من عجائب الاستغفار كتاب الكتروني رائع - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها ..

قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها .. يعنى بجميع المتون من نظم و قصائد و نثر و كذا الكتب و شروحاتها في جميع الفنون على منهج أهل السنة و الجماعة ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

من عجائب الاستغفار كتاب الكتروني رائع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-11-13, 15:40   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الدر المكنون
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










Exclamation من عجائب الاستغفار كتاب الكتروني رائع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



من عَجَائب الاسْتغفار
خالد بن سليمان بن علي الربعي


حجم الكتاب 466 كيلوبايت







لتحميل أضغط هنــــــــا


او


https://www.4shared.com/document/MBOZ7kES/___online.html









 


رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 20:06   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
asmaabounoua
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2012-11-13, 21:59   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
محمد 1392
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية محمد 1392
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-18, 22:55   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عبد الله10
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عبد الله10
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بـــــــــارك الله فيكم










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-22, 13:44   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الدر المكنون
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيكم بارك الله

سرني تواصلكم










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-30, 13:37   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
asmaabounoua
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-08, 23:32   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
الدر المكنون
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيك بارك الله










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-09, 08:49   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
titsso
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية titsso
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اختي الكريمة و منك نستفيد









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-09, 12:16   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
الدر المكنون
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيك بارك الله
شكرا لتواصلك










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-10, 21:53   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
LAHIMA08
عضو جديد
 
الصورة الرمزية LAHIMA08
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-13, 10:04   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
hiba-2012-
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hiba-2012-
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-13, 12:29   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
الدر المكنون
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

العفو اخية

وفيك بارك الله

شكرا لتواصلك










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-21, 14:10   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
omar_gs13
بائع مسجل (ج)
 
الصورة الرمزية omar_gs13
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا و جعلها الله في ميزان حسناتك










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-21, 17:33   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
الدر المكنون
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزانا الله واياكم كل خير










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-22, 15:57   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
zaza22
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية zaza22
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الإسلام بين الإفراط و التفريط
بسم الله الرحمن الرحيم
*****إن الحمد لله نحمده ونشكره ونثني عليه ونستغفره ونشهد أن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه ولا رب لنا سواه ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد.
أفضلية الدين الإسلامي
*****فإن دين الإسلام تعاليمه وسط بين الإفراط والتفريط، وذلك لأن الإسلام ورد وجاء منتظماً لمصالح العباد وكمله الله تعالى وجعله أتم وأكمل ما يرام وضمنه كل مصلحة يأمر بها وينهى عن كل ما يضر، فلا جرم إن كان هذا الدين هو الدين الذي فطر الله العباد على استحسانه والميل إليه.
*****فالله تعالى اختاره لنا دينا فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، أي اختاره ورضيه ديناً للعباد يدينون به ويتقربون به إلى ربهم، وأخبر أنه هو الدين الحق لا سواه، فقال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) أي هو الدين الصحيح، وما سواه من الأديان فإنها منسوخة، فالأديان السماوية السابقة قد نسخها هذا الدين، وحل محلها وتضمن ما فيها من العبادات والمعاملات الملائمة فقام مقام كل ما سبقه من الأديان. وزاد على ذلك بما هو مناسب وملائم لحال العباد والبلاد. وأخبر الله سبحانه أن من تركه وخالفه فهو خاسر تائه ضائع، فقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، وذلك لأن هناك ما يسمي أدياناً يدين بها من يعتنقها ويعتقدها من عباد الله ويزين لهم الدعاة إلى تلك الأديان أنها أديان حقة صحيحة ملائمة مناسبة، ولكن عند التأمل والتعقل يتضح أنها باطلة وأن الذي شرعها ودعا إليها هو الشيطان الرجيم.
*****فهناك من يدين الآن بدين النصارى، ولا شك أن الدين المسيحي كان ديناً سماوياً، ولكنه مؤقت، حيث إن المسيح بن مريم عليه السلام رسالته مؤقتة بنبوة وبإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي بشر به في قوله: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد). وقد أخذ الله الميثاق عليه، بل وعلى كل الأنبياء أن يتبعوا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه). قال ابن عباس: "ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد وهم أحياء أن يتبعوه ويؤمنوا به وينصروه". وثبت أيضاً أن دين النبي موسى الذي يدين به أتباعه من اليهود سابقاً كان ديناً سماوياً اختاره الله وفضله في ذلك الوقت لكنه مؤقت أيضاً بإرسال هذا الرسول النبي الكريم فثبت أن ذلك الدين منسوخ منذ أن بعث محمد، مع أن تلك الأديان التي هو دين اليهودية والنصرانية قد دخلها بعد أنبيائهم الكثير من التحريف والتغيير والتبديل. وما ذاك إلا أن الله تعالى استحفظهم كتبها ومراجعها، وتضمن حفظ شريعتنا بنفسه، فقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). فتكفل الله بحفظ هذه الشريعة أن يدخلها شيء من الزيادة والتغيير. وأما الشرائع التي قبلها فكان حفظها إلى أولئك الحملة، كما في قوله تعالى: (بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء)، فجعلهم وكلاء على حفظه، ولم يتكفل بحفظه، فكان ذلك سبباً في وقوع تلك التحاريف والتغييرات والتبديلات في الشرائع السماوية مما جعلها غير ملائمة ومناسبة.
وبعد أن بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكمل الله له هذا الدين وأصبح الدين الباقي، أصبح الدين السماوي الذي لا يلائم العباد سواه.
*****وهكذا كل ما هناك من الأديان الباطلة المضلة قد نهى عنها دين الإسلام أو حذر منها، فإن الإسلام جاء وهناك دين أهل الوثنية الذين يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله ويعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم عند الله، ويصرفون لها خالص حق الله، فلما جاء الإسلام نهاهم عنها نهياً صريحاً، وحذرهم من التعلق بتلك الأوثان وأمرهم أن يعبدوا الله وحده، فجاء بنسخ عبادة ما سوى الله من نبي أو ولي أو صالح أو قبر أو حجر أو مدر أو غار أو صخرة، أو شجر، أو بقعة، أو غير ذلك مما يعظم أو يصرف له شيء من خالص حق الله، فهذا دين باطل، أي دين الوثنية، جاء الإسلام بنسخه والقضاء عليه.
وهناك أديان انتشرت في هذه الأزمنة وكثر الذين يعتنقونها مع كونها باطلة. فتجد هناك ديناً يتسمى أهله بـ"البوذيين"، وهم على عقيدة رجل يسمى "بوذا"، زينت له نفسه أنه على حق، فابتدع واخترع أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، في العقائد وفي الأعمال، ومع ذلك استمرت عقيدته وانتشرت منذ عدة قرون، ولا تزال تلك العقيدة الباطلة هناك من يدين بها ويقدسها ويعظم معلوماتها وما تضمنته.
وهناك ديانات منتشرة في كثير من البلاد، كالهندوس ونحوهم الذين يعبدون أوثاناً، أو معبودات سوى الله تعالى فهم داخلون في الوثنية.
وهناك ديانات منحرفة زين الشيطان لأربابها أنهم على خير فصاروا يدينون بها يُغَرّون بها بأنها مُسَلَّمة لكل عاقل كعقيدة سيئة منتشرة في المشرق يقال لها "القاديانية" ونحوها.
هذا من حيث الأديان الباطلة التي تخالف الإسلام كلياً. وهناك من ينتسب إلى الإسلام، ولكن لم يتحقق منه وصف الإسلام، ولا الحقيقة المطلوبة من دين الإسلام. فمثل أولئك أيضاً على ضلال مع كثرتهم، وكثرة من يدين بدياناتهم. والإسلام براء منهم، وهم بعيدون من تعاليم الإسلام.
*****فمن ذلك عقيدة الباطنية، الذين يجعلون للأعمال باطناً غير ظاهرها. فللعبادات وللعقائد عندهم باطن، ويعتقدون أن الشرع يريد أشياء غير هذه الظواهر. وهذه العقيدة الباطنية من أكفر الكفر وأضل الضلال لأنهم يخالفون الشرع في تعاليمه وفي اعتقاداته. وقد بقي على معتقدهم كثير من الفئات التي لا تزال موجودة إلى اليوم، يدينون بتلك العقيدة السيئة، كعقيدة الدروز الذين يوجدون في كثير من البلاد العربية المجاورة، وعقيدة النصيرية الذين يدينون بهذه العقيدة الباطنية. فمثل هؤلاء ولو تسموا بأنهم مسلمون، فإنهم ليسوا حقاً من المسلمين المطبقين لشعائر الإسلام، ولأجل ذلك نقول إن الإسلام الحقيقي هو الاعتراف بالله إلهاً ورباً وخالقاً، والديانة له بالعبادة، كما فسره الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، حيث يقول: "الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك، وأهله". فبين رحمه الله أن المسلم حقاً هو المذعن المنقاد المتذلل الذي متى علم أن هذه الخصلة من الإسلام أذعن لها واتبعها ولم يتخلف عنها. ومتى علم أن الإسلام حرم أو نهى عن هذه الخصلة ابتعد عنها وأذعن لله تعالى بتركها، هذا حقاً هو المسلم.
*****ونحمد الله أن حفظ علينا شعائر ديننا. فجميع المحرمات أدلتها موجودة في الشريعة، في الكتاب والسنة، وجميع الواجبات والعبادات المشروعة أدلتها موجودة أيضاً في الكتاب والسنة، فلسنا بحاجة إلى تحكيم العقول، ولا إلى أن نزن بأهوائنا ما يرفع إلينا وما يسوغه لنا أولئك الأعداء الذين يجعلون أهواءهم هي الميزان الحق فما وافق أهواءهم اتبعوه وشرعوه.
*****فإذا كان الإسلام قد تضمنته الشريعة، وأدلتها واضحة صحيحة فليس للمسلم أن يدين بأية قربة أو طاعة إلا بعد أن يثبت له دليلها. وليس له أن يحرم أية خصلة إلا بعد أن يتحقق دليلها من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولقد تكفل الله سبحانه ببيان هذا الدين وجعله كاملاً، فأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته: (اليوم أكملت لكم دينكم). وكماله احتواؤه علي كل خير، ونهيه عن كل شر. ولقد بين وكمل تعاليمه وتفسيره. وإيضاح معانيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كلفه الله أن يبين للناس هذا الدين، فقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)، أي لتوضح لهم بالأمثلة والإيضاح التام ما أجملت أحكامه في القرآن، فإذا بينه النبي صلى الله عليه وسلم بأفعاله كان هذا البيان من الله تعالى: لأنه وحي وتشريع. فجاء هذا الإسلام بحمد الله بكل ما فيه خير ومصلحة، ونهى عن كل ما فيه شر ومضرة. كما روي عن بعض العقلاء من الأعراب لما دخل في الإسلام لأول دعوة ولأول ما عرض عليه فقال: "إني تأملت ما جاء به محمد فرأيته ما أمر بشيء وقال العقل: ليته نهى عنه وما نهي عن شيء وقال العقل: ليته أمر به" والمراد هنا العقول السليمة والفطر المستقيمة، فإنها تشهد بحسن هذا الدين، وباحتوائه على كل خير، وبزجره عن كل شر. وتشهد بمطابقته وملاءمته للمصالح، واحتوائه على كل ما ينظم الحياة تنظيما حقاً كاملاً صحيحاً، فكان ذلك هو السبب الذي اختاره الله لهذه الأمة، التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل والضلال، إلى نور الحق والإيمان، فكان حقاً على عباد الله الذين هداهم الله وأقبل بقلوبهم إلى طاعة، وصدقوا الرسول الذي جاء به، كان حقاً عليهم أن يطبقوه أتم تطبيق، وأن يعملوا به، وأن يكونوا في العلم به عارفين بأحكامه، ومقاصده، غير زائدين فيه، ولا مضيفين إليه ما ليس منه، وغير مقصرين في شيء منه، ولا مخلين وناقصين بشيء من تعاليمه. وهذا معنى كون دين الإسلام وسطاً بين الأديان، فإنه وسط بين الأديان السابقة، وعقيدته السلفية وسط بين العقائد، وعبادته وقرباته، وأداؤها الحق وسط بين الإفراط والتفريط. فلما أن علم الله أن من أهل تلك الأديان قد غلوا وزادوا وتجاوزوا الحد، وأن بعضاً منهم قصروا وجفوا جاء بهذا الإسلام في وضع متوسط، لا إفراط ولا تفريط.
أمثلة على وسطية الإسلام بين الأديان السابقة
*
*****ولنأت على ذلك بأمثلة في الأديان، وفي العقائد، وفي الأعمال، حتى يتضح بذلك كون دين الإسلام وسطاً، لا إفراط، ولا تفريط.
*****فمثلاً عقائد أو أديان من قبلنا من الأمم، منهم من غلا، ومنهم من جفا، وجاء الله بالإسلام فجعله بين هؤلاء وهؤلاء.
1. ففي شريعة اليهود اعتقادهم في عيسى أنه ولد بغي،2. وأن أمه زانية حيث رموها ببهتان،3. كما قال الله تعالى: (وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً). جاءت النصارى فزادوا وغلوا فرفعوه عن طوره،4. وأعطوه ما لا يستحقه،5. فحكى الله عنهم أنهم قالوا: (إن الله هو المسيح بن مريم)،6. وحكى عنهم أنهم قالوا: (المسيح ابن الله)،7. وكذلك كفّر من قال إن الله ثالث ثلاثة،8. يعني الله وعيسى وأمه،9. كما في قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) وقال تعالى: (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله)،10. جاء الإسلام فتوسط،11. لا إفراط ولا تفريط،12. فالإفراط كان من الذين زادوا وقالوا: هو الله،13. أو ابن الله،14. أو ثالث ثلاثة،15. وأهل التفريط الذين قالوا: إن المسيح ابن بغي،16. بل شهد الإسلام بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه،17. وجعله رسولاً كسائر الرسل،18. كما في قوله تعالى: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل،19. وأمه صديقة،20. كانا يأكلان الطعام). فشهد له بأنه رسول،21. وأقر،22. أو حكى كلامه في قوله تعالى: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل: إني رسول الله إليكم)،23. فهو رسول كسائر الرسل. وهذا هو القول الوسط،24. لا إفراط ولا تفريط.
25. وهكذا أيضاً في الأعمال،26. دين اليهود ودين النصارى بينهما تفاوت،27. ففي بعض الأديان الإفراط،28. وفي بعضها التفريط،29. فعندنا مثلاً،30. أن اليهود يرون الطلاق ولا يرون الرجعة،31. فمن طلق زوجته فلا رجعة له عليها،32. وأن النصارى يرون أن لا طلاق،33. فمتى عقد للمرأة على الإنسان فلا طلاق،34. ولا يحل له الطلاق،35. وجاء الإسلام فتوسط فجعل للإنسان أن يطلق متى شاء،36. وأن يراجع بعد التطليقة الأولى وبعد الثانية،37. وهكذا،38. وذلك من أجل أن الإنسان قد يستعجل في أمر يبدو له أن يتلافى ذلك بعد حين،39. ولهذا فالإسلام توسط بين هؤلاء وهؤلاء.
40. وكذلك في الأعمال نرى أن اليهود كانوا يرون أن القصاص حتم وليس هناك مجال للعفو،41. وأن النصارى يرون العفو حتما،42. وجاء الإسلام بالتخيير،43. تخيير ولي المقتول بين القصاص وبين العفو وأخذ الدية أو العفو مطلقاً،44. فصار متوسطاً،45. لا إلزام بالعفو،46. ولا إلزام بالقصاص،47. بل متوسط بينهما.
وهكذا توسطه في المُجازاة ونحوها. فالله أباح للناس المجازاة على الأعمال بمثلها في قوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين). فجعل الإنسان يباح له أن يعاقب من اعتدى عليه، كما في قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، بالمثل فقط، لا بالزيادة. ولكنه فضل الصبر بقوله: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)، ولكن دين النصارى يأمر الإنسان بأن يعفو، وأن لا ينتصر، ولا ينتقم لنفسه أبدا. ودين اليهود يحكم عليه بأن يستوفي وأن يقتص، فالإسلام جاء بهذا الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
أمثلة على وسطية أهل السنة والجماعة
بين الفرق المختلفة
*
*****وبعد أن رأينا هذه الأمثلة في الأديان السابقة نأتي إلى أمثلة من العقيدة السنية لهذه الأمة. وذلك لأن الذين دخلوا في الشريعة الإسلامية قد اختلط وامتزج بهم من ليس بمحقق في الاتباع، ودخل في العقيدة وفي الإسلام من ليس منهم وانحرفت بهم الطرق وتفرقت بهم السبل. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وسئل من تلك الواحدة فقال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وإذن فعقيدة أهل السنة والجماعة هي العقيدة السلفية وهي العقيدة السنية، وهي الشريعة المحمدية والملة الإبراهيمية التي هدى الله إليها هذه الأمة.
*****إذا نظرنا في هذه العقيدة وإذا هي وسط، لا إفراط فيها ولا تفريط. وسط في العقائد الكثيرة. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إن أهل السنة وسط في فرق هذه الأمة، كما أن الأمة وسط بين الأمم.
1. فهم وسط في باب القضاء والقدر بين المجبرة وبين القدرية. وذلك لأن هناك فرقتين رائغتين في باب القدر: إحداهما قد غلت وأفرطت وزادت. والأخرى قد فرّطت. ففرقة تقول إن الإنسان هو الذي يخلق أفعاله،2. وليس لله قدرة على هداية ولا على إضلال. وهؤلاء قد أشركوا. وفرقة جعلت العبد مقسورا ومجبوراً،3. وليست له اختيارات أبدا وعذرته بذلك. وجاء أهل السنة فتوسطوا وجعلوا له اختياراً،4. ولكن اختياره مربوط بمشيئة الله،5. (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله)،6. فهذا توسطهم في باب القدر.
7. هناك أيضاً توسطهم في باب أسماء الإيمان والدين. وذلك لأن هناك فرقتين منحرفتين،8. إحداهما قد فرّطت،9. والأخرى قد أفرطت. فمنهم المفرطون الذين يجعلون الأعمال ليست من الإيمان،10. وعندهم من صدّق بقلبه ولو لم يعمل فهو مؤمن كامل الإيمان. وآخرون كفّروا بترك الأعمال. فجاء المسلمون من أهل السنة فتوسطوا،11. فلا إفراط ولا تفريط. فجعلوا الإنسان يستحق اسم الإيمان واسم الإسلام ولو كان معه شيء من الذنوب،12. وشيء من المعاصي،13. فلم يخرجوه من الإسلام بالكلية كالخوارج وكالمعتزلة الذين يكفرون بكل ذنب. فمن أذنب أخرجوه من الإسلام،14. وخلدوه في النار،15. والعياذ بالله. ولم يكونوا كطائفة أهل الإرجاء الذين يجعلونه كامل الإيمان ويبيحون له الاستكثار من المعاصي ويعتقدون أنها لا تضر. بل لا إفراط ولا تفريط. نحن نقول: إن المعاصي لا تخرج العبد من الإيمان،16. ولكن عليه منها ضررا،17. فإنها قد تجتمع على العبد فتهلكه إلا أن يعفو الله عنه ولا يخلد في النار،18. ولكن يستحق دخولها ويعذب بقدر سيئاته إذا كان من أهل العقيدة وأهل الإسلام ولكن معه ذنب،19. فتوسط أهل الإسلام وأهل العقيدة السلفية فلم يكفروا بالذنوب كالخوارج،20. ولم يجعلوا المذنب كامل الإيمان كأهل الإرجاء. بل جعلوه مؤمنا ناقص الإيمان،21. وقالوا: هو مؤمن بإيمانه،22. فاسق بكبيرته.
23. وهناك أيضاً توسط في الصحابة،24. بل وفي غيرهم من أولياء الله. ونبدأ بالتوسط في الصحابة،25. فنقول: إن هناك طائفتين في الصحابة منحرفتين،26. إحداهما قد فرطت،27. والأخرى قد أفرطت. وأهل السنة وسط بينهما،28. لا إفراط ولا تفريط. ففي الصحابة،29. بل وفي أهل البيت خاصة فرقتان،30. فرقة تكفرهم وتستبيح دماءهم،31. ويقال لهم النواصب الذين نصبوا العداوة للصحابة وأخرجهم من الإسلام. وفرقة تغلوا فيهم وتجعل عليا هو الله،32. أو هو الرسول أو أحق بالرسالة،33. وتعبده وتعبد ذريته من بعده من دون الله. وهذه الفرقة هي الرافضة الذين يتسمون بأنهم شيعة علي،34. يعني أنصاره. وكذبوا فليسوا بشيعته،35. بل هم أعداؤه وأعداء سيرته وطريقته. وأهل السنة توسطوا لا إفراط ولا تفريط. فقالوا: إن علياً وأولاده وأهل بيته لهم حق الولاية والصحبة والإسلام والأسبقية والقرابة،36. ولكن لا نفضلهم على الخلفاء الذين قبل علي،37. ولا نغلوا فيهم أو نمدحهم بما ليس فيهم،38. بل لهم هذا الشرف والقرابة ولا يستحقون أو يوصفوا بما لا يستحقونه هم ولا غيرهم،39. سواء من حق الله أو من حق الرسول عليه الصلاة والسلام. فلم يزيدوا ويغلو كغلو الرافضة الذين جعلوا علياً إلهاً،40. حتى قال بعضهم: أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين،41. وحيدرة يعني علياً،42. وبعضهم يدعي أنه أولى بالرسالة،43. ويزعم أن جبريل عليه السلام خان الأمانة،44. وكان قد أرسل إلى علي فأوصل هذه الرسالة إلى محمد. فهؤلاء قد زادوا وغلوا. وجاء الطائفة الثانية الذين كفروا وسبوا علياً ومن معه وأخرجوهم من الإسلام فجفوا،45. وجاء أهل السنة فكانوا وسطاً يبن الغلو والجفاء،46. بين الإفراط والتفريط،47. فجعلوه صحابياً جليلاً،48. سابقاً،49. من السابقين الأولين له قرابته وله صهره ،50. وله أفضليته،51. ولكن لا نعطيه حقاً من حقوق الله،52. ولا حقاً من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم،53. ولا نغلو فيه فوق ما يستحقه هو أو غيره من حق الله.
*
وهكذا أيضاً توسطهم في الأولياء والصالحين، وذلك أن هناك، طائفتين متطرفتين في أمر الأولياء طائفة قد غلت، وطائفة قد جفت. فالطائفة الذين غلوا هم الذين يعبدون الأولياء. فالولي عندهم هو الرجل الصالح الذي قد حصل له من القرب ومن الصلاح ما جعله محبوباً عند الله وأنه ولي من أولياء الله يجري الله على يديه من خوارق العادات ما لم يجره على يدي غيره. فقالوا: هذا الولي يستحق منا أن نقدسه، فصاروا في حياته يغلون فيه، فيتمسحون به وبثيابه ويتبركون بما مسه بالنعل وبغيره، وساروا بعد موته يعكفون عند قبره، ويتمسحون بقبره، ويصلون عنده، ويعتقدون أن للصلاة عنده مزية وفضيلة، وأنه يشفع لهم في تكفير سيئاتهم وفي قبول صلواتهم وفي مضاعفة حسناتهم فيعملون عند قبره من الأعمال ما لا يصلح أن تكون إلا لله وحده. فهؤلاء قد غلوا وتجاوزوا حدهم وطورهم.
*****والطائفة الثانية هم الذين لا يرون لعباد الله الصالحين قدرا، ولا يقيمون لهم وزنا، فلا يحبونهم، ولا يتبعونهم، ولا يقتدون بهم، ولا يتبعون سيرتهم، ويحقرون شأنهم، ويحتقرونهم في أعمالهم، ويعتقدون أنهم -كما يعبرون- أهل تشدد أو أهل جمود، أو أهل رجعية أو تقهقر، أو ما أشبه ذلك من عباراتهم السيئة، فهؤلاء قد فرطوا، وأولئك قد أفرطوا وزادوا، فجاء أهل السنة فتوسطوا في باب أمر أولياء الله تعالى، فقالوا: نحن نحبهم، لأن الله تعالى يحبهم، بل ونحب كل من يحبه الله من الصالحين والمؤمنين والأتقياء، ولكن محبتنا لهم لا تصل إلى أن نتمسح بتربتهم، ولا تصل المحبة إلى أن نصرف لهم شيئاً من حق الله، أو أن نذبح لهم أو أن نطوف بأضرحتهم، أو ندعوهم مع الله أو دون الله. بل محبتنا لهم تستدعي أن نبحث عن سيرتهم وسنتهم فنعمل بها، حتى نكون مثلهم، فإذا رأينا أنهم يتهجدون بالليل تهجدنا، وإذا ذُكِرَ لنا أنهم يكثرون من القراءة والخشوع أكثرنا من ذلك، وإذا كان من سيرتهم أنهم يدعون الله ويرغبون إليه دعونا الله كذلك، وإذا كانوا يذكرون الله على كل حال ذكرنا الله كذلك، حتى نكون أولياء كما كانوا أولياء، فإنهم بشر كما نحن بشر، فكيف نسمح لأنفسنا أن نكون دونهم، بل نحبهم وتحملنا محبتهم على أن نعمل بعملهم، وأن نصلح من أعمالنا ما أصلحوه، فكلهم نحبهم وتحملنا محبتهم على أن نقتدي بأفعالهم. فإذا كنا كذلك فإننا متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء، لا إفراط ولا تفريط. فهكذا جاء دين الإسلام فالذين غلوا وزادوا وقعوا في الشرك، وذلك لأنهم عظموا هؤلاء المحبوبين، وجعلوا لهم شيئاً من حق الله أو صرفوا لهم ما لا يصلح إلا لله. فإن التعظيم عبادة والعبادة لله وحده، لأن العبادة هي التذلل، فإذا كانوا يتذللون عند تلك الأضرحة ويخضعون ويخشعون، فذلك عبادة. وإذا كانوا يذبحون لها وينذرون فذلك تعظيم وعبادة، وإذا كانوا يدعونهم ويهتفون بأسمائهم فإن الدعاء مخ العبادة. وإذا كانوا يتمسحون ويطوفون بقبورهم ويطيلون الإقامة فإن ذلك تعظيم وذلك حقيقة العبادة. فهؤلاء: الذين غلوا قد أصبحوا بغلوهم مشركين حيث أشركوهم مع الله، مع أنهم لا يرضون أن يشرك بهم. فالمسيح عليه السلام بريء من شرك من أشرك به، وهكذا كل من عبد من دون الله، وهو لا يرضى بريء من شرك من أشرك به، وفي يوم القيامة لا بد أن يتبرؤوا منهم، ويقولون: نحن برآء من أفعالهم، كما قال تعالى عن الملائكة: (ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون؟ قالوا سبحانك، أنت ولينا من دونهم، بل كانوا يعبدون الجن، أكثرهم بهم مؤمنون). فأخبروا بأنهم -ولو كانوا عبدوا الملائكة - ما رضوا بذلك منهم ولا أحبوا ذلك. وإنما الشياطين *والجن هي التي سولت لهم وزينت لهم أن يعظموهم وأن يعبدوهم وأن يؤمنوا بهم. وإلا فأنبياء الله ورسله وأولياؤه والصالحون من عباده بريئون من شرك من أشركهم مع الله سبحانه وتعالى.
*****وبالجملة فإن المسلمين أهل العقيدة السلفية قد توسطوا في أولياء الله فأحبوهم محبة قلبية، وحملتهم محبتهم على أن تتبعوا أخبارهم ودونوا سيرتهم ونظروا في الأشياء التي كانوا يعملونها، فعرفوا أنهم ما صاروا صالحين إلا بسبب زهدهم في الحرام وبعدهم عنه، وتقربهم إلى الله بأنواع القربات، فقالوا: هذا هو سبب صلاحهم فلماذا لا نفعل كفعلهم حتى نكون مثلهم؟ حتى نصلح كما صلحوا، حتى نكون أولياء الله كما كانوا أولياء الله يحبهم الله تعالى ويوفقهم ويعينهم، فنفعل الأفعال التي أحبهم الله من أجلها حتى يحبنا كما أحبهم، وحتى يعيننا كما أعانهم ويهدينا كما هداهم. هذه عقيدة السنة.
أمثلة من الوسط في الأعمال والعبادات
*
*****هذا كله فيما يتعلق بالعقيدة وبعد ذلك لا بد أن نذكر أمثلة من الأعمال. وذلك لأن هناك أيضاً أعمالاً من الشريعة الإسلامية جاء الإسلام فيها بطريقة حسنة فأدخل الشيطان على بعض الناس الغلو والإفراط والزيادة، وأدخل على بعضهم التقصير والتفريط والنقصان. وذلك كله وسوسة من الشيطان وتسويل لهم، حتى لا يفعلوا الدين كما جاء.
1. ونبدأ بمبادئ العبادة. فنبدأ مثلاً بالطهارة. فإن الطهارة عبادة شرعية،2. أمر الله بها ولكن يفعلها عباد الله فعلا متوسطاً،3. لا إفراط ولا تفريط. وهناك طائفتان في الطهارة متطرفتان،4. إحداهما قد غلت،5. والأخرى قد جفت. فالذين غلوا هم الذين زادوا في الطهارة ما ليس منها وتشددوا فيها تشددا زائدا،6. حتى زهدوا فيما نقل لهم من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته،7. ومن كيفية تطهره ووضوئه واغتساله وغير ذلك،8. واعتقدوا أن ذلك لا يطهر فزادوا وغلوا. فجاء الإسلام بالأمر الوسط. لا إفراط هؤلاء الذين غلوا في الطهارة،9. ولا جفاء أولئك الذين لا يبالغون ولا يسبغون الطهارة ولا يتمونها. كلا الطائفتين منحرفتان. الطائفة الذين غلوا ترى أحدهم يتوضأ بصاع أو بصاعين،10. وترى أحدهم يغسل وجهه خمسا أو عشرا ويرى أنه ما طهر،11. ويغسل يديه مرارا قد تتجاوز العشر. وكذلك الاغتسال،12. ربما يغتسل نصف ساعة،13. وربما ساعة،14. وربما ساعتين،15. كما حدثني بعضهم أنه يقيم في مزاولة الاغتسال ساعتين. وكذلك في الوضوء مدة طويلة.
16. وهكذا أيضا في باب النجاسة،17. في باب إزالة النجاسة،18. فترى أحدهم إذا وقعت عليه نجاسة لا يكتفي بغسلها مرتين أو ثلاثا مع زوالها،19. بل ربما غسلها عشرا،20. أو أكثر من عشر وربما حك جلده حتى يخرج الدم.
*****وهكذا في باب الاستنجاء الذي هو غسل أثر البول والغائط، وأكثر ما قيل إنه يغسل سبع مرات وفي حديث ضعيف مذكور في شرح الزركشي عن ابن عمر: أمرنا بغسل الأنجاس سبعا. ولكن تجد أحدهم يغسله عشرات المرات، ويصب على فرجه عددا من الغرفات وكل ذلك من الغلو والزيادة التي ما أنزل الله بها من سلطان. ولا شك أيضاً *أنها وسوسة من الشيطان ليمل العبد من العبادة. وذلك لأنه متى دام على هذا التطهر الشديد برهة من الزمان، كسنة أو سنتين، مل وضجر واستثقل العبادة، وربما ترك الصلاة لاستثقال الطهارة، كما حدثني أناس وقع بهم ذلك الفعل أنهم لما كان أحدهم لا يتوضأ إلا في ساعتين قال: كيف أصلي هذه الصلوات، فصار يجمع الصلوات الخمس في وضوء واحد، يتوضأ بعد صلاة العشاء فيصلي الصوات الخمس فيكون قد أفرط حيث ترك الصلوات في مواقيتها، لان الشيطان قد ثقّل عليه هذه الطهارة التي لا تستغرق إلا خمس دقائق، أو نحوها، ثقلها عليه حتى يضيع العبادة عليه.
*****وكذلك في باب إزالة النجاسة، فقد يوسوس إليه الشيطان أنه انتقض وضوؤه في الصلاة حتى يقطع الصلاة، أو أن في ثوبه نجاسة ولو قليلا، حتى يترك الصلاة، وحتى يمل منها. وكثير تركوا الصلاة لأجل هذه الوسوسة، لما أن الشيطان ثقل عليهم الطهارة صارت الصلاة ثقيلة عليهم، وشاقة أيما مشقة، فعند ذلك يتركون الصلاة من أجل هذه المشقة. ولو رجع إلى تعاليم الإسلام وإلى ما شرعه لعلم أن هذا ليس من الدين في شيء وأن الإسلام جاء بالسهولة وباليسر، وبالسماحة، وبالبعد عن كل المشقات وكل الصعوبات.
*****وأما الذين فرّطوا فإنهم أيضا كثير. وسبب تفريطهم أيضاً وسوسة من الشيطان حتى يبطل بذلك عملهم، فترى أحدهم إذا غسل وجهه لا يبالغ ولا يسبغ الوضوء فيبقى في وجهه أشياء لم يأت عليها ماء، وإذا غسل يديه أو رجليه غسل بسرعة ومسح مسحا، ولا يبالي، فكثيرا ما يبقى في بدنه بقع، في رجليه، وفي عقبيه، لا يسبغ ذلك ولا يتعاهد. فهؤلاء ممن فرطوا وجفوا وقصروا في باب الطهارة، وكثيراً ما ننصح هؤلاء أن يسبغوا الوضوء ويتعاهدوه، حيث إن الشرع قد ورد بالأمر بالإسباغ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لما عدد الخصال التي يرفع الله بها الدرجات ويمحو بها الخطايا قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط" رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة. وهكذا أيضاً حثنا أن نتعاهد ما قد *ينبو عنه الماء من الجسد ومن القدمين خاصة، في قوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للأعقاب من النار". وفي رواية "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" متفق عليه. فالذين يغسلون غسلا خفيفا ولا يتعاهدون أقدامهم كثيراً ما يكون في مؤخر أقدامهم بقعة لم يمسها الماء، فتبطل بذلك الطهارة. فهؤلاء مفرطون، حيث إنهم نقصوا في الطهارة. أولئك زادوا وغلوا وتجاوزوا، وهؤلاء نقصو وقصروا. ودين الإسلام جاء بالوسط، وهو أن الإنسان يتوضأ وضوءا مسبغا فيكتفي بغسلة واحدة مسبغة كافية للعضو، وإذا زاد غسلة ثانية فهي أفضل، وإذا زاد غسلة ثالثة فهي أفضل منهما. ولا يجوز الزيادة على الثلاث. بل الزيادة على الثلاث تعتبر إسرافا وإفساداً وغلوا، فكيف بالذين يغسلون العشرات، هذا هو التوسط في هذا الباب.
*****وهكذا نقول في الغسل فإن الاغتسال أيضاً طهارة شرعية أمر الله الإنسان بعد الجنابة أو نحوها أن يغتسل، كما في قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل، حتى تغتسلوا)، وقوله: (وإن كنتم جنبا فاطهروا). فالاغتسال هو تعميم البدن بالماء أي غسل البدن كله بالماء، وفيه أيضاً إفراط وتفريط. وفيه غلو وجفاء على حد ما ذكرنا في الوضوء. فإن هناك من يقيم في الاغتسال ساعة أو أكثر. وربما دلك جسده وبالغ في دلكه، حتى أخبرني بعضهم أنه يدلك جسده ويحكه بأظفاره، ويعتقد أن الماء يزل عليه ولا يتبلغه، حتى يخرج الدم من حكه بأظفاره ومبالغته في حك جسده، وهذا بلا شك غلو وإفراط وزيادة ما أنزل الله بها من سلطان. ولا شك أن الشيطان هدفه وقصده أن يمله من هذه العبادة، حتى يضجر ويتركها.
*
وهكذا الذين يكتفون بالمسح، إذا اغتسل أحدهم لا يدلك جسده، بل يمر الماء عليه، ولا يبالي، وهذا أيضاً عليه خلل. وقد عرفنا أن السبب الموقع في هذا هو الشيطان الرجيم الذي هو عدو الإنسان والحريص على أن يبطل عليه أعماله كما يبطل عقيدته، فالشيطان يرى أو يشم قلب الإنسان، فإن رأى تصلباً، ورأى فيه تشددا جاءه من باب الزيادة، وقال له: أنت لا يكفيك مثل ما يكفي غيرك، بل عليك أن تزيد وتبالغ، فإذا توضأ الناس بالمد، فلا تكتف به، بل توضأ بالصاع، أو الآصع، وإذا غسل الناس أيديهم ثلاثا فلا تكتف بسبع ولا بعشر، بل زد عليهم حتى تكون أكثر، ويزين له أن الأجر على قدر النصب وأنه كلما كثر العمل كان الأجر عليه أضعافا مضاعفة. وهذا وسوسة من الشيطان. فالاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وبسنته هو الواجب علينا، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما زاد على ذلك هو محدث، وشر الأمور محدثاتها.
*****فالذي لا يقنعه ما قنع به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد يعتقد أن الدين الإسلامي ناقص، وأن الرسول ما بلغ البلاغ المبين، وأنه قصر في التعليم، حيث اقتصر على بعض الشرائع، أو على بعض الطهارة أو نحوها. وإذا اعتقد هذا الاعتقاد السيئ وقع -والعياذ بالله- في الانحراف وفي الضلال، فإن اتهام النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحد من الأنبياء بإخفاء شيء من الرسالة، أو بالنقص والتغيير في شيء من أمر الشريعة اعتقاد باطل وضال ومضل يوقع في الخروج -والعياذ باله- من دائرة الإسلام.
3. *وقد أوقع الشيطان أيضاً كثيراً من الناس في الوسوسة في الأعمال الأخرى سواء كانت أفعالاً أو طرقاً،4. فمن ذلك مثلاً الوسوسة في النية في الصلاة فإن الشيطان يغالي عند بعضهم فيقول إنك ما نويت،5. أو أنت نيتك ليست سليمة أو صحيحة،6. أو أنت ما استحضرت النية،7. فلا يزال يوسوس له بأنه ما أتى بالنية المشترطة للعبادة من طهارة أو من صلاة حتى تفوت عليه الأوقات فتنقص عبادته،8. أو تفوته الصلاة أو تفوته فضيلة الوقت. وهذا بلا شك زيادة على ما حده الله تعالى.
*****وهناك من لا يبالي فيصلي أو يتوضأ بدون قصد صالح، وبدون نية حسنة، ويعتبر هذا أيضاً مقصرا ومخلا بعمل من الأعمال المطلوبة. والوسط في ذلك هو أن ينوي الإنسان بقلبه الطهارة أو الدخول في الصلاة أو نحو ذلك فإذا فعل ذلك فإنه قد نوى، واعتبرت نيته صالحة كافية.
4. ومما أوقع الشيطان فيه كثيرا من الناس الغلو في القراءة في الصلاة. وأوقع أخرين في الجفاء،5. فأفرط في القراءة ناس،6. وفرط في ذلك أناس أخرون. وكذلك في الأذكار وغيرها. فهناك أنا وسوس لهم الشيطان بأنكم لا تحققون القراءة والحروف إلا إذا نطقتم بها على هذا الكيفية،7. فإذا لم تفعلوا فقد اختلت قراءتكم واختلت أذكاركم وما إلى ذلك. فقد ذكروا أن بعضا منهم يتكلف في النطق بالقراءة حتى إذا أراد أن ينطق بالضاد ونحوها أخرج بصاقه من شدة تكلفه وتشدده،8. عندما يقول: ولا الضالين،9. أو المغضوب،10. يكلف نفسه حتى يخرج لعابه وبصاقه من شدة تكلفه. ولا شك أن هذا ما أنزل الله به من سلطان. وهكذا أيضاً تكلفهم في النطق بالتكبير ونحو ذلك. حتى ربما يخرج الكلمة عن وضعها وما وضعت عليه،11. فيكرر الكاف ويشددها. فيقول: (الله أكبّر)،12. وما أشبه ذلك. وعند قراءة التشهد والتحيات يشدد التاء فيقول: الت الت التحيات،13. أو نحو ذلك،14. حتى تخرج الكلمة من وضعها وماهيتها التي وضعت عليها. ولا شك أن هذا تغيير الكلام عن وضعه وعن ماهيته وعما هو عليه.
*****ولا شك أن الذين يفْرطون في ذلك أيضاً يقصرون. وذلك أن هناك من لا يأتون بالتكبير كما ينبغي فيأتي أحدهم بالكلمة دون أن يحقق حروفها، وكذلك في القراءة، دون أن يحقق حروفها وتشديدها. أما الدين الوسط فهو التوسط في القراءة والتكبير وفي التشهد، وفي سائر أركان الصلاة، لا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا تقصير. وهو أن تأتي بالقراءة بحروف بارزة ظاهرة يقرؤها اللسان دون تكلف في التشديد، ودون تكلف في المدّ، ودون تقعر وتشدق في تكلف الفصاحة، ودون تساهل في إتمام كثير من الحروف البارزة أو عجلة أو سرعة يختفي معها كثير من الحروف التي حقها الإبراز. بل لا إفراط ولا تفريط. فإذا قرأها قراءة مفهومة مسموعة حروفها ظاهرُ شَدُّها ومَدُّها على ما ينبغي كان ذلك متوسطا لا إلى الجفاء ولا إلى الغلو الذي قد يمل من العبادة ويوقع في تغيير الكلم وتحريفه عن وضعه.
5. وهكذا أيضاً في العبادات. فالصلاة مثلا إذا نظرنا إلى بعض الأئمة الذين قد يزيدون في الصلاة ويطيلونها إطالة في الأفعال،6. قد تكون مملة في الأفعال أو في القراءة أو ما أشبه ذلك. فيملون ويضجرون من معهم من المأمومين،7. ويستثقلون صلاتهم وينفرون منهم. فهؤلاء في طرف،8. هؤلاء أهل إفراط وغلو وزيادة. وهناك طرف ثان يقصرون ويخلون،9. وينقرون الصلاة نقراً،10. ولا يطمئنون في حركاتهم ولا في أفعالها كما ينبغي،11. فلا تنعقد صلاتهم ولا تكون مجزئة فيكونون سببا في إبطال صلاة من صلى معهم،12. ولو كثر الذين يرغبون الصلاة معهم. فهؤلاء في طرف وهؤلاء في طرف،13. ودين الله وسط،14. والصلاة المعتدلة متوسطة بين هؤلاء وهؤلاء. فالإمام يراعي حال المأمومين،15. فلا يطيل إطالة تملهم وتضجرهم،16. ولا يخفف تخفيفاً يخل بالعبادة فلا يأتي بأركانها ولا بواجباتها المطلوبة،17. ولا يطمئن فيها الطمأنينة الشرعية. بل الواجب أن يحرص على الاقتداء بالصلاة النبوية في القراءة وفي الأذكار وغيرها. وبذلك يكون متوسطاً بين الغالي والجافي. فهذا مما انقسم فيه الناس فصار أكثرهم في طرفي نقيض،18. وتوسط دين الحق بين ذينك الطرفين.
وهكذا لو تتبعنا كثيراً من الأعمال لوجدناها كذلك. لوجدنا مثلاً أن كثيراً من الناس قد يشقون على أنفسهم ويضجرونها في تحمل كثير من التطوعات التي بها يحرمون الأنفس لذاتها وراحتها التي أبيحت لها وآخرون يقصرون فلا يأتون بشيء منها أصلاً. ودين الله وسط بين ذلك.
مثال واقعي
*
*****فنذكر من ذلك قصة عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه التي في الصحيح فإنه كان في أول شبابه كثير العبادة، فشق على نفسه، فكان يصوم الشهر كله، فيصوم الدهر، وكان يصلي الليل كله، ويختم القرآن في كل ليلة، في تهجده، وهذا فيه غلو، ومشقة وفيه تعب، يؤدي إلى أنه يفوت عليه حقوقاً واجبة. فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا غلو، وقال: إن لنفسك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لربك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه. وهذا لا شك أنه زيادة تُمِل الإنسان من العبادة وتضجره وهناك آخرون لا يعرفون مثل هذه العبادات ولو كانت نوافل. فلا يصلي أحدهم نافلة أصلا، ولا يصوم إلا ما فرض عليه، ولا يأتي بشيء من النوافل، ولا يتقرب بشيء من القربات، وكأنه غافل أو مستغن عن هذه العبادات ونحوها. فلا شك أن هذا في طرف، وذاك في طرف، فالذي كلف نفسه مشقة متطرف شديد التطرف. والذي تساهل في العبادات ولم يأت بشيء من العبادات المسنونة، ولم يتقرب بشيء من نوافلها، أيضاً متطرف غاية التطرف. ودين الإسلام وسط، وهو أن تتقرب إلى الله بقربات لا تكلف بها نفسك ولا تضرها بها ولا تحرمها من حقها، ومن الحقوق الواجبة عليك، وما أشبه ذلك. ولا تنس عبادة الله، ولا تشتغل بالملذات والشهوات عن حق الله، ولا تعط نفسك كل ما تشتهيه من لذة ونوم وشهوة بطن وشهوة فرج، كمأكل ومشرب وملبس، ونحو ذلك، فهذا أيضاً إفراط وتفريط.
التوسط في أمور العادات
*
أولاً:-
*****لك أن تقيس أيها الأخ ذلك في كل شيء، حتى في الأمور العادية، كأمور المأكل والمشرب والملبس وما أشبه ذلك. فإن الإسلام جاء فيها بالوسط. فمثلاً اللباس الذي هو زينة للناس أنزله الله وامتن به على عباده بقوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشا). وهذا اللباس انقسم فيه الناس ثلاثة أقسام: طرفان ووسط. فتجد الطرف الأول وهم أهل البذخ والإفساد والإسراف قد يكون لباس أحدهم يتكلف بمئات. أو يبلغ الألف أو الألوف من ذكر أو أنثى، وهذا بلا شك إفساد وإسراف، وتبذير للمال في غير حق، ويعتبر إفراطاً وغلوا وزيادة، ولو أنه اقتصد واستعمل ما يكفيه وتصدق بهذا الزائد أو أنفقه في وجه من وجوه الخير لكان خيرا له. بينما هناك طرف آخر قد أنعم الله عليه ورزقه. ولكنه قَصَّر على نفسه. روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عليه ثياب وسخة، أي بذلة وهوان، فسأله: أليس قد رزقك الله مالاً؟ فقال: بلى. قال: من أي أنواع المال؟ قال: من كل أنواع المال، من الإبل والبقر والغنم والخيل والرقيق. فقال فإذا آتاك الله مالا فلير نعمة الله عليك وكرامته رواه أحمد والنسائي عن أبي الأحوص عن أبيه وسنده صحيح. فكون الإنسان واجدا، وكون الإنسان غنيا ومع ذلك يقصر على نفسه، فيقتصر على ثياب دنسة وسخة متمزقة، قد تبدو منها عورته، يعتبر ذلك تقصيرا وإخلالا. وخير الأمور أوسطها. وهو أن لا يسرف الإنسان في اللباس وأن لا يقصر في اللباس. بل الوسط بين ذلك، لا إفراط ولا تفريط.
*
ثانياً:-
*****ونقول مثل ذلك أيضاً في المآكل. فتجد كثيراً من الناس يسرفون في الطعام، فيحشدون عند الطعام أصنافاً وأنواعاً من الأطعمة وكلها تذهب ولا تؤكل أو لا يؤكل منها إلا نزر قليل. وآخرين عندهم أموال، ولكن يدفعهم البخل والشح على أن يقصروا على أنفسهم وعلى أولادهم فيبيتون جياعاً، أو لا يأكلون إلا الدنيء الرخيص من الطعام ويحرم أحدهم أهله التلذذ بما أبيح من المأكول والفواكه والأطعمة المتوفرة بخلا وشحا، والأموال عندهم يكدسونها، والوسط الخيار. الدين وسط بين هذا وذاك لا إسراف ولا تقتير، كما في قوله تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).
*
ثالثاً:-
*****وهكذا في الإقبال على الدنيا انقسموا إلى ثلاث طوائف، فقسم أكبوا على الدنيا وعظموا شأنها وركنوا إليها وأحبوها، وجعلوا دنياهم أكبر همهم ومبلغ علمهم وشغلوا بها أوقاتهم كلها وغلوا في حبها والتعلق بها وكأنهم قد نسوا الآخرة، بينما هناك آخرون قد زهدوا فيها وانقطعوا عن الاشتغال بأمر هذه الحياة، ولكن زهادتهم أوقعتهم في أنهم تركوا مصالح أنفسهم وانعزلوا عن الناس وعما الناس فيها وأضاعوا من تحت أيديهم، فلم يكتسبوا ما يغنون به أنفسهم وأضاعوا أولادهم دون أن يعطوهم ويكسوهم أو يرزقوهم، وما أشبه ذلك. فهؤلاء أيضا مخلون مقصرون. والأمر وسط بين ذلك. وهو أن الإنسان يطلب من الدنيا الكفاف والقوت، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا" أي لا إفراط ولا تفريط. فلا ينقطع عن الدنيا انقطاعاً كلياً بحيث يضيع نفسه، ويعرض نفسه للحاجة والتكفف وسؤال الناس، ويعرض أهله للجوع والضنك وضيق المعيشة. ولا يجعل همه كله مكباً على الدنيا صارفا فيها هواه وأوقاته وحياته وناسيا آخرته وناسياً الأعمال التي تقربه إلى الله. لا هذا ولا ذاك. بل يشتغل لدنياه بقدر. ويشتغل لآخرته بقدر. ولا يبالغ في محبة الدنيا، المحبة التي تنسيه الآخرة، ولا يبالغ في التقصير فيها، التقصير الذي ينسيه حظ نفسه الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن لنفسه حقا. فهذا أيضاً مثلٌ للغلو والجفاء، والإفراط والتفريط.
*
رابعاً:-
*****ومن الأمثلة من هذا القبيل في كثر من المعاملات أن كثيراً من الناس يتعاملون ويتوسعون في بعض المعاملات لا يبالي أحدهم بأية معاملة، سواء كان غشا، أم ربا، أم زيادة على غيره ما أنزل الله بها من سلطان، فمثل هؤلاء قد زادوا وتوسعوا في بعض المعاملات، فأفرطوا وتوسعوا بحيث يظن أنهم لا يعتقدون أن هناك معاملة حراماً، فعندهم الغش، والزيادة على المسلم وإيقاعه فيما يكتسبون من ورائه مالاً كل ذلك جائز ومباح لهم، يبيحون لأنفسهم ما لم يبح لهم الشرع، بينما هناك من تشدد في باب المعاملات فامتنعوا عن أشياء أباحها الله، فامتنعوا عن البيع الذي أباحه الله، وامتنعوا عن الإجارة التي أباحها الله وامتنعوا عن التكسب والعمل الذي أباحه الله، واعتقدوا أن ذلك ممنوع، فوقعوا في التقصير والنقص، وأولئك وقعوا في الزيادة والغلو، والإفراط، وخير الأمور أوسطها، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
الخاتمة
*
*****وبالجملة نعرف أن السبب الذي أوقع هؤلاء وأولئك في الإفراط والتفريط كما ذكرنا وكررنا هو الشيطان ووسوسته يخرج هؤلاء وهؤلاء من العبادة، وحتى يملهم ويصرفهم عن كثير من العبادات ويثقلها عليهم، ويثقل عليهم المكاسب ونحوها. ويوقع هؤلاء في المحرمات، أو في المشتبهات التي تجر إلى المحرمات، فيحصل أنه أضل خلقاً كثيراً ليصدق على الناس ظنه، كما قال الله تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين).
*****نسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق الذي هو دين الحق، والذي اختاره الله للأمة ديناً حقاً. نسأل الله سبحانه أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل. ونسأله أن يعيذنا من نزغات الشيطان وأوهامه ووساوسه، وأن يجعلنا ممن أنار قلوبهم بطاعته *وبصرهم بالحق ودلهم عليه ورزقهم الهدى والاستقامة والسلوك إلى الصراط السوي الذي يؤدي بهم إلى النجاة في الآخرة، والله تعالى أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
*










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاستغفار, الكتروني, رائع, عجائب, كتاب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:33

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc