طرح حذف شرط إثبات المترشح لرئاسة الجمهورية عدم قيام أبويه بأعمال ضد الثورة في المادة 73 من مسودة المراجعة الدستورية، تساؤلات حول الخلفيات الكامنة وراءها، لكن تأملا بسيطا في ديباجة المراجعة الدستورية التي أضيف في مادتها الثانية فقرة تتحدث عن المصالحة الوطنية، يدفع إلى طرح استفسار إن كان السماح لأبناء الحركى بالترشح لرئاسة الجمهورية يدخل ضمن ”المصالحة الوطنية”.
أسقطت المادة 73 من وثيقة مقترحات تعديل الدستور شرطا مهما من شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، يتعلق بعدم تورط أبوي المترشح في أعمال ضد الثورة التحريرية، وهو شرط أقره دستور الرئيس السابق اليامين زروال (96)، وتطرح تساؤلات حيال سبب أو خلفية إلغاء هذا الشرط في الوثيقة الجديدة المرتقب فتح المشاورات بشأنها.
ويورد الشرط السابع من الدستور الساري العمل به حاليا شرط الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وصيغ في دستور 96 كالتالي ”يثبت (المترشح) عدم تورط أبويه في أعمال ضد ثورة أول نوفمبر 1954 إذا كان مولودا بعد يوليو 1942”، لكن هذا الشرط حذف في مسودة تعديل الدستور للجنة عزوز كردون والمطروحة للمشاورات مع المعنيين، ويعني إلغاء هذا الشرط أنه يحق لمن وقف أو أدى أعمالا ضد الثورة التحريرية الترشح للرئاسة إن لم تخضع المادة 73 من مسودة التعديل الدستوري إلى مراجعة في هذا البند، وفي هذه الحالة رفعت مسودة المراجعة الدستورية الحرج عن ترشح أبناء الحركى لمنصب رئاسة الجمهورية، حتى إن كان الغرض من حذف هذه المادة لا يقصد به ذلك، إلا أن أبناء الحركى من معتزمي تقديم الترشح لأول منصب في الجمهورية لا يقف أمامهم أي عائق، رغم أن المسودة الجديدة حافظت على ”قيمة” وقداسة الثورة في الدستور، من خلال الشرط السادس الذي يقول ” يثبت (المترشح) مشاركته في ثورة أول نوفمبر 1954 إذا كان مولودا قبل يوليو 1942”، غير أن هذا الشرط لا يسقط ”نوايا” من أقر بحذف الشرط السابع وهو الأهم على الإطلاق في شروط الوصول إلى قصر الرئاسة، وهو أن يكون المترشح بريئا تمام البراءة من الوقوف ضد الثورة.
ومعروف أن الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية مرتبط في المخيال الشعبي لدى الجزائريين بمعرفة ماضي من يتقدم بملف الترشح بوزارة الداخلية، وكثيرا ما تعلوا أصوات بالنسبة لبعض مترشحي الرئاسة أن ”فلان أباه كان حركيا أو قام بأعمال ضد الثورة، حتى إن كانت ظرفية أو فعلها قسرا”، وبالنسبة للمسودة الدستورية فإن تأملا بسيطا في ديباجتها يجعل فكرة سماح لأبناء الحركى بالترشح لرئاسة الجمهورية تخمر في الأذهان، على ما يشبه إرادة سياسية ورسمية لإدماج التصالح مع هذه الفئة التي نشطت ضد المجاهدين خلال الثورة ضمن ”المصالحة الوطنية”، فقد أضافت لجنة الخبراء حول تعديل الدستور مقطعا في المادة الثانية من ديباجته يتحدث عن المصالحة في 56 كلمة. ومفاد هذه المادة ”أن الشعب الجزائري يتبنى لنفسه مبادئ سياسة السلم والمصالحة الوطنية، ويظل مقتنعا بأن احترام هذه المبادئ يساهم في الدفاع عن القيم المشتركة، ويعد السبيل التوافقي الذي يحمي مصالح المجموعة الوطنية، وتعد قيم السلم والمصالحة الوطنية من ثوابت الأمة التي ينبغي لها أن تبذل كل ما في وسعها من أجل الدفاع عنها في ظل احترام الجمهورية ودولة القانون”. وفي هذا الصدد يطرح السؤال: هل إسقاط شرط توفر ما يثبت عدم مشاركة أبوي المترشح لمنصب رئيس الجمهورية في أعمال ضد الثورة يندرج ضمن المصالحة الوطنية التي يريدها الرئيس بوتفليقة مدسترة؟ مع التذكير أيضا أن الرئيس بوتفليقة أفرد حيزا معتبرا للمصالحة الوطنية في خطابه المقتضب لدى أدائه اليمين الدستورية بعد انتخابه رئيسا لعهدة رابعة، وجعلها مبدأً قارا من مبادئ الجمهورية.
المسألة تعيد الأذهان إلى عام 2012، بما يطرح تساؤلا آخر بشأن دافع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للحديث عن ”تعديل الدستور” في الجزائر خلال زيارته شهر ديسمبر وإلقائه خطابا بالمجلس الشعبي الوطني، حين تحدث عن هذه النقطة على نحو أثار حفيظة المعارضة، ووقع 11 حزبا بيانا مشتركا يدينون فيه ما أسموه ”تدخل هولاند في الشؤون الداخلية للجزائر”.