حقائق عن الصّوفيّة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حقائق عن الصّوفيّة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-06-07, 01:27   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الاخ رضا
بائع مسجل (ب)
 
الصورة الرمزية الاخ رضا
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز سنة 2012 المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي حقائق عن الصّوفيّة

https://ww.nebrasselhaq.com/2010-06-1...88%D9%91%D9%81
حقائق عن الصّوفيّة (1) معنى التصوّف.

الكاتب: عبد الحليم توميات

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد كاد التصوّف في القرن الأخير يعود إلى جحره، ويُقضَى نِهائيّا على شأنه وأمره. حتّى إنّ الكثيرين منهم أضْحَوا يتبرّءون من كثير من مذاهب القوم، رافعين عن أنفسهم الذمّ واللّوم.
ولكنّهم عادوا من جديد .. على حين فرقة نخرت في صفوف الدّعاة إلى التّوحيد .. وإنّ لله سننا لا تتغيّر ولا تتبدّل، فقال عزّ وجلّ وهو أصدق القائلين:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46].
عادوا من جديد .. ولا يشكّ في ذلك عاقل رشيد ..
فلهم في كلّ يوم ملتقيات .. وفي كلّ عام مؤتمرات .. وتمكّنوا من كثير من وسائل الإعلام، ويرفعون الشّعارات والأعلام ..
فكان لا بدّ من تذكير المؤمنين، وتحذير المسلمين، من مخاطر الصّوفيّة، وبيان حقائق الطّرقيّة، فليس لدينا إلى الكلمات نتّخذها للحقّ نبراسا وضياء، وإنّ من خير ما أُثِر عن الحكماء، وحُفظ عن العلماء، قولهم:" لَأَنْ تُضيءَ شمعةًخيرٌ مِن أن تلْعنَ الظّلام "..


المبحث الأوّل: معنى التصوّف والصّوفيّة.
إنّ القوم يزعمون أنّ التصوّف كلمة مرادفة للتّقوى، والتّزكية، وتربية النّفس على الزّهد ! وحملها على ترك سفاسف الأمور ! فسُمُّوا صوفيّةً؛ للدّلالة على صفاء قلوبهم، ومعاملاتهم لبارئهم سبحانه!
والجواب عن هذا الزّعم من وجوه:
أ) الوجه الأوّل: لماذا العدول عن ألفاظ الكتاب والسنّة إلى غيرها ؟ أوليست ألفاظ القرآن الكريم والسنّة مثل: التّقوى، والتّزكية، والزّهد، والورع، وغير ذلك بكافيةٍ ومغنية عن غيرها ؟
ب) الوجه الثّاني: إنّ هذا الاشتقاق غير صحيح من حيث اللّغة، فالنسبة إلى الصّفاء: صفويّ، أو صفاوي، أو صفائيّ، وليس صوفيّا.
ج) الوجه الثّالث: إنّ أكابر الصّوفيّة قد اضطربت كلماتهم في تحديد أصل اشتقاق كلمة ( الصّوفيّة )، ولم يتّفقوا على أنّها مشتقّة منالصّفاء.
فهذا أبو بكر الكلاباذي رحمه الله (ت:380 هـ) يقول:" لِمَ سُمّيت الصّوفيّة صوفيّة ؟
قال طائفة: إنّما سمّيت صوفيّة لصفاء أسرارها. وقال بشر بن الحارث: الصّوفيّ من صفا قلبه لله...
وقال قوم: إنّما سُمُّوا صوفيّة؛ لأنّهم في الصفّ الأوّل بين يدي الله عزّ وجلّ ...
وقال قوم: إنّما سُمُّوا صوفيّة؛ لقُرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفّة الّذين كانوا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال قوم: إنّما سُمُّوا صوفيّة؛ للُبسهم الصّوف " [" التعرّف على مذهب التصوّف " للكلاباذي (ص 21)].
ثمّ قال (ص 26):" وإن جُعِل مأخذه من الصّوف، استقام اللّفظ، وصحّت العبارة من حيث اللّغة ".
وهذا المعنى هو الّذي رجَّحه ابن الجوزيّ وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون رحمهم الله، وطائفة كبيرة من العلماء.
وأيّدوا قولهم ذاك بأنّ الصُّوف كان شعارَ رهبانِ أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية.
[انظر: " تلبيس إبليس " (163)، و" مجموع الفتاوى " (10/369)، و" وتاريخ ابن خلدون " (1/467)].
د) الوجه الرّابع: وأقرب من ذلك كلّه من الأقوال في أصل اشتقاق هذه الكلمة:
ما رجحه أبو الريحان البيروني (ت:440هـ)، ومن المعاصرين المستشرق النمساوي فون هامر (Joseph V. Hammer) وغيرهما أنّها مشتقة من كلمة صوفيا SOPHIAاليونانية، ومعناها ( الحكمة ) كما يقال عن: فيلوسوفيا.
ويؤيّد هذا الرأي أمور:
- أنّ الصّوفيّة ما طفت على سطح المجتمع الإسلاميّ إلاّ في القرن الثاني الهجري ببغداد وما حولها، حين بزرت حركة التّرجمة.
- تشابه الفكرة العامّة للصّوفية وفلسفة اليونان والهند، وغايتها: وحدة الوجود، والحلول، والإشراق، والفيض– عياذا بالله –.
- ما ورد عن كبار الصّوفية مثل السّهروردي – وقد أُقيم عليه حدّ الردّة – أنّه قال:" وأمّا أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة فخميرة الفيثاغورثيين، وقعت إلى أخي أخميم (ذي النون المصري)، ومنه نزلت إلى سيارستري وشيعته (أي سهل التستري "اهـ.
- ظهور مصطلحات مترجمة عن اليونانية في ذلك العصر، مثل الفلسفة، والفناء، والموسيقى، والسّفسطة، والهيولي.
- قول القشيري رحمه الله - وهو من كبارهم -:" ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربيّة، ولا قياس، والظّاهر أنّه لقب، ومن قال: اشتقاقه من الصّفا أو من الصفّة فبعيد من جهة القياس اللّغويّ، قال وكذلك من الصّوف؛ لأنّهم لم يختصّوا بلبسه "اهـ
[" تاريخ ابن خلدون " (1/467)]
ج) الوجه الخامس: جعلُ الصّوف شعارا للزّهد والقناعة هو الرّياء بعينه.
فإنّ أزهد الخلق صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يقصِد التعبّد بلبس الصّوف، وإنّما كان يلبسه اتّقاء القرّ كسائر النّاس، وقد ثبت عنه صلّى اللهعليه وسلّم أنّه كان يلبس الكتّان والقطن.
والزّهد المحمود في اللّباس هو أن يلبس أوسط اللّباس وأعدله، فلا يقصد الرّديء ولا النّفيس، وإلاّ وقع في الشّهرتين. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح "(10/269):
" قال ابن بطّال: كره مالك لُبسَ الصّوف لمن يجد غيره، لما فيه من الشّهرة بالزّهد، لأنّ إخفاء العمل أولى ".
فترك اللّباس على أنواع:
* من تركه بخلا، فهذا مذموم، غير مأجور.
* ومن تركه متعبّدا محرّما إيّاه على نفسه فهذا ضالّ منحرف.
* ومن تركه يريد أن يتشبّه بالعُبّاد فهو آثم لمراءاته، وهو إحدى الشّهرتين كما سبق ذكره.
* من تركه زُهدا وتواضعا، فهذا مأجور على ذلك.
كما أنّ اللاّبس للثّمين أنواع:
* إن كان بنيّة الفخر والخيلاء فهو آثم لنيّته، وهو الشّهرة الأخرى.
* أو كان مسرفا، فهو مذموم معتدٍ.
* أو كان مظهِرا لنعمة الله عليه دون مجاوزة للحدّ، فذلك مأجور لنيّته.
جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية (22/ 133):
" وسئل رحمه الله عن المتنزّه عن الأقمشة الثّمينة مثل الحرير والكتّان المُتغَالَى في تحسينه وما ناسبها: هل في ترك ذلك أجر أم لا ؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب: الحمد لله ربّ العالمين .. وأمّا المباحات: فيثاب على ترك فضولها، وهو ما لا يحتاج إليه لمصلحة دينه، كما أنّ الإسراف في المباحات منهيّ عنه ... وأمّا الكتّان والقطن ونحوهُما، فمن تركه مع الحاجة فهو جاهل ضالّ، ومن أسرف فيه فهو مذموم. ومن تجمّل بلبسه إظهارا لنعمة الله عليه فهو مشكور على ذلك، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ اللهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ ))، وقال: (( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ ))، ومن ترك لبس الرّفيع من الثياب تواضعا لله لا بخلا ولا التزاما للترك مطلقا فإنّ الله يثيبه على ذلك ويكسوه من حلل الكرامة.
فهذه المسائل ونحوها تتنوع بتنوع علمهم واعتقادهم، والعبد مأمور أن يقول في كلّ صلاة:{اِهْدِناَ الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَعَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، والله سبحانه وتعالى أعلم " اهـ.
فيُنصح ويوعظ المتنعّمون بالزّهد والتّواضع والبذاذة. ويُنصح المتكلّف للزّهد الخارج به عن المعتاد بالوسطيّة، وإلاّ كان الترّفّه حينها أهون من إظهار الزّهد رياء وشهرة.
ولهذا قال عبد الرشيد الولوالجي رحمه الله في " فتاواه ":
" لبس الثياب الجميلة مباح إذا كان لا يتكبر; لأنّ التكبّر حرام, وتفسيره أن يكون معها كما كان قبلها، وللّه درّ القائل‏:‏
أَجِدْ الثِّيَابَ إذَا اكْتَسَيْت؛ فَإِنَّـهَا *** زَيْنُ الرِّجَالِ بِهَا تُهَابُ وَتُكْرَمُ

وَدَعِ التَّوَاضُعَ فِي اللِّـبَاسِ تَحَرِّيًا *** فَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُكِـنُّ وَتَكْتُـمُ

فَدَنِيُّ ثَوْبِك لَا يَزِيدُك زُلْفَــةً *** عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْــرِمُ

وَبَهَاءُ ثَوْبِك لَا يَضُـرُّك بَعْدَمَا *** تَخْـشَى الْإِلَـهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ
وكان بكر بن عبد الله المزنيّ رحمه الله يقول لمن يتظاهر بالزّهد رياء وسمعةً: البسوا ثياب الملوك، وأميتوا قلوبكم بالخشية.
وكان الحسن رحمه الله يقول: إنّ أقواما جعلوا خشوعهم في لباسهم، وكبرُهم في صدورهم وشهروا أنفسهم بلباس الصّوف، حتّى إن أحدهم بما يلبس من الصوف أعظم كبرا من صاحب الطرف بمطرفه.
وقال محمود الورّاق رحمه الله:
تصوّف فازدهى بالصّوف جهلا *** وبعض النّاس يلبسه مـجانـه

تصنّـع كي يقـال له أميـن *** ومـا معنى التصنّع للأمـانـه

ولم يرد الإلـه به، ولـكـن *** أراد به الطّريـق إلـى الخيانه
فأعدل الأمور أوسطها، وقد قال رجل لإبراهيم النّخعي رحمه الله: ما ألبس من الثّياب ؟ قال: ما لا يشهّرك عند العلماء، ولا يحقّرك عندالسّفهاء.
الخلاصة:
إنّ التصوف عقيدة فلسفية قديمة، نشأت قبل الإسلام في الفلسفة الاستشراقية المنسوبة إلى ( أفلاطون )، والفلسفة الهندية القديمة، وما زالت عقيدة الهند إلى اليوم، وهي: القول بوحدة الوجود.
وهذه العقيدة هي عقيدة كثير من شعراء الفرس قبل الإسلام، وبعد الإسلام كجلال الدّين الرّومي وغيرهم.
ولم يتضرّر الإسلام وحده بهذه الحركة الفلسفيّة، فقد نخرت هذه الحركة دين النّصارى أيضا – الصّحيح منه والمحرّف –؛ لذا نجد كثيرا من الطّقوس يشترك فيها الصّوفيّة وأهل الملل المنحرفة: كالبوذيّين، والهندوس، والنّصارى، وغيرهم، وسيأتي تأييد ذلك في المقالات اللاّحقة إن شاء الله تعالى.
والله الموفّق لا ربّ سواه.

تم قراءة الموضوع 775 مره
منشور في حقائق عن الصّوفيّة

آخر المواضيع:


المزيد من مواضيع هذا القسم: - حقائق عن الصّوفيّة (2) عوامل ظهور التصوّف. »









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-06-07, 01:29   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الاخ رضا
بائع مسجل (ب)
 
الصورة الرمزية الاخ رضا
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز سنة 2012 المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي - حقائق عن الصّوفيّة (2) عوامل ظهور التصوّف.

- حقائق عن الصّوفيّة (2) عوامل ظهور التصوّف.

الكاتب: عبد الحليم توميات

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد رصدت لنا السنّة الصّحيحة أخبارا عن بعض الصّحابة الكرام رضي الله عنهم الّذين أرادوا الانقطاع عن ملذّات الدّنيا، فهمّ بعضهم باعتزال النّساء، وآخرون بصوم الدّهر، وآخرون بهجر النّوم، حتّى إنّ بعضهم استأذن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الخِصاء !
فكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوجّههم إلى الّتي هي أقوم، ويخطب في النّاس قائلا: (( مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا ؟! لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )) [رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه].
وفي الوقت نفسه دعا صلّى الله عليه وسلّم صحابته، وندب أمّته إلى الزّهد في الدّنيا، وترك التوسّع في ملذّاتها، حتّى كانوا سادة الزّهاد، وقادةالعُبّاد.
وسار على ذلك النّهج السّليم، والطّريق القويم، التّابعون وأتباعهم. فما الّذي حدث حتّى وصل التصوّف إلى ما هو عليه ؟

عوامل ظهور التصوّف.
فمن أهمّ عوامل ظهور التصوّف في هذه الأمّة:
1- الغلوّ: وهو مجاوزة الحدّ الّذي شرعه الله عزّ وجلّ في كلّ شيء.
وهو داء أتى على الملل الأولى من القواعد فخرّ عليهم دينهم من فوقهم؛ قال الله عزّ وجلّ:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُواأَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)}.
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا )) [رواه البخاري].
يقول ابن الجوزي رحمه الله في " تلبيس إبليس ":
" كانت النّسبة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والإسلام، فيقال: مسلم ومؤمن, ثمّ حدث اسم زاهد وعابد! ثمّ نشأ أقوام تعلّقوا بالزّهد والتعبّد, فتخلّوا عن الدّنيا, وانقطعوا إلى العبادة, واتّخذوا في ذلك طريقة تفرّدوا بها ! وأخلاقا تخلّقوا بها !.."اهـ
والعلاج: هو تربية الأمّة على منهج الوسطيّة، وإظهار مزايا اقتفاء السنّة النّبويّة.
2- الجهل: فلسان قول وحال كثِيرٍ من النّاس هو: نحن لا نتجاوز الحدّ رغبة عن السنّة، ولكنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اقتصر على ما ثبت عنه لأنّه مغفور الذّنب، وإمام الخلق ... الخ
وهذه الشّبهة قد أزالها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من صدور أصحابه الكرام، وعالج قلوب من علِقت بها، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذَا أَمرهم، أَمَرهُم من الأعمال بما يُطِيقُون، قالوا: إِنَّا لسنا كهيئتك يا رسول الله !إِنَّ اللهَ قد غَفَر لكَ مَا تقدَّمَ مِنْ ذنْبِك وما تأخَّر! فيغْضَبُ حتَّى يُعْرَف الغضبُ في وجهه، ثمَّ يقولُ: (( إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمُكُمْ بِاللهِ: أنا )).
وكان صلّى الله عليه وسلّم لا يُقِرّ أحدا على مخالفة سنّته، فقد روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: بَيْنَا النَّبِيُّ صلّى اللهعليه وسلّم يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مُرْهُفَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ )).
وجرى على ذلك الصّحابة الّذين كانوا فِعلاً أمنةً للأمّة، ومن تطبيقاتهم رضي الله عنهم لهذا الأصل:
- ما رواه عبد الرزّاق في " المصنّف " عن ابن عمر رضي الله عنه أنّه رأى رجلا يُصلِّي بعد طلوع الفجر، وهو يكثر الصّلاة، فحَصَبه ابن عمر رضي الله عنهونهاه، فقال له الرّجل: أترى الله يُعذِّبني على كثرة الصّلاة ؟ فقال: لاَ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلاَفِ السُنَّةِ.
- وروى التّرمذي عن نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ! قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِصلّى الله عليه وسلّم، عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
- وهذا ابنُ مسعود رضي الله عنه يُخبر عن أقوام جلسوا بالمسجد حلقًا، وبين أيديهم حصًى يسبّحون بها ويُهلّلون، فيقف عليهم قائلا مغضباً:
مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ ؟
قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ! حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ، وَالتَّهْلِيلَ، وَالتَّسْبِيحَ.
قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ ! فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ ! وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ! مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ ! هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صلّىالله عليه وسلّم مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ !
قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ! مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ!
قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم حَدَّثَنَا:
(( أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ، مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ )). ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ..
قال ابن الجوزيّ رحمه الله:
" وكان أصل تلبيسه عليهم أنّه صدّهم عن العلم، وأراهم أنّ المقصود العمل، فلمّا أُطْفِئَ مصباحُ العلم عندهم تخبّطوا في الظّلمات "اهـ.
العلاج: هو سدّ منافذ البدع، وتعليم الأمّة خطأ تقسيم البدعة إلى حسنة وسيّئة، فـ (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )) وإن رآها النّاس حسنة.
وتربية النّشء على الاستغناء بالسنّة، وتعليمهم أصولها، مثل: ( كمال الدّين )، و( شموليّة السنّة )، ونحو ذلك.
ويلحق بعامل الجهل:
3- انتشار الأحاديث الموضوعة والمنكرة.
فقد ظهر في المجتمع الإسلاميّ من يُسمَّون بالقُصّاص، وهم طائفة يتتبّعون قصص الماضِين، وخصوصا ما ينقل عن بني إسرائيل.
فكان أكثرهم لا يتحرّون الصّواب، ولا يحترزون من الخطأ لقلّة علمهم.
وقد روى الطّبرانيّ في " الكبير "، وأبو نعيم في " الحلية " عن خبّاب رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا هَلَكُوا قَصُّوا )) [" الصّحيحة "(1681)]، أي: اهتمّ وُعّاظُهم بالقصص والحكايات، دون الفقه والعلم النّافع الذي يُعرّف النّاسَ بدينهم، فيحملهم ذلك على العمل الصّالح.
العلاج: لا ينبغي لولاة الأمر أن يعيّنوا كلّ من هبّ ودبّ فيسمحوا للجُهّال بالتصدّر لوعظ النّاس، فإنّهم بلا شكّ سيفسدون أكثر ممّا يُصلحون، والجاهل يعمل في الأمّة ما لا يعمله العدوّ.
لذلك روى أبو داود وغيره عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( لَا يَقُصُّ إِلَّاأَمِيرٌ، أَوْ مَأْمُورٌ، أَوْمُخْتَالٌ )).
4- حركة التّرجمة والنّظر في كتب الملل المنحرفة.
فيوم دعا المأمون – وكان مولَعاً بالاطّلاع على الكتب – إلى ترجمة كتب اليونان والفرس والهند، واطّلع أهل الإسلام على ما لدى القوم من انحرافات وشطحات، حدثت بين المشتغلين بالعلوم ومصادر الوحي فجوة عميقة، ووقع كثير منهم في هُوةٍ سحيقة؛ فزُرعت في الأمّة أشواك علم الكلام، وحسك فلسفة الهنود واليونان، فحصدت من المفاسد في باب العقائد والإيمان ما لا يعلمه إلاّ الله.
وقد سبق أن نقلنا كلام أبي الرّيحان البيروني من كتابه " تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ", ةقد نسب التصوّف إلى (صوفيا) اليونانية، ومعناها: الحكمة, وملخّص كلامَه:
( إن قدماء اليونان أي: الحكماء السّبعة مثل: سولن الأثيني، وطاليس المالطي، كانوا يعتقدون قبل تهذيب الفلسفة بعقيدة الهنود بأنّ الأشياء إنّما هي شيء واحد! وكانوا يقولون: ليس للإنسان فضلٌ على الجماد والنّبات إلاّ بسبب القرب إلى العلّة الأوّلية في الرتبة ! وكان بعضهم يعتقد أنّ الوجود الحقيقيّ هو العلّة الأولى نفسها؛ لأنّها غنيّة بذاتها، وما سواها محتاج في الوجود إلى الغير، فوجودها في حكم الخيال، والحقّ هو الواحد الأوّل فقط !
ويقول بعد تفصيل ذلك: وهذا رأي الصّوفية وهم: الحكماء, فإنّ ( صوف ) باليونانية ( الحكمة ) وبها سمي الفيلسوف ( بيلاسوبا ) أي محب الحكمة )[1].
العلاج: ترسيخ عقيدة ( الاستغناء بالوحي ) في قلوب الأمّة:
فالله تعالى قد أتمّ علينا منّته، وأسبغ علينا نعمته، بأن اصطفى لنا هذا الدّين وأتمّه فقال:{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: من الآية3]..
لذلك روى الإمام أحمد والدّارمي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَتَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّمبِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، وفي رواية - بنسخة من التّوراة - فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّمفَغَضِبَ، فَقَالَ: (( أَمُتَهَوِّكُونَ[2] فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِوَالَّذِي نَفْسِيبِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّمُوسَىعليه السّلامكَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي )).
هذا حكم من نظر في التّوراة الّتي جاء بها موسى عليه السّلام ! والّتي يُعدّ الإيمان بها من أركان الإيمان ! يُلام عمر الفاروق من أجل النّظر فيها ! عمرُ الّذي قال فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرَقُ مِنْكَ يَا عُمَرُ )) ! فكيف بغير التّوراة ؟! وكيف إذا كانالنّاظر فيها غير عمررضي الله عنه ؟!
5- انفتاح الدّنيا على النّاس: فإنّ التطرّف لا يقود إلاّ إلى التطرّف.
فمن أسباب ظهور الطبقة الّتي تسمَّت بـ( العُبّاد والزهّاد ) في القرن الثّاني الهجري هو: إقبال النّاس وتكالبهم على الدّنيا, فكان ردّ فعل بعض الصّالحين هو: البعد التامّ عنها.
ومن هؤلاء العباد في المدينة: عامر بن عبد الله بن الزّبير، الّذي كان يواصل الصّوم ! فيقول والده رضي الله عنه: رأيت أبا بكر وعمررضي الله عنهماولم يكونا هكذا.
ومنهم صفوان بن سليم، الّذي كان يصلّي على السّطح في اللّيلة الباردة لئلاّ يصاب بالنّعاس ! بل نقلوا عنه أنّه أعطى الله عزّ وجلّ عهداً أن لا يضع جنبه على فراش حتّى يلحق بربّه !
وبالبصرة: طلق بن حبيب العنزيّ, وعطاء السّلمي.
وبالكوفة: داود الطّائي، والأسود بن يزيد بن قيس الّذي كان يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يصفرَّ جسمه.
ومنهم كرز بن وبر الحارثي نزيل جرجان، وغيرهم.
فهؤلاء كانوا على بداية خطّ الانحراف، ومرّت الأيّام، وجرّت معها الشّهور والأعوام، حتّى أصبح الخطأ لديهم صوابا.
يقول ابن الجوزيّ رحمه الله:
" ثمّ جاء أقوام فتكلّموا لهم في الجوع، والفقر، والوسواس، والخطرات، وصنّفوا في ذلك، مثل: الحارث المحاسبيّ ...".
العلاج: تربية الأمّة على الجانب الرّوحي في الإسلام، وذلك عن طريق التّزكية بالقرآن والسنّة الصّحيحة، وتراجم الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، حتّى لا يطْغَى الجانب المادّي على الجانب الرّوحيّ، ومن ثمَّ لا يحدُ العكس.
6- اتّباع الهوى: فنهاية التّصوّف طريق إلى استحلال المحرّمات، والإغراق في الشّهوات.
وسيأتي توضيح ذلك في فصل خاصّ إن شاء الله تعالى، فما أسعدَ العاصي وهو يقترف الكبائر أن يقال له: إنّ على طاعة وإلى الله سائر !
والعلاج: وَعظُ ودعوة النّاس إلى تقوى الله تبارك وتعالى، فالمواعظ سياط القلوب، تقودها إلى علاّم الغيوب.
ومن لم يزعْه القرآن، فخير وازع هو السّلطان.
والله الهادي إلى الصّواب.

[يُتبع إن شاء الله]

[1] " تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة " (ص 16) طبعة ليبزك. نقلا عن " تاريخ التصوّف في الإسلام " ص (67 , 68) للدّكتور قاسم غنيّ، ترجمه إلى العربيّة: صادق نشأت.

[2] متهوّكون، أي: متحيرون ومتردّدون.



أخر تعديل في الأربعاء 28 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 02 فيفري 2011 19:40 تم قراءة الموضوع 659 مره
منشور في حقائق عن الصّوفيّة

آخر المواضيع:


المزيد من مواضيع هذا القسم: « - حقائق عن الصّوفيّة (1) معنى التصوّف. - حقائق عن الصّوفيّة (3) نشأة التصوّف وتطوّره »










رد مع اقتباس
قديم 2013-06-07, 01:31   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الاخ رضا
بائع مسجل (ب)
 
الصورة الرمزية الاخ رضا
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز سنة 2012 المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي - حقائق عن الصّوفيّة (3) نشأة التصوّف وتطوّره

- حقائق عن الصّوفيّة (3) نشأة التصوّف وتطوّره

الكاتب: عبد الحليم توميات

اقتباس:

كنت أظن أول الأمر أنّ بعض الغلاة هم الذين أساءوا إلى التصوف والصّوفية, وأنّ الغلوّ والتطرّف هو الّذي جلب عليهم الطّعن وأوقعهم في التّشابه مع التشيّع والشّيعة, ولكنّني وجدت كلّما تعمّقت في الموضوع, وتأمّلت في القوم ورسائلهم, وتوغّلت في جماعتهم وطرقهم, وحقّقت في سيرهم وتراجمهم، أنّه لا اعتدال عندهم كالشيعة تماما, فإنّ الاعتدال عندهم كالعنقاء في الطيور.
والشّيعي لا يكون شيعيّا إلاّ حين يكون مغاليا متطرّفاً, وكذلك الصّوفي تماما, فمن لا يعتقد اتّصاف الخلق بأوصاف الخالق, لا يمكن أن يكون صوفيّا ووليّا من أولياء الله.

[ إحسان إلهي ظهير رحمه الله]

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه، أمّا بعد:
فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يكرّر على مسامع أصحابه رضي الله عنهم في كلّ مناسبة أصلا من أصول الدّين الحنيف، فيقول: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )) .. ويقول: (( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )).
فسار الصّحابة رضي الله عنهم والتّابعون لهم بإحسان على هذا الأصل الأصيل، فما كانوا يستسيغون البدع وإن رآها النّاس حسنةً ! وإن رآها النّاس هيّنةً !
ذلك، لأنّهم كانوا على علمٍ تامّ بأمرين مهمّين:

- الأوّل: علموا أنّ الشّيطان الرّجيم لا يأمر فقط بانتهاك الحرمات، وارتكاب الموبقات، ولكنّه يأمر بتعدّي المباحات، وتجاوز المستحبّات .. وهو الّذي قطع عهدا على نفسه فقال:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: يأتيهم من جانب العبادات والصّالحات..
وقد ظفِر منهم بما طمع، قال الله عزّ وجلّ:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:20].
- الثّاني: كانوا على علم تامّ بالسّنن الكونيّة، وأنّ ( معظم النّار من مستصغر الشّرر )..
فاستصغار المحدثات في باب العبادات أخطر مصايد الشّيطان، لذلك قال عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُواخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}.
خطوات بين الزّهد المشروع، والتصوّف الممنوع:
فبعد أن ظهرت طائفة العُبّاد والزهّاد في الأمّة، حدثت مرحلة انتقالية جديدة بين الزّهد المشروع والتصوّف الممنوع، حيث أصبح للزّهد وأحوال الزُهّاد وأقوالهم تصانيف خاصّة.
يقول ابن الجوزيّ رحمه الله في " تلبيس إبليس " (147):" ثمّ جاء أقوام فتكلّموا لهم في الجوع، والفقر، والوسواس، والخطرات، وصنّفوا في ذلك، مثل: الحارث المحاسبيّ. وجاء آخرون فهذّبوا مذهب التصوّف، وأفردوه بصفات ميّزوه بها ..."
- وعلى رأس هذه المرحلة مالك بن ديناررحمه الله (130 هـ)، الّذي بدأ يدعو إلى أمور لم تثبت عن الزهّاد السّابقين, بل انتشرت بحكم انتشار كتب الرّوم والهنود وغيرهم، الّذين اشتهر عُبّادهم بالانقطاع عن المباحات: كعزوفهم عن الزّواج، وأكل اللّحم، ونحو ذلك.
فكان مالك بن دينار يزهّد في الزّواج، ويدعو إلى تركه ! وكان يقول:" لا يبلغ الرّجل منزلة الصّديقين حتّى يترك زوجته كأنّها أرملة ! ويأوي إلى مزابل الكلاب !" [" سير أعلام النبلاء " (8/156)].
وكان يقول:" إنّه لتأتي عَلَيّ السنة لا آكل فيها لحماً، إلاّ في يوم الأضحى, فإنّي آكل من أضحيتي ".
وبدأت تظهر في كلماته عبارات تدلّ على التأثّر بما لدى الأمم السّابقة، فيقول: قرأت في بعض الكتب ... قرأت في التوراة ... وأوحى الله إلى نبيّ من الأنبياء ... وقرأت في الزّبور ... ويُروَى عن عيسى عليه السلام ... [انظر ترجمته في " حلية الأولياء " (2/357)].
- ثمّ ظهرت طائفة تتحدّث عن محبّة الله عزّ وجلّ بعبارات غير لائقة: كالعشق، والهيام، ونحو ذلك .. وحرّفوا معنى العبادة وأنّها ليست طمعا في الجنان ! ولا خوفا من النّيران ! ولكنّها حبٌّ وعِشقٌ للرّحمن !
ويرَون حبّ الأهل والأولاد نقصاً في محبّة الله عزّ وجلّ! وعلى رأس هؤلاء عبد الواحد بن زيد (177هـ)، ورابعة العدويّة (185 هـ)، ونقلوا عنها أخبارا وحكايات، إن صحّت عنها صحّ اتّهام أبي داودرحمه اللهلها بالزّندقة. [انظر: " البداية والنهاية " (10/186)].
- وظهر في كلماتهم التحزّب دون سائر المسلمين، مثل قولهم: ( طريقتنا )، و( مذهبنا )، و( علمنا ) ...الخ.
ظهور مصطلح التصوّف:
أوّل ما ظهر مصطلح التصوّف بالكوفة؛ وذلك بسبب قربها من بلاد فارس، ومن أجل التأثّر بالفلسفة اليونانيّة بعد عصر التّرجمة، وبسلوك الرّهبان من أهل الكتاب، ثمّ شاع التصوّف بعد ذلك بالبصرة، ثمّ إلى غيرها من البلدان.
واختلفوا في أوّل من لُقِّب بالصّوفي:
- فذكر ابن النّديم في " الفهرست "(ص 499) أنّ أوّل من لُقِّب به هو: جابر بن حيّان (ت: 199 هـ، وقيل: 208)، الخراسانيّ الأصل، وعاش بالكوفة. وقد تنازعه كلّ من الفلاسفة، والأطبّاء والشّيعة وجعلوه من أقرب أصحاب جعفر الصّادق، وغيرهم.
- وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه إلى أنّ أوّل من عُرف بالصّوفي هو أبو هاشم الكوفيالشّيعيّ ( ت150هـ أو 162هـ) ، وكان معاصراً لجعفر الصّادق، ويسمّيه الشّيعة مخترع الصّوفية.
- وذهب بعض الباحثين كالمستشرق الفرنسي "ماسينيون" والباحث الإيراني الشيعي الدكتور قاسم غنيّ, وغيرهم , أنّ أوّل من لُقّب بالصّوفي هو عبد الكريم الكوفيّ المعروف بـ" عبدك الصّوفي " (ت:210)، وأنّه كان على رأس طائفة شيعيّة تسمّي نفسها صوفية تأسّست بالكوفة.
وعلى كلّ حال، فإنّ هناك قواسم مشتركة بين هؤلاء الثّلاثة:
فقد اجتمعوا على التشيّع، ممّا يدلّ دلالة واضحة على علاقة التشيّع بالتصوّف، وسيأتي تفصيله في فصل خاصّ.
وقد اجتمعوا في نسبة الأسبقيّة إلى التلقّب بالصّوفي!
كما اجتمعوا على أنّهم كانوا ثلاثتهم بالكوفة ! وما أقربها من فارس !
وممّا يجمعهم: أنّهم ثلاثتهم اتّهموابالزّندقة، والمجون!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله– كما في " مجموع الفتاوى " (10/358)-:
" صار في ولاة الأمور كثيرٌ من الأعاجم، وخرج كثير من الأمر عن ولاية العرب، وعُرِّبت بعضُ الكتب العجمية من كتب الفرس والهند والرّوم ... وحدث ثلاثة أشياء: الرّأي، والكلام، والتصوّف ... فكان جمهور الرّأي من الكوفة ... وكان جمهور الكلام والتصوّف في البصرة ..."اهـ
- وممّا يدلّ على أنّ مصطلح ( التصوّف ) و( الصّوفيّة ) قد عُرف تلك الأيّام: قولُ الشّافعيّ فيهم:" لو أنّ رجلاً تصوّف أوّل النّهار لا يأتي الظّهر حتّى يكون أحمق "، وقوله:" ما لزم أحد الصّوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله أبداً " [" تلبيس إبليس " (ص 327)].
ظهور أوّل طقوس الصّوفية:
كان من تلاميذ عبد الواحد بن زيد – الّذي سبق ذكره -: أحمد بن علي الهجيميّ (200 هـ) الّذي بنى دُوَيْرَةً للصّوفية، قال ابن تيمية رحمه الله:
" وهي أوّل ما بُنِي في الإسلام، وكان عبد الرحمن بن مهدي وغيره يسمّونهم: " الفقرية "، وكانوا يجتمعون في دويرة لهم. وصار لهؤلاء من الكلام المحدث طريقٌ يتديّنون به، مع تمسّكهم بغالب الدّين ... وصار لهؤلاء حالٌ من السّماع والصّوت، حتّى إنّ أحدهم يموت أو يغشى عليه ..."اهـ [" مجموع الفتاوى " (10/359)].
وقال رحمه الله في " الاستقامة " (1/297):" وهذا حدث في أواخر المائة الثانية، وكان أهله من خيار الصّوفية ".
ويقول رحمه الله–كما في " مجموع الفتاوى " (11/534)-:" وهذه القصائد الملحنة، والاجتماع عليها، لم يحضرها أكابر الشّيوخ، كالفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، والكرخي, وقد حضرها طائفة منهم ثمّ تابوا، وكان الجنيد لا يحضره في آخر عمره "اهـ.
- ويدلّ على أنّ أمر هؤلاء قد شاع وذاع، كلام الإمام الشّافعي رحمه الله فيهم: فإنّه عندما دخل مصر عام (199 هـ) قال:" خلفت بالعراق شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغييروفي رواية: السّماع - يشغلون به الناس عن القرآن " [" تلبيس إبليس " (216)].
والمقصود بالسّماع: الغناء والمواويل الّتي ينشدها الصّوفيّة.
وتأمّل تسمية الشّافعيّ لهم بالزّنادقة، وقول السّلف:" من عبد الله بالحبّ وحده فهو زنديق " [" مجموع الفتاوى " (10/81)].
كما يدلّ كلام الشّافعيّ على موقف الأئمّة الأعلام من أوائل الصّوفيّة، وأنّهم كانوا لهم بالمرصاد.
ومن أشهر من ردّ عليهم أيضا مع مطلع القرن الثّالث: الإمام أحمد رحمه الله، وكان يحذّر بشدّة من كلام الحارث المحاسبي، ويأمر بهجر مجالسه.
ومشى أهل العلم من أتباع السّلف على هذا التّحذير والتّنفير، وقد سئل الإمام أبو زرعة عن كتب المتصوّفة وقيل له: إنّ فيها عبرة ! فقال رحمه الله:" من لم يكن له في كتاب الله عزّ وجلّ عبرة، فليس له في هذه الكتب عبرة ".
مسيرة الانحطاط:
- ثمّ مع مطلع القرن الثّالث بدأ التصوّف يظهر مذهبا ومشربا, له مصطلحاته, وكتبه, وقصائده, وتعاليمه، وضوابطه, وأصوله، وقواعده, وفلسفته, ورجاله، وأصحابه، وتشعّبت مع الأيّام واللّيالي والأعوام طرقه.
وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله مسيرة هذا الانحطاط في " تلبيس إبليس " ونلخّصه فيما يلي:
ثم مازال الأمر ينمى، والأشياخ يضعون لهم أوضاعا، وصاروا يرون أنّ ما هم فيه هو أوفى العلوم، حتّى سَمّوه العلم الباطن ! وجعلوا علم الشّريعة العلم الظاهر.
- ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة فادّعى عشق الحقّ والهيمان فيه، فكأنّهم تخايلوا شخصا مستحسن الصّورة فهاموا به ! وهؤلاء بين الكفر والبدعة.
- ثمّ تشعّبت بأقوام منهم الطّرق، ففسدت عقائدهم: فمن هؤلاء من قال بالحلول، ومنهم من قال بالاتّحاد.
- وجاء أبو عبد الرحمن السّلمي، فصنّف لهم كتاب " السنن "، فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن ! والعجب من ورعهم في الطّعام وانبساطهم في القرآن !
- وصنّف لهم أبو نصر السرّاج كتابا سمّاه " لمع الصّوفية "، ذكر فيه جملة من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول.
- وصنّف لهم أبو طالب المكّي " قوت القلوب "، فذكر فيه الأحاديث الباطلة والاعتقاد الفاسد وأشياء منكرة مستبشعة في الصفات.
- وجاء أبو نعيم الأصبهاني، فصنّف لهم كتاب " الحلية "، وذكر في حدود التصوف أشياء منكرة قبيحة ولم يستح أن يذكر في الصوفية أبابكر وعمر وعثمان وعلياً وسادات الصحابة رضي الله عنهم ...
- وصنّف لهم عبد الكريم بن هوازن القشيري كتاب " الرّسالة "، فذكر فيها العجائب من الكلام في الفناء والبقاء, والقبض, والبسط, والوقت, والحال, والوجد والوجود, والجمع والتّفرقة, والصّحو والسّكر, والذّوق والشّرب, والمحو والإثبات, والتجلي والمحاضرة والمكاشفة, واللوائح والطوالع واللوامع, والتكوين والتمكين، والشّريعة والحقيقة، إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء، وتفسيره أعجب منه.
- وجاء محمّد بن طاهر المقدسيّ، فصنف لهم " صفوة التصوّف "، فذكر فيه أشياء يستحي العاقل من ذكرها.
- وجاء أبو حامد الغزالي، فصنّف لهم كتاب " الإحياء " على طريقة القوم، وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه.
وسنقف مع بعض مذاهبهم، ونطّلع على عقائدهم، ومصادر فقههم في الحلقات القابلة إن شاء الله تعالى.

أخر تعديل في الأربعاء 28 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 02 فيفري 2011 19:17 تم قراءة الموضوع 1036 مره
منشور في حقائق عن الصّوفيّة

آخر المواضيع:


المزيد من مواضيع هذا القسم: « - حقائق عن الصّوفيّة (2) عوامل ظهور التصوّف. - نبذة عن تاريخ الطّرق الصّوفية في الجزائر (1) »










رد مع اقتباس
قديم 2013-06-07, 01:51   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
cuda24
عضو جديد
 
الصورة الرمزية cuda24
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك أخي










رد مع اقتباس
قديم 2013-06-07, 12:14   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا









رد مع اقتباس
قديم 2013-06-08, 23:02   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
houssine 27
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية houssine 27
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك
♣♣♣


♠♠♠











رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الصّوفيّة, حقائق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:20

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc