أيّ أسـرار ضاعـت فـي سـيـرة "الآنـسـة مـي"؟ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > خيمة الأدب والأُدباء

خيمة الأدب والأُدباء مجالس أدبيّة خاصّة بجواهر اللّغة العربيّة قديما وحديثا / مساحة للاستمتاع الأدبيّ.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

أيّ أسـرار ضاعـت فـي سـيـرة "الآنـسـة مـي"؟

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-01-28, 19:48   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
mecrosys
عضو محترف
 
الصورة الرمزية mecrosys
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 أيّ أسـرار ضاعـت فـي سـيـرة "الآنـسـة مـي"؟

أيّ أسـرار ضاعـت فـي سـيـرة "الآنـسـة مـي"؟



بعد كتابه "باقات من حدائق مي" (1973) أيقظ الدكتور فاروق سعد مطويات ماري زيادة، أو كما سمّاها سلامة موسى الآنسة مي (1886 - 1941) للإماطة عن المكنونات الجمالية لدى كاتبة كانت يوماً فتاة أحلام زملائها في الجامعة، وحملت منذ فتوتها عدة اسماء مستعارة منها "كنار" لتعبث بالنحات يوسف الحويك، ومنها "ايزيس كوبي" كتوقيع لقصائدها بالفرنسية التي حملت اسم "أزهار حلم" وعُرّب بعضها الى اللغة العربية موقعة باسم "عائدة". الى ذلك انتحلت الآنسة مي اسم "خالد رأفت" لتخوض به مساجلات واسعة باللغة العربية. والى اسمائها المتعددة يأتي توقيعها تحت صالونها الادبي في القاهرة كأبرز التواقيع التي اشتهرت بها ماري زيادة او الآنسة مي.

يرى الدكتور فاروق سعد في مؤلفه الجديد "السرّ الموزع للآنسة مي"(&) ان ما عرف وكتب عن سيرة مي زيادة، سواء كان حقائق او اشاعات، استمر ضمن نطاق ما حوته الرسائل المتبادلة بينها وبين أعلام الأدب والفكر في دنيا العرب، ولم يتعد ما تواتر من أخبار من داخل الصالون الأدبي حول علاقات عاطفية بينها وبين اكثر من واحد من الادباء المشهورين، كأنه لزام على مي ان تحصر اختيارها بفتى احلامها او شريك حياتها من الادباء اللبنانيين والمصريين. لم تتطور الكتابة عن مي زيادة مقارنة بما كان عليه الأمر قبل اكثر من ربع قرن يوم كتب فاروق سعد نفسه تحت عنوان: "مي عاشقة ومعشوقة" فقال: "ان علاقات مي زيادة العاطفية الحقيقية عموما بقيت مجهولة طيلة اطوار فتوتها ومراهقتها وشبابها والمقصود تلك السنوات التي قضتها في مدرسة الراهبات اليوسفيات في مدينة القاهرة بين سنة 1892 و1899 ثم في مدرسة عينطورة في جبل لبنان ما بين 1900 و1903". وتأسيسا على كلام الدكتور فاروق سعد يمكن الاستنتاج من تقصي آثار علاقات مي العاطفية، ومما شاع عنها ان معظم تلك الاخبار اطلقها وتناقلها من كانوا ومن لم يكونوا على صلة او اعجاب بها او بانتاجها الادبي. استهدفت الغرضية حياة مي بكل اشكالها من الاستغياب الى النهش الكلامي الى مضع الافكار الكاذبة الى النميمة الى فبركة الاقاويل. وماري او مي زيادة التي حفزتها هذه التصرفات اللااخلاقية على تقبل الاحباط والاكتئاب (في زمنها لم يطلق احد هذه الصفات على سلوكها!) اصطدمت بمرارات كثيرة ليس اقلها استدراجها من مصر الى لبنان لادخالها مستشفى العصفورية على يد نسيبها الدكتور جوزف زيادة. ومخطوط "ليالي العصفورية" مفقود وتروي فيه يوميات حجزها في المصح العقلي.

مرة، سئلت مي: كيف تؤلفين قصصك؟ فأجابت:

"لا ادري، ولكني استطيع ان اقول انها تفرض نفسها عليّ فرضا. فقد يكون موضوع القصة ذكرى قديمة تثيرها رؤية او منظر من المناظر او حادثة من الحوادث، وقد يكون ايحاء مما اشعر به واراه في حياتي الحاضرة فتدفعني هذه الذكرى ويستفزني هذا الايحاء الى كتابة القصة، واجدني مدفوعة الى تأليفها، وقد استيقظ في الفجر ولا ألبث حتى أرى نفسي امام مكتبي أؤلف القصة، ومن عادتي أن أضع تصميماً أولياً للموضوع إذا ضاق الوقت ثم أعود اليه فأصوغ القصة وأتمّ بناءها".

والمعروف أن مي زيادة اشتهرت بقصصها تماماً كشهرتها في نثرها الجمالي او الفني، وهذا جليّ في كتابيها "سوانح فتاة" و"الصحائف"، والى القصص تركت مي مجموعة شعرية بالفرنسية ترجمتها هي الى العربية تحت عنوان "أزهار حلم" ونشرت بعضها كباقي مقالاتها في صحف "المحروسة" و"الخدر" و"المقتطف". ويرى الباحث فاروق سعد ان الابحاث التي تناولت انتاج مي زيادة أغفلت أهم وأعمق ما توصلت اليه هذه الكاتبة، وخاصة المقالات التي تناولت القضايا الحساسة والموقعة باسم "خالد رأفت"، وفيها مقالات لغوية وفنون تشكيلية وموسيقى ومسرح. والى إغفال مقالات مي، أُسقطت أبحاثها الفكرية المنشورة في مجلة "المقتطف" (1918) والتي تناولت فيها مفاهيم مثل الطليعية والعدمية والفوضوية، الى الاشتراكية التي قالت عنها: "الغد للاشتراكية ولكنها ستغلب على أمرها".

وعبر حياتها المكتظة بالقلق والاضطراب برزت مي زيادة قلماً متميزاً في كتابة السيرة الذاتية كما في أعمالها "باحثة البادية" و"عائشة التيمورية" و"وردة اليازجي"، الى ابحاث في جريدة "المحروسة" (1923) ومجلة "المقتطف" (1935) عن برغسون وميكيلانجلو وبيتهوفن.

لم يول النقد الأدبي مسرحيات مي زيادة اي اهتمام، فيما تركزت دسامة البحث على خطبها ومحاضراتها التي كانت تنشر في "المحروسة" و"الهلال" و"المقتطف" و"العروة الوثقى" و"المورد الصافي" و"المقطم". وكل هذا جمع في كتاب "كلمات وإشارات". وحول أسلوب الالقاء الخطابي أورد طه حسين كلمة جبران خليل جبران في حفل تكريم خليل مطران إذ قال: "لم يرض الفتى عن شيء مما سمع". وثمة حكاية اخرى لسيرة مي نشرت تحت عنوان "مي او المجد العانس" في الجزء العاشر من "منشورات شهرزاد" التي كان يصدرها رئيف خوري ورضوان الشهال خلال الاربعينات من القرن الفائت. السيرة كتبها شبل خوري المتحدر من قرية شحتول (قرية مي) وجاء في المقدمة التي أوردتها ادارة المجلة ان جميع ما ساقه المؤلف من وقائع مطابق للحقيقة "وان هو تصرف ببعض الاسماء". الى ذلك تبرز صورة ولي الدين يكن كعاشق مستهام بمي لكن من غير تجارب او صد منها حتى دفع الهيام وعقدة الشعور بالاضطهاد العاطفي ولي الدين (1873 - 1921) الى الكتابة على خلفية صورة فوتوغرافية:

"كل شيء يا مي عندك غال
غير أني وحدي لديك رخيص".

وغير ولي الدين يكن ترك البعض شطحات عاطفية، أمثال طه حسين واحمد لطفي وزكي مبارك واسماعيل صبري وشبلي الملاط ويعقوب صروف وانطون الجميل وامين الريحاني وشبلي الشميل.

مساء كل ثلثاء كانت مي تشرع ابواب منزلها في القاهرة لاستقبال العديد من أعلام الفكر والأدب والفن حتى ضاهى هذا الصالون تلك الصالونات التي عرفتها فرنسا خلال القرنين السابع والثامن عشر كصالون مدام دو ستيل او مدام دو ريكامبيه. كان صالون مي في وصف طه حسين "صالوناً ديموقراطياً"، فيما تعرضت للسخرية من محمد التابعي وابرهيم المازني، وكان صوت مي كما يذكر عميد الأدب العربي "نحيلا وضئيلا انما عذب ورائع". واذا كان عباس محمود العقاد رأى حديثها ممتعا فإن احمد شوقي قال فيها:

"رأيت تنافس الحسنين فيها كأنهما لمية عاشقان
ام ان شبابها راث لشيبي
وما اوهى زماني من كياني".

اما صورة خليل مطران لها شعرا فتقول:

"ففي سفح لبنان حورية تفنن مبدعها ما يشاء
تبينتها وهي لي صورة
أعيدت الى الخلق بعد العفاء".

اما انطون الجميل الذي اشتهر كمناضل طبقي فكان يرسل الى مي رسائل الدلع لأنه قرر جديا الزواج بها، وذكرت وداد سكاكيني: "ان الجميل آثر ان يبقى عازبا طامعا في ان ترضى به مي زوجا"، وذكرت سلمى الحفار الكزبري: "ان الجميل ومطران رغبا في الاقتران بمي واخفقا في تحقيق تلك الرغبة اذ ظلا في حياتهما عازبين مثلها". اما شبلي الملاط فقال فيها:

"فجاءت مي معجزة تناهى
من المعنى إليها ما تناهى
رويدك إن بنت الأرز مي
وحسب الأرز ان يدعى اباها".

دام صالون مي نحو اثنتي عشرة سنة بين 1914 و،1926 وأقفل الصالون إثر مرض والد مي العضال. هنا يقول الباحث فاروق سعد انه ليس متأكدا من استمرار صالون مي كل ثلثاء من دون انقطاع طوال اثني عشر عاما، كما لم يقع تحت يده ما يوضح ما كان يتداول ويثار من موضوعات. ويتوقف سعد عند رسائل جبران ومي وهي صفحات مكتنزة لم يتناولها العديد من البحاثة، واللافت في غراميات جبران ومي تزيينها بلوحات ملونة لجبران، ان زيتية او بقلم الرصاص، وهو الاسلوب الذي اشتهر به. فهنا جبران الملتاع بريشة يوسف الحويك، او ميشلين بريشة جبران او في صورة فوتوغرافية، او زيتية ثالثة ورابعة لميشلين. وتلفت صورة ذاتية لجبران تجمعه مع خيال امرأة باهت اللون، الى لوحة لمي وضعها جبران بناء على رسالة: "لقد قصصت شعري" والى هذه اللوحات ثمة زيتيات لشارلوت تيللر، وجبران بريشة فرد هولند واي، وسلطانة ثابت لجبران، ولوحة ذاتية لجبران الى صورة فوتوغرافية لمي في الاربعينات، وصورة تجمع امين الريحاني بمي لدى زيارتها له في الفريكة إثر خروجها من المصح العقلي. ومما يحزن له المرء رؤية صور فوتوغرافية شاحبة لمي وهي على عتبة الخمسين وقد ارتسمت على محياها امارات الاكتئاب والاحباط اللذين عصفا بالكاتبة الكبيرة من دون ان يلاحظهما احد من كل تلك الجمهرة الادبية عهد ذاك.

اسوأ ما قيل في مي، الاديبة المبدعة، هو ما تركه الصحافي سلامة موسى. كان سلامة موسى محظوظا سمحت له مهنته الصحافية في جريدة "المحروسة" ثم في مجلة "المستقبل" بالتقرب من الكاتبة. ولا شك ان إعجاب سلامة موسى بمي كان يزداد يوما فآخر الى حد انه كتب في حماسة ظاهرة مقدمة كتابها "بين المد والجزر". وفي عدد شهر نيسان 1924 من مجلة "الهلال" كتب سلامة موسى: "مركز مي في الأدب العربي فريد في وقتنا الحاضر. فهي امرأة تكتب للرجال وليس معنى هذا ان النساء لا يقرأن مؤلفاتها فربما هن لا يعرفن كاتبة اكثر منها، ولكن جمهور النساء القارئات عندنا قليل جدا فكثرة قرائها من الرجال".

المخيف في قلم سلامة موسى (وهو من جيل مي) ما كتبه بعد سنوات من وفاتها الباكرة تحت عنوان "ذكريات من حياة مي" وهو نقيض لما كتبه عنها في حياتها، على ما يروي الباحث فاروق سعد، ولا سيما مقالته في مجلة "الهلال" او مقالته في مجلة "آخر ساعة" (1952) اذ تجاهل ثقافة مي العلمية والنظرية واطلاعها على مؤلفات ماركس وانغلز ولينين وباكونين وهوزن. يذكر سلامة موسى في مقالته عن مي انه "رآها في احد الايام مبتذلة في رثاثة شاذة وانها صامت عن الطعام في ايامها الاخيرة فكانت تبول وتتبرز في انحاء المسكن، وعلى الفراش وسائر الاثاث، وماتت جوعا وإن لم تحس انها ماتت جائعة". وهنا يلاحظ فاروق سعد: "يبدو ان سلامة موسى ظل يبيت في نفسه شيئا تجاه مي ازاء ما لاقاه هواه من خذلان واحباط ذات يوم حتى اذا مرت عقود وشاهد ميا على ما آلت اليه حالها تحولت صورتها الى كوابيس واضغاث احلام عبر عنها بما كتبه في مقاله عنها".

الباحث فاروق سعد حقق عملا ممتعا وجاذبا عن مي زيادة الكاتبة التي روت الأدب النسائي العربي في زمن الجفاف، ولعل حياتها اهم من أدبها. كانت مي حالة مستنيرة واضاءة جمالية حققت مسيرة مبدعة. صحيح ان نسائج الايام وتراكماتها تروي دائما شيئا جديدا عنها، لكن ادب مي زيادة سيظل باسقا، في اوصاله حركة جمالية مستمرة، وستبقى الذاكرة النقدية ترمم الذكرى عن اديبة كبيرة نالت منها المرارات والغصات.









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
"الآنـسـة, أسـرار, مـي"؟, سـيـرة, ضاعـت


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:15

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc