طريق الوصول إلى العلم النافع - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

طريق الوصول إلى العلم النافع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-10-20, 15:57   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
abedalkader
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية abedalkader
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز 
إحصائية العضو










افتراضي طريق الوصول إلى العلم النافع

السلام عليكم ورحمة الله


بقلم
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان

طريق الوصول إلى العلم النافع

الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء يخلفونهم في تعليم العلم النافع نقيا من تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين‏.‏ وصلى الله وسلم على نبينا محمد والله وصحبه أجمعين‏.‏‏.‏ وبعد‏.‏‏.‏

فإن الله سبحانه وتعالى عظم من شأن العلماء العاملين‏.‏ فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏}‏ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليله البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثه الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثواالعلم فمن أخذة أخذ بحظ وافر‏)

والنصوص في هذا المعنى كثيرة مشهورة وفيها الحث على تعلمالعلموتعليمه لأنه لا يصلح أمر الدنيا والآخرة إلا به‏.‏ ولهذا أمر الله سبحانه بتعلمالعلم قبل القول والعمل قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}

‏ فلا يحل لأحد أن يقول في مسائل الدين وأحكام الحلال والحرام بدون علم لأن ذلك قول على الله سبحانه بلا علم وقد حرم الله ذلك أشد التحريم بل جعله قرينًا للشرك‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ فيلزم الجاهل أن يتعلم من العالم‏.‏

وتعلم العلم على نوعين‏:‏

النوع الأول‏:‏فرض على الأعيان لا يعذر أحد بتركه وهو تعلم ما يستقيم به دينه وتصلح به عقيدته وصلاته وزكاته وصيامه وحجه وعمرته فتعلم هذه الأمور واجب على كل شخص بعينه‏.

النوع الثاني‏:‏ما زاد عما ذكر كأحكام المعاملات والمواريث والأنكحه والقضاء فهذا تعلمه واجب على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وإن تركه الكل أثموا‏.‏

وتعلم العلم بنوعيه العيني والكفائي إنما يتلقى عن العلماء الثقاة الذين حملوه بأمانة،

قال - صلى الله عليه وسلم - ‏(‏يحمل هذا العلم في كل خلف عُدُولُه‏)‏

وقال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏العلماء ورثة الأنبياء‏)

‏ فكما أن العلم يتلقى عن الأنبياء حال وجودهم في الناس فكذلك يتلقى عن خلفائهم وورثتهم بعد موتهم وهم العلماء ولا تخلو الأرض – ولله الحمد - في كل وقت من قائم منهم لله بحجه‏.

فيجب على المسلمين أن يتلقواالعلم عنهم ويعملوا بتوجيهاتهم – لكننا في هذه السنوات الأخيرة مع الأسف الشديد – نرى كثيرًا ممن يرغبون في العلم

خصوصًا الشباب قد عدلوا في هذه الطريقة فعدلوا عن تلقي العلم عن العلماء الثقات إلى تلقي العلم إما عن أناس جهال لا يعرفون مدارك الأحكام ومناط الحلال والحرام وإما عن أناس غير معروفين بالثقة والأصالة في العقيدة الصحيحة‏.‏

ولا شك أن هذا الصنيع سيئول بهم إلى ما لا تحمد عقباه قال بعض السلف ‏"‏ إن هذاالعلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ‏"‏

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏ لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم فقد هلكوا ‏"‏‏.‏

فيا شباب المسلمين ويا طلبةالعلم اتصلوا بعلمائكم وارتبطوا بهم وتلقواالعلم عنهم ارتبطوا بالعلماء الثقات المعروفين بسلامة المعتقد وسلامة الاتجاه لتأخذوا عنهم العلم وتصلوا السلسلة بنبيكم - صلى الله عليه وسلم - كما كان أسلافكم على ذلك فما زال المسلمون يتلقون هذاالعلم عن نبيهم بواسطة علمائهم جيلًا بعد جيل‏.‏

هؤلاء الذين تحدثنا عنهم صنف وهناك صنف آخر من المتعلمين يتلقى العلم عن الكتب ولا يتصل بالعلماء زاعمًا أنه يستغني بتلك الكتب عن العلماء وهذا خطأ عظيم ويترتب عليه خطر كبير لأن الكتب ما عدا كتاب الله وسنة رسوله فيها الغث والسمين وفيها الخطأ والصواب

بل في بعضها الدس والكذب على الإسلام وزرع الشبهات‏.‏ والمتعلم المبتدئ لا يميز بين ما فيها من النافع والضار بل ربما يكون الضار أعلق بذهنه فلا بد له من معلم بصير يفحص له الكتب ويضع يده على ما فيها من نافع وضار وخطأ وصواب‏.‏

ومن ثم كان طلبةالعلم قديمًا يسافرون إلى الأقطار النائية ليلتقوا بالعلماء ويتلقوا عنهم العلم النافع ولم يكتفوا بمطالعة الكتب فهذا الإمام أحمد سافر الأسفار الطويلة لرواية الحديث وهذا الإمام محمد بن عبد الوهاب سافر من نجد إلى الحجاز وإلى الأحساء وإلى البصرة للأخذ عن العلماء وهذا وهذا وأخبارهم في ذلك طويلة

فلو كانت الكتب تكفي كان بإمكانهم الحصول على نسخ منها ولم يتكلفوا عناء الأسفار في وقت لم تكن سيارة ولا طائرة‏.‏

وخلاصه القول‏:‏ أن الكتب إنما هي أداة فقط لا تغني عن المعلم‏.‏

وهناك صنف من متعلمي زماننا ظهر أخيرًا يقول للمبتدئين‏:‏ لا ترجعوا إلى الكتب ولا تراجعوا العلماء بل اقرءوا القرآن والأحاديثواستنبطوا الأحكام من نصوصهما‏.‏ يقولون هذا وأغلبهم قد لا يحسن قراءة الآية من القرآن على الوجه الصحيح فضلًا عن معرفة معناها‏.‏

هذا الصنف أخطر من الذي قبله لأنه لا يعرف قواعد الاستدلال ومعلوم أن النصوص فيها المحكم وفيها المتشابه وفيها المجمل والمبين وفيها الخاص والعام وفيها المطلق والمقيد والأحاديث فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع،

وعلاوة على ذلك فإن هناك أدلة غير هذين الأصلين فهناك الإجماع والقياس وهناك الأدلة المختلف فيها عند الأصوليين‏.‏

وهذه المدارك لاستنباط الأحكام لا يعرفها إلا الراسخون فيالعلم لا كل العلماء فكيف بهؤلاء المبتدئين يسطون على النصوص ويهجمون على الأحكام من غير بصيرة

إنه يجب الأخذ على أيديهم لئلا يهلكوا أنفسهم ويهلكوا غيرهم وليس لهم من حجه يبررون بها صنيعهم هذا إلا الفرار من التقليد ولا بد لمثلهم من التقليد لأن الذي يجب عليه الفرار من التقليد هو العالم المتمكن من الاستنباط والاجتهاد وهو من توفرت فيه معرفه الأمور التي سبق شرحها أما من لم يكن كذلك ففرضه التقليد قال تعالى ‏{‏فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}

‏ فاتقوا الله يا معشر المتعلمين واتقوا الله يا علماء المسلمين فخذوا بأيدي هؤلاء إلى جادة الصواب ووجهوهم الوجهة الصالحة وامنحوهم من وقتكم ومن علمكم ما يبرئ علتهم ويروي غلتهم

ليسعد بهم مجتمعهم وتصلح بهم أمتهم‏.‏

وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين‏.‏‏.‏‏.‏

البيان لاخطاء بعض الكتاب
(
مجموعة ردود ومناقشات في مواضيع مختلفة)

بقلم
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
حفظه الله








 


آخر تعديل abedalkader 2016-10-22 في 20:56.
رد مع اقتباس
قديم 2016-10-20, 19:18   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عَبِيرُ الإسلام
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية عَبِيرُ الإسلام
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم وجزاكم خيرا على الموضوع المهمّ جدّا الذي يحتاج المسلم البسيط أن يغذي منه عقيدته وعمله لله ، والرجوع إلى الله خاوي القلب من إيمانٍ صحيح ينتج أعمالاً تعود على صاحبها كالهباء المنثور ، مصداقا لقوله سبحانه :" وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا (23)"الفرقان.

أسأل الله القبول في القول والإعتقاد والعمل

وعليه ،أزيد موضوعكم بإذن الله ،نورًا يضيء سبيل الّذين يسعون إلى طلب العلم بفقرة موجزة ومختصرة تعرفهم بمعنى العلم النافع من شرح الشيخ العلاّمة المفسّر للقرآن عبدالرحمن السعدي رحمه الله حيث يقول:

(( العلمُ النّافع، هو العلم المزكِّي للقلوبِ و الأرواحِ، المُثمرُ لسعادة الدّارين، و هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من حديثٍ و تفسيرٍ و فقهٍ، و ما يُعينُ على ذلك من علوم العربية بحسب حالة الوقت و المَوْضع الذي فيه الإنسان، و تعيينُ ذلك يختلف باختلاف الأحوال)).
[شرح جوامع الأخبار 71]



وأزيدكم موضوع حول: العلم النّافع وعلامات أهله للإمام ابن رجب رحمه الله

للاخ الفاضل (المعلم) من منتدى الجلفة

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=1983698



والعمل الصّالح هو ثمرة العلم النافع ، ويعرّفه الشيخ السعدي رحمه الله كما يلي:


يقول الشيخ عبد الرحمن ابن ناصر السعدي رحمه الله:

(( العملُ الصّالحُ، هو الذي جمع الإخلاصَ لله، و المُتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، و هو التقرُّب إلى الله: باعتقاد ما يجبُ لله من صفات الكمال، و ما يستحقُّه على عباده من العبودية، و تنزيهه عمّا لا يليقُ بجلاله، و تصديقه و تصديق رسوله في كل خبرٍ أخبرا به عمّا مضى، و عمّا يُسْتَقْبَلُ عن الرُّسُل، و الكتُب و الملائكة، و أحوال الآخرة، و الجنّة و النار، و الثواب و العقاب و غير ذلك )).
[شرح جوامع الأخبار 75]






ثَمَرَةُ العِلْمِ النَّافِعِ

أيُّها المسلمون!... إِنَّ ثمرةَ العِلم النَّافِع هُو العملُ الصّالح، وإِنَّ العالِمَ حقًّا مَنْ كان للهِ أَخْشَى ولَهُ أَعْبَد، وقد كان سلفُنا الصّالح (رضوان الله عليهم): أئمَّةً في التّقوى والمُراقبة، كما كانوا أئمّةً في العِلم، وهذا نمُوذجٌ فريدٌ يَشهدُ على ما ذكرنا:

قال ابنُ وهبٍ رحمه الله: «نَذَرْتُ أَنِّي كُلَّمَا اغْتَبْتُ إنسانًا أَنْ أَصُوم يومًا فأَجْهَدَنِي، فكنتُ أَغْتَابُ وأَصُومُ..» [1]، يعني: أنّه لم يستطِع التّخلّص مِن هذا المرض وهذه الشّهوة ، شهوةِ الغيبة، مع أنّه قد أَجْهَدَهُ الصّوم، وشقَّ عليه كثيرًا، فرأى أن يتطلَّبَ حلاًّ آخر، يُعِينُهُ على التّخلُّص منها، قال: «فَنَوَيْتُ أَنِّي كُلَّمَا اغْتَبْتُ إنسانًا أَنْ أَتَصَدَّقَ بدِرْهَمٍ، فَمِنْ حُبِّ الدَّرَاهِمِ تَرَكْتُ الغِيبَةَ».

قال الحافظ الذّهبيُّ مُعلِّقًا: «قلتُ: هكذا- واللهِ- كان العلماءُ، وهذا هُو ثَمَرَةُ العِلم النّافع»[2].

ونقول: إنّ هذا العالم الصّالح لماَّ أدرك أنَّ النّفسَ البشريّة مُتعلّقَةٌ أشدَّ التَّعَلُّقِ بالدّرهم والدّينار، لماَّ نوى- مُجرَّدَ نِيَّةٍ فقط- أن يُلزِم نفسه بإخراج درهمٍ كُلّما اغتاب إنسانًا، نجح معه هذا التّدبير، واستطاع أن يَقهر هذه النّفس، ويُرغِمها على ترك شهوة الغِيبة، لأنّه قد أتاها مِن جهة شهوةٍ هي أقوى وألصقُ بالنّفس: حُبِّ المال والشُّحِّ به...لعلّك لو ذكَّرت إنسانًا بأنّه لوِ اغتاب، يكون قد فقد شيئًا مِن حسناته، لما التفت إلى تذكيرك، ولوَجَدتَهُ لا يبالي! وقد كان سلفُنا الصّالح أعقلَ مِنْ أنْ تضِيع حسناتُهُمْ عليهم، فقد جاء رجلٌ إلى أحدهم، يقول له: إنَّكَ اغْتَبْتَنِي! فقال له: «لَسْتُ سَفِيهًا، حتّى أُضَيِّعَ حسناتي!!».. لكن لو عرف أحدُنا أنّه كلّما اغتاب أحدًا، أُخِذَ مِنْ ماله وأُخْرِجَتْ دراهمه مِن جَيْبِه، لوجدته بعد ذلك حَذِرًا مُحترِسًا إذا تكلّم أو أراد أن يتكلّم، قام بين عينيه ما يتهدّدُهُ مِن نقصان ماله، هذه نفسُ البشر وطبيعتهم! فسُبْحان الله!

وقد صدقَ اللهُ حين قال: كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ...[الفجر: ]:

«يُخْبِرُ تعالى عن طبيعة الإنسان من حيثُ هُو، وأنّه جاهلٌ ظالمٌ لا عِلم له بالعواقب... كلا بل لا تكرمون اليتيم..وهذا يدلُّ على عدم الرّحمة في قلوبكم، وعدم الرّغبة في الخير،ولا تحاضون على طعام المسكين، أي: لا يَحُضُّ بعضُكم بعضًا على إِطعام المحاوِيج مِن المساكين والفقراء، وذلك لأجل الشّحّ على الدّنيا، ومحبّتها الشّديدة المتمكّنة مِن القلوب، ولهذا قال تعالى: وتأكلون التراث، أي: المال المُخَلَّف [وهُو المِيرَاث]» [3].

«أكلا لما أي: ذَرِيعًا لا تُبْقُون على شيءٍ منهُ، وتحبون المال حبّا جما، أي: كثيرًا شديدًا [فاحِشًا] [4]، وهذا كقوله تعالى: ï´؟بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة´.

ثمّ قال تعالى: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24).

كلاَّ أي: ليس كلُّ ما أحبَبْتُم مِن الأموال وتنافستُم فيه مِن اللَّذَّات بِبَاقٍ لكُم، بل أمامَكُم يومٌ عظيم، وهَوْلٌ جَسِيم، تُدَكُّ فيه الأرض والجبال وما عليها..[ ويقومُ الخلائِقُ مِن قُبورهم لربِّهم][5]):وجاء ربك والملك صفا صفا، [يجيءُ الرّبُّ تبارك وتعالى لفَصْلِ القضاء كما يشاء، والملائكةُ يَجِيئُون بين يديه صُفُوفًا صُفُوفًا] [6] وهذه الصُّفُوف صفوفُ خُضُوعٍ وذُلٍّ للمَلِك الجبَّار[7]، وجيء يومئذ بجهنم: تَقُودُها الملائكةُ بالسَّلاسِل،

[روى مسلمٌ عن عبد الله بن مسعودٍ (رضي الله عنه) قال: قال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه و سلم): «يُؤْتَى بجَهَنَّم يومئذٍ لها سبعُون ألف زِمَامٍ مع كُلِّ زِمَامٍ سبعون ألف مَلَكٍ يجرُّونها»[8]]، يومئذ يتذكر الإنسان´: ما قَدَّمَهُ مِن خيرٍ وشَرٍّ، وأنّى له الذكرى، فقد فَاتَ أَوَانُها وذهبَ زَمَانُها،( يقول يا ليتني قدمت لحياتي ) [يَنْدَمُ على ما كان سَلَفَ منهُ مِن المعاصي إن كان عاصِيًا ويَوَدُّ لو كان ازدادَ مِن الطَّاعات إن كان طائِعًا] [9]،

يقول يا ليتني قدمت لحياتي الدَّائِمة الباقية عمَلاً صالحًا، كما قال تعالى:يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلاً[ الفرقان:]» [10].

فاتَّقُوا اللهَ تعالى أيُّها المسلمون! وراقِبُوا ربَّكُمْ! وخافُوا منه، واخْشَوْهُ ولا تَعْصُوهُ: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ´ [البقرة:].

* عباد الله!..قَدِّمُوا لأنفسكم، وتَزَوَّدُوا لآخِرتكم، واعملوا صالحًا، وازدادوا مِن الطّاعات، وتَقرَّبُوا إلى ربِّكم جلّ وعلا....

أكثِرُوا مِن الصّلاة والسُّجود لربِّ الأرض والسّموات، فإنّ نبيَّكم (صلى الله عليه وسلم) يقولُ: «الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ»[11]، ويقولُ (صلى الله عليه وسلم): «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، واعلمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُم الصَّلَاة..» [12]...

أكثِرُوا مِن قراءة القُرآن وتلاوتِه آنَاءَ اللَّيلِ وأَطْرَافَ النَّهَار، فإنّ نبيَّكم (صلى الله عليه وسلم) يقولُ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِن كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، والحَسَنَةُ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أقُولُ: ألم حَرْفٌ، ولكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، ولَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»[13]، وعن أبي ذرٍّ (رضي الله عنه) قال: قلتُ: يا رسول الله! أوصِنِي. قال (صلى الله عليه وسلم): «عَلَيْكَ بتَقْوَى اللهِ فَإِنَّهُ رَأْسُ الأَمْرِ كُلِّهِ». قلتُ: يا رسولَ الله! زِدْنِي. قال(صلى الله عليه وسلم): «عَلَيْكَ بتِلَاوَةِ القُرْآن، فإِنَّهُ نُورٌ لَكَ في الأَرْضِ، وَذُخْرٌ لَكَ في السَّمَاء»[14]....

اسْعَوْا في قضاء حوائِج إخوانكم المسلمين، وتَصَدَّقوا على الفُقراء والمساكين، واكْفُلُوا اليَتَامَى والمعَادِيم، فإنّ نبيَّكم (صلى الله عليه وسلم) يقولُ: «أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِدْخَالُ السُّرُورِ على المُؤْمِنِ: كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، وأَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَةً»[15]، ويقولُ (صلى الله عليه وسلم): «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ والمسكِين، كالمُجَاهِدِ في سبيلِ الله، وكالَّذِي يَقُومُ اللَّيلَ ويَصُومُ النَّهَارَ»[16]....

أيُّها الصَّائِمُون! احْفَظُوا صَوْمَكُم مِن الغِيبة والنَّمِيمة والوَقِيعَةِ في أَعْرَاضِ المسلمين...لا تُضَيّعُوا حَسَنَاتِكُم، فإنّ النّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) يقولُ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ، فلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ»[17]...

أيُّها الصَّائِمون!..حسِّنُوا أخلاقكم، وأَحْسِنُوا إلى النَّاسِ ما استطعتُم، فإنْ لم تُحْسِنُوا إليهم، فلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَكُفُّوا عنهم شرَّكُمْ وإذايتَكم، يقولُ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم): «المؤمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ، والمسلِمُ مَن سَلِمَ المسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَبْدٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»[18]، أي: الشَّرَّ مِن جهته.


... «اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ فِعْلَ الخَيْرَات وتَرْكَ المُنْكَرَات وحُبَّ المساكِين»[19].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


([1]) «سير أعلام النّبلاء» للذّهبيّ (9/228).

([2]) «سير أعلام النّبلاء» للذّهبيّ (9/228).

([3]) «تفسير السّعديّ».

([4]) «تفسير ابن كثير»(14/348).

([5]) «تفسير ابن كثير»(14/348).

([6]) «تفسير ابن كثير»(14/348).

([7]) «تفسير السّعديّ».

([8]) مسلمٌ (2842).

([9]) «تفسير ابن كثير»(14/349).

([10]) انظر: «تفسير السّعديّ».

([11]) انظر: «صحيح التّرغيب» (390).

([12]) انظر: «صحيح التّرغيب» (197).

([13]) انظر: «صحيح التّرغيب» (1416).

([14]) انظر: «صحيح التّرغيب» (1422).

([15]) انظر: «صحيح التّرغيب» (954).

([16]) البخاري (5353) ومسلمٌ (2982).

([17]) البخاري (1903).

([18]) انظر: «صحيح التّرغيب» (2555).

([19]) مِن أدعيةِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم·؛. انظر: «صحيح التّرغيب» (408).

كتب المقال :

سمير سمراد وفّقه الله











رد مع اقتباس
قديم 2016-10-20, 22:02   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
abedalkader
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية abedalkader
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله
وبارك الله فيكم وجزاكم خيرا على الاضافة القيمة
احترامي










رد مع اقتباس
قديم 2016-10-21, 11:49   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عَبِيرُ الإسلام
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية عَبِيرُ الإسلام
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

لي ملاحظة على الموضوع بارك الله فيكم ، وهي: حاولوا التفريق بين كلمة العلم والحرف الذي يليها في كل سطر فيه لفظة العلم ، وأيضا النافع فرقوا العين عن الحرف المنفصل عنها بعدها

و أستسمحكم بإضافة تتمّ ماسبقها من الدعوة إلى العلم النافع والطريق الموصل إليه ثم التعريف بالعلم النافع ويليه التعريف بالعمل الصالح الذي هوثمرة العلم النافع لاينفكّ عنه والتّذكير به لدعوة الناس وحثّهم عليه .

والنقطة التي أريد إضافتها لعلّ الله ينفعني وإيّاكم وجميع المسلمين بها مهمّّة جدًّا وبها يحصل العلم النافع وتتحقّق في الأخير من نتيجتها العمل الصالح الذي يجمع به المرء المسلم الزّاد لدار الحساب ،اليوم الذي لاينفع فيه مالٌ ولابنون إلاّ مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم .

والنقطة المهمّة هي:


قول التّابعي ابن سيرين رحمه الله : " إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم" . رواه مسلم

وقد نقلت الموضوع من شبكة الإمام الآجري ، وصاحبه : أبوحفص عبدالرحمن السّلفي جزاه الله عنّا خيرا .

وعنوان الموضوع:

إنّ هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم[ جمع لأقوال العلماء فيمن لا يُؤخذ عنهم العلم ]




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يهدون مَن ضلّ إلى الهدى، ويُنقذونهم من العمى ويحيون بكتاب الله الموتى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أعظم أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن دين الله تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين وانتحال الضالين الذين عقدوا ألوية البدعة وماروا في الكتاب.

أحمد الله جل وعلا وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد:

فأسأل الله جل وعلا لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح والقلب الخاشع.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا من العلم والعمل والهدى والسنة يا أرحم الراحمين.
ثم أما بعد

وعن ابن سيرين قال: إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم . رواه مسلم

فهذا الأثر مهم في مسائل تلقي العلم فلا يمكن أن نأخذ العلم عن أي رجل مجهول - وليس عنده من تزكيات من افاضل العلماء شىء - لأن هذا العلم دين فهو أصل لأخذ الدين فلا يمكن اخذه ممّن لا يعرف منهجه وعلمه وفي هذا

قال صلى الله عليه وسلم

يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . رواه البيهقي وصححه الالباني

قال الإمام مالك رحمه الله : لايؤخد العلم عن أربعة :
ـ سفيه معلن السفه.
ـ و صاحب هوى يدعوا إليه.
ـ و رجل معروف بالكذب في أحاديث الناس و إن كان لايكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم.
ـ و رجل له فضل و صلاح لا يعرف ما يحدث به

و قال البربهاري رحمه الله : والمحنة في الإسلام بدعة ، و أما اليوم فيمتحن بالسُنّة لقوله : { إنّ هذا العلم دين ، فانظروا عمّن تأخذوا دينكم }
و { و لا تقبلوا الحديث إلاّ ممّن تقبلون الشّهادة } فننظر فإن كان صاحب سُنّة ، له معرفة ، صدوق كتبت عنه و إلاّ تركته .

كتاب شرح السُنّة للبربهاري طبعة دار الأثار الصفحة 45 ، 46

وقال ابن العربي
السلفي - فما زال السّلف يزكّون بعضهم بعضا و يتوارثون التزكيات خلفا عن سلف ، و كان علماؤنا لا يأخذون العلم إلاّ ممّن زكي و أخذ الإجازة من أشياخه

وقال النووي رحمه الله :
و لايتعلّم إلاّ ممّن تكملت أهليته و ظهرت ديانته و تحققت معرفته و اشتهرت صيانته فقد قال محمد بن سيرين و مالك بن أنس و غيرهما من السلف { هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم )

عن سفيان بن عيينة قال مسعر : سمعت سعد بن ابراهيم يقول لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقات

عن أبي الزناد عن أبيه قال : أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث قال ليس من أهله

قال الدارمي رحمه الله : باب في الحديث عن الثقات :
عن الأوزاعي قال سليمان بن موسى : قلت لطاوس إنّ فلانا حدثني بكذا و كذا قال إن كان صاحبك مليا فخذ عنه.
عن أبي عون عن محمد قال : إنّ هذا العلم دين فلينظر الرجل عمّن يأخذ دينه.
عن عبد الله بن عمرا و قال : يوشك أن يظهر شياطين قد أوثقها سليمان يفقهون الناس في الدين

قال ابن أبي حاتم في كتابه الجرح و التعديل : باب في الأخبار أنّها من الدين و التحرز و التوقي فيها.

ثم ساق أثر ابن سيرين ، ثم أثر أنس بن سيرين أنّه دخلوا عليه في مرضه فقال اتقوا الله يا معشر الشباب انظروا ممن تأخذون هذه الأحاديث فإنها من دينكم. و أثر بهز بن أسد أنه قال لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين ، فدين الله عز وجل أحق أن يؤخذ فيه بالعدول.

في الأثر : دينك دينك إنّما هو لحمك و دمك فانظر عمّن تأخذ خُذ عن الّذين استقاموا و لاتأخذ عن الّذين مالوا.

قال ابن سيرين : كان في الزمن الأول الناس لايسألون عن الإسناد حتى و قعت الفتنة فلمّا و قعت الفتنة سألوا عن الإسناد ليحدث حديث أهل السُنّة و يترك حديث أهل البدعة.

و قال الخطيب أيضا : كتب مالك بن أنس إلى محمد بن مطرف : سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أمّا بعد ، فإنّي أوصيك بتقوى الله فذكره بطولة... خذه يعني العلم من أهله الّذين ورثوه ممّن كان قبلهم يقينا بذلك ولاتأخذ كلّ ما تسمع قائلا بقوله فإنّه ليس ينبغي أن يُؤخذ من كل محدث و لا من كل من قال و قد كان بعض من يرضى من أهل العلم يقول: إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخدون دينكم.

أورد السيوطي رحمه الله: " صفة مَن يُؤخذ عنه العلم فقال : مَن اشتهرت عدالته بين أهل العلم و شاع الثّناء عليه .
ثم أورد أثر سعيد بن ابراهيم : لا يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ الثقات و أثر ابن سيرين : إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم . وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : الشاهد و المخبر إنّما يحتاجان إلى التزكية .

قال الخطيب البغدادي رحمه الله : و لا يروى إلاّ عن الثقات ثم أورد بسنده عن بهز بن أسد أنه كان يقول إذا ذكر له الإسناد فيه شيء قال هذا فيه عهدة و يقول لو أنّ لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلاّ بشاهدين عدلين فدين الله عز وجل أحق أن يؤخذ فيه بالعدول.

و بسنده أيضا عن سعد بن ابراهيم قال لا تحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ عن الثِّقات . و بسنده عن عمرو بن ثمر عن جابر قال قلت لإبي جعفر أقيد الحديث إذا سمعته قال إذا سمعت حديثا من ثقة خير مما في الأرض من ذهب و فضة .

و بسنده عن بن عون عن محمد بن سيرين قال : إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذونه ذهب العلم و بقي منه غبرات في أوعية سوء .

وبسنده أيضا عن محمد بن عبد الرحمان بن أبي الأسود عن المنذر بن الجهني و كان قد دخل في هذه الأهواء ثم رجع فسمعته يقول: اتّقوا الله و انظروا عمّن تأخذون هذا العلم فإنّا كنّا ننوي أن نروي لكم ما يضلّكم.

و بسنده عن أحمد بن يوسف بن أسباط سمعت أبي يقول: ما أُبَالي سألت صاحب بدعة عن ديني أو زنيت.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى : و مَن له في الأمّة لسان صدق بحيث يثنى عليه و يحمد في جماهير أجناس الأمّة فهؤلاء أئمّة الهدى و مصابيح الدُجَى.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله في الإعتصام : والعالم إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره ويعلم هو من نفسه ما شهد له به وإلاّ فهو على يقين من عدم العلم أو على شك ، فاختيار الإقدام في هاتين الحالتين على الإحجام لا يكون إلاّ باتباع الهوى ، إذ كان ينبغى له أن يستفى في نفسه غيره ولم يفعل وكل من حقه أن لا يقدم إلا أن يقدمه غيره ولم يفعل.

قال العلامة الألباني رحمه الله: معلّقا على هذا الكلام في الصحيحة :
هذه نصيحة الإمام الشاطبي إلى العالم الذي بإمكانه أن يتقدّم إلى الناس بشيء من العلم بنصحه بأن لايتقدم حتى يشهد له العلماء خشية أن يكون من أهل الأهواء ، فماذا كان ينصح يا ترى لو رأى بعض هؤلاء المتعلّقين بهذا العلم في زماننا هذا؟ لاشك أنّه سيقول له : ليس هذا عشّك فادرجي " فهل من معتبر ؟!! و إنّي و الله لأخشى على هذا البعض أن يشملهم قوله صلى الله عليه وسلم " ينزع عقول أهل هذا الزمان ، و يخلف لها هباء من الناس يحسب أكثرهم أنّهم على شيء و ليسوا على شيء " و الله المستعان .اهـ

قال العلامة الألباني رحمه الله أيضا : عندنا مثلا الآن مشكلة تتعلّق بالعقيدة عندنا الشيخ عبد العزيز ابن باز حفظه الله ، و عندنا هذا الرّجل الذي ابتلي به الشعب الأردني في هذا الزمان بجهله و بقلّة أدبه مع علماء السّلف فضلا من الخلف يقول مثلا عن الشيخ عبد العزيز ابن باز بأنّه لا علم عنده بالتوحيد !! فأنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين التفّوا حوله متى عُرِف هذا الرجل بالعلم حتى يعتمد عليه و الشيخ ابن باز مثلا ملأ علمه العالم الإسلامي .

إذن هنا أحد شيئين إمّا الجهل أو اتّباع الهوى ، فهؤلاء الذين يلتفّون حول هذا الرّجل ، هذا الرّجل ابن اليوم في العلم ما أحد عرفه و لا أحد شهد له لا من المهتدين من العلماء و لامن العلماء الضّالين ، ما أحد شهد له بأنّه رجل عالم ، فلماذا يلتفّ حوله هؤلاء الشباب أحد شيئين ؟ أما أنهم لايعلمون هذا التدقيق الذي نحن نتسلسل فيه من الصحابة إلى اليوم.

و قال الألباني رحمه الله كلاما نفيسا في التزكية في شريط المتجرّؤون على الفُتْيَا، و الشريط الأول من أشرطة دعوتنا من أحب أن يراجعه فليراجعه .

سئل العلمة الشيخ الفوزان حفظه الله السؤال التالي : لقد كثر المنتسبون إلى الدَّعوة هذه الأيام، ممّا يتطلَّب معرفة أهل العلم المعتبرين، الذين يقومون بتوجيه الأمَّة وشبابها إلى منهج الحقِّ والصَّواب ، فَمَن هم العلماء الذين تنصح الشّباب بالإستفادة منهم ومتابعة دروسهم وأشرطتهم المسجَّلة وأخذ العلم عنهم والرُّجوع إليهم في المهمَّات والنَّوازل وأوقات الفتن‏؟‏


الجواب:

الدَّعوة إلى الله أمر لابدّ منه، والدِّين إنَّما قام على الدّعوة والجهاد بعد العلم النَّافع؛ ‏{‏إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ‏}‏ ‏[‏العصر‏:‏ 3‏.‏‏]‏؛ فالإيمان يعني العلم بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته وعبادته، والعمل الصَّالح يكون فرعًا من العلم النَّافع ، لأنَّ العمل لا بدَّ أن يؤسَّس على علم‏.‏
والدَّعوة إلى الله والأمر بالمعروف والتَّناصح بين المسلمين ، هذا أمر مطلوب، ولكن ما كلُّ أحد يُحسنُ أن يقوم بهذه الوظائف، هذه الأمور لا يقوم بها إلاّ أهل العلم وأهل الرَّأي النَّاضج، لأنّها أمور ثقيلة مهمَّةٌ، لا يقوم بها إلا من هو مؤهَّلٌ للقيام بها،

ومن المصيبة اليوم أنَّ باب الدّعوة صار بابًا واسعًا، كلٌّ يدخل منه، ويتسمَّى بالدَّعوة، وقد يكون جاهلاً لا يُحسِنُ الدَّعوة، فيفسد أكثر ممَّا يصلح، وقد يكون متحمِّسًا يأخذ الأمور بالعجلة والطَّيش، فيتولَّدُ عن فعله من الشُّرور أكثر ممّا عالج وما قصد إصلاحه، بل ربّما يكون ممّن ينتسبون للدّعوة، ولهم أغراض وأهواء يدعون إليها ويريدون تحقيقها على حساب الدّعوة وتشويش أفكار الشباب باسم الدعوة والغيرة على الدّين، وربّما يقصد خلاف ذلك ّ كالانحراف بالشّباب وتنفيرهم عن مجتمعهم وعن وُلاَة أمورهم وعن علمائهم، فيأتيهم بطريق النّصيحة وبطريق الدّعوة في الظّاهر كحال المنافقين في هذه الأمّة، الّذين يريدون للناس الشَّرَّ في صورة الخير‏.


أضرب لذلك مثلاً في أصحاب مسجد الضِّرار بنوا مسجدًا، في الصُّورة والظَّاهر أنّه عمل صالح، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلِّيَ فيه من أجل أن يرغِّبَ الناس به ويقرَّهُ، ولكنَّ الله علم من نيَّات أصحابه أنّهم يريدون بذلك الإضرار بالمسلمين، الإضرار بمسجد قُباء، أوّل مسجد أُسِّسَ على التَّقوى، ويُريدون أن يفرِّقوا جماعة المسلمين، فبيَّن الله لرسوله مكيدة هؤلاء، وأنزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 107-108‏.‏‏]‏‏.

يتبيَّن لنا من هذه القصّة العظيمة أنّ ما كلُّ مَن تظاهر بالخير والعمل الصّالح يكون صادقًا فيما يفعل، فربّما يقصد من وراء ذلك أمورًا بعكس ما يُظهِرُ‏.‏
فالّذين ينتسبون إلى الدَّعوة اليوم فيهم مضلِّلون يريدون الإنحراف بالشَّباب وصرف الناس عن الدِّين الحقِّ وتفريق جماعة المسلمين والإيقاع في الفتنة، والله سبحانه وتعالى حذَّرنا من هؤلاء‏:‏ ‏{‏لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 47‏.‏‏]‏ ، فليس العبرة بالإنتساب أو فيما يظهر، بل العبرة بالحقائق وبعواقب الأمور‏.‏
والأشخاص الذين ينتسبون إلى الدَّعوة يجب أن يُنظر فيهم‏:‏ أين دَرَسوا‏؟‏ ومِن أين أخذوا العلم؟‏ وأين نَشَأُوا‏؟‏ وما هي عقيدتهم‏؟‏ وتُنظرُ أعمالُهم وآثارهُم في الناس، وماذا أنتجوا من الخير‏؟‏ وماذا ترتَّب على أعمالهم من الإصلاح‏؟‏
يجب أن تُدرس أحوالهم قبل أن يُغتَرَّ بأقوالهم ومظاهرهم، هذا أمر لا بدَّ منه، خصوصًا في هذا الزَّمان، الذي كثر فيه دعاة الفتنة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعاة الفتنة بأنّهم قومٌ من جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا (1)، والنبي صلى الله عليه وسلم لمّا سُئِلَ عن الفتن ، قال‏:‏ ‏(‏دُعاةٌ على أبواب جهنَّمَ، من أطاعَهُم قذفوه فيها‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/92-93‏)‏ من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‏.‏‏]‏، سمَّاهم دُعاةً‏!‏

فعلينا أن ننتبه لهذا، ولا نحشُدَ في الدَّعوة كلَّ مَن هبَّ ودبَّ، وكل مَن قال‏:‏ أنا أدعو إلى الله، وهذه جماعة تدعو إلى الله‏!‏ لا بدَّ من النَّظر في واقع الأمر، ولا بدَّ من النَّظر في واقع الأفراد والجماعات، فإنَّ الله سبحانه وتعالى قيَّد الدَّعوة إلى الله بالدَّعوة إلى سبيل الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 108‏.‏‏]‏؛ دلَّ على أنَّ هناك أناسًا يدعون لغير الله، والله تعالى أخبر أنَّ الكفَّار يدعون إلى النار، فقال‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 221‏.‏‏]‏؛ فالدُّعاة يجب أن يُنظَرَ في أمرهم‏.‏


قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهَّاب رحمه الله عن هذه الآية ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ‏}‏‏:‏ ‏"‏فيه الإخلاصُ؛ فإنَّ كثيرًا من الناس إنَّما يدعو إلى نفسه، ولا يدعو إلى الله عز وجل‏"‏من فتاوى الشيخ.

قال الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله في درس بعنوان من هم العلماء : وهذه النقطة من الأهمية بمكان، إذ بسبب عدم إدراكها من الكثيرين تخلل صفوف العلماء من ليس منهم، فوقعت الفوضى العلمية التي نتجرع الآن غُصَصَها، ونشاهِد مآسيها بين آونة و أخرى.

إنّ مَن يستحق أن يطلق عليه لفظ العالم في هذا الزمن -وأقولها بكل صراحة- قليل جداًًََََّ، ولا نبالغ إن قلنا نادر، وذلك أنّ للعالم صفات قد لا ينطبق كثيرٌ منها على أكثر من ينتسب إلى العلم اليوم.

فليس العالم من كان فصيحا بليغا، بليغا في خطبه، بليغا في محاضراته، ونحو ذلك، وليس العالم من ألف كتابا، أو نشر مؤلفا، أو حقق مخطوطة أو أخرجها؛ لأن وزْن العالم بهذه الأمور فحسب هو المترسب وللأسف في كثير من أذهان العامة، وبذلك انخدع العامة بالكثير من الفصحاء والكتاب غير العلماء، فأصبحوا محل إعجابهم، فتري العامّي إذا أسمع المتعالم من هؤلاء يُجيش بتعالمه الكذّاب يضرب بيمينه على شماله تعجبا من علمه وطَرَبَه، بينما العالمون يضربون بأيمانهم على شمائلهم حُزنا وأسفا لانفتاح قبح الفتنة. فالعالم حقا من تَوَلَّعَ بالعلم الشرعي، وألَمَّ بمجمل أحكام الكتاب والسُنَّة، عارفا بالناسخ والمنسوخ، بالمطلق والمقيد، بالمجمل والمفسر، واطلع أيضا على أقاويل السّلف فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه، فقد عقد ابن عبد البر رحمه الله تعالى في ”جامع بيان العلم وفضله“ بابا فيمن يستحق أن يسمّى فقيها أو عالما، فليرجع إليه في الجزء (2) ص (43).

ولا ريب أن تحصيلهم لهذه الأحكام الشرعية قد استغرق وقتا طويلا، واستفرغ جهدا كبيرا، وأضافوا إلى ذلك أيضا عدم الانقطاع عن التعلم، وقد ورد في بعض الآثار أن موسى سأل ربه أي عبادك أعلم؟ قال: الذي لا يشبع من العلم. فمن كان هذا حاله فهو العالم الذي يستحق هذا اللفظ الجليل، إذْ هو المبلغ لشرع الله تعالى, المُوَقِّع عنه سبحانه وتعالى, القائم لله عز وجل بالحجة على خلقه ولو قَلَّ كلامه ونَدُر، أو عُدِم تأليفه.

فهنا فائدة مهمة، تبيّن أن جذور الاغترار بمن كثر كلامه قديمة جدا، وليس حادثة جديدة، وليست وليدة الساعة، هذه الفائدة هي ما سطّره الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه القيم النّافع: فضل علم السلف على علم الخلف، راداً به على مَن اغتر بكثرة الكلام، واعتبره معيارا للعالم، يقول رحمه الله تعالى كما في كتابه الآنف الذكر: وقد ابتلينا بجهلة من الناس, يعتقدون في بعض من توسَّع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم، فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كلِّ من تقدم من الصحابة ومن بعدهم، لكثرة بيانه ومقاله، ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين، -ثم ذكر الثوري والأوزاعي والليث وابن المبارك وقال- فإنّ هؤلاء كلهم أقل كلاما ممن جاء بعدهم، وهذا -أي هذا التفصيل- تَنَقُّص عظيم بالسلف الصالح، وإساءة ظن بهم، ونسبتهم إلى الجهل وقصور العلم, ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم ذكر أثر ابن مسعود ( وفيه أنه قال ”إنّكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه، فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو مذموم“. انتهى كلامه رحمه الله.


وهو يشير إلى مَن توسّع في القول في مسائل العلم، وهذا يجب أن يلحظ، فكيف لو رأى متكلّمي زماننا الّذين اتّخذهم الناس رؤساء علماء، وهم إنّما يتكلمون عمَّا يسمّونه بِفقه الواقع، أمّا فقه الشرع، وهو ما يسمّونه بفقه الحيض والنّفاس، فهذا في نظرهم قد تعدّاه الزمن، ولم يصبح بحاجة ماسّة إليه الناس، ولذا فإنّ فقه الواقع يجعلونه فرض عين على كل عالم وطالب علم، أما فقه الحيض والنفاس فهذا فرض كفاية. أقول كيف لو رأى هؤلاء الذين لعبوا بعقول الناس، وصرفوهم عن دين الله عز وجل وشرعه إلى أهواء سوَّلَها لهم الشيطان وصدَّهم بها عن سبيل الله تعالى، لا ريب أنّ توجعه رحمه الله تعالى أقوى وأن شكايته أحق.

ومما ينبغي أن يميَّز به من يُطلق عليه لفظ عالم. كبر السن، وهذا وإن لم يكن شرطا في بلوغ مرتبة العلماء إلا أن في هذا الزمن ينبغي أن يُجعل هذا كشرط لما يترتب على أخذ العلم عن الصغار من المفاسد الكثيرة، وأيضا لعدم قُدرة كثير من الناس اليوم على تمييز العالم من غيره، ولذا قال عبد الله بن مسعود ( فيما صح عنه يقول ”لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعن علمائهم، فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا“. وقد أسند الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه ”نصيحة أهل الحديث“ بسنده إلى ابن قتيبة أنه سئل عن معنى هذا الأثر، فأجاب بما نصه، يقول ابن قتيبة: يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث، -ثم يعلل هذا التـفسير فيقول- لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب وحِدَّتُه وعجلته وسفهه، واستصحب التجربة والخبرة، فلا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزل الشيطان استزلال الحَدَث، ومع السّن الوقار والجلال والهيبة، والحَدَث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أُمنت على الشيخ فإذا دخلت عليه و أفتى هلك وأهلك. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وهو كلام جدير بالتأمل, إن كان بعض العلماء يرى أن بعض الأصاغر هنا هم أهل البدع، فإن الصغار هنا لفظ عام، يتناول الصغير لفظا والصغير معنى، فعلى هذا ينبغي التوجه إلى أهل العلم الكبار وأخذ العلم عنهم ماداموا موجودين، أمّا لو كان الإنسان في بلد ليس فيها كبير وهناك صغير عنده من العلم ما يؤهله للتدريس، ويؤهله لتلقي العلم عنه، فلا بأس حينئذ للحاجة. لكن العيب كلَّ العيب أن يكون العلماء الكبار موجودين متوافرين فينصرف الإنسان عنهم إلى من دونهم.

هذا وهناك علامات يتميز بها أهل العلم النافع، أقول النافع؛ لأن العلم قسمان: علم نافع، وعلم ضار. فهناك علامات يتميز بها أهل العلم النافع؛ الذين ورد الشرع بفضائلهم وبتزكيتهم، وهذه العلامات قد ذكر بعضها ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه الآنف الذكر، سأنقل بعض كلماته رحمه الله بنوع تصرف، يقول رحمه الله في علامات ومميزات أهل العلم النافع، وهذه العلامات إنما نذكرها ليستطيع الإنسان أن يميز بين العالم وبين غيره من خلال هذه الصفات، يقول رحمه الله عن هؤلاء العلماء:

إنّهم لا يرون لأنفسهم حالا ولا مقاما، ويكرهون بقلوبهم التزكية و المدح، ولا يتكبرون على أحد، وأهل العلم النافع كلما ازدادوا في العلم ازدادوا تواضعا لله وخشية وانكسارا وذُلاًّ.

• ومن علاماتهم أيضا -هذا كلامه - الهرب من الدنيا، وأولى ما يهربون عنه منها الرِّياسة والشُّهرة والمدح، فالتباعد عن ذلك والاجتهاد في مجانبته من علامات أهل العلم النافع، فإنْ وقع شيء من ذلك -يعني الرياسة أو الشهرة أو المدح- من غير قصد واختيار كانوا على خوف شديد من عاقبته وخشوا أن يكون مكرا واستدراجا، كما كان الإمام أحمد رحمه الله يخاف ذلك على نفسه عند اشتهار اسمه وبعد سيطه.

• ومن علاماتهم أيضا أنهم لا يدّعون العلم، فلا يفخرون على أحد، ولا ينسبون غيرهم إلى الجهل؛ إلا من خالف(2) السُنّة وأهلها فإنهم يتكلمون فيه غضبا لله، لا غضبا للنفس، ولا قصدًا لرفعتها على أحد.



ومن علاماتهم أيضا أنهم سيّئون الظن بأنفسهم، ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء، ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم، وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها أو مقاربتها، وكان ابن المبارك إذا ذَكر أخلاق من سلف ينشد:

لا تعرضن بذكرانا لذِكـرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمُقعـد

ولعل في هذه العلامات ما يستطيع به العامِّي وأمثاله أن يميز بين من يستحق أن يُطلق عليه لفظ العالم ممن لا يستحق هذا اللفظ، والفائدة المَرْجُوَّة من هذا التمييز هي الأخذ عن أهل العلم النافع دون من عَدَاهم من متكلم فصيح و كتاب كبير ممن ليس من أهل العلم.


وبعد أن بين ابن رجب رحمه الله تعالى علامات ومميزات أهل العلم النافع، فإننا ننقل من هذه النقطة التي وضحت إن شاء الله أو كادت.

و قال العلامة محمد بن صالح العثيمين في شرح كشف الشبهات : فلابد من معرفة من هم العلماء حقاً ، هم الربانيون الذين يربون الناس على شريعة ربهم حتى يتميز هؤلاء الربانيون عمن تشبه بهم وليس منهم ، يتشبه بهم في المظهر والمنظر والمقال والفعال، لكنه ليس منهم في النصيحة للخلق وإرادة الحق ، فخيار ما عنده أن يلبس الحق بالباطل ويصوغه بعبارات مزخرفة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، بل هو البدع والضلالات الذي يظنه بعض الناس هو العلم والفقه وأن ما سواه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون.
هذا معنى كلام المؤلف -رحمه الله- وكأنه يشير إلى أئمة أهل البدع المضلين الذين يلمزون أهل السنة بما هم بريئون منه ليصدوا الناس عن الأخذ منهم ، وهذا إرث الذين طغوا من قبلهم وكذبوا الرسل كما قال الله تعالى: }كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الله إلا قالوا ساحر أو مجنون{ {سورة الذاريات، الآية : 52} . قال الله تعالى:}أتواصوا به بل هم قوم طاغون{ . {سورة الذاريات، الآية: 53}.


قال إمام الجرح و التعديل الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في كتابه دفع بغي عدنان على علماء السنة : وقد قال علماء السلف كابن المبارك وأمثاله :
" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " .
فلا يؤخذ الدين من الملبسين الأدعياء ، ولا من الواضحين في الضلال ، ولا من غيرهم ، وإنما يأخذون العلم من أهل العلم الثقات العدول الموالين في الله والمعادين فيه والمنابذين للباطل والداعين إلى الحق وإلى الهدى المستقيم ، عليهم أن يختاروا ويتثبتوا ولا يتسرعوا فيسمعوا أو يقرؤوا لكل من هب ودب ؛ لأن كثيراً منهم في مرحلة البداية لا يميزون بين حقٍ وباطل فيقرؤون لأمثال من ذكرت فيخرجونه عن منهج الله إلى مناهجهم الفاسدة ، فليحذروا تلك المقولة المضللة :
" نقرأ في الكتب ونسمع من الأشخاص وما كان من حقٍ أخذناه ، وما كان من باطلٍ رددناه " .

وقال الشيخ أمان الجامي رحمه الله في شريط إسمه الأمالي الجامية على الأصول الستة : إذا علمنا العلم علمنا العلماء من يحملون هذا العلم النافع والعلماء الربانيون الذين يربون صغار الطلبة بصغار العلم ثم يتدرجون معهم حتى يتفقهوا في دين الله لا يبدؤون بالمطولات يبدؤون بالمختصرات حتى يصلوا إلى المطولات يربوهم بالتدريج هؤلاء هم العلماء الربانيون المربون .
احذر أن تفهم من العبد الرباني أو العالم الرباني فهماً صوفياً ضالاً ؛ العبد الرباني عند المتصوفة الذي يصل إلى درجة يقول لشيءٍ كن فيكون . مفهوم ٌ صوفيٌ ضال مضلل ملحد يعني يعتقد أن معنى العبد الرباني العالم الرباني الذي يصل إلى هذه الدرجة إلى درجة الربوبية يقول للشيء كن فيكون هذه دعوة إلى الضلال إلى الشرك في الربوبية والألوهية معاً ، أدرك هذا الداعي أو لم يدركه فلنحذر كلما نذكر العالم الرباني أو العبد الرباني نحن لا نتحدث بأسلوب المتصوفة ولكننا نتحدث بأسلوب الفقهاء وأهل العلم .

هؤلاء هم العلماء الربانيون الذين تربى طلاب العلم على أيديهم غذوهم بصغار العلم إلى أن تبحروا في العلوم هؤلاء هم العلماء والفقه عرفنا معنى الفقه هو الفهم الصحيح الثاقب لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام .

ومن لديهم هذا الفقه هم الفقهاء العلماء والفقهاء قد يكون من الألفاظ المترادفة إلا أن العلماء أشمل والفقهاء أخص والله أعلم .

( وبيان من تشبه بهم ) كثُر الذين تشبهوا بالعلماء والفقهاء ؛ بل هذه الآونة غلب صغار طلبة العلم على العلماء فصار لفظ العلماء والدعاة علماً بالغلبة في أولئك الذين يشاغبون الشغب فأخذوا هذا اللقب من العلماء واستنكروا للعلماء وزهدوا الناس في العلماء .

العلماء الذين هم على ما وصفنا ربما تنكر لهم بعضهم فأنكروا علمهم وحاولوا أن يحولوا إلى أنفسهم صفة العلم وصفة الفقه وحمل الدعوة . والله المستعان .

)بيان من تشبه بهم وليس منهم ) التشبه والدعوى لا تفيد إن كان التشبه بالقيام بما يقومون به إي اتباعهم والعمل كعملهم هذا تشبه نافع.


قال الشيخ أحمد بن عمر بازمول في درس بعنوان " شرح أثر إن هذا العلم دين":
من الذي يؤخذ منه العلم ، من اتصف بالصفات التالية و من توفرت فيه الشروط التالية :
{1} أنه متبع لما جاء في الكتاب و السنة فلا يقدم الأراء و لايقدم العقل و لا يقدم الواقع أو السياسة أو غيرها من الأمور الأخرى على الكتاب و السنة.
{2}أنه متقيد و منضبط في فهم الكتاب و السنة على فهم سلف الأمة.
{3} أنه ملازم للطاعة مجتنب للمعاصي و الذنوب.
{4} أنه بعيد عن البدع و الضلالات و الجهالات محذرا منها.
{5} أنه يرد المتشابه إلى المحكم.
{6} أنه يخشى الله عز وجل .
{7} أنه من أهل الفهم و الإستنباط.
و خلاصة هذه الأقوال أن نقول في العالم الذي يأخذ عنه العلم هو من تغلم الكتاب و السنة على فهم سلف الأمة مجتنبا للبدع و أهلها و للمعاصي و الذنوب هذا الذي يؤخذ منه العلم.
و تقييده بأنه على فهم سلف الأمة و على طريقتهم يدخل فيه الصفات المذكورة سابقا و الأقوال المذكورة سابقا.
فهل من معتبر
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله : عليك بطرق الهدى و لا يضرك قلة السلكين و إياك و طرق الضلال و لاتغتر بكثرة الهالكين .




أسأل الله أن يجعله تبصرة للمؤمنين والمخدوعين وأن يجعله ذخرا لي عند لقائه
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


الموضوع منقول من شبكة الامام الآجري وفق الله القائمين لمايحبّه ويرضاه.

ملاحظة:

حاولت تصحيح بعض أخطاء الطبع الموجودة ماستطعت إلى ذلك سبيلا ، وأرجو أن يعذرني القرّاء علىما قد أكون غفلت عنه.

والله أسأل أن ينفعنا بما نقرأ ونستفيد

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته











رد مع اقتباس
قديم 2016-10-21, 19:26   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
MohamedDewly
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

وبارك الله فيكم وجزاكم خيرا على الاضافة القيمة









رد مع اقتباس
قديم 2016-10-21, 21:11   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
abedalkader
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية abedalkader
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله
وفيك بركة اخ محمد ونشكرك على المرور من هنا ونفعنا الله واياكم ورزقنا علما نافعا
احترامي










رد مع اقتباس
قديم 2016-10-21, 21:14   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
abedalkader
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية abedalkader
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

لي ملاحظة على الموضوع بارك الله فيكم ، وهي: حاولوا التفريق بين كلمة العلم والحرف الذي يليها في كل سطر فيه لفظة العلم ، وأيضا النافع فرقوا العين عن الحرف المنفصل عنها بعدها

و أستسمحكم بإضافة تتمّ ماسبقها من الدعوة إلى العلم النافع والطريق الموصل إليه ثم التعريف بالعلم النافع ويليه التعريف بالعمل الصالح الذي هوثمرة العلم النافع لاينفكّ عنه والتّذكير به لدعوة الناس وحثّهم عليه .
السلام عليكم اختنا الكريمة عبير الاسلام
ونشكرك على الاضافة القيمة ونفعنا واياكم بعلمهم
وعن الملاحظة فاصدقك القول حاولت وحاولت في ازالة الارتباطات
فلتصقت الحروف بعضها ببعض ولم اتمكن من التعديل رغم عدة المحاولات
لعله الاخوة القائمين على هذا القسم يتولونا عنا ذلك من خلال ملاحظتك هذه
احترامي










رد مع اقتباس
قديم 2018-08-19, 17:51   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عبدالرحمان المهاجر
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:29

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc