صاحب الخطى المتثاقلة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > خيمة الأدب والأُدباء

خيمة الأدب والأُدباء مجالس أدبيّة خاصّة بجواهر اللّغة العربيّة قديما وحديثا / مساحة للاستمتاع الأدبيّ.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

صاحب الخطى المتثاقلة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-01-26, 19:34   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
غريب غريب
عضو جديد
 
إحصائية العضو










M001 صاحب الخطى المتثاقلة

من قصة: صاحب الخطى المتثاقلة- الفصل السادس-
يوم رائع من أيام الشتاء الباردة.. استيقظ المراهق قبل شروق الشمس ببضع دقائق فلقد كان على موعد مسبق معها.جلس على أعلى نقطة من جدار الطوب الخلفي المهدم في آخر الحي. يحرك يديه على بعضهما لعل هذه الحركة تشعره بشيء من الدفء. جلس برهة كالعاشق الذي يترقب قدوم حبيبته. منتظرا إطلالتها بقليل من الصبر وكثير من الشوق. وأخيرا ....
يا الله لأول مرة يرى الشمس تشرق عارية تتكشف رويدا … رويدا … لقد أبصرها بكاملها مغرية لا يشوب تفاصيلها ضوء ولا أشعة … فتخيل للحظة أنها تغريه بمنظرها … وتدعوه لإدراكها… لم يشعر بالبرد القارس المفاجئ الذي يصاحب بزوغها بل أنه لم يكد يغض طرفه ثانية عن ملاحقتها وهي تميل في غنج من بين الربوتين البعيدتين. وكأنها حسناء محتشمة في ثوبها القزحي. ترسل خيوطا مثيرة، تبعث في قلب المراهق شعورا بالنشــوة.
أحس بحرارتها تداعب صدره البالي … ذالك الصدر المرهق والمثقل بالأوجاع لأول مرة يحس بالدفء .أحسها تفتح ذراعيها وتضمه إلى صدرها وتمنى لو يبقيها طويلا ملتصقة به… لا يفارقها أبدا. أغمض عينيه محتضنا حزمة أشعة ذهبية دافئة وشعر فجأة بالرغبة في مراقصتها.. وفعل ذلك بلا تردد… وعلى جدار الطوب المهدم احتضنها وراقصها… ويجرؤ على تقبيلها … إنه يبكي على صدرها … انتابه في نفس الوقت شعور العاشق المتيم ثم شعور الولد المشتاق لأمه وصدرها المنتشي. بالفعل إنه يبكي وبحمق وحرارة يبوح لها بأسراره وآلامه… يشكو لها أوجاعه لا يبالي بدموعه تبلل فستانها القزحي يحادثها بصدق يضمها بعنف ولين يتوسلها ألا تدعه وحده. يخبرها بقصته ويروي لها أحلامه… يشتكي إليها قسوة ملاك الموت المستمرة، يرجوها أن تخبره بمعاناته… وفجأة ينتـفض بعنف من ذراعيها قائلا:
لماذا الحياة تمنحني الفرصة لأكون تعيسا… لماذا تمنع عني أسباب السعادة … لماذا لا تجد الأوجاع لها خلا غيري؟ ولماذا ملاك الموت يأبى الارتحال من غرفتي. ولماذا اليأس يعشق رفقتي؟ ولماذا هذا المرض الملعون يستعذب البقاء في جسدي… ولماذا الأصدقاء يهربون من مجالستي. لما هذه الرعشة ترفض مبارحة أوصالي. ولماذا هذه الدموع الباردة تسكن في وجنتي؟
يجمع بقايا الدموع القديمة والجديدة… ويتخلص بصعوبة بالغة من أثقال الأحزان ويقرر أن يرحل في هدوء.
عاد المراهق لغرفته مبكرا هذه المرة وعلى غير العادة، فلقد ابتاع قيثارة... وهو الآن جالس يحاول ابتداع شيء جديد. أنا أعرف أنه الفاشل المميز في كل شيء .. هو الآن يضبط أوتارها. وترا. وترا . استوى جالسا وداعب برقة غريبة وتـر الــدو .
لأول مرة أحس بأن رأسه المملوء بالتفاهات والنكات البائخة يعبر بهذه البراعة عن خواطره. ولأول مرة أشعر بأن صدره المملوء بالسجائر الرخيصة يخرج هذه الآهات والأنات. يالله . بصدق لقد سمعت بحزن كل نغمة وفهمت أنها كلها لا تعبر إلا على مكنونات مدفونة في عميق فؤاده. والله عزفه لمقامات الصبا جعلتني أعيد التفكير في شخصية هذا الأحمق البليد.
لقد أعدت صياغة فهمي لهذا الإنسان الذي يبدو كالمغفل من خلال أفعاله وكلامه الغريب. وأنا الآن خائر القوى لا أملك سوى الإصغاء بتمعن لأصابع ما كنت أظن أنها تصلح لغير لف السجائر وكتابة التافه من الأشعـار.
وباحترام سألته: كل هذه الأحزان في جوفك وأنت الذي لا تفارق الابتسامات شفاهك.. بالله عليك من أين لك قلبا كهذا… وتخيلت أنه لم يسمعني فاقتربت منه واستدرت لأرى وجهه.. يالله.. وجه طبع الموت تفاصيله … وجه لا ينتمي للبشر لعمـري وكان الموت قد. دمغه بطابع الأبدية ونحت زواياه. دمعة مستعصية ترفض البوح بضعفه. نازلة بقدسية من على خده ، تراقص وجنتيه النحيلتين. وعيون ساهية تنظر لكنها لا ترى. وعـلامات العلة لونت وجهه القاني. فكنت وكأني أنظر إلى جثة محنطة لولا آهات ليست لها لغة كانت تقذف بأنفاس متعبة مرهقة من جوف بركان يتهيأ للثوران.
ينفعل مع كل لحن يعزفه . ومن يدرك حرارة الأحزان يعرف أنه يبكي. تنزلق أصابعه على عنق القيثارة بأعجوبة فتارة أخاله سيكسرها، وتارة أخرى أقسم بيمين الله أنه وبأصابعه النحيلة يمسح على شعر إمرأة من رماد. أو أنه يغمض عيني عزيز له فارق الحياة.
لم أعد بالكاد أعرفه. وأنا الذي رافقـه طيلة خمس سنوات. وأنا الذي كان يسخر طيلة الوقت من تصرفاته الحمقاء وأفكاره الغـريبة. لم أعد أميز بين العازف الباكي وبين الأبله المعتوه.
توسلت الأقدار أن ترحمه من نوبة الحزن هذه لأن هذا الشخص يخيفني… وتتابعت الألحان الباكية ولاحقت نوبات أوجاعها حتى لكأنها لم تعد بكاء بل صارت صراخا ونحيب. ويواصل عزفه المجنون بقوة وأصابعه تلتطم بالأوتار في صراع ثيران تنذر بالخطر. وتتعالى الآهات المنتحبة في جنون لم تفقد الألحان حزنها وعذوبتها بل أنها زادتها تعبيرا وبالغ أسى. ارتجفت وأنا الطيف الذي لا يخاف وأمسكت بيد تدمي وعيون محترقة وحنجرة لاهثة لعله يتوقف فقد أذبلت ألحانه الزهور في الغرفة. وخرست الصراصير في الحوش. و أصابت أغصان الشجيرة بالشلل.وصرت كالمعلق بين الرغبة في الرحيل وهذه الألحان التي خدرت تفكيري. وأبكت صاحب الخطى المتثاقلة.
أقسمت بيمين الله أن تلك الابتسامات ما كانت سوى سخرية من القدر، وتلك الشخصية -شخصية الأبله المعتوه- ما كانت سوى استصغارا لهموم عظام. ونكاته البائخة يصعب على من له تفكير محدود مثلي أن يستوعبها ويتفاعل معها. وبعد برهة توقف بهدوء المتأمل وقذف بنظرة متعبة إلى السماء وسبح مبتعدا عن هذه الغرفة الملعونة.
سألته متوسلا وأنا المدرك لطبيعة مرضه وآلامه: هل تخاف الموت؟ فانتبه وعلى محياه ابتسامة نبي ……. وقال:
لا أخاف نظراته.. ولكني سئمت سكراته . ودخل في حالته القديمة. حالة الصمت المميت. بل حالة الموت الاختياري. وأقسمت بيمين الله أنه يحتكر في صدره سوق عذاب كل البشر. بن حمادي عبد الرحمان








 


رد مع اقتباس
قديم 2010-01-27, 21:09   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
التواقة للجنة
عضو متألق
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا على ما خطت اناملك
بارك الله فيك










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المتثاقلة, الخطى, صاحب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:06

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc