#سلفية_و_إخوانية .
لي صديقةٌ خلوقة جدّا، حسًاسة إلى حدّ أنّ نظرة صارمة يمكن أن تُبكيها يوما بطوله، كثيرة الصلاة، تجتهد لحفظ كتاب الله، وتقول لنا من حين لحين_نحن شلّة الصّديقات_: كم أشتاقهم؛ ربي وجبريل ورسول الله ..
تغرورق عيناها بالدّمع، ونصمت نحن أمام هذه الأشواق السماوية ..
ذات يوم تقدّم شابّ لخطبتها، وافقت لما بلغها عن استقامته، وكان متحمّسا جدّا لكنّ حماسه انطفأ بعد أول لقاء بينهما في بيت أهلها، قال لهم: سأستخير مرة أخرى وأتّصل بكم .
وجاءت إلينا تخفي جرح كبريائها، قالت: أعتقد أنني لم أعجبه ..
عائشة، صديقتنا السّلفية، سألتها: هل استفاض معك في الحديث ؟
قالت: نعم، سأل كثيرا واستفاض في الحديث عن نفسه .
قالت عاىشة: إذن ليست مسألة إعجاب، أظنه سمع منك شيئا لم يسرّه، أخبرينا بحديثكما .
وأخبرتنا بكلّ الذي دار بينهما، قالت: في النّهاية سألني عن المشايخ الذين أقرأ لهم، هذا هو السؤال الذي حيرني؛ لم أفهم غرضه منه .
سألتُها: كيف أجبت ؟
قالت: أخبرته أنني أقرأ كثيرا للشيخ القرضاوي، وأستمع محاضرات محمد حسان غالبا .
قلت لها: يُحبّذ أن تنسي قصّة هذا الخاطب، لا أظنّه سيعود؛ هو سلفيّ وحين ذكرت الشيخ القرضاوي ظنّ أنّك من الإخوان، وبين السّلفية والإخوان قصّة تخبرك بها عائشة ..
ابتسمت عائشة بينما سألتها أسماء بذهول: هل تحرّمون الزواج من الإخوان ؟
قالت: كلاّ، أحلّ الله الزواج بالكتابية فكيف نحرمه من الإخوان ؟ لكن بيننا صدام في الكثير من القضايا .. والشابّ ظنّك منهم فابتعد؛ إنها مسألة قناعات ..
سألت أسماء ببراءة: لكن من هم الإخوان ؟
ضحكنا كثيرا، وشرحنا لها ما نعرفه ..
وصدق ظنّنا إذ لم يعد ذلك الشاب بعدها، وجرحها ذلك جرحا بالغا، إذ شعرت أنه رفضٌ لشخصها ..
قالت لي ذات مساء ونحن جالسات في غرفتنا: قرّرتُ أن أكون إخوانية، لقد انضممت إلى فرع طلاّبي تابع للإخوان .
ضحكت عائشة: إذن لقد أصاب الشاب حين ابتعد عنك، هداه الله ببصيرته إلى المصير الذي ستنتهين إليه !
وانفجرت أسماء: أنتم فقط أصحاب بصائر كأن الله قد خصّكم بالهدى، الحقيقة أن الإنجاز الوحيد الذي حقّقتموه هو تفريق المسلمين وتمزيق الأمة .
غضبت عائشة: هذا ما علّموك إياه في أول جلسة إخوانية ؟ كل المصائب التي لحقت بالبشرية منذ فجر التاريخ سببها السلفية ! لو شاء الله للشمس أن تنطفىء غدا لوضعتم ذلك على عواتقنا .
_ وأنتم لو انفجرت المجرة لقلتم الإخوان فجّروها لأنهم إرهابين ومجرمين ومخربين !
كنت أنظر إليهما ولا أستوعب المشهد؛ كانتا كعدوّتين عتيقتين، قلت: أنت وهي.. تصارعا بكل سلاح كيفما تشاءان، لكن لوجه الله لا تصلا لمرحلة شدّ الشعر؛ فأنا لا أريد مغادرة سريري .
ضحكت عائشة في غضب: ألم تسمعي تلك التفاهات التي قالتها ؟
_بلى، سمعت تفاهاتكما معا ..
فرقة المسلمين اليوم واقع موجود، ومن يحاول أن يجمعهم على طريقة واحدة في كل شيء فإنه يحاول مستحيلا، والخلاف بين هذه الفرق في مجمله ليس واقعا في الأصول والكليات بل في الفروع والجزئيّات، وهذه لا يمكن أن يُحمل الناس فيها على طريقة واحدة لتفاوت المدارك والأفهام، وليس خطأ من هذه الفرق أن تختلف بل الخطأ منها أن يرفع أتباعها شعار؛ إن لم تكن في فرقتي فأنت عدوّي، فيتناسون جميعا العمل للنهوض بالأمة ويعملون على إسقاط بعضهم بعضا، فلا يبحث أتباع فرقة ما في اجتهاد فرقة أخرى إلا لتصيّد الأخطاء وتعقّب العثرات، فإذا أخطأ أحد رجالاتها سُحب الخطأ على تاريخ الحركة كلها وحُكم عليها بالفشل .
وهذا يناقض خلق المسلم الذي أمره ربّه أن يكون عادلا حتى مع الأعداء، الأصل أن تعمل كلّ فرقة بما تعتقده وتستطيعه، وحين يقع الخطأ الكبير الذي يضرّ الدين والأمة يتصدّى لها أولوا العلم والرّأي من الفرق الأخرى بالنصح والحجّة القاطعة، لا أن يستثار الأتباع وتبدأ معارك الاتهامات والشتائم ..
أنت يا عائشة كنت تقرئين كثيرا للشيخ القرضاوي ثم توقفت فجأة، لأنك عرفت أنه من الإخوان ! وأنت يا أسماء الأسبوع الماضي فقط ما كنت تعرفين معنى كلمة إخوان، اليوم تتحدّثين كأنك إخوانية مخضرمة !
للأسف أنتما نموذج مثاليّ لآلاف النسخ في الفرقتين معا .. وهذا هو الذي يفرّق الأمة حقا .
نسرين المشاكسة التي لا تهتمّ بهذه المواضيع إطلاقا، قذفتني بقارورة: اخرسي ودعيني أنام، وابحثي لموهبتك الإصلاحية عن مكان آخر ..
قذفتُ عائشة: كلّه بسببك..، بدورها قذفت أسماء: لا تحقدي علينا والله نحن السلفيين طيبون ومسالمون، وأنا سأخبر الشاب أنه أخطأ التقدير وأنك لست إخوانية .
بكلّ قوتها، قذفت أسماء القارورة على الجدار: أنا إخوانية، خذيه أنت لأنني سأموت شنقا ولن أتزوج سلفيا ..
.
الطّريف في القصّة؛ أنها اليوم مخطوبة لشابّ سلفيّ حتّى النّخاع، وبينهما كثير من محبّة وانسجام.. يقول لها ضاحكا: هه، متى ستحرّرون القدس يا إخواننا فقد طال بنا الانتظار ؟
تردّ عليه: يوم تتوقّفون عن الدّعاء للحكّام الخائنين بأن يحفظهم الله وتدعون لنا بالنّصر .
منقووووول
#من_الذاكرة.
#ورق_الجنة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
2018-01-28, 07:42
سلفية واخوانية (بقلم ورق الجنة)
العرض العادي
