنظيم بلقاسمي محمد بن مسعود والمجاهد بلقاسمي محمد بن الشريف وغيرهما من الذين لهم فضل السبق في التنظيم السياسي والاعداد للثورة بتفلفال. وكان محمد الطاهر نوري يمتاز بالنشاط والحيوية. وينتقل من قرية إلى أخرى. وكانت معظم اتصالاته بمناضلي قرية أولاد يحي وبانيان وأريس. منهم: مختاري محمد الصالح وأحمد انواورة ونوري يوسف وغيرهم من المناضلين بالوادي الأبيض وأحيانا يلتقي بعميد الثورة الجزائرية مصطفى بن بولعيد.
مشاركته في الإعداد للثورة:
كان نوري محمد الطاهر من أعضاء الفاعلين للإعداد بمجهوداته الفكرية والمادية، فهو من صفوف المنظمة السياسية التي تكونت بقرية تفلفال تحت إشراف المجاهدين المذكورين سابقا سنة 1949=1369 هـ. كما انه من المشاركين في شراء الأسلحة والذخيرة الحربية، وقد هيئ المواطنين لشراء الأسلحة المتوفرة بازريبة الوادي ووادي سوف. وفعلا كان عضوا نشطا. وكان يلتزم الحذر في جميع معاملاته السياسية والفكرية. وكان مراقبا من طرف عملاء الاستعمار.
التحاقه بالثورة ومسؤولياته فيها:
ولما اندلعت الثورة التحريرية المباركة في سنة 1954=1374 هـ. كان من الأوائل الملبين لها، وقد قام بجمع الأسلحة المعروفة لديه، وبجمع المئونة وكل المتطلبات الخاصة بدعم الثورة. كما كان يقوم بالاتصالات المستمرة لمختلف القرى والمداشر للتوجيه والتبليغ وجمع المعلومات والأخبار ونقل التمويين والتمويل للجيش المتمركز بجبل أحمر خدو ببلعلى، ووادي سي عمراوي وعين لحنش وسامر، قرب ديار عمار، وفورثني وتاوليليت. لأن رفيقه في النضال بلقاسمي محمد بن المسعود كان قائدا للناحية ابتداءا من فيفري 1955=1375 هـ. وقبل ذلك كان يتصل به باستمرار، ويبلغه بمستجدات الثورة. وهذه الأعمال كلها أداها كمناضل مدني في جبهو التحرير الوطني. إذ شارك في تخريب الطرقات وقطع الأعمدة الهاتفية الرابطة بين آريس وتفلفال وغوفي وتكوت، مع رفاقه في العمل.
وفي سنة 1956=1376 هـ. التحق بصفوف جيش التحرير الوطني بقسمة غسيرة ناحية امشونش المنطقة الثالثة الولاية الأولى. وفي نفس السنة أسندت له مهمة الكتابة العامة بالقسمة المذكورة تحت قيادة مساعد القسمة رمضان حسوني ومساعديه مزياني علي عريف أول سياسي والعريف الإخباري بلقاسمي محمد الشريف، والعريف الأول العسكري مزيان عماري وقد شارك معهم في تنظيم المجالس الشعبية في جميع قرى القسمة.
وفي شهر جويلية من سنة 1957 عقد الضابط الثاني في ذلك الوقت سي الحواس – بعد قدومه من تونس- اجتماعا عاما بالجبل الأزرق بتازمالت لمجاهدي ومسؤولي المنطقة الثالثة الولاية الأولى، التي هي كان مسؤولا عليها لإعادة هيكلة النواحي والقسمات. وتعين نوري محمد الطاهر مسؤولا اخباريا برتبة عريف أول بقسمة غسيرةالتي عين عليها بلقاسمي محمد الشريف برتبة مساعد. وتعين مسؤولا للتموين علي مزياني برتبة عريف أول وعماري مزيان مسؤولا عسكريا برتية عريف أول، وتعين مسؤولا سياسيا برتبة عريف أول اسعادة محمد حشاني.
وفي سنة 1958=1378 هـ. تعين نوري محمد الطاهر مسئولا سياسيا برتبة عريف أول بقسمة غسيرة أيضا. وهكذا تدرج في المسئولية إلى أن ارتقى إلى ملازم أول سياسي، وذلك بعد الاجتماع الذي انعقد تخت اشراف الصاغ الثاني سي الحواس بجبل أحمر خدو مركز فورثني، والذي حضره جميع المجاهدين والمسؤولين للناحية الأولى. وفي هذا الاجتماع تعين نوري محمد الطاهر مع مسؤولين آخرين لتأطير الولاية السادسة التي أعيدت هيكلتها. وبعدها انتقل إلى المنطقة الثانية بالجلفة والأغواط، وواصل جهاده في هذه المنطقة بكل إخلاص.
عملياته الجهادية:
لقد شارك نوري محمد الطاهر في عدة عمليات عسكرية نذكر منها:
- شارك مع المسبلين في الأعمال التخريبية وقطع الأعمدة الهاتفية، وتخريب الطرقات التي تربط بين آريس وبسكرة وتكوت. كما شارك في عدة معارك، وعدة اشتباكات منها: اشتباك بتسرسال سنة 1957 = 1377 هـ. بعد انتقالنا من تارقة إلى سفح جبل أحمر خدو الماولي لوادي غسيرة. وشارك أيضا في معركة برقوق التي جرت في 17 جويلية 1958 ودامت يوما ونصف يوم، خرج منها جيش التحرير منتصرا بقيادة أحمد بن عبد الرزاق سي الحواس حيث اجتمع بمسؤولين بالناحية الأولى المنطقة الثالثة في ذلك الوقت.
- معركة بلعلى التي وقعت في شهر رمضان الموافق لشهر مارس سنة 1957=1377 هـ بمشاركة كتيبتين: كتيبة ناحية كيمل بقيادة أحمد اشرارة ولخضر أوصيفي وكتيبة ناحية امشونش بقيادة مجموعة من المسؤولين. نذكر منهم: مسعود أونيسي وعيساوي السعيد وعبد اللي محمد بن عبد السلام.
- اشتباك بايفري لبيض قرب الحنش في مارس 1959=1379 هـ.
- اشتباك مع الطيران بمركز فورثني في سنة 1958=1378 هـ.
- كما شارك في كمين أوسروثان بين تكوت وتفلفال.
كما شارك أيضا في عدة هجومات على مراكز غوفي وبانيان وتفلفال وخرج من هذه الأحداث منتصرا
تنقلاته داخل الولاية وخارجها:
من حيث تنقلاته إلى تونس لجلب الأسلحة والذخيرة الحربية في دورية هامة، وذلك سنة 1958=1378 هـ. وقد رجع من تونس مع رفاقه حاملا معه سلاحا من نوع أعشاري من صنع انجليزي.
وفي بداية سنة 1958 = 1378 هـ. انتقل من المنطقة الرابعة. الولاية السادسة. الناحية الأولى. إلى المنطقة الثانية. بالولاية السادسة بعد ارتقائه من مسؤولية العريف الأول السياسي إلى الملازم الأول السياسي، وباشر مسؤولياته بكل جدارة وبكل تفان إلى أن سقط شهيدا سنة 1960.
استشهاده:
استشهد نوري محمد الطاهر في شهر أكتوبر سنة 1960 في معركة بالجبل الأزرق بلمخاليف بلدية سيدي مخلوف بالقرب من الأغواط. استعمل فيها العدو الفرنسي مختلف الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والمدافع والطائرات المروحية والمقنبلة وعددا كثيرا من العساكر بالمكان المسمى الجبل الأزرق. وكان عدد المجاهدين المشاركين قليلا. ونظرا للتفاوت في العدد والعدة استشهد نوري محمد الطاهر مع مجموعة من المجاهدين، وجرح رفيقه الملازم الأول العسكري الطيب غيلاس. وكان استشهاده عبرة بحيث لم يجده العدو في مكان المعركة ولا بعدها. وقد لجأ إلى مكان وهةو مجروح. ولم يعثر عليه المجاهدون إلى بعد مدة طويلة حيث وجدوه ميتا، وكأنه كان راقدا، ويده اليمنى على قلبه رحمه الله. وذلك سنة 1960=1380 هـ.
ومما قيل فيه من الأشعار ما يلي
أضربوا اضربوا ياجنود اضربوا بشجاعة
نوري محمــــــد أخيار الجماعة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
2014-02-06, 22:41
مذكرات السنة الثانية
العرض العادي
