ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بالمسجد النبوي الشريف بعنوان: (حق المسلم على أخيه المسلم)، تحدث فيها عن مواساة المسلم لأخيه حال البلاء والضراء، وأن من أهم الحقوق للمسلم على أخيه المسلم أن يتعرف أحواله، وأن يواسيه بكل ما يستطيع، مذكرا بما حل بالمسلمين في بعض البلدان من مآس وبلايا، ومحن ورزايا، وحث على وجوب الإنفاق عليهم، محذرا من الإسراف والتبذير، وكان مما جاء في خطبته:
أيها المسلمون: المسلم يشاطر أخاه أساه، ويواسيه في بلواه، ويتوجع لعثرته وشكواه، ومن شيم الكرام وأهل الإسلام: أنهم إذا سمعوا صارخة قوم أو صوت استغاثة أنجدوا وأسعدوا.
وقد حل بأهل الإسلام من البلاء الشديد، والجوع العظيم، والكوارث المدمرة، والعواصف الثلجية، والأعاصير المهلكة، والحروب الذميمة، التي بلغت منهم مبلغا أليما، ونزلت بهم كربتها، وأحاطت بهم شدتها، ولازمتهم محنتها، حتى انقطعت المهج، وذابت الأكباد، وتيبست الأجساد، وصار ألم الحياة أعظم من ألم الموت. يهربون من ساحة الهلاك والفوت إلى طريق الجحيم والموت.
مدن خالية .. وأجساد بادية .. وطفولة عارية .. ونفوس شاكية .. وأصوات باكية .. تفزع القلب شكواهم، وتدمع العين بلواهم.
تذكرت أطفالا بأقسى كريهة
وقد تركوا في البرد حتى تجمدوا
تجمدت الأجساد أجساد صبية
فكان لها ثلج الأعاصير مرقد
شعوب تدفع إلى هاوية الخوف والجوع والمرض، وحياة التشرد والضياع. فيا أهل الشفقة والإحسان! يا أهل التقوى والإيمان! تصدقوا بما قل وبما جل {إن الله يجزي المتصدقين} (يوسف: 88).
يا أهل النجدة والغوث! أنقذوا إخوانكم من مهاوي الذل والانكسار؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - [- قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة »؛ متفق عليه.
أيها المسلم، أيها المؤمن! أخاك أخاك، اكشف عنه كربا، اقض عنه دينا، اطرد عنه جوعا، خفف عنه ألما، قدم له نفعا.
يقول ابن عبد البر - رحمه الله تعالى -: «والمواساة في العسرة وترميق المهجة من الجائع واجب على الكفاية بالإجماع».
فهل قام المسلمون بهذا الواجب الكفائي؟!
ويقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: «وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت».
فهل كانت المواساة على قدر الكارثة والمأساة؟!
يا أهل الطرا والثراء! اصنعوا المعروف، وأدركوا الملهوف، وأسعفوا المكلوم، وواسوا المظلوم، وأغيثوا المهضوم، وارحموا المكروب، وأعطوا المنكوب.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله - عز وجل - يقول يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب!وكيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو أسقيته وجدت ذلك عندي »؛ أخرجه مسلم؟
أيها المسلمون: حاذروا زوال النعمة التي تتقلبون فيها، احذروا تجاوز الحد، احذروا الطغيان. فما بعد الكفران والطغيان إلا الزوال والحرمان.
كونوا ممن شكر واعتبر، ولا تكونوا ممن طغى وجحد وتكبر. يا من تتلفون أموالكم في المعاصي والمخازي والملاهي، يا من تنفقونها في التباهي والتعالي والتباري، يا من تهدرونها في المراءاة والمفاخرة والمكاثرة، يا من تعبثون بالأموال والنعم في مغالبات جاهلية، وعادات قبيحة ظهر في الشرع فحشها، وبان للعقل سخفها.
يا أهل الإسراف والبذخ والتبذير! نزعت الشفقة من قلوبكم، وغارت الرحمة من صدوركم. تعبثون وتلعبون، وأنتم تشاهدون إخوانكم المسلمين ما بين فقير يستصرخ، وطريد يستغيث، وشريد يستنجد.
فا تقوا الله - أيها المسلمون -، وصونوا النعمة من العبث والهذر والإسراف والتبذير، واشكروا نعمة الله تعالى بالمداومة على طاعته، والحذر من معصيته، والإحسان إلى ذوي الحاجة والفاقة من بريته.
https://www.al-forqan.net/files/515.html