عز المؤمن استغناؤه عن الناس
هل أنت مستغنٍ بالله أم أنت مستغنٍ عن الله؟
هل أنت مستغنٍ بالناس أم مستغنٍ عن الناس ؟
إن أعظم أسباب العزة في الدنيا الاستغناء عن الناس، فلا يزال الإنسان عزيزا محفوظ القدر إذا كان مستغنيا عن الناس، لا يحتاج إليهم، ومتى ما سأل الناس لنفسه وأكثر من مسألتهم وطلب إعانتهم - هان عليهم، وقلَّ قدرُه عندهم؛ وشعر هو بجميل معروفهم عليه؛ فكان أسيرا لهذا الإحسان؛ فالمعروف عبودية..
ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الاستغناء عن الناس، وعدم طلب الحوائج من الناس، فكان يبايع بعض أصحابه على الاستغناء عن الناس؛ فعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة؛ فقال: ألا تبايعون رسول الله؟ وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا - وأَسَرَّ كلمةً خفية - ولا تسألوا الناس شيئا. فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه؛ رواه مسلم (1043).
فلنستغن عن الناس في حوائجنا، فما نستطيع القيام به قمنا به بأنفسنا، وما لا نستطيع أن نقوم به إن كان لنا مندوحة في تركه تركناه، وإن كان مما لابد منه طلبنا الإعانة من إخواننا وأقاربنا.
ومن أعظم الاستغناء عن الناس: استغناء من قدر عليه رزقه فيستعفف ولا يطلب المال من الناس، فيصبر على الضائقة، ويمتنع عن بعض الكماليات حتى يوسع الله عليه، فمن أنزل حوائجه بالله وصبر وتعفف أعانه الله ويسَّر أمره، ومن يتوكل على الله فهو حسبه؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ؛ فَقَالَ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ) متفق عليه
وقد أثنى الله على طائفة من المسلمين لتعففهم وتركهم المسألة بقوله تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ (273) سورة البقرة.
ومما يندب الاستغناء عنه الاستغناء عن الزوجة والأولاد أحيانا فيقوم الأب والزوج ببعض حوائجه بنفسه ولا يطلب ذلك من أولاده في كل صغيرة وكبيرة فهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم بل كان صلى الله عليه وسلم يقوم أحيانا بحاجة أهله فعن عائشة قالت :"كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في مِهْنَةِ أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة" رواه البخاري.
ولابد أن نفرق بين أمرين:
الأول سؤال الناس وطلب مساعدتهم بمال أو بغيره فهذا مما ينبغي الترفع عنه وطلب الناس قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون مباحا.
الثاني مساعدة المحتاج وتفريج المكروب سواء فهذا الأصل فيه الاستحباب لعموم النصوص الواردة في الحث على الإحسان والبذل ومساعدة الناس.
الشيخ أحمد الزومان مختصرا
ﻗﺎﻝ ﺍلإمام الحافظ اﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ
- ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - :
" ﺇِﺫﺍ ﺍﺳْﺘﻐﻨﻰ ﺍﻟﻨَّﺎﺱ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺎﺳﺘﻐﻦ ﺃَﻧْﺖ ﺑِﺎﻟﻠَّﻪ ، ﻭَﺇِﺫﺍ ﻓﺮﺣﻮﺍ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺎﻓﺮﺡ ﺃَﻧْﺖ ﺑِﺎﻟﻠَّﻪ ، ﻭَﺇِﺫﺍ ﺃﻧﺴﻮﺍ ﺑﺄﺣﺒﺎﺑﻬﻢ ﻓَﺎﺟْﻌَﻞْ ﺃﻧﺴﻚ ﺑِﺎﻟﻠَّﻪ ، ﻭَﺇِﺫﺍ ﺗﻌﺮﻓﻮﺍ ﺇِﻟَﻰ ﻣُﻠُﻮﻛﻬﻢْ ﻭﻛﺒﺮﺍﺋﻬﻢ ﻭﺗﻘﺮﺑﻮﺍ ﺇِﻟَﻴْﻬِﻢ ﻟﻴﻨﺎﻟﻮﺍ ﺑﻬﻢ ﺍﻟْﻌِﺰَّﺓ ﻭﺍﻟﺮﻓﻌﺔ ﻓﺘﻌﺮﻑ ﺃَﻧْﺖ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﺗﻮﺩﺩ ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﺗﻨَﻞْ ﺑﺬﻟﻚ ﻏَﺎﻳَﺔ ﺍﻟْﻌِﺰّ ﻭﺍﻟﺮﻓﻌﺔ"
الفوائد
ومعنى ذلك : إذا استغنى الناس بالدنيا عن الدين فاستغن أنت بالدين عن الدنيا .
الفرق بين الاستغناء عن الله والاستغناء بالله:
الاستغناء عن الله : هو استغناء مذموم بغيض
كاستغناء الناس في الدنيا بمال، أو جاه، أو مركز اجتماعي، أو نحوه، والزهد فيما عند الله واعتمادهم على ما أعطوا من حطامها .
أما الاستغناء بالله فهو الغنى الحقيقي
ومن علامات الاستغناء بالله :
أن يتوكل المسلم على الله وأن يستعين بالله وألا يخاف إلا من الله عز وجل وأن يثق بما عند الله وإذا نزلت به الابتلاءات والمصائب، كان دائماً كبير الأمل في الله .
اللهم اجعلنا من الذين يستغنون بك ونعوذ بالله من الاستغناء عنك .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
منقول