الفصل الثاني
الإجراءات المتخذة في شأن الحدث الجانح المدان
بعد أن تنتهي محكمة الأحداث من إجراءات التحقيق النهائي مع الحدث عليها أن تصدر الحكم في القضية إما بالبراءة أو بتوقيع عقوبة أو تدبير من التدابير التي نص عليها القانون، ولا يتوقف دور القاضي بمجرد صدور الحكم بل يمتد إلى مرحلة تنفيذه وذلك بتعديله والإشراف والرقابة على هذا التنفيذ.
المبحث الأول
التدابير والعقوبات المقررة للأحداث الجانحين
لقد استقر الرأي الراجح من الفقه وكذا القانون المقارن على أن التدابير تطبق على شخص لاوجه لمسائلته جنائيا وهو الحدث قبل بلوغ سن الرشد الجزائي، حيث رأى المشرّع أن الحدث في تلك المرحلة ماتزال الخطورة التي تتوافر لديه محدودة، وأنه وإن كان تمييزه قد اكتمل ونزعته إلى الإجرام أخذت في النمو إلا أنه يكون ضعيف البنية وغير ناضج نفسيا لذلك يكون من الأجدى مواجهة إنحرافه ببعض التدابير التي يختارها القاضي ويرى أنها مناسبة لحالته وظروفه الشخصية وإستبعاد تطبيق العقوبات العادية إذا كان تطبيقها يلحق ضرارً بالحدث أو تقف حائلاً دون تحقيق أهداف وإتجاه التشريعات الحديثة نحو إصلاح الحدث والبعد به عن الانزلاق في هوة الجريمة وقد أجاز المشرع توقيع عقوبات عادية على الحدث قبل بلوغه سن الرشد الجزائي إذا رأى القاضي أن توقيع العقوبة هو الوسيلة الملائمة وأنه زادت خطورته وتأصلت نوازع الإجرام لديه، وإن كان المشرع خول القاضي سلطة تطبيق العقوبة العادية على الحدث إلا انه استبعد تطبيق عقوبات شديدة كالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة.
وتمتاز مرحلة الحداثة بأنها تسمح للقاضي أن يتخذ العقوبة أو التدابير على الحدث وقد يكون هناك حالات لا تنفع معها تطبيق العقوبة المخففة أو التدبير على الحدث أو قد يكون هناك حالات أخرى تجعل من تطبيق التدبير خير وسيلة للإصلاح والعلاج(1).
المطلب الأول
التدابير المتخذة في شأن الحدث الجانح أنواعها وطبيعتها
يمتد نظام التدابير بجذوره إلى أواخر العصور الوسطى وقد أكتسب أهمية متزايدة بظهور تعاليم المدرسة الوضعية حيث أتسع نطاقه ليشمل معتادي الإجرام والصغار وعديمي المسؤولية وناقصيها والمتشردين والمتسولين وممارسة الدعارة، وهذا الإتجاه في إتساع نطاقه لم يلق تأييدا وأنعقد الإجماع على الذين تطبق عليهم التدابير هم طائفة عديمي المسؤولية والصغار دون غيرهم وهو ما انتهي إليه كذلك المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات الذي أنعقد في روما سنة 1953 وأنتهت إليه كذلك توصيات حلقة بادو في إيطاليا سنة 1962.(2)
إن الاتجاه السائد حديثا في مجال إجرام الأحداث هو وقاية الحدث من الإنحراف وحمايته لأنه يعتبر في غالب الأحيان ضحية ظروف وعوامل داخلية أو خارجية تظافرت في دفعه إلى الجريمة، لذلك كان من المستحسن إستبعاد العقوبة اتجاهه وإحلال التدابير التهذيبية التي ترمي إلى إصلاحه ودمجه في المجتمع سليما.
ومما لا شك فيه أن القواعد القانونية التقليدية أصبحت عاجزة عن معالجة هذه الظاهرة أوالتخفيف من حدتها لذلك كان لابد من منح حرية التصرف للقيمين على شؤون الأحداث لإتخاد التدابير الملائمة التي تصلح لتقويمهم.
وكذلك رغم تعدد وإختلاف صور وأشكال التدابير المقررة للأحداث فإنها تتفق في مضمونها وجوهرها على أنها تدابير تربوية تهدف إلى علاج الحدث المنحرف وإصلاحه على أساس أنه مريض يستحق العلاج وليس على أساس أنه مجرم يستحق العقاب.(1)
• أولاً: فيما يخص طبيعة التدابير الإصلاحية:
يدور الخلاف في أوساط الفقه والاجتهاد المقارن حول طبيعة التدابير الإصلاحية المقررة للأحداث الجانحين هل تعد بمثابة عقوبات أم مجرد تدابير تنتفي عنها الصفة الجزائية.
هناك ثلاثة آراء بهذا الصدد:
الرأي الأول: يذهب إلى القول بأن التدابير التي يواجه بها الحدث الجانح هي بمثابة وسائل تربية وإصلاح وتقويم وليس من قبيل العقوبات فالتدبير هو رد فعل المجتمع الذي لاينطوي علىمعنى الإيلام.
الرأي الثاني: يرى أن التدابير الإصلاحية عقوبات حقيقة لأنها تهدف إلى التأديب والإصلاح وهما هدف مشترك للعقوبات والتدابير على حد سواء.
الرأى الثالث: يرى أن التدابير الإصلاحية كإيداع الحدث في معهد إصلاحي لتقويمه ليست عقوبات وإنما هي من إجراءات التحفظ الإداري(2).
وحسب رأينا نميل إلى الرأي الأول، لأن التدابير الإصلاحية لاتعتبر تدابير إدارية بل هي قضائية لأن هذا التدبير يصدر عن محكمة الأحدث والتي تعتبر سلطة قضائية وليست إدارية، وأن هذه التدابير لا تعتبر عقوبات بمعنى الكلمة و إذا كانت هناك بعض التشريعات لا تزال تأخذ بفكرة المسؤولية الجزائية فيما يخص الأحداث الجانحين وتؤمن بحق المجتمع في القصاص منهم فحان الأوان للتخلص من هذه الأفكار التقليدية لأن التشريعات الحديثة لم يعد يهمها تحديد المسؤولية الجزائية للحدث وفرض العقاب عليه،بل أصبح هدفها إصلاحه وإعادة إدماجه إجتماعيا.
التدبير الإصلاحي يختلف عن العقوبة في الهدف فالعقوبة تهدف إلى تحقيق الردع العام أما التدبير الإصلاحي يهدف إلى إصلاح الحدث وتقويمه ولو أن العقوبة كذلك من أهدافها الإصلاح والتقويم إلا أنها ما زالت تهدف بصورة أساسية إلى إيلام الجاني.
• ثانيا : أنواع التدابير المتخذة في شأن الحدث الجانح.
إن معظم التشريعات الحديثة تعتبر الحدث الجانح في مركز ضحية وبالتالي وجب حمايته وعلاجه أفضل من أن يسلط عليه عقابا رادعاً يزيد المسألة تعقيداً وكما قلنا سابقا رغم اختلاف هذه التدابير في صورها وأشكالها إلا أنها تتفق في أهدافها كونها كلها ترمي إلى العلاج والإصلاح لا العقاب
وبالرجوع للتشريع الجزائري نجد المشرع لجزائري قد نص في المادة 49 من قانون العقوبات على مايلي: « لاتوقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشرة إلا تدابير الحماية أوالتربية ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات لايكون محلا إلا للتوبيخ ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13إلى 18إما لتدابير الحماية أو التربية أو لعقوبات مخففة».
وبالرجوع لقانون الإجراءات الجزائية نجد أن المشرع عدد التدابير الممكن إتخاذها في حق الحدث بعد ثبوت إدانته وذلك في نصوص عديدة أولها نص المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية بنصها:
لايجوز في مواد الجنايات والجنح أن يتخذ ضد الحدث الذي لم يبلغ الثامنة عشر إلا تدابير أو أكثر من تدابير الحماية والتهذيب الآتي بيانها :
1- تسليمه لوالديه أو لشخص جدير بالثقة.
2- تطبيق نظام الإفراج عنه مع وضعه تحت المراقبة.
3- وضعه في منظمة أو مؤسسة عامة أو خاصة معدة للتهذيب أو التكوين المهني مؤهلة لهذا الغرض.
4- وضعه في مؤسسة طبية أوطبية تربوية مؤهلة لذلك .
5- وضعه في مصلحة عمومية مكلفة بالمساعدة .
6- وضعه في مدرسة داخلية صالحة لإيواء الأحداث في سن الدراسة، غير أنه يجوز أن يتخذ كذلك في شأن الحدث الذي تجاوز عمره الثالثة عشر تدبير يرمي إلى وضعه في مؤسسة عامة للتهذيب تحت المراقبة أوللتربية الإصلاحية».
ونصت المادة 446 من قانون الإجراءات الجزائية على تدبير التوبيخ في شأن الحدث الذي يرتكب مخالفة مع عقوبة الغرامة، وخصت التوبيخ فقط بالنسبة للحدث الذي لم يتجاوز سنه 13سنة.
كما جاءت المادة 462 من قانون الإجراءات الجزائية على التدابير الواجب تطبيقها في حالة إدانة الحدث وهي تقربياً نفسها التي ذكرت في المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية.
بالإضافة إلى الأمررقم 72/03 والمتعلق بحماية الطفولة والمراهقة والذي جاء بهذه التدابير الإصلاحية(1).
وبالاستناد إلى ما ذكرناه نتناول أنواع التدابير التي قررها المشرع الجزائري للأحداث الجانحين فيمايلي:
• أولاً: التوبيخ:
إن التوبيخ يتضمن توجيه اللوم إلى الحدث عن فعل أرتبكه في نطاق إرشادي وإصلاحي وبناء على ذلك فإن هذا التدبير يحتوي على توجيه للحدث وكشف عما ينطوي عليه عمله من خطورة يمكن أن تؤدي به إلى الإنزلاق في هوة الفساد والجريمة.
وبالتالي فإن إختيار العبارات والطريقة التي يتم بها التوبيخ متروك أمره للقاضي بهدف جعل تأثيره الإيجابي على الحدث ودون أن يكون له الإنعكاس السلبي على نفسيته، وغالبا ما يلجأ إليه القاضي إلى إنذار الحدث عن سلوكه السيء وخاصة في الجرائم البسيطة،كما أن التوبيخ يجب أن يصدر في الجلسة لكي يكون له التأثير المطلوب وهو الأمر الذي يستلزم حضور الحدث،وبالتالي لايتصور أن يكون هذا التدبير غيابياً.
التوبيخ تدبير أخذت به معظم التشريعات فقد ورد في القانون البلجيكي الصادر في 15 ماي 1912 بالنسبة للأحداث دون السادسة عشرة، وفي التشريع الدانماركي والإسباني والسويسري وغيرها من التشريعات الغربية والعربية كالمصري في تشريع سنة 1937.
وبالرجوع للتشريع الجزائري نجده أخذ بالتوبيخ كإجراء تقويمي ونص عليه في المادة 446 الفقرة الأولى والثانية من قانون الإجراءات الجزائية وجاء فيها:
« يحال الحدث الذي لم يبلغ الثامنة عشرة في قضايا المخالفات علىمحكمة المخالفات،وتنعقد هذه المحكمة بأوضاع العلانية المنصوص عليها في المادة 468، فإذا كانت المخالفة ثابتة جاز للمحكمة أن تقضي بمجرد التوبيخ البسيط للحدث وتقضي بعقوبة الغرامة المنصوص عليها قانونا.
غير أنه لايجوز في حق الحدث الذي لم يبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة سوى التوبيخ، وللمحكمة فضلاً على ذلك، إذا ما رأت في صالح الحدث إتخاذ تدبير مناسب أن ترسل الملف بعد نطقها بالحكم إلى قاضي الأحداث الذي له سلطة وضع الحدث تحت نظام الإفراج المراقب».
وقد جاء كذلك في نص المادة 51 من قانون العقوبات: «في مواد المخالفات يقضى على القاصر الذي يبلغ سنه من13إلى18 إما بالتوبيخ وإما بعقوبة الغرامة».
إن هذا التدبير تأخذ به غالبية التشريعات المعاصرة وخاصة في مجال المخالفات البسيطة والتي يرتكبها الأحداث والمشرع الجزائري لم يقتصر على تقرير التوبيخ كتدبير يواجه المخالفة،وإنما جعله التدبير الوحيد الجائز في المخالفات المرتكبة من قبل القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر وهو ما نصت عليه المادة 49 من قانون العقوبات كما يلي: « لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشرة إلا تدابير الحماية أو التربية.
ومع ذلك فإنه في مواد المخالفات لايكون محلا إلا للتوبيخ».
وهذه هي خطة المشرع الفرنسي حيث يقتصر مجال التوبيخ على المخالفات دون غيرها من الجرائم وأصبح هذا التدبير يمثل 40 % من مجموع التدابير التي يلجأ إليها القضاء الفرنسي بالنسبة للأحداث(1).
طبقا لنص المادة 462 من قانون الإجراءات الجزائية فإن الحدث الجانح الذي أثبتت المرافعات إدانته يجوز للقاضي توبيخه ثم تسلميه لوالديه أو إلى وصيه أو إلى الشخص الذي يتولى حضانته، أما إذا تعلق الأمر بحدث تخلى عنه ذويه،أو أنهم غير جديرين بتربيته فيسلمه القاضي إلى شخص جدير بالثقة.
والشخص الجدير بالثقة الذي تنص عليه المادة المذكورة أعلاه لايشترط أن يكون من أهل القاصر بل هو كل شخص يرى فيه القاضي أنه قادر على رعاية هذا الحدث وتربيته على أحسن وجه.
وتدبير التوبيخ مع التسليم يمكن أن يربطه القاضي بتدبير آخر كوضع الحدث تحت نظام الحرية المراقبة لمدة معينة(2).
أما فيما يخص كيفية إجراء التوبيخ ففي التشريع الفرنسي يتم التوبيخ في قاعة المداولات ويتم إستدعاء الأب والطفل ثم يوبخ هذا الأخير، ثم يفهم الوالد مامعناه التسليم للوالدين ثم يخرج من قاعة المداولات وينطق بالحكم، ولكن المشرع الجزائري نقل هذه الفكرة من التشريع الفرنسي ولكنه أخذ بجزء وترك الجزء الآخر والمتمثل في كيفية إجراءه (3) .
وأخيرا نستطيع أن نقول أن التوبيخ ماهو إلا تدبير إصلاحي لايهدف أبداً إلى إيلام الحدث الجانح بل حمايته ومحاولة إبعاده عن سبيل الإنحراف، لذا فالموبخ وهو القاضي يجب ألا يكون متسما بالعنف أوتكون عباراته قاسية فتترك أثاراً غائرة في نفسية الحدث فتؤدي إلى نتائج سلبية والغير المرجوة من عملية التقويم والإصلاح.(4)
• ثانيا: التسليم:
يعتبر التسليم تدبيرا إصلاحياً فهو يعني إخضاع الحدث لرقابة وإشراف شخص لديه ميل طبيعي أو مصلحة اتجاه تهذيب الحدث، وهدفه إبقاء الحدث المنحرف في محيط أسرته أو تحت رعاية إجتماعية وجعله في بيئة عائلية تكون موضع ثقة من الناحية التربوية .
ويبدو أن التسليم لأول وهلة غير مجد إزاء الحدث الجانح،ولكن هو التدبير الطبيعي والأكثر ملائمة في حالات كثيرة إذ يمنح للحدث فرصة إعادة تكيفه في ظروف طبيعية بعد ثبوت عدم تكيفه مع المجتمع وقد نصت عليه أغلب التشريعات المعاصرة ووضعت له أحكامه. (1)
ولقد نص عليه المشرع الجزائري في المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية.
أ- تسليم الحدث إلى والديه أو وصيه:
بالرجوع لنص المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية الفقرة الأولى نصت: « لا يجوز في مواد الجنايات والجنح أن يتخذ ضد الحدث الذي لم يبلغ الثامنة عشرة إلاتدبير أو أكثر من تدابير الحماية والتهذيب الآتي بيانها:
- تسليمه لوالديه أو لشخص جدير بالثقة».
ونجد أن المشرع قد رتب الأشخاص الذين يمكن أن يتسلموا الحدث،بحيث لايتم التسليم لأحدهم إلا عند عدم صلاحية المتقدمين عليه في هذا الترتيب ويتم التسليم إلى والدي الحدث، ثم إلى من له الولاية أو الوصاية عليه، ثم إلى شخص جدير بالثقة.
وحسب رأينا أن الهدف من هذا الترتيب هو أن الميل الطبيعي تجاه الحدث والحرص على مصلحته يتدرج لدى هؤلاء الأشخاص وفق الترتيب الذي حدده المشرع.
إن الوالدان مكلفان شرعا برعاية الحدث والسهر على تربيته وتقويم سلوكه وهذا لايعتبر غريباً عندما قرر المشرع هذا الإجراء كونه واجباً طبيعيا يقع على عاتق الوالدين فهم ملزمون على تسلم الحدث ورعايته(2).
وبالرجوع إلى الأمر رقم 72/03 والمتعلق بحماية الطفولة والمراهقة وبالضبط في المادة 10 منه الفقرة الثانية(3) نجده أنه قد نص على تسليم الحدث إلى أحد والديه إذا كان أحدهما متوفياً، أو إذا كان هناك طلاق بشرط أن يكون حق حضانته غير ساقط عمن سلم له الحدث ولكن التسليم في مثل هذه الحالة قد لايكون في مصلحة الحدث و قد يضره أكثر من أن ينفعه، و قد
تكون إقامة متسلم الحدث ليس نفس إقامة الحدث وبعيدا عنه أو كأن يكون أحد الوالدين متزوجا بزوج آخر فيرفضه ولهذا الغرض قرر المشرع تسليم الحدث إلى شخص يكون جديرا بالثقة.
ب- تسليم الحدث إلى شخص جدير بالثقة:
نص المشرع الجزائري في المادة 444 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية على تسليم الحدث لوالديه أو لوصية أو لشخص جدير بالثقة، كما نص على ذلك في المادة 10 من الأمر رقم 72/03 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة.
وقد نص المشرع على هذه الحالة في حالة عدم صلاحية الوالدين أو من له الولاية أو الوصاية على الحدث فإنه يسلم لشخص مؤتمن يتعهد بتربيته وحسن سيره أو إلى أسرة موثوق بها، وهذا يعتبر من المباديء الحديثة في معاملة الحدث المنحرف، رغم أن في الواقع من الصعب العثور على الشخص الذي يقبل الإلتزام بتربية الطفل الصغير ويرجع نجاح تطبيق هذا النص على مدى ما يظهره الأفراد من عطف على رعاية الصغار والإهتمام بتهذيبهم(1).
والمشرع الإنجليزي يأخذ بنظام الأسرة البديلة foster.home وذلك حين ترى المحكمة إبعاد الحدث عن بيئته لفترة مؤقتة فتحكم بإرساله إلى منزل صالح يتولى رعايته وذلك تحت المراقبة على أن يوافق الحدث على ذلك.
كذلك يجيز التشريع الإنجليزي تسليم الحدث إلى شخص مؤتمن fit person وقد يكون هذا الشخص قريياً أو صديقاً أو هيئة محلية .
ويقرر المشرع الفرنسي التسليم لشخص مؤتمن ضمن تدابير الحماية والتهذيب المقررة للأحداث.
ويجب أن يكون الشخص المستلم على درجة كافية من الثقة وحسن السلوك، ويتعهد طواعية برعاية الحدث ويظهر إستعداده لذلك، والقاضي يقرر وقت تسليم الحدث ولمن يسلمه وذلك بعد دراسة ثقته وجدارته، وقد حددت المادة 444 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات الجزائية السن القانونية التي يسقط فيها حق رعاية الحدث سواء من طرف الوالدين أوالغير وهو سن الرشد المدني والذي يقدر ب19 سنة حسب نص المادة 40 من القانون المدني الجزائري(2).
وبالرجوع لنص المادة 491 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تقرر أن الشخص موضع الثقة ملزم إلا بالرعاية وأسقط عنه حق النفقة والذي يعود إلى الوالدين أو إلى الأقربين.
وفي نفس السياق نصت المادة 15 من الأمر رقم 72/ 03 و التي تنص: « عندما يوضع القاصر بصفة مؤقتة أو نهائية لدى الغير أو بإحدى المؤسسات المنصوص عليها في المادة 11 من هذا الأمر يتعين على والدي القاصر الملزمين بواجب النفقة،أن يقدما مشاركتهما في ذلك مالم يثبتا فقر حالهما».
وبالتالي نستخلص أن كل أسرة لهاحدث تأويه مؤسسة عامة أو عائلة بديلة أن تتحمل نفقته ومصاريفه بعد تحديدها من طرف القاضي .
وهناك من يرى أن التسليم للوالدين أو ولي الأمر أولمن هو جدير بالثقة هو إجراء تقويمي موجه للوالدين أو لولي الأمر وهو بمثابة تنبيه لكي يقوموا بواجباتهم التربوية.
وهناك من يقول أن التسليم تدبيرا تقويميا لأنه يعني إخضاع الحدث لرقابة شخص لديه ميل طبيعي أو مصلحة أو إتجاه إلى تهذيب الحدث وبالتالي يفرض بعض القيود التي تساعده على تهذيبه وتربيته وهو في جوهره تدبير مقيد للحرية.
نحن نميل إلى الرأي الثاني بإعتباره أقرب إلى هدف المشرع بتقرير هذا التدبيروالذي يعتبر من أنجع الوسائل في محاولة إصلاح الحدث وتهذيبه(1).
وبالرجوع إلى قواعد الأمم المتحدة النموذجية لإدراة شؤون قضاء الأحداث والتوجيهات المقدمة في هذا الشأن والتي قضت القاعدة رقم 18 منها أنه:
« لايجوز عزل أي حدث عن الإشراف الأبوي سواء جزئيا أو كليا مالم تكن ظروفه الخاصة تستدعي ذلك فيمكن الأمر بالرعاية إلى إحدى الأسر الحاضنة أو إلى مركز للعيش الجماعي أو إلى مؤسسة تربوية».
وفي الأخير نقول أن التسليم يعتبر من أكثر التدابير نفعاً بالنسبة للحدث الجانح، فالأهل أو من لهم الولاية على الصغير أدرى الناس بحالته وبميوله وأكثرهم شفقة عليه ورغبة في إصلاحه وهم المطالبون شرعاً بتربيته والإهتمام به.
• ثالثا: الوضع تحت الإفراج المراقب:
طبقا لأحكام المادة 462 من قانون الإجراءات الجزائية يمكن للقاضي أن يأمر بوضع الحدث الجانح الذي ثبتت إدانته تحت نظام الحرية المراقبة إما بصفة مؤقتة تحت الإختبار أو أكثر تحدد مدتها وإما بصفة نهائية إلى أن يبلغ سنا لا يجوز أن تتعدى تسع عشرة سنة(2).
ويعتبر هذا التدبير قديم النشأة،بحيث نشأ في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1848 ثم توسع نطاقه فأخذ به المشرع الإنجليزي في قانونه سنة 1879، ويمكن القول أن القانون الفرنسي أخذ بهذا النظام بالنسبة إلى المجرمين الأحداث كتدبير مستقل في سنة 1912 بمقتضي إنشاء محاكم الأحداث تحت إسم الحرية المراقبة Liberté surveillée ،كما أخذت به التشريعات العربية مثل المصري، الأردني والكويتي .
ويقضي هذا النظام بإمكانية وضع الحدث "في حالة تسليمه إلى عائلته أو أي شخص آخر أومعهد خيري" تحت رقابة شخص تنتدبه المحكمة لذلك لكي يراقب أخلاقه وتعليمه ويقترح على المحكمة ما يراه ملائما للحدث.
ويجوز إصدار الأمر بوضع الحدث تحت المراقبةإما أثناء التحقيق أو أثناء مرحلة المحاكمةوقد جاء في نص المادة 469 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية: « غير أنه يجوز لقسم الأحداث بعد أن يبت صراحة في إدانة الحدث، وقبل أن يفصل في شأن العقوبات أو التدابير أن يأمر بوضع الحدث بصفة مؤقتة تحت نظام الإفراج مع المراقبة فترة تحدد مدتها».
وللمحكمة أن تصدر قرار جديدا ًبتعديل القرار الأول أوبإتخاذ أي إجراء آخر دون أن يتوقف ذلك على إرتكاب الحدث لجريمة أخرى.
ويجدر بنا القول أن تدبير الوضع تحت نظام الإفراج المراقب الذي تقرر بموجب التشريع الجزائري يعد تدبيرا تربوياً لأنه يضع الحدث في محيطه الطبيعي وهو أسرته فضلا عن توجيهه تربوياوإجتماعيا لإندماجه في المجتمع(1)،كما يهدف هذا النظام إلى إعادة تأهيل الحدث إنسانيا بفضل مراقبته والإشراف عليه.
بالنسبة للتشريع الجزائري فإن الوضع تحت نظام الحرية المراقبة يكون تحت إشراف مصلحة المراقبة و التربية في الوسط المفتوح، ويعتبر جهاز إداري معتمد للقيام بخدمات المراقبة الاجتماعية وهو ما نصت عليه المادة 19 الفقرة الأولى من الأمر رقم 75/64 المتضمن إحداث المؤسسات والمصالح المكلفة بحماية الطفولة والمراهقة(2) حيث جاء في نص المادة:
« تعد مصالح الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح مصالح تابعة للولاية، تأخذ على عاتقها الأحداث الموضوعين تحت نظام الحرية المراقبة، ويكون هؤلاء الأحداث من الشبان الجانحين أو الشبان ذوي الخطر الخلقي أو خطر الإندماج الاجتماعي».
ونظام الإفراج تحت المراقبة يباشره مندوبين دائمين ومندوبين متطوعين بأمر من قاضي الأحداث أوعند الإقتضاء من قاضي التحقيق المختص بشؤون الأحداث وهو مانصت عليه المادة 478 من قانون الإجراءات الجزائية وجاء فيها:« تتحقق مراقبة الأحداث الموضوعين في نظام الإفراج تحت المراقبة بدائرة كل قسم أحداث بأن يعهد إلى مندوب أوعدة مندوبين دائمين أو مندوبين متطوعين لمراقبة الأحداث.
ويعين مندوب بالنسبة لكل حدث إما بأمر من قاضي الأحداث أو عندالإقتضاء من قاضي التحقيق المختص بشؤون الأحداث وإما بالحكم الذي يفصل في موضوع القضية».
أما فيما يخص مهام المندوبين: فإنه لا يصلح أي شخص للقيام بالإشراف الإجتماعي في نظام الحرية المراقبة لأن هذا العمل له طابعه الخاص والمميز،فيجب أن يكسب هذا الموظف ثقة الحدث وثقة الوالدين أو الشخص أو المؤسسة التي عهد إليها، وهذا يتطلب معرفة خاصة بالشؤون النفسية والتربوية والإطلاع الواسع والشجاعة في أحيان أخرى ويقوم المندوب بالمهمة التي أسندت إليه بعد تقصي الحقائق عن سلوك الحدث وماضيه ووسطه العائلي وظروفه المادية والأخلاقية وأسباب إرتكابه الجريمة والنصائح التي يقدمها في هذا المجال أجدى كمرشد للقيام بهذه المهمة ويعمل هذا المندوب على إصلاح الحدث(1).
ويقدم هؤلاء المندوبين تقاريردورية كل ثلاثة أشهر عن حالة الحدث في جميع جوانبها والتحسن الذي طرأ عليه أو إذا ساء سلوكه وإن كانت هناك صعوبات في أداء مهمتهم وهو مانصت عليه المادة 479 من قانون الإجراءات الجزائية حيث جاء فيها:
« وتناط بالمندوبين مهمة مراقبة الظروف المادية والأدبية لحياة الحدث وصحته وتربيته وعمله وحسن إستخدامه لأوقات فراغه».
ويقدمون حسابا عن نتيجة أداء مهمتهم لقاضي الأحداث بتقاريركل ثلاثة أشهر وعليهم فضلاً عن ذلك موافاته بتقرير في الحال فيما إذا ساء سلوك الحدث أو تعرض لضررأدبي وعن الإيذاء الذي يقع عليه وعن التعرض المدبر الذي يعطلهم في القيام بأداء مهمتهم وبصفة عامة عن كل حادثة أوحالة تبدو لهم منها أنها تسوغ إجراء تعديل في تدابير إيداع الحدث أو حضانته.
وتناط بالمندوبين الدائمين تحت سلطة قاضي الأحداث مهمة إدارة و تنظيم عمل المندوبين المتطوعين كما أنهم يباشرون فضلا عن ذلك مراقبة الأحداث الذين عهد إليهم القاضي شخصيا برعايتهم».
وللمندوب أن يقترح على المحكمة اتخاذ التدابير التي يرى أنها مفيدة للحدث.
إن المشرع الجزائري لم ينص على نظام الإفراج المراقب إلا بعد نجاحه لكونه وليد التجربة التي مر بها، وأدخل هذا النظام في التشريعات المختلفة بعد أن رأت أن المعاملة العقابية داخل السجون تؤدي بالأحداث إلى الإنحراف والإجرام وأن علاج الحدث وسط بيئته الطبيعية يؤدي إلى علاجه وإصلاحه وإعادة إدماجه وسط مجتمعه.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية فإن الإحصائيات دلت أن مانسبته 80% إلى 90% من الحالات الموضوعية تحت هذا النظام أثبتت نجاحها.
• رابعاً: الوضع في المؤسسات ومراكز رعاية الطفولة:
يجمع الرأي الحديث لعلماء النفس والإجتماع على أن الحدث المنحرف يتأثر بالعادات والتقاليد التي تسود في الوسط الذي يعيش فيه وخاصة الأسرة، فوالديه هما اللذين إما أن يجعلانه صالحاً أو فاسداً،فإذا غابت الرقابة يؤدي ذلك إلى إفساد أخلاقه وبالتالي إلى الإجرام لذلك كان لابد من علاج خارج أسرته ووجدت مايسمى بالمؤسسات الإصلاحية يكون الهدف منها تنشئة الحدث نشأة صالحة وتعليمه العلوم أو صناعة ملائمة وبالتالي إبعاده عن الوسط الذي أدى إلى فساده (1).
إذا تبين لقاضي الأحداث أن الحدث الجانح بحاجة إلى رعاية خاصة يأمر بوضعه في المؤسسات والمراكزالتي عددتها المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية وهذه المؤسسات والمراكز:
1- منظمة أو مؤسسة عامة أوخاصة معدة للتهذيب أوالتكوين المهني مؤهلة لهذا الغرض .
2- مؤسسة طبية أوطبية تربوية مؤهلة لذلك .
3- مصلحة عمومية مكلفة بالمساعدة.
4- مدرسة داخلية صالحة لإيواء الأحداث المجرمين في سن الدراسة.
غير أنه يجوز أن يتخذ كذلك في شأن الحدث الذي يتجاوز عمره الثالثة عشر تدبير يرمي إلى وضعه في مؤسسة عامة للتهذيب تحت المراقبة أو للتربية الإصلاحية.
ما يجدر ملاحظته هو أن هذه المؤسسات والمصالح المذكورة في المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية أخذها المشرع الجزائري من التشريع الفرنسي وأعطاها نفس التسمية ولكن بالرجوع إلى الأمر رقم 75/64 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن إحداث المؤسسات والمصالح المكلفة بحماية الطفولة والمراهقة نجده عدد هذه المراكز والمصالح في المادة الثانية منه كمايلي:
1- المراكز التخصصية لإعادة التربية.
2- المراكز التخصصية للحماية.
3- مصالح الحماية والتربية في الوسط المفتوح.
4- المراكز المتعددة الخدمات لوقاية الشبيبة C.S.P .
ملاحظة: مراكز الحماية لاتستقبل إلا الأحداث الذين يقل سنهم عن 14سنة لأنهم بحاجة إلى الحماية، أما الذين سنهم أكثر من 14سنة يوضعون في المراكز التخصصية لإعادة التربية C.S.R (1).
القاضي عليه أن يعين في الحكم أو القرار إسم المركز الواجب وضع الحدث فيه ويجب أن يعينه بدقة، وحسب المنشور الوزاري رقم 09 والصادر بتاريخ 11/06/1974 والذي حدد مدة الوضع في المركز وجعلها لاتتعدى سنتين(2).
وطبقا لما تقدم فهذه المراكزوالمصالح التي يحكم القاضي بإيداع الحدث فيها تابعة لوزارة الحماية الإجتماعية ويعتبر هذا التدبير من أهم التدابير التي تتخذ بشأن الحدث المنحرف على أساس أنه يشتمل في جوهره على نظام تقويمي بعيداً عن المؤثرات الإجتماعية الضارة التي قد تحيط بالحدث حيث يتبع هذا الأخير برنامج يومي منظم يهذبه خلقيا، ويكونه في حرفة معينة وتعليمه بهدف تأهيله لحياة إجتماعية شريفة(3).
كما يلاحظ أن تدبير الإيداع في إحدى المراكز والمصالح الإجتماعية لايلجأ إليه القاضي إلا إذا لم تكن التدابير الأخرى كافية لإصلاح الحدث وتقويمه.
المطلب الثاني
العقوبات المقررة بشأن الحدث الجانح وطبيعتها
يرى عامة الفقهاء أن مرحلة البلوغ في الشريعة الإسلامية تبدأ ببلوغ الصبي سن الخامسة عشرة من عمره أو ببلوغه سن الثامنة عشر على رأي أبي حنيفة والمشهور من مذهب مالك وأساس اشتراط البلوغ لحمل المسؤولية الجنائية حديث الرسول(ص) قوله:
{ رفع القلم عن ثلاثة، الصبي حتى يحتلم، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق }.
وبالرجوع للتشريع الجزائري فيمكن إتخاذ إجراءات تربوية تجاه الجانحين تحت سن 13سنة، أو الذين هم في سن ما بين 13و18سنة وارتكبوا جرائم غير خطيرة، غير أن عقوبتي الغرامة والحبس لا تسلطان إلا اتجاه الأحداث الجانحين فوق سن 13سنة وهذا طبقا لنص المادتين 49و51 من قانون العقوبات الجزائري(1).
• أولا: فيما يخص توقيع العقوبات السالبة للحرية:
تنص المادة 50 من قانون العقوبات الجزائري: « إذا قضي بأن يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 لحكم جزائي فإن العقوبة التي تصدر عليه تكون كالآتي:
إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤبد فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة.
وإذا كانت العقوبة هي السجن أو الحبس المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغاً».
وإذا قرر قاضي الأحداث توقيع العقوبة على الحدث الجانح والذي يفوق سنه 13سنة يجب أن يسبب قراره وأن يكون ذلك ضروريا بسبب ظروف وشخصية الحدث الجانح وهو ما نصت عليه أحكام المادة 445 من قانون الإجراءات الجزائية(2).
إذن إذا قرر قاضي الأحداث معاقبة الحدث الجانح بعقوبة سالبة للحرية وجب عليه تطبيق أحكام المادة 50من قانون العقوبات، ولكن لا يمكن توقيع العقوبة الجزائية على كل الأحداث الجانحين بل يجب التمييز بين الأحداث البالغين من العمر أقل من 13سنة،وبين الأحداث البالغين من العمر من13إلى18سنة وقت إرتكابهم الجريمة.
أ- بالنسبة للأحداث الجانحين الذين لم يبلغوا سن 13سنة:
فطبقا لنص المادة 49 من قانون العقوبات فإن القاضي لايتخذ بشأنهم إلا تدابير الحماية أو التربية ولايجوز له أن يطبق عليهم عقوبات سالبة للحرية أو الغرامة، وحسب نص المادة 456 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية نص المشرع على أنه في مواد المخالفات يكون الحدث محلاً للتوبيخ ولايجوز له وضعه في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة.
ب- فيما يخص الأحداث الجانحين الذين يبلغ سنهم من13إلى18سنة:
وبالرجوع لنص المادتين 444 و445 من قانون الإجراءات الجزائية نص على أنه في مواد الجنايات والجنح يجب أن يتخذ ضد الحدث الذي لم يبلغ الثامنة عشر من عمره إلا تدبير اوأكثر من تدابيرالحماية والتهذيب والتي تم ذكرها مسبقا(1).
كما يجوز بالنسبة للأحداث البالغين من العمر أكثر من ثلاث عشرة سنة أن يستبدل القاضي أو يستكمل التدابير التي جاءت بها المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية بعقوبة الغرامة أو الحبس المنصوص عليها في المادة 50من قانون العقوبات وذلك حسب خطورة شخصية الجاني وظروف إرتكاب الجريمة.
حدود العقوبة المخففة في التشريع الجزائري:
قلنا فيما سبق أن المشرع الجزائري يجيز للقاضي إما تطبيق عقوبات مخففة أو إنزال التدابير التقويمية على الأحداث بين سن الثالثة عشر والثامنة عشر.
فالمشرع الجزائري أجاز توقيع العقوبة المخففة على الحدث في المرحلة من 13الى 18سنة وجعل التخفيف في العقوبة كمايلي:
إذاكانت جريمة الحدث جناية وكانت عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد فإنه يستبدل هذه العقوبات بعقوبة الحبس من عشرإلى عشرين سنة طبقا لنص المادة 50 الفقرة الثانية من قانون العقوبات.
إذا كانت العقوبة هي السجن أو الحبس المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا،فإذا كانت جريمة عقوبتها السجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة أومن خمس سنوات إلى عشرسنوات فإنه تستبدل بعقوبة الحبس الذي لايتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة التي كانت توقع على الحدث لو كان بالغاً طبقا لنص المادة 50 الفقرة الثالثة من قانون العقوبات.
أما في مواد المخالفات بالنسبة للقاصر الذي يبلغ سنه من 13إلى18 سنة فإن قاضي الأحداث يحكم إما بالتوبيخ وإما بعقوبة الغرامة وفقا لما نصت عليه المادة 51من قانون العقوبات الجزائري.
مايمكن إستخلاصه مما تقدم:
- أن عقوبة الإعدام والسجن المؤبد لاتطبق على الأحداث الجانحين .
- لايمكن أن تتخذ في حق الحدث الجانح العقوبات التبعية كالحرمان من الحقوق الوطنية
الواردة في نص المادتين 8و14من قانون العقوبات،أو العقوبات التكميلية الواردة في نص المادة 9 من نفس القانون كالمنع من الإقامة أو تحديدها والحرمان من مباشرة بعض حقوقه.
فيما يخص الغرامة:
لقد نص المشرع الجزائري عن الغرامة كعقوبة توقع على الحدث الجانح، وقد نصت المادة51 من قانون العقوبات أنه يحكم على القاصر الذي يتراوح سنه ما بين13و18سنة إذا أرتكب مخالفة إما بالتوبيخ وإما بعقوبة الغرامة .
كما نصت المادة445 من قانون لإجراءات الجزائية أنه يجوز للقاضي أن يحكم على الأحداث البالغين من العمر أكثر من ثلاث عشرة سنة أن يستبدل أو يستكمل التدابير المنصوص عليها في المادة 444من قانون الإجراءات الجزائية بعقوبة الغرامة .
وفي نفس السياق نصت المادة 446 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية:
« يحال الحدث الذي لم يبلغ الثامنة عشرة في قضايا المخالفات علىمحكمة المخالفات، وتنعقد هذه المحكمة بأوضاع العلانية المنصوص عليها في المادة 468، فإذا كانت المخالفة ثابتة جاز للمحكمة أن تقضي بمجرد التوبيخ البسيط للحدث و تقضي بعقوبة الغرامة المنصوص عليها قانونا».
ولكن يثور التساؤل هل تعتبر الغرامة المنصوص عليها عقوبة عن جريمة أم لا؟
يري غالبية من الفقهاء أن الغرامة المنصوص عليها تعتبر عقوبة جزائية كما يدل عليها ظاهر الحال ولكنها في الواقع ليست مقررة من أجل الفعل الذي أرتكبه الحدث ولكن تقوم قرينة على إهمال ولي أمره الذي ساهم في إستمرار الحدث في إنحرافه وعدم مراقبته مما أدى به إلى إرتكاب فعله.
عدم جواز تطبيق الإكراه البدني بشأن الأحداث:
وهومانصت عليه المادة 600 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية: أنه لايجوز الحكم بالإكراه البدني أوتطبيقه إذا كان عمر الفاعل يوم إرتكاب الجريمة يقل عن الثامنة عشرة سنة .
من الناحية العملية نلاحظ أن المسؤول المدني هو من يقوم بتسديد الغرامة المحكوم بها على الحدث لأن في غالب الأحيان الحدث لايملك أموال خاصة.
ولكن المشكل المطروح في حالة ما إذا حكم على الحدث بعقوبة الغرامة والمسؤول المدني يرفض تسديدها فعلى أي أساس يتم إلزامه بتسديد الغرامة، مع العلم بأن الغرامة هي عقوبة جزائية، وطبقا لمبدأ شخصية العقوبة فإنه لايتحملها المسؤول المدني وبالتالي فإن المشرع أغفل عن الإجابة عن هذا الإشكال ولكن من المستقر عليه قانونا أن الغرامة تعتبر حق من حقوق الخزينة العامة وطبقا للقواعد العامة فإنها تعتبر بذلك دين في ذمة المسؤول المدني ويتعين إلزامه بدفعها بجميع الطرق المخولة قانونا.
- العلة من تطبيق العقوبات المخففة في مرحلة الحداثة:
1- تدرج مسؤولية الحدث كلما أقترب من سن البلوغ.
2- قابلية الحدث للإصلاح والتهذيب.
3- عدم تحمل الحدث ألم العقوبة .
4- مسؤولية المجتمع عن إنحراف الأحداث(1).
-مسألة جواز الجمع بين التدبيروالعقوبة:
تقوم التدابير الإصلاحية في جوهرها على مد العون إلى الحدث الجانح لإصلاحه وتهذيبه أما العقوبة فتقوم أصلا على صفة الإيلام المقصود وأن وظيفة العقوبة هي وظيفة أخلاقية هدفها الردع أما التدابير وظيفتها إصلاح الحدث وتهذيبه.
فيما يخص المشرع الجزائري فقد نص في المادة 445 من قانون الإجراءات الجزائية أنه:
« يجوز لجهة الحكم بصفة إستثنائية بالنسبة للأحداث البالغين من العمر أكثر من ثلاث عشرة سنة أن تستبدل أوتستكمل التدابير المنصوص عليها في المادة444 بعقوبة الغرامة أوالحبس المنصوص عليها في المادة 50 من قانون العقوبات إذا ما رأت ذلك ضروريا نظرا لظروف أو لشخصية المجرم الحدث على أن يكون ذلك بقرار توضح فيه أسبابه خصيصا بشأن هذه النقطة».
وفي ظل قانون الأحداث الفرنسي فالجمع جائز بين التدابير والعقوبة، فضلا عن الحكم بعقوبة يجيز القانون الحكم بتدبيرالحرية المراقبة إلى أن يبلغ الحدث الحادية والعشرين من عمره(2)،فإذا حكم بالحرية المراقبة إلى جانب عقوبة الغرامة كان للمراقب أن يحصل دورياً مبالغ معينة من أجر الحدث أومصروفه الشخصي وإذا حكم بها مع عقوبة الحبس فإن المندوب أو المراقب يقوم بزيارة الحدث دائما في سبيل تهذبيه، وإذ انتهت مدة العقوبة يتابع المراقب مهمته إلى أن يبلغ الحدث الحادية والعشرون من عمره.
ولكن من الناحية العملية فإن القضاء الفرنسي لا يحكم بالجمع بين العقوبة والتدبير نادراً فحسب إحصائيات سنة1968 حكم بالجمع بين التدبيروالعقوبة على 2,110 من الأحداث بينما كان عدد المحكوم عليهم 12,022 حدثا. (3)
رغم أن المشرع الجزائري أجاز الجمع بين التدابير العقوبة،إلا أنه لايجوز الجمع بين تدابير التهذيب وعقوبتي الغرامة والحبس وهذا ما أستقرعليه إجتهاد المحكمة العلياحيث جاء في أحد قراراتها:
«إن الحدث الذي يبلغ من العمر 13إلى18سنة يخضع إما لتدابير الحماية أوالتهذيب المنصوص عليها في المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية وإما إلى عقوبات مخففة طبقا لنص المادة49 الفقرة الأخيرة من قانون العقوبات، غير أن المادة 445من قانون الإجراءات الجزائية تجيز لجهة الحكم بصفة إستثنائية في مواد الجنح والجنايات أن تستبدل أو تستكمل تدابيرالحماية أو التهذيب بعقوبة الغرامة أو الحبس إذا رأت ذلك ضروري نظرا لظروف الدعوى أولشخصية المجرم، أما الجمع بين تدابير الحماية أو التهذيب وعقوبتي الغرامة والحبس فالظاهر من النص أنه غير جائز لذلك تقررنقض قرار غرفة الأحداث القاضي على قاصر بالحبس لمدة ستة أشهر وبغرامة قدرها خمسمائة دينار وبوضعه تحت المراقبة بمصلحة الملاحظة والتربية لمدة ستة أشهر»(1).
- نقد خطة الجمع بين التدبير والعقوبة:
لقد ثبت أن مبدأ الجمع بين التدبيروالعقوبة يقوم على إزدواج في المعاملة، جزء تغلب فيه الخطيئة وجزء تغلب عليه الخطورة وهناك معاملة خاصة لكل منهما وهذا يعتبر إهدار لمبدأ وحدة الشخصية الإنسانية وبالتالي فإن خطة الجمع تتنافى مع تطبيق معاملة موحدة تهدف إلى تأهيل المحكوم عليه وكذلك مايثيره هذا المبدأ من صعوبات في التطبيق حول أولوية التنفيذ العقوبة أم التدبير.
والملاحظ أن الإتجاه الغالب في الفقه الجزائي يرفض مبدأ الجمع بين التدبير والعقوبة بالنسبة لشخص واحد،وهذا المبدأ قد رفض في المؤتمرات الدولية من بينها المؤتمر الدولي الجنائي والعقابي الذي عقد في لاهاي سنة 1953 الذي رفض الأخذ بهذا المبدأ بالنسبة للمعتادين على الإجرام،كذلك رفضه المؤتمر الأوروبي لمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين والذي أنعقد في جنيف سنة 1956،والحلقة العربية الثانية للقانون والعلوم السياسية المنعقدة في بغداد سنة 1969،وقد وردت في مؤتمرات لاهاي وروما توصيات بعدم إضافة التدبير إلى العقوبة بحيث لا يخضع المحكوم عليه بالتتابع لنوعين مختلفين من العلاج(2).
المبحث الثاني
المراكزالخاصة بالأحداث الجانحين
قلنا فيما سبق أن علاج الحدث الجانح وإصلاحه يكون إما بإبقائه في وسطه الطبيعي ويكون ذلك بمساعدته وتوجيهه أو إبعاده عن الوسط الذي يعيش فيه إذا رأى القاضي أن شخصيته وظروفه تستدعي ذلك لأنه قد تكون ظروف الحدث البيئية غير مناسبة لإصلاحه وتهذيبه فيقوم القاضي بإبعاده عنها ووضعه في مؤسسة متخصصة تتمتع بمزايا الأسرة الكبيرة.
ومما لاشك فيه أن الوضع في مؤسسات مخصصة للأحداث من أقدم الأساليب التي طبقت على الأحداث لأن لها إتجاه تربوي تقويمي ويهدف إلى إصلاح الأحداث الجانحين وتأهيلهم من الناحية الإجتماعية، وتقويمهم من الناحية الشخصية، فسارالإتجاه قديما إلى إستخدام هذه المؤسسات الإصلاحية لحماية المجتمع وذلك بحبس المذنبين فيها، أما الإتجاه الحديث فهدف وضع هذه المؤسسات هو تأهيل الجانحين وحمايتهم وتعليمهم(1) .
وكانت أول مؤسسة أنشئت لرعاية الأحداث في روما سنة 1703 وقد أسسها البابا "كليمنت الحادي عشر" وأطلق عليها مضيفة سان ميشيل، وكان هدفها إصلاح الأحداث المنحرفين وذلك عن طريق تعليمهم الحرف والنظام وإسماعهم التراتيل الدينية والمواعظ(2).
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد أنشئت أول مؤسسة إصلاحية خاصة بالصغار في ولاية نيويورك سنة1925 وعرفت بإسم بيت الملجأ، ولكن رغم ماحققته هذه المؤسسات الإصلاحية من حيث تصنيف المجرمين وتفريد العقاب فإن طابع الردع والتأنيب كان غالباً على طابع التهذيب والإصلاح وهذا ما أثار حملة على هذه المؤسسات مما أدى بها إلى التطور بإتجاه الغاية التي أنشئت من أجلها، فأصبح الحدث يتمتع بنوع من الإطمئنان والإستقرار والثقة بنفسه وبمن حوله.
أما في التشريع الجزائري فعرف فكرة الوضع في المؤسسات الإصلاحية كوسيلة لضمان العلاج بموجب الأمر رقم 75/64 المؤرخ في 26/09/1975 المتضمن إحداث المؤسسات والمصالح المكلفة بحماية الطفولة والمراهقة ويتضمن المراكزالمتخصصة لإعادة التربية.
و لدينا كذلك القانون رقم 05/04 و المؤرخ في 06 فبراير سنة 2005 و المتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين.
المطلب الأول
المراكز المتخصصة بإعادة التربية
يعود أصل هذه المؤسسات إلى عهد الإستعمار الفرنسي حيث كانت في باديء الأمر تابعة لوزارة العدل، وبموجب اتفاقية عقدت بين وزارة الشبيبة والرياضة آنذاك وزارة الحماية الاجتماعية حالياً ووزارة العدل أصبحت تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية.
تعد المراكز التخصصية لإعادة التربية، مؤسسات داخلية مخصصة لإيواء الأحداث الذين لم يكملوا سن 18سنة من عمرهم بقصد إعادة تربيتهم والذين كانوا موضوع أحد التدابيرالمنصوص عليها في المادة 444 من الأمر رقم 66/155المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق ل:8 يونيو1966 والمعدل والمتمم والمتضمن قانون الإجراءات الجزائية.
كما أن هذه المراكز لاتقبل الأحداث المتخلفين بدنيا أو عقلياً.
وتعد المراكز المختصة بإعادة التربية مؤسسة عمومية ذات طابع إداري وشخصية معنوية متمتعة بإستقلال مالي حيث تخضع في قيامها بمهامها لأحكام الأمر 75/64 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 والمتضمن إحداث المؤسسات والمصالح المكلفة بحماية الطفولة وذلك بالتعاون القائم بين وزارة الحماية الإجتماعية ولجنة العمل التربوي المنصوص عليها في المادتين17,16 من الأمر رقم 72/03المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة.
وتقوم لجنة العمل التربوي بدراسة تطورات كل حدث موضوع بالمؤسسة وإقتراح ما يجب اقتراحه من التدابير التي تخدم مصلحة الحدث الجانح.
تحتوي المراكز المختصة بإعادة التربية على ثلاث مصالح:
1- مصلحة الملاحظة.
2- مصلحة إعادة التربية.
3- مصلحة العلاج البعدي.
• أولا: مصلحة الملاحظة: تقوم هذه المصلحة بمراقبة ومتابعة الحدث ودراسة شخصيته وتجرى عليه الفحوص الطبية والعقلية والنفسية لأن المركز لا يقبل كل حدث متخلف ويعاني قصورا من الناحية البدنية والعقلية وهو ما جاءت به المادة 8 الفقرة الثانية من الأمر 75/64.
كما تقوم هذه المصلحة بمباشرة التحقيقات على سلوك الحدث وتطور شخصيته من أجل إختيار التدابير المثلى في تربيته وإصلاحه.
كما أن مدة بقاء الحدث في مصلحة الملاحظة لايجب أن تقل عن 03 أشهر ولا تتجاوز 06أشهر وبعد إنتهاء المدة التي يقضيها الحدث في هذه المصلحة يتم تحرير تقرير يتضمن حالة الحدث وتطور سلوكه يرسل لقاضي الأحداث المختص وكذلك إبداء الملاحظات وإقتراح التدبير النهائي الذي يتلائم وشخصية الحدث.
• ثانيا: مصلحة إعادة التربية: تقوم هذه المصلحة بإعداد الحدث إعداداً تربويا وتكوينياً، وهذا عن طريق الدراسة والتعليم، وإن لم يتسنى ذلك يوجه إلى التمهين بما يتناسب وشخصيته،إضافة إلى التنمية الفكرية والرعاية الأخلاقية، وتعمل المراكزعلى خلق الجو الملائم لذلك عن طريق وضع الآليات والوسائل الضرورية لذلك مثل وضع مكتبة تقدم فيها حصص إجبارية بصفة دورية وتخصيص معلمين ومكونين لتقديم الدروس لهم بالإضافة إلى تحفيزهم على ممارسة الرياضة المتنوعة وذلك طبقا للبرامج الرسمية المعدة من وزارة الحماية الإجتماعية وهذا كله بغرض إعادة دمج الحدث إجتماعياً وهو ما جاء في المادة 11من الأمر رقم 75/64.
كما تحرر تقارير سداسية عن تطور حالة الحدث وسلوكه وترسل إلى قاضي الأحداث المختص.
• ثالثا: مصلحة العلاج البعدي: تقوم هذه المصلحة بمهمة ترتيبهم الخارجي في إنتظار ماهية ونوع التدبير النهائي المتخذ شأنهم، وهذه المصلحة مكلفة بإعادة إدماج الأحداث إجتماعيا طبقا لنص المادة 12 من الأمر رقم 75/64.
وعلى مدير مؤسسة إعادة التربية أن يرفع إلى قاضي الأحداث المختص تقريراً سداسياً يتضمن تطور حالة كل حدث موضوع بالمؤسسة وهو ما جاء في نص المادة 29من الأمر رقم 75/64.
المطلب الثاني
مراكز إعادة تربية وإدماج الأحداث والأجنحة المخصصة للأحداث بالمؤسسات العـقابية
هي مؤسسات تابعة لوزارة العدل وحددت في القانون رقم 05-04 المتضمن قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، وقد خصصت هذه المراكز لاستقبال الأحداث المتهمين المحبوسين مؤقتا أو الأحداث المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية والذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة سنة.
وقد جاء في الجزء الثاني من المادة 28 من قانون 05-04: «تصنف مؤسسات البيئة المغلقة إلى مؤسسات، ومراكز متخصصة:
- مراكز متخصصة للأحداث، مخصصة لاستقبال الأحداث الذين تقل أعمارهم عن ثماني عشرة (18) سنة، المحبوسين مؤقتا، والمحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية مهما تكن مدتها».
وجاء كذلك في نص المادة 29 من نفس القانون:
« تخصص بمؤسسات الوقاية ومؤسسات إعادة التربية عند اللزوم، أجنحة منفصلة، لاستقبال المحبوسين مؤقتا من الأحداث والنساء، والمحكوم عليهم نهائيا، بعقوبة سالبة للحرية مهما تكن مدتها».
كما يطبق على الأحداث النظام الجماعي، ولا يعزل الحدث عن غيره إلا لأسباب صحية.
ويعامل الأحداث خلال تواجدهم بالمركز أو بالجناح المخصص لهم بالمؤسسات العقابية معاملة خاصة تراعى فيها مقتضيات سنه وشخصيته بما يحقق له رعاية كاملة ويصون كرامته وفي سبيل ذلك يستفيد الحدث المحبوس من:
-وجبة غذائية متوازنة وكافية لنموه الجسدي والعقلي.
- لباس مناسب.
-رعاية صحية وفحوص طبية مستمرة.
-فسحة في الهواء الطلق يوميا.
-محادثة زائريه مباشرة من دون فاصل.
-استعمال وسائل الاتصال عن بعد، تحت رقابة الإدارة. ( )
وفي حالة ما إذا خالف الحدث الأنظمة المتعلقة بالمركز أو الجناح المخصص للأحداث بالمؤسسة العقابية فإنه يقرر بحقه أحد التدابير التأديبية الآتية:
1-الإنذار.
2-التوبيخ.
3-الحرمان المؤقت من بعض النشاطات الترفيهية.
4-المنع المؤقت من التصرف في مكسبه المالي.
ولكن فيما يخص التدبيرين الثالث والرابع لا يوقعان على الحدث إلا بعد أخذ رأي لجنة التأديب، وفي كل الحالات يجب على المدير إخطار لجنة إعادة التربية بكل التدابير المتخذة ضد الحدث المحبوس.
فيما يخص لجنة التأديب فإنها تحدث على مستوى كل مركز لإعادة التربية وإدماج الأحداث وفي كل جناح للأحداث بالمؤسسات العقابية، ويرأس اللجنة مدير المركز أو المؤسسة، حسب الحالة وتتشكل من عضوية:
-رئيس مصلحة الاحتباس.
-مختص في علم النفس.
-مساعدة اجتماعية.
-مرب.
وفي حالة ما إذا أصيب الحدث المحبوس بمرض أو تم وضعه في المستشفى أو في حالة هروبه أو وفاته، فيجب على مدير مركز إعادة وإدماج الأحداث أو مدير المؤسسة العقابية أن يخطر فورا قاضي الأحداث المختص أو رئيس لجنة إعادة التربية ووالدي الحدث، أو وليه عند الاقتضاء.
ومراعاة لمصلحة الحدث أسندت مهمة إدارة مركز إعادة تربية وإدماج الأحداث إلى مدير يختار من بين الموظفين المؤهلين الذين يولون اهتماما خاصا لشؤون الأحداث الجانحين.
وفيما يخص لجنة إعادة التربية فإنه تنشأ لدى كل مركز لإعادة التربية وإدماج الأحداث والمؤسسات العقابية والمتواجد بها جناح خاص بالأحداث لجنة لإعادة التربية وتتكون هذه اللجنة من:
1-قاضي الأحداث رئيسا.
2-مدير مركز إعادة التربية وإدماج الأحداث، أو مدير المؤسسة العقابية.
3-الطبيب.
4-المختص في علم النفس.
5-المربي.
6-ممثل الوالي.
7-رئيس المجلس الشعبي البلدي أو ممثله.
كما يمكن للجنة إعادة التربية أن تستعين بأي شخص من شأنه أن يفيدها في أداء مهامها.
وتختص لجنة إعادة التربية بإعداد برامج التعليم وفقا للبرامج الوطنية المعتمدة، كما تقوم بدراسة واقتراح التدابير الرامية إلى تكييف وتفريد العقوبة مع تقييم تنفيذ تطبيق برامج إعادة التربية وإعادة الإدماج الاجتماعي.
أما فيما يخص تعيين رئيس لجنة إعادة التربية فإنه يعين بقرار من وزير العدل لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، بناء على اقتراح من رئيس المجلس القضائي المختص.
ويمكن الإفراج عن الأحداث الجانحين قبل إتمام عقوباتهم طبقا لنظام يدعى في الجزائر وفرنسا الإفراج المشروط Libération conditionnelle والذي يشبه the parole system في إنجلترا. (1)
ففي الجزائر وبالرجوع لنص المادة 134 من القانون رقم 05-04 السالف الذكر فإنه يمكن للمحبوس الذي قضى فترة اختبار من مدة العقوبة المحكوم بها أن يستفيد من الإفراج المشروط إذا كان يمتاز بسيرة حسنة، وتحدد فترة الاختبار بالنسبة للمحبوس المبتدئ بنصف (1/2) العقوبة المحكوم بها عليه، أما بالنسبة لمعتاد الإجرام فإنها تحدد بثلثي (2/3) العقوبة المحكوم بها عليه على ألا تقل عن سنة واحدة.
يقدم طلب الإفراج المشروط من المحبوس شخصيا أو ممثله القانوني أو من طرف قاضي تطبيق العقوبات في شكل اقتراح أو من مدير المؤسسة العقابية.
يجب أن يتضمن ملف الإفراج المشروط تقريرا مسببا لمدير المؤسسة العقابية، أو مدير مركز إعادة التربية وإدماج الأحداث، حول سيرة وسلوك الحدث المحبوس وإمكانية استقامته.
كما يجب أن تحتوي تشكيلة لجنة تطبيق العقوبات عند بثها في طلب الإفراج المشروط لمحبوس حدث عضوية قاضي الأحداث وذلك بصفته رئيس لجنة إعادة التربية وكذلك مدير مركز إعادة التربية وإدماج الأحداث.
والإخلال بشروط الإفراج المشروط يترتب عنه إلغاء الإفراج واستدعاء الجانح لقضاء الجزء المتبقي من العقوبة.
ملاحظة: إن القانون رقم 05/04 المتضمن تنظيم السجون و إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين ألغى بموجب المادة 172 منه الأمر رقم 72/02 المؤرخ في 10 فبراير 1972 و المتضمن تنظيم السجون و إعادة تربية المساجين و الذي جاء بمراكز إعادة تأهيل الأحداث، وكان يوجد أربعة مراكز على المستوى الوطني و هي:
1- مركز إعادة تـأهيل الأحداث ذكور يوجد بحي المنظر الجميل بسطيف.
2- مركز إعادة تأهيل الأحداث ذكور بتيجلابين ببومرداس.
3- مركز إعادة تأهيل الأحداث ذكور بقديل وهران.
4- مركز إعادة تأهيل الأحداث بنات الموجود بشاطوناف الجزائر العاصمة، إلا أنه لا يوجد حاليا فهن يوضعن في جناح خاص بالبنات في المؤسسات العقابية.
و نلاحظ أن هذه المراكز مازالت موجودة إلا أن تسميتها تغيرت بموجب القانون رقم 05/04 و أصبحت مراكز إعادة تربية و إدماج الأحداث.
المبحث الثالث
دور قاضي الأحداث في متابعة تنفيذ الحكم.
إن قاضي الأحداث هو قاض مختار من بين القضاة لكفائته وإهتمامه بشؤون الأحداث، وقد يكون من بين قضاة التحقيق ويكلف خصيصا بقضايا الأحداث ويختار هذا القاضي لدرايته بشؤون الأحداث ويظهر إهتمامه أو ميوله لهذا النوع من القضايا لأنه مختص بفئة من المجتمع والتي تعتبر فئة حساسة جداً.
إن مهمة قاضي الأحداث لاتنتهي بمجرد النطق بالحكم وإنما يبقى مختص في مرحلة تنفيذه.
لقد خول المشرع الجزائري قاضي الأحداث سلطات واسعة في الإشراف على تنفيذ الحكم،كما خول له صلاحية تعديله إذا رأى ذلك ضرورياً حسب تطور ظروف وشخصية الحدث، فإذا حكم مثلا بإحدى التدابير المنصوص عليها في المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية فإنه يختص بتطبيقها ومراجعتها وفق لنص المادة 482 من قانون الإجراءات الجزائية.
إن هذه الأحكام تبين لنا أن المشرع اتبع سياسة جزائية من خلال النصوص التي خصها لفئة الأحداث والتي تستهدف بصورة أساسية إصلاح الحدث الجانح وأن التدابير والعقوبات تفرض وفقا لحالته الفردية ولضرورة إصلاحه.
المطلب الأول
سلطة قاضي الأحداث في تعديل الحكم
تعتبر التدابير التي تقرر في حق الحدث الجانح تدابير تربوية تهدف إلى إعادة تأهيل الحدث إنسانيا ويتحقق ذلك بوسيلة المراقبة والإشراف ومتابعة الحدث خلال مراحل تنفيذالتدابيروذلك من أجل مراجعتها حسب تطور حالة وشخصية الحدث وإتخاذ التدابير التي تتناسب مع حالته.
ونلاحظ أن معظم التشريعات سواء الغربية منها أو العربية ومن بينها التشريع الجزائري قد أعطت قاضي الأحداث سلطة مراجعة التدابير الخاصة بالحدث الجانح.
كما نجد ذلك على الصعيد الدولي بالرجوع إلى ماجاء بنص المادة 23 الفقرة الثانية من قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث في العالم نجدها تنص:
« تشمل هذه التدابير سلطة تعديل الأوامر حسبما تراه السلطة المختصة مناسبا من وقت إلى آخر شريطة أن يقرر هذا التعديل وفقا للمبادئ الواردة في هذه القواعد».
إن هدف اتخاذ التدابير هو إصلاح الحدث وتختلف باختلاف ظروف وحالة الحدث وشخصيته وطبيعة الفعل المرتكب، فقد يتخذ قاضي الأحداث تدبيرا معينا قد لايكون مناسباً مع شخصية الحدث، أو يرى أن بقائه في المؤسسة أصبح غير ضروري فيقوم بتغييره فيفرض تدبيرا آخر يتناسب ومصلحة الحدث.
إن المشرع الجزائري أعطى لقاضي الأحداث سلطة إعادة النظر بالتعديل والمراجعة في الأحكام واستبدالها إذا تبين له أنها لا تتناسب مع ظروف الحدث.
وبالرجوع إلى نص المادة 482 من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص:
«أيا ما تكون الجهة القضائية التي أمرت بإتخاذ التدابير المنصوص عليها في المادة 444 فإن هذه التدابيريجوز لقاضي الأحداث تعديلها أو مراجعتها في كل وقت إما بناء على طلب النيابة العامة أو على تقرير المندوب المعين في الإفراج تحت المراقبة وإما من تلقاء نفسه.
غير أنه يتعين على هذا القاضي أن يرفع الأمر لقسم الأحداث إذا كان ثمة محل لإتخاذ تدبير من تدابير الإيداع المنصوص عليها في المادة 444 في شأن الحدث الذي ترك أو سلم لحراسة والديه أووصيه أو شخص جدير بالثقة».
ما يجدر بنا إستخلاصه من المادة 482 من قانون الإجراءات الجزائية :
- الأحكام المتعلقة بالعقوبة الجزائية لا يجوز لقاضي الأحداث مراجعتها أو تعديلها، وإنما يقتصر الأمر على تعديل أو مراجعة تدابير الحماية والتهذيب المنصوص عليها في المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية.
- يجوز لقاضي الأحداث تعديل أو مراجعة التدابير المتخذة بشأن الحدث في كل وقت إما بناء على طلب:
- النيابة العامة
- تقرير المندوب المعين في الإفراج تحت المراقبة.
.- القاضي من تلقاء نفسه.
فإذا تبين للقاضي تغيير تدبير التسليم وذلك بوضع الحدث في المركز فإنه يتعين على القاضي أن يعرض هذا الإجراء والمتعلق بالمراجعة على محكمة الأحداث من أجل البت فيه بتشكيلة كاملة.
وفي هذا السياق نصت المادة 08 من الأمر رقم 72/03 المؤرخ في 10فبراير 1972 المتضمن حماية الطفولة والمراهقة:
« يجوز لقاضي الأحداث في كل حين أن يأمر بتعديل التدابيرالمؤقتة التي أمر بها أو العدول عنها، بناء على طلب القاصر أو والديه أو ولي أمره أو وكيل الجمهورية.
وعندما لايـبت قاضي الأحداث بصفة تلقائية في هذه التدابير وجب عليه ذلك، في مدة لاتتجاوز الشهر الذي يلي الطلب».
ونصت المادة 13من الأمر 72/03 أنه:
« يجوز في كل حين لقاضي الأحداث الذي نظر في القضية أولا أن يعدل حكمه، وهو يختص تلقائيا بذلك، أو ينظر في القضية بناءا على طلب القاصر أو والديه أو ولي أمره.
فإذا لم ينظر في القضية تلقائيا، وجب ذلك خلال الثلاثة (03) أشهر التي تلي إيداع الطلب.
و لا يجوز للقاضي أو والده أو والدته أو ولي أمره أن يقدموا غير عريضة واحدة في العام طلب تعديل الحكم».
إن المادة 483 من قانون الإجراءات الجزائية أجازت في حالة وضع الحدث خارج أسرته بشرط مرور سنة على الأقل على تنفيذ الحكم لوالديه أو لوصيه تقديم طلب تسليمه وإرجاعه إلى حضانتهم لكن بعد إثبات إستعدادهم وأهليتهم لتربية الطفل والعمل على تحسين سلوكه وذلك بعد أن تبدي لجنة العمل التربوي رأيها بالموافقة، كما يجوز للحدث نفسه أن يطلب رده إلى رعاية عائلته بعد إثبات تحسين سلوكه وبعد موافقة لجنة العمل التربوي.
وفي نفس السياق نصت المادة 16من الأمر رقم 72/03 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة على:
« تنشأ لدى كل مركز إختصاصي ودار للإيواء لجنة عمل تربوي تكلف بالسهر على تطبيق برامج معاملة القصر وتربيتهم، ويجوز لهذه اللجنة المكلفة كذلك بدراسة تطوركل قاصر موضوع في المؤسسة أن تقترح في كل حين على قاضي الأحداث إعادة النظر في التدابير التي سبق له أن اتخذها».
وفي حالة عدم إستجابة القاضي للطلب المقدم لايمكن تجديده من طرف الأولياء أو الحدث نفسه إلا بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ رفض الطلب.
أما المشرع الفرنسي فقرر عدم تحديد مدة التدبير ويجوز تعديل هذا الأخير وجميع الوسائل التهذيبية في أي وقت إذا كان ذلك أصلح للحدث وهذا ما نصت عليه المادة 27 من قانون الأحداث الفرنسي الصادر في 02 فبراير 1945 وكذلك المادة 375 الفقرة الثانية من القانون المدني الفرنسي ويتم تقديم طلب من السلطة المختصة أو من قبل الحدث نفسه، أو من والديه أو وصيه أو الشخص المؤتمن أو من متولي رعايته،كما يمكن تقديم طلب التعديل من موظف الحرية المراقبة و للمحكمة المختصة بشؤون الأحداث تعديل هذا الإجراء بناء على التقارير المقدمة إليها عن حالة الحدث(1).
فيما يخص المسائل العارضة:
المسائل العارضة هي عبارة عن ظروف جديدة تطرأ أثناء تنفيذ التدابير المتخذة بشأن الحدث الجانح من طرف قاضي الأحداث هذه الظروف تجيز لقاضي الأحداث مراجعة وتعديل التدبير المتخذ من طرفه وفقا والتغيرات التي طرأت، مثل أن يوضع الحدث في مركز الحماية وأثناء تواجده به يظهر أوليائه ويظهرون إستعدادهم بالتكفل به(2).
وبالرجوع لنص المادة 485 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص على الإختصاص بالنظر في المسائل العارضة حيث جاء فيها:
« يكون مختصا إقليميا بالفصل في جميع المسائل العارضة ودعاوى تغيير التدابير في مادة الإفراج تحت المراقبة والإيداع والحضانة.
1- قاضي الأحداث أو قسم الأحداث الذي سبق أن فصلا أصلا في النزاع.
2- قاضي الأحداث أوقسم الأحداث الذي يقع بدائرته موطن والدي الحدث أو موطن الشخص صاحب العمل أو المؤسسة أو المنظمة التي سلم الحدث إليها بأمر من القضاء وكذلك إلى قاضي الأحداث أو قسم الأحداث المكان الذي يوجد به الحدث فعلا مودعا أو محبوسا وذلك بتفويض من قاضي الأحداث أو قسم الأحداث الذي فصل أصلا في النزاع.
إلا أنه فيما يتعلق بالجنايات فإن قسم الأحداث المختص بمقر المجلس القضائي لايجوز له أن يفوض اختصاصه إلا لقسم مختص بمقر مجلس قضائي آخر.
فإذا كانت قضية تقتضي السرعة جاز لقاضي الأحداث الموجود في المكان الذي يوجد به الحدث مودعا أو محبوسا أن يأمر بإتخاذ التدابير المؤقتة».
إذا تبين لقاضي الأحداث سوء سيرة الحدث وأنه لا يوجد فائدة من التدابير التي أتخذها في حقه والتي جاءت في نص المادة 444 من قانون الإجراءات الجزائية يتخذ تدبيرا آخر يتناسب مع حالته وشخصيته والذي هو في مصلحته، وهذا ما جاء به نص المادة 486 من قانون الإجراءات الجزائية وقد نصت:
«كل شخص تترواح سنه بين السادسة عشرة والثامنةعشرة اتخذ في حقه أحد التدابير المقررة في المادة444 إذا تبين سوء سيرته ومداومته على عدم المحافظة على النظام وخطورة سلوكه الواضحة وتبين عدم وجود فائدة من التدابير المذكورة سابقا يمكن أن يودع بقرار مسبب من قسم الأحداث بمؤسسة عقابية إلى أن يبلغ من العمر سنا لاتتجاوز التاسعة عشرة سنة».
ما نستخلصه من المادة 486من قانون الإجراءات الجزائية هو أنه رغم أن الأصل هو توقيع التدابير التهذيبية على الحدث الجانح، إلا ان المشرع خول لقاضي الأحداث أن يقضي بالعقوبة السالبة للحرية إذا تبين له أن شخصية الجاني وحالته تتطلب وضعه في مؤسسة عقابية،وتكون هذه الحالات إستثنائية جداًوضمن شروط حددتها المادة السالفة الذكر من بينها:
- أن يترواح سن الحدث بين 16 و18سنة.
- أن يكون قد أتخذ قاضي الأحداث بشأن الحدث الجانح أحد التدابير المنصوص عليها في المادة 444من قانون الإجراءات الجزائية.
- إذا تبين سوء سيرة الحدث وخطورة سلوكه.
إن الأحكام التي جاءت بها المادة 486من قانون الإجراءات الجزائية خطيرة وتتنافي مع مصلحة الحدث ومع المنهج الإصلاحي الذي أتخذه المشرع فكيف يمكن أن يقوم قاضي الأحداث بإيداع الحدث الذي لم يبلغ بعد سن الرشد الجزائي والذي يترواح سنه مابين 16و18سنة في مؤسسة عقابية، ويجب على المشرع أن يتخذ الأسلوب الأنجع في معاملة الأحداث و أن يقوم على أساس دراسة حالة القاصر المذنب بإعتباره شخصا محتاجاً إلى العون والتشجيع والتوجيه لا مجرماً يستحق العقاب، وهذا الأخيرعائقاً يقف أمام إصلاح الحدث وتقويمه.
كذلك ورد في المادة 487 من قانون الإجراءات الجزائية أنه:
« يجوز لقاضي الأحداث عند الإقتضاء أن يأمر إذا ما طرأت مسألة عارضة أو دعوى متعلقة بتغيير نظام الإيداع أو الحضانة بإتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان وجود شخص الحدث تحت سلطته وله أن يأمر بمقتضى قرار مسبب بنقل الحدث الذي يتجاوز عمره الثالثة عشرة إلى أحد السجون وحبسه فيه مؤقتا طبقا للأوضاع المقررة في المادة 456.
ويجب مثول الحدث في أقرب مهلة أمام قاضي الأحداث أوقسم الأحداث».
إن المادة 487من قانون الإجراءات الجزائية مادة خطيرة جداً، هذه المادة لم توضح إذا كان الحدث في حالة خطر معنوي أو مرتكب لجريمة وفتحت المجال لقاضي الأحداث بالتدخل عندما يتعلق الأمر بتغيير نظام الحضانة مثلاً: حدث أمام قاضي الأحداث هرب من أمه والقضية أمام قاضي الأحوال الشخصية لتغيير الحضانة للأب، قاضي الأحداث يعلم بالقضية ويقول له الحدث لاأريد الرجوع لأبي وإلا سأهرب أو أقتل نفسي في هذه الحالة القانون سمح لقاضي الأحداث أن يقوم بالإجراءات التي تسمح بأن يبقى الحدث تحت سلطته بقرار مسبب ويضعه في الحبس إلى غاية صدور الحكم النهائي للقاضي الذي يفصل في الحضانة، يقوم قاضي الأحداث بإخراج الحدث وتسليمه للمسؤول عنه.
نلاحظ أن المشرع في هذه المادة ترك كل التدابير المقررة للأحداث وطبق عليه إجراء الحبس المؤقت رغم أن الحدث لم يرتكب جريمة وسمح بوضعهم في مؤسسة عقابية.
مسألة الحضانة ليس لها علاقة بإرتكاب الجريمة بل يمكن للقاضي أن يضعه بصفة مؤقتة بمركز وليس بمؤسسة عقابية والمادة 123من قانون الإجراءات الجزائية أوسع بكثير فلا يوضع شخص في مؤسسة عقابية إلا بعد إستيفاء جميع الإجراءات الأخرى، وأن الحبس المؤقت إجراء إستثنائي فرفض الحدث الرجوع لأحد والديه لايعتبر جريمة يعاقب عليها القانون كما أنه غير معقول وضعه في مؤسسة عقابية.
ليس من الممكن تطبيق هذه المادة وإنما يجب تغيير تدبير بتدبير آخر وليس بوضعه في الحبس لمدة معينة ومهما كانت الظروف الحدث لايدخل للمؤسسة العقابية إلا إذا أرتكب جريمة يجب أن يتعلق بالفعل الذي قام به ويجب أن يكون آخر إجراء يفكر فيه القاضي.(1)
المطلب الثاني
سلطة قاضي الأحداث في الإشراف على تنفيذ الحكم ومراقبة الحدث
إن عمل قاضي الأحداث لاينتهي بمجرد إتخاذه التدبير الملائم في حق الحدث، وبإعتبار فئة الأحداث فئة محتاجة إلى العون والتشجيع والحماية لا مجرمين يستحقون العقاب فإن دور قاضي الأحداث في هذا الشأن يمتد خارج نطاق المحكمة(1).
يذهب الإتجاه الحديث في علم العقاب إلى ضرورة إمتداد سلطة القضاء إلى الإشراف على تنفيذ التدابير بإعتبار أن الهدف منها تأهيل المحكوم عليه، والتأهيل يقتضي تعديل التدبير سواء من ناحية المدة أو النوع حتى يتلائم مع التغير الذي يطرأ على المحكوم عليه،كما أن قاضي الأحداث يقوم بزيارة المؤسسات والمراكز ومراقبتها وذلك عن طريق التقاريرالدورية التي ترسل إليه.
يقوم قاضي الأحداث بالإشراف على تنفيذ الحكم بعد إصداره وذلك من خلال مراقبة الحدث فيتمتع بكل السلطات التي تخوله الإتصال بالأحداث فيقوم ضمن دائرة إختصاصه بزيارة المؤسسات والمراكز التي تأوي الأحداث سواء تعلق الأمر بمراكز إعادة التربية و إدماج الأحداث أو الأجنحة الخاصة بالأحداث بالمؤسسات العقابية أو مؤسسات إعادة التربية والإطلاع على مجريات العمل بها والإطمئنان على الأحداث وأخذ إنشغلاتهم، كما يبدي توجهيات للمسؤولين والتي تخدم مصلحة الحدث وتساهم بتهذيبه.
وبالرجوع للواقع العملي الآن في المؤسسات العقابية نجدها تعاني من الإكتضاض ولا نجد تخصيص مكان للأحداث مما يؤدي إلى خرق نظام العزلة، وهذا ما يؤدي إلى إختلاط البالغين بالأحداث وهذا في غير صالحهم ويؤدي إلى إنحرافهم، وبالتالي هذا يعد خرق لمقتضيات نص المادة 456من قانون الإجراءات الجزائية(2).
كما صدرت عدة تعليمات عن وزارة العدل تنبه القضاة المكلفين برقابة المراكز المتخصصة لإعادة التأهيل والأجنحة الخاصة بهم في المؤسسات العقابية وذكرتهم بنص المادة 64من الأمر 72/02 و الذي ألغي بموجب القانون رقم 05/04 المتضمن تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين حددت لهم مجال رقابة القضاة والتي تتمثل فيما يلي:
-الرقابة الدقيقة لوسائل الأمن.
- مراقبة إنجاز الموظفين لوظائفهم والحضور الدائم للمسؤولين.
- مراقبة وضعية الأحداث الموجودين في المؤسسة.
- الاستماع إلى مطالب الأحداث و انشغلاتهم.
- مراقبة الدفتر المعد لمكسب الأحداث.
- البحث عن النظم الصحية والغذائية الجاري بها العمل.
وبعد كل مراقبة يتم تحرير تقرير تسجل فيه جميع الملاحظات والإنتقادات والإقتراحات التي يرونها ضرورية ويرسل هذا التقرير تحت إشراف رؤساء المجالس والنواب العامين إلى إدارة السجون.
كما جاء في نص المادة 18من الأمر رقم 72/03 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة:
«يجوز للمستشارين المنتدبين لحماية القصر، وكذلك لقاضي الأحداث أن يقوموا في أي وقت كان بتفتيش المؤسسات المنصوص عليها في المادتين6و11من هذا الأمر والواقعة في دائرة اختصاصهم».
وبالرجوع لنص المادة 126من القانون رقم 05/04 والتي أنشأت لدى كل مركز لإعادة التربية و إدماج الأحداث و المؤسسات العقابية للأحداث لجنة الإعادة التربية يرأسها قاضي الأحداث والتي تقوم بمراقبة البرامج السنوية للدراسة والتكوين المهني ومعاملة الأحداث بداخل هذه المراكز .
كما أن قاضي الأحداث يترأس لجنة العمل التربوي والتي نص عليها الأمر رقم 72/03 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة حيث نصت المادة 16منه:
«تنشأ لدى كل مركز إختصاصي ودار للإيواء لجنة عمل تربوي تكلف بالسهر على تطبيق برامج معاملة القصر وتربيتهم، ويجوز لهذه اللجنة المكلفة كذلك بدراسة تطور كل قاصر موضوع في المؤسسة أن تقترح في كل حين على قاضي الأحداث إعادة النظر في التدابير التي سبق له أن اتخذها».
وما نستخلصه أنه يمكن للجنة العمل التربوي وفقا لنص المادة 16من الأمر رقم 72/03 إعادة النظر في التدابير المتخذة في حق الحدث الجانح مثل تسليم الحدث إلى والديه أو إلى شخص جدير بالثقة أو رفع الوضع ولكن بموافقة قاضي الأحداث و أن رأي لجنة العمل التربوي يعتبر مجرد إقتراح غير ملزم للقاضي، وهدف المشرع من تخويل رئاسة اللجنة لقاضي الأحداث لأنه أدرى بشخصية الحدث وحالته.
وبالرجوع لنص المادة 17من الأمر 72/03 نجدها عينت قاضي الأحداث رئيساً للجنة العمل التربوي والتي يكون مقرها في المؤسسة، وتشكيلة اللجنة هي:
- قاضي الأحداث رئيسا.
- مدير المؤسسة.
- مرب رئيسي ومربيان آخران.
- مساعدة اجتماعية إن اقتضى الحال.
- مندوب الإفراج المراقب.
- طبيبة المؤسسة إن أقتضي الحال.
وتنعقد لجنة العمل التربوي مرة واحدة على الأقل في كل 03 أشهر ،بناءا على دعوة رئيسها.
لقد أعطى المشرع الجزائري سلطة الإشراف على تنفيذ التدابير المحكوم بها على الحدث إلى قاضي الأحداث الذي يجرى التنفيذ بدائرة إختصاصه، وقرر له الفصل في جميع المنازعات وإصدار الأوامر والقرارات المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة على الحدث وقد يسر له هذا الإشراف بتقرير عدة سبل تساهم في تحقيق أغراضه:
لقد خول المشرع للمندوبين الإشراف على تنفيذ التدابير المقررة في حق الأحداث الجانحين وملاحظتهم وتقديم التوجيهات لهم ومراقبة الظروف المادية والأدبية لحياة الحدث وتربيته وصحته وحسن إستخدمه لأوقات فراغه،وعلى المندوب أن يرفع إلى قاضي الأحداث تقارير دورية عن الحدث الذي يتولى أمره والإشراف عليه كل ثلاثة أشهر،كما عليه أن يرفع تقارير فورية إذا ساء حال الحدث وسلوكه أو تعرض لضرر أدبي أو وقع له أي ضرر،وعن الإشكالات التي تقع لهم وتعرقلهم عن أداء مهامهم، أو عن كل حادثة أو حالة تبدو لهم أنها تسوغ إجراء تعديل في تدابير إيداع الحدث أو حضانته وهذا حسب ماجاء بالمادة 479 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية.
كما جاء في نص المادة 479 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية:
«وتناط بالمندوبين الدائمين تحت سلطة قاضي الأحداث مهمة إدارة وتنظيم عمل المندوبين المتطوعين كما أنهم يباشرون فضلاً عن ذلك مراقبة الأحداث الذين عهد إليهم القاضي شخصيا برعايتهم».
وبالرجوع للتشريع الفرنسي تتم عملية الإشراف والمراقبة على تنفيذ التدابير بتكليف قاضي الأحداث في حالات معينة الذي يوكل بدوره مهمة الإشراف لممثلين دائمين يتبعون هيئة عينت لهذا الغرض أومتطوعين (1).
ويقدم المشرف الذي يقوم بعملية المراقبة تقارير دورية عن حالة الأحداث الجانحين الموكول له رعايتهم.
كما وضع المشرع الفرنسي أحكاماً من شأنها تحقيق نجاح عملية المراقبة، فيقوم المشرف الإجتماعي بتقديم تقارير دورية لقاضي الأحداث في حالة ظهور أي إنحراف سلوكي أو خطر أخلاقي من طرف الحدث أو حدوث عوائق مستمرة ومنظمة للحيلولة دون مباشرة المراقبة، (2) وهو ما ذهب إليه كذلك المشرع الجزائري في المادة 479من قانون الإجراءات الجزائية السالفة الذكر سابقا.
الخاتمة
إن مرحلة الحداثة مرحلة حساسة جدا و تعتبر من أكثر المراحل العمرية خطورة و التي خلالها يتقرر مستقبل الحدث و تتحدد ملامح اتجاهاته و سلوكه في مرحلة البلوغ, و إذا كان انحراف الحدث مؤشرا على ميلاد خطورة اجتماعية أو مشروع جريمة على وشك النمو فهو في كل الأحوال مؤشرا على قصور دور المجتمع في رقابة و حماية هذه الفئة و التي تعتبر جزءا لا يتجزأ منه .
لقد عرف العالم في الآونة الأخيرة موجة من الانحرافات و الإجرام ساهمت فيها بقدر كبير التغيرات الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و التكنولوجية مما أدى إلى ظهور أشكال مختلفة من الإجرام و ارتفعت نسبته في كثير من المجتمعات , و المجتمع الواعي و الراقي هو الذي يقدم الرعاية لأبنائه لتوقي انحرافهم و معالجتهم فيعطي الاهتمام لأطفاله و يحميهم من حافة هاوية الانحراف من خلال نظرة جديدة قوامها العطف و الرعاية و الفهم الصحيح .
و في هذا السياق تبدو أهمية الإجراءات التي يخضع لها الحدث الجانح, و من خلال دراستنا لموضوع أحكام معاملة الحدث الجانح أثناء مراحل الدعوى العمومية و في مرحلة تنفيذ الحكم لاحظنا أن المشرع الجزائري قد خص هذه الفئة أحكاما و إجراءات خاصة يغلب عليها الطابع التربوي والتهذيـبي أكثر منه العقابي و الردعي، هادفا من وراء ذلك حمايته و اصلاحه, و يكون المشرع الجزائري قد أخذ بالأساليب الحديثة لمعاملة الحدث مراعيا من وراء ذلك المصلحة الفضلى للطفل.
وفي بداية دراستنا لاحظنا أن المشرع الجزائري لم ينص على إجراءات خاصة بالأحداث عند التحري الأولي, و هو يخضع بذالك إلى الأحكام العامة التي يخضع لها البالغين .
أما بالنسبة لتحريك الدعوى العمومية فرأينا انه لا يجوز لوكيل الجمهورية تطبيق إجراءات التلبس على الحدث أو الاستدعاء المباشر و أن جميع الجنح و الجنايات المرتكبة منه لابد من التحقيق فيها ما عدا فيما يخص المخالفات.
و بالنسبة لخصوصيات التحقيق القضائي فان الإجراءات التي يتبعها قاضي الأحداث أو تلك التي يتبعها قاضي التحقيق الخاص بالبالغين و المكلف خصوصا بقضايا الأحداث تختلف عن التحقيق مع البالغين, كون التحقيق مع الحدث يرتكز على البحث في شخصية الحدث و القيام بما يسمى بالتحقيق الاجتماعي و ذالك للوقوف على شخصية و ظروف الحدث المادية و الأدبية لتكوين فكرة واضحة عن دوافع الانحراف و مبرراته و اتخاذ الإجراء الذي يتناسب مع حالة الحدث, كما يحق له اتخاذ التدابير التي تخدم مصلحته و هي في جوهرها تدابير تربوية تهذيبية كما تتميز هذه المرحلة بالسرية .
أما فيما يخص مرحلة المحاكمة فإنها تتميز بإجراءات خاصة و تشكيلة تختلف عن تلك التي تخص البالغين فمحكمة الأحداث تتشكل من قاضي الأحداث رئيسا و من قاضيين محلفين, و فيما يخص المحاكمة فإنها تتميز بإجراءات خاصة من بينها سرية المحاكمة وفقا لما نصت عليه أحكام المادة 468 من قانون الإجراءات الجزائية, و التي سمحت بحضور أشخاص معينين على سبيل الحصركما يمكن للقاضي أن يأمر بانسحاب الحدث طيلة المرافعات أو خلال جزء منها و الحكم الذي يصدر يكون في جلسة علنية بحضور الحدث .
كما لا يمكن محاكمة الحدث إلا بحضور مسؤوله المدني, و مراعاة لمصلحة الحدث يمكن للقاضي إعفاء الحدث من حضور الجلسة و يحضر نائبه القانوني أو محاميه و يعتبر الحكم في هذه الحالة حضوري.
وبعد صدور الحكم في القضية فإما أن يكون بالبراءة أو بتوقيع عقوبة مخففة أو اتخاذ تدبير من التدابير المقررة قانونا، و لاحظنا أنه رغم تعدد صور التدابير و اختلافها إلا أنها تتفق في مضمونها باعتبارها تدابير تربوية تهدف إلى إصلاح الحدث و تهذيبه, و رأينا آن المشرع الجزائري خص فئة الأحداث بعقوبات مخففة لأنه كما رأينا أن معظم الفقهاء و علماء النفس يرون أن قسوة العقوبة قد تزيد في حدة الإجرام لدى فئة الأحداث .
و أحيانا قد تكون حالة الحدث البيئية غير مناسبة لإصلاحه و تهذيبه مما يستدعي إبعاده عن الوسط الذي يعيش فيه ووضعه بمراكز خاصة بالأحداث فإما أن تكون مراكز إعادة التأهيل أو مراكز متخصصة بإعادة التربية.
و رأينا أن دور القاضي لا ينتهي بتقرير العقوبة أو التدابير و إنما يتعداه إلى السهر على تنفيذ الأحكام الصادرة منه و الإشراف على ذلك، كما له صلاحية تغيير و مراجعة التدابير المتخذة في حق الحدث الجانح إذا رأى ذلك ضروريا حسب تطور ظروف و شخصية الحدث.
و في الأخير نستطيع أن نقول أن الطفل الجزائري قد حضى باهتمام السلطات المختصة و ذلك من خلال النصوص المتعددة التي سنها المشرع الجزائري و التي تنظم مختلف جوانب حياة الطفل و التي تحدد و تصون حقوقه و هذا التعدد و التنوع في القوانين يعتبر من أسباب جهل الكثير منها سواء من طرف القضاة أو الأحداث و هذا ما دفع بوزارة العدل التفكير في وضع قانون حول حماية الطفولة يتضمن تحديد مختلف الحقوق و الإجراءات المطبقة من مختلف الجهات القضائية و الاجتماعية و مختلف الهيئات و المؤسسات التي تعمل في مجال حماية الطفولة، و يكون هذا القانون ثمرة تنسيق بين مختلف مجهودات هذه الهيئات و المؤسسات و يحدد مجال تدخل كل منها و هو ما يعطي أكثر حماية للطفل كما يقضي على الصعوبات التي يواجهها المعنيون اليوم، وكما يقال :
« محكمة الأحداث تعتبر في حقيقتها هيئة اجتماعية تظم الباحث الاجتماعي و النفسي إلى جانب رجل القانون و ذلك بهدف بحث حالته و كشف انحرافه و تحديد العلاج الملائم و توفير الرعاية الصالحة و التوجيه الصحيح و من ناحية أخرى هي محكمة مسؤولة عن تطبيق القانون».
تم بحمد الله يوم 18-12-2005
قائمة المراجع
• المراجع باللغة العربية :
1- الدكتور إبراهيم حرب محيسن - إجراءات ملاحقة الأحداث الجانحين في مرحلة ما قبل المحاكمة إستدلالا و تحقيقا – دار الثقافة للنشر و التوزيع عمان –الطبعة 1999.
2- الدكتور : أحمد سلطان عثمان – المسؤولية الجنائية للأطفال المنحرفين دراسة مقارنة –القاهرة الطبعة 2002 .
3-الأستاذ : جيلالي بغدادي- الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية – الجزء الأول- المؤسسة الوطنية للاتصال و النشر و الإشهار-الطبعة 1996.
4-الدكتور : حسن الجوخدار-قانون الأحداث الجانحين – مكتبة الثقافة للنشر و التوزيع عمان –الطبعة الاولى 1992 .
5- الدكتور : حمدي رجب عطية – الإجراءات الجنائية بشان الأحداث في التشريعين الليبي و المصري في ضوء الآفاق الجديدة للعدالة الجنائية في مجال الأحداث - دار النهضة العربية – الطبعة 1999.
6- الدكتور: علي مانع -جنوح الأحداث و التغيير الاجتماعي في الجزائر المعاصرة- دراسة في علم الإجرام المقارن- ديوان المطبوعات الجامعية – الطبعة 2002 .
7- الدكتور : علي محمد جعفر – الأحداث المنحرفون دراسة مقارنة – المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع – الطبعة الثالثة لسنة 1996 .
8- الدكتور: علي محمد جعفر -مجلة الدراسات القانونية - حماية الأحداث المنحرفين في التشريع الجزائي و المواثيق الدولية -العدد الأول- جامعة بيروت العربية –الطبعة 98-99.
9- الدكتور: غسان رباح – حقوق الحدث المخالف للقانون أو المعرض لخطر الانحراف دراسة مقارنة في ضوء أحكام إتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل- بيروت – الطبعة 2005 .
10- الدكتور : محمد عبد القادر قواسمية- جنوح الأحداث في التشريع الجزائري – المؤسسة الوطنية للكتاب – الطبعة 1992.
• المحاضرات:
1-محاضرات الأستاذة : صخري أمباركة الملقاة على الطلبة القضاة الدفعة 14 – المدرسة العليا للقضاء- لسنة 2004 -2005.
• النصوص التشريعية المعتمدة :
1- الأمر 66/155 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 هجري الموافق لـ 08 جوان 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم.
2- الأمر 66/ 156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 هجري الموافق لـ 08 جوان 1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل و المتمم.
3-الأمر 72/ 03 المؤرخ في 25 ذي الحجة عام 1391 هجري الموافق لـ 10 فيفري 1972 المتعلق بحماية الطفولة و المراهقة.
4-الأمر 75/ 64 المؤرخ في 20 رمضان 1395 هجري الموافق لـ 26 سبتمبر 1975 المتضمن إحداث المؤسسات المكلفة بحماية الطفولة و المراهقة.
5- القانون رقم 05/04 المؤرخ في 27 ذي الحجة عام 1425 هجري الموافق لـ 06 فبراير سنة 2005 ، المتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمسجون.
6- معاهدة الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الطفل التي وافقت عليها الجزائر في 20 نوفمبر 1989 المصادق عليها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 92 /461 المؤرخ في 24 جمادى الثانية عام 1413 هجري الموافق ل 19 ديسمبر 1992.
• المراجع باللغة الفرنسية:
1-Jean Claude Soyer – droit pénale et procédure pénale
13eme édition . Paris.1998.