لكل من يبحث عن مرجع سأساعده - الصفحة 14 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لكل من يبحث عن مرجع سأساعده

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-11-09, 10:30   رقم المشاركة : 196
معلومات العضو
asma28hd
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية asma28hd
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اريد بحث حول الخطاب الادبي









 


رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 11:03   رقم المشاركة : 197
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asma28hd مشاهدة المشاركة
اريد بحث حول الخطاب الادبي
لخطاب الأدبي وعلاقته بالحقول المعرفية

عبد الكريم جمعاوي

تمهيد :

لم يستقر النظر إلى الظاهرة الأدبية على وجهة نظر واحدة وبهذا فكل التحديدات التي رأت الأدب كمحاكاة (أرسطو-الكلاسيكية) أو الأدب كنظام (الرومانسية الألمانية) أو محاولات التوفيق (وليك-فراي) ظلت كلها بعيدة عن ملامسة التحديد الكفيل برصد كل ما يمكن أن يتسع له هذا المفهوم من أشكال وأنواع أدبية تغيب في هذا التحديد أو ذاك... بل إن كل المحاولات ستظل قاصرة في مسعاها ما لم تحدد موضوعها الذي تبحث فيه، ومجال البحث الذي تنطلق منه. يقول سعيد يقطين :"وكما حددت البويطيقا الجديدة مع الشكلانيين الروس موضوعها وطرائق تحليله، حددت البويطيقا المتجددة مع البويطيقيين بشكل أدق موضوع "الأدبية" الذي سيصبح هو "الخطاب" الأدبي وليس الأدب بوجه عام"[1].

يعتبر الخطاب (إلى جانب مفاهيم غير معهودة مثل : الانزياح، السارد، المسرود له، المحكي، الدليل، الشعرية، التناص، الحوارية، التعدد الدلالي، التلفظ، النص المحاذي، البياض، الجسد، أفق الانتظار..) من المفاهيم غير المعهودة التي غزت المعجم النقدي. وعرفت تداولا أكثر في وقتنا الراهن وذلك في حقول ومجالات مختلفة لسانية وأدبية وتاريخية وفلسفية.

ومما لا شك فيه أن قضية المصطلحات النقدية من أهم القضايا التي يواجهها النقد العربي الراهن، ولعل المسألة تتجاوز مشكلة المصطلحات لتصل إلى المفردات العادية والألفاظ. فهناك عدم دقة وتشويش في استعمال كثير من الكلمات. فكل مصطلح إنما يكتسب دلالته انطلاقا من الاختصاص نفسه. وإلى هذا يرد اختلاف دلالات المصطلح الواحد تبعا لاختلاف الاختصاصات. وثمة مصطلحات، تزخر بها الدراسات والمترجمات، غنية ومتعددة، لكنها تحمل نوعا من التسيب، ولا تلتزم بضابط محدد مما يكون له تأثيره السلبي على القارئ الذي يواجه كل مرة عددا كبيرا من المصطلحات تتضارب وتختلط وتظهر كل حين بوجه مخالف لما سبق. بناء على هذا نقف على مفهوم الخطاب الأدبي وما يحمله من دلالات في الحقول المعرفية التي تناولته وما له فيها من مميزات وتمظهرات.

1 – أنواع الخطاب :

يقوم الخطاب على الإيصال بين طرفين : أحدهما الباث وثانيهما متلقي الخطاب، وبين الأول والثاني هناك رسالة هدفها الاستقرار في ذهن المتلقي، وبطبيعة الحال يختلف مضمون الرسالة من خطاب إلى آخر.

يقع التمييز، إذن، بين سائر الخطابات، فالخطاب الأدبي يتميز عن باقي الخطابات في نقاط كثيرة، يظهر ذلك عند الإشارة إلى كون النص الأدبي يشكل نصا مغلقا؛ ذلك أن منتج الخطاب، مبدعه، وخالقه من معدن آخر أفسح لذاته تعاملا مع الكتابة واللغة، لا يشبه في عمقه التعاملات السائدة والمتعارف عليها، من هنا لا يعطي النص الأدبي نفسه إلا لفئة معينة. إنه مغلق على الكل إلا للفئة المنتجة له.

ولما كانت للغة الأدب ميزتها فهي "فوق اللغة" والذي أعطاها السمو إنما الصبغة الأدبية وهي صبغة تعمد إلى الإثارة وإلى خلق الإحساس بالكائن.

وداخل الخطاب الأدبي يظهر التعارض بين الشعر والنثر، وهو تعارض مليء بالإثارات مثل كون الشعر بحث عن التشاكل بين التعبير والمضمون. وثمة تعارض آخر داخل الخطاب الأدبي النثري مثل التعارض بين الرواية والقصة : التعارض بين الخطاب الأدبي الطويل والخطاب الأدبي القصير...

إن الفرق يتخذ طابعا واضحا بين الخطاب الأدبي وباقي الخطابات الأخرى، فهو :

ـ غير السياسي : لأن السياسي يتطابق مع مصدره وهو سياسي ولو لم يأخذ مواقف سياسية.

ـ غير العلمي : لأن العلمي يقع متضمنه خارج النص وهو متضمن يحتاج على الدوام للوسائل الإجرائية كي ينهض ويحرز مكانته. إنه خطاب المسلمات والمختبرات.

ـ غير التاريخي : لأن التاريخي يستهدف تقديم حصيلة من النتائج المترتبة على وقائع، عن أحداث جرت في زمن مضى، إنه مشدود إلى الوراء، بعيدا عن استشراف آفاق المستقبل.

ـ غير الديني : لأن الديني نظرة شاملة إلى الحياة الاجتماعية يستوجب التصديق على الدوام، إضافة إلى كونه خطاب العبرة والعظة.

ـ غير الفلسفي : لأن معرفة الفلسفي كامنة في الخارج عكس الأدبي الكامنة معرفته في الداخل.

ـ غير القانوني : لأن القانوني مع المرء حيثما وجد، وعلى المرء احترامه ما دامت الغاية تستوجب تنظيم الحياة الاجتماعية مع مراعاة الأطراف الأخرى المتواجدة.

بالإضافة إلى ذلك يمكن تنميط أنواع الخطاب عموما على الشكل التالي :

+ خطاب شفهي أو مكتوب (حسب القناة المستعملة).

+ خطاب مباشر أو غير مباشر.

+ خطاب بضمير المتكلم أو خطاب بضمير الغائب حسب المسافة بين المحفل التلفظي وملفوظه.

+ خطاب تعليمي أو تسجيلي : تبعا للعلاقة بين المتلفظ والمتلقي.

+ خطاب صريح أو ضمني وفقا لطبيعة العلاقة بين الخطاب والواقع الدال عليه[2].

وتبقى ثمة تقاطعات ما بين الخطاب الأدبي والخطابات الأخرى، لكن لوحده الخطاب الأدبي خطاب إحساس لا تمنح لغته العصية ذاتها سوى لشخوص بعينهم. كما أنه يعيد واقع منتج وفق ما يتلاءم وخصوصية الخطاب الأدبي الأدبية أو الفنية.

2 – المفهوم البلاغي للخطاب :

إن الخطاب في التعريف البلاغي العام هو "مجموعة من الجمل منطوقة كانت أو مكتوبة، في حالة اشتغال أفقي –أي نمط أو تركيب- على موضوع محدد. ويسعى التلفظ به إلى التأثير في المتلقي بواسطة فرضيات ورؤى وأحاسيس، مما يتطلب مبدئيا ديمومة في إنتاجه وتلقيه وتماسكا داخليا وتدليلا مقنعا وصورا تعبيرية ولغة واضحة"[3].

هناك تداخل بين مفهوم الخطاب وبين بعض المفاهيم الأخرى مثل المقول والنص. يقول دانيال رايف مفرقا بين الخطاب والمقول، بأن المقول "ينعت كل نتاج ملفوظ سواء كان كلمة واحدة، أو جملا طويلة متتابعة" بينما الخطاب "تصبح فيه الجملة وحدة مكونة بينما كانت في المقول الحد اللغوي الأخير"[4]. والنص مثل الخطاب لم يعد أحد منهما يقتصر على دلالته المعجمية والاصطلاحية المعروفة، وهكذا راح المفهومان يتداخلان. إلا أن بعض النقاد يذهب إلى قصر مفهوم النص "على المظهر الكتابي، فيما يقتصر مفهوم الخطاب على المظهر الشفوي"[5]. هذا مع العلم بتداخل مفهوم النص مع مفهوم الأثر الأدبي[6]، وكذا وضع مفهوم المتن كمقابل للخطاب في مفهوم المتن الحكائي أو القصة كمقابل للمبنى الحكائي أو الخطاب.

بكلمة واحدة، إن اشتغال هذا المفهوم يؤكد :

أ – استعارته من حقله الغربي، ومحاولة تطبيقه بشكل حرفي..

ب – ثمة كتابات تستعمل هذا المفهوم لكن من منطلق رؤية مضببة نظريا وعمليا...

ج – ثمة اتجاه تنقصه الأرضية الضرورية والخلفية النظرية لتداول هذا المفهوم.

3 – مفهوم الخطاب في اللسانيات الحديثة :

غير خاف أن النجاح الذي حققته اللسانيات في دراستها للغة كان له الأثر البالغ في حقل الدراسات الأدبية والاجتماعية والإنسانية..." تمثل ذلك في هيمنة المصطلحات اللسانية على الدراسة الأدبية.. ومنذ الشكلانيين الروس كان التلازم وثيقا بين اللسانيات والأدب"[7].

يعتبر مفهوم الخطاب في التحديد اللساني الحديث بمثابة إجراء سيميائي خاص، سواء كان ذلك لغويا (نص أدبي) أم غير لغوي (يعني نص سينمائي، نص إشهاري..) باعتبار أن مجموع الأحداث السيميائية الواقعة على المحور النظمي، متعلقة بنظرية الخطاب، فهو من هذه الزاوية، موضوع معرفة تستهدفه اللسانيات الخطابية، ومن غير هذه الزاوية يشير "الخطاب" إلى الملفوظ اللغوي على نحو أخص، وهو ما يستدعي موقفين نظريين وبالتالي مقاربتين تحليليتين متعارضتين هما :

أ – اللسانيات الجملية (L.Phrastique) ومعها تعتبر "الجملة" وحدة الملفوظ القاعدية، مما يجعل الخطاب نتيجة (أو عملية) تسلسل منطقي من الجمل. وتسعى مقاربته إلى تحديد متوالية خطابية، أي سلسلة من الجمل والملفوظات المتتابعة نسقيا، ويعتبر E.Benveniste أهم ممثلي هذا الموقف الذي يطرح مسألة الخطاب من خلال اهتمامه بالجملة التي تكون وحدة شكلية من نوع "الصواتم" أو "الصياغم" أو "المآصل".

ب – اللسانيات الخطابية (L.Discursive) وتهتم بالخطاب ذاته، أي بالنص، بما هو كلية دلالية، معتبرة إياه الوحدة القاعدية التي لا تشكل الجمل ضمنها سوى أجزاء من الملفوظ. وتسعى مقاربته إلى تحليل كافة الخطاب في أجزائه المكونة، إما من زاوية تركيبية (Z.Harris) تهدف إلى تحديد شبكاته التكافئية (Réseaux d'équivalence) أو من زاوية دلالية (A.J.Greimas) تنظر إليه بما هو مسار يتجه من وضع حكائي أولي إلى وضع حكائي نهائي عبر سلسلة من التحولات[8].

إلا أنه مع بدايات السبعينيات ثمة محاولات لمناقشة التحديدات السالفة الذكر.. حيث أصبحت مشكلة الخطاب وتحليله إحدى الإشكالات المركزية التي يدلي فيها كل باحث بوجهة نظره..

ومنذ أواسط السبعينيات سيعرف تحليل الخطاب وتعريفه مشاكل جديدة لما شهدته المرحلة من تبلور الاتجاهات وتطور المجالات اللسانية عامة. فعلى سبيل المثال لم يعد الحديث كما كان أواسط الستينات جاريا حول "التحليل البنيوي للحكي"، وإنما أصبح الحديث عن بويطيقا الحكي بعد أن تميزت الاختصاصات وتكثفت الاتجاهات.

4 – مفهوم الخطاب في السرديات الحديثة :

يبدو أن شبه المتعارف عليه هو أن الخطاب في الرواية ليس سوى الطريقة التي تقوم بها المادة الحكائية، فقد تكون هذه الأخيرة واحدة لكن الذي يطرأ عليه التغيير إنما هو الخطاب، وذلك في محاولته كتابتها ونظمها.

فالخطاب الروائي وإن كان على حد تعبير محمود أمين العالم ذلك الواقع في حياتنا نمارسه إبداعا وتذوقا[9]، فإن عملية التعريف تبدو صعبة وذلك في محاولة الصياغة من التجليات المتنوعة مفهوما محددا عاما، لأن الاختلاف والتنوع نفسه هما سمتان أساسيتان من سمات الخطاب الروائي، رغم وحدة كينونته كجنس أدبي.

وعندما يعمد العالم إلى محاولة التعرف على الخطاب الروائي الحديث من وجهة نظر واقعية تاريخية، فإنه يؤكد أنه (أي الخطاب الروائي) "يعد آخر تجليات الخطاب الحكائي في مختلف مظاهره التعبيرية طوال التاريخ الإنساني كله، من ملاحم وأساطير وحكايات شعبية ومقامات.. إن هذا الخطاب الروائي الحديث هو وريث كل هذه الظواهر الحكائية السابقة، بل هو استمرار خلاق لكثير من سماتها وقيمها التعبيرية. ولكنه مع هذا بداية إبداعية نوعية جديدة تختلف عن كل ما سبقها من ظواهر حكائية، وتشكل جنسا أدبيا خاصا يشمل ويتضمن كإمكانية مفتوحة مختلف الأجناس الأدبية الأخرى دون أن يكونها ودون أن تكونه"[10]. أو بمعنى الكتابة عبر النوعية كما هي عند G.Genette.

ثمة نقطة أخرى جديرة بالإثارة وهي دخول مفهوم الخطاب في تشكيل ثنائيات مثل : الخطاب/السرد، الخطاب/القصة، الحبكة/القصة، المبنى الحكائي/المتن الحكائي، الحكي/الخطاب.

فقد ركزت الدراسة الأدبية قديما كل اهتمامها على المادة الحكائية، وهي التي كانت تسميها المضمون رادة كل ما تبقى للشكل الخارجي، لكن توماشفسكي، وانطلاقا من تصور الشكلانيين الروس، يميز ضمن العمل الحكائي بين ما يمكن تسميته بالمبنى الحكائي والمتن الحكائي، وإن كنا نجد اهتمام الشكلانيين الروس على المبنى الحكائي (sujet) على حساب الأنساق، الوظائف والحوافز. وليس المبنى الحكائي إلا الخطاب عند T.Todorov الذي ينطلق من أعمالهم إلى جانب باحثين آخرين.

وبذلك يؤكد T.Todorov أن لكل حكي أدبي مظهرين متكاملين، إنه في آن واحد : قصة وخطاب. ومثل الشكلانيين الروس ينظر إلى القصة (Histoire) باعتبارها تلك الأحداث في ترابطها وتسلسلها وفي علاقتها بالشخصيات في فعلها وتفاعلها، بهذا الشكل أو ذاك. والخطاب (Discours)[11] الذي يظهر من خلال وجود الراوي الذي يقوم بتقديم القصة يتطلب وجود القارئ الذي يتلقى الحكي.

يتكئ تمييز T. Todorov هذا على كتابات الشكلانيين الروس، إضافة إلى اطلاعه على التاريخ الأدبي، حيث يؤكد أن لهذا التمييز أصوله في البلاغة القديمة وذلك حين تقيم هذه الأخيرة اختلافا بين مظهرين للعمل : فالقصة تتصل بما يسمى في البلاغة القديمة بـ(Inventio) والخطاب يرتبط بما كانت تسميته بـ(Dispositio). وبذلك استطاع T.Todorov أن يأتي بدراسة متكاملة للحكي. فالحكي كقصة يتم التمييز فيه بين مستويين هما : منطق الأحداث من جهة والشخصيات وعلاقاتها بعضها ببعض من جهة ثانية. أما الحكي كخطاب فيركز على تحليله من خلال ثلاثة جوانب : زمن الحكي، وجهاته وصيغه.

إن هناك العديد من الآراء التي تسعى إلى تحديد الخطاب الحكائي عن طريق التمييز بوجه عام بين "القصة والخطاب" وهي تستفيد في ذلك من الشكلانيين الروس أو من اللسانيات. ومن هذه الآراء نذكر تصور G.Genette، Groupe Liège، Jean Lefeve، Todorov أو عن طريق علاقة القصة (السرد) بالخطاب. يؤكد G.Genette أن نسبة من السرد متضمنة في الخطاب ومقدار من الخطاب في السرد، ليأتي توقف التناظر لأن كل شيء يجري كما لو أن نمطي التعبير يتأثران بشكل مختلف بدعوى التدخل[12]. إلا أن Genette يؤكد بأن السرد المدمج في الخطاب يتحول إلى أحد عناصر هذا الأخير، في حين أن الخطاب المدمج في السرد إنما يبقى خطابا ويشكل صفاء من الأورام[13].

وعن الذاتية والموضوعية، يكون الخطاب ذاتيا كلما اندمغ بمثول ضمير المتكلم "أنا" أو أحال عليه، وموضوعية السرد (القصة) تتحدد بالعكس من هذا، من خلال غياب أية إحالة على السارد[14].

كما أن هناك عددا من الباحثين قدموا تميزات ثنائية ضمن الحكي دون أن يسموا مباشرة أحد طرفي الثنائية بالخطاب وإن كان يحمل دلالته[15].

وثمة تقسيمات ثلاثية (قصة، خطاب، نص) وهذا التقسيم الثلاثي يختلف عن نظيره الثنائي في تحديده للخطاب الحكائي ومكوناته، "ومرد ذلك إلى كون هذه التقسيمات تقوم على أسس محددة تتصل من جهة، بالخلفية النظرية المنطلق منها، والأسئلة التي يرمي الباحثون إلى الإجابة عليها"[16]. لكن تبقى ثنائية قصة/خطاب أكثر اتساعا مقارنة مع الثنائيات الأخرى، ويبقى الخطاب الأكثر مرونة وقابلية للتطبيق على ألوان وكتابات إبداعية وغير إبداعية (خطاب سياسي، اجتماعي، نقدي، شعري، سردي..).

على عكس ما تقدم، هناك تصور مخالف لا يميز بين الشكل والمضمون، ويعتبرهما شيئا واحدا. يقول M.Bakhtine : "داخل الخطاب المعتبر بمثابة ظاهرة اجتماعية : الخطاب اجتماعي في مجموع مجالات وجوده وعناصره، ابتداء من الصورة السمعية ووصولا إلى التصنيفات الدلالية الأكثر تجريدا"[17].

ولذلك فالخطاب الروائي يدخل في تماس مع خطابات الأجناس الأخرى مدمجا لأكثر من جنس أدبي داخل بنيته المرنة المستوعبة للخطابات واللغات المتعددة.



5 – الخطاب باعتباره تمفصلا إبستيمولوجيا :

هناك مقاربات فلسفية لاصطناع مفهوم شامل للخطاب وذلك عن طريق احتواء مجمل الأنظمة الإشارية التي تتداولها العلوم الإنسانية. ولعل لهذا التوسع أهمية كبرى لأن رفض مبدأ الأخذ بحدود الجملة من شأنه أن يحرر نظرية الخطاب من هيمنة "الحكم-القيمة" كبعد ذاتي، كما بإمكان التركيز على الخطاب كوجهة موضوعية في تناول المعنى أن يؤدي إلى إلغاء "وهم" الفاعل المتكلم كمحور ارتكازي لحصول المعنى وانتشاره.

ومن جهتها تعمل J.Kristeva على إعادة تشكيل وتأليف الدوال في أنظمة جديدة يقع فيها لم وتوليف : الإيديولوجي – بالنفسي – بالسيميولوجي، حيث يغدو النص مجرد مضاعف بسيط للخطاب مما يفتح المجال أمام جهود إضافية لتحليل الخطاب من بعد سيميولوجي. ولعل من الأهداف التي حرصت عليها J.Kristeva في تطبيقاتها السيميائية اعتناؤها بمختلف الدوال الإشارية التي يتضمنها الخطاب، على اعتبار أنها تتحقق في إطار لغوي. لكن من دون الارتداد بها، اختزاليا، إلى مجرد مقولات لغوية.

يبدو أن الأمر بدأ يستوجب الذهاب نحو تأسيس نظرية للخطاب. صحيح أننا حيال جهد لاستثمار إسهامات لسانية نطاقها اللغة وذلك عبر عملية توسيع أنظمة لغوية، وتمديدها إلى حقول وأنشطة تعبيرية ذات حيز أوسع من الخطاب.

إن الخطاب باعتباره عنصرا مستجدا لن يكتسب مشروعيته كعلم، إلا من هذا التزود بالعلوم الإنسانية، لأنه منها يستحضر إشكالاته وحلوله، لكن الإشكال المطروح أمامه هو كيفية مفصلته ضمن حقل هذه العلوم الإنسانية، وكيفية إثبات حدوده في نطاق التداول اللساني. ومهما يكن يبقى الهدف المنشود تحقيقه هو كسب دراسة الخطاب دقة مناسبة عن طريق منحه مناهج ومفاهيم ملائمة، والكف عن الاستعارة العمياء من علمي "الدلالة" و"اللسانيات". إنا هاهنا بصدد مجابهة وضعية إبستيمولوجية. فمن جهة هناك العلوم الإنسانية في نزوعها إلى تنظير الشرط الإنساني، وسعيها إلى البحث عن اتباع هذا النزوع "بتمثيلات" و"إنجازات لغوية" تجسدها كأنماط من جهة ثانية. فتلك العلوم تقع عنا موقع الطلب بينما تلك الإنجازات تقع موقع العرض.

وبعيدا عن التحديدات اللسانية والسيميائية يسعى M.Foucault إلى مقاربة "الخطاب" بوضعه ضمن "أركيولوجية للمعرفة" على أساس أن الخطابات بدل أن تحقق وحدتها في إحالتها على نفس الموضوع فإنها منهجيا الموضوعات التي تتكلم عنها. يقول M. Foucault : "وللخطاب منطق داخلي وارتباطات مؤسسية، فهو ليس ناتجا بالضرورة عن ذات فردية يعبر عنها أو يحمل معناها أو يحيل عليها، بل قد يكون خطاب مؤسسة أو فترة زمنية أو فرع معرفي معين"[18].

كما أن الخطاب عند M.Foucault ليس فقط هو ما يظهر أو يخفي الرغبة، لكنه أيضا هو موضوع الرغبة... هو ما نصارع من أجله، وما نصارع به، وهو السلطة التي نحاول الاستيلاء عليها[19].

ويرى M.Foucault أن هناك إجراءات خارجية تمارس على الخطاب، كما أن هنالك إجراءات أخرى داخلية، فالأولى تعمل كمنظمات للأبعاد، وهي تتعلق بدون شك بذلك الجزء من الخطاب الذي يتعلق بالسلطة وبالرغبة، والداخلية تحصل لما تمارس الخطابات ذاتها مراقبتها الخاصة. إنها إجراءات تعمل بالأحرى على شكل مبادئ للتصنيف والتنظيم والتوزيع كما لو أن الأمر يتعلق هذه المرة بالتحكم في بعد آخر من أبعاد الخطاب : بعد الحدث والصدفة[20].

ويؤكد M.Foucault أن الخطاب لم يعد سوى انعكاس لحقيقة هي في طور النشوء تحت ناظريه، فسواء كان الخطاب، إذن، ضمن فلسفة الذات المؤسسة (لعبة كتابة)، أو ضمن فلسفة التجربة الأصلية (لعبة قراءة)، أو ضمن فلسفة التوسط الشمولي (لعبة تبادل)، كل ذلك لا يستعمل سوى العلامات. فالخطاب يلغي نفسه في واقعه الحي وذلك بأن يضع نفسه في مستوى الدال[21].

6 – تحليل الخطاب الأدبي :

إن تحليل الخطاب هو ذلك العمل الإجرائي الذي يتناول بالدرس والتحليل الوحدات اللغوية لخطاب ما مكتوبا كان أو منطوقا، في مستوى أعلى من مستوى الجملة أو الملفوظ المفرد قصد تحديد العلائق الموجودة بينها تحديدا شكليا.

فإذا كان اللغويون العرب القدامى قد رسموا استراتيجية للغة العربية، وتأسس على أيديهم علم أصول النحو المعتمد على المنطق اليوناني وعلى أصول الفقه، فإنه مع خمسينيات القرن العشرين تكثفت الأبحاث الإجرائية التي تعنى بتحليل الخطاب موضوعا.. وبذلك تضافرت جهود كل من البنيويين والأوروبيين في المرحلة البعد-السوسورية وإلى جانبها جهود التوزيعيين الأمريكيين حول تحليل ظاهرة الخطاب مع العلم أن هذا الأخير من أكبر المسائل استعصاء على التحديد باعتراف المحللين اللسانيين. وبذلك فمن الصعب إخضاع المادة الخطابية لتحديد مستوف بسبب ما يتضمنه مصطلح الخطاب من تعدد دلالي.

ويعمد تحليل الخطاب إلى وصف النسق المعجمي-الدلالي/التركيبي-الدلالي للنص بتحديد شبكاته التكافئية كما هي في منهج (Z.Harris) وتلامذته ويتعلق الأمر بتقطيع النص إلى وحدات يتم تجميعها في أصناف تكافئية..

من هذا المنظور يمكن لتحليل الخطاب مثلا أن يبرز الوحدات الصغرى الأساسية بما هي قاعدة للجمل السطحية التي هي بمثابة تحويلات متنوعة لها. كما يمكنه دراسة ظواهر التكرار والمعاودة وتوضيح عوامل تماسك النص أو عدم تماسكه. لكن بإمكانه أيضا أن يتعلق بإشكاليات أكثر اتساعا، مثل تحليل المضمون "من زاوية سوسيولوجية مثلا" ووصف الظواهر التلفظية[22].

ولا غرابة فإجراء تحليل الخطاب مشروع مغر لكثير من اللغويين، حيث قد تكون مهمته تحليل تقنيات علمية إضافية تتيح للمحلل اللغوي تحصيل نتائج شكلية لها قابلية استعمال موسع مفيد في مجالات غير لغوية أيضا.

ولا بد لمحلل هذا المستوى من التداول اللغوي للخطاب من التزود بفكر نقدي وتنظيري لأنه يواجه مخالطات بين ألوان معرفية تستدعي الحاجة إلى رؤيتها من زوايا متباينة هي :

ـ من الداخل.

ـ من الخارج.

ـ من زاوية الخطاب "المحضر" باعتباره نقطة انتشار مركزية لأن تعدده الدلالي يجعل مداولته مكمن صعوبات يتعذر التحكم فيه.

ـ من زاويته كمعطى –معرفي- إدراكي شمولي.

ـ من زاوية الآليات الميثولوجية التي تنتجها اللسانيات وقد تمر جميعها في ثلاث مقاربات أساسية : معجمية – نحوية – تعبيرية.

إن الخطاب يفتح أمام اللغة قابليات لا نهائية في النشوء والتعالق. فالمسألة هنا ليست تكوين دراسة مغلقة للخطاب من دون إرجاع وحداته المعجمية إلى نوع توظيفها في اللغة أو نوع توظيفها في نماذج من خطابات سالفة أو معاصرة، إذ مراعاة ذلك لا مناص منها. لأجل ذلك وكي يتسع مجال علم "تحليل الخطاب" عملت اللسانيات على فك عزلتها بالتفاعل مع جميع حقول العلوم الإنسانية، كالنظر من زاوية نظرية النص ونظرية القراءة وكذا من زاوية الشروط التي تحيط بفضاء الخطاب المعرفي أو ما يتصل بالسوسيوتاريخي أو السوسيولساني والسيميولوجي وكذا التحليل البنيوي المستفيد من المنهجية اللسانية.

وثمة إمكانية لإدراك مفهوم العلاقة الرابطة بين اللغة والخطاب إيحائيا، حيث إن الخطاب هو الذي يوسع دلالات اللغة وهو الذي يجذب اللفظ المعجمي بعيدا إلى آفاق معرفية إنسانية. فحسب المجال الذي يقع تعاطي اللفظ في نطاقه يقع استخلاص دلالات إضافية، بحيث لا حدود للمعاني التي يمكن للفظ تأديتها فاللفظ يكون محاصرا باستعمالين هما :

ـ استعمال تقريري : مقيد بمعنى واحد ثابت (دلالته الأساسية) ويمثل الوضع الحيادي للغة.

ـ استعمال إيحائي : مفتوح يؤدي إلى إنتاج دلالات ملحقة.

وعند Helmsleve فإن الخطاب يمكننا من "تقنين" الأحكام الاجتماعية التي تلازم كل ملفوظ مما يدفع إلى اعتبار الخطاب كشيء منسجم تام التكوين، بل هو الذي يخضع، في الوقت نفسه، لقواعد اللغة الطبيعية، ويخضع لنظام آخر يختص به وحده، فلا نستطيع القول بأن الخطاب يخلق لنا ألفاظا بمعنى جديد أو لغة جديدة، بل هو توجيه اللغة لتأدية وظائف وأهداف خاصة.

ثم إن مبادئ "التضمين" "المحايثة" و"الانبثاقية" التي جاءت بها التحاليل البنيوية اللسانية قد سمحت –تاريخيا- بتجاوز ثنائية F.D. Saussure وجهود الشكلانيين في إخضاعهم تحليل الخرافة لمنطق التسلسل غير –الجملي- كما أفادت منهجيا فهم التركيبة الحكائية وفهم تسلسل السردي والقواعد المنطقية التي تحكم انتظامه.

وثمة فكرة جديرة بالإثارة وتتعلق بالعلائق الموضوعية وانتظامها في الخطاب، يظهر ذلك في الخلط والتناقض والتعدد الدلالي والضبابية ولا استقرائية التبنين... ومثل ذلك يمكن أن يجري على المناطق الصامتة وخواءات النص، فحتى هذه يجب تبنينها حيث لها دلالتها.

7 – الحوارية : خاصية مميزة لكل خطاب أدبي :

تعني الحوارية في البلاغة القديمة أسلوبا يتوسل به الشاعر أو الخطيب ليمنح لشخصياته الأدبية اللغة التي تناسب مقامها، كما تعني صورة بلاغية في شكل جدال مجرد بين أطراف يمثلون أفكارا متعارضة بهدف توضيح وتدعيم برهنة ما كما في الممارسات الفلسفية.

بل إنه وبحسب الفكر الأسلوبي التقليدي "لا يعرف الخطاب سوى نفسه (سياقه)، وسوى موضوعه وتعبيره المباشر، ولغته الواحدة والوحيدة. بالنسبة لذلك الفكر كل خطاب آخر موضوع خارج سياقه الخاص، ما هو إلا كلام محايد "لا يرجع لأي أحد"، فهو مجرد إمكان (بالقوة)"[23]. فالخطاب مثل هذا النوع لا تعترضه أية مقاومة تكون صادرة عن خطاب الآخرين، لأنه لا يتوجه سوى إلى موضوعه.

كل خطاب يجد موضوعه مضاء بأقوال غريبة عن مجال حديثه، إنه وكما يقول M.Bakhtine "أسير، مخترق بالأفكار العامة والرؤيات والتقديرات والتحديدات الصادرة عن الآخرين. موجها نحو موضوعه، يرتاد الخطاب تلك البيئة المكونة من الكلمات الأجنبية المتهيجة بالحوارات، المتوترة بالكلمات والحكم والنبرات الغيرية"[24]. أمام هذه العلاقة المعقدة لا يجد الخطاب بدا من أن ينصهر مع بعض العناصر أو ينفصل عنها، وقد يتقاطع معها.

أما عن علاقة موضوع الخطاب بخارج ذاته فيؤكد M.Bakhtine "أن دراسة الخطاب في حد ذاته، بدون معرفة نحو أي شيء يتطلع خارجه، هي في مثل دراسة عذاب أخلاقي بعيد عن الواقع الذي يوجد مثبتا عليه والذي يحدده[25].

ومن هذا المنطلق لا يسعنا إلا أن نذهب مذهب M.Bakhtine من أن الناثر لا ينقي خطاباته من نواياها ومن نبرات الآخرين، ولا يقتل فيها أجنة التعدد اللساني الاجتماعي، ولا يستبعد تلك الوجوه اللسانية وطرائق الكلام وتلك الشخوص الحاكية-المضمرة التي تتراءى في شفافية خلق كلمات لغته وأشكالها.

وتعتبر "الحوارية" (المترادفة مع التناص Intertextualité في اصطلاح J.Kristeva) مفهوما أساسيا في تنظير M.Bakhtine للجنس الروائي، وذلك حين تشير إلى العلاقة التي يبرمها الملفوظ مع الملفوظات الأخرى. وهنا يظهر ذلك الخيط الرابط بين الحوارية والتناص.

وعلى الرغم من أن الحوارية تعد من ثوابت الممارسة الأدبية، إلا أن ثمة أجناسا وأنماطا خطابية تهيمن عليها الوظيفة الحوارية، فالنثر مثلا أقدر على تمثيل الخطابات وتلفظها من الشعر الذي يتحدد بعلاقة الكلمة مع الموضوع والذات المتلفظة مع العالم. من هذا المنظور تكون الرواية الجنس الحواري بامتياز، وذلك لأن موضوعه الجوهري الذي ينتج تفرده الأسلوبي هو الإنسان المتكلم وكلامه أيضا[26].

بهذا المعطى تدخل ملفوظات الآخرين ولغاتهم فتعطي الخطاب دلالته الأدبية. فالتعدد الصوتي واللساني يعطيان أسلوبية ملائمة لعمل الروائي، إنها أسلوبية سوسيولوجية. فالحوار الداخلي الاجتماعي للخطاب الروائي يستدعي الكشف عن سياقه الاجتماعي الملموس الذي يعدل مجموع بنيته الأسلوبية، و"شكله" و"محتواه" فضلا عن أنه لا يعدله من الخارج وإنما من الداخل.

يصوغ M.Bakhtine هذا التنميط للأشكال الحوارية المشخصة للكلام ويحددها في : التهجين (L’hybridation)، الأسلبة (Stylisation)، التوزيع، الأسلبة البارودية والحوار الخالص. يقول حميد لحميداني معلقا على ذلك بأن "الغاية من استخدام الأساليب هي خلق صورة اللغة، بدل استخدام لغة مباشرة للتعبير. والرواية من هذه الناحية لا تتحدث بأسلوب واحد مباشر، ولكنها تتحدث بصورة مشكلة من أساليب مختلفة، تشخص مواقف متباينة كما أنها لا تكتب بواسطة اللغة، وإنما بواسطة الدلالات والتصورات التي تحملها جملة من اللغات"[27].

كما يمكن لنا أن نميز ثلاثة مستويات تتحقق فيها آثار الحوارية وهي :

أ – مستوى التلفظ اللغوي.

ب – مستوى الإنتاج الشكلي.

ج – مستوى التلقي النقدي.

يتضح في الأخير أن هذه المفاهيم عملت على تطوير تحليل الخطاب، ووثقت الصلة بين اللسانيات والتحليل السوسيولوجي، وعملت على تجاوز المقولة التي نادت بها الأسلوبية التقليدية وطبقتها في الشعر. فأصبح الخطاب الأدبي تمظهرا معرفيا كبيرا وموضوعا خصبا للشعرية الحديثة.



[1] - سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، المركز الثقافي العربي، ط1، 1989، ص14. (انظر أيضا نفس الرأي لدى Gérard Genette في : Figures III, Seuil, Paris, 1972, p10-11. وأيضا : ت.تودروف، الشعرية، ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط2، 1990، ص23.

[2] - رشيد بنحدو، النص الأدبي من الإنتاج إلى التلقي، أطروحة مرقونة بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس، إشراف حسن المنيعي، 1991، ص251.

[3] - رسيد بنحدو، النص الأدبي من الإنتاج إلى التلقي، م، ص، ص249.

[4] - دانيال رايف، (الخطاب الأدبي العربي المعاصر)، مجلة الحياة الثقافية، ع35، 1985، ص133.

[5] - Dictionary of Stylistics, p460، نقلا عن فاضل ثامر في اللغة الثانية، المركز الثقافي العربي، ط1، 1994، ص75.

[6] - للمزيد من التوضيح انظر درس في السيميولوجيا لرولان بارط، ترجمة عبد السلام بن عبد العالي، دار توبقال، ط2، 1986، ص59 وما بعدها.

[7] - سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، م، م، ص15.

[8] - رشيد بنحدو، النص الأدبي من الإنتاج إلى التلقي، م، م، ص249-250.

[9] - محمود أمين العالم، الرواية العربية بين الواقع والإيديولوجية، دار الحوار، ط1، 1986، ص10.

[10] - محمود أمين العالم، الرواية العربية بين الواقع والإيديولوجية، م، س، ص11-12.

[11] - T.Todorov, (Les catégories du récit), Communication, n°8, 1966, p133.

[12] - ج.جونيت، (حدود النص)، ترجمة بنعيسى بوحمالة، مجلة آفاق، عدد 8-9، 1988، ص63.

[13] - ج.جونيت، (حدود النص)، م، م، ص63.

[14] - ج.جونيت، (حدود النص)، م، م، ص62.

[15] - انظر في هذا الصدد صاحبي كتاب عالم الرواية، وسوزان سليمان في Le roman à thèse، والمدرسة الأنكلوسكسونية (فورستر، تولتز، كيلغ).

[16] - سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، م، م، ص45.

[17] - ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، دار الأمان، ط1، 1987، ص35.

[18] - ميشال فوكو، نظام الخطاب، ترجمة محمد سبيلا، دار التنوير، ط1، 1984، ص209.

[19] - ميشال فوكو، نظام الخطاب، م، م، ص10.

[20] - نفسه، ص16.

[21] - نفسه، ص33.

[22] - رشيد بنحدو، النص الأدبي من الإنتاج إلى التلقي، م، م، ص53.

[23] - ميخائيل باختين، م، م، ص43.

[24] - الخطاب الروائي، م، م، ص44.

[25] - نفسه، ص55.

[26] - رشيد بنحدو، النص الأدبي...، م، م، ص231.

[27] - حميد الحميداني، مجلة دراسات أدبية لسانية، عدد 2، السنة الأولى، 1986، ص126.
https://maamri-ilm2010.yoo7.com/t125-topic









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 11:04   رقم المشاركة : 198
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asma28hd مشاهدة المشاركة
اريد بحث حول الخطاب الادبي

التداولية وتحليل الخطاب الأدبي مقاربة نظرية
Admin في الثلاثاء أكتوبر 26, 2010 12:14 am

التداولية وتحليل الخطاب الأدبي مقاربة نظرية ـــ راضية خفيف بوبكري- الجزائر

مفهوم التداولية:‏

يهتم الاتجاه التداولي بالدراسات اللغوية خاصة "حيث تتلاقى فيه على وجه معين جملة ميادين من المعرفة المختلفة أهمها: علم اللغة الخالص، والبلاغة، والمنطق، وفلسفة اللغة، وكذلك علم الاجتماع، وغيرها من العلوم المهتمة بالجزء الدلالي من اللغة"(1).‏

وبعدها وفي مراحل متطورة جداً تجاوزت التداولية حدود اللغة لتنتقل إلى مجال الأدب وتتحول إلى ما يسمى بالذرائعية الأدبية.‏

ويرجع الفضل في ظهور التداولية كمنهج ونظرية إلى الفيلسوف الإنكليزي "أوستن" إثر صدور كتابه الموسوم بـ"كيف نصنع الأشياء بالكلمات"، حيث تتحدد عنده التداولية على أنها "جزء من دراسة علم أعم: هي دراسة التعامل اللغوي من حيث هو جزء من التعامل الاجتماعي"(2). فهو هنا ينتقل من المستوى اللغوي والنحوي والنفسي للغة، إلى المستوى الاجتماعي ودائرة التأثير والتأثر، من خلال استعمال اللغة لتحقيق التواصل.‏

وفي إطار دراسة التعامل اللغوي، ظهرت مجموعة من التيارات أهمها "التيار الأوستيني أو البراغماتية عند استعمال الكلمة"(3)، ومن أهم أعلامه "غرايس" وعن هذا التيار تكونت تيارات أخرى تبتعد عن فكر أوستن مرة، وتقترب منه مرة أخرى.‏

وما تجدر الإشارة إليه هنا، هو أن مدرسة أوستن "ليست لها علاقة بالتيار الفلسفي الذي نشأ في أمريكا، والذي يحمل اسماً مشابهاً إن ترجم في العربية بالذرائعية"(4).‏

أما أصل التسمية "ذرائعية" فإن جذورها تمتد إلى منظري السيمياء أمثال شارلز بيرس، وشارلز موريس، وجون ديوي على وجه الخصوص، وتختلف دلالاتها حسب الحقل الذي تنبعث منه، كالفلسفة، واللسانيات، والاتصال، على أن سمتها الغالبة تظل في توجهها العملي(5).‏

ونتيجة لتعدد المنطلقات واختلافها في الدراسة التداولية حدث نوع من التداخل بين حقولها وحقول أخرى، أدى إلى اختلاف التسميات، وتنوعها خاصة عند ترجمتها إلى اللغة العربية: "النفعية، الذرائعية، الاتصالية...".‏

من هنا يمكننا أن نرجع أصل التداولية إلى اتجاهين مختلفين: اتجاه ينطلق في دراسة التداولية من كونها نظرية في التعامل الاجتماعي، تهتم بالجانب الاستعمالي، أي استعمال اللغة بزعامة "أوستن"، واتجاه فلسفي منطقي تعود جذوره إلى "بيرس" الذي أطلق عليها اسم "البراغماتية عام 1905"، و"وليم جيمس" الذي سماها بالذرائعية عام 1978.‏

ومنه، فإن البراغماتية "اسم جديد لطريقة قديمة في التفكير بدأت على يد سقراط، ثم تبعه أرسطو، والرواقيون بعد ذلك"(6).‏

وقد ظهرت التداولية كنظرية فلسفية على يد "باركلي" إلا أن أصولها تمتد إلى "بيرس" الذي جعلها وثيقة الصلة بالمنطق، بل اعتبرها قاعدة منطقية، وذلك من خلال ربطه بين الدراسات اللغوية والمنطقية.‏

فالتداولية عنده هي قاعدة منطقية تعنى بتحديد معاني الألفاظ والأفكار والمفاهيم والقضايا، والإشارات، ومنه أصبحت أو تحولت إلى أداة للتفسير والنقد.‏

لكن تعدد القراءات لنصوص "بيرس" حول مفهومه للتداولية، أحدث نوعاً من تباين وجهات النظر حول مفهوم التداولية، فهناك من يرى أنها نظرية في المعرفة، لأنها تهتم بالواقع، وهناك من يرى أن جوهرها ميتافيزيقي، وهنا تكمن أهميتها عند بيرس.‏

وقد تأثر "بيرس" في صياغة نظريته بـ"دونز سكوت"، وأفكار خصمه "راين"، خاصة الفكرة القائلة بأن: "فكرتنا عن أي شيء هي فكرتنا عن آثاره الحسية"، كما استعار لفظ (براغماتية) من كانط.‏

ولعل اهتمام "بيرس" في مراحل حياته الأخيرة بنظرية الإشارات "كان لـه الأثر الأكبر في التحول من الفهم الإجرائي للقاعدة البراغماتية إلى الفهم المنطقي الخالص لها، إذ أن البراغماتية، تعتبر في هذه المرحلة تطويراً لنظريته المبكرة في الإشارات، وقد كان أكبر ما شغله في هذا المجال هو اكتشاف طريقة يتم بموجبها الاتصال بين الناس"(7).‏

لم يقصر "بيرس" البرغماتية هنا على المفاهيم العملية فحسب، بل تجاوز ذلك إلى دراسة المفاهيم الميتافيزيقية، أي تجاوز كل ما يتعلق بالعلوم الطبيعية، لأنه في المراحل الأولى، ربط التداولية بالمنهج الاستقرائي.‏

وبهذا التعبير يكون "بيرس" قد تصدى للنزعة التجريبية، وتداولية "وليم جيمس"، وذلك بنقلها "من ميدان المحسوس والتجريب الذي حصرها فيه التجريبيون الإنكليز إلى ميدان المعقول والعام"(، ومنه يكون "بيرس" قد أعاد لها السمة العقلية التي حاربتها حركة "وليم جيمس".‏

وما يمكننا قوله هو أن التداولية، انطلاقاً من مفهوم "بيرس"، خاصية أو قاعدة منطقية نلجأ إليها، باعتبارها أداة عقلية تساعدنا على معرفة فيما إذا كانت المسائل التي نبحثها ذات معنى أو لا.‏

ومنه فإن البراغماتية مقياس عقلي لمعرفة صحة أو خطأ المسائل التي نبحثها، وهل هي جديرة بالبحث أم لا.‏

ـ جذور التداولية في التراث العربي:‏

إن دراسة عملية التواصل أو الاتصال قديمة، تعود جذورها إلى الدراسات التنظيرية الأولى عند الجاحظ، وأبي هلال العسكري، وابن قتيبة، وحازم القرطاجني، وغيرهم. لكنها كانت ذات طابع معياري تهتم بالأثر الناتج مباشرة عن الرسالة، والشروط التي تجعل الخطاب ناجحاً، وفي هذا ملامح للتداولية الحديثة، فكما ركز هؤلاء المنظرون على المرسل والمتلقي، والرسالة، وعملية التأثير والتأثر، والقصد، ونوايا المتكلم، والفائدة من الكلام، والإفهام... فإنها أيضاً تعد جوهر النظرية التداولية.‏

وقد ذهب "محمد العمري" في كتابه "البلاغة العربية" إلى أن التداولية الحديثة بعد "جاحظي" في أصله لاهتمام الجاحظ وتركيزه على هذا المستوى في كتابه "البيان والتبيين" وعلى عملية التأثير في المتلقي، والإقناع، وقد سميت هذه النظرية عنده، والتي تعرف اليوم بـ"التداولية" بـ نظرية "التأثير والمقام".‏

يقول "محمد العمري": "إن هذا البعد هو أحد الأبعاد الأساسية في البلاغة العربية، وهو بعد جاحظي في أساسه، وإن تخلي البديعيين عنه في مرحلة لاحقة أدى إلى اختزال البلاغة العربية وتضيق مجالها، وتحظى نظرية التأثير والمقام حالياً بعناية كبيرة في الدراسات السيميائية، ومن ثم الشروع في إعادة الاعتبار إلى البلاغة العربية تحت عنوان جديد هو "التداولية""(9).‏

وتتجلى جذور التداولية عند "الجاحظ" من خلال تقسيمه للبيان إلى ثلاث وظائف، واهتمامه أكثر بالوظيفة التأثيرية، التي تمثل جانباً مهماً في التداوليات الحديثة، يقول الجاحظ: "أما بعد، يمكن إرجاع وظائف البيان، اعتماداً على كل ما سبق إلى ثلاث وظائف أساسية هي:‏

1 ـ الوظيفة الإخبارية المعرفية التعليمية (حالة حياد، إظهار الأمر على وجه الإخبار قصد الإفهام).‏

2 ـ الوظيفة التأثيرية (حالة الاختلاف) تقديم الأمر على وجه الاستمالة وجلب القلوب.‏

3 ـ الوظيفة الحجاجية: (حالة الخصام) إظهار الأمر على وجه الاحتجاج والاضطرار"(10).‏

فكل هذه الوظائف تشكل جوهر النظرية التداولية في الدراسات المعاصرة باعتبارها مقاربة تهتم بالتواصل في الدرجة الأولى، والإقناع، والتأثير، وإيصال المعنى، وتقديم الفائدة، ومنه فإن غايتها منفعية بحتة.‏

يقول الجاحظ: "المعاني القائمة في صدور الناس، المتصورة في أذهانهم، والمتغلغلة في نفوسهم... مستورة خفية، وبعيدة وحسية، ومحجوبة مكبوتة... لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه.. إلا بغيره، وإنما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها، وإخبارهم عنها، واستعمالهم إياها، وهذه الخصال هي التي تعود بها إلى الفهم وتجليها للعقل... وتجعل المهمل معبداً، والمقيد مطلقاً... وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح، وكانت الإشارة أبين وأنور، كان أنفع وأنجح..."(11).‏

إن معالم المقاربة التداولية تظهر جلية في هذا النص:‏

من خلال الحديث عن ضرورة استعمال المعاني، فالإخبار عن المعنى هو الذي يضمن تقريبه إلى الفهم حيث يركز على ضرورة إفهام المخاطب، وإبلاغه محتوى الرسالة الأدبية.‏

كما يشترط (الجاحظ) أن يكون استعمال المعاني مفيداً ومحققاً لقصد المتكلم أي فيه منفعة.‏

أما إذا انتقلنا إلى (حازم القرطاجني) فإننا نجده لا يعتبر الكلام الذي لا يدل على معنى كلاماً، وهو هنا يشير إلى فكرة القصد، إذ أنه يجعل الفائدة المتداولة بالقصد، يقول "حازم القرطاجني": "لما كان الكلام أولى الأشياء، بأن يجعل دليلاً على المعاني التي احتاج الناس إلى تفاهمها..."(12).‏

فالكلام الذي يكون دليلاً على المعنى، يشكل أساس الدراسات اللسانية الحديثة، والتفاهم الذي قصده حازم هنا هو تحقيق التواصل، وهذا يدخل في نطاق التداولية التواصلية، أي كلام مرسل يحمل قصداً ومعنى وفائدة، يريد المتكلم إيصالها إلى المتلقي.‏

فحازم هنا يركز على المنفعة، والخطاب الذي لا يحقق منفعة، فإنه لا يحقق أي تواصل انطلاقاً من قولـه: "... المعاني التي احتاج الناس إلى تفاهمها أي احتياجهم إلى تحصيل المنفعة".‏

"فحازم هنا يتفطن للبعد البراغماتي أو التداولي في العملية التواصلية، إن هذا التصور النقدي للتواصل الشعري متطور جداً، ويعكس عمقاً في النظرة ووعياً بعناصر التجربة الشعرية باعتبارها تجربة لغوية نفسية يكتنفها إطار اجتماعي ومقام خارجي تؤثر فيه وتتأثر به..."(13).‏

إضافة إلى القصد والمنفعة والإفهام، يشير حازم إلى قضية التأثير بين المتكلم والمتلقي، ويرى أنه ضروري في العملية التواصلية لقوله: "وجب أن يكون المتكلم يبتغي إما إفادة المخاطب أو الاستفادة منه (...) أو بعضها بالقول"(14).‏

ويقسم حازم القرطاجني ردود الفعل التي يثيرها المتكلم في المخاطب إلى: عملية، وسلوكية، ووجدانية.‏

وربما تعود أول إشارة إلى قضية التواصل الأدبي أو التداولية في التراث العربي القديم إلى: ابن قتيبة في كتابه "الشعر والشعراء"، من خلال حديثه عن "تهيئة المخاطب نفسياً ليتقبل ما يقصده الخطاب، والانفعال به انفعالاً ظاهراً".‏

حيث انتهى هذا الناقد إلى حقيقة مفادها أن على الشاعر أن يسير في قصيدته وفق خطة مرسومة سلفاً يبدأ فيها بالنسيب ثم يردفه بذكر مشاق السفر، ثم يعرج على وصف ناقته، فيبثها أشجانه، ثم ينتقل إلى مدح صاحبه بعد أن يكون قد أثار انتباهه، وهيأه نفسياً إلى شعره...(15).‏

كما لا يفوتنا أن نشير إلى "عبد القاهر الجرجاني" الذي أشار إلى عملية التواصل في أكثر من موضع، غير أنه يركز على دراسة وضعية المخاطب اتجاه النص اشعري، ويتحدث عن عمق المعنى ووضوحه ويرى أن التواصل الذي يكون نتيجة لتعب وكد وإعمال للفكر هو التواصل الذي يعجب فيه المتلقي بالخطاب الشعري.‏

أما إذا تطرقنا إلى كتاب "سر الفصاحة" لصاحبه "ابن سنان الخفاجي"، فإننا نجده يقول: "والكلام يتعلق بالمعاني والفوائد بالمواضعة، لا لشيء من أحواله..."(17).‏

نلاحظ أن "ابن سنان الخفاجي" يشير ضمنياً إلى التداولية الحديثة، إثر حديثه عن الفائدة التي نرجوها من الكلام، فهو يشترط في الكلام الصحيح الانتظام والفائدة، وإلا فلا يمكن عدّه كلاماً. إلا إذا حقق الفائدة المرجوة منه، أي أن الكلام عنده لـه وظيفة نفعية. إضافة إلى هذا، يتحدث "ابن سنان" أيضاً عن المواضعة والقصد واستعمال المتكلم له، أي استعمال اللغة في قصد.‏

من خلال ما تقدم ذكره حول جذور التداولية في التراث العربي القديم، نلاحظ أن التداولية لها حضور قوي، وقديم جداً في التراث العربي، لا يقل عنه في التراث الغربي.‏

ـ التداولية في النقد المعاصر:‏

تحولت التداولية من اللغة إلى الأدب، وأصبحت تداولية أدبية، أو ما أصبح يعرف اليوم بالذرائعية الأدبية، التي تمثل مقاربة لدراسة النصوص وتحليلها، وفي هذا المجال تكون "التداوليات نظرية استعمالية، حيث تدرس اللغة في استعمال الناطقين بها، ونظرية تخاطبية تعالج شروط التبليغ والتواصل الذي يقصد إليه الناطقون من وراء الاستعمال للغة"(18).‏

فلقد تطورت التداولية من المجال اللغوي والمنطقي والفلسفي إلى الذرائعية الأدبية، التي تنقل النص من المستوى النحوي والدلالي إلى المستوى التداولي، حيث تركز الآراء في النقد المعاصر على مفهوم التواصل الذي يقوم على عملية الفهم والتأويل.‏

وتعد عملية القراءة في النقد المعاصر "تواصلاً يتحقق بين القارئ وموضوع القراءة، فالوصفية النقدية في إطار عملية القراءة، وظيفة تقوم على أساس السعي إلى تحقيق تواصل فعال بين القارئ وموضوع القراءة، وكأي تواصل تحتاج عملية القراءة إلى أسباب لعناصر الموضوع المقروء، وإحاطة بالعوامل الفاعلة فيه، مثل السياق، ومقاصد المتكلم"(19).‏

فالدراسات النقدية الحديثة تجعل من اللغة الأدبية نظاماً معقداً للاتصال، يجاوز مستويات الصياغة اللفظية والنصية إلى دراسة الحدث الأدبي انطلاقاً من دائرة الاتصال الاجتماعي، أي الانتقال باللغة الأدبية من مستوى النص كنظام إلى مستوى التواصل. وهذا فيه إشارة إلى نظريات القراءة أو الاستجابة المعاصرة.‏

وتعود بوادر التغيير أو الانتقال إلى ضرورة فهم النص انطلاقاً من ارتباطه بالسياقات أو التحديدات السياقية.‏

ويعد (فان ديك) من أهم أعمال النظرية التواصلية في النقد المعاصر "حيث أنه وضع تخطيطاً من ناحية البرنامج للذرائعية الأدبية بوصفها مكملاً لا فكاك عنه لنظرية النص"(20).‏

ويمكن اعتبار عام 1979 تاريخاً حاسماً في تحول (فان ديك) من علم الدلالة إلى نظرية أدبية عامة "تشتمل على نظرية للنصوص الأدبية ونظرية للتواصل الأدبي"(21).‏

ومنه أصبحت الذرائعية الأدبية مقياساً للحكم على أدبية الأعمال الفنية، ففي حين كان الاعتراف بما هو أدبي يتحقق بواسطة الخصائص البنوية وجملة الملامح اللفظية، أصبحت الأدبية تتحدد من خلال الاعتراف بإنتاج معين وخاص، واستقبال خاص أيضاً.‏

ثم تطورت الذرائعية وأصبحت في مراحل متأخرة جداً نظرية للسياقات تبحث في سياق الإنتاج والاستقبال، ثم إلى نظرية في الأفعال الكلامية.‏

ويوجد هناك تيارات لفهم الذرائعية، يرى الأول "أن الذرائعية الأدبية تفهم على أنها دراسة سياقات الإنتاج والاستقبال... في حين يرى الآخرون أن الذرائعية الأدبية ينبغي أن تفهم فقط في صلتها مع نظرية للفعل..."(22.‏

ومن أهم أعلام التداولية في النقد المعاصر نذكر على سبيل المثال لا الحصر: فان ديك غرايس، أوسن، سيرل، جون ديوي، وغيرهم.‏

ـ التداولية وتحليل الخطاب:‏

تعود أصول نظرية أفعال الكلام إلى عهد أرسطو والفلاسفة اليونان الذين عمدوا إلى دراسة أقسام الكلام لدراسة القضايا المنطقية، حيث ميزت هذه الدراسات "الصيغة الخبرية عن صيغ التمني والأمر وغيرها، فحصرت بالصيغ الخبرية وهي التعبير اللفظي عن القضية..."(23)‏

لكن هذه الدراسات عرفت تحولاً عند كانط، باعتبار أن هناك جملاً تحمل الصيغة الخبية، لكنها لا تحمل معنى الصدق والكذب.‏

وانطلاقاً منه ظهر اتجاه منطقي وصفي في القرن العشرين، يذهب إلى ما ذهب إليه كانط.‏

أما فيما يخص النقد العربي القديم، فقد عرف قضية الأفعال اللغوية تحت اسم "أغراض القول الشعري" كون بعض الدارسين المعاصرين لقضايا المعنى عند العرب القدماء يقول: "إننا نضع هذه التسمية المعاصرة: أفعال لغوية actes de langage لمجموعة من الظواهر الدلالية semantiques، والبراغماتية pragmatiques المتناولة في الإنتاج اللغوي العربي القديم، والتي كانت تدرس تحت عنوان أغراض القول..."(24).‏

فالدراسات الحديثة المعاصرة تعتبر الفعل اللغوي نتيجة تكلم لغة ما أو استعمالها مما ينتج عندنا مجموعة من الأفعال: التأكيد والأمر والوعد، والوعيد، وإثارة أسئلة وغيره.‏

ومنه، فإن تداوليات أفعال الكلام أو الأفعال اللغوية تختص بدراسة أغراض الكلام التي يقصد إليها المتكلم.‏

والحديث عن الأفعال الكلامية يقودنا مباشرة للحديث عن "أوستن" ومساهماته البارزة في هذا المجال، لأنه يعد من المؤسسين الأوائل لهذه النظرية (أفعال الكلام)، والرواد الذين طوروا الأبحاث في هذا المجال من خلال مجموعة من الأعمال أهمها: تطبيقه نظرية الأفعال اللغوية على الخطاب الأدبي عند "وليام جيمس"، التي توصل إلى التمييز بين ثلاث أنواع من الأفعال اللغوية.‏

1 ـ "الأفعال الإخبارية، الإنجازية، وهي مجموعة الأفعال التي توظف في إطار عملية التواصل"(25).‏

2 ـ أما النوع الثاني فهو مجموعة الأفعال اللغوية التي لا تخبر بشيء محدد وتسمى بالأفعال الإنشائية التي تدخل ضمن المستوى الجمالي والبلاغي.‏

3 ـ أما الأفعال التي لا تنتمي إلى الإخبار أو الإنشاء، فتشمل كل الأفعال التي يلجأ إليها المرسل والمتلقي لاستمرار التواصل وجلب انتباه السامع.‏

ولقد قام أوستن عند دراسته للجمل الخبرية بتمييز نوع منها مما لا يقبل الصدق ولا الكذب، كما قام بتفريعها إلى وصفية وإنشائية، ومما يدخل تحت الجمل الإنشائية قولنا مثلاً، أوافق أن يكون هذا شاهداً على شجاعتي.‏

فمثل هذه الجملة لا يصف شيئاً معيناً، ولا يخبر عن القيام بعمل معين.‏

وقسم "أوستن" الجمل الإنشائية إلى إنشائيات أولية، وإنشائيات صريحة، فالأولية من مثل قولنا: ـ سأحضر هنا، والصريحة من مثل قولنا: أعدك أنني سأحضر هنا.‏

كما ميّز "أوستن" أفعالاً ثلاثة ترتبط بالقول (locution) هي: فعل القول، والفعل المتضمن في القول، والفعل الناتج عن القول، أو الفعل بواسطة القول(26).‏

وركز "أوستن" على الفعل المتضمن في القول، ثم تحول تقسيمه للجمل إلى جزء من نظرية عامة للأفعال الكلامية التي عمد إلى تقسيمها إلى خمس أفعال:‏

1 ـ الحكميات، 2 ـ الإنقاذيات، 3 ـ الوعديات، 4 ـ السلوكيات، 5 ـ البنيينات.‏

قائمة المراجع:‏

1 ـ فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية، ترجمة سعيد علوش، مركز الإنماء القومي، ص95.‏

2 ـ المرجع نفسه، ص96.‏

3 ـ المرجع نفسه، ص98.‏

4 ـ المرجع نفسه، ص99.‏

5 ـ د/ ميجان الرويلي، د/ سعد البازعي، دليل الناقد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، الطبعة الثانية 2000.‏

6 ـ د/ حامد خليل، المنطق البراغماتي عند تشارلز بيرس "مؤسس البراغماتية"، دار الينابيع، مصر، لبنان، 1996.‏

7 ـ المرجع نفسه، ص214.‏

8 ـ المرجع نفسه، ص219 ـ 220.‏

9 ـ محمد العمري، البلاغة العربية، أصولها وامتداداتها، أفريقيا الشرق، المغرب، 1999، ص293.‏

10 ـ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الجاحظ، مصر، الطبعة الرابعة، الكتاب الثاني، 1395هـ ـ 1975، الجزء الأول، ص75.‏

11 ـ المرجع نفسه، ص75.‏

12 ـ مجلة الوصل، معهد اللغة والأدب العربي، جامعة تلمسان، العدد الأول، جانفي 1994، نظرية المقاصد بين حازم ونظرية الأفعال اللغوية المعاصرة، محمد أديوان، جامعة الرباط، كلية الآداب، ص25.‏

13 ـ المرجع نفسه، ص26.‏

14 ـ المرجع نفسه، ص26.‏

15 ـ المرجع نفسه، ص26.‏

16 ـ أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلي، سر الفصاحة، دار الكتاب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1976، ص43.‏

17 ـ المرجع نفسه، ص33.‏

18 ـ دراسات سيميائية لسانية أدبية، العدد الثاني، 1987 ـ 1988، المغرب، تكامل المعارف: اللسانيات والمنطق، حوار مع الدكتور طه عبد الرحمن.‏

19 ـ مجلة الوصل، جامعة تلمسان، المرجع السابق نفسه، ص34.‏

20 ـ خوسيه ماريا بوثويلو إيقانكوس، ترجمة حامد أبو حمد، مكتبة غريب، سلسلة الدراسات النقدية، القاهرة، ص76.‏

21 ـ المرجع نفسه، ص76.‏

22 ـ الفكر العربي المعاصر، مركز الإنماء القومي، لبنان، 1998 ـ 1999، نظرية الأفعال الكلامية، طالب هاشم طبطبائي، ص65.‏

23 ـ مجلة الوصل، جامعة تلمسان، المرجع السابق نفسه، ص38.‏

24 ـ المرجع نفسه، ص39.‏

25 ـ الفكر العربي المعاصر، المرجع السابق نفسه، ص66


Admin
Admin

عدد المساهمات: 85
تاريخ التسجيل: 15/10/2010

https://atawassolal3ilmi.3oloum.com/t73-topic









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 11:06   رقم المشاركة : 199
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

[QUOTE=asma28hd;7833753]اريد بحث حول الخطاب الادبي[/Q



https://www.4shared.com/file/8YV6N9Ap/___online.htm










رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 11:10   رقم المشاركة : 200
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asma28hd مشاهدة المشاركة
اريد بحث حول الخطاب الادبي





































خدمات الموقع
الصفحات المصورة
اعلن معنا
خدمة RSS
بحث متقدم
ارشيف التصويتات
اتصل بنا



أوقات الصلاة
13 ذو الحجة 1432هـ
09 نوفمبر 2011مـ
صلاة الفجر 5:02
شروق الشمس 6:27
صلاة الظهر 11:46
غروب الشمس 5:06
صلاة العشائين 5:21


» ادب وثقافة



اشكاليات الخطاب النقدي الادبي العربي المعاصر
18/02/2008 - 12:03 ص | عدد القراء: 3423

داود سلمان الشويلي..
من المفيد ان نذكر ، بداية ، ان ما تريد ان تصل اليه هذه الدراسة ، هو سلامة الخطاب النقدي الادبي العربي المعاصر ، الخطاب النقدي المنهجي ، الذي هو : (( البناء الادبي القائم والمؤسس ، على نظرية نقدية تعتمد اصولا ً معينة في فهم الادب وفي اكتشاف القيمة الجمالية والنفسية والفكرية والاجتماعية في العمل الادبي )).


اما الخروج عن اشتراطات هذا الخطاب ، فأنه - حسب هذه الدراسة - يشكل ازمة له وفيه ، مبعثها تلك الاشكاليات الذاتية والموضوعية على السواء ، اذ ان دراسة هذا الخطاب ، تقودنا الى تلمس ما وقع فيه من اشكاليات نابعة من داخله ، واخرى ، تعيق تقدمه وتطوره ، واردة اليه من خارج كيانه ، الا انها ذات تأثير سلبي عليه ، وهذا ما سنبينه في السطور القادمة. آ - الاشكاليات الذاتية : وهي الاشكاليات التي افرزتها حركة الخطاب النقدي العربي منذ التأسيس ، واثناءالانجاز ، لأسباب ، منها : اولا ً: اشكالية المصطلح . ثانياً : اشكالية المنهج . *** *** اولاً : اشكالية المصطلح: ربما يتساءل البعض عن سبب الحديث عن المصطلح ، وما يشكله من اشكالية خارج حدود الحديث عن المناهج ، وللاجابة عن مثل هذا التساؤل ، نقول : ان المصطلحات هي مفاهيم لغوية اصطلاحية تعود الى المناهج نفسها . وهذا قول صحيح ، الا ان المناهج نفسها - وبعيداً عما سببته من اشكاليات في التطبيق - قد وقعت هي الاخرى بأشكالية التسمية . ويضاف الى كل ذلك ، ان الكثير من المصطلحات ،لم تكن تابعة لأي منهج من المناهج النقدية ، على الرغم مما لها من دور كبير في النقد الادبي ، لهذا كانت هذه الاستقلالية في الحديث عن المصطلحات والاشكاليات التي افرزتها في حركة الخطاب النقدي الادبي العربية المعاصرة . والمصطلح ، هو : ما (( اتفقت الجماعة على استخدامه ، ليرمز الى مجموعة من الافكار والمذاهب ، ترسبت مع الزمن ، واصبح لها من (( التحديد )) ما يبرر هذا التعبير او المصطلح ، بحيث اذا اطلق فأنه يرمز على الرغم من صغره الى حركة او فكرة ، ذات سياق تاريخي وفلسفة جمالية ، وملامح فنية )). (6 ) واذا كان المصطلح هو اداة لغوية مفهومية ، الا انه قد اصبح واحداً من اشكاليات حركة الخطاب النقدي الادبي العربية المعاصرة . ان من اهم اشكاليات المصطلح واستخدامه : (1) قصور الترجمة: على الرغم من ان الترجمة توصف بـ ( الخيانة ) ، الا انه من الطريف ، او المحزن في الآن نفسه ، ونحن نقرأ عن حركةالترجمة في العصر العباسي ابان ازدهار الثقافة والحضارة العربيتين ، ان نستذكر ان بعض مترجمينا العرب الاقدمين ، وبسبب من سوء الترجمة ، قد اوقعوا حركة النقد الادبي العربية - وقتذاك - في اشكالية كبيرة لم تتخلص منها حركة الخطاب النقدي الادبي العربي الا في عصرنا الحديث ، عندما اخطأ ( بشر بن متي ) في ترجمة بعض مصطلحات كتاب ( فن الشعر ) لارسطو ، خاصة مصطلحي(التراجيديا والكوميديا ) اللذان ترجمهما بـ ( المديح والهجاء ) . ومن المسلم به تاريخيا ً ، ان اقطار وطننا العربي ، قد وقعت - في التاريخ المعاصر - تحت سيطرة الاستعمارين الفرنسي والبريطاني ، والجميع يعرف ما لثقافة هذين الاستعمارين من تأثير كبير على الثقافة العربية بصورة عامة ، فضلا ً عن ذلك ، فأن بُعد او قرب هذا القطر او ذاك من هذه الدولة الغربية ( الاوربية ) او تلك ، قد اثر هو الاخر في استخدام لغة هذه الدولة او تلك ، كما كان لتخرج ابناء هذا القطر العربي اوذاك من جامعات غربية عديدة ومتنوعة ، له تأثيره ايضا ً في كل ما قلناه .. مما اقام عملية تثاقف كان لها تأثيرها السلبي الكبير في هذا المجال . ان عملية التثاقف القطرية - الاوربية هذه ، كانت احد الاسباب التي جعلت من ارتحال المصطلح ( ترجمته ) من تلك الدولة الغربية الى هذا القطر العربي ، يختلف عنه لو ارتحل الى قطر عربي اخر ، مما افضى الى نتائج غير سليمة ، وذات تأثير سلبي على استخدام المصطلح ، ومن ثم استخدام المنهج . يقول د. صلاح فضل ، عن الترجمات التي تمت في بلاد الشام للمناهج النقدية الحديثة ، وخاصة ( البنيوية ) : (( يظل هناك امران يعوقان جديا ً امكانية الافادة الكاملة بها ، اولهما يتصل بلغة المترجم ، المعماة التي تغلب عليها العجمة والتراكيب الغربية ، ويعز التقاطها على القارئ المختص مما يجعله يتمنى لو تمكن منها بلغتها الاصلية ، وثانيهما يرتبط بعمليات النشر والتوزيع ، اذ تتدخل العوامل السياسية المتقلبة لتجعل الحصول على كتاب من دمشق او بغداد اصعب على اهل مصر مثلا ً من طوكيو او بكين )) (7). فضلا ً عن ذلك ، فقد ادى هذا القصور الى بروز ظاهرتين هامتين من ظواهر استخدام المصطلح النقدي ، هما : اولا ً : اضطراب وعدم استقرار المصطلح النقدي عند الكثير من النقاد العرب ، مما ادى الى (( سوء فهم تلك الدلالات وبالتالي قد يؤدي الى خلق احكام مضطربة وضبابية يكتنفها الغموض والجهل معا ً )) (8 ) . وهذا الاضطراب لم يكن سمة خاصة بالمصطلح فحسب ، وانما هو واحد من سمات حركتنا الثقافية العربية عامة . ثانيا ً : غموض ، وعدم وضوح المصطلح . وهذا ناشيء عن (( سوء الترجمة حينا ً ، او سوء استعماله حينا ً اخر ، فضلا ً عن الخلط والاضطراب بين المصطلحين العربي القديم الواضح الدلالة والاستقرار ، والغربي او الاجنبي الذي يكتنفه الغموض وعدم وضوح الرؤية خاصة حين يطبق )) ( 9 ) . ويجرنا الغموض والاضطراب اللذين رافقا عملية ترجمة وتطبيق المصطلح الاجنبي ، الى احد اسباب قيام الازمة في حركة الخطاب النقدي الادبي العربي المعاصرة ، وهو اشكالية الفكر الادبي العربي المعاصر ، والتي سنتحدث عنها في السطور القادمة . (2) غياب المصطلح: اذا كان استخدا م المصطلح في الخطاب النقدي الادبي العربي المعاصر ، ادى الى اكثر من اشكالية ، فأن غيابه هو الا خر ، يعتبر احد اشكاليات هذا الخطاب ، كون المصطلح ، وبما ينطوي عليه من مفهوم معرفي دقيق ، يوفر الكثير من الجهد في انتاج خطاب نقدي ادبي جاد وعلمي ، لأن اهم فعالية يقوم بها المصطلح تجاه المنجز الابداعي ، هو استيعابه اولا ً ، ومن ثم تجاوزه للوصول الى الحقيقة الادبية له . *** *** ثانيا ً : اشكالية المنهج: للمناهج ، وبما تنطوي عليه من مصطلحات ومفاهيم وادوات فحص ، اهمية كبيرة في حركة الفكر بصورة عامة وعلى كافة مستوياتها ، وعلى حركة الخطاب النقدي الادبي العربي المعاصر خاصة .. ودون ان ندخل في تعاريف لغوية او مفهومية للمنهج ، نقول ، ان المنهج : (( لاينحصر بمفهوم واحد ، او ادوات متعددة ، او بعض القيم والمعايير ، اذ هو في الحقيقة مجموعة من المفاهيم والتصورات المتسقة والادوات والخطوات الاجرائية والقيم والمعايير ، وهو بهذا المعنى رؤية لا مجموعة من الاراء ، والمنهج رؤية فلسفية متكاملة ، أي رؤية للادب والنقد والانسان والعالم )) (1.) . وقبل ان نعتمد التعريف السابق ، علينا التاكيد على ماجاء فيه من ان المنهج هو (رؤية فلسفية متكاملة ) لان هذا الوصف سيفيدنا في السطور القادمة . ان الاسباب التي ادت الى وجود هذه الاشكالية ، يمكن تلمسها من خلال: (1) غياب المنهج: أي ما يمكن ان نطلق عليه بـ ( اللامنهجية ) والتي اصبحت - هذه اللامنهجية - سمة لاغلب الدراسات النقدية التي ضمها الخطاب النقدي العربي المعاصر، والتي لاتعتمد لها منهجاً عند الدراسة والتحليل للمنجز الابداعي . ومن الطريف ، ان اللامنهجية هذه ، قد اصبحت عند البعض من ( نقادنا ) هي المنهج الذي راحوا يدافعون عنه تحت ذرائع شتى ، منها :- ان المنهج - أي منهج - يفرض قيوداً عند التطبيق ، الا ان الدافع الاساس لذلك هو افتقار مثل هؤلاء ( النقاد ) لابسط شروط النقد الادبي ، وهي المنهجية ومن ثم لعدم معرفتهم بالمناهج النقدية القديمة او الحديثة ، فدفعهم كل ذلك الى ذم المنهج والمنهجية . ان غياب المنهج ، يؤدي - حتماً - الى الانشائية والانطباعية والتأثرية فيصبح الخطاب النقدي ، عند ذاك - عبارة عن تذوق ذاتي للنص الابداعي يفتقر للموضوعية ، وورم خبيث في جسد الخطاب النقدي العربي الخاص بالمنجز الابداعي الادبي ، وكذلك ، وبالاً على المنجز الابداعي نفسه . ويمكن القول نفسه ، على بعض التعليقات الصحفية السريعة التي يطلق عليها البعض(نقداً ) . (2) استخدام المنهج: قلنا ، ان اللامنهجية ، هي واحدة من الاشكاليات التي جعلت من الحركة النقدية الادبية العربية ، تقع في ازمتها ، الا انه ، وفي الوقت نفسه ، ان ( المنهجية - (أي استخدام المنهج - هي الاخرى ، قد اصبحت احدى اشكاليات هذه الحركة ، خاصة وان المنهج يعد من وسائل الخطاب النقدي الادبي عند متابعته وتقصيه لمعنى النص الابداعي..ويمكن اجمال صور هذه الاشكالية بما يلي : (آ) غربة المناهج: ونقصد - هنا - بـ ( الغربة ) معنيين في الوقت نفسه ، احدهما : ان هذه المناهج هي في الاساس ذات مصدر أوربي ، غربي ، وثانيهما : انها غربية عن البيئة العربية بصورة عامة ، والثقافة العربية بصورة خاصة. ان هذه الغربة ، أوقعت حركة النقد الادبي العربي ، المعاصر خاصة ، في اشكالية كبيرة ، ليس فقط بسبب مساويء ( الترجمة ) فحسب ، وانما لاسباب كثيرة ، منها : ان تلك المناهج قد تأسست - اصلاً - اعتماداً على مفاهيم فكرية وفلسفية غربية ، ومن اجل منجز ابداعي نتاج لبيئة وحضارة غير البيئة والحضارة العربيتين (11) . وان هذه الظاهرة هي واحدة من (( ابرز سمات الاشكالية المعاصرة لنقدنا الشعري الحديث نظراً لانها ترتبط مباشرة بقضية الفكر الغربي المعاصر )) (12) . وكذلك بالنسبة لقضية العلاقة بين الثقافتين العربية والغربية. وقد تنبه اكثر من ناقد لهذه القضية عندما وجد ان بعض المناهج النقدية لا تسعف الذائقة النقدية العربية في دراسة المنجز الابداعي الادبي جماليا ومعرفيا اللذان يوفرهما المنجز الابداعي ضمن خصوصيات البئية والثقافة العربيتين ، فراح البعض يستخدم منهجين او اكثر في فحص منجز ابداعي ما (13) فيما يذهب ناقد اخر الى محاولة تاسيس منهج نقدي عربي اسلامي (14) كما يقول. (ب) الدوغماتية في التطبيق: فهم البعض من النقاد ، ان المنهج ما هو الا ادوات هندسية ذات ابعاد وحجوم ومساحات لا يمكن المساس بها عند التطبيق ، فأخذت - عند ذلك - المناهج تسـّيرهم دون ان يكون للمنجز الابداعي حرية اختيار منهجه .ان التحجر ضمن هذه المقاييس ، هو ما جعل المنجز الابداعي ، ومن ثم المبدع نفسه ، يعيشان وضعاً مأ ساوياً لا يحسدان عليه ، ان كان ذلك عند استخدام المناهج النقدية القديمة ( السياقية ) او المناهج النقدية الحديثة ( النصية ) ، ذلك لأنه (( لا وجود لمباديْ وقيم منهجية ثابتة يمكن الاعتماد عليها وتثبيتها الى ما لا نهاية في تحليل النص الشعري او غيره من النصوص الابداعية التي تدور عليها المقاربة النقدية )) (15) . (ج) قصور الترجمة: لا يمكننا ان نضيف شيئا ً على ما قلناه سابقا ً عن قصور الترجمة بالنسبة للمصطلح ، وفي الآن نفسه لا يمكن اغفال ما للترجمة من دور كبير وفعال وخطير في الحركة الفكرية والثقافية عامة ، وفي الحركة الادبية خاصة ، اذ انها واحدة من المستلزمات الضرورية لمجمل الفعاليات الانسانية ، ليس في حاضرنا هذا فحسب ، بل ومنذ التطور والتقدم اللذين حصلا في الحركة الفكرية والثقافية والعلمية في العصر العباسي خاصة . اذ لعبت الترجمة دورا ً كبيرا ً في ذلك وهي الآن واحدة من شروط التطور والتقدم في كافة الميادين ، وهذا ليس مدعاة لبقاء العرب يعيشون ( عالة ) على غيرهم من الامم ، وفي الوقت نفسه ، فأن الحياة - بصورة عامة - تتطلب الانفتاح على الآخر. واذا كنا نتفق على هذا الدور ، فحري بنا ان نتفحص المنجز الذي قدمته الترجمة بما يتعلق بالمناهج النقدية خاصة ، للوقوف على حقيقة هذا الدور ونسب النجاح والفشل ، خاصة وان الكثير من الدراسات والبحوث المعنية في هذا الجانب ، راحت تدرس هذه القضية وتقدم لها الحلول ، الا ان هذه السطور سوف لا تفي بما مطلوب منها انجازه .

التعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!
https://www.aladalanews.net/index.php...ticle&id=37199









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 11:11   رقم المشاركة : 201
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asma28hd مشاهدة المشاركة
اريد بحث حول الخطاب الادبي
المشاركة رقم: 1
الكاتب

عضو جديد
المعلومات

التسجيل: Oct 2009
العضوية: 38113
الموقع: الجزائر
المشاركات: 5
بمعدل : 0.01 يوميا
معدل تقييم المستوى: 0
نقاط التقييم: 10

الإتصال



مشاركة رقم : 1 المنتدى : الشعب الأدبية
مفاهيم في الخطاب والخطاب الأدبي من منظور النقد العربي الحديث
بتاريخ : 2009-10-23 الساعة : 02:02 PM


اللغــــة العربــية وآدابـــــــــــــها
الموضوع:
مفاهيم في الخطاب والخطاب الأدبي من منظور النقد العربي الحديث:
تمهيد:
شهد العالم العربي حركة واسعة في محاولة تحديد دلالة الخطاب الأدبي وسماتة وقد عرفت هذه الحركة انتشاراً واسعا في أوساط النقادة العرب كل يدلي بدلوه في هذا المجال ويعطي حجته نظرياً وتطبيقاً.بيد أن تلك المفاهيم والطروحات رغم علائقيتها بالموروث العربي الإسلامي،إلا أنها لم تخل من تأثر بالمناهج النقدية لسانية أو أسلوبية.
- نظرة النقاد العرب لمفهوم الخطاب:
من بين النقاد العرب الذين حددوا مفهوم الخطاب الأدبي (انطوان مقدسي،عبد السلام المسدي،سعد مصلوح،محمد مفتاح،عبد المالك مرتاض...).
ويعرف انطوان مقدسي الخطاب الأدبي على أنه"جملة علائقية إحالية مكتفية بذاتها،وهي مكتفية بذاتها أي أنها مكانا وزمانا وجودا ومقاييس لا تحتاج إلى غيرها...)1.
فالخطاب من منظور "مقدسي" مهماكان حجمه يشكل جملة واحدة تجمع بين أعضائه علاقات إحالية،ولا يمكن أن تكتفي حدوده بذاتها وإنما هي نسيج عضوي يحيل بعضه إلى بعض،ليشكل جملة واحدة...مكتفية بذاتها دون حاجة أو تأثر بالعوامل الخارجية، ويبدو تأثر مقدسي بالنظرية البنيوية واضحاً في تعريفه للخطاب الأدبي على أنه بنية مغلقة مكتفية بذاتها.كما يدعو إلى دراسته بمعزل عن العوامل الخارجية أي يدرس في ذاته ولذاته.
ولا يكاد يختلف مفهوم "المسدي" للخطاب عن مفهوم المقدسي،إذ يعرف الخطاب على أنه بنية يجب أن يدرس في ذاته ولذاته. يقول" إن ما يميز الخطاب هو انقطاع وظيفته المرجعية لأنه لا يرجعنا إلى شيء ولا يبلغنا أمرا خارجياً إنما هو يبلغ ذاته وذاته هي المرجع والمنقول في نفس الوقت..."2.
فانقطاع الوظيفة المرجعية للخطاب تجعله يشكل علاقات إحالية تكتفي بذاتها وغياب هذه المرجعية - حسب نور الدين السد - تجعل الخطاب متميزاً لا نظير له في الواقع لأن الخطاب لا يعني تسجيل الأحداث كما هي على صورتها في الواقع بلغة متميزة تخلق الأحداث كما هي على صورتها في الواقع،وإنما تصوير الواقع بلغة متميزة تخلق عالماً لغوياً منمازاً عن العالم الواقعي باستخدام تقنيات أسلوبية،جمالية.
ويشترط "سعد مصلوح" في الخطاب الشفرة اللغوية المشتركة بين الباث والمتلقي باعتبار الخطاب"رسالة موجهة من المنشئ للمتلقي تستخدم فيها نفس الشفرة اللغوية المشتركة بينهما،ويقتضي ذالك أن يكون كلاهما على علم بمجموع الأنماط والعلاقات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية التي تكون نظام اللغة أي(الشفرة)3.
فتحقيق الوظيفة التواصلية بين الباث والمتلقي- من منظور سعد مصلوح- يشترط علم الطرفين بمجموع الأنماط الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية،بيد أن هذا الشرط لا يمكن الأخذ به كقاعدة مطلقة لكل خطاب،فقد يتوفر هذا الشرط في الحديث العادي بين الطرفين كأن يكون واحدا أجنبي والآخر عربي عندئذ تنعدم الوظيفة التواصلية بينهما،إن جهل أحدهما لغة الآخر وهو ماذهب إليه "نور الدين السد" فهو يرى أن تعريف سعد مصلوح "ينطبق على مستويات من الخطابات ولا ينطبق على مستويات أخرى..."4.
ويتجاهل سعد مصلوح الوظائف الأخرى التي يحققها الخطاب كالشعرية والتعبيرية على خلاف الباحث " محمد مفتاح" الذي يمنح الخطاب وظائف عديدة كالتواصيلة والتفاعلية...ويعتبر محمد مفتاح الخطاب "مدونة كلامية" أي انه "مؤلف من كلام وليس صورة فوتوغرافية أو رسماً أو عمارة أو زيا...وإن كان الدارس يستعين برسم الكتابة وفضائلها وهندستها في التحليل..."5.فالخطاب عنده يتميز بأنه :
1- " تواصلي: يهدف إلى توصيل معلومات ومعارف ونقل تجاربه إلى المتلقي
ب- تفاعلي: على أن الوظيفة التواصلية في اللغة ليست هي كل شيء، فهناك وظائف أخرى للخطاب اللغوي،اهمها الوظيفة التفاعلية التي تقيم علاقات اجتماعية بين أفراد المجتمع وتحافظ عليه"6.
والخطاب عند "محمد مفتاح" حدث بمعنى انه مرتبط بزمان ومكان محدد وقع فيه وهو على خلاف الحدث التاريخي لا يمكن أن يعاد ويتميز الخطاب كذالك - من منظور مفتاح- بالانغلاق أي له بداية ونهاية رغم تداوليته بمعنى انه وليد أحداث تاريخية واجتماعية ولغوية وتتوالد منه احداث أخرى، وما يتميز به الخطاب عما هو ليس بخطاب كون الخطاب يمتاز بالاتساق والانسجام،ومن يميزه هو متكلم اللغة المتخصص،فهو بإمكانه عند تلقي مقطعاً لغوياً أن يحكم عليه بأمرين: إما أنه يعتبره وحدة كاملة وبالتالي فهو خطاب،وإما أنه مجرد جمل غير مترابطة مما يعني أنه ليس خطابا،فوجود وسائل الاتساق أو غيابها تحدد خطابية المقطع أو عدميتها.7
وإذا كان متخصص اللغة له دور في تمييز الخطاب من غيره فإن متلقي الخطاب يجعل من هذا الأخير امتدادً له،فالخطاب ليس جامداً بل هو متغير ومتحول تبعاً لكل قارئ وهو متواصل مع قارئه لاحتوائه خصائص نفسية واجتماعية وحضارية،وهو ما يجعله يقول مافيه،ومستغن بنفسه عن غيره كما يقول"منذر عياشي"8.لذالك لايعقل ان نقبل عليه ونحن محملين بأفكار مسبقة أو انماط جاهزة للبحث عن مثيلاتها في محتواه،لأن الخطاب يتضمن فكرة، رؤية يمكن الوصول إليها من خلال قراءات متنوعة أسلوبية،سيميائية،...تكشف جوانب متعددة من الخطاب.
وفي تعريف المسدي للخطاب وأدبيته يرى أنه" ...ينتمي لصاحبه من حيث هو كلام مبثوث، أما أدبيته فهي أساسا وليدة تركيبته الألسنية"9. لكن هذه الأدبية لا تتواجد في أجزاء منه فقط وإنما تتجلى في الخطاب كاملا لأنها - على حد تعبير منذر عياشي- "قوة إيحائية مكثفة تسكن النص وتمتد على كل أطرافه حتى تضيق مساحة التصريح"10
وتمتد أدبية الخطاب بمقدار انزياحه وخروجه عن مألوف القول في تركيبته البنيوية والدلالية،لأن أدبيته لا تكمن في أسلوبه فحسب،بل في دلالته التعبيرية والرمزية.
أما في البحث النقدي فإن الخطاب هو" فعل النطق، أو فاعلية تقول وتصوغ في نظام مايريد المتحدث قوله فهو كتلة نطقية " لها طابع الفوضى وحرارة النفس ورغبة النطق بشيء ليس هو تماما الجملة ولا هو تماما النص بل هو فعل يريد أن يقول."11
فإن كانت الجملة غير النص والنص غير الخطاب فبالتالي الجملة ليست هي الخطاب،فالخطاب يرتبط في البحث النقدي بعلاقته مع النطق، وهو يحمل معنى الاستمرارية والحركة والتواصل دون محددات سيرورة وصيرورة، فالخطاب كتلة نطقية يؤدي رسالة التواصل بين الناطقين به.
ويعرف الأستاذ نور الدين السد الخطاب في كتابه " تحليل الخطاب السردي"على أنه "خلق لغة من لغة" فوسم الخطاب على انه لغة تنماز بالتحول والتجدد، فهي لغة لم تنشأ من عدم، بل هي وليدة لغة أخرى هي لغة الحياة،المعنى،الموقف...فلا وجود لللغة أولى دون اللغة الثانية وهي لغة ثابتة على خلاف الاولى(لغة/خطاب) فالحياة الجاهلية برحلاتها وأيامها وفروسية عنترة.. غزله وحبه هي حياة معنى او موقف اختزل في لغة أخرى متحولة هي " معلقة عنترة" ووسم هذا الخطاب تبعاً لتركيبته" بالخطاب الشعري" ولنقل مثل ذالك عن الثورة الجزائرية بزمانها ومكانها وشعبها ...كل هذا جسده مفدي زكرياء في " إلياذة الجزائر" فوسمت بالخطاب.
وعليه فإن الخطاب هو قراءة لثلاثية تكاملية هي ( الزمان والمكان والإنسان) لذالك فهو غير الجملة وغير أي كلام فهو الجديد الذي يحصل من خلال فاعلية تقول، إذ لا يمكن أن نعتبر كل كلام خطاب،فالخطاب نسيج وحده له سمة خاصة من التموسق فهو تمام الانسجام والتناسق والتناغم،وشبهة نور الدين السد بالكيان العضوي"إذ يتمشكل عضوياً جزء فجزء، ثم يقع الترابط والانسجام والمواءمة بين كل المكونات الخطابية مبنى ومعنى،حتى إذا بلغت مبلغاً معيناً وسمت بمفهوم ،فنقول هذا خطاب شعري وذاك خطاب نثري، فالخطاب إفرازة بيانية منفردة بذاتها...لغة تحمل جوهرا هو المضمـــــــــــــون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) أنطوان مقدسي،الحداثة والادب،مجلة الموقف الأدبي،ع9/دمشق نقلا عن :نورالدين السد،الأسلوبية وتحليل الخطاب ،ص:67
(2)عبد السلام المسدي،الأسلوب والأسلوبية،الدار العربية للكتاب ،ط/3ص:116
(3)ينظر،نور الدين السد،الاسلوبية وتحليل الخطاب،ج 2،ص:68
(4)المرجع نفسه،ص:74
(5)المرجع نفسه،الصفحة نفسها
(6)محمد مفتاح،تحليل الخطاب الشعري،ص:120
(7)ينظر نور الدين السد، الأسلوبية وتحليل الخطاب،ص:96-75
(8)المرجع نفسه،ص:13
(9)المرجع نفسه،ص:88
(10)المرجع نفسه،ص:92
(11)رابح بوحوش،الخطاب والخطاب الأدبي وثورته اللغوية...مجلة اللغة والأدب،ع/12،ص:177

https://www.ouarsenis.com/vb/showthread.php?t=13496









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 11:12   رقم المشاركة : 202
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asma28hd مشاهدة المشاركة
اريد بحث حول الخطاب الادبي
الخطاب الأدبي في القرآن الكريم والسؤال الغائب

ناشر الموضوع : الرازي

العدد السادس والعشرون ربيع أول / ربيع ثان 1424هـ
أيار / حزيران 2003م


نافذة ثقافية

الخطاب الأدبي في القرآن الكريم والسؤال الغائب

بقلم: عباس المناصرة / ناقد إسلامي - الأردن

جاءت معجزة الإسلام (القرآن الكريم) تتحدى العقل البشري بالإعجار: العلمي والثقافي واللغوي والفكري والتشريعي والمنهجي، وكل أنواع الإعجاز للعقل البشري في أقصى درجات رقيه المفتوح إلى يوم الدين. قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) فصلت / 53.
ولكن هذا الإعجاز بمختلف أنواعه وفروعه ورد بصورة واحدة من أساليب الخطاب، هي صورة الخطاب الأدبي، وهنا تقفز إلى الذهن مجموعة من التساؤلات المتصلة بهذا الخطاب. فمن هذه الأسئلة التي تدور في الذهن مثلاً: ما الحكمة من مجيء القرآن الكريم في خطابه للعرب وللبشرية بجميع أجيالها وبيئاتها معتمداً الخطاب الأدبي أسلوباً ؟ ولماذا لم يأت الخطاب الرباني للبشرية بأساليب أخرى من الخطاب: كالخطاب العلمي أو الخطاب الفلسفي أو الجدلي أو خطاب الحقائق والأرقام؟ وبصياغة أخرى، لماذا اختار الله سبحانه وتعالى أن تكون رسالته الخاتمة لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم في تبليغ البشرية كافة، على صورة الخطاب الأدبي في أعلى مراتب البيان وأرقى أساليب الإعجاز؟
هل هو التحدي والإعجاز للعرب البلغاء الذين خوطبوا به في زمانهم؟ مع العلم أن المعجزة قائمة ودائمة، لا تخص العرب أو البشرية في جيل محدد، ولأن الخطاب القرآني دائم للبشر في جميع الأجيال، والإعجاز دائم ومستمر إلى يوم الدين.
لا بد أن هناك حكماً أخرى، غير تحدّي العرب البلغاء في ذلك الزمان، وأنّ تحدّي أولئك العرب هو جزء من ذلك الإعجاز، ولكن إعجاز القرآن أكبر من ذلك، لأنه إعجاز ممتد في تحدي البشرية إلى نهاية أجيالها على وجه الأرض.
الآن وفي هذا العصر بالذات، أصبح بإمكاننا أن نتعرف على حِكم أخرى مكنونة وراء هذا الاختيار الرباني لذلك الخطاب الأدبي، وخاصة بعد أن ارتقت الأمم بفنونها الأدبية، وتعمقت في تحليل هذا الخطاب وأدركت عظمته وخطره على أذواق الأمم والرقي بها نحو أهدافها المنشودة، وسوف يتأكد لنا ذلك أكثر، عندما نتعرف على السمات التالية، التي يمتاز بها الخطاب الأدبي، على غيره من أنواع الخطاب:
1- قدرة الخطاب الأدبي على التاثير في أذواق المخاطبين والرقي بها نحو الأهداف المرغوبة.
2- هو أقرب أنواع الخطاب للتربية وتعديل السلوك وتعليم الناس، حيث إنه يرقى بالتفكير والقلب والسلوك من خلال أساليبه المختلفة، كالأساليب النوعية (القصة، والحوار، والمباهلة، والمجادلة، والمخاطبة …) أو الأساليب البلاغية (كالتشبيه، والاستعارة، والمجاز، والمشهد، والرمز ..) أو الأساليب البيانية (كالدعاء والاستفهام والتسوية والنداء والتمني والمقارنة والأمر والنهي ..) وهي أساليب تنبّه الحس الجمالي والمتعة في النفوس وتحمل الفائدة المرجوة في ثنايا الخطاب الممتع فتوصلها بطريقة محببة، بعيداً عن أساليب الجدل الجاف الذي لا تصبر له النفوس ولا ترغب فيه .. .
3- الخطاب الأدبي لا يؤثر عليه تقلب الزمان ولا تغير المكان، ولذلك هو أدوم تأثيراً وخلوداً من أساليب (العلم، والجدل، والخبر) المتقلبة لتطورها وتغيرها المستمر وجفافها، فربما تقرأ الخبر لمرة واحدة ولا ترغب بالعودة إليه، بينما يبقى الخطاب الأدبي متميزاً بالجمال والمتعة والحيوية والفائدة وكذلك بالبقاء والثبات والخلود، ولا يؤثر على قيمته أو دلالته أو جاذبيته تقادم الزمان والمكان أو تقلب الأجيال، لأنه لا يؤدي إلى الملل الذي تقع فيه الأساليب الأخرى، فالنفس لا تملّ من تكرار السماع له مرات ومرات، لأنه معجون بالجمال الجذّاب للنفوس.
4- يمتاز الخطاب الأدبي بقدرته على إيصال محتواه إلى طبقات المجتمع على اختلاف شرائحها، ليسر أداته (اللغة) التي يملكها الغني والفقير والمقيم والمرتحل والبدوي والمتحضر والجاهل والحكيم فهو لا يكلفهم جهداً ولا مالاً، وإذا احتاج إلى شيء من ذلك فقد يحتاج إلى اليسير.
5- وأخيراً، أليس في اختيار الله سبحانه وتعالى للخطاب الأدبي تعليم للبشر، وشهادة منه على أنه افضل أساليبهم لخطابهم والتأثير فيهم، مما يدلل على أهميته وعظمته وفضله وخطره؟
وهنا نسأل أنفسنا، لماذا أهملت الأمة بحث قضايا الأدب في منجزها الفقهي الضخم، ولم تفرد له أبواباً خاصة كما فعلت لغيره، مع أن الله خاطبها بأدواته وأساليبه؟
في ظني أن سبب ذلك الإهمال، يرجع إلى غياب السؤال عن حكمة الخطاب الأدبي في القرآن الكريم عند فقهائنا، مما أدى إلى إهمال قضية الأدب في فقههم، فأوجد ذلك فراغاً فقهياً في بابه، استغله تلاميذ الفلسفة اليونانية في العصر العباسي، وعندها قاموا بتعبئة هذا الفراغ، بترجمة نظريات الشعر عند أفلاطون وأرسطو وهوراس، مما أوجد نقداً عربياً على قواعد الذوق الإغريقي، ينحرف بذوق الأمة عن الاستقلال والتميز، فكان هذا السبب في إجهاض الميلاد الحقيقي لنقد عربي إسلامي، يخرج من مرجعية الأمة ومن إنتاجها الإبداعي.

مجلة الفرقان

https://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=26264









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 11:13   رقم المشاركة : 203
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة asma28hd مشاهدة المشاركة
اريد بحث حول الخطاب الادبي
2007/12/14, 08:58 PM #1
ابو ريم
زائر عزيز
1428/12/4 هـ
مفهوم قصيدة النثر في الخطاب الأدبي الغربي
مفهوم قصيدة النثر في الخطاب الأدبي الغربي













1

إنّ التعرّف على نشأة قصيدة النثر ، وما آل إليه الأمر بشأن تأريخ ظهورها ومن ثم تطورها ، ضمن التصوّر العربيّ ، يُلزمنا بوضع خطوط رئيسة تكشف أوّليتها عالمياً ، وتقرّبنا من لحظات الشروع التي انطلقت منها . خصوصا بعد أن ألمحنا إلى كونها نتاج الثقافة الغربيّة بمختلف متغيّراتها الإجتماعيّة والبيئيّة والطبقيّة والاقتصاديّة ، هذه المتغيّرات التي أسهمت في تشكيل الوعي أو الفكر الإنسانيّ ، ورسّخت مفاهيم سياسيّة وايديولوجيّة وفلسفيّة طبعت التأريخ بملامحها المميّزة .
ولا بأس من التذكير قبل كل شيء بأنّ قصيدة النثر لم تأخذ لنفسها استقلاليّة، تمكّننا من عدّها نوعاً أو جنساً أدبيّاً ، له خصوصيّاته وأعرافه الواضحة المعالم ، كما أسلفنا في مهادنا النظريّ . فقصيدة النثرـ بحسب ما ارتأينا ـ شكلٌ من أشكال القصيدة الغنائيّة ، وهذا الشكل بدوره ، ذو طبيعة متحوّلة ، بحكم معطياته التأريخيّة من جهة ، ونزعته المتمرّدة ، تطامنا مع فكرة التجديد والتجاوز التي غرستها معطيات الحداثة ، كما أسلفنا ، من جهة أخرى . وهذا الواقع مازال يحكم قصيدة النثر ، حتى لحظتنا الراهنة .
إنّ قصيدة النثر من حيث مصطلحها تمثل إشكاليّة تأريخيّة ، لو أخذنا بنظرنا الإرث النصيّ الذي تداولته الذاكرة الأدبيّة الغربيّة، فما يمكن أن يكون أنموذجاً لها ، على وفق المحددات السائدة التي استقرأتها سوزان بيرنار في كتابها الشهير ( قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا ) ، لزمنا إخراج أكثر النماذج التأريخيّة المؤسّسة لقصيدة النثر، أو التي أريد لها أن تؤسّس ، كما أمكننا إخراج نماذج اعتمدتها بيرنار نفسها للتدليل على الشكل ، ناهيك عن النصوص اللاحقة التي تمرّدت على ضوابط الشكل ( البيرناري ) ، إن صح التعبير ، في ما بعد .
هذه الحقيقة تدعو الباحث إلى التريّث قبل إعطاء تصوّر محدّد ومنتهٍ لأوّليّة قصيدة النثر، يكون بمثابة سيرة تأريخيّة بمقدورها الصمود أمام المتغيّرات الحاصلة في العمليّة الأدبيّة ، وبالخصوص في ما يتعلق بشكل من أشكال القصيدة الغنائيّة ، وهي النوع المتحوّل بل المطرود قديما من جمهورية الأدب .
وبالتأكيد سيكون من العسير إيجاد المستند التأريخيّ الذي سنعتمده وثيقة في تقصّينا أوليّة قصيدة النثر ؛ مالم نتصالح ، بدءاً ، على قوانين هذه القصيدة ، ومن ثم فحص الأثر النصيّ الذي يتطابق وهذه القوانين ليكون أنموذجاً صالحاً لما سندعوه من بعد قصيدة نثر .
إلاّ أنّ واقع قصيدة النثر مختلف بما يكفي لجعل مهمّة الوقوف على قوانين الشكل عسيرة أو لنقل محفوفة بالمعوّقات ، فالدراسات التأريخيّة أعطتنا جملة من المقترحات التي تحاول تحديد اللحظة البدئيّة لقصيدة النثر ، في الوقت الذي عجزت فيه التنظيرات عن تحديد قوانين هذه القصيدة ؛ فـ سوزان بيرنار تشير إلى مقدّمة موريس شابلان التي تصدّرت مؤلفه (مختارات من قصيدة النثر) ( )، والتي يقرّر فيها أنّ قصيدة النثر (نوعٌ) " لمّا يتجرّأ منظّر بعد على أن يصوغ قوانينه "، وهذا الأمر بحدّ ذاته منح قصيدة النثر حريّة ـ بتعبير شابلان أيضاً ـ تضفي عليها حيويّة فقدتها جميع أنواع الغنائيّة التقليديّة الأخرى ( ) .
إن هذه الحقيقة التي تؤشّر أبعاد الإشكال التأريخيّ المتعلّق بمفهوم قصيدة النثر تعطينا دافعاً مضافاً لتلمّس ثنايا إشكاليّة لم ينبّه لها دارسو قصيدة النثر ، وأعني بذلك مسألة تعدد اللغات التي شاعت فيها ، أو بعبارة أكثر دقة ، ولدت فيها بشائر قصيدة النثر ، وإنْ بصورة بدائيّة أو عفويّة ، خارج المؤسّسة النقديّة والتنظيرات الداعمة لها ، فما توافر لنا من دراسات تؤرّخ لولادة هذا الشكل الشعريّ الغنائيّ ، أغفل ـ مضطراً ـ تعدّد المناخات وخصوصيّتها ، وتمسّك بمنطلقات نوعيّة كلاسيكيّة مقارنة مع نماذجها الجديدة في الأدب الحديث ، وهذا النوع من التأريخ مهما بدا مقنعاً ، إلاّ أنه بقي ناقصاً ، فالأدب في أوربا أو العالم الغربيّ الجديد وريث الأدبين الإغريقيّ اليونانيّ واللاتينيّ الرومانيّ دون ريب ، لكنّه لم يتطوّر في مراحله اللاحقة بالمستوى نفسه ، حيث تعددت البيئات وتكثّرت اللغات ، وتتالت الفلسفات والقيم مؤثّرة بمجتمع دون سواه ، وفاعلة ومنفعلة ضمن استعداد الفكر المجتمعيّ في مختلف جهات العالم الغربيّ ، الذي سوّغت الدراسات اختزاله بإنمائه إلى أصوله وأرومته المشتركة .
كما أستطيع التنبيه إلى مشكلة أخرى لاتقلّ خطورة عن سابقتها ، وهي ذلك التساهل الغريب الذي طبع الدراسات وبالخصوص المترجمة منها ، حيث أجاز أصحابها لأنفسهم حريّة تقليب المصطلحات ، واستعمالها في غير مواضعها، ما أوقع الدارسين اللاحقين عليهم في منزلقات كبيرة ، وهذا الأمر إن لم يكن متأتياً من عدم الدراية الدقيقة باللغة ، فهو نابع من الجهل الأكيد بالمفاهيم والمصطلحات وتحوّلها في عصور الأدب ونظريّته النقديّة . وأزعم في هذا السياق ، أن الأمر برمته يحتاج إلى مراجعة ، بل مراجعات حثيثة وجادّة لإخراج الصورة القريبة من الحقيقة ، إن لم أبالغ وأقول الصورة الحقيقية .
ومهما يكن الأمر ، فما يمكن التواضع عليه ، هو أنّ قصيدة النثر جاءت نتيجة حاجة اقتضتها معطيات تأريخيّة انتهت بالشعر وبالأدب عموماً إلى حالٍ من الرتابة والجمود ، وكان لا بد من ثورة تعصف بهذا الانصياع الأعمى إلى الثبات والتحجّر الذي ترسمه عوامل خارجيّة ، وأخرى داخليّة ؛ سياسيّة واقتصاديّة وإجتماعيّة ، من شأنها أن تؤثّر سلبا على المنجز الفنيّ بجميع أبعاده .
وحتى لا نغرق في تفاصيل بواعث النشأة ومسبباتها ، سيكون من الناجع الولوج في صلب القضيّة التأريخيّة ، مراعين مايتعلّق بها من مواقف نقديّة ، ومبيّنين ضمنيّاً موقفنا من الآراء الواردة بشأن نشأة الشكل ، وبما يتناسب واشتراطاته الموضوعيّة وحدوده القانونيّة ، مستندين في ذلك إلى ما توصّلنا له في مهادنا النظريّ الذي سيكون ركيزة لجملة نتائجنا في هذه الدراسة . مع الإشارة إلى أنني آثرت تسمية المناخات الأولى التي نشأت فيها قصيدة النثر غير العربيّة ـ على الرّغم من تعددها ـ الحاضنة الأولى، مستندا في ذلك إلى حقيقة كونها شهدت الولادة الأولى لشكل قصيدة النثر ، بمختلف صوره ، وما استقرّ عليه الشكل من أنموذج نصيّ سواء أكان ذلك ممهّدا لما عرف بالشعر الحرّ( ) في الأدب الإنكليزيّ ـ الأميركيّ تحديدا ، ممثلا بتجربة والت ويتمان( ) ، أم ما أفضى إلى قصيدة النثر بمفهومها الفرنسيّ ، لدى بيرتران وبودلير ولوتريامون ورامبو وفرلين ( ) وسواهم من الشعراء الفرنسيين الذين شكّلوا علامة فارقة في مسيرة القصيدة النثريّة وشكلها الأنموذجيّ الذي يجهد المنظّرون في تكريسه ، والذي سيشكل قوام جهدنا البحثيّ في المصطلح وإشكاليّته من دراستنا هذه .


2

كانت الإشارة الأولى التي ورد فيها ذكر قصيدة النثر قد صدرت عن بوالو ( )، في مؤلفه : رسالة إلى بيرو ( ) عام 1700 ، يقول : " هناك أصناف من الشعر لم يسبقنا إليها الرومان ولم يعرفوها ، كتلك القصائد النثريّة التي نسميها " روايات " على سبيل المثال" ( ).
هذه الملاحظة على الرغم من ريادتها لم تكن معنيّة بتسمية نصوص شعريّة معيّنة ، ولم تبال باجتراح مصطلح مؤسّس في النظريّة النقديّة، ولم تكن لتكرس قصائد غنائيّة تكتب خارج النظام التقليديّ للشعر . ولكنها اكتفت بحريّة مجازيّة ، لتصف بواكير (الرواية) الخارجة من معطف (الملحمة) التي عرفها الأدب عبر عصوره القديمة ، وفي حضاراته الإغريقيّة واللاتينيّة بوصفها أحد الأنواع الشعريّة الكلاسيكيّة الكبرى .
إذن فإطلاق بوالو تسمية (قصيدة نثريّة) على نصوص أسّست لمفهوم الرواية خارج أوزان الملحمة وعروضها التقليديّ لا يمكن اعتماده شروعاً اصطلاحيّاً لأنموذج شعريّ كما هو أمر قصيدة النثر . هذا إذا سلّمنا أولاً بأنّ المراد بصفة النثريّة التي استعملها بوالو في هذا النص هي الخروج عن سياقات النظم تحديداً ، وبالذات الموسيقى والإيقاع الكميّ والقافية بمختلف أنواعها الموحّدة وغير الموحّدة . وليس الأمر من قبيل الخروج على الأعراف اللغويّة واستخدام الأساليب البلاغيّة المتداولة في النثر ، ومنها الكنايات بالمقابل من البلاغة الشعريّة القائمة على المجازات كما هو سائد في الفكر الأدبيّ عند الغربيين ، وهذا ما جهدت الدراسات النقديّة الحديثة في محاولة إيضاحه .
وعلى الرغم من إيراد سوزان بيرنار نص بوالو السابق في سياق تأصيلها لقصيدة النثر في مبحثها الافتتاحي (مقدمة تأريخيّة لقصيدة النثر ما قبل بودلير) الذي خصّصته لمراجعة البوادر الأولى لقصيدة النثر الفرنسيّة حصرا ، إلا أنّها عادت في الفصل الثالث من دراستها وتحديدا في مبحثها الخاص بجماليّة قصيدة النثر لتحذّر من سوء الفهم الذي قد يتسبب فيه الاستخدام الواسع للمصطلح ، مشيرة إلى أنّ الخطاب النقديّ في القرن الثامن عشر كان يسوّغ إطلاق تسمية (قصيدة) على كلّ نصّ أدبيّ ، فمسرحية لراسين كانت تسمّى (قصيدة مسرحيّة)، ورواية مثل تليماك تسمّى (قصيدة نثريّة) ، وبقي هذا المعنى متداولاً ، ومعمولاً به في الدراسات والوثائق النقديّة حتى القرن التاسع عشر ومشارف القرن العشرين .( )
إنّ اعتماد مطلع القرن الثامن عشر تأريخاً لولادة قصيدة النثر ـ بتصوري ـ يأتي في إطار المبالغة التي يمكن وصفها بالبسيطة مقارنة بمبالغات وأوهام مثيرة للاستغراب ، تحاول البحث عن أصول لقصيدة النثر في حضارات قديمة أو منقرضة ، فبعضهم يجد " أنّ تأريخها في الحقيقة هو أبعد بكثير من القصيدة (النثريّة) الحرّة ، فهناك من يبحث عن جذورها في الأدب الصيني (سلالة هان – 206 ق.م وحتى 220م) وآخرون يربطونها بالنصوص والأشعار التي تتضمنها التوراة " ( ).
وإذا كان تأريخ الأدب الفرنسيّ حافلاً بمثل هذه الإشارات التي أسهمت في ترسيخ قصيدة النثر وإشاعة استعمال المفهوم ، وإنْ لم يأخذ قوّة الإصطلاح ، فإن تأريخ الأدب الإنكليزيّ ، هو الآخر ، سعى إلى إيجاد جذور لهذا الشكل من الشعر الغنائيّ .
ولعلّ ما يثير الاستغراب في هذه القضيّة ، هو أنّ الأدب الإنكليزيّ الحديث لم يكرّس مفهوم قصيدة النثر بمعناه الدقيق كما هو الحال مع الأدب الفرنسيّ ، واكتفى بترسيخ مفهوم ( الشعر الحرّ ) ، الذي وجد فيه الشعراء الإنكليزيّون أنموذجاً رسميّاً للخروج على محددات الشعر الكلاسيكيّ . ومن هذا المنطلق رأى الشاعر الإنكليزي المعاصر ستيفن سبندر أنّ قصيدة النثر ليست شعراًَ بالمعنى الدقيق بل هي قريبة منه ، وعزا عدم انتشارها في إنكلترا إلى عقلانيّة الشاعر الإنكليزيّ ، وما دعاه عنصر الوعي الغالب عنده ، فالشعر الإنكليزيّ يبقى مرتبطا بحضارته مهما كان ثوريّاً ، وهذه الصلة الحضاريّة تعيقه عن الجموح ( ) بحسب ما يعتقد .
وعلى النقيض من ذلك ، فإنّ جذور قصيدة النثر في الشعر الإنكليزيّ ـ كما يرى بعض الدارسين ـ ترقى إلى القرن الثالث الميلادي ، وتتمثّل هذه الجذور بقصائد قصيرة تتسم بالروح الشفّافة والحكمة ، يطلق عليها بالإنكليزيّة (aphoristic prose poem) ، تنسب إلى شاعر ايرلنديّ مجهول ، لا يعرف عنه سوى اسمه ( أوسيان - Ossian) ، كان يكتب قصائده النثريّة تلك باللغة (الغاليّة) التي كانت شائعة في الشمال البريطاني آنذاك . وقد تعرّف العالم على هذا الشاعر وأثره بجهود الشاعر الانكليزيّ (جيمس ماكفيرسون 1736 – 1796) ، الذي قام بجمع القصائد وترجمتها ( ) .
وعلى الرغم من التحفظ الذي أثير بشأن عدّ الأنموذج الأوسياني هذا لحظة شروع لشكل قصيدة النثر بالمعنى النقديّ الدقيق ، حيث شكك نقاد إنكليزيّون بصحّة نسبة النصوص الشعريّة المقصودة إلى أوسيان الذي وصف بالأسطوريّ ، " وقد دلّت التحرّيات والتحقيقات على أن ماكفرسون قد أعاد كتابة القصائد الأسطوريّة ، وأضاف إليها الشيء الكثير من عنده " ( ) ، أقول على الرغم من التحفّظ المعلن هذا ، إلا أنّ من الدارسين من لايجد في ذلك غضاضة و" لا ينفي تلك الملامح الأوليّة لإرهاصات النمط " ( ) . دونما مراعاة للشروط التطبيقيّة الواجب اتباعها في التحليل النقديّ ، فنصوص أوسيان ، بغضّ النظر عن صدقيّة نسبتها إليه ، مكتوبة في القرن الثالث الميلادي ، ولا توجد أدنى إشارة إلى كونها كتبت لتؤسّس لشكل خارج على سيادة الشكل الغنائيّ المعهود للقصيدة القصيرة آنذاك ، إضافة إلى أنّ الوثيقة المعتمدة في الشعر الإنكليزيّ تنصّ على زعم شاعر من القرن الثامن عشر وقوعه على هذه النصوص ، وأنّه قام بترجمتها عن لغة أخرى ( الغاليّة ) ، وهذا يقتضي تجريد النصّ الأصليّ من ضوابطه الشكليّة والصوتيّة ، بمعنى أنّ الأوزان تفقد قيمتها الإيقاعيّة في حال نقلت إلى لغة أخرى . وهو ما حصل فعليّاً مع هذه النصوص ، وعليه فلا نجد من حجّة تسوّغ التأصيل لقصيدة النثر ابتداءً من لحظة أوسيان في الشعر الإنكلوسكسونيّ ، وكذلك الحال مع جميع الشعراء اللاحقين عليه الذين استعملوا بعض الخصائص النثريّة في قصائدهم ، أو الناثرين الذين تسلّلت إلى نصوصهم بعض الإيقاعات الشعريّة ، فهم إنّما فعلوا ذلك بصورة لا إراديّة و " عفو الخاطر وبشكل بعيد عن الصفة لأنّه لم يكن هدفهم الأساسيّ ولذلك مضت كتاباتهم (...) دون أن تثير اهتمام النقّاد والدارسين "( ).
وبغية التعرّف على الصورة الأكثر واقعيّة في الإسهام الإنكليزيّ للتأسيس لقصيدة النثر ، وملامحها التأريخيّة ، لابدّ من الوقوف عند المحاولات الجادّة للشاعر الإنكليزيّ (توماس ديكوينسي 1785 – 1859) الذي يقول عنه الكاتب الامريكي ( بـاو A. C. Baugh) : " وصل ديكوينسي بخيالاته إلى أقصى حدود اللغة حيث قصيدة النثر تستولي على مملكة الموسيقى" ( ).
في حين نجد ناقداً آخر هو (بيركنز Perkins ) يقول عنه : " إنه أكثر من أيّ كاتب آخر أسّس الأنموذج المثاليّ لقصيدة النثر " ( ) .
أما ( داوسون W. J. Dowson ) فقد كتب عنه دراسة جاء فيها : " كان شاعراً بطبيعته وغريزته ، وأعني بذلك أنّ إدراكه للأشياء كان شعريّاً في الأساس : في الواقع ثمة مقاطع في " الاعترافات " رائعة الايقاع بحيث يمكن وصفها بالقصيدة الغنائيّة وأنّها تقدّم المتعة الجماليّة الخاصّة بالشعر العظيم " ( ).
إنّ هذا الشاعر الانكليزيّ ، يمثّل لحظة خاصّة ولافتة في تأريخ الشعر الاوربيّ الحديث . فقد أصدر كتاباً غريباً بعنوان " اعترافات انكليزيّ مدمن على الأفيون " عام 1822. مشتملاً على وصف لرؤاه تحت تأثير الافيون . لقد صدر هذا الكتاب قبل " غاسبار الليل " بعشرين عاماً . وقام بودلير بنقل كثير من نصوصه إلى اللغة الفرنسيّة ، ونشرها في كتابه الشهير " الجنائن المعلّقة – الأفيون والحشيش " عام 1860 . ( )
بالتأكيد إنّ ديكوينسي شاعر موهوب ، استطاع باستجابته لحساسيّته وذائقته أن يتخلص من علائق الشعر وأغلاله القديمة . ولكنه بالمقابل لم يقدم على كتابة قصيدة النثر بالمعنى الدقيق للمصطلح ، وربّما يدخل ما قيل في تجربته ضمن إطار الدعائيّة الانكليزيّة ، فديكوينسي لم يكن معنيّاً بكتابة (قصيدة) أو (شعر) عندما أصدر نصوص اعترافاته . يقول : " إن هذه الأنماط ليس لها سابق في الأدب كما أعرف " ، كما أطلق على نمطه الكتابي هذا تسمية: " النثر المشحون بالعاطفة "( ).
من هنا يتأتّى لنا القول بمسارين قادا إلى إنضاج قصيدة النثر ، فقد عمد الانكليز إلى (تشعير النثر) في حين سعى الفرنسيّون إلى (نثر الشعر) وهذان المساران – كما أرى – ينطلقان من مبدأ عكسيّ ، أو متعارض ولكنهما يلتقيان في نقطة واحدة هي التهيئة لقصيدة النثر .




3

وبعيداً عن هذه المبالغات التي لا تخدم الحقيقة في شيء ، نجد أنّ في إشارة (بوالو) السابقة نوعاً من الخميرة الثوريّة ، التي ستكون مدعاة لفهم الشعر فهماً مغايراً ، وهذا ما تحقّق فعلاً ، حيث تنادى عدد من المجددين إلى هدم النظام الشعريّ التقليديّ ، وقد تم ذلك بمؤازرة من (فنيلون) الذي يُعدّ أحد زعماء التجديد في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، وأحد أبرز المنظّرين الأكاديميين، حيث قدّم رسالة إلى الأكاديميّة الفرنسيّة عام 1714 ، طالب فيها بضرورة الفصل بين (الشعر) و (فن نظم الشعر) ، وقد صرّح : بأن كتاباتهم الجديدة مليئة بالشعر ، في الوقت الذي لا يوجد فيها أي انصياع لقواعد النظم . كما أكّد أنّ نظم الشعر والالتزام بالقافية يخسر أكثر مما يربح ، إنه يخسر كثيراً من التنوّع والسهولة والتجانس . ( ) والقافية غالباً ما تجبر الشاعر، الذي ينطلق بعيداً في التفتيش عنها ، على الإطالة والإبطاء في قصيدته ، ولا يكون له في المتحصّل من قصيدته سوى الحشو الذي يغلب عليها ، أما المعبّر منها والجماليّ فسيكون أمراً محدوداً وضيّقاً ، فالشعراء التقليديّون يهتمّون بالقوافي أكثر من اهتمامهم بجوهر الفكرة وعمق العاطفة ، والوضوح في الكلمات والتراكيب الطبيعيّة ، وجزالة التعبير ، بحسب ما يرى فينلون . ( )
كانت هذه إذن البادرة الأولى التي وجّهت الشاعر إلى البحث عن جدواه خارج النُظُم القاسية والقسريّة ، كانت اللغة هي التي تقود الشاعر بحسب مرونتها أو قسوتها إلى بُنى وتراكيب تغلب عليها الجاهزيّة والكليشيهيّة ، ولاسيّما بانتظامها في موازين وإيقاعات كميّة رتيبة . " وقد كتب الأب " بونس " يقول : " إن التكرار الملح للأوزان ذاتها وللقوافي ذاتها ، هو اليوم بالنسبة لنا ، مدعاة للضجر"( ) والآن هاهو الشاعر ينتج لغته صافية وحرّة ونافرة ، ها هو ينبعث عبر لغته ومن خلالها متنبّها إلى مديات الجمال البكر ، التي لم تتعرّف عليها (غنائيّات) المراحل الماضية . " إنّ قيود النظم مربكة ، وهي بدون فائدة . والواقع إنّ الجمال الشعريّ الحقيقيّ لا علاقة له بهذه القيود . قد يكون الجمال كامناً في النثر (...) . وقد يكون في النثر أفضل منه في الشعر(...) إنّ النثر الشعريّ موجود ، وقد بدأوا يحسّون بوجوده . وللنثر تناغمه أو يمكن أن يكون له ذلك ، من مزج متنوّع في المقاطع السهلة ، الممتلئة والرنّانة البطيئة تارة والسريعة طوراً ، كما تستعذب الأذن ، ومن وقفات واستراحات لا يبقى بعدها للنثر ما يتمنّاه . إنّ هذا التناغم لتستطيبه الأذن أكثر بكثير مما تستطيب تناغم الشعر الذي لا تستطيع رتابته أن تخضع لتنوّع العواطف أو الإنطباعات المعبّر عنها . إذن ، [ فقد كان على ] الشعر أن يقطع هذا الإيقاع الرتيب ".( )
عدا ذلك ، فقد أسهمت الترجمة في تفعيل هذا التوجّه الناهد إلى تحرير اللغة الشعريّة، "وكان " هوبير " الذي ترجم (الجرّة المكسورة) لـ "جيسنير" يوضّح أنّه يفضّل "استخدام الكلمة الحقيقيّة" ، أي " جـرّة " وليس " كأس "[ كذا ] أو" وعاء " بدلا من كلمة نبيلة ولكن غامضة ولا تنسجم مع المعنى " ( ) .
مازلنا ضمن نطاق (الكلاسيكيّة) ، وما طرأ على فهم الشعر من تحوّلات ضمن هذه المرحلة المبكرة . وأشّرنا الدوافع والبواعث التي أسهمت في نبذ القوانين السائدة قبل ذاك . إنّ هذه التحوّلات إنّما استغرقت ما عرف بمرحلة الكلاسيكيّة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر . في هذه الاثناء كانت (البرجوازيّة ) قد أرست قواعدها ودعاماتها ، وشرعت في تغيير الملامح التي سادت في القرون الوسطى ، ممثلة بما أنتجه الفكر (الأرستقراطيّ – الإقطاعيّ ) من ثوابت وتقاليد ونزعات تجنح إلى قمع العقل وتحجيم دوره ، لصالح قلّة قليلة من المتنفذين والمنتفعين .
وبما أنّ المحاولات التجديديّة في الرواية والدراما والقصيدة الغنائيّة ، كانت من معطيات البرجوازيّة الجديدة ، يحق لنا ان نؤكّد أن التغيّر إلى الكتابة الشعريّة ، بالنثر إنما هو استجابة لهذا الإنحراف بالحساسيّة والذائقة ، الذي أملاه الرفض العقائديّ للفضاء الأرستقراطيّ المتسلّط .
وضمن هذا الجنوح الفكريّ الذي شغل هذا الحيّز الزمانيّ ، نشأت التباشير الأولى للرومانتيكيّة ، ونظريتها الجماليّة . التي لم تفترق كثيراً عن قوانين الفن الكلاسيكيّ ، لكنّها وسّعتها ، ففي حين كانت الكلاسيكيّة تؤكد على (الوصف الحيّ للأشياء الخارجيّة ) ، راحت الرومانتيكيّة تراهن على ( وصف خلجات النفس ) . وهذا الأمر حررّ الشعر من الازدحام الميثولوجيّ ، الذي كان يشكّل مادة أساسيّة لإظهار عواطفهم ، التي ظلّت غامضة وعصيّة ، وهذا الجانب بالذات لم يعد مهمّاً مع النزعة الرومانتيكيّة وشعراء مرحلتها الجدد ، وذلك لوجود الغرض المعنيّ والمشخّص حاضراً في وجدانهم. ( )
وابتداءً من هذه اللحظة ، أخذت ملامح مفهوم قصيدة النثر الأوربيّة ـ الفرنسيّة، بالتشكل ، ولعل (شاتوبريان) قد أسهم أكثر من أي شخص آخر ، بإشعاع عبقريّته ، في تطوير القصيدة، أو بالأحرى في تطوير" الأغنية النثريّة " ( ) ، على أنه لم يدّعِ ـ أبداً ـ كتابة قصيدة النثر ، بالمعنى الدقيق لها . لقد كانت كتاباته عفويّة ، تحقق رغبته في كتابة حرّة، وجماليّة مطلقة ، بعيداً عن محدّدات المصطلح الذي لم يكن يشغله ابداً ، وربّما تكون مقطوعته المتقنة ـ بحسب سوزان بيرنار ـ " الربيع في بريتانيا " ، أنموذجاً متقدّماً لقصيدة النثر يعطي شاتوبريان حقّ الريادة ( ) . ولكنّها على أيّة حال ريادة (ناقصة) إذ لم يدعمها الوعي بها ، وسوف يلزمنا الأمر سنوات أخرى حتى يتعرّف العالم على (الوزيوس بيرتران) ( ) وكتابه الشعريّ " غاسبار الليل " ، الذي يعدّ بحسب ( د . شواب ) : (مفصلاً أزليّا لتأريخ الأدب ) . فبهذا الكتاب تحديداً يبدأ عصر قصيدة النثر ، ومنذ هذه اللحظة صار بالإمكان التحدّث عن نوع أو شكل أدبيّ جديد ، خالقه بحق بيرتران ، إنها لحظة الولادة الفعليّة لقصيدة النثر الفرنسيّة، وهذا ـ بالتأكيد ـ أمر لا ينكره أحد . لقد صار بالإمكان الحديث عن (قصيدة النثر) ولكن ، هل ما يكتب اليوم تحت هذا الاسم يتطابق مع قصيدة بيرتران النثريّة ؟ .
ليس غريباً أن يأتي الجواب سلبياً ، فالدور الحقيقي لبيرتران يكمن في أنّه استطاع أن يمنح استقلالاً كاملاً لنوع لم يتحرّر تماماً حتى ذلك الحين . من النثر الشعريّ ، وأنه قد ميّز من دون غموض شكل " قصيدة النثر" من الأشكال " الشعريّة " المجاورة ، كما أنه استطاع أن ينقّي (قصيدة النثر) من العناصر النثريّة . ليظهرها إلى الوجود شكلاً شعريّاً غنائيّاً أدبيّاً خالصاً.
وعدا ذلك ، فإنّ " ما يؤاخذ عليه بيرتران خاصة ، هو فرضه على قصائده إطاراً ضيّقاً ومطّرداً على الدوام ، جاعلاً من الأداة النثريّة نوعا ذا شكل ثابت ، مثل السوناتة أو الروندو. لماذا هذا الشكل " المسبق " ؟ ولماذا ستة مقاطع وليس مقطعين أو ثمانية بحسب المتطلبات الداخلية للموضوع الشعريّ ؟ (…) وربّ قائل يقول هل يستحق الأمر أن نحرّر شكلاً ونحطم سمات موجودة لنبتكر شيئاً ذا خصائص محدودة ؟ " ( ).
لقد حاولت سوزان بيرنار ـ من خلال ما تقدم ـ أن تعطينا تصوراً يقضي بأوّلية الشكل الجديد في إطار الشعريّة الفرنسيّة . وهذا الأمر من جانبه التأريخي لا يحتمل الخلاف . ولكن لنتساءل ما مدى تأثير بيرتران الفعليّ على سيرورة قصيدة النثر ؟ الجواب سنجده عند سوزان بيرنار أيضاً ، فقد كان بيرتران شخصاً هامشيّاً ومنعزلاً أو معزولاً . وهذا الواقع لم يتح له الإنتشار ، وحتى كتابه " غاسبار الليل " الذي طبع بعد وفاته بعام ، بكميّة إجمالية لا تتجاوز الـ (200) نسخة فقط ، لم يأخذ نصيبه من الانتشار هو الآخر ، وكانت النسخ التي بيعت أو أهديت عشرين نسخة لا غير ، كما يقول الناشر . وبتعبير سوزان بيرنار : " لقد بقي أنموذج بيرتران وفنه حبراً على ورق بالنسبة إلى معاصريه "( ). وسوف يظل بيرتران في عزلته الحالكة تلك حتى عام 1868، حيث يصدر كتابه " غاسبار الليل " في طبعته الثانية ، وبتأثير من بودلير . هذا الشاعر الذي سيلعب دوراً كبيراً في إنضاج (قصيدة النثر) الفرنسيّة والذي سيكون أحد صنّاعها المهرة .
وحتى لا يستغرقنا التنظير في هذه المسألة ، نعود إلى مقارنتنا التأريخيّة بخصوص التحوّلات المتحققة في بلورة مفهوم قصيدة النثر ضمن حاضنتها الأوربيّة الأولى… فنعود إلى لحظة بودلير الذي نشط في تلمّس الأبعاد المغايرة للنص الشعريّ الجديد الذي ينبغي أن يكرّس ، في مقابل الكم الهائل من النصوص التقليديّة البائسة .
وكما فعل مع ديكونسي ، كذلك صنع بتجربة أدغار ألن بو ، حيث ترجم جملة من أعماله القصصيّة وقصائده النثريّة القصيرة ، ومن يقرأ بودلير جيّداً ، لابدّ أنه سيدرك مدى التأثّر الذي لحق به جرّاء قراءة (بـو) ، وهذا الأمر لا يشكّل إدانة لعبقريّة بودلير الشعريّة ، بل يحدد لنا الآليّة التي اتّبعها لخلق شخصيّته الشعريّة الفائقة .
إنّ بودليرأحد الآباء الشرعيين ـ لا ريب ـ للشعر الحديث . وهو معلّم من طراز رفيع ، استطاع أن يغني تجربته الذاتيّة بالتلاقح مع تجارب غنيّة بحسب نظرته هو ، لا بحسب الذائقة السائدة، التي خرقها باعتماده كل ما هو هامشيّ ومنبوذ ، وبحساسيّة نادرة استطاع أن ياخذ الاعتراف بجدوى نظرته وحصافتها . ألم يقل مرة : " من منّا لم يحلم بتحقيق طموحه ، بشعر نثريّ وموسيقيّ بلا وزن أو قافية …" ( ) .
ومنذ تلك الطموحات التي راحت تتحقق بجهود شعريّة متميّزة قدّمها شعراء عظام من أمثال رامبو وفرلين ولوتريامون ومالارميه ، صار من غير المناسب إغفال الأثر الكبير الذي أحدثته قصيدة النثر في واقع الشعريّة الحديثة ، في جميع أنحاء العالم وفي اللغات الانسانيّة كلها . بل صار بالإمكان التحدّث عن قصيدة نثر أنموذجيّة معاصرة ، وهذا ما سوف نعرضه في السطور الآتية ، محدّدين ضمنيّاً أبعاد هذه القصيدة التي ارتأينا أن تكون في سياق دراستنا هذه شكلاً من أشكال القصيدة الغنائيّة ، فقد أوضح الشاعر الفرنسيّ لوك ديكون في مقدمة الانطولوجيا التي أعدّها عن قصيدة النثر ، وصدرت عن (دار سيغرز، 1984) ، أن المقاييس والشروط التي يجب توافرها في قصيدة النثر ، يمكن تلخيصها في ما يأتي :
إنّ قصيدة النثر عمل فنّي ، وكأيّ عمل فنيّ آخر ، فهي ذات قابليّة لتوليد انفعال خاص ، يختلف تماماً عن الانفعال الحسّيّ أو الانفعال العاطفيّ . وبغية تحقيق هذه الغاية ، ينبغي على قصيدة النثر أن تختار الوسائل المناسبة ؛ وأن تختار الأسلوب . أو بعبارة أكثر وضوحاً ، عليها أن تختار الموادّ المركّبة للعمل المتكامل . وعليها أن تكون قصيرة ومكثّفة ، وخالية من الاستطرادات والتطويل والقصّ المفصّل وعليها التخلّي عن تقديم البراهين والمواعظ . إنّ على قصيدة النثر أن تكون قائمة بذاتها ، مستقلّة بشكلها وبنائها ، ومستمدة كينونتها من ذاتها ، مبعدة ومنفصلة تماماً عن المؤلف الذي كتبها ؛ كما ينبغي أن تمتنع قدر الامكان عن إقحام أمور لا تمت لها بصلة ، وذلك لكي تتحلّى بالغرائبيّة والإدهاش وبقدرة المقبوليّة وقوّة الخيال . والمهم أن تتواجد تواجداً حرّاً داخل هامش ما .
إنّ انتقاء الاسلوب وتحديد المقام يفرضان ما يمكن تسميته " التأثير " و " الانغلاق " فقصيدة النثر ذات شكل متكامل ، محدّد بخطوط واضحة ، ونسيج محكم . إنّها عمل مغلق على ذاته ، مثله مثل الفاكهة أو البيضة .
إنّ قصيدة النثر ذات البناء المحكم والإطار الواضح ، لا تستدعي الإغراق في استعمال الأدوات الجماليّة ، أو المبالغة بالصور والتزويق، يجب أن تنأى عن كلّ تظاهر متعمّد . فهي مادّة جاهزة وليست عارضة مجوهراتي . ينبغي على قصيدة النثر أن تبتعد عن أيّة مقابلة مع الواقع ، فلا مجال للمقارنة بينها وبين أيّ شيء آخر لإقامة التشابه . إنها لا تسعى لخلق شيء سوى ذاتها هي .
وبقدر ما تبدو هذه الشروط أساسيّة لتحقيق قصيدة النثر الأنموذجيّة إلا أنّها ليست نواميس يتوجّب إخضاع قصيدة النثر لسطوتها .( )
وإذا أضفنا إلى هذه المحدّدات ، المزايا الثلاث التي أستقرأها (موريس شابلان) في قصيدة النثر ، وهي : (الإيجاز ، والتوتر ، والمجانية ) ، هذه المميّزات التي اعتمدتها (سوزان بيرنار) أساساً في طروحاتها ، نكون قد أحطنا علماً بأبعاد قصيدة النثر الغربية ، غير متناسين الشرط الضمنيّ الذي تضعه بيرنار لتحقّق قصيدة النثر وهو (القصد) ، فقصيدة النثر وعي قبل كلّ شيء .
إن هذا المبحث الذي تتبّعنا فيه – تأريخيّا – أوّلية قصيدة النثر في الشعريّة الأوربيّة، قادنا إلى جملة نتائج تتحقق فيها مركزيّة قصيدة النثر ضمن الحاضنة الأولى المنشئة لها ، وبما أنّنا نسعى إلى الكشف عن تأريخ هذه القصيدة في حاضنتها الثانية ، أو الحاضنة الثقافيّة العربيّة ، التي ضيّفت قصيدة النثر وكرّستها عبر تأريخ شعري طويل نسبيّاً ، فقد لزم إفراد هذا التقصّي ومديات الإلتقاء والإفتراق بين الأنموذج الأصليّ لقصيدة النثر والأنموذج العربيّ المتصادي معه ، في مبحث مستقل يتبع مبحثنا هذا .
رد باقتباس


https://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=29101









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 17:03   رقم المشاركة : 204
معلومات العضو
أسامة الزمالة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أسامة الزمالة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

العلوم السياسية وميادين تأثير العامل الحضاري ارجو بحثا عنه










رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 19:36   رقم المشاركة : 205
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوبوess مشاهدة المشاركة
العلوم السياسية وميادين تأثير العامل الحضاري ارجو بحثا عنه
4 مارس, 2010
بناء مِنهاج العلوم السياسية وفق “مقاربة الخصوصية الحضارية”
بقلم: عبد القادر سعيد عبيكشي
نعترف جميعا أن الكثير من البرامج التدريسية في المنظومة الجامعية في الجزائر وبكل تخصصاتها ينقصها الكثير من التنقيح والتعديل والتصحيح، حتى تستطيع أن تواكب حركة المجتمع وأن تعطي له خريجين يمكنهم الإسهام في عملية التنمية الشاملة للوطن، وبذلك فمناقشة كل التخصصات ومدى ارتباطها بمتطلبات الواقع، يدفع الباحث أو المتحاور فيه إلى التطرق إلى مواضيع تكثر فيها الآراء و التوجهات، و إبراز أسبقية هذا التخصص على ذاك في عملية التحيين (L’actualisation) للبرامج وفق ما يحتاجه الفرد والوطن، ويدخل النقاش في مساحات قد لا تخدم الهدف الأساسي، فقد نجد بعض الباحثين يشدد على ربط الفروع العلمية التجريبية بحركية العلم الحاصلة و لزوم مواكبة هذه المقررات لكل ما يندرج في نطاقها العلمي و المعرفي، ومن ناحية أخرى نجد من يؤكد على أن مقررات العلوم الإنسانية والاجتماعية هي الأسبق و الأولى بهذه العملية، كون التغير الاجتماعي الحاصل يتطلب من الباحثين والأساتذة والطلبة فَهمَ هذا الأخير ومحاولة تفسير علاقاته وارتباطاته ومعرفة مآلات هذا التغير وأثره على الفرد والمجتمع، وفي حقيقة الأمر أن كلا التخصصين مهم في أن يواكبا تطلعات المواطن وأن يسهموا كل في موقعه في عملية البناء و التنمية في الوطن.
وتعد العلوم السياسية كتخصص في العلوم الاجتماعية في الجزائر من أكثر الفروع العلمية التي تتطلب تحيينا دائما لبرامجها، ليس لأن الحراك السياسي في الجزائر هو الذي يدفع لذلك، وليس لأن البرلمان بغرفتيه يصنع التغيير في الدولة وليس لأن الأداء الحزبي و النقابي في الجزائر له صولات وجولات تعطي كثيرا من الظواهر السياسية التي يتوجب على أستاذ وطالب العلوم السياسية الإلمام بها، بغية إدراك حالة منفردة في العمل السياسي أو الأداء الحكومي الراشد، بل إن الذي يدفع لهذا التحيين هو حالة “التكديس البشري” و الذي يُقصد به كثرة خريجي هذه الأقسام من دون أن يجدوا أو حتى يُوجدوا واقعا مستقرا لهم في دولة كالجزائر، أو أن يكون لهم دور فاعل في عملية بناء وتنمية الوطن، وفي هذه النقطة أعلم أن كل التخصصات الجامعية تتساوى فيها بلا استثناء، إلا أن آلاف الخريجين بشهادات أو إجازات في العلوم السياسية تختلف حالتهم عن الكثير من الطلبة في غيرهم من التخصصات، وأقصد بالحالة المختلفة هو أنهم في التحاقهم ودراستهم لهذا التخصص ركبوا أحلام العمل الدبلوماسي والإطار الوزاري و النضال السياسي و ممارسة التحليل السياسي و كآخر حلم لهم قيادة إدارية في قطاعات محلية (بلدية أو ولائية)، وهذا ما وجد لدى الكثير منهم إحباطا بل ونقما على التخصص وأهله ومدرسيه ومنظريه، وهو ما أعطى للكثير فكرة التخلي عن دبلوم لا يساوي أي شيء بمقابل تخصص كالصيدلة أو الهندسة أو القضاء…الخ.
من هذه التصورات ومن هذه المعطيات أردت أن أناقش نقطة ملحة في هذه الآونة، فبالرغم من أن الواقع هو كما ذكر آنفا، وقد يكون أكثر سوادا، إلا أن الذي يبقى يحز في نفسي دائما ومنذ مقاعد الدراسة الجامعية، هي أن هذا التخصص رغم ما فيه من حيوية وأهمية وأسبقية على غيره من التخصصات لم يعرف أي تطوير ولا تحديث ولا تجديد، فالكثير من المواضيع التي درسها الجيل الثاني منذ تأسيس المعهد لازلنا نَدرسها ونُدرِّسها الآن، ولا أقول هذا من باب تتفيه ما استوعبناه وأخذناه على أيدي أساتذة فيهم من قضى نحبهم وفيهم من يزال يقدم بكل ما حل به من تعب أو كبر سن، بل من باب أن الحركية التي تعيشها العلوم السياسية في دول الشمال هي في تصاعد مستمر، وهو ما أوجد لدى كثير من طلبتنا تذمرا و قلة مصداقية وثقة فيما يأخذون من مواد ودروس، وهو ما يتطلب شحذ الجهود لتطوير هذه المقررات والمناهج وتقديمها في صورة أكثر حركية و تأقلم مع تغيرات اجتماعية وثقافية حاصلة في المجتمع.
واقع تخصص العلوم السياسية في أقسامنا الجامعية
من هنا أدخل للمقاربة التي توضح مسألة أن هذا التحديث و التجديد والإصلاح لمنظومة الدراسة في العلوم السياسية، أصبحت مسألة لها أبعاد اجتماعية واقتصادية حقيقة، ولكن لا يجب بأي حال من الأحوال أن يتم إهمال المعالجة العاجلة لحالة الانفصال والانفصام التي تعيشها هذه المقررات والمناهج في البيئة الثقافية في الجزائر الدولة العربية الإسلامية، ونقصد بهذا الانفصال أن جل المقررات التي تدرس للطلبة في أقسام العلوم السياسية إنما برمجت وأعدت (في أغلبها ولا نقول كلها) على أساس هيمنة الخطاب الغربي وبلغة دقيقة تم بناؤها على أساس نموذج المعرفي غربي، تبناه واضع المقررات وأحكم الرؤية الغربية على كل المواد بحيث يصعب أن تجد حالة غير منسجمة في المنظومة التعليمية في العلوم السياسية تخرج عن هيمنة هذا النموذج، فدراسة تاريخ الفكر السياسي من منطلقات غربية وتحميل الخبرة الإسلامية بذلك التطور لمدارس الغرب الفكرية، يعد من أكثر حالات التجني التي أنتجها هذا النموذج، كمثال آخر فإن تدريس نظرية العلاقات الدولية المبنية على نظريات سياسية تأخذ بالمدارس الغربية على كثرتها كمرجعيات نهائية لا يجب تجاوزها أو الخروج عنها، ومن دون الدخول في مسألة تَكون هذا النموذج الغربي وآليات هيمنته، إلا أن الجدير بالتأكيد أن الواقع الذي يتم فيه تلقين الطلبة بهذه المعارف السياسية ليس متروكا من دون وجود فئة أو توجه داخل أقسام العلوم السياسية يحاول ويسعى إلى أن يُطعّم هذه المنظومة ببعض المقاييس و الأفكار و المناهج التي يمكنها أن تخفف هذا الاستلاب الحضاري في بعض مواقعه المعرفية.
وقد أوجد هذا التوجه لدى طلبة العلوم السياسية يقينا تاما على أن الغرب هو مبتدأ السياسة وخبرها، وأن كل ما يمكن أن يُقعّد لها أو يُنظر لها لا بد له من إلمام تام بنظريات سياسية (غربية-مسيحية)، وأن أي معارف سياسية يمكن تبنيها أو الاستعانة بها وجب أن تكون غربية المنشأ والمصدر، ولا وجود أساسا لأي مدرسة فكرية أخرى في علم السياسة إلا ما اتصل بالمدرسة الغربية والتي على أساسها يصنف حتى مفكروها العرب، فالرؤية العربية الإسلامية لا قواعد لها ولا موقع لها في علم السياسة و الرؤية الفارسية الإسلامية لا موقع لها أيضا في نظريات السياسة ومناهجها، وهو ما أوجد طالبا وحتى أستاذا غير مدرك لطبيعة مخلفات الرؤية التي تقود التخصص ككل وهي أن المرجعية الغربية لا تخرج منها ولا عنها كل المقررات و المناهج، و أن أي تفكير خارج نطاق هذه الرؤية هو من باب الترف الفكري.
و بالعودة إلى العرض الأول فإنه بتبني هذه الرؤية أوجدنا مقاييس لا تخدم مجتمعنا بقدر ما هي معبرة عن الرؤية الغربية ودالة على تقيد تام بالنسق المعرفي الغربي في العلوم السياسية، فنعطي مثالا هنا يبرز أن سيطرة هذه الرؤية أوجد انفصالا بين التعليم الجامعي وحراك المجتمع وبالتالي صعوبة إيجاد الطالب المساهم في خدمة تنمية الوطن وبنائه، فتدريس مقياس الإدارة العامة المقارنة (وهو مقياس يهدف إلى إعطاء الطالب أدوات المقارنة في مجال الإدارة العامة ومعرفة خصوصيات إدارات البلدان وفق النموذج البيروقراطي أو غيره)، فلو أخذنا تطور هذا العلم فإن أصل نشأته وبدايات التنظير له كانت في أمريكا، ويتم الآن تدريسه في أقسام العلوم السياسية بل ويعد من المقاييس الهامة والتي لها معاملات عالية، في حين أن إمكانية التخلي عنه و التركيز على مدراس وأفكار إدارية أخرى ذات صلة بالمنظومة القيمية والثقافية للمجتمع و الحضارة، هذا دون أن نناقش مسألة الدراسات المقارنة التي ليست نتاجا فكريا غربيا بحت بداية، إضافة إلى أن الإدارة المقارنة رغم أنها تعد دراسة نظرية وفقط إلا أن ما يكتسبه الطالب من رؤى غربية في معارف سياسية وإدارية يوجد لديه انفصالا عن بيئته وانتمائه، وأؤكد على المقياس على سبيل المثال، إلا أن الواقع الذي نعيشه يجبر علينا تدريس هذا المقياس مهما كانت الخلفية النظرية والفكرية، وتبرير ذلك أن المنظومة كلها السياسية والاجتماعية والفكرية للمجتمع الجزائري مستلبة فلا يمكن أن يقع التغيير و التجديد في مقاييس أكاديمية ليتغير كل المجتمع، وهذا ما يؤشر على “الاستقالة النخبوية” من حركية التغيير التي يمكن لها أن تبدأ في قطاعات وميادين ربما لا نرى أثرها على المستقبل المنظور ولكنها تفتح أبوابا وفضاءات للقادمين للانطلاق منها من دون البدء من نقطة الابتداء وهذا الذي يتوجب على الفئة الأكاديمية أن تفكر في مثل هذه المواضيع و الأطروحات.
وحتى يتوضح الأصل في الحكم على التغريب الحاصل أو هيمنة الرؤية الغربية في العلوم السياسية نعود في ذلك إلى منطلقين هامين وهما:
1. المقررات التي تحددها الجهات الوصاية: فأقسام العلوم السياسية مطالبة بالتقيد ببرامج تقدمها اللجنة الوطنية للعلوم السياسية، وهذه المقررات وإن كانت لا تُحترم بصورة كلية في أغلب الأقسام، إلا أنها تبقى مرتبطة بهذه الرؤية، ورغم انتقال أغلب الأقسام إلى النظام الجديد في التعليم (LMD) ، إلا أن الرؤية لا يمكنها أن تتغير بإحلال نظام غربي بدلا عن النظام غربي أسبق منه.
2. مواضيع البحث العلمي التي تناقش في أقسام العلوم السياسية: وأقصد بهذا المنطلق أن أغلب الرسائل والمذكرات التي تناقش أقسام العلوم السياسية تتبنى الرؤية التغريبية الغربية بل وقد تنظر للأمة انطلاقا من رؤى تنطلق من نموذج معرفي غربي، إلا أن هذا لا يعني غياب مواضيع بحثية تنطلق من رؤية مغايرة لهذا التوجه العام في العلوم السياسية، ويعتبر في جامعات الجزائر وفي أقسام العلوم كلها الراحل الفقيد الأستاذ الدكتور منصور بن لرنب (رحمه الله) الباعث لهذا التوجه المنفرد، والذي كان يذكر به كل طلبته في مرحلة إشرافه على رسائلهم، بل وإنه قد رسخ فينا بعض الرؤى المنهجية في التعامل مع القضايا والظواهر السياسية، وأذكر هنا ما كان يسعى لبنائه والتأسيس له وهو ما يعرفه “المنهج عبر- الحضاري” الذي كان يقول أنه المنهج الوحيد الكفيل بفهم الظواهر من منطلقات حضارية، ومن دونه لا يمكن أن تفهم الظواهر ولا يمكن استيعاب المفردات الأساسية لتخصص العلوم السياسية، دون أن ننسى بعض الأساتذة الأفاضل، الذين حملوا فكرة نظرية القيم وأثرها في الظواهر السياسية والنظريات السياسية و حتى في المناهج المستخدمة.
أساس المقاربة المنهجية في بناء المقررات
وعليه فإن أساس المقاربة التي تعالج مثل هذا التوجه المشوه في بناء المقررات و المناهج في العلوم السياسية مفادها أن العلوم السياسية لابد لها وأن تؤسس على المستوى القطري (الجزائري) أو على المستوى الإقليمي (العربي الإسلامي) وفق “إحلال الخصوصية الحضارية كرؤية تـحدد بناء مقررات ومناهج العلوم السياسية في جامعاتنا”، والمقصود بهذه المقاربة أن يتم إدراج البعد الحضاري الذي يستوعب الأنموذج الإسلامي و الرؤية الحضارية له، من خلال أن هذا الأخير هو المعبر على المرتكز العقدي الإسلامي و التجربة والخبرة الإسلامية في مناحي الحياة المعرفية أو الاجتماعية أو السياسية.
وعليه فإن عملية بناء المقررات والمناهج التي تقدم للطلبة ويشرف الأساتذة على تدريسها، يجب أن تكون مُؤسَسَة على دعائم المنظور الحضاري الإسلامي الذي يحوي كل المكون الحضاري و الثقافي والاجتماعي لمجتمعنا الجزائري العربي الإسلامي، و بناء المقاييس أو المقررات على هذا الأساس ليست بالأمر اليسير الذي يمكن اتخاذ الأمر بموجبه في سنة جامعية أو في قسم دراسي منفرد، و ليس أيضا بالأمر الصعب الذي يستدعي التأجيل أو التخوف من “مغامرة”، فما تتطلبه عملية إحلال هذه الرؤية في المقررات و المقاييس لا هو بالسهل و لا بالصعب ولكنها ترتكز أساسا على مدى الإيمان والاستيعاب لهذه الرؤية، التي يمكن إيـجاز دعائم بنيانها من خلال العناصر التالية:
1/ إحلال الاتجاه الإيماني التوحيدي التكاملي:
والذي عرفه الأستاذ الطيب برغوث بقوله: (الاتجاه الذي يتجاوز نطاق المادة المحسوس، إلى المعنى الروحي الكامن فيها، وإلى الانفتاح على كل أبعاد ومراحل ودلالات الدورة الوجودية للإنسان، فيعيش في تواصل حميم مع كل مفردات الكون ذات العلاقة التسخيرية به)(1)، وبتفسير لهذا القول يمكن الوقوف على بعض الجوانب التي يستلزم الانتماء الإسلامي الحضاري على تبنيها في البناء المنهجي و الأكاديمي للمقررات و المقاييس، والتي تبدأ بالتركيز على رؤية غيبية بداية وروحية ثانية في فهم الظواهر وتحليلها، وفي إقامة المشاريع وصياغتها، وربطها بالمكون التوحيدي للعقيدة الإسلامية، مع إبراز حدود العقل الممكنة في هذا التحليل و الفهم والتفسير.وهذا ما يستلزم على معد مناهج العلوم السياسية أن يستند عليه في وضعه أو صياغته للمقررات والمناهج، أي أن الظاهرة السياسية مهما كانت أبعادها الظاهرة مادية، إلا أن الأثر الغيبي (ليس الخرافي بطبيعة الحال) الإيماني يقف وراءها بكل يقين عقدي وإيماني مسير للكون يضبط حركته وفق سنن ضابطة ونواميس ناظمة، وأن التغير الحاصل في ظاهرة ما أو الانشطار الحاصل في انتظام بشري سياسي ما إنما يعود في أصله إلى ترتيب إلهي غيبي لحركة الأشياء و الظواهر، وفي هذا ليس استقالة ولا تبرير لما لا يبرر وإنما الرؤية الغيبية هنا تظهر بأن السنن موجودة ومبثوثة، والذي يجب أن يكون هو إدراكها و فهمها و تفسير الحالات وفقها، أم البعد الروحي فهو المغزى العام من إيجاد تربية روحية وسلوكية تربي الإنسان وتعطيه قواعد قيمية وأخلاقية تمكنه من توحيد المعيار وتوحيد سلم القيم الذي عليه تبُنى الأحكام والآراء، وبما أن العلوم السياسية تؤسس للأحكام وتتأسس بالأحكام فإن إبراز المركب الروحي (ولا يقتصر هنا المفهوم على التزكية والتصفية و التربية فقط) في حالات القياس والبناء و الحكم على الظواهر يكون هاما جدا، فدراسة ظاهرة العنف السياسي أو البطالة أو التغير السياسي أو حركات التحرر، كلها قضايا تتطلب من الأستاذ والطالب وفق منهاج دراسي ضابط لكل هذه الأخيرة برؤية تؤسس للحلقات السننية في الكون وتؤكد على البعد الروحي الوجداني فيها.
كما أن هذه الاتجاه يركز على مبدأ التكامل مع كل الحركيات والفواعل والمتغيرات الإنسانية التي تسعى لفهم الكون أو فهم آليات تسخيره لخدمة الرؤية العقدية الإيمانية للفرد المسلم، وعليه فإن إدراك التكامل كخاصية مهمة في الحياة الاجتماعية والسياسية للفرد، وهي التي تعطي أيضا رؤية شاملة للظاهرة من غير أن يكون فيها إنقاص أو تأجيل لمكون على حساب آخر من دون حجة واضحة أو أسبقية ذات صلة بحركة التواصل والتكامل التي تعيشها مفردات الكون، فسقوط الدول وقيام أخرى كظاهرة سياسية تتطلب إلماما بحالات التكامل أو التنافر التي حصلت في حياتها، وهل مكونات الدولة من سلطة وشعب وإقليم و ديانة و موقع وإيديولوجية كان بالفعل يؤدي إلى دولة بهذا الحجم وأن التكامل كان هو الصفة الرابطة بين هذه الأجزاء، أو أن عدم إدراك لحالة التنافر بينها أوجد الانهيار والانقسام أو الشيخوخة لهذه الدولة.
2/ إحلال مبدأ شمولية الرؤية الحضارية:
إن تحرير العقل المسلم من الانبهار والضياع في خضم عباب الفكر الغربي يتطلب التعامل الواعي المستقل والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى دون انتهاك الأسس التي يقوم عليها الفكر الإسلامي، وذلك بالمفهوم الشمولي الصحيح للحضارات المعاصرة، والانتقاء الفكري الواعي النافع. وهكذا يتم الاتصال الحضاري بين الأمم على مر التاريخ.(2)
وهذا ما يمكن أن نؤسس به لفكرة هامة جدا وهي أن الحضارة الإسلامية لها تجربة وخبرة سياسية تمكنها من إعطاء تصورات و تحليلات، بالإضافة إلى مشاريع وأنماط تنظيمية تعتبر كبدائل تطرح أمام دارس العلوم السياسية للأخذ بها والاعتماد عليها إما في الدراسة أو في الواقع العملي، وبالتالي التخلي عن رؤية المركزية الغربية في علم السياسية عموما وفي مقررات العلوم السياسية خصوصا، فدراسة نظرية العلاقات الدولية واقتصارها على المواضيع التي تؤكدها المدارس الغربية، مع إهمال كامل للرؤية الإسلامية الحضارية ولو جزئيا (وهذا رصد واقع وليس تمني لأن ما نرجوه أعلى من هذا السقف)، إضافة إلى أن تدريس مقياس مثل إدارة الموارد البشرية الذي يعني بتسيير الإنسان وترتيب حالات عمله وراحته وغيرها، يتم الأخذ بالمدارس والنظريات الناشئة لديهم و التي تتعامل مع إنسانهم وعاملهم و تتماشى مع متطلباته وحاجاته، في حين أن الفرد العامل لدينا له حاجات تختلف في كثير من جزئياتها مع غيره من الأجناس و الناس، فكيف لا نأخذ برؤية الإسلام الحضارية في هذا الباب ونورد مسألة العقاب و الثواب، والإتقان وغيرها من قواعد وقيم في مواد تسيير الأفراد و العاملين.
3/ إحلال إضافات التراث الإسلامي في الفكر السياسي ونظرياته:
وهنا تأتي مسألة أسبق لهذا الإحلال وهي توخي القراءة السليمة لهذا التراث السياسي حتى يتم الاستيعاب بصورة صحيحة لمدارسه وأفكاره، والسلامة هنا يقصد بها إتباع منهجية معرفية إسلامية ونظام معرفي مع الاحتكام إلى مصدري الهدى والنور الكتاب والسنة، في الحكم على قضايا التراث و ملاحظة منهجية التعامل مع ظواهر الإنسان و الكون و ما طبيعة الاستفادة المعاصرة منه.(3)
بعد القيام بهذه الخطوة تأتي مسألة الاستفادة منه بصورة تخدم المقرر أو المِنهاج، وذلك من خلال إعادة اكتشاف من خلال تحقيق التواصل بيه و بين المعطى الحاضر والتغير الحاصل و الحراك المستمر للإنسان والكون، ومن خلال التراكم فالتراث هو فكر إنساني نسبي، وهو ما يجعلنا نقبله ونضيف له في إطار تراكم معرفي يزيد من الاستفادة و الفهم و قدرة أكثر على التحليل، ففي العلوم السياسية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نلغي مداس هامة ومفكرين كبار نظّروا للسياسة وللعمل الإداري و الدبلوماسي وللاجتماع السياسي، وأن أي تجاوز لهم هو حالة غير سوية في فهم عملية التراكم المعرفي الإنساني التي تتلاقح فيها الأفكار و الرؤى، وأن هذا الرفض ينتج حالة من الانفصال على أهم مصادر الانبعاث الجديد للمدرسة السياسية الإسلامية خصوصا و لعالمية الإسلام بالعموم.
ففي هذه العناصر تم وضع الإطار الذي يصنع الخلفية النظرية و النموذج المعرفي التي يمكن للاختصاصي من بناء مقررات أكاديمية يتم إحلال الخصوصية الحضارية فيها من دون أن يكون فيها تعارض مع المعارف السياسية الحالية، بل إنه يمكن أن تصبح رافدا مهما في تطوير الكثير من النظريات و التحاليل و التفسيرات، ونؤسس بذلك لمبدأ التكامل و التراكم في المعرفة و في بناء الحضارة، وهذا ما يتوجب فهمه وإدراكه والعمل عليه و به من أجل إيجاد تحيين أسلم للمنهاج الدراسي في قسم العلوم السياسية.
وأضيف ضلعا آخر للمربع الذي يشرح الخلفية النظرية للخصوصية الحضارية وهو:
4/ إحلال التجربة الجزائرية وإضافاتها السياسية:
حتى أسبق الكثير في حكمهم بتناقض العرض، أقول أن المقصود هنا هو العودة للخبرة التاريخية الجزائرية وما أسست له من خبرات وتجارب، و ما أضافته من ظواهر وحالات ومواقف و رؤى سياسية، هو ما أقصد به مثلا تجربة الأمير عبد القادر مؤسس الدول الجزائرية الحديثة وغيره من الأمثلة التي يمكن أن نحددها بعينها، ويمكن أن ندرجها في إطار نظري وتطبيقي عملي في مقررات العلوم السياسية وليس كما هو حاصل حاليا أين يتم المر عليها مرور الكرام، واعتبارها أحداثا تاريخية وانتهى وقتها وأن ذكرها فقط يدخل في استكمال متطلبات الروح الوطنية لا أكثر. وهذا ما جنى على كثير من الخبرة والتجربة الجزائرية لا أقول في السياسة فقط بل في الكثير من المجالات والتخصصات و الفروع العلمية، فإعطاء الطالب معرفة أوسع على تجارب سياسية جزائرية حضارية هامة يكون له الأثر في إيجاد نخبة لها انتماء سليم ليس للأرض أو للأشخاص وإنما انتماء للتاريخ والحضارة والثقافة الجزائرية عموما.
أما بخصوص توصيف فني للمقاييس و المقررات التي يمكنها أن تؤدي دورها بصورة تامة في عملية إحلال الخصوصية الحضارية في العلوم السياسية، إنما يتطلب وجود من يؤمن بهذه الرؤية ويعمل لها، مع وجود الفريق الذي يملك الإلمام بأضلاع المربع السابق الذكر،دون أن ننسى عملية التراكم التي تبنى ليس على المستوى القطري وإنما يمكن أن نلجأ إلى الأخذ بتجارب دولية أخرى عربيا أو إسلاميا، و أنموذج ماليزيا ليس ببعيد عنا، وهنا أود الإشارة إلى نقطة هامة، أنه ليس المقصود بهذا الإحلال إلغاء كل المنهاج و مقرراته أو التخلي كليا على الجيد والمتلائم مع هذه الرؤية في مناهجنا الحلية، وإنما يكون التحيين للمقررات وفق إحلال الرؤية الحضارية، منبثقا من كون أن هذه المقررات فيها ما يمكن الحفاظ عنه كليا ومنها ما يحتفظ منه جزئيا ومنها ما يلغى نهائيا، ويكون هذا بحسب فهم الفرق الأكاديمية التي تسعى إلى تطبيق الرؤية في منهاج العلوم السياسية، فمثلا نجد أن مقرر تقنيات البحث العلمي يمكن الاحتفاظ به مادام يقدم ضبطا منهجيا لعملية البحث و الوثيق، ويمكن الاحتفاظ جزئيا بمقرر تاريخ الفكر السياسي ذلك أن مبدأ التكامل و التراكم المعرفي يستدعي منا فهما أعمق للمدارس و الأفكار الغربية ولكن بإبراز أثر المدرسة الحضارية الإسلامية في هذا التطور الفكر السياسي الحاصل وفق الاتجاه الإيماني التوحيدي، أما ما يمكن أن يكون أن يعدل بصورة كلية فأذكر مثلا مقرر الاقتصاد السياسي، ونعني بذلك تغيير كلي لمضامين هذا المقرر لأن ما يدرس فيه من أفكار تستدعي مراعاة الانتماء العقدي والقيم التي تضبط المجتمع الجزائري الإسلامي، فدراستنا لمدارس الاقتصاد الربوية طولا وعرضا، وإهمال إسهام الاقتصاد الإسلامي كليا إنما يعد تجني على نظريات وأفكار هذا الإسهام المعرفي والحضاري، و ليس في هذا أي تحميل للإسلام ما لا يحتمل بل إن الاقتصاديين المسلمين (فقهاء و تأصليين) قديما وحديثا ناقشوا العديد من قضايا النظام الاقتصادي وربطها بالعملية السياسية وأثر كلهما على الآخر.
ختام القول.. إيمان، جهد وجرأة
أخيرا، يتوجب علي التأكيد على أن ما طرحته الورقة ليس أمرا متخيلا ولا مستحيلا، بل إن إمكانيات تطبيقه موجودة وممكنة، وأن العمل على إحلال هذه الخصوصية في عمليات تحيين مقررات العلوم السياسية في الجزائر تحتاج بالفعل جهدا وطنيا مرتبطا بجهد عربي إسلامي كذلك، إضافة إلى التأكيد على أن هذا العمل يتطلب جهدا معرفيا معتبرا وطول نظر ومصابرة مع وجود جرأة علمية (لا نعني بها تهورا فما بينهما شعرة) تسهم كل هذه الصفات في تحقيق هذه الرؤية، كما أن طول انتظارها أو صعوبة تنفيذ هذه الرؤية في عملية التحيين، لا يسقط المهمة على كل المؤطرين والأساتذة في مهمة تبليغهم أسس وأبعاد ومساحات هذه الرؤية لطلبهم ولو بصورة فردية لأن بوجود من يستوعبها ويفهمها من أساتذة وطلبة يقلل الكثير من الجهد الذي يمكن أن تنجز به هذه العملية في مقررات العلوم السياسية.
الهوامش:
1. الطيب برغوث، مدخل إلى سنن الصيرورة الاستخلافية قراءة في سنن التغيير الاجتماعي، ط1.الجزائر:دار قرطبة، 2004، ص41
2. عبد الحميد أوب سليمان، قضية المنهجية في الفكر الإسلامي،ط1.(د.د.ن)ك المعهد العالمي للفكر الإسلامي،1995،ص 34
3. طه جابر العلواني،نحو منهجية معرفية قرآنية: محاولات في بيان المنهج التوحيدي للمعرفة،ط1.بيروت:دار الهادي،2004، ص 107
يمكن مطالعتها على الرابط:
https://www.chihab.net/modules.php?na...ticle&sid=2277

https://bohothe.blogspot.com/2010/03/blog-post_24.html
.









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-09, 21:41   رقم المشاركة : 206
معلومات العضو
youce9302
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hano.jimi
المشاركة1
المعلومات

د.محمود قطر
مستشار المنتدى للمكتبات والمعلومات
مدير عام الإدارة العامة للمكتبات
جامعة حلوان





البيانات

العضوية: 13450
تاريخ التسجيل: Oct 2005
الدولة: مصـــر
المشاركات: 4,456
بمعدل : 2.02 يومياً


دور المكتبة في دعم ونشر البحث العلمي

العنوان الأصلي لهذه الورقة العلمية

مقدمة في البحث العلمي

ودور المكتبات في تنميته
مادة علمية من إعداد
هبه محمد خليفة
قاعة أ. د. شوقي سالم (عضو مجلس محكمي الإفلا)
(قسم الكتب)
المكتبة المركزية – جامعة حلوان



وسيتم نشرها عبر مجموعة من الحلقات ذات عناوين فرعية ليتسنى الاستفادة منها ، نبدأها معاً بالمقدمة :

الحلقة رقم ( 1 )

مقدمة:-


العقل هو آله تقدم الإنسان في هذه الحياة فيه تتراكم المعلومات والخبرات والتجارب والتقدم معناه أن نبدأ من حيث أنتهى الأخرون أو من حيث أنتهى الإنسان الفرد نفسه.

ورغبة الإنسان نفسه في التعرف على ذاته على العالم الذي يحيط به هو الذي قاده من مراحل التفكير البدائية إلى المعرفة العلمية الحديثة. ومراحل التفكير البدائية هذه شملت الخبرات الفردية أو المشاهدات والانطابعات العابرة ، وفي هذه المراحل البدائية أيضا كان الإنسان يفسر الظواهر الطبيعية ويردها لا لأسبابها الحقيقية وإنما يردها لسحر أعمال الكهنة والمشعوذين أمثالهم.

لقد وصل الإنسان للمعرفة العلمية الحديثة بعد أن أختبر عملية التفكير ذاتها من أجل إتباع طريقة التفكير الاستنباطية الاستقرائية Deductive – Inductive وهي التي تشكل الأساس الحقيقي للمنهج أو الطريقة العلمية.

والطريقة العلمية تشمل كلا من التفكير الاستنباطي والاستقرائي ، لأن تجميع البيانات والحقائق وحدها (الاستقراء) لا يكفي للوصول إلى حلول المشاكل ، فوضع هذه الحقائق في إطارها المنطقي العلمي الصحيح هو الذي يمكن من أن يؤدي بنا إلى حل المشاكل أو التعميم Generalization ووضع النظريات.

وعلى الرغم من أن هذه الطريقة العلمية قد طبقت على العلوم الطبيعية أول الأمر إلا أنها أصبحت الطريقة الشائعة أيضاً في الوقت الحاضر بالنسبة للعلوم الإجتماعية والسلوكية ، على أن يتخذ الباحث في العلوم الإجتماعية كل الاحتياطات والقواعد الممنكة التي تبعده على التأثر بالأحكام الشخصية.

مفهوم البحث العلمي :-


تعددت مفاهيم البحث العلمي فهناك منها على سبيل المثال وليس الحصر :
(1)البحث العلمي :
هو دراسة لمشكلة ما تحتوي إمكانية المناقشة والبحث هدفها الوصول إلى إيجاد حل أو عدة حلول عبر إختبارات عميقة لفرض أو عدة فروض وذلك عن طريق إستخدام أشمل لمنهج يحقق في جميع الشواهد التي يمكن التحقق منها والتي تقبل في النهاية التعميم.



(2)كما عرف د / أحمد بدر البحث العلمي بأنه :-

وسيلة للدراسة يمكن بواسطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة وذلك عن طريق التقصي الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلة التي يمكن التحقق منها والتي تتصل بهذه المشكلة المحددة.

دور المكتبة في دعم ونشر البحث العلمي :-


وقد إزدادت احتياجات الإنسان في العصر الذي نعيش فيه فأتجه إلى تعلم القراءة وإكتساب المهارات اللازمة التي تمكنه من اطراد تقدمها ونموها وهذا نتيجة للنمو الهائل في عالم الكتب والمطبوعات، وإنتشار الكلمة المكتوبة على نطاق واسع، لم يتهيأ في أي عصور من العصور، بفضل التقدم التكنولوجي الذي طور من آلات الطباعة، وأصبح من اليسير إخراج الكتب جيدة الطباعة بأعداد كبيرة في زمن يسير. أدى هذا إلى زيادة المعرفة الإنسانية زيادة هائلة وتشابكها حتى أصبحت عبارة "إنفجار المعلومات" خير شاهد على النمو الهائل في عالم المطبوعات، وحيث أن المكتبة هي المؤسسة التي تقتني الكتاب بشكل أساسي وكل مصادر المعلومات بأشكالها المختلفة فأنها تعتبر من أهم المؤسسات التي يقع على عاتقها نشر الثقافة في المجتمع لمختلف فئاته العمرية والثقافية.

ودور المكتبة والمكتبة العامة بالذات دور حاسم في التنمية الثقافية لأن الكتاب الجيد هو خلاصة فكر إنساني جيد ومنظم في كل مجال ولهذا ينعكس أثره على تفكير القارئ الصغير وسلوكه فينشأ ميالاً إلى النظام وإلى المعاملة المهذبة مع غيره وهذا أساس النجاح في أي عمل فردي أو جماعي، هذا النجاح الذي يعتمد على تنظيم الوقت والجهد من ناحية وعلى التعاون مع الآخرين، وبذلك تكون التنمية الثقافية هي أساس النجاح في تحقيق التنمية البشرية.

ومن هذا المنطلق تعتبر مؤسسات المعلومات مجالاً خصباً للدراسات الأكاديمية أو للبحوث العلمية بل ولابد أن تحمل على عاتقها نشر ودعم الفكر والبحث العلمي. وإن كان من الملاحظ قصور البحث العلمي على الجانب الأكاديمي فقط وإن كان البحث لازم في حياتنا اليومية لما له دور أساسي في ترتيب وتنظيم الفكر الإنساني في إتجاه أي مشكلة يمكن أن تقابله وبالتالي فلابد أن يتم نشر البحث العلمي بمفهومه السليم إلى المراحل التعليمية الأقل بدءاً من المرحلة الإعدادية وهي سن المراهقة لما يحتاجه هذا السن من وجود فكر علمي سليم للإنسان حتى يتسنى له تدارك الكثير من المشكلات والأخطاء في حالة وجود فكر علمي سليم والذي ينتج تبعاً لوجود معرفة مسبقة بكيفية التفكير العلمي وكيفية إستخدامه وتوظيفه في حل المشكلات الشخصية والتعرف على المشكلات وحلها ومعرفة كيفية فرض الفروض لحل أي مشكلة ولإتباع منهج بحثي سليم حتى يتمكن من حل المشكلة والوصول إلى نتيجة تمكنه من تعميمها على كافة المشكلات المشابهه فيما بعد.

ومن هنا يتضح لنا ضرورة إلمام الفرد في المجتمع بالفكر العلمي وليس هذا فقط بل وأيضاً الإلمام بكيفية إعداد بحث علمي سليم مما يمكنه ذلك من مواصلة حياته بهذا الفكر العلمي السليم مما يجعله مستقبلاً باحث متمكن يستطيع القيام ببحث علمي سليم وواعي دون وجود أي معوقات أو مشكلة حيث تعتبر إعداد بحث علمي سليم يقوم به طالب في المرحلة الجامعية من أكبر المشكلات التي يمكن أن تواجهه فضلاً عن المفهوم الخطأ عن البحث وكيفية إعداده والمترسخ للطالب منذ الصغر وكل هذا نتاج جهل الطالب التام بكيفية إعداد بحث علمي بمفهومه السليم وخطواته أيضاً.
ونظراً لأن المكتبة من المؤسسات التي تحمل على عاتقها نشر الثقافة بأشكالها المختلفة سواء كانت علمية وإجتماعية فلابد أن تحمل في طيات رسالتها نشر الفكر العلمي والبحث العلمي بشكله السليم.













توقيع : د.محمود قطر
تكون .. أو لا تكون .. هذا هو السؤال


Nov-23-2006, 09:43 AM المشاركة2
المعلومات

د.محمود قطر
مستشار المنتدى للمكتبات والمعلومات
مدير عام الإدارة العامة للمكتبات
جامعة حلوان





البيانات

العضوية: 13450
تاريخ التسجيل: Oct 2005
الدولة: مصـــر
المشاركات: 4,456
بمعدل : 2.02 يومياً


التفكير العلمي

الحلقة رقم ( 2 )

) التفكير العلمي (

1- تعريف البحث العلمي:
" عبارة عن الفحص والتقصي المنظم لمادة أي موضوع من أجل إضافة المعلومات الناتجة إلى المعرفة الإنسانية ، أو المعرفة الشخصية ".

2- خطوات إعداد البحث:
يمر كل معد لبحث أو باحث بعدة خطوات تبدأ من التفكير في موضوع البحث وتحديد الدوافع التي يتم على أساسها اختيار موضوع أو مشكلة البحث … وحتى كتابة التقرير النهائي ، وهذه الخطوات هي:

‌أ- اختيار وتحديد مشكلة أو موضوع البحث.
‌ب- صياغة مشكلة البحث.
‌ج- وضع الفروض العلمية.
‌د- تجميع البيانات وتسجيلها.
‌ه- ترتيب وتصنيف البيانات.
‌و- تحليل البيانات واستخلاص النتائج وتفسيرها.
‌ز- كتابة التقرير النهائي.


أ. اختيار مشكلة أو موضوع البحث:-


أول ما يواجه الباحث من صعوبات هو اختيار مشكلة أو موضوع البحث وهي من أهم خطوات البحث وهناك بعض الإعتبارات التي يجب توافرها في إختيار الموضوع الجيد و هي:

* توافر الإستعدادات والمهارات لدى الباحث لتناول الموضوع.
* أن يكون الموضوع ضيقاً ومحدداً حتى يتمكن الباحث من دراسته بعمق وتمعن.
* توافر المصادر والمراجع الضرورية للبحث.
* عدم وجود صعوبات أو معوقات في جمع البيانات.
* يمكن الإنتهاء منه في وقت معقول ، وبتكاليف مناسبة.

ويتم تحديد مشكلة البحث من خلال كثرة قراءات الباحث في موضوع بحثه وبالتالي يصبح من السهل تحديد مشكلة البحث.


ب. صياغة مشكلة البحث:-


يقصد بصياغة مشكلة البحث " شرح الأسباب التي تدفع الباحث إلى تناول الموضوع ودراسته، وأهمية الموضوع أو المشكلة، والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلال بحثه ويراعى عند صياغة مشكلة البحث أن يقوم الباحث بتحديد أهم الموضوعات التي تتضمنها مشكلة بحثه مع مراعاة أن يقوم الباحث بمعالجة المشكلة من جميع جوانبها وذلك من خلال مبدأ من الأعم إلى الأخصأي يقوم بعرض الموضوعات العامة حول مشكلة بحثه ثم يقوم بعد ذلك الباحث بعرض مشكلة بحثه حتى يقوم بتغطية مشكلة بحثه تغطية شاملة بالإضافة إلى عمل تمهيد لقارئ البحث حول جوانب المشكلة المختلفة. وبالتالي يستطيع الباحث عرض نتائج بحثه بشكل سليم.

ج. وضع الفروض العلمية:-

الفرض العلمي عبارة عن تخمين أو إستنتاج يصوغه الباحث ويتبناه، ويعمل على إثباته خلال البحث. ومن شروط الفرض العلمي :-

* أن لا يكون هناك تعارض أو تناقض بين أجزائه .
* أن يكون قابلاً للاختبار والتحقق العلمي.
* أن يكون واضحاً وبسيطاً وموجزاً.

هـ. تجميع البيانات وتسجيلها:-

يتم تجميع البيانات للبحث من خلال وذلك من خلال إطارين أساسيين:-

* الإطار النظري:
وفيه يتم تحديد عناوين المصادر التي سوف يعتمد الباحث عليها في تجميع مادته النظرية للبحث. ويقصد بالمصادر هنا أي مصدر معلومات سواء أوعية تقليدية أو غير تقليدية (كتب ، مراجع ، فيديو، CD . ويراعى أن يتم تسجيل البيانات كاملة حول المصدر الذي لجأ الباحث له في جمع بياناته وتسمى هذه البيانات "بيانات ببليوجرافية" .

* " البيانات الببليوجرافية: تعني كل البيانات المتعلقة بهذا المصدر من أسم المؤلف، العنوان، بيانات النشر ( مكان النشر: الناشر، سنة النشر)، ثم عدد صفحات المصدر".

* الإطار العملي:
وفيه يتم تجميع البيانات الفعلية من المجتمع عن هذه الظاهرة أو مشكلة البحث ويتم تجميع هذه البيانات من خلال مجموعة من الأدوات الشائعة في البحث وهي:-

- الملاحظة: وتستخدم في الأبحاث التي تتناول ظواهر أو مشكلات يمكن ملاحظتها. والملاحظة أساليبها كثيرة ومتنوعة وتتدرج من الملاحظة المباشرة البسيطة التي تعني ملاحظة الظواهر كما تحدث تلقائياً بدون تدخل من الباحث، إلى الملاحظة المنظمة أو المقننة التي تتم طبقاً لخطة موضوعة مسبقاً. ومن شروط الملاحظة العلمية عدم تأثر الباحث بفكرة أو رأي مسبق، وبعده عن التعصب أو التحيز.

- المقابلة: وتتم بين الباحث وأحد الأشخاص الموجودين بمجتمع البحث أو لدية خبرة موضوعية جيدة حول مشكلة البحث. ويستخدم فيها استمارة تحتوي على الأسئلة التي يسعى الباحث إلى الحصول على إجابات عليها من المبحوث ويقوم الباحث بإلقاء هذه الأسئلة على المبحوث ولابد من هذه الأسئلة أن تسبر غور المبحوث ، حيث أن التأكد من صدق وثبات هذه الأسئلة يؤدي إلى حصول الباحث على نتائج ذات قيمة علمية يمكنه الإنتفاع بها في بحثه.
- الإستبيان: وهو عبارة عن استمارة تتضمن مجموعة من الأسئلة يقوم الباحث بتوزيعها وجمعها من المبحوثين بعد الإجابة عليها. وتعطي إجابات أسئلة الإستبيان بيانات تكفل الكشف عن مختلف الجوانب التي حددها الباحث. وعادة ما تقسم استمارة الإستبيان عدة بنود يتناول كل بند منها جانباً من موضوع البحث.

عادة ما يقوم الباحث بإستخدام أداة واحدة من هذه الأدوات، إلا أنه يفضل إستخدام أكثر من أداه حتى يستطيع الباحث الحصول على المعلومات من أكثر من مصدر وذلك حتى يحصل على نتائج صحيحة في نهاية البحث.

و. ترتيب وتصنيف البيانات:-

الخطوة التالية لمرحلة جمع البيانات هي ترتيبها وتصنيفها ، على أساس تقسيمها إلى فئات متشابهه ويتم تفريغ البيانات ويتم ترتيبها موضوعيا وفقا للصياغة السابقة لمشكلة البحث حتى يتم ترتيب موضوع البحث وفقاً للترتيب المنطقي من الأعم للأخص.

ز. تحليل البيانات وتفسيرها واستخلاص النتائج:-

تفسير البيانات وتحليها من أهم خطوات البحث العلمي، فتجميع البيانات وتصنيفها لا قيمة إذا لم يتبعها التحليل والتفسير واستخلاص النتائج وتعميمها، ويتم تحليل البيانات بالطرق الإحصائية المختلفة.

ويلاحظ هنا أن التفسير والتحليل يمونان مرحلتين متكاملتين من مراحل البحث بحيث لا تغني إحداهما عن الأخرى، إلا أنه من المنطقي أن يأتي التحليل أولا يتبعه التفسير.













توقيع : د.محمود قطر
تكون .. أو لا تكون .. هذا هو السؤال


Nov-23-2006, 09:45 AM المشاركة3
المعلومات

د.محمود قطر
مستشار المنتدى للمكتبات والمعلومات
مدير عام الإدارة العامة للمكتبات
جامعة حلوان





البيانات

العضوية: 13450
تاريخ التسجيل: Oct 2005
الدولة: مصـــر
المشاركات: 4,456
بمعدل : 2.02 يومياً




الحلقة رقم ( 3 )

الأطر النظرية لإعداد البحث العلمي

وبعيدا عن التعقيدات العلمية و التعريفات النظرية فأننا سوف ننقل لكم خبرة عملية فى كتابة البحث فى القضايا النظرية بشكل مبسط يتوافق مع فكرنا والمرجو فى هذه المرحلة .

بداية نقول :أن البحث يتضمن الأتي :
1) صفحة العنوان
2) الإهداء (ومن الممكن أن يوضع الإهداء فى نهاية البحث )
3) الافتتاحية
4) المقدمة ( قد يسبقها تمهيد فى حالات بحثية )
5) متن البحث (موضوعة )
6) النتائج
7) التوصيات
8) الخاتمة
9) قائمة بأهم المراجع
10) الفهارس
وسوف نعرض لكل ما سبق بشيء من الإيجاز فيما يلي :

اولا :صفحة العنوان


وهى من أهم أسس البحث فهى أول ما يقع عين القارئ علية فى البحث ومن خلال صيغتها يعلم موضوع البحث أو المؤلف ......... وهذة الصفحة لا بد أن تشتمل على – أسم البحث - اسم الباحث - وبيانات أخرى هامة قد تكون أسم المشرف على الرسالة البحثية مثلا و اسم الجهة المقدم لها العمل أو أسم المسابقة المقدم لها العمل ........ الخ ولصفحة العنوان أهمية كبرى فهى البوابة التى يدخل منها القارئ الى البحث فمنها يدرك القارئ موضوع البحث ومؤلفة والجهة القائمة عليه وكلما كان عنوان البحث فى صفحة العنوان يعبر بصدق عن حيثيات البحث وموضوعاته كلما استحق الباحث الإشادة على صياغة العنوان .

ثانيا :الإهداء


قد يقوم الباحث بإهداء بحثة الى شخص أثر فى تكوينه مثلا أو الى جهة معينة أو الى رمز مثلا ..... وقد لا يهدى الباحث عملة الى أحد – وهذا لا يخل بشكل البحث العلمى _وقد يهديه الى نفسه كما فعل ( يوسف السباعي ) فى رويته ( أرض النفاق ) وقد يؤخذ هذا على الباحث وقد يتهم بالنرجسية .

ثالثا :الافتتاحية


وهى صفحة تشتمل على كلمات قلائل تعبر عن مضمون البحث يفهم منها مضمونة وقد تكون آية قرانيه أو كلمات من الكتاب المقدس أو بيت من الشعر أو حديث شريف او مقولة ....... الخ ومثال ذلك أن يصدر باحث فى شئون المرأة بحثة بحديث يظهر تكريم المرأة فى الإسلام وهكذا

رابعا:المقدمة



والمقدمة من أهم عناصر البحث العلمى حيث يعرض الباحث فيها منهاجه العلمى فى الكتابة ويظهر الملامح الرئيسية لبحثه ذكرا الدافع الى كتابة هذا البحث والهدف المرجو منه ويحق له أن يكتب ما يريد لتحقيق ما أشرنا إليه.

خامسا: متن البحث



والمقصود بمتن البحث أى : الكتابة فى صلب موضوع البحث وعادة البحث العلمى تقسم مادته العلمية من الناحية الشكلية والموضوعية الى أبواب قد تقسم هذه الأبواب إلى فصول وتقسم هذه الفصول الى مباحث وتقسم هذه المباحث تقسم إلى فقرات والباحث يستخدم هذه التقسيمات بناء على حجم البحث شكلا وموضوعا ..... الخ ولكن يشترط أن يكون هناك ترابط بين مباحث كل فصل وترابط بين فصول كل باب وترابط جميع أبواب البحث فى سياق موضوعة وليس بالضرورة أن يكون كل بحث مكون من أبواب ...... الخ فقد يكون بحث صغير فيقسم الى فصول أو عدة مباحث مترابطة.

سادسا : النتائج



وفيها يذكر الباحث ما توصل إليه من نتائج يرى أنها جديرة بأن توضع أمام القارئ ولابد أن يكون استنتاج مبنى على أدلة بحثية وليس كلام إنشائي مرسل.

سابعا : التوصيات :

إذا كان البحث يتحدث فى قضية ما فان الباحث بعد ذكره للنتائج يذكر التوصيات التى يوصى بها لحل القضية محل البحث أو يوصى بأمور يرى أنها مهمة فى هذا الشان.

ثامنا: الخاتمة :

الخاتمة أيضا من الأمور الهامة فى كتابة البحث لأنها هى خاتمة الموضوع فكما لكل شيء بداية فانه لكل شيء نهاية ... والنهاية عندها تكتمل الصورة للعمل البحثي وقد يقوم الباحث فيها بتوجيه الشكر لمن ساعده فى إنجاز عملة وقد يذكر رسالته الهامة من كتابته للبحث وهل نجح فى ذلك أم أن الموضوع يستحق لجهد آخر حتى تكتمل الصورة .


تاسعا: قائمة أهم المراجع :



وفيها يذكر الباحث أهم المراجع التى استند إليها فى كتابة بحثه وهو يتبع فى ذلك طرق عدة فقد يبدء بذكر أسم الكتاب أو أسم المؤلف وفى كلتا الحالتين لابد من ذكر أسم الناشر ومكان النشر ورقم الطبعة وسنة الطبعة 0وإن كان المرجع دورية فلابد من ذكر اسمها وجهة صدورها ورقم العدد وسنته وكذلك أسم المقال المنقول عنه ومؤلفة.
وإذ كان المرجع شريط كاسيت مثلا فلابد من ذكر أسمه ومؤلفة والجهة المنتجة له والقائمة على توزيعه ، وإذا كان المنقول عنه موقع من على شبكة المعلومات (الإنترنت ) فأنه يذكر اسم العمل المنقول عنه واسم مؤلفة سواء كان شخصا أو جهة مع ذكر اسم الموقع الناشر لهذه المادة العلمية ومن الأفضل ذكر تاريخ فتح الموقع لأن قواعد البيانات والمواد العلمية تتغير كل فترة ويرجع هذا التدقيق لأنه حتى الآن علماء البحث فى جدل حول كيفية إثبات المادة المنقولة عن موقع من على الإنترنت .
وعند كتابة قائمة المراجع يفضل أن ترتب ترتيب هجائي وقد تذكر المراجع مرتبة لعلو وشرف العلوم التى تتناولها – خاصة فى الأبحاث الدينية - أو لقيمتها العلمية فالدورية ليست فى نفس قيمة الكتاب والمرجع ليس فى نفس قوة المصدر ..... الخ

عاشرا : الفهارس :

والفهارس جمع فهرس ومعنى هذا أن البحث قد يشتمل على أكثر من فهرس فهناك فهرس للموضوعات وفهرس للآيات القرآنية وفهرس للأحاديث وأخر لأبيات الشعر وقد يكون للأعلام وفهرس للأشكال العلمية منها والبيانية والخرائط ........... الخ والذى يحدد استخدام الباحث لهذه الفهارس هو موضوع البحث وأن كان فهرس الموضوعات لا غنى عنه فى جميع الأبحاث ومثال ذلك من يكتب بحثا دينيا فأنه قد يستخدم فهرس الآيات وفهرس الأحاديث ومن يكتب بحثا تاريخيا فقد يستخدم فهرس الأعلام ومن يكتببحثا جغرافيا فقد يستخدم فهرس الخرائط ومن يكتب بحثا فى الفيزياء يستخدم فهرس الأشكال وهكذا .
وجميع هذه الفهارس تكون فى مؤخرة البحث عدا فهرس الموضوعات فمن الممكن أن يوضع فى صدر البحث – خلف المقدمة – حاملا اسم قائمة المحتويات .
وكذلك يجوز للباحث ان يرفق فى مؤخرة بحثية جداول ووثائق يرى أنها تقوى وجهة نظرة فى البحث أو للاستدلال على ما يقول .







توقيع : د.محمود قطر
تكون .. أو لا تكون .. هذا هو السؤال

https://alyaseer.net/vb/showthread.php?t=6777
بااااااااااااااااااارك الله فيك اخي الكريم









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-10, 06:14   رقم المشاركة : 207
معلومات العضو
AYACHI39
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية AYACHI39
 

 

 
إحصائية العضو










M001

مشكورة جدا اختي وجزاك الله كل الخير وربي يعطيك ما تتمني









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-10, 11:28   رقم المشاركة : 208
معلومات العضو
ميتو
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية ميتو
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

من فضلك التعليمية العامة وجزاك الله الف خير










رد مع اقتباس
قديم 2011-11-10, 16:40   رقم المشاركة : 209
معلومات العضو
AYACHI39
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية AYACHI39
 

 

 
إحصائية العضو










Thumbs up

مشكورة اختي مرة ثانية لكني ابحث عن تحديد لمصطلح الايثنوغرافيا










رد مع اقتباس
قديم 2011-11-10, 20:57   رقم المشاركة : 210
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة AYACHI39 مشاهدة المشاركة
مشكورة اختي مرة ثانية لكني ابحث عن تحديد لمصطلح الايثنوغرافيا
من ماجستير مناهج و طرق تدريس جامعة الاسكندرية في 11 أكتوبر، 2010‏، الساعة 06:58 مساءً‏‏
ما هي الاثنوغرافيا؟.... وما خطواتها؟..... وهل الإثنوغرافيا علم أم ليست كذلك؟.... وماذا نقصد بالمنهج الإثنوغرافي؟.... وبماذا تختلف الإثنوغرافيا عن مصطلح الإثنولوجيا؟..... ما هو موقعها من البحث الانثروبولوجي؟......

تعني الإثنوعرافيا الدراسة "الوصفية" لأسلوب الحياة ومجموعة التقاليد، والعادات والقيم والأدوات والفنون، والمأثورات الشعبية لدى جماعة معينة، أو مجتمع معين، خلال فترة زمنية محددة..... إذن يتحدد مفهوم الإثنوغرافيا –اكاديمياً- بأنه: الوصف الدقيق والمترابط لثقافات الجماعات الإنسانية....

هذا حول تعريف الإثنوغرافيا.... ولكن ماذا يعني مفهوم الاثنولوجيا؟.....

الاثنولوجيا تعني: الدراسة التحليلية والمقارنة للمادة الاثنوغرافية..... إلاّ أن تعريف الاثنولوجيا بـ"الدراسة التحليلية" قد لا يكون محل اتفاق من الناحية النظرية، ان أفضل تعريف لمصطلح الاثنولوجيا هو انه: ذلك العلم الذي يُعنى بتجميع المادة الاثنوغرافية بصورتها المقارنة..... وقد يجمع اكثر الباحثين –نظريا- على هذا التحديد للمفهوم... ولكن البعض منهم يوسّع من دائرة اهتمام الاثنولوجيا فيوصفها بأنها تتضمن عملية التحليل للمادة الاثنوغرافية..... ومهما يكن من أمر فإن المادة الاثنوغرافية تشكّل قاعدة أساسية لعمل الباحث الانثروبولوجي.....

فالاثنوغرافيا تعد مقدمة للعمل الاثنولوجي.... وهي بذلك تمثل جانباً من الدراسة الاثنولوجية وليس علماً مستقلاً..... إذن الاثنوغرافيا تعمل على تسجيل المادة الثقافية من الميدان، أي تقوم بوصف أوجه النشاط الثقافي البشري، ولا تسعى الاثنوغرافيا إلى "التقويم" وإنما إلى تقديم صورة واقعية وتقريرية للأمور الحياتية لمجتمع ما أبان فترة زمنية معينة.....

أما الاثنولوجيا: فهي الدراسة المقارنة للثقافات المعاصرة والثقافات التي تتوفر عنها وثائق تاريخية (تجميع وترتيب وتنظيم البيانات الاثنوغرافية).... هذه الدراسة المقارنة قد تكون في الزمان أو المكان، أي انّ عملية المقارنة قد تكون تتبعية "تاريخية" أو تزامنية "معاصرة" بتعبير البنيويين....فعندما نحصل على مجموعة أو عدد كبير من الملفات الخاصة بحياة الشعوب والمجتمعات نقوم بتنظيم هذه الملفات وتجميعها وإظهار التمايزات او التفارقات بينها...... ثم تبدأ بعد ذلك عملية التحليل والتنظير عن طريق دراسة هذه الملفات وبياناتها وهنا فقط تشرع الانثروبولوجيا وتبدأ حيث تنتهي الاثنولوجيا.....

من المعلوم التذكير بأن اي دراسة اجتماعية تتضمن المراحل الثلاث هذه.... فكل باحث يسير وفق خطوات مدروسة تبدأ بالاثنوغرافيا "تجميع المادة من الميدان".... ومن ثم الاثنولوجيا "ترتيب البيانات وتنظيمها ومقارناتها".... وبعد ذلك الانثروبولوجيا "تحليل وتنظير"......


خطوات المنهج الاثنوغرافي:

يقصد بالمنهج الاثنوغرافي الدراسة الميدانية العلمية للظواهر الاجتماعية وذلك عن طريق اتصال الباحث الانثروبولوجي بموضوع البحث اتصالاً مباشراً يعيش فيه بين الجماعات المراد دراستها ويتعلم لغة الأهالي لكي يوثق صلته بهم.

ان المنهج الاثنوغرافي القديم لم يكن هو المنهج العلمي الأمثل حيث ان المقارنة فيه لم تجرِ بطريقة علمية متميزة.... فالمقارنة في مراحلها الأولى بدأت بالرحلات ومحاولة مقارنة المجتمعات مع بعضها البعض والتي أنشأت ما يسمى بـ"التتبع التاريخي" للظواهر الاجتماعية او ما يسمى بالنظرية التطورية وذلك عن طريق الاكتفاء بالقراءات الواسعة وجمع المعلومات المدونة بواسطة الرحالة والمبشرين والتجار ولم يقم اي باحث انثروبولوجي بالنزول الى الميدان بنفسه لجمع المعلومات وتدوين الملاحظات.....

وتعد دراسة "راد-كليف براون" لجزر الاندمان اول دراسة ميدانية مهمة تلتها دراسة العالم البريطاني الشهير ورائد الدراسات الميدانية "مالينوفسكي" لجزر التربورياند والتي استغرقت اربعة سنوات ولا ننسى ايضا الدراسة المنسية للأميركي "لويس مورغان" لمحيط مجتمع نيويورك نهاية القرن التاسع عشر......

ويمكن تحديد أهم خطوات المنهج الاثنوغرافي بما يلي:

1-Observation: وتعني "الملاحظة"، وهي من أهم طرق البحث الانثروبولوجي، والملاحظة تعني ملاحظة الباحث للمجتمع المدروس في التعرّف على صفات وخصائص ما يدرسه من خلال وصفه له.

واعمق منها منهجياً "الملاحظة-المشاركة" observation-participation إلا انها عملية غير ممكنة كما يرى البعض، هنا الاعتراض يكون بسبب ان الباحث يكون غريباً عن المجتمع الذي يدرسه... ما نقصده هو ان الباحث الاثنوغرافي غالباً ما يتأثر بمنطلقاته النظرية ومواقفه الايديولوجية وتكوينه الذهني والنفسي والتي لا بدّ ان تؤثر في نتائج دراسته خصوصا عند استخدام منهج "الملاحظة-المشاركة".

كذلك ان منهج "الملاحظة-المشاركة" يثير أيضاً تساؤلات حول موضوعية المادة التي يحصل عليها الباحث في دراسته الحقلية... وقد ارتبط هذا التساؤل بواقعة خاصة بالتناقض في نتائج الدراسة لقرية مكسيكية واحدة بواسطة اثنين من الاثنوغرافيين......

ففي عام 1920 درس الاميركي "روبرت رادفيلد" قرية "نيوزلاند" المكسيكية، وبعد 14 عاماً أي في سنة 1934 ذهب الأميركي "أوسكار لويس" الى القرية نفسها لدراستها..... ان "لويس" قد قرأ بطبيعة الحال نتائج دراسة "رادفيلد" وقد احتار في أمرها لأنها جاءت متناقضة تماما لملاحظاته الشخصية، لقد أعطى "رادفيلد" صورة وردية عن الحياة في تلك القرية المكسيكية حيث وصف أفراد المجتمع هناك بانهم سعداء وهادئون، في حين "اوسكار لويس" وجد الصورة مختلفة تماما، فالناس كانوا غير متعاونين والعلاقات الاجتماعية كانت ضعيفة......

قد يذهب البعض الى ان سبب الاختلاف ربما يعود الى تحولات جذرية في مجتمع القرية إلا ان التحليل الدقيق لهذا الموقف قد أوضح انّ الاختلاف في النتائج كان انعكاساً لاختلاف في المنطلق الفكري والنظري لكل منهما.....

واعترض "بيير بورديو" على منهج "الملاحظة-المشاركة"، وكان يرى انه منهج مليء بالعيوب من الطرفين الباحث والمبحوث، كما انه اعترض على الكثير من النظريات الأنثروبولوجية المجردة مثل كلمة "البناء الاجتماعي" وقال انها كلمة لا تدل على اي وجود، ويتساءل: أين هو البناء الاجتماعي؟!....

فالبناء شيء مجرد فنحن لا نراه، ولذلك علينا ان نركز على الممارسة وعلى العلاقات الاجتماعية المتفاعلة، اي ان ننتقل من مستوى "التنظير" الى مستوى تحويل النظريات الى "صور".... وبناء على هذا اقترح "بورديو" كلمة Objectivation وهي مفردة وان كان من الصعب ترجمتها إلا انها يمكن ان تعني حسب فهمنا لها "التجسيد".... ان كلمة Objectivity والتي تعني الموضوعية، ويقصد بذلك الادعاءات التي يطلقها الباحثون الاثنوغرافيون حول دراساتهم والتي يصفونها بأنها دراسات موضوعية، فإن "بورديو" كان يمقتها ويقول: ان هذا هو إدعاء وانه "باطل"، لأن "الملاحظة-المشاركة" تقف ضد الموضوعية، والموضوعية غير متجسدة فيها، وعليه فليس هناك موضوعية في Objectivity.

ويُعنى مفهوم "الموضوعاتية بالمشاركة" الذي طرحه "بورديو" بالكشف عن الآثار الذاتية المتحيّزة للباحثين الغربيين في تحليلاتهم الاثنوغرافية.....هذا يؤمل للباحث التعمق في تجاربه الاجتماعية السابقة لتحصيله العلمي وانعكاساته اللاشعورية الذاتية على تفسيراته لما يدرس من جماعات وظواهر.... ان ذلك لا يعني تخلي الانثروبولوجيين تماما عما في نفوسهم وتجنب استخدامه في البحوث بل العكس، فالباحثون يمكن ان يستفيدوا من تجاربهم الشخصية السابقة وذلك بإخضاعها للضبط المنهجي الاثنوغرافي والسوسيولوجي مما يجعلها مادة عملية لا يستغني عنها.

وحين نتعمق ملياً في مصطلح "الملاحظة-المشاركة" نجد انه يشير الى سلوك الباحث الاثنوغرافي نفسه حينما يغوص في العالم الاجتماعي الغريب عنه لكي يلاحظ نشاطاً او طقساً يكون مساهماً فيه. وتبرز هنا معضلة شائكة ترتبط بضرورة وجود ازدواجية مسبقة لوعي الباحث بحيث يراقب سلوك الآخرين مثلما يراقب سلوكه، وهو أمر غالبا ما يتعذر على الاثنوغرافيين.

من هنا يكون معنى "الموضوعاتية-المشاركة" تحليل لشخصية الباحث الاثنوغرافي نفسه، ولا يقصد بها تدقيق عمل الباحث الاثنوغرافي من قبل باحثين آخرين يراجعون عمله بزيارة للجماعة او الجماعات التي قام بدراستها من خلال الاتصال بالمخبرين الذين اعتمد عليهم والتأكد من الروايات التي أوردها ومن زوده بها في الميدان. فالموضوعاتية تحاول ان تظهر بجلاء مضمون العلاقة الذاتية الخاصة بالمبحوث.....(ستكون لنا دراسة حول: منهج الموضوعاتية عند بورديو)


2-Processes: وتُدعى "العملية" وتكون العملية عادةً تلقائية غير مخططة، فهي صيرورة، والصيرورة شيء يحصل في كل مرة. ان اهم صفة في العملية هي انها تتكرر نمطياً، فلا تشذ عن النمط. ومن امثلة ذلك: "الزواج" فهو يتكرر حدوثه كـ"طقس" في مجتمع معين لثلاث مرات او اكثر خصوصاً إذا كان هذا المجتمع يتمتع بدرجة عالية من الوحدة والتجانس. أما في المجتمع المتعدد "المركب" فتكون ثمة مشكلة تطال عامل الـ"processes" ذلك ان لكل طبقة أو فئة طقوسها ونشاطها الخاص بها....


3-Description: وهو ما يُسمى بالوصف والذي يعد من اهم خطوات البحث الاثنوغرافي الذي يمارسه الباحث الاجتماعي، هنا يقوم الباحث بوصف ما يرى فقط وصفاً أميناً دقيقاً لما يحدث، وان لا يزيد شيئاً من عندياته او ما يمكن ان ينسجم مع أهوائه....

ان عملية "الوصف" هذه تتميز بانها عملية شاقة ترهق الباحث الاثنوغرافي فهو مطالب في حالته هذه ان يكون دقيقا جدا فيما يدونه من معلومات او معطيات، كما يفترض عليه ان لا يصف كل ما يشاهده هكذا عنوة، وإنما يرتبط الأمر فقط في استحصال البيانات التي يمكن ان ترفد الباحث وتعينه في موضوعات دراسته، فليس كل وصف يمكن اعتباره وصفا اثنوغرافيا، فمهمة الباحث هنا تختلف كثيرا عن مهمة غيره من المتخصصين الآخرين الذي يرمون الى وصف كل ما يقع تحت ناظريهم من أخبار او معلومات والتي لا تعدو ان تكون بيانات نظرية غير مفيدة بالمرة..... لذلك فأن الباحث الانثروبولوجي يتمتع بخصوصية "اختصاصية" تفرده عن غيره من الدخلاء في عملية تجميع المعلومات من الوقائع الميدانية......


4-Analysis :عندما نعمد الى جمع المعلومات وتتوفر لدينا نربط العمليات processes مع بعضها البعض، بحيث نجد عن طريق عملية الربط هذه ان هناك علاقات وصلات بينها، ونصل أيضاً عبر ذلك الى تحليل محتوى العلاقات وكيف يمكن ان تسير، وما هي درجة الانسجام والتناقض بينها؟.... وكذلك الآثار التي تترتب على ذلك.......

هنا يعمد الباحث الاثنوغرافي الى تحليل كل فئة من هذه الفئات إلى نخب أصغر، أي ترتيب هذه الفئات وتنظيمها وتفكيكها، وفي هذه المرحلة من الممارسة الاثنوغرافية تبدأ اللمسات الاثنولوجية واضحة بحيث يعمل الباحث على استظهار قنوات البناء والتفكيك للظاهرة الاجتماعية من خلال ما ألتزم به من معطيات خارجية.....

بعد تحليل هذه الفئات كما قلنا يقوم الباحث في الكشف عن الآثار المسبّبة للظاهرة المدروسة، ويتففن هنا في طرح مجموعة من المسببات والتي قد تنسجم حتما مع موضوع دراسته، ويخضعها جميعا للفحص والاختبار الدقيق، ثم تأتي أثر ذلك عملية " التركيب" لهذه الفئات والعمليات من اجل الوصول الى نتيجة مرضية، ومما ينبغي ذكره هنا ان مرحلة او خطوة "analysis" تعد مرحلة وسطى بين "الوصف" و"التنظير" الذي لا يظهر بشكل ملموس في الاثنوغرافيا......

https://www.********.com/note.php?not...15621208498799

https://www.********.com/note.php?not...15621208498799









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مرجع, يبدة, ساساعده

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:47

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc