من مأثرثورة التحريربوادي سوف بلدية حاسي خليفة

[محمدخريف]

نشرت بواسطة: محرر 1 17 نوفمبر,2014
الإستعمار الفرنسي 1

لقد اندلعت ثورة التحرير في الفاتح من نوفمبر 1954 ضد الاستعمار الفرنسي الذي اغتصب بلادنا منذ قرن وثلاثين عاما، استباح خلالها طمس الهوية الجزائرية ظنا منه أنه سيواصل احتلاله لهذا الوطن إلى ما نهاية لكن الثورات عبر الوطن تلاحقت لتؤكد له أن الشعب الجزائري شعب أبي لا يقبل أن يتخلى عن أرضه و هويته العربية الإسلامية كما جاء في بيان أول نوفمبر 1954.

قلت في هذا الشهر تلاحقت الثورات عبر الوطن لتصل إلى مدينة حاسي خليفة يوم 17 نوفمبر 1954 هذه المدينة التي أعطت الكثير من أبنائها فدى للوطن حيث أوكل لي تبليغ الشباب حيثما وجد عبر الوطن وخاصة في مدينة حاسي خليفة للتعرف على هذه المعركة ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم عدت عمي صالح صوادقية وهو طريح الفراش في قرية “صحن بري” أيام قليلة قبل وفاته فروى لي قصد المعركة كاملة منذ تأسيس الثورة في وادي سوف حيث قال : بلغ إلى شبابنا هذه الامانة يا استاذ:

- تأسست الثورة بمنطقة وادي سوف على يد مجموعة من المناضلين في حزب الشعب الجزائري وهم :جواد صالح والحاج اميهي بالحاج وشوشان سلطاني ).الذين اجتمعوا في منزل أحد المؤسسيين (شوشاني سلطاني) حيث تمخض عن هذا الاجتماع اسناد مهمة لكل فرد منهم إذا كلف اميهي محمد بالحاج بمهمة ” مسؤول مدني وشوشان سلطاني بمهمة الاتصال بالأوراس (مقر قيادة الثورة) وكلف صالح صوادقية بمهمة مسؤول عسكري ليباشر الجميع مهامه في انضباط ومسؤولية حيث استعملوا هود العايب ببلدية المقرن مركز لهم. كما كلف العايب بشير بتدريب المجندين من جيش التحرير كونه كان مجندا ضمن الجيش الفرنسي إبان حرب الهند الصينية (الأندو شين ) وماله من خبرة في استعمال السلاح.

أما عمي صالح صوادقية فكان يجوب الصحراء لما له من دراية بخباياها ليجمع ما أمكن من السلاح والذخيرة الذي كان بحوزة أهل البادية (ربايع وفرجان) وغيرهم هؤلاء البدو الرحل الذين كانوا عرضة لاعتداءات قطاع الطرق في ذلك العهد.

وبذلك استطاع أن يحصل على كمية هائلة من الأسلحة وعند عودته إلى مركز التدريب وجد أن عدد المجاهدين قد تضاعف : كما قام شوشان سلطاني واميهي بالحاج بدورهم في جمع السلاح والذخيرة وكذا تجنيد مجموعة هائلة من المجاهدين الشباب كما التحق بهم حمى لخضر ومبروك لمقدم.

تنقل عمي صالح صوادقية مع مجموعة من المجاهدين ذكر منهم:

شعباني بلقاسم وعبد الباري عمار وبشير العايب وصوادقية صالح وريغي عبد الرزاق ودردوري خزاني، إلى قرية السويهلة ببلدية سيدي عون لحث الحركيين (القومية) هناك للالتحاق بالثورة أو تسليمهم بعض الأسلحة وتم ذلك بعد اتفاق بين المجاهدين والحركة(القومية) ولكن عند وصول المجاهدين إلى المكان المتفق عليه ، لاحظوا جنودا فرنسيين يراقبون المكان ورغم ذلك تقدم المجاهد العايب بشير نحو المنزل الذي كان يسكنه (ولد الواعر أحمد) وهو المكان المتفق عليه لكن هذا الأخير رفض تسليم السلاح والذخيرة .فما كان من عمي صالح صوادقية إلا أن هدده بواسطة انذار مختوم بالأحمر أي بمثابة “الاعدام ” وبما أن العدو كان يراقب تحركاتهم مما أدى إلى مناوشات مسلحة بين الطرفين لتعتبر هذه المناوشات أول عمل مسلح بين العدو والمجاهدين في منطقة واد سوف لكنها لم تدم طويلا.

انسحب الثوار بعد المناوشات متجهين إلى بلدية سيدي عون حاليا لكن في طريقهم مرض المجاهد عمار عبد الباري فاصطحبه اثنان من رفاقه إلى مركز الانطلاق .ثم واصل عمي صالح صوادقية والعايب بشير وريغي عبد الرزاق طريقهم إلى قرية سيدي عون فالتقوا مع مجموعة من الشباب الذين أفادوهم بمعلومات حول اندلاع الثورة المسلحة في أنحاء كثيرة من الوطن .كما انطلق المجاهدون عائدين إلى مركز التدريب في (هود العايب) وعند وصولهم أخبرهم المناضل والممون للثورة بوادي سوف (لخضر قبوسة) أن العدو يلاحقهم.

و يتتبع آثار أقدامهم بواسطة الحركيين (القومية) الذين يحسنون التعرف على هذه الآثار وفي طريقهم إلى القرية (حاسي خليفة) كانوا يسلكون في مشيتهم عدة طرق قصد تغليط وتمويه العدو الذي كان يدرك أنه سيلاحقهم لا محاله، فطلبوا من المجاهد “دردوري خزاني” توجيه الدورية لما له من خبرة وتجربة عسكرية لكونه شارك في الحرب العالمية الثانية مع الجيش الفرنسي.

وأخيرا تمكن العدو من تقصي آثار المجاهدين ولحق بهم شرقي حاسي خليفة وبالضبط في جر الهمايسة حيث كان عدد المجاهدين آن ذاك ثلاثة عشرا (13) مجاهدا تمركزوا في المكان الذي يطلق عليه (الصحن القبلاوي) “هود كريّم ” حتى داهمهم العدو صباح يوم 17 نوفمبر 1954 بعد أن اتخذوا لهم أماكن قنص استعدادا للمواجهة وما إن اقتربت القوات العسكرية الفرنسية من مكان المعركة حتى فاجأها الثوار بالرصاص فرجعوا على أعقابهم في بداية الأمر ثم عادوا إلى ميدان المعركة وصول حشود أخرى إضافية وعندها استؤنف القتال من الساعة الحادية عشرة صباحا إلى ما بعد الغروب دون أن تستطيع قوات العدو التقدم للنيل من المجاهدين رغم العدة والعتاد الأطلسي ليفقد العدو خلال هذه المعركة البطولية ما يقارب 75 قتيلا وعدد كبير من الجرحى في حين كانت خسائر المجاهدين تتمثل في أسر المجاهد ” شعباني بلقاسم” وما إن حل الليل حتى انسحب الثوار من ميدان المعركة في اتجاه قرية “المنشية” وبعد استراحة قليلة هناك توجهوا إلى ناحية الشط نحو الشمال وتمركزوا في مكان يسمى (الزرق) ، تناولوا التمر وشربوا الماء حتى لاقتهم قوات العدو على متن المهارى فوقع بينهم تبادل اطلاق النار ، فما كان من هذه القوة الممثلة في الحركة (القومية) إلا الهروب ، فما كان من هذه القوة الممثلة .أما المجاهدين فواصلوا سيرهم عبر الشط في خط مستقيم لتمويه العدو الذي كان يراقبهم عن بعد حتى وصلوا إلى معاقل الثوار بجبال ” أم الكماكم ” بولاية تبسة .وشاءت الأقدار أن تحول هذه المعاقل التي دحرت الاستعمار الفرنسي إلى معاقل خفافيش الظلام ذلك الارهاب الاعمى

“اللهم أشهد أني بلغت وصية عمي صالح صوادقية إلى شبابنا ومواطنينا دون تحريف”

توفي عمي صالح صوادقية في 03/03/2013 بعد صراع مرير مع المرض ألزمه الفراش لسنوات عديدة لكن التاريخ سيبقى يذكره من خلال معركة 17 نوفمبر 1954 التي خاضها مع رفاقه : شعباني بلقاسم – لمقدم مبروك – عمارة لخضر (حمى لخضر) – فرجاني العربي – شراحي مصباح – بلابة بشير – العايب بشير –دردوري خزاني – ريغي عبد القادر – عبد الباري عمار –زايد عبد القادر – داسي العربي.

ستبقى هذه المعركة خالدة في ذاكرة الاجيال المؤمنة برسالة نوفمبر وتتعاقب على احياء ذكراها كل عام مادامت محطة من محطات تاريخ الجزائر الحافل بالبطولات التي هزمت الاستعمار الفرنسي ومن ورائه الحلف الاطلسي واسترداد استقلالها وحريتها لنعيش نحن وابناؤنا في كنف الحرية والكرامة .

فنم انت ورفاقك من الشهداء قرير العين ياعمي صالح صوادقية فنحن ماضون بعون الله على دربكم وسنحافظ على الرسالة ونصون الوديعة مامدنا على قيد الحياة والمجد والخلود لشهدائنا الابرار الذين وهبوا أغلى ما عندهم في سبيل هذا الوطن العزيز.