الحديث وعلومه - الصفحة 9 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الحديث وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-08-14, 06:00   رقم المشاركة : 121
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إذا مات العبد عُرض عليه مقعده من الجنة أو النار ، فلماذا يمر بمراحل الحساب يوم القيامة ؟

السؤال:


نحن نعلم أن المرء قبل وفاته ينظر إلى مقعده في الجنة أو النار والعياذ بالله ، أي أنه يعرف مصيره قبل وفاته .

لماذا إذن يوم القيامة عليه الانتظار والمرور بكل مواقف الحساب ، وهو يعلم مصيره سلفا ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (1379) ، ومسلم (2866)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ : هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) .

قال في "طرح التثريب" (3/ 304):

" فِيهِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُك

وَفِي هَذَا تَنْعِيمٌ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَعْذِيبٌ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِمُعَايَنَةِ مَا أُعِدَّ لَهُ وَانْتِظَارِهِ ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ " انتهى .

ثانيا :

قول السائل : لماذا عليه يوم القيامة الانتظار والمرور بكل مواقف الحساب وهو يعلم مصيره سلفا ؟

فالجواب أن يقال :

أولا :

كونه يعلم مصيره بمجرد البعث لما مر به في البرزخ فيه نظر ؛ فإن هول قيام الساعة كفيل بأن ينسى المرء كل ما مر به

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج/ 1، 2 .

ثانيا :

أن هول ما يراه يوم القيامة يجعله يطمع في النجاة ، ولذلك فهو يوم القيامة يكذب ويحاج عن نفسه عسى أن ينجو من العذاب

قال تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) الأنعام/ 22 – 24 .

ثالثا :

لما كان يوم القيامة هو يوم الحساب ، كان لا بد من قيام الحجة لله على خلقه ، ومحاسبتهم على أعمالهم ، وتقريرهم بذنوبهم ، حتى إذا ما دخلوا النار أيقنوا أن الله لم يظلم منهم أحدا شيئا

قال تعالى : ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ *

قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ* وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) الملك/ 6 – 11.

وروى مسلم (2968) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حديث الرؤية وفيه محاسبة الرب عبده يوم القيامة ، وفيه : ( ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ، فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ ، وَبِرُسُلِكَ ، وَصَلَّيْتُ ، وَصُمْتُ

وَتَصَدَّقْتُ ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ ، فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا ، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ ؟

فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ : انْطِقِي ، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ ) .

فالكافر يجادل عن نفسه يوم القيامة ، فيدحض الله حجته ، وتقوم الأشهاد تشهد عليه بما كان من عمله ، ومن تلك الأشهاد أعضاؤه ، وبذلك تقوم الحجة البالغة لله على خلقه

فلا يرى ظالم لنفسه عذرا ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) غافر/ 10، 11
.
رابعا :

كما تقوم حجة الله على الكافرين أصحاب النار ، يظهر فضل الله على المؤمنين أصحاب الجنة ، ويقوم ميزان العدل بين الناس يوم القيامة ، فينظر الكافرون إلى عدل الله

وينظر المؤمنون إلى فضله ، فيعلم الكافرون أن الله لم يظلمهم شيئا ، ويغتبط المؤمنون بما تفضل الله به عليهم من الرحمة والنجاة من النار ، ولولا فضل الله ما نجوا .

وهذا وغيره من الحكم الجليلة لا يمكن أن يظهر ويتبين للفريقين إلا بالمرور بأحوال يوم القيامة .

خامسا :

أن ما يحصل يوم القيامة من الأفزاع والأهوال والمرور على الصراط يجعله الله تعالى رحمة وكفارة لبعض أهل الإيمان ، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بعدة أسباب

فذكر منها : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا.

"مجموع الفتاوى" (7/487- 501) .

ولو لم يمر بها هؤلاء فلربما قدر الله عليهم أن يعذبوا في النار ، حتى يهذبوا وينقوا ويؤذن لهم بدخول الجنة .

سادسا :
أن مرور العبد بهذه المراحل يدل على عظمة الله تعالى ، وصدق ما أخبر به في كتبه ، وأخبرت به عنه رسله ، وكون العالمين إنسهم وجنهم في قبضته

لا يخرجون عن هيمنة سلطانه ، ويوم القيامة أعظم يوم تظهر فيه عظمة الرب تعالى وكمال قدرته وآثار أسمائه وصفاته ، فكان لا بد من حصول ذلك .

سابعا :

أن يوم الحساب يوم يتقاص فيه المخلوقات ، فيقتص الله فيه لبعضهم من بعض ، فكان لا بد من المرور بمرحلة القصاص التي لا تكون إلا في عرصات القيامة .

ثامنا :

لله تعالى الحكمة البالغة فيظل خلقا من خلقه في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ويفضح أقواما على رءوس الأشهاد ، ويهين المتكبرين والمتجبرين أمام الخلائق

فيعلم الخلق كلهم ما كان عليه هؤلاء وما كان عليه أولئك ، ويخسر المبطلون وينكشف أمرهم لكل الخلائق ، ويكرم الله أولياءه المتقين فتظهر كرامتهم عليه أمام الخلائق أجمعين .

وأيا ما كان الأمر في هذه الحكم ، أو بعضها ، فهي من وجوه النظر والاجتهاد ، وليس شيء منها منصوصا عليه ، لكن الذي يعني العبد في دينه أن يعلم أن الإيمان هو ركن من أركان الإيمان الستة

التي لا يصح للعبد إيمانه إلا بها ، وله من الحكم والأسرار ما قد تعجز العقول عن إدراكه ، ويضيق المقام عن ذكر ما نعلمه منه

ولا يمكن أن ينظر في ذلك ويسأل عن حكمته لأجل بشارة ترد العبد في قبره ، ثم لا تتحقق له حقيقتها ما دام في قبره لم يبعث .

والله أعلم .








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-08-14, 06:05   رقم المشاركة : 122
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل تصح قصة رفض أم كلثوم بنت أبي بكر الزواج من عمر بن الخطاب ؟

السؤال:

هل تصح قصة رفض أم كلثوم بنت أبي بكر الزواج من عمر بن الخطاب ؟

الجواب :


الحمد لله

أولا :

" أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، أمها حبيبة بنت خارجة، وتوفي أبوها رضي الله عنه وهي حمل، روت عن أختها عائشة، وروى عنها ابنها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وجابر بن عبد الله الأنصاري وهو أكبر منها ، وطلحة بن يحيى بن طلحة

والمغيرة بن حكيم الصنعاني، وجبير بن حبيب ولوط بن يحيى. ذكرها ابن منده وأبو نعيم وغيرهما في الصحابة ، وأخطأوا في ذلك، لأنها ولدت بعد موت أبي بكر الصديق " .

"تهذيب التهذيب" (12/ 477)

ثانيا :

قال أبو جعفر الطبري رحمه الله في "تاريخه" (4/ 199):

" قال المدائني: وخطب أمَّ كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة، وأرسل فيها إلى عائشة، فقالت: الأمر إليك، فقالت أم كلثوم: لا حاجة لي فيه، فقالت لها عائشة: ترغبين عن أمير المؤمنين؟! قالت: نعم، إنه خشن العيش، شديد على النساء .

فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته، فقال: أكفيكِ . فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني خبر أعيذك بالله منه، قال: وما هو؟ قال: خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر! قال: نعم، أفرغبت بي عنها، أم رغبت بها عني؟

قال: لا واحدة، ولكنها حدثة نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين ورفق، وفيك غلظة، ونحن نهابك، وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك

فكيف بها إن خالفتك في شيء، فسطوت بها! كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك.

قال: فكيف بعائشة وقد كلمتها؟ قال: أنا لك بها، وأدلك على خير منها، أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، تعلق منها بسبب من رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

وهذا إسناد ضعيف منقطع لا يثبت ، المدائني هو علي بن محمد، أبو الحسن المدائني ، وهو صدوق ثقة ، وثقه ابن معين ، وذكره ابن عدي في الكامل وقال: ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار، قل ما له من الروايات المسندة.

مات سنة أربع أو خمس وعشرين ومائتين .

"ميزان الاعتدال" (3/ 153) ، "سير أعلام النبلاء" (8/ 447).

فبينه وبين زمن الصحابة رضي الله عنهم مفاوز .

وقال ابن عبد البر رحمه الله :

" روى ابْن عيينة، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أبي خالد، قَالَ: خطب عُمَر بْن الْخَطَّابِ أم كلثوم بنت أبي بكر إِلَى عائشة ، فأطمعته، وقالت: أين المذهب بها عنك؟

فلما ذهبت قالت الجارية: تزوجيني عمر، وقد عرفت غيرته وخشونة عيشه؟ إنما أريد فتى من قريش يصب عليّ الدنيا صبًا !!

قَالَ: فأرسلت عائشة إِلَى عَمْرو ابن العاص، فأخبرته الخبر، فقال عمرو: أنا أكفيك. فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين، لو جمعت إليك امرأة!

فَقَالَ: عسى أن يكون ذلك فِي أيامك هذه.

قَالَ: ومن ذَكرَ أميرُ المؤمنين؟

قَالَ: أم كلثوم بنت أبي بكر.

قَالَ : مالك ولجارية تنعى إليك أباها بكرة وعشيًا ؟!

قَالَ عمر: أعائشة أمرتك بذلك؟

قَالَ: نعم !!

فتركها." .

"الاستيعاب" (4/ 1807)

هكذا ذكره ابن عبد البر معلقا ، ولا نعرف من رواه عن ابن عيينة ، ثم هو بالإضافة إلى ذلك : ضعيف أيضا ، فابن أبي خالد توفي سنة 146

وقال علي بن المديني: "رأى أنسا رؤية ، ولم يسمع منه" ؛ فلم يدرك زمان عمر ، فهذا من مرسلاته .

قال يحيى بن سعيد: "مرسلات ابن أبي خالد ليست بشيء "

انظر : "التهذيب" (1/291)

والحاصل : أن هذه قصة ضعيفة لا تثبت .

وإنما الثابت زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما .

قال ابن كثير رحمه الله :

" تَزَوَّجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي أَيَّامِ وِلَايَتِهِ بِأُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَأَكْرَمَهَا إِكْرَامًا زَائِدًا ; أَصْدَقَهَا أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَجْلِ نَسَبِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " انتهى .

"البداية والنهاية" (8/ 243)

وانظر : "سير أعلام النبلاء" (4/ 479)، "الإصابة" (8/ 465)

"السلسلة الصحيحة" (2036)

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-14, 06:08   رقم المشاركة : 123
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

درجة ما نسب إلى خديجة رضي الله عنها ((ولو أن لي في كل يوم وليلة بساط سليمان))

السؤال:


أود السؤال عن صحة هذا الحديث المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في حب السيدة خديجة للنبي: " ولو أن لي في كل يوم وليلة بساط سليمان

وملك الأكاسرة لما ساوت عندي جناح بعوضة إذا لم تكن عيني لوجهك ناظرة ، كلا والله ، لا يخزيك الله أبدا ".


الجواب :

الحمد لله

إن محبة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ونصرتها له أمر معلوم مشهور ، وكان كثيرا ما يثني النبي صلى الله عليه وسلم عليها حتى أن عائشة رضي الله عنها كانت تغار من ذلك .

وقد روى الإمام البخاري في "صحيحه" (3817) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا ). انتهى .

أما الكلام الوارد في السؤال والمنسوب إلى خديجة رضي الله عنها فليس له ذكر على الإطلاق في كتب السنة ، ولم يرو لا بإسناد صحيح ولا ضعيف .

بل لم نجد أحدا من أهل العلم ذكره أصلا . إلا أنه قد أورده بعض الشيعة في كتبهم منسوبا لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، حيث أورده البكري في كتابه "الأنوار في مولد النبي صلى الله عليه وسلم" (ص189) بلا إسناد

ونقله عنه المجلسي في "بحار الأنوار" (16/52)

وذلك في أثناء ذكره لرحلة النبي صلى الله عليه وسلم للتجارة في مال خديجة رضي الله عنها إلى الشام ، وكيف أنه بعد عودته صلى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة كيف أنه ربح مالا عظيما

ففرحت وأمرت أن ينصب له كرسي من العاج والآبنوس، وأجلسته عليه ، وقالت:" يا سيدي كيف كان سفركم ؟ فأخذ يحدثها بما باعه وما شراه

فرأت خديجة ربحا عظيما ، وقالت: يا سيدي لقد فرحتني بطلعتك ، وأسعدتني برؤيتك ، فلا لقيت بؤسا ، ولا رأيت نحوسا ، ثم جعلت تقول شعرا:

فلو أنني أمسيت في كل نعمة * ودامت لي الدنيا وملك الاكاسرة

فما سويت عندي جناح بعوضة * إذا لم يكن عيني لعينك ناظرة ". انتهى

والبكري هذه هو أحمد بن عبد الله بن محمد البكري قد ترجم له الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/112)

فقال :" ذاك الكذاب الدجال واضع القصص التي لم تكن قط فما أجهله وأقل حياءه ، وما روى حرفا من العلم بسند ، ويقرأ له في سوق الكتبيين كتاب ضياء الأنوار ورأس الغول ". انتهى

إلا أن الجملة الأخيرة فيه ( كلا ؛ والله لا يخزيك الله أبدا )

: قد وردت في "صحيح البخاري" (4953) و"صحيح مسلم" (160) من حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ:" كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ

فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ ، فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - قَالَ: وَالتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ

ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ المَلَكُ ، فَقَالَ: اقْرَأْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» ، قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ،

فَقَالَ: اقْرَأْ ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ

ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ} [العلق: 2]- الآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ - {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5] " فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ

حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ ، فَقَالَ: « زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي »، فَزَمَّلُوهُ ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ .

قَالَ لِخَدِيجَةَ: « أَيْ خَدِيجَةُ ، مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي »، فَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ ، قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا ، أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا

فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ ..". انتهى

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-17, 07:28   رقم المشاركة : 124
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




حول صحة ما نسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يضرب من يقرأ آية المتعة وأن عائشة رضي الله عنها شنعت عليه بذلك

السؤال

أرغب في الاستفسار عن صحة موضوع قرأت عنه ، وهو : أن سيدنا علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنها ـ كان يضرب من يقرأ آية المتعة ، وأن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ شنعت عليه ، وقالت: إنه يجلد على القرآن

وينهى عنه ، وقد بدله وحرفه ، أعلم أنه لا توجد آية كآية المتعة في القرآن الآن ، ولكن هل نزلت ، ونسخت بعدها ، وظل الناس يقرؤونها ، ولم يصلهم العلم بنسخها و حكمها ؟

وكيف لا تعلم السيدة عائشة بذلك ، وتشنع على سيدنا علي ـ رضي الله عنهما ـ وهي تعلم تمام العلم ، وهي زوج رسول الله، ومن أكثر الناس علما أن الآية ليست من القرآن

وتقول يجلد على القرآن ؟ ثم هل الرواية صحيحة من الأساس ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

لا يزال أعداء دين الله عز وجل يختلقون الكذب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليطعنوا في دين الله عز وجل ، وهؤلاء يريدون تجريح حملة الدين

كما قال أبو زرعة الرازي رحمه الله :" « إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ عِنْدَنَا حَقٌّ ، وَالْقُرْآنَ حَقٌّ ، وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ

أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى وَهُمْ زَنَادِقَةٌ » .

أخرجه الخطيب في "الكفاية" (ص49)

ومن ذلك الكذب ما سأل عنه ونقله الأخ الكريم في سؤاله ، فإنه كذب لم يرد ولم يرو قط بإسناد ولو ضعيف عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولا عن علي رضي الله عنه .

ولقد كان أول من ذكر هذا الإفك والزور هو ما نسب إلى رجل يدعى عبد المسيح الكندي ذكره في رسالة جوابا على رسالة رجل من المسلمين يدعى عبد الله بن إسماعيل الهاشمي دعاه إلى الإسلام

فكتب ردا على رسالته يعرف باسم ( جواب عبد المسيح الكندي إلى عبدالله بن اسماعيل الهاشمي ) ذكر فيها في أثناء حديثه عن القرآن قال

:" وكذلك آية المتعة فإن علياً كان أسقطها وقال إنه سمع رجلاً يقرأها على عهده فدعاه وضربه بالسوط ، وأمـر الناس ألا يقرأها أحد

فكان هذا بعض ما شـنَّعت به عليه عائشة يوم الجمل ، وقد دخلت منزل عبد اللـه بن خلف الخزاعي ، فقالت في بعض قولها: "إنه يجلد على القرآن ويضرب عليه وينهى عنه وقد بدَّل وحرَّف". انتهى

وهذه الرسالة ليس لها سند أصلا ، وقد صنف الشيخ نعمان بن محمد الألوسي المولود سنة 1252هـ والمتوفى سنة 1317هـ ، وهو ابن الشيخ الألوسي المفسر صاحب كتاب روح المعاني

صنف كتابا بعنوان :"الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح" ، ذكر فيها نص الرسالة المنسوبة إلى عبد المسيح الكندي هذا ، ثم ردّ عليها جملة جملة فأجاد وأفاد ، وهو مطبوع متداول .

وكذلك ذكرها الزرقاني عن بعض من يثير الشبهات في "مناهل العرفان" (1/263) .

وكذا نقلها الشيخ محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" (6/25)

فقال :" نشرت مجلة ( البروتستنت ) المصرية في الجزء الرابع من المجلد الثالث - نبذة في الطعن بالقرآن، نقلتها عن كتاب لهم، يقال: إن للشيخ إبراهيم اليازجي يدًا في تصحيحه أو تأليفه أو ترجمته ...

وقد نقل الكاتب عن عبد المسيح الكندي أن عليًا ... ثم ساق الكلام كما جاء في السؤال ". انتهى

وقد نقل هذه الشبهة الشيخ محمد أبو شهبة في "المدخل لدراسة القرآن الكريم" (ص292)

وعلق قائلا :" أما ما يذكره عن عليّ أنه أسقط آية المتعة ... الخ : فكذب وافتراء عليه ". انتهى

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-17, 07:34   رقم المشاركة : 125
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

في معنى حديث " أن المرأة خلقت من ضلع " وهل هي مجبرة

السؤال :


المرأة خلقت من ضلع ، فهل معنى الحديث أن المرأة مجبرة على الاعوجاج في أخلاقها ؛ لأنها خلقت من ضلع ؟

وهل معنى الحديث أنها لن تحاسب على بعض ذنوبها ، أم أنها ستحاسب كما يحاسب الرجل ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

من المعلوم من دين الله عز وجل بالضرورة : أن المرأة والرجل سواء في خطاب الشرع ، وأن الله تعالى وعد المؤمنين والمؤمنات بالجزاء العظيم سواء بسواء

فقال سبحانه : ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) النساء/124

وقال عز وجل: ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) . الأحزاب/35 .

وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) . غافر/40

والأصل أن خطاب الشرع عام، يشمل الرجال والنساء، إلا ما كان خاصا بالنساء ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم عن النساء :

إنما هن شقائق الرجال ). أخرجه البزار في مسنده (6418) ، وصححه ابن القطان في "الوهم والإيهام" (5/271) والشيخ الالباني في "السلسلة الصحيحة" (2863) .

أي: أنهما سواء في الواجبات والمحرمات، إلا ما استُثني كسقوط وجوب الجهاد على النساء ، وسقوط وجوب الصلاة حال الحيض والنفاس ، وغير ذلك .

وإنما كان الخطاب غالبا في القرآن والسنة للرجال: من باب التغليب فقط، وليس من باب التخصيص.

قال ابن العربي المالكي في "المسالك" (2/423) :

" وقد روي ( أن النساء شقائق الرجال ) ؛ يعني: أن الخلقة فيهم واحدة، والحكم فيهم بالشريعة سواء ". انتهى .

وهذه مسألة أجمع عليها أهل العلم

قال الرجراجي في "رفع النقاب عن تنقيح الشهاب" (3/217) :

" انعقد الإجماع على أن النساء والرجال سواء في التكاليف الشرعية، إلا ما دل عليه الدليل ". انتهى

ثانيا :

جعل الله الإنسان قادرا على الاستجابة للشرع وأوامره ونواهيه ، وهذا هو مناط التكليف في هذه الدنيا: أن يكون عالما بالأمر الشرعي ، قادرا على تنفيذه .

فكل التكاليف الشرعية في مقدور العبد، ذكرا كان أو أنثى ، قال الله تعالى : ( وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ). المؤمنون/62 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله

، في "منهاج السنة النبوية.(5/110) :

" فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}الأعراف/32 ، وَقَوْلِهِ: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة/233

وَقَوْلِهِ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} الطلاق/7، وَأَمَرَ بِتَقْوَاهُ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ فَقَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن /16، وَقَدْ دَعَاهُ الْمُؤْمِنُونَ بِقَوْلِهِمْ: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا

وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} البقرة/286 فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. فَدَلَّتْ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا مَا تَعْجِزُ عَنْهُ ". انتهى

ثالثا :

من المعلوم أن المرأة قد اختصها الله تعالى ببعض الصفات الخَلقية والخُلقية عن الرجل

كما قال تبارك وتعالى : ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ) آل عمران /36 ،

ولذا كانت هناك أحكام خاصة بالمرأة مثل سقوط وجوب الصلاة والصوم حال الحيض والنفاس مع وجوب قضاء الصيام ، دون الصلاة ، بعد الطهر، وعدم وجوب الجهاد ، وكذا عدم وجوب النفقة على زوجها .

ومنع الشرع من إعطائها الولاية على الرجال ، وجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل ، كل هذا وغيره من لدن حكيم خبير الذي قال : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) . الأعراف /54

ومن هذه الخصائص والصفات التي جعلها الله في المرأة دون الرجل: ما ذكره السائل الكريم ، وهو أنها خلقت من ضِلَعٍ .

وقد ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري في "صحيحه" (3331) ومسلم في "صحيحه" (1468) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ

فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ » .

ولفظ " مسلم " : ( إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا ، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا ) .

وقد اختلف أهل العلم في معنى (خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ) : هل هو مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ أَوْ مِنْ عِوَجٍ ؟

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (5/162) قوله: إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ يَحْتَمِلُ الحقيقة ؛ فقد رُوِيَ: أَنَّ آدَمَ نَامَ ، فَانْتُزِعَ ضِلَعٌ مِنْ أَضْلاَعِهِ الْيُسْرَى ، فَخُلِقَتْ مِنْهُ حَوَّاءُ ، فَلَمَّا أَفَاقَ ، وَجَدَهَا إلَى جَانِبِهِ

فَلَمْ يَنْفرْ وَاسْتَأْنَسَ ؛ لأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ . فلذلك صَارَتِ الأضلاع الْيُسْرَى تَنْقُصُ عن الْيُمْنَى واحدًا .

ويَحْتَمِلُ الْمَجَازَ، والْمَعْنَى: خُلِقَتْ من شيء مُعْوَجٍّ صُلْبٍ ، فإن أَرَدْتَ تقويمها، كَسَرْتَهَا ، وإن تَمَتَّعْتَ بها على حالها، تَمَتَّعْتَ بشيء مُعْوَجٍّ فيما يُمْكِنُ أن يَصْلُحَ فيه ، فقد يَصْلُحُ الْمُعْوَجُّ في وَجْهٍ، والمَعْنى على اعْوِجَاجِهِ .. ". انتهى

وعلى كل؛ فالمعنى أن في المرأة اعوجاجا في الطبع والخُلق، ونقصا في العقل ، كالغيرة الشديدة والعاطفة الجياشة ، فينبغي على الرجل الرفق بها، وأن يعاملها بمقتضى هذا النقص .

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (4/680)

وقوله: " استوصوا بالنساء خيرًا ، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج " الحديث: فيه الحض على الرفق بهن ، ومداراتهن ، وألا يتقصّى عليهن في أخلاقهن ، وانحراف طباعهن

لقوله: " إن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته استمتعت به ". انتهى ، وقال ابن علان في "دليل الفالحين" (3/97) :" (خلقت من ضلع لن تستقيم لك

) أي: تدوم (على طريقة) ترضاها ، والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن سائلاً يقول: ماذا ينشأ من كونها خلقت من ذلك؟

فقال: لن تستقيم (فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها) إقامة تامة مرضية لك (كسرتها) لأنه خلاف شأنها ". انتهى

وهذا النقص والعوج في غاية المناسبة لخلقتها، ولكونها سكنا لزوجها، وحاضنة لأطفالها ، قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (7/160) :"

وقوله: (أعوج ما في الضلع أعلاه)، يعني به - صلى الله عليه وسلم - فيما أراه أن حنوها الذي يبدو منها؛ إنما هو عن عوج خلق فيها، وهو أعلا ما فيها من حيث الرفعة على ذلك

فإن أعلا ما فيها الحنو، وذلك الحنو فيه عوج ". انتهى

رابعا :

ليس معنى ذلك أن المرأة مجبرة على أفعالها، وأخلاقها ، غير مختارة ، ولا حرة الإرادة في شيء من ذلك ، أو أن لها أن تتحجج بذلك في فعل الحرام، وارتكاب المخالفة

بل هذا بيان لضعف خلقتها ، والنقص الحاصل لها في جانب معين ، من جوانب شخصيتها .

وأخص ما يظهر من عوجها ، ونقصان خلقتها : ما يتعلق بأمر زوجتها ، وعشرتها معه ؛ فلذلك نبه الحديث الرجل إلى ذلك ، كي يحسن التأتي لذلك الجانب من النقص

ويتفطن لوجه الصلاح في عمله معه ، وعشرته لها .

ثم لم يقف الأمر عند ذلك ، ولا أرخى لها الشرع حبال العذر ، والتعلل بأصل الخلقة ، لتفعل ما شاءت من أمرها ، أو تعامل زوجها بما بدر منها

أو غلب على طبعها . حتى حذرها من الاسترسال في ذلك العوج ، والتزيد من ذلك النقصان .

روى البخاري (29) ومسلم (884) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ ) قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ

" يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ " .

وفي رواية أخرى ، بيان الجمع بين هذين الجانبين : النقص الذي تعذر به ، ويعفى عن نقصها ، والنقص الذي حذرها الشرع منه ، وبين سوء عاقبته

وأن غلبة الطبع ليست عذرا ، بل هي مأمورة بالاستقامة على أمر الشرع فيه ، وذلك ممكن لها ، غير متعذر ، متى ما أصلحت من نفسها ، واستقامت على أمر ربها .

روى البخاري (304) ومسلم (80) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ،

فَقَالَ: ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ )، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: ( أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا ) .

وفي رواية جابر رضي الله عنه عند مسلم في "صحيحه" (885) قال : ( لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ) .

والحاصل :

أن نقصان خلقتها ، وضعفها ، وعوجها : إنما يكون لها عذار ، فيما عذرها الشرع فيه ، وتأديبا لزوجها ، والقيم على أمرها : أن يرفق بها ، ويستصلحها بحكمة ، وأناة ، ويصبر على ما جبلت عليه من ضعف ، ونقص .

وليس لذلك مدخل في عذرها في معصية ربها ، والتفريط في أمره ؛ بل الواجب على زوجها ، والقيم على أمرها : أن يؤدبها بأدب الشرع ، ويرعاها ، ويقف بها عند حدود الله .

قال ابن حجر في "الفتح" (9/254) :

" فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهَا عَلَى الِاعْوِجَاجِ إِذَا تَعَدَّتْ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ، إِلَى تَعَاطِي الْمَعْصِيَةِ، بِمُبَاشَرَتِهَا، أَوْ تَرْكِ الْوَاجِبِ؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى اعْوِجَاجِهَا فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ ". انتهى .

وقال المظهري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (4/79) :

" فإن أردتَ أن تكونَ المرأة مستقيمةً في الفعل والقول: لم يكنْ ، بل الطريقُ أن تَرضَى باعوجاجِ فعلِها وقولِها ، وتأخذَ منها حظَّك مع اعوجاجها .

والرِّضا باعوجاجِ فعلِها وقولِها : إنما يجوزُ إذا لم يكنْ فيه إثمٌ ومعصيةٌ ، فإذا كان فيه إثمٌ ومعصيةٌ؛ فلا يجوز الرِّضا به ، بل يجب زجرُها حتَّى تتركَ تلك المعصيةَ ". انتهى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-17, 07:38   رقم المشاركة : 126
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول صحة إهلاك المسخ بعد ثلاث

السؤال :

في قصه أ صحاب السبت هل صح أن الذين قد مسخوا ماتوا بعد 3 أيام؟


الجواب

الحمد لله

المسخ هو تشويه الخلق وتحويله من صورة إلى صورة.

كذا قال ابن فارس في "مجمل اللغة" (831).

وقد وقع ذلك عقوبة من رب العالمين لقوم من بني إسرائيل تحايلوا على الشرع ، حرم الله عليهم الصيد يوم السبت فصنعوا حيلة للوصول إلى ما حرم الله ، فمسخهم الله قردة خاسئين

كما في قوله تعالى في سورة الأعراف : ( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) الأعراف164-166 .

والمسخ عقوبة باقية سوف تحدث لأقوام من هذه الأمة المحمدية ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ ، يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا

فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ ، وَيَضَعُ العَلَمَ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ " . أخرجه البخاري في صحيحه (5590) معلقا بصيغة الجزم ، ورواه موصولا أبو داود في سننه (4039)

وقال الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (5/22) :" وَهَذَا حَدِيث صَحِيح لَا عِلّة لَهُ وَلَا مطْعن لَهُ ". انتهى .

وقد اختلف أهل العلم في كون هؤلاء الذين مسخهم الله قردة من بني إسرائيل وغيرهم : هل يهلكهم الله ، ولا يكون لهم نسل ، أم أنهم يكون لهم نسل وعقب ؟

على قولين لأهل العلم ، حيث قال القرطبي في "تفسيره" (1/440)

:" وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَمْسُوخِ هَلْ يَنْسِلُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِرَدَةُ مِنْهُمْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمَمْسُوخُ لَا يَنْسِلُ ، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَغَيْرُهُمَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالَّذِينَ مسخهم الله قد هلكوا وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَسْلٌ ". انتهى .

والقول بأنه ينسل قول ضعيف شاذ كما ذكر غير واحد من أهل العلم ، وقد ورد في الحديث الصحيح ما يدل على هلاك من مسخهم الله ، وأنه ليس لهم نسل ولا عقب .

وهو حديث أخرجه مسلم في صحيحه (2663) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْقِرَدَةُ - قَالَ مِسْعَرٌ: وَأُرَاهُ قَالَ: وَالْخَنَازِيرُ مِنْ مَسْخٍ - ؛ فَقَالَ:

( إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا، وَقَدْ كَانَتِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ ) .

وقد علق ابن قتيبة رحمه الله القول في ذلك على صحة الحديث السابق ، فقال في "تأويل مختلف الحديث" (373)

:" وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهَا الْمَمْسُوخُ بِأَعْيَانِهَا ،

تَوَالَدَتْ . وَاسْتَدْلَلْتُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير } ، فَدُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي القردة و الْخَنَازِير يَدُلُّ عَلَى الْمَعْرِفَةِ ، وَعَلَى أَنَّهَا هِيَ القردة الَّتِي نعاين .

وَلَوْ كَانَ أَرَادَ شَيْئًا انْقَرَضَ وَمَضَى ، لَقَالَ: ( وَجَعَلَ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ) .

إِلَّا أَنْ يَصِحَّ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي الْمَمْسُوخِ ، فَيَكُونُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". انتهى.

علق ابن هبيرة في "الإفصاح" (2/123)

على كلام ابن قتيبة فقال :" وقد صح حديث أم حبيبة [ يعني : حديث ابن مسعود السابق ، ففيه قصة لأم حبيبة ]؛ فلا يلتفت إلى ظن ابن قتيبة ".انتهى.

بل اعتبر الحافظ ابن حجر أن القول بأن لهم نسلا قولا شاذا ، فقال :" قَالَ ابن التِّينِ : لَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مِنْ نَسْلِ الَّذِينَ مُسِخُوا ، فَبَقِيَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْحُكْمُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يَنْسِلُ !

قُلْتُ : وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ .

وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ ابن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا : ( إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا فَيَجْعَلُ لَهُمْ نَسْلًا ) .

وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ إِلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنَ الْقِرَدَةِ مِنْ نَسْلِ الْمَمْسُوخِ .

وَهُوَ مَذْهَب شَاذ ". الفتح (7/160).

فتبين مما سبق أن من عاقبهم الله بالمسخ ليس لهم نسل ، بل يهلكهم الله تعالى .

وأما سؤال السائل الكريم : هل ثبت أنهم يمكثون ثلاثة أيام قبل موتهم وهلاكهم؟

فجواب ذلك : أنه لم يصح في تحديد مدة بقائهم بعد المسخ ، وقبل الإهلاك : شيء . ولم يرد في ذلك حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم .

إنما ورد أثر موقوف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه من طريقين ، بلفظين مختلفين :

الأول : أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (313) من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس أنه قال :" لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل ".

ثم ضعفه الطبري فقال :" أما الخبر عن ابن عباس الذي روي بما ذكرت من أن المسخ لا يعيش أكثر من ثلاث : فخبر في سنده نظر ، لعلتين :

إحداهما : أن الضحاك لم يسمعه من ابن عباس .

والثانية : أن بشر بن عمارة ليس ممن يعتمد على روايته ". تهذيب الآثار (1/ 195)

واللفظ الثاني : أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (670) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: « إِذَا كَانَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ فَجُعِلُوا قِرَدَةً فَوَاقًا ، ثُمَّ هَلَكُوا ؛ مَا كَانَ لِلْمَسْخِ نَسْلٌ » . انتهى

والفواق : هُوَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ .

وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ الْغَدَاةِ إِلَى الْعَشَاءِ ; لِأَنَّ النَّاقَةَ تُحْلَبُ فِيهِمَا .

وإسناد هذا الأثر تالف ؛ فيه عبد الله بن محمد بن ربيعة ضعيف جدا ، يروي الموضوعات .

قال ابن حبان في "المجروحين" (2/39) :

" كان تقلب له الاخبار ، فيجيب فيها. كان آفته ابنه ، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الاعتبار ، ولعله أقلب له على مالك أكثر من مائة وخمسين حديثا ، فحدث بها كلها ". انتهى .

وقال الحاكم :" يروي عَنْ مالك الموضوعات ".

كذا في "تاريخ الإسلام" للذهبي (5/102) .

وقال الذهبي :" أحد الضعفاء ؛ أتى عن مالك بمصائب ".

ميزان الاعتدال (2/488) .

والحاصل :

أن من مسخهم الله في هذه الدنيا : لا يتناسلون ، بل يهلكهم الله تعالى .

إلا أنه لم يصح في تحديد مدة بقائهم بعد المسخ شيء .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-17, 07:41   رقم المشاركة : 127
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ما صحة حديث : ( لا تقوم الساعة حتى تمرج عهودهم ) ؟

السؤال :

نشر احدهم على أحد مواقع التواصل الاجتماعي حديث نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم , ولا يريد ذكر مصدره ، وبحثت عن مدى صحته لكن لم أتوصل إلى إجابة...

ما صحة هذا الحديث: (لا تقوم الساعة حتى تمرج عهودهم ، يقولون بالليل مالا يفعلون بالنهار ويقولون بالنهار مالا يفعلون بالليل ) هل هذا حديث صحيح ؟


الجواب :

الحمد لله


الحديث الوارد في السؤال ليس له أصل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بهذا السياق .

وقد ورد لبعض فقراته نظائر في معناها ، بأسانيد صحيحة .

فالفقرة الأولى منه جاء لها شاهد يدل على أنه سيكون في الناس من تمرج عهودهم ؛ أي تختلط عهودهم وتضيع أمانتهم .

كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ غَرْبَلَةً ، وَيَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ ، وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا ) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ .

قَالُوا: فَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: ( تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ ، وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ ، وَتَدَعُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ ) .

والحديث أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (6508)

وأبو داود في "سننه" (4342)

و وذكره البخاري في "صحيحه" (480) معلقا بصيغة الجزم

وصحح إسناده ابن حجر في "الفتح" (13/39)

وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (205).

وأما الفقرة الثانية وهي أنه سيكون في الناس من يقولون ما لا يفعلون ، فجاء معناها في حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ ، يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ

وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ). أخرجه مسلم في صحيحه (50) .

والحاصل : أن الحديث المذكور في السؤال : ليس مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السياق .

وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ، ما يغني عن تكلف إيراد هذا الحديث الباطل .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-17, 07:45   رقم المشاركة : 128
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة )

السؤال :

ما صحة حديث انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة ؟


الجواب :


الحمد لله

أولا :

إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته خديجة رضي الله عنها ووفاءه لها لا يخفى ، حتى أنه قال عنها صلى الله عليه وسلم :" ( إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا ) رواه مسلم (2534) .

ومن كثرة ما كان يذكرها قالت عائشة رضي الله عنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا ) رواه البخاري (3817) .

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:

اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ ؛ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ !!

فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَالَةَ».

رواه البخاري (3821) ومسلم (2437) .

وقولها : (ارتاع): أي عظُم في نفسه سماع صوتها ، واجتمع له ، واستعد للقائها وتنبه..

ينظر : "مطالع الأنوار" لابن قرقول (3/200) .

وفي لفظ مسلم : (فَارْتَاحَ لِذَلِكَ) .

"أَيْ : هَشَّ لِمَجِيئِهَا ، وَسُرَّ بِهَا ، لِتَذَكُّرِهِ بِهَا خَدِيجَةَ وَأَيَّامَهَا" ، كما قاله النووي في "شرحه" .

وهذا من مكارم الأخلاق ، وحفظ العهد ، ورعاية الحبيب ، ومن والاه .

صلى الله على نبينا محمد ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، وذريته ، وآل بيته .

ثانيا :

أما الحديث الذي سأل عنه السائل الكريم فليس له إسناد أصلا ، بل لا يعرف إلا على ألسنة بعض الدعاة المعاصرين .

وأغلب الظن أن من نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم أخذه من السيرة النبوية تكلفا وفهما منه لما حدث في فتح مكة حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء مكة فاتحا ، أمر أن تُركز رايته بالحجون

كما في صحيح البخاري (4280) من طريق عروة بن الزبير وفيه : ( وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالحَجُونِ ) . انتهى .

وقد نصبت خيمته بها

كما في "سيرة ابن هشام" (2/407)

و"مغازي الواقدي" (2/829) .

والحجون

كما قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" (1/221) :

" بِفَتْح الْحَاء وَضم الْجِيم وتخفيفها : الْجَبَل المشرف حذاء مَسْجِد الْعقبَة ، عِنْد المُحَصَّب .

قَالَ الزبير : الْحجُون مَقْبرَة أهل مَكَّة ، تجاه دَار أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ".

قال الحلبي في "السيرة الحلبية" (1/92)

:" وفي كلام بعضهم: لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة ضرب مخيمه بالحجون .

فقيل له: ألا تنزل منزلك من الشِّعْب ؟

فقال «وهل ترك لنا عقيل منزلا» ". انتهى .

ومعلوم عند أهل السير أن خديجة رضي الله عنها دفنت بالحجون أيضا .

ذكر ذلك ابن إسحاق

كما في "المستدرك للحاكم" (4837)

والمؤرخون كالطبري في "تاريخه" (11/493)

والذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/152) .

فلعل هذا هو الذي جعل البعض يربط بين نصب خيمة النبي صلى الله عليه وسلم بالحجون ، أنه كان لأجل قبر خديجة رضي الله عنه .

وهذا غلط ، لا أصل له .

ويدل على ذلك أمور :

الأول : أنه لم يرد قط في حديث بإسناد صحيح أو ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم أمر بنصب خيمته بالحجون لأجل قبر خديجة ، وهذا أمر لا يعرف إلا بالتصريح ، لا بالظن والتخمين والتكلف .

الثاني : أن منطقة الحجون لم يكن فيها قبر خديجة فحسب ، بل فيها مدفن لأهل مكة حيث كانوا يدفنون فيها موتاهم

كما في "أخبار مكة" للفاكهي (4/33)

ولم تكن قبرا خاصا لخديجة رضي الله عنها ، ولم يكن لقبرها تميز عن سائر القبور .

الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح عن موضع نزوله واصفا إياه بوصف بعيد عن كونه قبر خديجة رضي الله عنها .

وهو ما أخرجه البخاري في صحيحه (1589) ومسلم في صحيحه (1314) من حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ:

( مَنْزِلُنَا غَدًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ ) .

ولذا قال الحلبي في "السيرة الحلبية" (3/122) :

" ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة واطمأن الناس ، قال وذلك بالحجون: موضع ما غرز الزبير رضي الله تعالى عنه رايته صلى الله عليه وسلم عند شعب أبي طالب الذي حصرت فيه بنو هاشم

أي وبنو المطلب قبل الهجرة ، بقُبَّة من أَدَم ، نُصِبت له هناك ، ومعه صلى الله عليه وسلم فيها أم سلمة وميمونة ، زوجتاه صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنهما ". انتهى .

والذي ينبغي أن يقال لمن نصح نفسه ، وأراد الخير والهدى : أن يتثبت في الشيء يقال ، قبل أن ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم

ولسنا في حاجة إلى ما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيح الثابت غنية وكفاية ، والحمد لله رب العالمين .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-18, 19:22   رقم المشاركة : 129
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




هل يصح حديث " تعقد الجماعة على أتقى رجل في الجماعة "

السؤال :

سؤالي هذا الحديث : ( تعقد صلاة الجماعة على أتقى رجل في الجماعة ) .


الجواب :

الحمد لله

أولا :

فضل صلاة الجماعة ثابت مشهور جاءت به الأحاديث الصحيحة .

ومن أشهر هذه الأحاديث ما أخرجه البخاري في صحيحه (645) ومسلم في صحيحه (650) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً » .

ثانيا :

الحديث الوارد في السؤال : لم نقف له على إسناد ، وإنما ذكر نحوا من هذا الكلام : بعض أهل العلم كابن الحاج وغيره دون أن يعزوه لأحد فقال :" وقد ورد أن الصلاة ترفع على أتقى قلب رجل من الجماعة ، فينبغي أن يكون الإمام هو المتصف بذلك حتى يحصل جميع من خلفه في صحيفته وفي خفارته ". انتهى من "المدخل" لابن الحاج (2/202) .

وقد جاء في السنة ما يدل على أنه كلما كان عدد المصلين أكثر، كان أفضل .

ففي سنن أبي داود (554) من طريق أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ صَلاَةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ وَحْدَهُ ، وَصَلاَتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ».

قال ابن الملقن :" صَححهُ ابْن حبَان والعقيلي وَابْن السكن، وَقَالَ الْحَاكِم : صَحِيح ، كَمَا قَالَه يَحْيَى بن معِين وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَمُحَمّد بن يَحْيَى الذهلي وَغَيرهم". انتهى من "تحفة المحتاج" (1/437).

وكذلك يستحب الصلاة مع أهل الصلاح والتقى ، قال القرافي في "الذخيرة" (2/265) :

" لَا نِزَاعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ ، لِشُمُولِ الدُّعَاءِ، وَسُرْعَةِ الْإِجَابَةِ ، وَكَثْرَةِ الرَّحْمَةِ ، وَقَبُولِ الشَّفَاعَةِ ". انتهى .

وقال ابن قاسم في "حاشيته على الروض المربع" (2/265) :" وفي قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين المحافظين على الإسباغ، والتنزه من القاذورات ". انتهى .

والحاصل :
أن الحديث المذكور في السؤال : ليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وإنما لكل إنسان : ما سعى .

فمن أحسن في صلاته ، فله ما أحسن ، وليس عليه من إساءة غيره : شيء .

ومن أساء في صلاته ، فعليه ما نقص منها ، وضيع من شأنها ، وليس له من إحسان غيره ، إذا أحسن : شيء .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ كَامِلَةً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي النِّصْفَ، وَالثُّلُثَ، وَالرُّبُعَ، وَالْخَمْسَ، حَتَّى بَلَغَ الْعُشْرَ ".

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (15522)

والنسائي في السنن الكبرى (616)

وصححه النووي في "خلاصة الأحكام" (1578) .

ورحم الله حسان بن عطية إذ يقول :" إن الرجلين ليكونان في صلاة واحدة وإن بينهما من الفضل لكما بين السماء والأرض .

ثم فسر ذلك : إن أحدهما يكون مقبلا على الله بقلبه ، والآخر ساه غافل ". انتهى ، من "الزهد" لابن المبارك (96) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-18, 19:26   رقم المشاركة : 130
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الدعاء بتعجيل قيام الساعة

السؤال

: صديقة لي أخبرتني بأن هناك حديث ينهى الشخص في الحياة الدنيا عن الدعاء بتعجيل مجيء يوم القيامة، فقط يُسمح للناس الذين

هم في الفردوس بالدعاء بذلك. ذكرت أيضاً بأن هناك شخص دعا بتعجيل مجيء يوم القيامة في هذه الدنيا فمات.

هل يمكنكم المساعدة في إيجاد هذا الحديث لو سمحتم؟ أظن أنها قالت بأن الحديث رواه البخاري ومسلم إذا أسعفتني ذاكرتي بشكل سليم.


الجواب :

الحمد لله

إن يوم القيامة له أجل محدد لا يتقدم ولا يتأخر ، لا يعلمه إلا الله تبارك تعالى

حيث قال ربنا تبارك وتعالى :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الأعراف/187

وقال سبحانه :( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) لقمان/34 ، ولما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم : متى الساعة ؟ قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل . رواه البخاري (50) ، ومسلم (9) .

ومن آداب الدعاء الواجبة ألا يدعو المسلم بالمستحيلات أو بأمر قد فرغ منه ، وهذا يدخل فيه قيام الساعة بلا شك .

قال الشوكاني رحمه الله في "تحفة الذاكرين" (ص52) :" ولا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم ، ولا بأمر قد فرغ منه ، ولا بمستحيل". انتهى

وأما بخصوص سؤال الأخت الكريمة فغالب الظن أنه ربما اختلط الأمر عليها بين الدعاء بتعجيل قيام الساعة ، وبين الدعاء بمجيء الأجل ، أو تمني الموت .

أما الأول ، موضع السؤال : فلم نقف فيما بين أيدينا – بحسب ما بحثنا – على ما ذكرته السائلة أن أحدا دعا بتعجيل قيام الساعة فمات .

وأما تمني قيام الساعة فقد ورد في السنة أن هذا يتمناه كل مؤمن ، إذا مات ، وأُدخل القبر ، ورأى البشرى بأنه من أهل الجنة .

كما جاء في "مسند الإمام أحمد" (18534) بإسناد صحيح من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة خروج الروح وما يحدث في القبر للمؤمن والكافر وفيه قال صلى الله عليه وسلم عن العبد المؤمن : ( فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ

فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟

فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ". قَالَ: «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا ، وَطِيبِهَا

وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ» . قَالَ: " وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، طَيِّبُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ

فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي )

فالشاهد في الحديث هو قوله :" رب أقم الساعة ". فهذا غاية ما وقفنا عليه ، في تمني قيام الساعة ، وذلك إنما يكون للعبد المؤمن في حياة البرزخ ، بعدما يرى من النعيم ، فيتمنى حينئذ قيام الساعة .

وأما الدعاء بالموت ، أو تمني الموت ، فهو منهي عنه ؛ كما ثبت من حديث أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا

فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي ". رواه البخاري (5671) ، ومسلم (2680) .

إلا أن هذا النهي ليس عاما ، بل هو جائز لمن خشي على نفسه الفتنة في دينه ، قال ابن حجر في "الفتح" (10/128) :" قَوْلُهُ ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرّ أَصَابَهُ ) الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ ، وَالْمُرَادُ : هُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا .

وَقَوْلُهُ " مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ " حَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَلَى الضُّرِّ الدُّنْيَوِيِّ ، فَإِن وجد الضّر الْأُخْرَوِيَّ بِأَنْ خَشِيَ فِتْنَةً فِي دِينِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ .

وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ من رِوَايَة بن حِبَّانَ : ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي الدُّنْيَا ) . عَلَى أَنَّ "فِي" فِي هَذَا الْحَدِيثِ : سَبَبِيَّةٌ ؛ أَيْ بِسَبَبِ أَمْرٍ مِنَ الدُّنْيَا .

وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ ". انتهى .

وقال ابن رجب في رسالته "شرح حديث لبيك" (ص53) :" وأما من تمنى الموت خوف فتنته في الدين فإنه يجوز بغير خلاف ". انتهى .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-18, 19:36   رقم المشاركة : 131
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

علم أصول الحديث قواعد عقلية وأصول شرعية

السؤال :

هل لقواعد علم الحديث أساس في الكتاب والسنة ، أي: هل هناك مثلاً دليل يشير إلى طبيعة استخدام الإسناد ، أو كيفية التفريق بين الصحيح والضعيف ؟

أو هل هناك ما يشير إلى مسألة الجرح والتعديل ؟

أم أن المحدثين هم من وضع هذا العلم في اجتهاد منهم لحفظ السنة، حتى ولو لم يكن لهم دليل من القرآن أو السنة ؟


الجواب :

الحمد لله

علم أصول الحديث هو في الأصل والأساس مبني على قواعد عقلية ، ومبادئ منهجية ، وأصول تجريبية ؛ توصَّل إليها المحدثون بحكم الخبرة المنهجية المتراكمة في نقل الأخبار وتحري صدقها وثبوتها

واهتدوا إلى أسس هذا العلم بالممارسة الطويلة، ومعاناة السماع والأداء والنقد والتعليل ، والبناء شيئا فشيئا لقواعد العلم وضوابطه

كما يقول الخطيب البغدادي: "تمييز الحديث علم يخلقه الله تعالى في القلوب بعد طول الممارسة له ، والاعتناء به"

كما في "الجامع" (2/ 255) .

ولكن هذه القواعد في الوقت نفسه – في فلسفتها العامة وليس في ضوابطها الجزئية - أصول شرعية مقررة في نصوص الكتاب والسنة

فقد وردت الأدلة الشرعية الإجمالية التي تخط لعلماء الحديث المبادئ الأساسية لعلوم التاريخ، وأما التفاصيل فهي محالة إلى المنهج التجريبي ، السابق ذكره .

فمن تلك المبادئ الأساسية الشرعية العامة:

1. تغليظ تحريم الكذب في الحديث .

كما قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ) رواه البخاري (1295) ، ومسلم (4) في المقدمة.

2. عدم قبول خبر الفاسق.

قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات/6 .

3. اشتراط عدالة الراوي قياسا على عدالة الشاهد .

قال تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه) الطلاق/ 2.

4. التثبت والتحري الدائمان.

قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/ 36.

5. الحذر من مناكير الأخبار.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه (7) .
6. التوقي عن رواية المكذوب .

كما قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
7. الضبط والحفظ معيار الثقة :

قال عليه الصلاة والسلام: ( نَضَّرَ الله امرَأً سَمِعَ منَّا حديثاً فحفِظَه حتىِ يُبَلَّغَهُ ، فَرُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ) رواه أبوداود في "السنن" (3660) ، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (230) .

8. الحذر من التهمة بكثرة الغرائب وعدم انتقاء الحديث.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه مسلم في "مقدمة صحيحه".

9. طلب الدليل والبرهان.

قال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة/ 111.

10. التفتيش عن العلم واليقين، بعيدا عن الظن والوهم.

قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) النجم/ 28.

وقد استدل ببعض هذه الأدلة الإمام مسلم رحمه الله في "مقدمة صحيحه" (ص7) فقال:

"اعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين : ألا يروي منها إلا ما عُرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه

وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع.

والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه، قول الله جل ذكره: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات: 6]

وقال جل ثناؤه: (ممن ترضون من الشهداء) [البقرة: 282]، وقال عز وجل: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) [الطلاق: 2]، فدل بما ذكرنا من هذه الآي ، أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول

وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر - وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه - فقد يجتمعان في أعظم معانيهما، إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم

كما أن شهادته مردودة عند جميعهم، ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار ، كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق" انتهى.









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-18, 19:37   رقم المشاركة : 132
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



يقول الدكتور همام سعيد:

"وبذلك يتبين لنا أن منهج المحدثين هو منهج قرآني مستمد من القرآن والسنة، وأنه منهج تاريخي نقدي ، أي أنه منهج لا يسلِّم بالنص دون محاكمة ونقد، ولا يكفي أن يصدر النص عن عالم أو شخص له احترامه حتى يقبل

بل لا بد أن تثبت نسبة النص إلى قائله ، وأن ينظر فيه نظرة ثاقبة فاحصة لمعرفة اتفاقه مع الأسس الثابتة والمبادئ العامة.

ولقد غاب هذا المنهج التاريخي النقدي عن التوراة والإنجيل ، وغاب عن سائر التواريخ قبل الإسلام. ثم جاء الإسلام ليمنح العالم أجمع هذا المنهج المسؤول القائم على البحث والاستقصاء والتفكير السليم.

وقد جعل "شارل جنيبير" منهج النقد التاريخي ، مقابلا للمنهج الإيماني النصراني الذي يأخذ الروايات عن السابقين دون مناقشة ومحاكمة.

لقد أغفل كثير من الباحثين هذه العلاقة المنهجية بين القرآن الكريم وعلوم الحديث، حتى تسرب إلى الأذهان أن منهجية المحدثين نوع من العبقرية الفذة، وأنها نشأت من الحاجة وحدها.

والحق الذي لا مرية فيه أن منهجية المحدثين منهجية قرآنية ، وأنها مظهر من مظاهر إعجاز هذا الدين، وكما حفظ الله كتابه الكريم من كل تبديل أو تغيير

فقد حفظ السنة بمجموعها، وصانها من الاندثار والنسيان" انتهى من "الفكر المنهجي عند المحدثين" (ص24) .

وما سبق كله – كما يبدو للقارئ الكريم – أسس منهجية عامة بناها القرآن الكريم، وبناها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في نفوس أصحابه، لترسم لهم الأطر العامة لنظرية المعرفة التي يبحثون عنها

والتي سيؤسسون علوم العقل والنقل تبعا لها، فأثمرت هذه الأصول تحريا دقيقا جدا، وحسا نقديا عاليا ومنضبطا، سببه الخوف من مخالفة تلك الأصول والأوامر الإلهية

ولولا ذلك لخاض المسلمون في طرق الأوهام والتخرصات، ولرأينا الخرافات والأساطير والتناقضات هي اللغة الطاغية على علوم المسلمين

ولكن الوازع الديني في المباني العشرة السابقة كانت لها أعظم الأثر في منهج التحري والتدقيق الذي سلكه المحدثون.

أما التفاصيل الدقيقة في أصول الحديث، الذي هو "علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد"، كمثل الحديث عن ضبط الصدر وضبط الكتاب

ومنهج التعامل مع أحاديث المدلسين، وترجيح خبر الأوثق على الثقة، وترتيب طبقات الرواة عن شيخ معين، والمقارنة بين الروايات وجمع الطرق، والتأني في الأفراد، والاستئناس بالقرائن

والتقوية بالكثرة وتعدد الأوجه، وغيرها من قوانين القبول والرد، هي - كما ترون - نتاج عمل عقلي تفصيلي، يترجم تلك المبادئ العامة إلى قوانين عملية منهجية، يصل المحدثون من خلالها إلى حكمهم على الحديث صحة وضعفا.

يقول العلامة المعلمي رحمه الله:

"ولكن هل راعوا العقل في قبول الحديث وتصحيحه؟

أقول: نعم، راعوا ذلك في أربعة مواطن: عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الرواة، وعند الحكم على الأحاديث.

فالمتثبتون إذا سمعوا خبرا تمتنع صحته أو تبعد لم يكتبوه ولم يحفظوه، فإن حفظوه لم يحدثوا به، فإن ظهرت مصلحة لذكره ذكروه مع القدح فيه وفي الراوي الذي عليه تبعته.

قال الإمام الشافعي في الرسالة (ص399):

«وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت أو أكثر دلالات بالصدق منه» .

وقال الخطيب في الكفاية في علم الرواية (ص429): «باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث» . وفي الرواة جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة

فلا تكاد تجد حديثاً بيِّنَ البطلان إلا وجدت في سنده واحداً أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة، والأئمة كثيراً ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به، فضلاً عن خبرين أو أكثر.

ويقولون للخبر الذين تمتنع صحته أو تبعد: «منكر» أو «باطل» . وتجد ذلك كثيراً في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات .

والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا ًحديثاً.

فأما تصحيح الأحاديث فهم به أعنى وأشد احتياطا، نعم ليس كل من حكي عنه توثيق أو تصحيح متثبتاً، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك.

هذا وقد عرف الأئمة الذين صححوا الأحاديث، أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمين ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقة للعقل المعتد به في الدين، مستكملة شرائط الصحة الأخرى

وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها، أو هي من قبيلها، قد ثقلت هي أيضاً على المتكلمين، وقد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدين بالقرآن ويقتدي به، فمن المعقول جداً أن يجي

في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات" .

انتهى من "الأنوار الكاشفة" (ص: 6-7) .

ويقول الدكتور خلدون الأحدب:

"إن بناء (علم أصول الحديث) كان بناءً عقلياً. ولولا هذه الصفة، لما كان له أبداً هذا الأثر البالغ في بناء وتشكيل العقل المسلم.

وهذا البناء العقلي كان ابتداؤه من تلك الأصول العقلية المنهجية التي قررها القرآن الكريم والسنة المطهرة في شأن الراوي والمروي، والتي إليها يعود (علم أصول الحديث).

وتقرير حقيقة البناء العقلي لهذا العلم يتجلى في كون المحدثين قد رَاعَوْ العقل في قبول الحديث وتصحيحه في أربعة مواطن ، كما يقول العلامة الناقد عبدالرحمن المعلِّمي اليماني" .

انتهى من "أثر علم أصول الحديث في تشكيل العقل المسلم" (ص19) .

ويقول الدكتور عبد الله ضيف الله الرحيلي:

" الضوابط العلمية للتّثبت في الرواية عندنا نحن المسلمين -كما هي الحال في منهج المحدثين- ليستْ مستندة للإيمان بالغيب، بحيث يكون ضابطاً من ضوابط تثبيت الرواية أو تزييفها، بل هي ضوابط عقلية تستند إلى العقل

وإلى القضايا التاريخية الثابتة، ومقارنةِ الروايات وعَرْضها على بعضها أو على سواها مما رآه المحدثون ضابطاً أو دليلاً على صحة الرواية.

وهذه الضوابط بهذا الوصف تُعَدُّ عقليةً فطرية يشترك البشر -غالباً- في إدراكها وقبولها، بغض النظر عن أديانهم واتجاهاتهم؛ فالخبر بالسند المنقطع

مثلاً تشترك العقول السليمة في الشك فيه أو عدم التسليم به من هذا الوجه، وذلك لعدم وجود الناقِل المتصل بمصْدر الخبر، وإذا لم يتوفر هذا الناقل فكيف يتصور العلم بالخبر؟!

إن العقول البشرية تُفَرِّق بين الخبر من جهة، وبين التوقع والظن من جهة أخرى. ومن هنا لا يَرِد التساؤل القائل أي منهج علميّ يستند إليه منهج المحدثين في التثبت من صحة الرواية؟

هل هو ذاك المنهج العلمانيّ المُنْطَلَق ، أم الإيماني المُنْطَلَق؟ ذلك أن عنصر الإيمان بالغيب في منهجنا لم يتدخل في مقاييس قبول الرواية وردها -من هذه الحيثية-

وإن كانت مقاييسنا لا تنافي الإيمان بالغيب بل تُثْبته، لكن هذا الجانب من منهج المحدثين متعلِّقٌ بجانب الرواية، وليس بالرأي والاعتقاد وعلْم الغيب"

انتهى من "حوار حول منهج المحدثين في نقد الروايات سندا ومتنا" (ص12-13)

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-18, 19:43   رقم المشاركة : 133
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

حديث باطل من افتراءات الرافضة في الطعن في معاوية رضي الله عنه وابنه يزيد

السؤال :


هناك أحاديث كثيرة يستدل بها الشيعة لسب معاوية ، ومن ضمن هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية ذات يوم : ( انصرف عني، إني اشتم منك رائحة بأن ابنك يقتل الحسين) ، فما قولكم في هذا ؟

الجواب :

الحمد لله


أولا :

معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن كتبة الوحي ، وممن له قدم صدق في دين الله ، وكان من رجالات قريش المعدودين ، حلما وعقلا ودينا وشجاعة .

ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذمه ، أو تنقصه ، أو نحو ذلك ، وكل ما روي في ذلك فمن وضع الكذابين المفترين من الرافضة وغيرهم .

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب أصحابه ، وتنقصهم أعظم النهي ، فقال صلى الله عليه وسلم: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)

رواه الطبراني من حديث ابن عباس ، وحسنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة "(2340).

وهذا الحديث الوارد في السؤال حديث باطل مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا وجود له في كتب السنة ، وإنما يذكره الروافض الذين وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله :

"فإنك لا تجد في طوائف أهل القبلة أعظم جهلا من الرافضة . .

فهم أكذب الناس بلا ريب . . .

وهم أعظم الطوائف نفاقا "

انتهى من "منهاج السنة" (2/87) .

وإنما الذي ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمته تقتل الحسين رضي الله عنه ، دون أن يعين قاتله

روى الحاكم (4818) عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ رضي الله عنها عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُ ابْنِي هَذَا - يعني الحسين - وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ حَمْرَاءَ )

وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (61).

وينظر : "مختصر تلخيص الذهبي" لابن الملقن (4/1683) وحاشية المحقق .

ثانيا :

لم يثبت أن يزيد بن معاوية قتل الحسين رضي الله عنه ، ولا أمر بقتله ، ولا فرح بذلك ، إنما قتله الجيش الذي أرسله لمنعه من الذهاب إلى العراق .

قال ابن الصلاح رحمه الله :

" لم يَصح عندنَا أَنه - يعني يزيد - أَمر بقتْله رَضِي الله عَنهُ ، وَالْمَحْفُوظ أَن الْآمِر بقتاله المفضي إِلَى قَتله كرمه الله ، إِنَّمَا هُوَ عبيد الله بن زِيَاد ، وَالِي الْعرَاق إِذْ ذَاك " .

انتهى من "فتاوى ابن الصلاح" (1/ 216) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وُلدَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ؛ وَلَا كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ

وَكَانَ مِنْ شُبَّانِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَا كَانَ كَافِرًا وَلَا زِنْدِيقًا ؛ وَتَوَلَّى بَعْدَ أَبِيهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ ، وَرِضًا مِنْ بَعْضِهِمْ ، وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَكَرَمٌ ، وَلَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لِلْفَوَاحِشِ كَمَا يَحْكِي عَنْهُ خُصُومُهُ .

وَجَرَتْ فِي إمَارَتِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ ، أَحَدُهَا : مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ، وَلَا أَظْهَرَ الْفَرَحَ بِقَتْلِهِ ؛ وَلَا نَكَّتَ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا حَمَلَ رَأْسَ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الشَّامِ ، لَكِنْ أَمَرَ بِمَنْعِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِدَفْعِهِ عَنْ الْأَمْرِ ، وَلَوْ كَانَ بِقِتَالِهِ ، فَزَادَ النُّوَّابُ عَلَى أَمْرِهِ

وَحَضَّ الشمرُ بن ذي الْجَوشَن عَلَى قَتْلِهِ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ؛ فَاعْتَدَى عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ، فَطَلَبَ مِنْهُمْ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَجِيءَ إلَى يَزِيدَ، أَوْ يَذْهَبَ إلَى الثَّغْرِ مُرَابِطًا، أَوْ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ

فَمَنَعُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، وَأَمَرَ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ بِقِتَالِهِ ، فَقَتَلُوهُ مَظْلُومًا ، لَهُ وَلِطَائِفَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .

وَلَمَّا قَدِمَ أَهْلُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، أَكْرَمَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَعَنَ ابْنَ زِيَادٍ عَلَى قَتْلِهِ ، وَقَالَ : كُنْت أَرْضَى مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِدُونِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ

لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إنْكَارُ قَتْلِهِ ، وَالِانْتِصَارُ لَهُ ، وَالْأَخْذُ بِثَأْرِهِ: كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، فَصَارَ أَهْلُ الْحَقِّ يَلُومُونَهُ عَلَى تَرْكِهِ لِلْوَاجِبِ ، مُضَافًا إلَى أُمُورٍ أُخْرَى ، وَأَمَّا خُصُومُهُ: فَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِرْيَةِ أَشْيَاءَ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/ 410) .

ولو قدّر أن يزيد قتل الحسين رضي الله عنه ، فهو الذي يتحمل إثمه دون أبيه ، قال الله تعالى : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164

وروى أبو داود (4495) ، والنسائي (4832) عَنْ أَبِي رِمْثَةَ رضي الله عنه قَالَ : " انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي : ( ابْنُكَ هَذَا ؟ )

قَالَ إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، فقَالَ : ( أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ) وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) . صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال القاري رحمه الله :

" (لَا يَجْنِي عَلَيْكَ) أي : لَا تُؤَاخَذُ بِذَنْبِهِ ( وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ) أَيْ: لَا يُؤَاخَذُ بِذَنْبِكَ " .

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (6/ 2272) .

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" وَأَمَّا قَوْلُهُ - يعني الرافضي - : " وَقَتَلَ ابْنُهُ يَزِيدُ مَوْلَانَا الْحُسَيْنَ وَنَهَبَ نِسَاءَهُ ".

فَيُقَالُ : إِنَّ يَزِيدَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ ، وَلَكِنْ كَتَبَ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ وِلَايَةِ الْعِرَاقِ .

وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَظُنُّ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَنْصُرُونَهُ وَيَفُونَ لَهُ بِمَا كَتَبُوا إِلَيْهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ، فَلَمَّا قَتَلُوا مُسْلِمًا

وَغَدَرُوا بِهِ وَبَايَعُوا ابْنَ زِيَادٍ ، أَرَادَ الرُّجُوعَ ، فَأَدْرَكَتْهُ السَّرِيَّةُ الظَّالِمَةُ ، فَطَلَبَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ ، أَوْ يَذْهَبَ إِلَى الثَّغْرِ ، أَوْ يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ ، فَلَمْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ

فَامْتَنَعَ، فَقَاتَلُوهُ ، حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا مَظْلُومًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ أَظْهَرَ التَّوَجُّعَ عَلَى ذَلِكَ ، وَظَهَرَ الْبُكَاءَ فِي دَارِهِ، وَلَمْ يَسْبِ لَهُ حَرِيمًا أَصْلًا ، بَلْ أَكْرَمَ أَهْلَ بَيْتِهِ ، وَأَجَازَهُمْ حَتَّى رَدَّهُمْ إِلَى بَلَدِهِمْ .

وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ يَزِيدَ قَتَلَ الْحُسَيْنَ لَمْ يَكُنْ ذَنْبُ ابْنِهِ ذَنْبًا لَهُ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ، وَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَّى يَزِيدَ بِرِعَايَةِ حَقِّ الْحُسَيْنِ ، وَتَعْظِيمِ قَدْرِهِ "
\
انتهى من "منهاج السنة" (4/ 472) .

وانظر للفائدة إجابة السؤال القادم

والله تعالى أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-08-19, 10:01   رقم المشاركة : 134
معلومات العضو
Raoh
بائع مسجل (أ)
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2018-08-19, 17:41   رقم المشاركة : 135
معلومات العضو
عبدالرحمان المهاجر
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سلسله الحديث و علومه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:04

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc