يقول الأستاذ سيد قطب
رحمه الله
فى الظـــلال
الدرس السابع:
صورة ساخرة لرفض الكفار للحق
وأمام هذا الموقف المهين الميئوس منه في الآخرة , يردهم إلى موقفهم في الفرصة المتاحة لهم في الأرض قبل مواجهة ذلك الموقف ; وهم يصدون عنها ويعرضون , بل يفرون من الهدى والخير ووسائل النجاة المعروضة عليهم فيها , ويرسم لهم صورة مضحكة تثير السخرية والعجب من أمرهم الغريب:
(فما لهم عن التذكرة معرضين ? كأنهم حمر مستنفرة , فرت من قسورة ?). .
ومشهد حمر الوحش وهي مستنفره تفر في كل اتجاه , حين تسمع زئير الأسد وتخشاه . . مشهد يعرفه العرب . وهو مشهد عنيف الحركة . مضحك أشدالضحك حين يشبه به الآدميون ! حين يخافون ! فكيف إذا كانوا إنما ينفرون هذا النفار الذي يتحولون به من آدميين إلى حمر , لا لأنهم خائفون مهددون بل لأن مذكرا يذكرهم بربهم وبمصيرهم , ويمهد لهم الفرصة ليتقوا ذلك الموقف الزري المهين , وذلك المصير العصيب الأليم ?!
إنها الريشة المبدعة ترسم هذا المشهد وتسجله في صلب الكون , تتملاه النفوس , فتخجل وتستنكف أن تكون فيه , ويروح النافرون المعرضون أنفسهم يتوارون من الخجل , ويطامنون من الإعراض والنفار , مخافة هذا التصوير الحي العنيف
الدرس الثامن:
تحليل نفسيات الكفار الرافضة للحق
تلك هيئتهم الخارجية . (حمر مستنفرة , فرت من قسورة)ثم لا يدعهم حتى يرسم نفوسهم من الداخل , وما يعتلج فيها من المشاعر:
(بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة). .
فهو الحسد للنبي [ ص ] أن يختاره الله ويوحي إليه ; والرغبة الملحة أن ينال كل منهم هذهالمنزلة , وأن يؤتى صحفا تنشر على الناس وتعلن . . ولا بد أن الإشارة هنا كانت بصدد الكبراء الذين شق عليهم أن يتخطاهم الوحي إلى محمد بن عبد الله , فقالوا: (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ?). . ولقد علم الله أين يضع رسالته واختار لها ذلك الإنسان الكريم الكبير العظيم . فكان الحنق الذي يغلي في الصدور , والذي يكشف عنه القرآن , وهو يعلل ذلك الشماس والنفار !
ثم يستمر في رسم صورة النفوس من داخلها , فيضرب عما ذكره من ذلك الطمع والحسد , ويذكر سببا آخر للإعراض والجحود . وهو يردع في نفوسهم ذلك الطمع الذي لا يستند إلى سبب من صلاح ولا من استعداد لتلقي وحي الله وفضله. انتهى