فتنة المشرق
السؤال
ما هي الفتنة التي يقولها عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: عن عبدالله بن عمر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو مستقبل المشرق - يقول: "ألا إن الفتنة هاهنا، ألا إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان ؟"
الجواب
المراد بالفتنة هنا: الكفر، وجاء في رواية مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رَأْسُ الكُفْرِ نَحْوَ المَشْرِق ، قال: الإِيجي: قوله: رأس الكفر أي: معظمه في المشرق. انتهى.
ونقل عن القاضي عياض ما نصه: قيل: يعني بالمشرق: فارس؛ لأنها حينئذ دار مُعْظَمِه، وَرُدَّ بقوله في بقية الحديث (أهل الوَبَر)، وفارس ليسوا بأهل الوبر، وقيل: يعني نجدًا مسكن ربيعة ومضر، وهي مشرق؛ لقوله في حديث ابن عمر رضي الله عنهما حين قال صلى الله عليه وسلم: اللهم بَارِكْ لنا في يَمَنِنَا وشَامِنَا قالوا: وفي نَجْدِنا يا رسول الله، قال: هُنَالِكَ الزَّلازِلُ والطَّاعُون، وبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشيطان ، وفي الآخر حين قال: اللهم اشْدُدْ وَطْأَتَكَ على مُضَرَ ، وأهل المشرق يومئذٍ من مضر مخالفون له، ولدعائه على مضر في غير موطن، ويقول حذيفة رضي الله عنه: لا تَدَعُ مُضرُ عبداً للهِ إلاَّ فَتَنُوهُ وقَتَلُوهُ، وكذا قال لهم حذيفة - حين دخلوا على عثمان رضي الله عنه وملؤوا الحجرة والبيت: لا تَبْرَحُ ظُلْمَةُ مُضَرَ لكلِّ عبدٍ للهِ مُؤمنٍ فَتَفْتِنُهُ فَتَقْتُلُهُ، وقيل: يعني: ما وقع بالعراق في الصدر الأول من الفتنة الشديدة؛ كيوم الجمل، وصفين، وحروراء، وفتن بني أمية، وخروج دعاة بني العباس، وارتجاج الأرض فتنة، وكل ذلك كان بشرق نجد والعراق، وجاء في حديث الخوارج: يَخْرُجُ قومٌ مِنَ المَشرق. والكفر على هذا كفر نعمة، وقيل: يعني: الكفر حقيقة ورأسه الدجال؛ لأنه يخرج من المشرق. انتهى.
وقال النووي في شرح مسلم على قوله صلى الله عليه وسلم: حَيْثُ يَطلُعُ قَرْنَا الشيطان في رَبِيعَةَ ومُضَرَ: وأما قرنا الشيطان: فجانبا رأسه، وقيل: هما جمعاه اللذان يغريهما بإضلال الناس، وقيل: شيعتاه من الكفار، والمراد بذلك: اختصاص المشرق بمزيد من تسلط الشيطان ومن الكفر - كما قال في الحديث الآخر: رأسُ الكُفْر نَحْوَ المشرق ، وكان ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم حين قال ذلك، ويكون حين يخرج الدجال من المشرق، وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة، ومثار الكفرة التُّرك الغاشمة العاتية الشديدة البأس. انتهى.
والظاهر أن الحديث يعم جميع المشرق الأدنى والأقصى والأوسط، ومن ذلك فتنة مسيلمة وفتنة المرتدين من ربيعة ومضر وغيرهما في الجزيرة العربية.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــ
البخاري (3301)، ومسلم (52).
البخاري (1037، 7094).
البخاري (1006، 6393)، ومسلم (675).
أحمد (5/395)، وابن أبي شيبة (37402)، والبزار (2797).قال في مجمع الزوائد (7/313): رواه أحمد بأسانيد والبزار من طرق، .. وأحد أسانيد أحمد وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح.
البزار في مسنده (2797)، والحاكم في المستدرك 4/470 (8451)، وصححه ووافقه الذهبي.
مسلم (1068) بنحوه .
البخاري (3302، 4387، 5303)، ومسلم (51).
صحيح مسلم بشرح النووي (2/34) .
https://fatawa.alukah.net/*******/1209
================================================== ===========================
ما يُفعل وقت الفتن
السؤال
هل هذا الزمان هو المقصود من قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سأله صحابي: ماذا أفعل عندما تكثر الفتن والفرقة ؟ فقال له ردًا على سؤاله: "اعتزل الناس اجلس في بيتك"، وفي [الصحيح] في كتاب الفتن، باب (كيف الحال إذا لم يكن خليفة) الحديث فيما معناه: أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم عند نزول النوازل بالاعتزال، وقال: "ولو أن تعضّ على أصل شجرة": نرجو توضيح هذا الحديث، وأقوال العلماء فيه.
الجواب
في الصحيحين، وغيرهما، واللفظ للبخاري: عن أبي إدريس الخولاني: أنه سمع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم ، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: نَعَم؛ وفيه دَخَن قلت: وما دَخَنُهُ ؟ قال: قوم يَهْدُونَ بغير هَدْيِي تَعْرِفُ منهم وتُنْكِر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: نعم؛ دُعاةٌ على أبواب جهنم مَنْ أَجَابَهُم إليها قَذَفُوهُ فيها قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا، قال: هُمْ من جِلْدَتِنا ويتكلَّمُون بألسِنَتِنَا قلت: فما تأمُرُني إن أدركني ذلك ؟ قال: تَلْزَمُ جَمَاعةَ المسلمين وإِمَامَهُم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّها ولو أن تَعُضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ، حتى يُدْرِكَكَ الموت وأنت على ذلك.
والزمن ليس خاصًا بهذا الزمان، وإنما هو عام في كل زمان ومكان؛ من عهد الصحابة رضي الله عنهم زمن الفتنة والخروج على عثمان رضي الله عنه.
والمراد من اعتزال الناس زمن الفرقة: ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح عن الطبري أنه قال: متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزاباً فلا يتبع أحدًا في الفرقة، ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر. ومتى وجد جماعة مستقيمة على الحق لزمه الانضمام إليها وتكثير سوادها والتعاون معها على الحق؛ لأنها - والحال ما ذكر - هي جماعة المسلمين بالنسبة إلى ذلك الرجل وذلك المكان.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــ
معنى (وفيه دَخَنٌ): أي كَدَر، تشبيهًا له بدُخان الحطب، والمعنى: لا يكون ذلك الخير خالصاً بل فيه كَدَر، ولا تصفو القلوب بعضها لبعض؛ بل فيها حقد وفساد واختلاف. انظر: شرح النووي على مسلم (2/236، 237)، وفتح الباري (13/36).
البخاري (3606، 7084)، ومسلم (1847).
فتح الباري (13/37).
https://fatawa.alukah.net/*******/1210