كان لنا بيت

[أبو مرام]

وراء الهضبة كان لنا بيت شاسع عامر بالدفء والحنان فيه الستر و الأمان فيه أروقة عامرة بالزهور وعبق الريحان ، وكانت لنا حديقة تتوسطها زيتونة ويحيطها التين والرمان أما الأعناب فكانت تتأبط الأسوار في الصيف تتباهى علينا بعناقيدها المختلفة الألوان و الأحجام كأنها فوانيس معلقة على الأعمدة والحيطان ، أما الحظيرة فبها خم دجاج وخرانق تتبختر مع أمها وهي مختلفة الألوان ، في الجهة المقابلة عنزتين نتلذذ بحليبها الساخن كل صباح وبعض النعاج والخرفان ، كانت هذه حياتنا الهادئة البسيطة المفعمة بالحب والشكر و الأمان.
والدي رجل بسيط لا علاقة له بالسياسة و الأحزاب ، كان مواطنا مسالما متنازلا عن حقوقه من أجل سلام الوطن في كثير من الأحيان، ومع هذا لم يغن عنه حياده ولم يغن عنه انقياده ، ذات فجر عم الضيعة الصياح وزمجرة المدرعات وصيحات لم نسمع بها و مثلها بعض اللكنة لبناني لكن الأغلب من سعار المجوس يتنادون بالحسين الذي خانوه وعلي الذي قتلوه ويرفعون رايات غريبة كالتي كنا نراها في الأفلام، انها ألوان ميليشا الطائفية المنتنة ، جمعونا في وسط الضيعة البعض أركبوهم في عرباتهم والبعض علقوا لهم المشانق وسط هتافات مسعورة وبعض المليشيا لغموا كل شيء جميل في القرية ليصبح بعد الإشارة ركاما ، كان الجو يملأه الدخان والصراخ والدماء وفزع الأطفال وصيحات النساء اللواتي يبكين اكبادهن والبعض يندبن اعراضهن المتهتكة ...........كانت السيادة على الأرض لرائحة الموت والدم والدمار لكن رائحة الحقد كانت أشد نتانة وكانت لها السيادة في كل فضاء الضيعة المنكوبة و الأرواح المزهوقة ، فجأة سمعنا دوي الرصاص يلعلع من طرف آخر فتفرقت الجموع والعربات وتفرقنا نحن باحثين عن نجاة مؤقتة و أمان موقوف التنفيذ، استمرت الاشتباكات ساعات وبدت تبتعد عنا شيئا فشيئا ، ومع الخيوط الأولى لضوء الشمس رأينا الكارثة ، لقد مر التتار والصليبيين من هنا هرع الأحياء يتفقدون اهاليهم وممتلكاتهم ، أما نحن فلم نجد لبيتنا مقاما فقط شجرة الزيتون بقيت شاهدة بانه كان لنا بيتا عامرا هنا، إنها الحرب التي لا تبق و لا تذر يتقاتل فيها ناس لا يعرفون بعضهم بأوامر آخرين يعرفون بعضهم جيدا ، قد يجمع بينهم بارا أو ماخورا وممكن قاعة اجتماع فاخرة، نحن المواطنين البسطاء فقط من ندفع الثمن الفاخر نحن من نعاني التشرد ونعاني الجوع والصقيع، الصورة الكاملة تسمى التيه والضياع ......