شعبة اداب وفلسفة - الصفحة 4 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الثانوي > منتدى تحضير شهادة البكالوريا 2024

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شعبة اداب وفلسفة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-04-21, 16:20   رقم المشاركة : 46
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

العوامل المتحكمة في بناء الشخصية
مقالة حول العوامل المتحكمة في بناء الشخصية.(الشخصية بين الوراثة والبيئة)الأسئلة:هل الشخصية فطرية أم مكتسبة؟-هل تتحكم الوراثة في بناء الشخصية؟-هل الشخصية معطى أولي؟-هل تتحدد الشخصية تبعا لعوامل ذاتية أو موضوعية؟-هل الفروق الفردية تعود إلى الوراثة أم البيئة؟-هل التمايز بين الناس يقتضي استبعاد البيئة؟-هل الشخصية منتوج اجتماعي؟
المقدمة :يعتبر الإنسان في نظر علماء الاجتماع |كائن مدني بطبعه|,يتعامل مع غيره, ويسعى إلى التكيّف مع مختلف المواقف ولكن واقعيا لكل فرد أسلوبه في التفكير ومزاجه وعواطفه ومواهبه, هذا التميز والاختلاف يعرف في الفلسفة وعلم النفس بالشخصية غير أن |العوامل المتحكمة في بناء الشخصية|مسألة جدلية معقدة ويمكن التعبير عن هذه الإشكالية من خلال التساؤل التالي :هل الشخصية تتحكم فيها عوامل الوراثة أم البيئة؟
/الرأي الأول (الأطروحة) ذهب أنصار هذه الأطروحة إلى‍‍‍‌‌ اعتبار<الشخصية من طبيعة وراثية> فهي فطرية وليست مكتسبة, والتمايز بين الناس يعود إلى عوامل ذاتية والانا عندهم معطى أولي وقصدوا بذلك |تأثير الغدد والطبع وباقي الأجهزة العضوية|والوراثة عملية بيولوجية من خلالها تنتقل الاستعدادات والصفات من الأصل إلى النسل أي من الآباء إلى الأبناء, وهذه الاستعدادات عبارة عن مورثات (جينات) الموجودة بدورها في الكروموزومات (الصبغيات) وعددها عند الرجل أو المرأة 23 زوجا وإجمالي الطاقم الوراثي مابين 500 ألف إلى 800 ألف مورّث , وانتقال الاستعدادات يخضع لمبدأ الاحتمال والصدفة , وللتأكيد على دور الوراثة أجريت تجربة مقارنة تقتضي تتبع نسل امرأة جميلة وذكية وأخرى عادية وبيّنت أن النسل الأول أكثرهم تقلّد مناصب سامية وشهرة كبيرة على خلاف النسل الثاني, ومن العوامل الوراثية تأثير الغدد وخاصة الصماء حتى قيل {نحن تحت رحمة غددنا الصماء فهي التي تتحكم في عواطف المرأة الشابة وانفعالات الشيخ الكبير} ومثال ذلك الغدة الدرقية إذا زاد إفرازها عن الحدّ الطبيعي تصبح الشخصية متوترة يغلب عليها المزاج الانفعالي الحاد, أما الغدة النخامية فتتحكم في نمو العظام والمفاصل والعضلات, ويعتبر الطبع أبرز العوامل الوراثية عرفه "لوسين" في كتابه "علم الطباع" {مجموعة الاستعدادات النفسية الوراثية الثابتة التي تكوّن الهيكل الذهني لدى إنسان ما} فالطبع الفعال يجعل الشخصية طموحة وحركية تقبل التحدي من أجل الوصول إلى أهدافها, وهكذا الشخصية نجدها ولا نوجدها
.نقد (مناقشة)إن تأثير الوراثة نسبي لأن التوأم الحقيقي رغم التماثل في التركيبة الوراثية لا يتماثلان بالضرورة في الشخصية./الرأي الثاني(نقيض الأطروحة):ترى هذه الأطروحة أن الشخصية محصلة لعوامل موضوعية مكتسبة فهي ليست هدية من الطبيعة وإنما تكتسب من البيئة وقصدوا بذلك تأثير الثقافة والمجتمع والتضاريس والمناخ فهي منتوج اجتماعي. فالمجتمع يزوّد الإنسان بأسلوب المعاملات ويكيفها مع سلّم ارتباط القيم بالسلوك كما ذهب إلى ذلك "رالف لنتون" وهي حقيقة أقرها "جون بياجييه" قائلا:{الطفل يستمد عاداته الأخلاقية من الخارج(المجتمع)بواسطة والديه والتربية والمدرسة والحياة اليومية}, ورأى "فالون" صاحب كتاب"علم نفس الطفل" أن الشخصية تتطور وتنمو والشعور بالذات يحتاج إلى الآخرين(أفراد المجتمع){إن الشعور بالذات يتكون بواسطة الآخرين, إنهم أسباب للشعور بالشخصية}وهنا يظهر تأثير الأصدقاء وكما قال"الرسول صلى الله عليه وسلم"{المرء على دين أخيه}حيث تفسَّر هذه الظاهرة بالتقليد حتى قيل في كتب علماء التربية {قل لي من تصادق أقل لك من أنت} وترى هذه الأطروحة أن معالم الشخصية تصنعها البيئة المادية (المناخ والتضاريس) فالذي يسكن في الصحراء يكتسب شخصية مغايرة لأبناء الشمال, وهذا ما أثبتته بحوث الأنثروبولوجيا التي أجريت على "قبائل أرايش" والتي لوحظ فيها تماثل سلوك الإناث والذكور, وملخص هذه الأطروحة في مقولة "واطسون" زعيم المدرسة السلوكية {أعطني اثنا عشر طفلا سالمي الجملة العصبية أخرج لكم منهم الطبيب والمهندس وحتى اللص}.
نقد(مناقشة):إن تأثير البيئة نسبي لأن أبناء الأسرة الواحدة يختلفون رغم وجود نفس العوامل الاجتماعية والثقافية........إلخ./
التركيب:لا شك أن الوحدة والتغيّر هما أساس الشخصية, هذه الحقيقة الفلسفية والعلمية, تدفعنا إلى ضرورة عدم الفصل بين الوراثة والبيئة لوجود ترابط بين ماهو بيولوجي وماهو ثقافي وهذا ما أكّد عليه"فرانسوا جاكوب" قائلا {سلوك الكائن الحي يشكله التفاعل الدائم بين الوراثة والبيئة} فالتركيبة الوراثية للطفل تمنحه |القدرة على الكلام| لكن|مضمون الكلام|أي(الألفاظ والعبارات) تحدده الطبيعة ومنه يولد الإنسان بشخصية قاعدية ثم يطورها وكما قال "آلبرت" {لا يولد الطفل بشخصية كاملة التكوين وإنما يبدأ بتكوينها منذ الولادة} وهي لا تقبل التغير إلا في حدود ما تسمح به الوراثة والبيئة معًا.- الخاتمة:ومجمل القول....{الشخصية} هي "ذلك الكل المركب المتفاعل الذي يشمل الجوانب الجسدية والعقلية والاجتماعية والتي تميّز الفرد عن غيره" أنها التفاعل الديناميكي بين مختلف الأجهزة العضوية والنفسية وهي تشمل المزاج والطبع وأسلوب المعاملات....والحقيقة أنه لا يكاد يخلو بحث فلسفي قديم من إشارة إلى النفس والانا لكونها إشكالية فلسفية على قدر كبير من الأهمية, واليوم تظهر إشكالية [العوامل المتحكمة في بناء الشخصية] وهي قضية جدلية بين أنصار الوراثة الذين اعتبروا "الأنا معطى أولي" وأنصار البيئة الذين رفعوا شعار "الإنسان ابن بيئته" ومن منطلق فلسفي وعلمي نستنتج:مصير الشخصية تتحكم فيه العوامل الداخلية(الوراثة) والعوامل الخارجية (البيئة).









 


قديم 2011-04-21, 16:31   رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

الشخصية


دلالات: الشخص والشخصية
عند استعراضنا لدلالات مفهوم الشخصية نعثر على نمطين من التعاريف: نمط أول تتخد فيه الشخصية معنى مجردا و عاما يجعلها خاصية كائن يكون شخصا اخلاقيا وقانونيا مسؤولا (كقولنا: لكل شخص الحق في ...)؛ ونمط ثان يتخد فيه المفهوم معنى محسوسا يركز على خصوصية الفرد باعتبارها تنظيما فريدا لمجموعة من الوظائف يتجلى من خلال اسلوب الفرد في الحياة و يرتبط بسيرته و تاريخه ( كقولنا شخصية عمرو او شخصية زيد مثلا )
ينتمي النمط الاول من التعاريف الى المجال الفلسفي وينزاح مفهوم الشخصية نحو مفهوم الشخص دلالة على الطابع التجريدي الكوني فكانط يرى "ان الشخص هو الذات التى يمكن ان تنسب اليها مسؤولية افعالها وهي قدرة الشخص على الوعي بما هو ثابت خلف الحالات المتغيرة لوجوده "؛ أما هيجل فيعتبر ان الشخصية لا تبدأ إلا حين تعي الذات نفسها لا كمجرد أنا محسوسة محددة كيفما اتفق و إنما باعتبارها أنا مجردة تجريدا خالصا".
أما النمط الثاني من تعاريف الشخصية فينتمي الى مجال العلوم الانسانية كما عبر عنه "البورت" في قوله: " الشخصية هي التنظيم الدينامي للانظمة السيكوفيزيولوجية التي تحدد تكيف الفرد بشكل أصيل مع محيطه". هنا تصبح الشخصية بناءا أو نموذجا نظريا وعلميا يسمح بفهم كل ما يميز شخصا معينا من خصائص؛ و يستنتج من تعريف البورت أيضا بأن الفرد عبارة عن أنظمة او أجهزة نفسية و فيزيولوجية متداخلة تسعى الى التكيف و التفاعل مع محيطها الطبيعي و الإجتماعي، وعليه ينبغي البحث عن سر تمايز شخصيات الافراد في تمايز أشكال انتظام و تكيف أنظمتهم السيكوفيزيولوجية مع المحيطين الطبيعي و الاجتماعي.
هناك اذن مقاربتان للشخصية: مقاربة فلسفية إن صح القول ومقاربة العلوم الإنسانية. لذا سنتساءل في مرحلة أولى عما يجعل الكائن البشري شخصا أي أكثر من مجرد عضوية حية ؟ مالذي يجعله كائنا أخلاقيا أخلاقيا ؟ وبعبارة أخرى كيف تتحدد شخصية الفرد من خلال نظام الشخص؟ غير أننا بهذه الأسئلة نكتفي بالبحث عن العام والمشترك بين البشر، والحال أن الفرد أيضا كائن "فريد" بتركيبته النفسية وتفاعلاته الإجتماعية والتي تتمظهر في سلوكاته أو مواقفه أو اختياراته، لذا سنتساءل في مرحلة ثانية : كيف يتحدد البناء النفسي والإجتماعي للشخصية ؟ أو ماهي العوامل السيكولوجيو والسوسيوثقافية المساهمة في بناء وتكوين الشخصية؟ ولايخفى أن البحث عن هذه العوامل بالنسبة للعلوم الإنسانية إنما يعني البحث عن محددات موضوعية قابلة للدراسة والتحديد العلميين، وهنا يطرح السؤال: ألا يعني الحديث عن عوامل ومحددات مشكلة لنمط الشخصية نفيا لدور الشخص في بناء شخصيته واختفاؤه كوعي وإرادة وحرية؟
>
الشخص كجوهر للشخصية
قد نعثر في المتن الفلسفي عبر تاريخ الفلسفة على شذرات متناثرة هنا أو هناك حول الطباع والأمزجة والإنفعالات الإنسانية وعلاقة الفرد بالجماعة، بيد أن الذي استأثر بإهتمام الفلسفة كان هو البحث عما يجعل الكائن البشري أكثر من مجرد عضوية بيولوجية مستقلة: هكذا انصب الإهتمام على الماهية التي تخص الإنسان و الجوهر الذي يظل ثابتا رغم تغيرات الجسم وأحوال النفس وانفعالاتها. وفي هذا الإطار بندرج تمييز ابن سينا بين بين عنصر متغير ومتحلل هو الجسم وعنصر ثابت مستمر هو النفس وذلك في قوله: " تأمل أيها العاقل أنك اليوم في نفسك هو الذي كان موجودا جميع عمرك حتى إنك تتذكر كثيرا مما جرى من أحوالك، فأنت إذن ثابت مستمر لاشك في ذلك وبدنك وأجزاؤه ليس ثابتا مستمرا بل هو أبدا في التحلل والإنتقاص..." والواقع أن ابن سينا يشير هنا إلى ظاهرة "الوعي بالذات" التي تصاحب مختلف حالات الوجود البشري بحيث تمنح الفرد شعورا بهويته وأنه وبثباتها. وهو نفس الوعي الذي اعتمدعليه ديكارت في " الكوجيطو" وخصوصا وعي الذات بفعل التفكير الذي تنجزه في لحظة الشك أي الوعي بالطبيعة المفكرة للذات التي تقابل عند ديكارت خاصية الإمتداد المميزة للجسم.
ومن الجدير بالذكر أن الوعي بالذات على هذا النحو الأرقى ليس مقدرة غريزية او إشراقا فجائيا، بل هو مسلسل تدريجي بطيء يمر أولا عبر إدراك وحدة الجسم الذي ينفصل به الكائن عما عداه، وعبر العلاقة مع الغير.
والآن مالذي يمكن أن يستفاد من المقاربة الفلسفية للشخص ولجوهر الشخصية؟
يستفاد أولا أن الشخصية - قبل كل تحديد - هي ذات مفكرة واعية قوامها الأنا الذي يمثل جوهرها البسيط الثابت والمطلق، ويستفاد من جهة ثانية أن الإنسان كائن مسؤول أخلاقيا وقانونيا بسبب خاصية الوعي وماتستتبعه من إرادة، بحيث يقول هيغل: "الشخصية هي الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها". ويستفاد أخيرا مع كانط بأن الإنسان هو أكثر من مجرد معطى طبيعي، إنه ذات لعقل عملي أخلاقي يستمد منه كرامة أي قيمة داخلية مطلقة تتجاوز كل تقويم أو سعر. مادم هذا العقل ومقتضياته كونيا، فإن الأنسانية جمعاء تجثم بداخل كل فرد مما يستوجب معاملته كغاية لاكوسيلة والنظر إليه كما لو كان عينة تختزل الإنسانية جمعاء. ولعل هذه المعاني الأخيرة هي نفسها التي نجدها حاضرة بقوة في مختلف إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان. كما أنها الأساس الفلسفس المعتمد عند وصف جرائم الحرب والإبادة بجرائم " ضد الإنسانية".
من الواضح أن المقاربة الفلسفية تركز على البعد العام المجرد والمشترك في الشخصية، بل في كل شخصية. وذلك لتأسيس نتاءج أنطلوجية وأخلاقية لاحقة. بيد أن هذه المقاربة لاتسمح لنا بأن نفهمسبب اختلاف وتنوع الشخصيات بتنوع الأفراد. لابد إذن من الإنفتاح على مقاربة العلوم الإنسانية.
العومل المساهمة في بناء وتكوين الشخصية
بقليل من الإختزال يمكن القول أن الشخصية أنظمة سيكوفيزيولوجية ذات وظائف وتمظهرات مختلفة تدخل في مجال دراسة علم النفس، وبما أن هذه الأنظمة تشكل كيانا اجتماعيا مدعوا للتفاعل مع المحيط الإجتماعي فإنها تغدو من جهة ثانية موضوعا للعلوم ا لإجتماعية
البناء والتكوين النفسي للشخصية:
لاشك أن للإنسان حياة نفسية داخلية تعبر عن نفسها في جملة من الظواهر الحسية-الحركية، الإنفعالية والمعرفية. لكن ماالسبيل لدراسة هذا البعد النفسي؟ أين يمكن العثور عليه؟
على هذا السؤال تجيب المدرسة الشعورية بأن الشعور هو الساحة التي تجري فيها وقائع الحياة النفسية، وعليه فكل الخبرات النفسية هي بالتعريف خبرات شعورية يطالها الوعي من خلال فعل الإستبطان. غير أن المدرسة السلوكية الحريصة على تحديد تحديد موضوع لعل النفس يكون قابلا للدراسة والوصف والقياس الدقيق استبعدت الشعور نظرا لطابعه الغامض غير الدقيق واستعاضت عنه بمفهوم السلوك باعتباره مجموعة ردود الأفعال المتسقة على المثيرات الخارجية، وما الشخصية سوى نتاجا نهائيا لأنظمة عادات الفرد التي يمكن اكتشافها عبر ملاحظات تمتد لفترات طويلة نسبيا. ولقد استلهم السلوكيون أعمال علماء اهتموا بدراسة الأنشطة العصبية والنفسية للحيوان مثل بافلوف، طورنديك وموران، ويفهم من ذلك أن السلوكية تميل إلى اعتبار الإنسان مجرد نظام طبيعي خاضع لقوانين يمكن اكتشافها مما يسمح بالتنبؤ بسلوك الإنسان وتوجيهه ومن ثم توجيه شخصيته مثلما أعلن ذلك واطسون. وبالفعل فقد حققت السلوكات بعض النجاح في مجال التعليم والتربية وفي مجال علاج بعض الأمراض عن طريق تقنيات مثل : فصل الإشراط، تقنية التنفير، الكبح المتكافئ وغيرها...
بيد أن مدرسة التحليل النفسي هي التي سلطت أضواءا كاشفة جديدة على البعد النفسي النفسي للشخصية وأثارت أكبر قدر من الجدل والإهتمام في أوساط علم النفس خاصة والفلسفة عامة، وذلك لأن مؤسسها سغموند فرويد ( - ) قد شدد على مفهوم اللاشعور عوض السلوك أو الشعور وربط التكوين النفسي للشخصية بمرحلة الطفولة ونظر إلى أنشطة الجهاز النفسي كتصريف لطاقة الليبيدو.
فإذا كان علم النفس قبل-ال فرويدي يطابق بين النفسي والشعوري فأن التحليل النفسي لايرى في الشعوري سوى حيز ضئيل من النفسي، في حين يحتل اللاشعور القسم الأعظم من الحياة النفسية بما يضمه من خبرات نفسية ورغبات وذكريات تؤثر في الأداء النفسي للشخصية دون وعي الشخص أو علمه. وقد استدل فرويد على وجود اللاشعورمن خلال ممارسته الإكلينيكية وخصوصا علاجه لبعض الأمراض العصابية كالهيستيريا والوسواس ومن خلال تحليل الأحلام التي وصفها بالطريق الملكي إلى اللاشعور ومن خلال دراسته لفلتات اللسان وزلات القلم والنكات... وفي علاقة مع اللاشعور أكد فرويد على وجود طاقة محركة للجهاز النفسي سماها بالليبيدو تضم الغرائز والدوافع الحيوية وعلى رأسها الدافع الجنسي . وما أنشطة الإنسان المختلفة وحضارته سوى تصريف مباشر أو غير مباشر لهذه الطاقة كما يحدث مثلا في عملية التسامي من خلال الإبداع الفني أو التنافس الرياضي...
من جهة ثالثة ربط فرويد بين شخصية الفرد وتاريخه، فاعتبر شخصية الراشد خلاصة ونتيجة لإسهامات مراحل النمو النفسي الجنسي التي يجتازها الفرد خلال طفولته، وهي المرحلة الفمية، الشرجية، الجنسية، مرحلة الكمون وأخيرا المرحلة التناسلية. وهكذا فالكيفية التي عاش بها الفرد هذه المراحل وخصوصا عقدة أوديب، والكيفية التي انتقل بها من مرحلة إلى أخرى وكذا طبيعة الإشباعات والإحباطات التي تلقى... كل ذلك ينعكس على البناء ا النفسي لشخصية الراشد ويفسر إلى حد كبير الإختلالات والإضطرابات النفسية التي قد تلحقها. وبذلك تصح قولة وود وورث: " الطفل أبو الرجل".
على ضوء هذه المعطيات والمقدمات، يمكن أن نفهم البنية الثلاثية للجهاز النفسي كما عرضها فرويد ضمن ما يعرف بالنظرية الثانية : الهو، الأنا والأنا الأعلى.
يمثل الهو الشكل الأصلي للجهاز النفسي، وأقدم مناطقه، يشير إلى كل ماهو فطري غريزي لآشخصي لاشعوري وطبيعي في الإنسان أي مجموع القوى الغريزية المرتبطة بالجسم وبالأخص الدوافع الجنسية والعدوانية مما يجعله مستودع الطاقة الليبيدية. ولاتخضع دوافع الهو إلا لمبدأ اللذة والألم دون مبدأ الواقع أو المنطق، مما يعرضه للإصطدام بالواقع . ومن هذا الإصطدام تنشق منطقة جديدة هي " الأنا" بفعل عمليات الإدراك والشعور والإحباط. معلى عكس الهو، فأغلب نشاط الأنا شعوري خاضع لمبدأ الواقع ويتمظهر ذلك في التفكير الموضوعي الكلامي وعمليات الإدراك الحسي الداخلي والخارجي. ولهذا السبب يعتبر الأنا وسيطا بين الهو والعالم الخارجي ومن وظائفه الدفاع عن الشخص وضمان سلامته وتوافقه مع البيئة وتنظيم العمليات العقلية، حل الصراعات بين الرغبات المتعارضة، التأجيل بإقامة مسافة زمنية فاصلة بين الدافع والفعل وبلورة التفكير أثناء ذلك... وتنضاف إلى هذه الللائحة الطويلة أنشطة لاشعورية كالكبت وترميز الأحلام. على أن الوظيفة الأساسية للأنا هي الوظيفة التنسيقية للشخصية التي تفسر ظهور الفرد بمظهر الشخصية الواحدة المنسجمة رغم تعدد وتعارض الدوافع والعناصر الداخلية.
ونظرا لطول فترة اعتماد الطفل أو صغير الإنسان على والديه، فإنه يخضع لمسلسل التربية والتهذيب المتمثل في لائحة طويلة من المحرمات الإجتماعية التي تعكس القيم الأخلاقية والتقاليد العائلية. وبذلك تظهر منطقة ثالثة هي الأنا الأعلى نتيجة إعتناق قوى القمع وتقمص الصورة المثالية لممارسيه. ويمكن القول بأن الأنا الأعلى قوة نفسية لاشعورية تستبطن صورة الأب وسلطته لتمارس دور الرقيب الداخلي أو سفير الأخلاق. ويلاحظ نشاطه عند بداية ظهور إنفعالات الشعور بالإثم وملاحظة الذات أو حتى المازوشية النفسية والسوداء كما في الحالات المرضية.
والخلاصة هي أن الشخصية وبناؤها النفسي ترجمة لعلاقات القوى السائدة بين هذه العناصر الثلاث وأنعكاس للكيفية التي تتوزع بها الطاقة الليبيدية بينها، ولدرجة الصراع والتناقض بين دوافع الهو الجامحة وضوبط الأنا الأعلى الصارمة ومتطلبات الواقع، بحيث يمكن تأويل الحالات المرضية والسوية بناءا على هذه العلاقات الدينامية.
وهكذا، ففتوحات التحليل النفسي وكشوفاته بالغة الأهمية. ولكن ذلك لايمنع من وجود انتقادات صادرة أحيانا من بعض الفرويديين أنفسهم أمثال إيريك فروم الذي لاحظ بأن فريد ينظر إلى الشخصية كنظام مغلق مزود بدوافع، يتشكل من إشباعاتها وإحباطاتها النمط النهائي للشخصية، وكأن الإنسان مكتف بذاته أولا ومحتاج إلى الآخرين ثانيا، في أنه حسب فروم كائن اجتماعي في المقام الأول. ولكن كيف تظهر إجتماعية الإنسان؟ أي ماهو دور العوامل الإجتماعية في بناء الشخصية؟
2- البناء الإجتماعي للشخصية:
لقد لوحظ مرارا بأن أفرادا مختلفين من حيث المكون النفسي ينتمون إلى نفس المجتمع أو الجماعة يبدون أحيانا يبدون إستجابات متماثلة ويتميزون بأنماط تفكير وإحساس وتصرف موحدة ومشتركة، مما جعل علماء الإجتماع والأنثربولوجيا أمثال رالف لينتون يعزونها إلى عوامل إجتماعية ثقافية. هناك إدن مكون إجتماعي ثقافي في الشخصية يتخد مظهرين:
• - الشخصية الأساسية: وهي تلك الإستجابات وأنماط التفكير والسلوك والإحساس المستمدة من ثقافة المجتمع ككل.وفي هذا الصدد يمكن الحديث مثلا عن شخصية أساسية مغربية أو هندية... وتتحدد هذه الإستجابات تبعا لعوامل ثقافية، دينية، تاريخية ولغوية ولعوامل طبيعية كالمناخ والجغرافيا.
• - الشخصية الوظيفية: من الممكن تقسيم المجتمع الواحد إلى جماعات تحتية: الرجال/النساء، البدو/الحضر، التجار/السائقون...وكل جماعة من هذه الجماعات تزود أفرادها بإستجابات إضافية نسميها الشخصية الوظيفية التي تعكس وظيفة الفرد أو دوره الإجتماعي أو إنتماءه الطبقي أو جنسه...
بيد أن هاتين الشخصيتين لاتشيران في الواقع إلى أنماط جامدة أو حاضرة بنفس القوة لدى جميع الأفراد وفي كل المجتمعات، إذ يبدو أنهما يحضران بقوة في المجتمعات التقليدية حيث قوة الضمير الجمعي، ويضعفان في المجتمعات الصناعية المفتوحة حيث تبرز الفردانية وحيث يخضع المجتمع والفرد لمثاقفة مستمرة ولتأثيرات متنوعة المصادر. ومن جهة أخرى فالفرد مطالب على الدوام بتغيير وتعديل إستجابات شخصيته الوظيفية لتلائم التغير الحاصل في دوره ووظيفته الإجتماعية.
ويطلق علماء الإجتماع إسم التنشئة الإجتماعية على السيرورة أو القناة التي يتم من خلالها اكتساب وتلقي الأنماط والنماذج الإجتماعية من أجل دمجها في بنية الشخصية، وهي سيرورة تطورية تستمر طوال حياة الفرد. كما لوحظ بأن التنشئة الإجتماعية تترافق بعمليتين: الإستدماج حيث تنصهر الأنماط الإجتماعية العامة وتمتزج بخصوصيات الفرد لتشكل وحدة مندمجة، ثم عملية التبطين أي تلاشي إحساس الفرد بغرابة الأنماط الملقنة له وتلاشي أو ضعف إحساسه بثقل الرقابة الإجتماعية والسلطة التي صاحبت عملية الإكتساب في البداية، فرغم أن الظواهر الإجتماعية كما يقول دوركايم تتميز بالخارجية والقسر فإن الفرد لا يشعر بأنه يذعن في كل آن لسلطة خارجية. وتتجلى الغاية النهائية لعملية التنشئة الإجتماعية في إنتاج أفراد متكيفين مع وسطهم الإجتماعي بحيث يتعرفون على "أناهم" في "النحن" المكون للجماعة.
ويكاد مفعول التنشئة الإجتماعية يطال جميع مكونات الشخصية: بدءا بالمكون الحسي الحركي أي الأذواق والهيئات الجسمية، مرورا بالمستوى الإنفعالي كالعواطف وأشكال وإمكانيات التعبير عنها، وإتنهاءا بالمستوى المعرفي أي المعارف وطرق التفكير...ويحق للمرء أن يتساءل في الأخيرعما تبقى للشخص من دور في بناء شخصيته؟
الشخصية بين الحتمية والحرية
لقد كشفت العلوم الإنسانبة عن وجود جملة من الإشراطات النفسية والإجتماعية والتاريخية... يخضع لها البناء والتكوين النفسي للشخصية بعيدا عن إرادة الشخص أو وعيه، مما يضع حرية الشخص ودوره في بناء شخصيته موضع تساؤل وتشكيك، بيد أن أطروحات فلسفية عديدة ترفض مثل هذه الخلاصات المعلنة لموت الإنسان واختفائه، بدعوى خصوصية الظاهرة الإنسانية وطابع الوعي المميز للوجود الإنساني.
1- خضوع الشخصية لإشراطات وحتميات تتجاوز إرادة الشخص ووعيه:
يعتقد كل إنسان أنه السيد في مملكة نفسه، وأنه من اختار بمحض إرادته بعض ملامح شخصيته، بيد أن العلوم الإنسانية تكشف خلاف ذلك: فالشخصية في علم النفس السلوكي لاتعدو أن تكون خلاصة ومحصلة لإستجابات ترسخت كردود فعل على مثيرات خارجية تعمل على تشجيع أو كبح بنيات نفسية معينة؛ أما التحليل النفسي، فيرى البناء النفسي للشخصية كنتيجة حتمية لخبرات مرحلة الطفولة، كما أن الكثير من الأنشطة الإنسانية تحركها دوافع الهو اللاشعورية ذات الطبيعة الجنسية أو العدوانية. هذا الهو الذي قال عنه "نيتشه": وراء أفكارك وشعورك يختفي سيد مجهول يريك السبيل، إسمه الهو. في جسمك يسكن، بل هو جسمك، وصوابه أصوب من صواب حكمتك"، بل إن بول هودار يذهب إلى حد القول بأن: " كلام الإنسان كلام مهموس له به من طرف الهو، الذي يعبر عن نفسه في الإنسان عندما يحاول الإنسان أن يعبر عن ذاته !!"
أما بالنسبة لعلماء الإجتماع والأنثربولوجيا، فإن طبقات مهمة في الشخصية لاتعدو أن تكون سوى انعكاس للشخصية الأساسية للمجتمع أو الشخصية الوظيفية لجماعة الإنتماء. وإذا كانت التنشئة الإجتماعية تزود الفرد بعناصر من ثقافة المجتمع، فأن هذه الثقافة حسب التحليل الماركسي تعكس البنية التحتية المستقلة عن وعي الذوات: لأن الوجود المادي هو الذي يحدد الوعي لاالعكس. ويلاحظ غي روشيه من جهة أخرى بأن " معظم رغبات الإنسان وحاجاته وآماله لاتتكون تلقائيا أو تبعا لنوع من الضرورة اليبولوجية، بل إنها تتحدد بحسب التشجيع الذي تلقاه والمكافآت التي تقدم لها ومن ثم تنقش في الشخصية " ، وعلى هذا الأساس : فكلما تكلم الفرد أو حكم ، فالمجتمع هو الذي يتكلم أو يحكم من خلاله حسب عبارة دوركايم.
حاصل الكلام هو اختفاء الإنسان أو موته كما أعلنت البنيوية، لأن البنيات النفسية الإجتماعية اللغوية... هي التي تفعل وليس الذات أو الفرد. هل يمكن بعد كل هذا الحديث عن الإنسان كما نتحدث عن ذات أي عن كائن قادر على القيام بعمل إرادي؟ هل للسؤال "من أنا " بعد من قيمة؟ !!
2- دور الشخص في بناء شخصيته:
رغم كل ماذكر فإن الإنسان لازال يقنع نفسه بأن له شيئا يفعله، شيئا يبقى عليه أن يفعله. وتحاول المقاربة الفلسفية للشخصية أن تعثر على مكامن هذه الحرية داخل الشخصية من خلال التركيز على نظام الشخص باعتباره ذاتا ووعيا. وفي هذا الإطار يمكن القول بأن وعي الإنسان بالحتميات الشارطة يمثل خطوة أولى على طريق التحرر من تأثيرها وإشراطها المطلق، بل إن مذاهبا فلسفية كثيرة وعلى رأسها الوجودية تؤسس على خاصية الوعي " أسبقية الوجود على الماهية "، لأن الإنسان ليس وجودا في ذاته كالأشياء، بل وجودا لذاته، مما يجعل وجوده مركبا لانهائيا من الإختيارات والإمكانيات، فعلى عكس الطاولة التي أو الشبل اللذان يتحدد نمط وجودهما بشكل خطي انطلاقا من ماهيتهما القبلية، فإن الإنسان مفتقر إلى مثل هذه الماهية التي قد تسمح بتعريفه أو الحديث عن شخصيته على نحو قبلي مسبق. صحيح أن الفرد يحيا على الدوام لا في المطلق، بل في وضعية محددة اجتماعيا وتاريخيا، لكن ردود أفعاله واختياراته لاتحددها هذه الشروط الموضوعية وحدها، بل وأيضا المعنى الذاتي الذي يفهم بموجبه هذه الشروط والأوضاع مما يفسح مجالا واسعا للإحتمال والحرية. من هنا نفهم تصريح سارتر بأن الإنسان مشروع في سماء الممكنات، محكوم عليه بأن يكون حرا، وبان الإنسان ليس شيئا آخر غير مايصنع بتفسه.
ونستطيع استثمار أطروحة سرتر التي أتينا على ذكرها للقول بأن الإنسان ليس آلة إلكترونية، وأن نفس الأسباب لاتفضي حتما إلى نفس النتائج على مستوى بناء الشخصية. ولنوضح ذلك بنموذج من العلوم الإنسانية ذاتها: فقد اعتقد فرويد سنة 1920 أن العدوانية معطى بشري حتمي نظرا لوجود دوافع غريزية أولية تتمثل في الرغبة في تدمير الذات والتي يتم تحويلها نحو العالم الخارجي والآخرين، لكن جماعة يال أثبتت في بحثها المنشور عام 1959 بأن هذه العدوانية غير متأصلة في معطياتنا الغريزية، بل هي رد فعل لاحق تجاه الحرمان بحيث أن قوة الحرمان أو ضعفه تنعكس على ضعف أو قوة العدوانية، ثم مالبث "كورت لوين " أن أظهر لاحقا بأن الحرمان لايفضي دوما إلى العدوانية، بل قد يولد الخضوع والإمتثال.
وهكذا، فنحن أبعد مانكون عن الخطاطة التبسيطية التي تجعل الشخصية والظاهرة الإنسانية عموما خاضعة على غرار الظواهر الطبيعية لمقولة الحتمية، وماذلك إلا لأن الشخصية كما يقول " برغسون" بناء مستمر وتعاقب لاينقطع لحالات نفسية فريدة لاتقبل التكرار، والحال أن الحتمية ومن ثم التنبؤ لايصدقان إلا في حالة الظواهر المتشابهة القابلة للتكرار. وماأشبه العلاقة الفريدة التي تجمع الشخصية بالفعل الصادر عنها بعلاقة المبدع بعمله الفني.
الشخصية الإنسانية حصيلة تفاعل بين عوامل باطنية وأخرى متعلقة بالمحيط الخارجي، إنها ذلك الشكل الخاص من التنظيم الذي تخضع له البنيات الجسمية، النفسية والإجتماعية. صحيح أن هذا التنظيم يخضع لعوامل ومحددات موضوعية كثيرة، لكن ذلك لايلغي دور الشخص في بناء شخصيته. وإذا ما بدا موضوع الشخصية إشكاليا متعدد الأبعاد، فماذلك إلا لأن دراسة الشخصية ليست إلا إسما آخر لدراسة الإنسان بكل تعقده وغموضه.










قديم 2011-04-21, 16:32   رقم المشاركة : 48
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

الحق


الطرح الإشكالي
الحق مفهوم متعدد المعاني، تمتد دلالاته إلى الحقل المعرفي المنطقي، الأنطلوجي، الإجتماعي والأخلاقي...لكونه مفهوما ذا طبيعة أكسيولوجية معيارية يتعلق بالفاعلية البشرية في مختلف تجلياتها. وسنقتصر فيما يلي على دلالته العملية، حيث تُعرِّفه المعاجم بأنه: " ما لايحيد عن قاعدة أخلاقية، يعني ماهو مشروع وقانوني في مقابل ما هو فعلي وواقعي، إنه فعل فعل أو الإستمتاع بشيء أو إلزام الغير به تبعا لقواعد تحكم العلاقات بين أفراد ينتمون إلى نفس المجتمع"
وبسبب الطبيعة الجذرية للتفكير وللسؤال الفلسفي، يجد الفيلسوف نفسه على الدوام وجها لوجه أمام سؤال المرجعية والأصل والتأسيس: فما دام تعريف الحق يحيل على مفهوم القاعدة، فلامناص من التساؤل عن مصدر هذه القاعدة ومشروعيتها: علام تتأسس قواعد ومبادئ الحق وحقوق الإنسان تحديدا؟ مالذي يبرر ويشرعن إعلان حق ما باعتباره كذلك ؟ ماأصل هذه الحقوق؟ ومادام الإنسان كائنا مزدوجا، طبيعيا بيولوجيا وثقافيا عاقلا، فهل يتأسس الحق على الطبيعة أم على الثقافة؟ هل الحق قيمة طبيعية تشرعها طبيعة الإنسان الأصلية أم قيمة ثقافية تضيفها ثقافته المحدثة؟ ومادام مفهوم القاعدة يوحي بمعاني الحدود والضوابط، فهل ينتمي الحق إلى ما هو مؤسساتي قانوني وإلزامي، أم ينتمي إلى الحقل الأخلاقي فيخاطب الضمير والإلتزام؟
الحق بين الطبيعي والثقافي
قدمت نظرية الحق الإلاهي أقدم الأجوبة على سؤال المرجعية والتأسيس: فقد أُعتُقِدَ أن الحاكم إله أو نصف إلاه أو من سلالة الآلهة أو يتلقى الشرائع منها. وكل الحقوق ( حقوقه وحقوق المحكومين) نابعة من هذه الصفة أو التفويض الإلاهي. وسيتعين إنتظار عصر النهضة ثم الأنوار لنشهد انتعاش نظرية الحق الطبيعي مجددا. فقد لوحظ على الدوام صعوبة تأسيس الحق على الثقافي المتعارض والمختلف بإختلاف المجتمعات والحقب التاريخية، مما دفع باسكال أن يكتب ذات مرة: "يا لبؤس العدالة التي يحدها نهر ! أفكار صائبة هنا، خاطئة وراء جبال البرانس ! " ولتجاوز هذه المفارقات، اعتُبرت مبادئ الحق وحقوق الإنسان طبيعية أي متجذرة في الطبيعة الإنسانية ومحايثة لها، مستقلة عن الثقافة وإرادة المشرعين، لأنها سابقة منطقيا وزمنيا على المجتمع والثقافة.
نظريات الحق الطبيعي
قدم هوبز واحدة من أهم صياغات نظرية الحق الطبيعي في كتابه التنين، حيث عرَّفه بأنه الحرية التي لكل إنسان في أن يتصرف كما يشاء في إمكاناته الخاصة للمحافظة على طبيعته وحياته الخاصة، وأن يفعل كل مايرتئيه نظره وعقله ناجعا لذلك. وعليه فالحق الطبيعي أو حق الطبيعة هو الحق في الحياة والحق في المحافظة عليها والحرية المطلقة في حماية الوجود البيولوجي والدفاع عنه. وقد استخلص إسبينوزا نتائج ذلك حين لاحظ أن الحق الطبيعي للكائن يمتد منطقيا وفعليا بامتداد قدرته ورغبته: فحيث تتوقف قدرات الكائن تتوقف حقوقه. وبموجب هذا المبدأ، فلكل كائن أو موجود طبيعي حقا مطلقا في البقاء على وضعه وحقا مطلقا على كل مايقع تحت قدرته، وقواعد هذا الحق تمليها طبيعة الفرد الذي تحتم عليه أن يوجد ويسلك على نحو معين.
بيد أن روسو لايشاطر هوبز نظرته التشاؤمية إلى الطبيعة الإنسانية، كما لاينظر كـإسبينوزا إلى الإنسان ضمن نظام الطبيعة الشامل: إذ ليس الإنسان في الأصل ذئبا لأخيه الإنسان، بل العكس هو الصحيح: إنه طيب بالطبع شرير بالإجتماع. وإذا صح ذلك، فإن حالة الطبيعة هي الحالة المثلى لسيادة العدل والحرية والمساواة وهي بالضبط الحقوق الطبيعية، التي لم تلبث أن تلاشت بسبب ظهور الأشكال الأولى للإجتماع والملكية وما نجم عنها من التفاوت.
يمضي جون لوك في نفس المنحى الروسوي، موضحا في نفس الوقت الأساس المنهجي العام لنظريات الحق الطبيعي، يقول:" لكي نفهم السلطة السياسية فهما صحيحا ونستنتجها من أصلها يجب أن نتحرى الحالة الطبيعية التي وجد عليها جميع الأفراد، وهي حالة الحرية الكاملة في تنظيم أفعالهم والتصرف بأشخاصهم وممتلكاتهم بما يظنون أنه ملائم لذلك، ضمن قيود قانون الطبيعة، دون ان يستأذنوا إنسانا أو يعتمدوا على إرادته، وهي أيضا حالة المساواة حيث السلطة والتشريع متقابلان لايأخد الواحد أكثر من الآخر، إذ ليس هناك حقيقة أكثر بداهة من أن المخلوقات المنتمية إلى النوع والرتبة نفسها المتمتعة كلها بالمنافع نفسها التي تمنحها الطبيعة وباستخدام الملكات نفسها، يجب أيضا أن يتساوى بعضهم مع بعض. "حالة الطبيعة" إذن هي حالة الحرية والمساواة التي يكون عليها الناس ينظمها "قانون الطبيعة" نفسه، الذي يرمي إلى "حفظ الجنس البشري وضمان سلامته والذي يؤول أمر تنفيذه إلى كل إنسان، قبل أن تقوم فيهم سلطة تحد من حقهم في ممارستهما -أعني الحرية والمساواة-. وقد شدد لوك بشكل خاص على حق المِلكية النابع من امتلاك الإنسان لنفسه وجسمه ومن ثم ثمار عمله.
رغم مانلاحظه من إختلاف بين منظري الحق الطبيعي في فهم الطبيعة الإنسانية وكذا حالة الطبيعة،إلا أنهم يتبعون نفس الإجراء المنهجي المتمثل في تجريد الإنسان من كل المحددات الثقافية والتاريخية من أجل استنباط حقوق محايثة لطبيعته؛ ثم إن هذا الإختلاف يتلاشى، لأن نظريات الحق الطبيعي تتحول في النهاية إلى نظرية للعقد الإجتماعي. لماذا؟
فحتى لو افترضنا مع روسو و لوك ضد هوبز بأن حالة الطبيعة حالة سلم ومساواة، فإنها تنقلب لامحالة إلى حالة من الفوضى والنزاع مما يحتم حسب لوك تأويل وتطبيق "قانون الطبيعة" بالصورة التي تضمن حقوق كل فرد، وهذا لا يتأتى إلا بـ "إقامة ضرب من الاتحاد بينهم يحمي شخص كل واحد منهم ويمكنه من ممارسة حقوقه ويسمح لكل منهم، وهو متحد مع الكل، بأن لا يخضع إلا لنفسه، وبالتالي يبقى متمتعا بالحرية الني كانت له من قبل". بيد أن هذا النزاع يتخد عند هوبز صفة شاملة هي" حرب الكل ضد الكل" التي لا مخرج منها إلا بتنازل الأفراد عن كل حقوقهم لأمير قوى يجمع بيده كل أسباب القوة من أجل أن يكفي الناس شر بعضهم البعض؛ في حين يراهن العقلاني اسبينوزا على الطبيعة العاقلة للإنسان ليستنبط منها مبادئ العقد الإجتماعي الجديد: فإذا كان البشر يسعون إلى جلب الأمان والمنفعة ، فإن مبادئ العقل كفيلة بتحقيق نفع حقيقي لهم، لأنها تحث على التوحد والنظام عوض التشتت، وذلك بنقل حق الفرد في كل شيء إلى الجماعة ومعاملة الآخرين بمثل مانحب أن نعامل به والمحافظة على حقهم كما لو كنا نحافظ على حقنا الخاص.
نخلص إلى القول مع لوك وروسو - ممثلا التأويلات الأكثر ديموقراطية للعقد الإجتماعي - بأن تنازل الناس عن حقوقهم للإرادة الجماعية، التي تجسمها الدولة، بموجب هذا العقد الاجتماعي، هو تنازل شكلي، الغاية منه إقرار الحق في الحرية والمساواة على أساس اجتماعي. أما القوانين التي تضعها هذه الأخيرة فهي إنما تكتسي شرعيتها من كونها تعبر عن الإرادة العامة للناس، وهي الإرادة التي تلتمس المصلحة المشتركة وتسعى إلى الخير العام . وهكذا تجد "حقوق الإنسان الطبيعية" مجال تحققها من خلال تحولها إلى "حقوق مدنية". بمعنى أن الإنسان - حسب السياسي الأمريكي طوماس بين - لم يلج الحالة الإجتماعية لكي تسوء أحواله أو لكي يتمتع بحقوق أقل من تلك التي كان يتمتع بها وإنما ولجها لتضمن له هذه الحقوق بشكل أكبر. وواضح أن الإحالة على "الطبيعة" هنا معناها تأسيس الحق على مرجعية سابقة على كل مرجعية تاريخية: فالطبيعة سابقة على كل ثقافة وحضارة، على كل مجتمع ودولة، وبالتالي ، فهي مرجعية كلية مطلقة، ومن ثَمّ فالحقوق التي تتأسس عليها هي حقوق كلية مطلقة كذلك.
يتبين مما سبق أن الحق قيمة مركبة شأنها شأن باقي القيم الأساسية التي تحكم الفاعلية البشرية: فهو طبيعي وثقافي، كوني ونسبي في نفس الوقت. طبيعي كوني لأنه يمس الماهية الإنسانية، ويخاطب الإنسان بما هو إنسان؛ وثقافي نسبي لأن بتحوله من فكرة ومبدأ إلى واقع معيش يتجذر في القيموالمؤسسات والتاريخ الخاص بهذا المجتمع أو ذاك.
نسبية الحق بنسبية مبادئه
رغم القوة النظرية والعملية التي تتمتع بها نظرية الحق الطبيعي، إلا أن البعض لايرى في مرجعية الطبيعة سوى مفهوم إفتراضي يفتقد إلى الإجماع حول مضمونه: إذ يبدو أن البشر عرفوا على الدوام أشكالا من التنظيم مَهْما كانت بدائية بسيطة، مما يشكك في مفهوم حالة الطبيعة الفرضية أصلا؛ إضافة إلى صعوبة تحديد محتوى الطبيعة الإنسانية الذي تعرض في القرن العشرين للمراجعة سواء من طرف العلوم الإنسانية أو الفلسفة الوجودية. مما يجعل الإجماع حول مبادئ عقلانية كونية أمرا مستبعدا، لأن هذه المبادئ نفسها تتجاهل المحددات الثقافية النسبية. ألا ينبغي بالأحرى الحديث عن الحق في بعده النسبي الثقافي؟
تأسيسا على هذه الملاحظات، لاترى الوضعية القانونية في أطروحة الحق الطبيعي سوى إنشاءات ميتافيزيقية لاتحقق شروط العلمية كما تفهمها الإبستملوجيا الوضعية الملتزمة بأحكام الواقع (ماهو كائن) لابأحكام القيمة (ماينبغي أن يكون). وهكذا فالحق عند هانز كيلسن مثلا لايستمد قوته ومصدره إلا من القوانين التي تبلوره وتحتم العمل به، لأن القانون يقول الحق تبعا للإختيارات والأولويات بما يعكس خصوصية المجتمع وتطوره التاريخي وبما يترجم موازين القوى داخل البنية الإجتماعية وهي موازين ديناميكية متغيرة بتغير التشكيلات الإجتماعية. ومن وجهة نظر فقه القانون والدراسة العلمية، فلا وجود لحق أو عدالة خارج القانون الوضعي الذي يوفر قوة الإلزام الضرورية لتحويل الحق إلى واقع معيش مستعينا بالمؤسسات التنفيذية والقضائية.
تترتب عن هذه المقاربة نتيجتان: الأولى هي إستبعاد كل حديث عن الحق في بعده الأخلاقي المثالي المُعوِّل على الإلتزام الذاتي للفرد، والحرص على ألا يدعي النص القانوني صفة الإطلاقية بإشهاره للصفة الأخلاقية. فالقانون والأخلاق دائرتان منفصلتان. لأن القانون نسق تراتبي من القواعد التي تستمد قيمتها من هذا النسق لا من مرجعية متعالية مفارقة؛ تترتب عن ذلك عضويا نتيجة ثانية، وهي استحالة المفاضلة بين الأنظمة القانونية، لعدم وجود معيار أسمى يسمح بالمفاضلة: فقد يعتبر أحدهم النظام الليبرالي عادلا والشيوعي ظالما إعتمادا على معيار الحرية الفردية، في حين يغدو النظام الليبيرالي ظالما والشيوعي عادلا من منظور الأمان الإجتماعي ! ولكن مالسبيل للمفاضلة بين الحرية والأمان الإجتماعي؟ لاسبيل للمفاضلة حسب كيلسن إلا اعتمادا على معايير سيكلوجية ذاتية لاتحظى بأي إجماع، إذ يصعب الإجماع على معايير بديهية للعدل والكرامة والحق.
هكذا يصبح الحق وضعيا متجذرا في الثقافة بمحدداتها الإجتماعية والإقتصادية والتاريخية، غير مطلق بل نسبي بنسبية هذه المحددات. ولكن إلى أي حد يمكن المضي في المطابقة بين الحق والقانون الوضعي، أي بين المشروع والقانوني؟ يرى ليو ستراوس أن رفض فكرة الحق الطبيعي يعني أن كل حق فهو وضعي من صنع المشرعين ومحاكم مختلف البلدان، لكن وجود قوانين وقرارات جائرة كقوانين المستعمر والطغاة، يلزم عنه وجود معيار للعدل والظلم يستقل عن الحق الوضعي ويسمح بتقييمه. وقديما أعلن شيشرون أنه ما لم يقم الحق على الطبيعة فإن جميع الفضائل ستتلاشى، لأننا لانملك قاعدة غير الطبيعة لتمييز حَسَنِ القوانين عن قبيحها.
الحق بين الإلزام والإلتزام
الحق والقوة:علاقات ملتبسة
إذا كان الفرد لايملك في حالة الطبيعة غير قوته الخاصة للدفاع عن حقوقه، فإنه يملك في حالة الإجتماع قوة الجماعة. هناك إذن إستمرار لعنصر القوة في الحالتين معا. ولكن إذا كانت القوة ظاهرة فيزيائية خارجية يسهل التعرف عليها، فإن الحق مبدأ داخلي عقلي فما هي ياترى طبيعة العلاقة بين الحق والقوة؟ هل قيام الحق ممكن بدون قوة؟ وهل القوة وحدها كافية لتسويغ الحق وتبريره؟
إن تدبير الطبيعة العدوانية للإنسان يقتضي في نظر هوبز أن تستجمع الدولة ( التنين) كل أسباب القوة لتكفي الناس شر بعضهم البعض. فالإجتماع الإنساني سلوك إضطراري نفعي وليس ميلا طبيعيا. وبذلك تستمر القوة أساسا للحق في حالتي الطبيعة والإجتماع. بيد أن علينا أن نعود إلى كتاب الجمهورية لأفلاطون لنعثر على دفاع واضح وتنظير صريح لحق القوة على لسان السوفسطائي غلوكون، حيث يعلن أن سيطرة القادر على غير القادر وإستئثار القوي بنصيب أكبر من نصيب الضعيف هو العدالة الطبيعية النموذجية، خصوصا وأن النظرة المتفحصة للطبيعة الإنسانية تكشف نزوعها الدفين للعمل بمقتضى حق القوة كلما أمكن ذلك. فما الإنسان بعادل بإرادته وإنما مكرها عند العجز ! والظلم يُرتكب كلما توفرت القدرة على إرتكابه كما تظهر ذلك أسطورة خاتم الراعي جيجيس. وقد تردد صدى هذا الموقف في الفلسفة المعاصرة عند نيتشه صاحب فلسفة إرادة القوة الذي يرى الإستغلال من صميم الحياة، ليس فعل مجتمع منحط غير كامل بل من صميم الطبيعة والحياة ومخلفات إرادة القوة في معناها الحق الذي هو إرادة الحياة أيضا !. ولعل هذا التشخيص هو الذي دفع ميكيافيلي في كتابه الأمير إلى تناول قضايا السياسة والحكم بعيدا عن أية اعتبارات أخلاقية طوباوية ناصحا الأمير بإنتهاج كل الوسائل من قوة ومكر للمحافظة على سلطانه.
لكن إلى أي حد يمكن الإكتفاء بالقوة لتأسيس أو تبرير الحق؟ في نص شهير من كتابه " العقد الإجتماعي" إنتقد روسو بشدة مفهوم حق القوة مبينا تناقضه النظري وإفلاسه العملي، فإذا كان لحياة إجتماعية أن تراعي الطبيعة النوعية للإنسان فلا بد أن تقوم على قوة الحق لا حق القوة. فهذا الأخير عارض زائل بزوال القوة التي تؤسسه ولن يكون القوي قويا دائما ليحافظ على إمتيازاته، بل إنه يقدم الدعوة والمبرر للآخرين للتنافس من أجل إمتلاك أسباب القوة، ولا حق للقوي في الإحتجاج إذا استطاع من هو أقوى منه أن يسلبه حقوقه، لأن هذا الأخير إنما طبق نفس المبدأ الذي كان سلفه يرفعه على الدوام. لقد قيل بأن قوة الفرد دليل على العناية والمباركة الإلاهية، فأجاب روسو: "إني أعترف أن القوة من الله، لكن المرض منه أيضا ! فهل يعني ذلك الإستسلام والإحجام عن الإستعانة بالطبيب؟"
بيد أن إفلاس مفهوم حق القوة يكمن بالخصوص في إهماله للطبيعة الأخلاقية للإنسان التي تحثه على الإمتثال طواعية للقوى المشروعة إنصاتا لصوت الواجب ، بينما يظل الإنصياع للقوة فعل ضرورة لا فعل إرادة وإختيار، فإذا كنت مجبرا على الخضوع فلست ملزما به، وحالما أمكن العصيان دون عقاب أمكن العصيان بصفة مشروعة. بناءا على هذا التحليل يؤسس روسو مفهوم العقد الإجتماعي المدشن لحالة التمدن حيث تحل الإرادة العامة محل إرادة الفرد، وقوة الحق محل حق القوة، وصوت الواجب محل صوت الإندفاع والهوى... وتلك أهم مكاسب حالة التمدن.
الواقع أن التحليل النظري يثبت إستقلالية الحق بمضمونه الأخلاقي عن القوة بمعناها الفيزيائي بينما يظهر الإستقراء الميداني صلتهما الوثيقة سواء في العلاقات الإجتماعية أو الدولية. وقد عبر باسكال عن هذا التداخل بقوله: " العدالة واهية بدون قوة، والقوة طاغية بدون عدالة. العدالة بدون قوة متجاوَزة، والقوة بدون عدالة متَّهَمة، لذلك يتعين إما أن نجعل العادل قويا أو القوي عادلا"
الحق: مبادئ أخلاقية أم نصوص قانونية
إن الحق لايعني فقط إستمتاع الذات بشيء، بل يعني أيضا إلزام الغير به مادامت حقوقي هي واجبات الغير نحوي وحقوقه هي واجباتي تجاهه. وبما أن مفهوم الواجب يوحي بمعاني الإكراه والإلزام، فكيف يمكن والحالة هذه أن نفهم العلاقة بين مايفرضه هذا الإلزام من قيود وضوابط وبين الحرية التي تتصدر مجمل الحقوق؟ كيف يكون الفرد خاضعا دون أن يفقد حريته؟ هل ينبغي للحق أن يستمد قوته من سلطة الإكراه أم من نداء الواجب؟ هل الحق إلزام أم إلتزام؟
الحق وواجباته عند روسو إلتزام لايتعارض أبدا مع حرية الإنسان، بل هو شرط وجودها وممارستها، والحرية المقصودة هنا هي الحرية الأخلاقية التي تجعل الإنسان سيد نفسه أما دافع الشهوة فهو الإستعباد بعينه، وبعبارة أخرى فالحرية كامنة في الإمتثال للقوانين التي نشرعها لأنفسنا، وعندما أخضع للجميع فأنا في الواقع لاأخضع لأي أحد، لأني ببساطة جزء من هذه الإرادة العامة التي أمتثل لها. وبهذا الإمتثال تكتسب الأفعال الإنسانية طابعا أخلاقيا إفتقدته في حالة الطبيعة، أي أن ميلاد الكائن الأخلاقي داخل الإنسان متزامن مع لحظة التعاقد وظهور سلوكيات الواجب والإلتزام.
لقد أستوحى كانط هذه الفكرة الروسوية القائلة بقدرة الكائنات البشرية على التشريع لنفسها، فجعلها أساس مذهبه الأخلاقي المتضمن في كتابه نقد العقل العملي. يقول كانط: " تسلك الكائنات الطبيعة وفق قوانين، بينما للموجودات العاقلة إرادة او قوة الفعل بناءا على تصور قانون". وبناءاً عليه إختزل كانط أسئلة الحق والفاعلية البشرية عموماً إلى سؤال أخلاقي: " كيف نستنبط من العقل العملي قواعد عامة وكونية لتوجيه السلوك بحيث لاتتعارض وحرية الإنسان مادام عقله العملي مصدرها ومُشرِّعها؟ ولم يجد كانط سوى حق واحد فطري يتمثل في حرية القيام بفعل خيِّر ضمن الحدود التي تتعايش فيها هذه الحرية مع حرية أي إنسان آخر وفق قانون كوني. فما هو محتوى هذا القانون الكوني الذي يرفع التعارض بين الطابع الإلزامي للحق وواجباته من جهة والحرية من جهة أخرى؟ يتجلى هذا القانون في ثلاث واجبات مطلقة: ينص أولها على أن يتصرف الفرد كما لو كان فردا ومشرعا في مملكة الإرادة؛ بينما ينص الواجب الثاني على أن يتصرف الفرد كما لو كان مبدأ تصرفه سيُتخد كقاعدة كونية للسلوك؛ أما الواجب الأخير فيقضي بأن نعامل الإنسانية في شخصنا كما في شخص غيرنا كغاية لا كمجرد وسيلة.
هكذا يرتفع التعارض بين الواجب والحرية عندما تكف مبادئ السلوك عن أن تكون صادرة من سلطة خارجية لتغدو نابعة من إرادة الذات وهي تشرع لنفسها غير مستجيبة سوى لضرورات العقل العملي والإرادة الخيِّرة. هل يعني ذلك غيابا تاما للإلزام؟ الواقع أن كانط يحرص على التمييز بين واجبات فضيلة تحددها الغايات النابعة من الذات وواجبات حق تفرضها تشريعات قضائية خارج الذات، والنمط الأخير هو حال الغالبية من الناس التي لاتستطيع إنتشال نفسها من إشراطات الحساسية والميول لترقى إلى مستوى العقل الكوني المشرِّع، إلا تحت طائلة العقوبات وأنواع الردع التي تمارسها مؤسسات المراقبة والعقاب وكذا التنشئة الإجتماعية وما تحدثه من إستدماج وتبطين للقيم والمعايير حتى يبدو اللاقانوني وكأنه لا أخلاقي.
إذن فالمقاربة الأخلاقية على النمط الكانطي غير كافية لرفع التعارض بين الإلزام والإلتزام، بين الواجب والحرية. إذ لابد للفلسفة الأخلاقية من فلسفة سياسية تقارب الحق في بعده السياسي المؤسساتي كما فعلت جاكلين ريس في تصورها لدولة الحق كصيغة عملية تجمع بين مقتضيات الحق الطبيعي والحق الوضعي، بين المبادئ الأخلاقية والآليات المؤسساتية.
إنها أولا دولة قانون وحق معا: دولة قانون لأن عملها خاضع لقواعد صريحة يمكن للأفراد أن يفرضوا إحترامها؛ وهي دولة حق لأن القانون الوضعي تابع للقانون الأخلاقي الذي يتخد الفرد كقيمة مقدسة، ومقياس لجميع القيم، بحيث يُعامل كغاية لا كمجرد وسيلة. وبسبب هذا التمييز بين الحق – في معناه الأخلاقي والطبيعي- والقانون في معناه الوضعي، فإن دولة الحق ليست صيغة جامدة نهائية، بل هي صيرورة وإبداع دائم للحرية، ولايمكن صيانة هذه المبادئ النظرية دون ميكانيزمات عملية أهمها فصل السلط بما يضمن ممارسة معقلنة للسلطة تحمي المواطن من شطط الممارسة الإعتباطية التابعة للمزاج والهوى.










قديم 2011-04-21, 16:36   رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

الغير







دلالات: الغير ذلك الأنا الذي ليس أنا
الإنسان كائن اجتماعي، واجتماعيته هذه تعني وتقتضي التفاعل مع الآخرين أي مع الغير. وإذا كان تفاعلي مع الأشياء وتمييز نفسي عنها لايكاد يطرح مشكلة، فالأمر خلاف ذلك فيما يخص الغير، لأنه ببساطة ذلك الشبيه المختلف : إنه شبيهي مادام يشاطرني كثيرا من الصفات العامة (الفيزيولوجية ،النفسية، السلوكية...)، لكنه لايفتأ يؤكد – ضمن هذا التشابه – اختلافه عني في مؤهلاته واختياراته ورغباته ومشاريعه ...
تقع هذه الإزدواجية في صلب أغلب الإشكالات الفلسفية للغير، فلقد عرفه سارتر: بأنه "الأخر، الأنا الذي ليس أنا " أي ذلك الوعي وتلك الذات المباينة، المنفصلة عن ذاتي ووعيي؟ كيف يمكن لذاتي أن تذرك وجود الذوات الأخرى؟ هل يمكن والحالة هذه إثبات وجود مثل هذه الذات (المفكرة حتما) بواسطة الأسلوب الديكارتي الشهير مثلا؟ ماعلاقة وجوده بوجودي؟ هل يرتبط ويتوفق وعيي بوجودي على وعيي بوجود الغير أم ينفصل ويستغني عنه؟
لنطرح قضية الغير بتجريد أقل: كيف يتبدى الغير لذاتي؟ كيف أعرف الغير؟ وهل هذه المعرفة ممكنة أصلا؟ إذا انطلقت من افتراض معرفتي لذاتي ولحالاتي النفسية الشعورية بواسطة إدراك ووعي باطني مباشر، فكيف السبيل لمعرفة الغير؟ ألا تحيله عملية المعرفة إلى موضوع وتنفيه كذات؟
ولنطرح القضية بتجريد أقل مما سبق: كيف أقرأ علاقاتي المختلفة بالغير؟ ألا تدلني هذه العلاقات من جهة، على امكانية التواصل والتماهي معه، كما في حالة الصداقة والصديق ؟ وعلى حقيقة الإنفصال والإختلاف الجذري واللاتواصل واللاتفاهم كما في حالةالغريب من جهة ثانية؟ وعليه ألا يثير الغير بسبب تماثله ومغايرته مشاعر الإحترام والإعتراف وأيضا الإقصاء والنفي؟ وباختصار:كيف أتعرف على غيرية الغير وكيف اقرؤها؟ !
إشكالية وجود الغير
عرف سارتر الغير: بأنه "الأخر، الأنا الذي ليس أنا " أي ذلك الوعي وتلك الذات المباينة، المنفصلة عن ذاتي ووعيي؟ كيف يمكن لذاتي أن تذرك وجود الذوات الأخرى؟ هل يمكن والحالة هذه إثبات وجود مثل هذه الذات (المفكرة حتما) بواسطة الأسلوب الديكارتي الشهير مثلا؟ ماعلاقة وجوده بوجودي؟ هل يرتبط ويتوفق وعيي بوجودي على وعيي بوجود الغير أم ينفصل ويستغني عنه؟
تنبيه: يمكن استثمار معطيات هذاالمحور لمعالجة قضايا واشكاليات عديدة: الغير كأنا آخر- مفهوم الوعي أو الذات المفكرة- علاقة أوضرورة وجود الغير بالنسبة لوجود الأنا- الوجود والإعتراف بالوجود- مكانة الغير في عالم الذات ...
يلاحظ أن وجود الغير يمثل بالنسبة للحس المشترك قضية بديهية مسلما بها. وكلما تماهينا مع الحس المشترك بداخلنا وافتقدنا الخاصية النقدية الإستفزازية للتفكير الفلسفي ،إلا وصعب علينا إدراك جوهر اشكالية وجود الغير ومكامن الصعوبة والتعقيد بداخلها. وفي الواقع فهذه اشكالية حديثة في تاريخ الفلسفة نفسه. وقد طرحت نفسها بحدة انطلاقا من الفلسفة الديكارتية: ذلك أن اكتشاف الذات كمصدر للحقيقة ومرجع للحكم قد فجر – ليس فقط اشكالية وجود العالم والأشياء – بل وإشكالية وجود الذوات الأخرى (الغير) أيضا: من المعروف أن إثبات وجود الذات أو مايعرف بالكوجيطو يأتي تتويجا لمغامرة الشك الشامل. إن الشك هو الحقيقة الأولى التي لانستطيع الشك فيها دون أن نؤكدها،والشك يكشف اذن عن وجود الذات وطبيعتها المفكرة. ولكن بما ان الكوجيطو ترجمة لوعي الذات بنشاطها المفكر وعيا مباشرا بواسطة حدس باطني، فهل يمكن استعمال الكوجيطو في غير ضمير المتكلم واستغلال قوته الإثباتية في إثبات وجود الغير كذات وأنا واعية؟ إن ديكارت وهو ملتزم بالحذر المنهجي وبأن لا يعلن قضية على أنها حق قبل اجتيازها اختبار الشك الصارم، يعلن أنه عندما ينظر من النافذة إلى الأسفل يحكم بأنه يرى أناسا يسيرون في الشارع رغم أنه لايدرك في الحقيقة غير قبعات ومعاطف قد تكون غطاءا لآلات تحركها لوالب !!وبالمثل فإن الإعلان عن وجود الغير كذات لايمكن النظر إليه إلا كاستدلال عقلي قائم على ملاحظة التماثل في الصفات بين الأنا والغير كالكلام والسلوك التلقائي الذكي..، ثم الإستنتاج بأنها تمظهرات دالة على وجود ذات مفكرة واعية يستحيل إدراكها مباشرة لأن ذلك مناقض لمعنى الوعي باعتباره حضور الذات إزاء نفسها. ولكن مالمشكلة في مثل هذا الإستدلال؟ على عكس حكم الحدس يظل حكم الإستدلال -ومن ثم وجود الغير- احتماليا مفترضا وجائزا لايبلغ درجة يقين وجود الأنا أفكر. نحن أمام مذهب فلسفي تنتهي نتائجه إلى "وحدانية الذات " التي لاتستطيع أن تجزم يقينا سوى بوجودها الخاص، وذلك بسبب تبنيها لمفهوم الوعي باعتباره تطابق الأنا مع ذاته.
<
لكن هل يمكن حقا لفعل الوعي أن يستغني عن حضور الغير والعلاقة به بشكل من الأشكال؟ هل يمكن لكائن ولموجود وحيد في عزلة انطلوجية مطلقة أن يعي ذاته ويشير إليها بضمير"أنا"؟
يتناول هيغل التركة الديكارتية من زاوية مغايرة: فالوعي ليس كيانا ميتافيزيقيا مجردا ثابتا أو معطى أوليا إنه بالأحرى كيان ينمو ويتطور في علاقته بما عداه من الأشياء (الطبيعية) أولآ ثم الغير(وعي الذات الأخرى) ثانيا. كيف ذلك؟ من المعروف أن المنطق الجدلي عند هيغل يؤكد على مبدأي التناقض والصيرورة التي تتجلّى بوضوح في العملية الثلاثية المستمرة : الأطروحة – النقيض – التركيب؛ وبعبارة أخرى فكل كائن يحمل بالضروة نقيضه كشرط لوجوده ومن ثم فالوعي يحمل بالضرورة نقيضه كعنصر سلب ونفي متمثل في ماسواه. يتخد هذا الأخير شكل الطبيعة أولا: فمن خلال تغييرها وترك آثار عليها واشباع الحاجات البيولوجية، يبدأ الوعي في اكتشاف نفسه
و"وعيها" ، لكن هذا الإكتشاف لايتجاوز درجة الإحساس المباشر بالذات التي تظل مع ذلك غارقة ومنغمسة في الطبيعة لكون رغباتها لاتتجاوز الرغبات الطبيعية، لكن هذا يدلنا على كل حال على أهمية"التوسط"في وعي الذات، وبعبارة أخرى لايمكن للوعي أن ينبثق من خلال العلاقة المباشرة للأنا بذاته بل عبر آخر يتوسط بينه وبين ذاته ولن يكون هذا الآخر في المرحلة التالية سوى الغير أو الذات الأخرى التي يتعين أن يكتشف الأنا نفسه فيها من خلال إعترافها به. هكذا ينتقل الأنا من الرغبة في شيء طبيعي إلى الرغبة في رغبة أخرى هي هذا الإعتراف الذي لايمنح بشكل سلمي لأنه إعتراف منشود من الطرفين معا. على ضوء هذا التحليل يقرأ هيغل علاقة أو "جدلية السيد والعبد" باعتبارها أول علاقة إنسانية مدشنة للتاريخ البشري: إنها علاقة فردين يغامران بحياتهما ويسموان فوق الطبيعة بدخولهما في صراع ينشد فيه كل طرف موت الآخر، بيد أن المنتصر في نهاية المطاف يبقي على حياة المنهزم لأن موته لايحقق الإعتراف المنشود. إن السيد والعبد وجهان لعملة واحدة هي وعي الذات: الأول وعي لذاته خالص، والثاني وعي تابع أو " وجود – من – أجل – الغير". صحيح أن علاقة الأنا بالغير لاتتخد دوما هذا الطابع الدراماتيكي، لكن الصراع الضمني أو المعلن يظل خاصيتها المؤسسة. لأن كل علاقة من هذا القبيل هي نشدان للإعتراف أو بالأحرى إنتزاع له.
تدفعنا المقاربة الهيغيلية إلى القول بأن وعي الذات يقتضي وعي الغير، وأن الأنا والغير ينبثقان من خلال علاقتهما وليس قبلها. ونضيف تأكيدا لضرورة وجود الغير بالنسبة لوجود الأنا حالة " الأطفال المتوحشين" الذين لاحظ إتيان مالصون أن بعضهم يشكو من ضعف أو غياب سيرورات الوعي بالذات كعدم التعرف على النفس في المرآة وعدم القدرة على الإحساس بالفخر والخجل... بسبب إفتقادهم طيلة طفولتهم إلى العلاقة مع الغير. إنها إذن علاقة ضرورية في سيرورة نمو الوعي وظهوره. ولنسأل أنفسنا أخيرا: هل يستطيع الواحد منا أن يعتبر نفسه ذكيا أو بليدا، ودودا أو حقودا، جميلا أو ذميما، بطلا أوجبانا... من غير أن نكون قد إستخلصنا ذلك من نظرة الغير أو شهادته؟
إشكالية معرفة الغير
تنبيه: يمكن استثمار المعطيات اللاحقة لمعالجة إشكالات موازية مثل: التواصل مع الغير، الإعتراف بالغير وإحترامه أو إقصاؤه، الغير والمشاركة الوجدانية، الغير كذات أو كموضوع، الإتصال والإنفصال بين الذوات...
لنطرح قضية الغير بتجريد أقل: كيف يتبدى الغير لذاتي؟ كيف أعرف الغير؟ وهل هذه المعرفة ممكنة أصلا؟ إذا انطلقت من افتراض معرفتي لذاتي ولحالاتي النفسية الشعورية بواسطة إدراك ووعي باطني مباشر، فكيف السبيل لمعرفة الغير؟ ألا تحيله عملية المعرفة إلى موضوع وتنفيه كذات؟
يبدو أن إثبات التلازم الجدلي بين الأنا والغير عند هيغل لايتم إلا من خلال الطابع الصراعي لعلاقتهما، أفلا يحضر هذا الطابع الصراعي أيضا على مستوى العلاقة المعرفية؟ إذا كنت في معرفتي لذاتي أؤكدها من خلال وعيي المباشر بحالاتي النفسية الداخلية، أفلا تعني معرفة الغير تحويله إلى موضوع ومن ثم نفيه كذات؟
تحيل العلاقة المعرفية على ذات وموضوع: ذات تمارس فعل المعرفة مكرسة بذلك حريتها وتلقائيتها وفعاليتها، وموضوع خاضع لشتى العمليات المعرفية كالإدراك والحكم والتصنيف أو حتى الشك والنفي. إنه إذن تحت رحمة الذات أو "الأنا أفكر"مجردا من صفات الذات كالتلقائية والحرية غارقا في العطالة كالأشياء. وهذا ماتؤكه على نحو ملموس تحليلات سارتر لتجربة الخجل الناجمة عن نظرة الغير: فقبل الخجل يتصرف الأنا في تطابق مع ذاته بحرية وتلقائية ،إنه مركز عالمه الداخلي، وما إن يحس الأنا حضور الغير من خلال نظرته،حتى تتجمد حريته وعفويته(التوتر-الإرتباك-الإحساس بالتفاهة ...) وينسحب من مركز عالمه إلى هامشه، وقد تحول إلى موضوع أو شيئ . يقول سارتر:"عندما ينظر إلى الغير فهو يفرض نفسه خارجا عني ليحولني إلى شيء : قادرا على تأويل سلوكي وإعطائه معنى قد لا يكون هو المعنى نفسه الذي أقصده، وبذلك أسقط تحت رحمته وسلطته ... "وذلك لأني أحس أن صورتي كما يراها الأخر مستقلة عني في وجودها كصورتي الفوتوغرافية، ويرجع سارتر الطبيعة التشييئية لعلاقة الأنا بالغير إلى أن هذا الأخير هو "لا- أنا" مما يعني السلب والنفي والإنفصال، هذاالإنفصال الذي تؤكده واقعة الإنفصال الأمبريقي بين جسمينا. وهكذا لايمكن للغير أن يتبدى لي(والعكس صحيح ) سوى كـــ"شيئ في ذاته" ولعل خير ما يلخص التصور السارتري السابق هو عبارته الشهيرة "الجحيم هم الأخرون ".
في نفس السياق القائل باستحالة أو على الأقل صعوبة معرفة الغير يندرج تصور غاستون بيرجي حول عزلة كل ذات داخل عالمها الخاص بسبب إستحالة التعبير عن العالم الحميمي للذات، عندما يقول: " إن ما هو خاص به، ما هو حميمي وما يميزني عن الأخرين يشكل أكبر عائق أمام كل محاولة للتواصل مع الغير: فأنا الوحيد الذي أملك روحي، لكني سجينها في نفس الوقت، وحتى عندما أرغب في الخروج منها للتواصل أفشل، لأن حركاتي وكلماتي ليست سوى تلميحات وإشارات إلى ما أحسه لكن الأخر المستمع لا يعيش هذا الإحساس ! إن ألم ومعاناة الأخرين هي التي تكشف عزلة الذوات على بعضها " .
هل يمكن و الحالة هذه أن نعلن إستحالة معرفة الغير وأن نجعل من الذوات جزرا وقلاعا حصينة مغلقة أو" مونادات " بتعبير لايبنز ؟ الواقع أن تحليلات فلسفية عديدة ترى غير ذلك: فهذا ميرلوبونتي يقوم بوصف فينومينولوجي لعملية التواصل ليستدل بها على إمكانية معرفة الغير معتبرا أن العلاقة مع الغير لا تحوله إلى موضوع وتنفيه. وأن النظرة لا تشيؤه إلا إذا كانت نظرة نافية لإنسانيته بإصرار مسبق: أي نظرة تفحص ومراقبة لا نظرة تفهم وتقبل (كنظرة الأم وهي تتابع مشجعة خطوات إبنها الأولى )، وإلا إذا آنسحبت كل ذات إلى طبيعتها المفكرة وتموقعت داخل تعالي الكوجيطو متخدة ما عداها مجرد موضوعات لعملياتها المعرفية. وبالمقابل فإن أبسط تجارب التواصل بعد صمت لا تنقل إلي بعض أفكار الغير وأصواته فحسب، بل وعالمه الذي كان يتبدى لي من قبل متعاليا غريبا منفصلا عن عالمي. إن التواصل يثبت أن الإختلاف والمغايرة بين الذوات ليست من نمط الإختلاف الطبيعي ( كذاك القائم بين شيئين: طاولة وكرسي حيث الهوة و الإنفصال) بل إختلاف إنساني لا يلغي التقاطع ضمن المجال "البينذاتي " المشترك . لهذا السبب لا يتحدث ميرلوبونتي عن المعرفة (connaissance) بل عن الإنبثاق المشترك (co-naissance ).
لكن الإقرار بإمكانية معرفة الغير لا يمنعني من البحث عن أنماط وطرائق هذه المعرفة، لأن التواصل يفترض وجود علامات، سنن وقنوات. وفي هذا الإطار يبدو كما لو أن معرفتنا بالغير قائمة على نوع من الإستدلال الضمني هو "الإستدلال بالمماثلة"، فإذا كانت حالة الخجل تترافق عندي مع احمرار الوجه، والألم مع البكاء وبعض الكلمات مع بعض المعاني أو المشاعر، فإني أسارع إلى تأويل احمرار الوجه كعلامة على خجل الغير،كما أنسب إلى كلماته المعاني والمشاعر المعهودة لدي ... وهكذا. إن معرفة الغير على هذا النحو قائم على افتراض أن الغير شبيه ومماثل للأنا، وأن العلامات الخارجية الصادرة عنه ( كلمات ،حركات، تعابير الوجه ... ) تترافق مع حالات نفسية داخلية معينة كما هو الحال لدى الذات ،إننا ببساطة لا نعرف الغير مباشرة، بل عبر وساطة ما يصدر عنه من علامات . غير أن تناول معرفة الغير على هذا النحو يطرح صعوبات واستحالات : فقد يظهر الغير خلاف ما يبطن قاطعا الصلة بين الحالة النفسية وعلاماتها المعهودة ، وقد تفشل التعابيرالخارجية (الكلمات مثلا ) في التصوير الدقيق لتلوينات المعاني والأحاسيس والمشاعر، بل هناك ماهو أكبر من ذلك: عندما أدرك وراء إحمرار وجه الغير خجله، فأي خجل أدرك بالضبط؟ ألا أستحضر هنا تجربة خجلي الخاصة لفهم خجل الغير؟ ألا أدرك إذن خجلي الخاص فحسب؟ إنني ألتقي هنا مجددا بذاتي أنا وليس بذات الغير مادمت أختزل خجل الغير إلى خجلي الذي سبق أن خبرته وعشته؟
إن معرفة الغير من خلال إستدلال المماثلة تنتهي إلى تناقضات كثيرة نعيها بدرجات مختلفة في حياتنا اليومية، لذلك يرى ماكس شيلر أنه لتجاوز هذه الصعوبات ،ينبغي تجاوز الخلفيات الميتافيزيقية للتحليل السابق الذي يتناول الغير من خلال ثنائيات النفس/ الجسم أو الظاهر / الباطن وإعتبار الغير كلية أو كلاّ موحدا لايقبل التجزئة والإنقسام ولا يحيل فيه ظاهر مادي (جسدي) على باطن أو عمق مستحيل المنال ، بل إن حقيقته وهويته مجسدتان فيه كما يظهر ويتجلى للأنا : إن حركات التعبير الجسدية لديه حاملة لمعناها ودلالاتها مباشرة كما تظهر. وينبغي التشديدعلى هذه الكلمة الأخيرة لأنها تدل على أن التحليل الظاهراتي أو الفينومينولوجي (أي وصف التجربة المعيشية مباشرة قبل خضوعها للمعالجة العقلية المجزئة ) يظهر أن معرفتنا للغير هي معرفة كلية مباشرة لا يمكن تجزيئها إلى عناصر ومراحل دون الإخلال بحقيقتها : فعندما أدرك فرح الغير ،فإني لا أدرك إبتسامته أولا منفصلة عن فرحه الداخلي الذي أستنتجه لاحقا، بل أدرك الأمرين معا ككلية متزامنة . ومما يدل على الطابع المباشر لعلاقتنا المعرفية بالغير ،قدرة الرضيع على التجاوب مع أمه والرد على إبتسامتها بابتسامة مماثلة مدركا مشاعر الأمان والحنان والتشجيع الكامنة خلفها وهو غير قادر بعد على القيام بأي نشاط أستدلالي معقد . ألا يشهد ذلك أن معرفتنا للغير تفترض نوعا من التعاطف والمشاركة الوجدانية بين الذوات . وهي مشاركة تبدو كمعطى شبه غريزي وكشرط لإندماج الكائن البشري ضمن جماعة الذوات الأخرى . وإذا استعملنا مصطلحات دلتاي سنقول بأن معرفة الغير تنتمي إلى مجال الفهم لا إلى مجال التفسير.
هكذا تبدو معرفة الغير أكثر تعقيدا مما يتصور الحس المشترك، بحيث تصدق هنا مقولة التوحيدي: " لقد أشكل الإنسان على الإنسان" وهو تعقيد يتزايد عندما نتأمل تعدد وجوه الغير.
وجوه الغير: الصداقة والغرابة
ولنطرح القضية بتجريد أقل مما سبق: كيف أقرأ علاقاتي المختلفة بالغير؟ ألا تدلني هذه العلاقات من جهة، على امكانية التواصل والتماهي معه، كما في حالة الصداقة والصديق ؟ وعلى حقيقة الإنفصال والإختلاف الجذري واللاتواصل واللاتفاهم كما في حالةالغريب من جهة ثانية؟ وعليه ألا يثير الغير بسبب تماثله ومغايرته مشاعر الإحترام والإعتراف وأيضا الإقصاء والنفي؟ وباختصار:كيف أتعرف على غيرية الغير وكيف اقرؤها؟ !
تنبيه: يمكن إستثمار المعطيات اللاحقة كنماذج تطبيقية وأمثلة ملموسة أثناء الإشتغال على إشكاليات متعلقة بوجود الغير أو معرفته.
ليست علاقتنا بالغير مجرد علاقة معرفية، بل هي علاقة مركبة: عاطفية، وجدانية، إقتصادية، سياسية... ولذلك لايمكن فهمها في المجرد والمطلق بل بالتخصيص والتمييز: إذ يختلف تناول إشكالية وجود الغير وعلاقته بالأنا أو معرفته أو أشكال التواصل معه أو إمكانية إحترامه أو نبذه... حسبما إذا كان هذا الغير صديقا أو غريبا مثلا.
من بين كل الأغيار، يمثل الصديق نموذجا لكل القيم الإيجابية، فلا عجب أن تكون لفظة الصداقة - في اللغة العربية- مشتقة من الصدق الذي يعني الحقيقة والقوة والكمال. بل لقد ذهب القديس أوغسطين إلى "أننا لانعرف أحدا إلا بواسطة الصداقة"، ذلك أنه مادام التواصل سبيلا للمعرفة بما يخلقه من مجال بينذاتي مشترك، فإن هذا المجال يبلغ أقصى درجات إتساعه في علاقة الصداقة. وإذا كانت كل علاقة للأنا بالغير هي – بطريقة ما- نشدان الإعتراف، فلربما كانت الصداقة من الأنماط العلائقية القليلة التي يمنح فيها هذا الإعتراف بشكل سلمي بإعتبارها علاقة ود وحب خالصين بعيدا عن كل نزوع نحو امتلاك المحبوب والإستحواذ عليه كملكية خاصة. ولعل مايميز الصداقة حسب كانط هو جمعها بين مطلبين يصعب الجمع بينهما: الحب بما يعنيه من إقتراب وتماه والإحترام بما يعنيه من إبتعاد وتقدير.
ولكن أي نوع من الصداقة هذا الذي يحقق هذه الشروط؟ فالصداقة ثلاث أنواع حسب أرسطو: صداقة المتعة حيث الجامع شيء أو موضوع للمتعة المشتركة؛ صداقة المنفعة حيث الرابط هو المنفعة المتبادلة ثم الصداقة الحقيقية: صداقة الفضيلة التي تقوم على حب الخير لذاته وللأصدقاء، دون أن تلغي إمكانية حضور المتعة والفائدة كنتيجتين لاكغايتين. وقد ذهب أرسطو إلى حد القول بأن الصديق الجدير بهذا الإسم هو ذاك الذي إن خاطبته كدت تقول : " ياأنا " من حيث أنه " إنسان هو أنت، لكنه بالشخص غيرك". وبعبارة أخرى، فإننا نعثر في الصديق على ذاتنا لما بيننا من تشابه وتطابق. لكن هل نحن فعلا نصادق الصديق لأنه شبيهنا كما ذهب إلى ذلك ايضا أنبادوقليد؟ اما لأنه ضدنا ونقيضنا كما ذهب إلى ذلك هرقليط؟.
لقد فحص أفلاطون في محاورة ليزيس كلا الإحتمالين واستبعدهما و انتهى إلى أن الصداقة علاقة محبة و ميل ورغبة متبادلة بين الغير و الأنا أساسها حالة وجودية وسط بين الكمال المطلق (الخير الأقصى)و النقص المطلق (الشر الأقصى)، لأن الخير مكتف بذاته مستغن بكماله عن غيره، و من يتصف بالشر و النقص المطلقين لايجد في نفسه الرغبة ولا الحاجة بل و لا يجد القدرة على إدراك الخير والكمال وطلبهما. إذن فأساس الصداقة هو إنطواء كل كائن على مبدإ نقص و عدم كفاية. لكن علينا بالمقابل أن نستحضر على الدوام أن الصديق يظل غيرا مهما بلغة درجة التطابق و التماهي أي يظل دوما غير قابل جزئيا إلى أن يرد أو يختزل إلى الأنا وكل محاولة لفهمه تترك دوما بقية من عدم الفهم مما يجعل الصداقة تفاهما و وفاقا مستمرين غير محدودين. إنها "الغيرية الجذرية" بتعبير "غيوم و بودريار" . ذلك إذن هو الغير عندما يتخذ وجه الصديق. فلنر الآن وجها آخر على الطرف النقيض وهو
الغريب. إذا كان الصديق عنوانا للثقة و المعرفة و الإقتراب و الإحترام فإن الغير يبدو للوهلة الأولى عنوانا للحذر، للمجهول، للنكرة، للإبتعاد والإقصاء. لكن من هو الغريب تحديدا؟ إنه مفهوم زئبقي لأنه يتحدد دوما كغريب بالنسبة لجماعة مرجعية ما؛ إنه ذلك الذي لا يشاطر أعضاء الجماعة مرجعيتهم المشتركة، ذلك الذي يجر خلفه ثقافة مغايرة مجهولة، إنه الدخيل بكل بساطة، وباعتباره كذلك فقد نظر إليه عبر التاريخ كمسؤول عن كل شرور المدينة أو الجماعة والذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى الجماعة. إن هذا الموقف الإقصائي حاضر بقوة في كل مكان بدءا من ساكن المدينة الذي يعتبر نفسه "مدينيا" أصيلا محملا جميع مشاكل المدينة إلى هؤلاء الغرباء "البدو" القادمين من البعيد، وصولا إلى الخطابات السياسية القائمة على كراهية الأجنبي المهاجر و ضرورة طرده كحل للأزمات ... . لماذا و هل ينبغي أن يكون الغريب دائما إسما مستعارا للحقد و الإقصاء؟
تقوم سيكولوجية الجماعة على تطابق الأنا أو الذوات الفردية مع النحن/الجماعة انطلاقا من آليات معقدة للتنشئة الإجتماعية، مع اعتقاد راسخ في الطابع الخالص لهوية الجماعة و ثقافتها. مما يسهل على أفراد الجماعة التعرف على بعضهم و استبعاد كل غريب و آخر، وهنا تتساءل الفرنسية ذات الأصل البلغاري "جوليا كريستيفا": ألا تحمل كل جماعة غريبها في ذاتها قبل قدوم الغريب الأجنبي؟ و ذلك عندما يشعر أفرادها بالرغبة في التمرد على روابط و قيم جماعتهم ووضعها موضع تساؤل و تشكك أو عندما لايستطيعون العثور على "أناهم" من خلال "نحن" الجماعة. وهل هناك جماعة ذات هوية خالصة تبرر استبعاد العناصر الأجنبية عنها؟ ما الهوية المغربية مثلا؟ أليست مزيجا من هويات أمازيغية ،افريقية، عربية، إسلامية، اندلسية، غربية...واللائحة طويلة. إذا فالغريب أو الآخر ليس سوى ذلك الجزء أو القوة الخفية لهويتنا التى نحاول انكارها باستمرار بحثا عن نقاء خالص موهوم. ثم ألا تحمل الذات الفردية بدورها غريبها في ذاتها متمثلا في ذلك الجزء المجهول – اللاشعور – الذي لايكاد الأنا يعلمه أو يعيه.
كخلاصة، ماذا ينبغي أن يعني الغريب بالنسبة إلى الأنا؟ إنه يحيل كل هوية فردية أو جماعية إلى هوية إشكالية وربما مستحيلة. والأهم من ذلك – كما تقول كريستيفا – فإننا عندما نتعرف على الغريب في ذاتنا، نوفر على أنفسنا أن نبغضه في ذاته فنتخد حياله موقف الحوار والتسامح عوض العداء والإقصاء.
أطروحة الأنا/ الذات في مقابل الآخر/ المختلف تفرض ثباتًا حيث لا ثبات، وتستدعي ترسانة من المفاهيم والتوابع ظلت تنسب الشر إلى جهة متحيزة، ورسمت له – وللخير بالتالي - صورة بدائية بسيطة، وفي الحقيقة أن مفهوم الخير والشر أعمق من هذا وأكثر تركيبًا. وعليه فإننا نعتقد أن الفصل المتوهم بين "أنا" ثابتة محددة متبلورة، و"آخر" له نفس الثبات والتحديد والتبلور، نحسبه فصلاً متعسفًا، لايمكن تجاوزه إلا بشك مستمر في الذات/ الهوية. ليس بهدف السقوط في نوع من الوسواس أو الفصام، ولكن لنرى الذات منزلة من منازل الآخر، ونرى الآخر منزلة من منازل الذات في دورة واحدة دائمة ودائبة لا تتوقف، ولا تنفصل فيها منزلة عن منزلة إلا إلى حين،. وفي إطار نفس التصور يمكن أن نرى "الهوية" كحالة متحركة دينامية لا تكف عن التشكل والتبلور، والتداخل والتشابك، والانكماش والتمدد الداخلي، وهذا مخالف للهوية كمادة صلبة تتراكم طبقاتها أو تنكسر تحت الضغوط.
الهوية كائن حي ينمو ويتنفس، ويكتسب خبرة وثراء بالتفاعل والتنوع، ويختنق بالعتمة والقيود، والانغلاق والتضييق، ولو كانت كلها مبررات حسنة النية، وتدابير حماية. وإذا كان التقدم التاريخي للبشرية قد تم بفضل تفاعل ثقافات مختلفة في الهجرات والمبادلات والحروب... حيث تلاقي الذات الغير والمختلف، فإن السلوك المطلوب – حسب ليفي شتروس- تجاه ثقافة الآخر والتي هي مصدر غرابته هو الشعور بالعرفان والتواضع ومحاولة المعرفة والفهم بدل النبذ والتجاهل والإقصاء.










قديم 2011-04-21, 16:37   رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

الغير







دلالات: الغير ذلك الأنا الذي ليس أنا
الإنسان كائن اجتماعي، واجتماعيته هذه تعني وتقتضي التفاعل مع الآخرين أي مع الغير. وإذا كان تفاعلي مع الأشياء وتمييز نفسي عنها لايكاد يطرح مشكلة، فالأمر خلاف ذلك فيما يخص الغير، لأنه ببساطة ذلك الشبيه المختلف : إنه شبيهي مادام يشاطرني كثيرا من الصفات العامة (الفيزيولوجية ،النفسية، السلوكية...)، لكنه لايفتأ يؤكد – ضمن هذا التشابه – اختلافه عني في مؤهلاته واختياراته ورغباته ومشاريعه ...
تقع هذه الإزدواجية في صلب أغلب الإشكالات الفلسفية للغير، فلقد عرفه سارتر: بأنه "الأخر، الأنا الذي ليس أنا " أي ذلك الوعي وتلك الذات المباينة، المنفصلة عن ذاتي ووعيي؟ كيف يمكن لذاتي أن تذرك وجود الذوات الأخرى؟ هل يمكن والحالة هذه إثبات وجود مثل هذه الذات (المفكرة حتما) بواسطة الأسلوب الديكارتي الشهير مثلا؟ ماعلاقة وجوده بوجودي؟ هل يرتبط ويتوفق وعيي بوجودي على وعيي بوجود الغير أم ينفصل ويستغني عنه؟
لنطرح قضية الغير بتجريد أقل: كيف يتبدى الغير لذاتي؟ كيف أعرف الغير؟ وهل هذه المعرفة ممكنة أصلا؟ إذا انطلقت من افتراض معرفتي لذاتي ولحالاتي النفسية الشعورية بواسطة إدراك ووعي باطني مباشر، فكيف السبيل لمعرفة الغير؟ ألا تحيله عملية المعرفة إلى موضوع وتنفيه كذات؟
ولنطرح القضية بتجريد أقل مما سبق: كيف أقرأ علاقاتي المختلفة بالغير؟ ألا تدلني هذه العلاقات من جهة، على امكانية التواصل والتماهي معه، كما في حالة الصداقة والصديق ؟ وعلى حقيقة الإنفصال والإختلاف الجذري واللاتواصل واللاتفاهم كما في حالةالغريب من جهة ثانية؟ وعليه ألا يثير الغير بسبب تماثله ومغايرته مشاعر الإحترام والإعتراف وأيضا الإقصاء والنفي؟ وباختصار:كيف أتعرف على غيرية الغير وكيف اقرؤها؟ !
إشكالية وجود الغير
عرف سارتر الغير: بأنه "الأخر، الأنا الذي ليس أنا " أي ذلك الوعي وتلك الذات المباينة، المنفصلة عن ذاتي ووعيي؟ كيف يمكن لذاتي أن تذرك وجود الذوات الأخرى؟ هل يمكن والحالة هذه إثبات وجود مثل هذه الذات (المفكرة حتما) بواسطة الأسلوب الديكارتي الشهير مثلا؟ ماعلاقة وجوده بوجودي؟ هل يرتبط ويتوفق وعيي بوجودي على وعيي بوجود الغير أم ينفصل ويستغني عنه؟
تنبيه: يمكن استثمار معطيات هذاالمحور لمعالجة قضايا واشكاليات عديدة: الغير كأنا آخر- مفهوم الوعي أو الذات المفكرة- علاقة أوضرورة وجود الغير بالنسبة لوجود الأنا- الوجود والإعتراف بالوجود- مكانة الغير في عالم الذات ...
يلاحظ أن وجود الغير يمثل بالنسبة للحس المشترك قضية بديهية مسلما بها. وكلما تماهينا مع الحس المشترك بداخلنا وافتقدنا الخاصية النقدية الإستفزازية للتفكير الفلسفي ،إلا وصعب علينا إدراك جوهر اشكالية وجود الغير ومكامن الصعوبة والتعقيد بداخلها. وفي الواقع فهذه اشكالية حديثة في تاريخ الفلسفة نفسه. وقد طرحت نفسها بحدة انطلاقا من الفلسفة الديكارتية: ذلك أن اكتشاف الذات كمصدر للحقيقة ومرجع للحكم قد فجر – ليس فقط اشكالية وجود العالم والأشياء – بل وإشكالية وجود الذوات الأخرى (الغير) أيضا: من المعروف أن إثبات وجود الذات أو مايعرف بالكوجيطو يأتي تتويجا لمغامرة الشك الشامل. إن الشك هو الحقيقة الأولى التي لانستطيع الشك فيها دون أن نؤكدها،والشك يكشف اذن عن وجود الذات وطبيعتها المفكرة. ولكن بما ان الكوجيطو ترجمة لوعي الذات بنشاطها المفكر وعيا مباشرا بواسطة حدس باطني، فهل يمكن استعمال الكوجيطو في غير ضمير المتكلم واستغلال قوته الإثباتية في إثبات وجود الغير كذات وأنا واعية؟ إن ديكارت وهو ملتزم بالحذر المنهجي وبأن لا يعلن قضية على أنها حق قبل اجتيازها اختبار الشك الصارم، يعلن أنه عندما ينظر من النافذة إلى الأسفل يحكم بأنه يرى أناسا يسيرون في الشارع رغم أنه لايدرك في الحقيقة غير قبعات ومعاطف قد تكون غطاءا لآلات تحركها لوالب !!وبالمثل فإن الإعلان عن وجود الغير كذات لايمكن النظر إليه إلا كاستدلال عقلي قائم على ملاحظة التماثل في الصفات بين الأنا والغير كالكلام والسلوك التلقائي الذكي..، ثم الإستنتاج بأنها تمظهرات دالة على وجود ذات مفكرة واعية يستحيل إدراكها مباشرة لأن ذلك مناقض لمعنى الوعي باعتباره حضور الذات إزاء نفسها. ولكن مالمشكلة في مثل هذا الإستدلال؟ على عكس حكم الحدس يظل حكم الإستدلال -ومن ثم وجود الغير- احتماليا مفترضا وجائزا لايبلغ درجة يقين وجود الأنا أفكر. نحن أمام مذهب فلسفي تنتهي نتائجه إلى "وحدانية الذات " التي لاتستطيع أن تجزم يقينا سوى بوجودها الخاص، وذلك بسبب تبنيها لمفهوم الوعي باعتباره تطابق الأنا مع ذاته.
<
لكن هل يمكن حقا لفعل الوعي أن يستغني عن حضور الغير والعلاقة به بشكل من الأشكال؟ هل يمكن لكائن ولموجود وحيد في عزلة انطلوجية مطلقة أن يعي ذاته ويشير إليها بضمير"أنا"؟
يتناول هيغل التركة الديكارتية من زاوية مغايرة: فالوعي ليس كيانا ميتافيزيقيا مجردا ثابتا أو معطى أوليا إنه بالأحرى كيان ينمو ويتطور في علاقته بما عداه من الأشياء (الطبيعية) أولآ ثم الغير(وعي الذات الأخرى) ثانيا. كيف ذلك؟ من المعروف أن المنطق الجدلي عند هيغل يؤكد على مبدأي التناقض والصيرورة التي تتجلّى بوضوح في العملية الثلاثية المستمرة : الأطروحة – النقيض – التركيب؛ وبعبارة أخرى فكل كائن يحمل بالضروة نقيضه كشرط لوجوده ومن ثم فالوعي يحمل بالضرورة نقيضه كعنصر سلب ونفي متمثل في ماسواه. يتخد هذا الأخير شكل الطبيعة أولا: فمن خلال تغييرها وترك آثار عليها واشباع الحاجات البيولوجية، يبدأ الوعي في اكتشاف نفسه
و"وعيها" ، لكن هذا الإكتشاف لايتجاوز درجة الإحساس المباشر بالذات التي تظل مع ذلك غارقة ومنغمسة في الطبيعة لكون رغباتها لاتتجاوز الرغبات الطبيعية، لكن هذا يدلنا على كل حال على أهمية"التوسط"في وعي الذات، وبعبارة أخرى لايمكن للوعي أن ينبثق من خلال العلاقة المباشرة للأنا بذاته بل عبر آخر يتوسط بينه وبين ذاته ولن يكون هذا الآخر في المرحلة التالية سوى الغير أو الذات الأخرى التي يتعين أن يكتشف الأنا نفسه فيها من خلال إعترافها به. هكذا ينتقل الأنا من الرغبة في شيء طبيعي إلى الرغبة في رغبة أخرى هي هذا الإعتراف الذي لايمنح بشكل سلمي لأنه إعتراف منشود من الطرفين معا. على ضوء هذا التحليل يقرأ هيغل علاقة أو "جدلية السيد والعبد" باعتبارها أول علاقة إنسانية مدشنة للتاريخ البشري: إنها علاقة فردين يغامران بحياتهما ويسموان فوق الطبيعة بدخولهما في صراع ينشد فيه كل طرف موت الآخر، بيد أن المنتصر في نهاية المطاف يبقي على حياة المنهزم لأن موته لايحقق الإعتراف المنشود. إن السيد والعبد وجهان لعملة واحدة هي وعي الذات: الأول وعي لذاته خالص، والثاني وعي تابع أو " وجود – من – أجل – الغير". صحيح أن علاقة الأنا بالغير لاتتخد دوما هذا الطابع الدراماتيكي، لكن الصراع الضمني أو المعلن يظل خاصيتها المؤسسة. لأن كل علاقة من هذا القبيل هي نشدان للإعتراف أو بالأحرى إنتزاع له.
تدفعنا المقاربة الهيغيلية إلى القول بأن وعي الذات يقتضي وعي الغير، وأن الأنا والغير ينبثقان من خلال علاقتهما وليس قبلها. ونضيف تأكيدا لضرورة وجود الغير بالنسبة لوجود الأنا حالة " الأطفال المتوحشين" الذين لاحظ إتيان مالصون أن بعضهم يشكو من ضعف أو غياب سيرورات الوعي بالذات كعدم التعرف على النفس في المرآة وعدم القدرة على الإحساس بالفخر والخجل... بسبب إفتقادهم طيلة طفولتهم إلى العلاقة مع الغير. إنها إذن علاقة ضرورية في سيرورة نمو الوعي وظهوره. ولنسأل أنفسنا أخيرا: هل يستطيع الواحد منا أن يعتبر نفسه ذكيا أو بليدا، ودودا أو حقودا، جميلا أو ذميما، بطلا أوجبانا... من غير أن نكون قد إستخلصنا ذلك من نظرة الغير أو شهادته؟
إشكالية معرفة الغير
تنبيه: يمكن استثمار المعطيات اللاحقة لمعالجة إشكالات موازية مثل: التواصل مع الغير، الإعتراف بالغير وإحترامه أو إقصاؤه، الغير والمشاركة الوجدانية، الغير كذات أو كموضوع، الإتصال والإنفصال بين الذوات...
لنطرح قضية الغير بتجريد أقل: كيف يتبدى الغير لذاتي؟ كيف أعرف الغير؟ وهل هذه المعرفة ممكنة أصلا؟ إذا انطلقت من افتراض معرفتي لذاتي ولحالاتي النفسية الشعورية بواسطة إدراك ووعي باطني مباشر، فكيف السبيل لمعرفة الغير؟ ألا تحيله عملية المعرفة إلى موضوع وتنفيه كذات؟
يبدو أن إثبات التلازم الجدلي بين الأنا والغير عند هيغل لايتم إلا من خلال الطابع الصراعي لعلاقتهما، أفلا يحضر هذا الطابع الصراعي أيضا على مستوى العلاقة المعرفية؟ إذا كنت في معرفتي لذاتي أؤكدها من خلال وعيي المباشر بحالاتي النفسية الداخلية، أفلا تعني معرفة الغير تحويله إلى موضوع ومن ثم نفيه كذات؟
تحيل العلاقة المعرفية على ذات وموضوع: ذات تمارس فعل المعرفة مكرسة بذلك حريتها وتلقائيتها وفعاليتها، وموضوع خاضع لشتى العمليات المعرفية كالإدراك والحكم والتصنيف أو حتى الشك والنفي. إنه إذن تحت رحمة الذات أو "الأنا أفكر"مجردا من صفات الذات كالتلقائية والحرية غارقا في العطالة كالأشياء. وهذا ماتؤكه على نحو ملموس تحليلات سارتر لتجربة الخجل الناجمة عن نظرة الغير: فقبل الخجل يتصرف الأنا في تطابق مع ذاته بحرية وتلقائية ،إنه مركز عالمه الداخلي، وما إن يحس الأنا حضور الغير من خلال نظرته،حتى تتجمد حريته وعفويته(التوتر-الإرتباك-الإحساس بالتفاهة ...) وينسحب من مركز عالمه إلى هامشه، وقد تحول إلى موضوع أو شيئ . يقول سارتر:"عندما ينظر إلى الغير فهو يفرض نفسه خارجا عني ليحولني إلى شيء : قادرا على تأويل سلوكي وإعطائه معنى قد لا يكون هو المعنى نفسه الذي أقصده، وبذلك أسقط تحت رحمته وسلطته ... "وذلك لأني أحس أن صورتي كما يراها الأخر مستقلة عني في وجودها كصورتي الفوتوغرافية، ويرجع سارتر الطبيعة التشييئية لعلاقة الأنا بالغير إلى أن هذا الأخير هو "لا- أنا" مما يعني السلب والنفي والإنفصال، هذاالإنفصال الذي تؤكده واقعة الإنفصال الأمبريقي بين جسمينا. وهكذا لايمكن للغير أن يتبدى لي(والعكس صحيح ) سوى كـــ"شيئ في ذاته" ولعل خير ما يلخص التصور السارتري السابق هو عبارته الشهيرة "الجحيم هم الأخرون ".
في نفس السياق القائل باستحالة أو على الأقل صعوبة معرفة الغير يندرج تصور غاستون بيرجي حول عزلة كل ذات داخل عالمها الخاص بسبب إستحالة التعبير عن العالم الحميمي للذات، عندما يقول: " إن ما هو خاص به، ما هو حميمي وما يميزني عن الأخرين يشكل أكبر عائق أمام كل محاولة للتواصل مع الغير: فأنا الوحيد الذي أملك روحي، لكني سجينها في نفس الوقت، وحتى عندما أرغب في الخروج منها للتواصل أفشل، لأن حركاتي وكلماتي ليست سوى تلميحات وإشارات إلى ما أحسه لكن الأخر المستمع لا يعيش هذا الإحساس ! إن ألم ومعاناة الأخرين هي التي تكشف عزلة الذوات على بعضها " .
هل يمكن و الحالة هذه أن نعلن إستحالة معرفة الغير وأن نجعل من الذوات جزرا وقلاعا حصينة مغلقة أو" مونادات " بتعبير لايبنز ؟ الواقع أن تحليلات فلسفية عديدة ترى غير ذلك: فهذا ميرلوبونتي يقوم بوصف فينومينولوجي لعملية التواصل ليستدل بها على إمكانية معرفة الغير معتبرا أن العلاقة مع الغير لا تحوله إلى موضوع وتنفيه. وأن النظرة لا تشيؤه إلا إذا كانت نظرة نافية لإنسانيته بإصرار مسبق: أي نظرة تفحص ومراقبة لا نظرة تفهم وتقبل (كنظرة الأم وهي تتابع مشجعة خطوات إبنها الأولى )، وإلا إذا آنسحبت كل ذات إلى طبيعتها المفكرة وتموقعت داخل تعالي الكوجيطو متخدة ما عداها مجرد موضوعات لعملياتها المعرفية. وبالمقابل فإن أبسط تجارب التواصل بعد صمت لا تنقل إلي بعض أفكار الغير وأصواته فحسب، بل وعالمه الذي كان يتبدى لي من قبل متعاليا غريبا منفصلا عن عالمي. إن التواصل يثبت أن الإختلاف والمغايرة بين الذوات ليست من نمط الإختلاف الطبيعي ( كذاك القائم بين شيئين: طاولة وكرسي حيث الهوة و الإنفصال) بل إختلاف إنساني لا يلغي التقاطع ضمن المجال "البينذاتي " المشترك . لهذا السبب لا يتحدث ميرلوبونتي عن المعرفة (connaissance) بل عن الإنبثاق المشترك (co-naissance ).
لكن الإقرار بإمكانية معرفة الغير لا يمنعني من البحث عن أنماط وطرائق هذه المعرفة، لأن التواصل يفترض وجود علامات، سنن وقنوات. وفي هذا الإطار يبدو كما لو أن معرفتنا بالغير قائمة على نوع من الإستدلال الضمني هو "الإستدلال بالمماثلة"، فإذا كانت حالة الخجل تترافق عندي مع احمرار الوجه، والألم مع البكاء وبعض الكلمات مع بعض المعاني أو المشاعر، فإني أسارع إلى تأويل احمرار الوجه كعلامة على خجل الغير،كما أنسب إلى كلماته المعاني والمشاعر المعهودة لدي ... وهكذا. إن معرفة الغير على هذا النحو قائم على افتراض أن الغير شبيه ومماثل للأنا، وأن العلامات الخارجية الصادرة عنه ( كلمات ،حركات، تعابير الوجه ... ) تترافق مع حالات نفسية داخلية معينة كما هو الحال لدى الذات ،إننا ببساطة لا نعرف الغير مباشرة، بل عبر وساطة ما يصدر عنه من علامات . غير أن تناول معرفة الغير على هذا النحو يطرح صعوبات واستحالات : فقد يظهر الغير خلاف ما يبطن قاطعا الصلة بين الحالة النفسية وعلاماتها المعهودة ، وقد تفشل التعابيرالخارجية (الكلمات مثلا ) في التصوير الدقيق لتلوينات المعاني والأحاسيس والمشاعر، بل هناك ماهو أكبر من ذلك: عندما أدرك وراء إحمرار وجه الغير خجله، فأي خجل أدرك بالضبط؟ ألا أستحضر هنا تجربة خجلي الخاصة لفهم خجل الغير؟ ألا أدرك إذن خجلي الخاص فحسب؟ إنني ألتقي هنا مجددا بذاتي أنا وليس بذات الغير مادمت أختزل خجل الغير إلى خجلي الذي سبق أن خبرته وعشته؟
إن معرفة الغير من خلال إستدلال المماثلة تنتهي إلى تناقضات كثيرة نعيها بدرجات مختلفة في حياتنا اليومية، لذلك يرى ماكس شيلر أنه لتجاوز هذه الصعوبات ،ينبغي تجاوز الخلفيات الميتافيزيقية للتحليل السابق الذي يتناول الغير من خلال ثنائيات النفس/ الجسم أو الظاهر / الباطن وإعتبار الغير كلية أو كلاّ موحدا لايقبل التجزئة والإنقسام ولا يحيل فيه ظاهر مادي (جسدي) على باطن أو عمق مستحيل المنال ، بل إن حقيقته وهويته مجسدتان فيه كما يظهر ويتجلى للأنا : إن حركات التعبير الجسدية لديه حاملة لمعناها ودلالاتها مباشرة كما تظهر. وينبغي التشديدعلى هذه الكلمة الأخيرة لأنها تدل على أن التحليل الظاهراتي أو الفينومينولوجي (أي وصف التجربة المعيشية مباشرة قبل خضوعها للمعالجة العقلية المجزئة ) يظهر أن معرفتنا للغير هي معرفة كلية مباشرة لا يمكن تجزيئها إلى عناصر ومراحل دون الإخلال بحقيقتها : فعندما أدرك فرح الغير ،فإني لا أدرك إبتسامته أولا منفصلة عن فرحه الداخلي الذي أستنتجه لاحقا، بل أدرك الأمرين معا ككلية متزامنة . ومما يدل على الطابع المباشر لعلاقتنا المعرفية بالغير ،قدرة الرضيع على التجاوب مع أمه والرد على إبتسامتها بابتسامة مماثلة مدركا مشاعر الأمان والحنان والتشجيع الكامنة خلفها وهو غير قادر بعد على القيام بأي نشاط أستدلالي معقد . ألا يشهد ذلك أن معرفتنا للغير تفترض نوعا من التعاطف والمشاركة الوجدانية بين الذوات . وهي مشاركة تبدو كمعطى شبه غريزي وكشرط لإندماج الكائن البشري ضمن جماعة الذوات الأخرى . وإذا استعملنا مصطلحات دلتاي سنقول بأن معرفة الغير تنتمي إلى مجال الفهم لا إلى مجال التفسير.
هكذا تبدو معرفة الغير أكثر تعقيدا مما يتصور الحس المشترك، بحيث تصدق هنا مقولة التوحيدي: " لقد أشكل الإنسان على الإنسان" وهو تعقيد يتزايد عندما نتأمل تعدد وجوه الغير.
وجوه الغير: الصداقة والغرابة
ولنطرح القضية بتجريد أقل مما سبق: كيف أقرأ علاقاتي المختلفة بالغير؟ ألا تدلني هذه العلاقات من جهة، على امكانية التواصل والتماهي معه، كما في حالة الصداقة والصديق ؟ وعلى حقيقة الإنفصال والإختلاف الجذري واللاتواصل واللاتفاهم كما في حالةالغريب من جهة ثانية؟ وعليه ألا يثير الغير بسبب تماثله ومغايرته مشاعر الإحترام والإعتراف وأيضا الإقصاء والنفي؟ وباختصار:كيف أتعرف على غيرية الغير وكيف اقرؤها؟ !
تنبيه: يمكن إستثمار المعطيات اللاحقة كنماذج تطبيقية وأمثلة ملموسة أثناء الإشتغال على إشكاليات متعلقة بوجود الغير أو معرفته.
ليست علاقتنا بالغير مجرد علاقة معرفية، بل هي علاقة مركبة: عاطفية، وجدانية، إقتصادية، سياسية... ولذلك لايمكن فهمها في المجرد والمطلق بل بالتخصيص والتمييز: إذ يختلف تناول إشكالية وجود الغير وعلاقته بالأنا أو معرفته أو أشكال التواصل معه أو إمكانية إحترامه أو نبذه... حسبما إذا كان هذا الغير صديقا أو غريبا مثلا.
من بين كل الأغيار، يمثل الصديق نموذجا لكل القيم الإيجابية، فلا عجب أن تكون لفظة الصداقة - في اللغة العربية- مشتقة من الصدق الذي يعني الحقيقة والقوة والكمال. بل لقد ذهب القديس أوغسطين إلى "أننا لانعرف أحدا إلا بواسطة الصداقة"، ذلك أنه مادام التواصل سبيلا للمعرفة بما يخلقه من مجال بينذاتي مشترك، فإن هذا المجال يبلغ أقصى درجات إتساعه في علاقة الصداقة. وإذا كانت كل علاقة للأنا بالغير هي – بطريقة ما- نشدان الإعتراف، فلربما كانت الصداقة من الأنماط العلائقية القليلة التي يمنح فيها هذا الإعتراف بشكل سلمي بإعتبارها علاقة ود وحب خالصين بعيدا عن كل نزوع نحو امتلاك المحبوب والإستحواذ عليه كملكية خاصة. ولعل مايميز الصداقة حسب كانط هو جمعها بين مطلبين يصعب الجمع بينهما: الحب بما يعنيه من إقتراب وتماه والإحترام بما يعنيه من إبتعاد وتقدير.
ولكن أي نوع من الصداقة هذا الذي يحقق هذه الشروط؟ فالصداقة ثلاث أنواع حسب أرسطو: صداقة المتعة حيث الجامع شيء أو موضوع للمتعة المشتركة؛ صداقة المنفعة حيث الرابط هو المنفعة المتبادلة ثم الصداقة الحقيقية: صداقة الفضيلة التي تقوم على حب الخير لذاته وللأصدقاء، دون أن تلغي إمكانية حضور المتعة والفائدة كنتيجتين لاكغايتين. وقد ذهب أرسطو إلى حد القول بأن الصديق الجدير بهذا الإسم هو ذاك الذي إن خاطبته كدت تقول : " ياأنا " من حيث أنه " إنسان هو أنت، لكنه بالشخص غيرك". وبعبارة أخرى، فإننا نعثر في الصديق على ذاتنا لما بيننا من تشابه وتطابق. لكن هل نحن فعلا نصادق الصديق لأنه شبيهنا كما ذهب إلى ذلك ايضا أنبادوقليد؟ اما لأنه ضدنا ونقيضنا كما ذهب إلى ذلك هرقليط؟.
لقد فحص أفلاطون في محاورة ليزيس كلا الإحتمالين واستبعدهما و انتهى إلى أن الصداقة علاقة محبة و ميل ورغبة متبادلة بين الغير و الأنا أساسها حالة وجودية وسط بين الكمال المطلق (الخير الأقصى)و النقص المطلق (الشر الأقصى)، لأن الخير مكتف بذاته مستغن بكماله عن غيره، و من يتصف بالشر و النقص المطلقين لايجد في نفسه الرغبة ولا الحاجة بل و لا يجد القدرة على إدراك الخير والكمال وطلبهما. إذن فأساس الصداقة هو إنطواء كل كائن على مبدإ نقص و عدم كفاية. لكن علينا بالمقابل أن نستحضر على الدوام أن الصديق يظل غيرا مهما بلغة درجة التطابق و التماهي أي يظل دوما غير قابل جزئيا إلى أن يرد أو يختزل إلى الأنا وكل محاولة لفهمه تترك دوما بقية من عدم الفهم مما يجعل الصداقة تفاهما و وفاقا مستمرين غير محدودين. إنها "الغيرية الجذرية" بتعبير "غيوم و بودريار" . ذلك إذن هو الغير عندما يتخذ وجه الصديق. فلنر الآن وجها آخر على الطرف النقيض وهو
الغريب. إذا كان الصديق عنوانا للثقة و المعرفة و الإقتراب و الإحترام فإن الغير يبدو للوهلة الأولى عنوانا للحذر، للمجهول، للنكرة، للإبتعاد والإقصاء. لكن من هو الغريب تحديدا؟ إنه مفهوم زئبقي لأنه يتحدد دوما كغريب بالنسبة لجماعة مرجعية ما؛ إنه ذلك الذي لا يشاطر أعضاء الجماعة مرجعيتهم المشتركة، ذلك الذي يجر خلفه ثقافة مغايرة مجهولة، إنه الدخيل بكل بساطة، وباعتباره كذلك فقد نظر إليه عبر التاريخ كمسؤول عن كل شرور المدينة أو الجماعة والذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى الجماعة. إن هذا الموقف الإقصائي حاضر بقوة في كل مكان بدءا من ساكن المدينة الذي يعتبر نفسه "مدينيا" أصيلا محملا جميع مشاكل المدينة إلى هؤلاء الغرباء "البدو" القادمين من البعيد، وصولا إلى الخطابات السياسية القائمة على كراهية الأجنبي المهاجر و ضرورة طرده كحل للأزمات ... . لماذا و هل ينبغي أن يكون الغريب دائما إسما مستعارا للحقد و الإقصاء؟
تقوم سيكولوجية الجماعة على تطابق الأنا أو الذوات الفردية مع النحن/الجماعة انطلاقا من آليات معقدة للتنشئة الإجتماعية، مع اعتقاد راسخ في الطابع الخالص لهوية الجماعة و ثقافتها. مما يسهل على أفراد الجماعة التعرف على بعضهم و استبعاد كل غريب و آخر، وهنا تتساءل الفرنسية ذات الأصل البلغاري "جوليا كريستيفا": ألا تحمل كل جماعة غريبها في ذاتها قبل قدوم الغريب الأجنبي؟ و ذلك عندما يشعر أفرادها بالرغبة في التمرد على روابط و قيم جماعتهم ووضعها موضع تساؤل و تشكك أو عندما لايستطيعون العثور على "أناهم" من خلال "نحن" الجماعة. وهل هناك جماعة ذات هوية خالصة تبرر استبعاد العناصر الأجنبية عنها؟ ما الهوية المغربية مثلا؟ أليست مزيجا من هويات أمازيغية ،افريقية، عربية، إسلامية، اندلسية، غربية...واللائحة طويلة. إذا فالغريب أو الآخر ليس سوى ذلك الجزء أو القوة الخفية لهويتنا التى نحاول انكارها باستمرار بحثا عن نقاء خالص موهوم. ثم ألا تحمل الذات الفردية بدورها غريبها في ذاتها متمثلا في ذلك الجزء المجهول – اللاشعور – الذي لايكاد الأنا يعلمه أو يعيه.
كخلاصة، ماذا ينبغي أن يعني الغريب بالنسبة إلى الأنا؟ إنه يحيل كل هوية فردية أو جماعية إلى هوية إشكالية وربما مستحيلة. والأهم من ذلك – كما تقول كريستيفا – فإننا عندما نتعرف على الغريب في ذاتنا، نوفر على أنفسنا أن نبغضه في ذاته فنتخد حياله موقف الحوار والتسامح عوض العداء والإقصاء.
أطروحة الأنا/ الذات في مقابل الآخر/ المختلف تفرض ثباتًا حيث لا ثبات، وتستدعي ترسانة من المفاهيم والتوابع ظلت تنسب الشر إلى جهة متحيزة، ورسمت له – وللخير بالتالي - صورة بدائية بسيطة، وفي الحقيقة أن مفهوم الخير والشر أعمق من هذا وأكثر تركيبًا. وعليه فإننا نعتقد أن الفصل المتوهم بين "أنا" ثابتة محددة متبلورة، و"آخر" له نفس الثبات والتحديد والتبلور، نحسبه فصلاً متعسفًا، لايمكن تجاوزه إلا بشك مستمر في الذات/ الهوية. ليس بهدف السقوط في نوع من الوسواس أو الفصام، ولكن لنرى الذات منزلة من منازل الآخر، ونرى الآخر منزلة من منازل الذات في دورة واحدة دائمة ودائبة لا تتوقف، ولا تنفصل فيها منزلة عن منزلة إلا إلى حين،. وفي إطار نفس التصور يمكن أن نرى "الهوية" كحالة متحركة دينامية لا تكف عن التشكل والتبلور، والتداخل والتشابك، والانكماش والتمدد الداخلي، وهذا مخالف للهوية كمادة صلبة تتراكم طبقاتها أو تنكسر تحت الضغوط.
الهوية كائن حي ينمو ويتنفس، ويكتسب خبرة وثراء بالتفاعل والتنوع، ويختنق بالعتمة والقيود، والانغلاق والتضييق، ولو كانت كلها مبررات حسنة النية، وتدابير حماية. وإذا كان التقدم التاريخي للبشرية قد تم بفضل تفاعل ثقافات مختلفة في الهجرات والمبادلات والحروب... حيث تلاقي الذات الغير والمختلف، فإن السلوك المطلوب – حسب ليفي شتروس- تجاه ثقافة الآخر والتي هي مصدر غرابته هو الشعور بالعرفان والتواضع ومحاولة المعرفة والفهم بدل النبذ والتجاهل والإقصاء.










قديم 2011-04-21, 16:39   رقم المشاركة : 51
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

الذاكـــــــــــــــرة و التخيل
مقدمة :
يتجه الانسان وينزع الى معرفة ما يدور حوله أي الى العالم الخارجي و بما ان شخصيته متطورة عبر الزمن اذ يعيش الانسان حاضره انطلاقا من ماضيه و متجها نحو يمكنه اذا في معرفته للعالم الحارجي ان يستغني عن خبراته و تجاربه السابقة كما لا يمكنه صد نفسه عن التفكير و التنبؤ بما قد يحصل له غدا .
اذا فالانسان يستعمل لتحصيل معارفه و خبراته ملكتان و وظيفتان عقليتان هما الذاكرة و التخيل .
تعريف الذاكرة :
يعرفها "لالاند" انها وظيفة نفسية تقوم على استعادة حالة شعورية ماضية من حيث هي كذلك)
و بالتالي فالذاكرة هي وظيفة و قدرة عقلية تسترجع صور الماضي في الحاضر أي بما يمكن من الاستفادة من خبراتنا الماضيةالسابقة
من تعريفات الذاكرة منها ما يركز على الطبيعة العامة للذاكرة و على بعض مراحل عملها كما في تعريف " سوكولوف" للذاكرة من وجهة نظر المعلومات "هي الاحتفاظ بمعلومات عن اشارة بعد ان يكون تاثير هذه الاشارة قد توقف "
و منها ما يهتم بخصوصية الذاكرة البشرية في مستوياتها الراقية كما جاء في تعريف "بتقليد": "هي ذاكرة المفاهيم و التعميمات و الكلمات "
تثبيث الذكريات :
تتبث وفق عوامل متعددة موضوعية و ذاتية
*عوامل موضوعية : الشدة ، التكرار، البروز، الفهم
*عوامل ذاتية : فيزيولوجية ، نفسية ،شخصية
انواع التذكر :
*تذكر عقلي ( ايرادي ):و يكون هذا التذكر من بعد التفكير أي انه يتجه نحو المخزون بالمدى الطويل أي انه لايتم استرجاع الذكريات الا من بعد القيام بعمليات فكرية كالاستدلال و المقارنة و ربط العلاقات كربط الاسباب بمسبباتها فهذا النوع من التذكر يمكن القول بان له خطوتان هما التعرف على الموضوع من بعد تفكير ثم استدعاء مخزون الذاكرة و هذا النوع من التذكر الذي تستعمل فيه القوى العقلية يبرع فيه العلماء و المفكرون .
*تذكر عفوي ( لا ايرادي):و هو خطور الذكريات الى ساحة الشعور من دون التفكير اوبدل جهد لان هناك عوامل تساعد على هذا الخطور :1-عامل التشابه
2-الاقتران /3-التضاد

طبيعة الذكريات
اختلف الفلاسفة في تحديد طبيعة الذاكرة فردها بعضهم الى:
المادة يعني انها عضوية :
قامت هذه النظرية في تفسير الذاكرة على انها من طبيعة مادية على اساس النتائج التي توصل اليها العالم في القرن 19 خاصة نتائج الفيزياء و الى انالبيولوجيا و الكيمياء و البيولوجيا . فسر المفكرون الذاكرة انها من طبيعة عضوية مركزها الدماغ معتمدين في ذلك على اعمال بعض العلماء امثال "بروك " الذي اكتشف ان بعض الامراض التي تصيب الذاكرة حدثث بسبب تلف ذماغي مثل مرض الحبسة لذلك توصل الفرنسي "ريبو " الى ان الذكريات هي انطباعات تترك لها اثرا على قشور الذماغ و متى زال ذلك الاثر زالت الذكريات يقول " ريبو ": ( الذاكرة فيزيولوجية ماهية بالعرض)
نقد: لم يفرق انصار هذه النظرية بين الذاكرة و العادة كما انها لا يمكن انهم لا يمكن ان يفسرواوفق ما توصلو اليه عودة الذكريات و عدم تلاشيها بالرغم من فقدان الذاكرة
*نفسية : هذا ما ذهب اليه "برغسون" الذي ينظر الى الذاكرة نظرة ثنائية و يرى انها نوعان ذاكرة بيولوجية حركية و ذاكرة نفسية روحية الاولى مرتبطة بالبدن و هي تظهر في شكل عادتالية ومحتواه يشمل الانشطة الحركية المكتسبة و قوامها الاعادة و التكرار و هي تتلخص في العادات المكتسبة اما الذاكرة الثانية فهي ذاكرة الصور النفسية الانها تمثل الماضي و تستحضره في الوقت نفسه
نقد: بالغ " برغسون" في فصله بين ما هو نفسي و ما هو حركي كما انه لم يبين اين توجد الذاكرة كيفية حفظ الذكريات او استرجاعها.
*اجتـماعية : لقد تناول بعض الفلاسفة الذاكرة و درسوها من زاوية اجتماعية لان الفرد في نظرهم ليس حقيقة اجتماعية لان الفرد في نظرهم ليس حقيقة مستقلة عن المجتمع بل ان كل فرد هو عضو في الجماعة التي ينتمي اليها و معنى ان الذاكرة اجتماعية ذلك ان الانسان فرد من المجتمع و الحوادث التي يمر بها و الاطر الاجتماعية من عادات و تقاليد.......الخ يشترك فيها الفرد مع غيره من افراد من نفس المجتمع فالعقل الجمعي حسب "دوركايم" هو الذي يسير و وظائفه النفسية بما فيها الذاكرة و احسن من بين هذه الاطر الاجتماعية للذاكرة في كتابه "الاطر الاجتماعية للذاكرة اذ يقول : "عندما اتذكر فان الغير هوالذي يدفعني الى ذلك فذاكرتي تعتمد على ذاكرته و ذاكرته تعتمد على ذاكرتي "
*نقد: صحيح ان المجتمع هو من يدفع الافراد الى التذكر و بدون المجتمع لسنا بحاجة الى الذاكرة و لكن ليس معناه ان جميع ذكرياتنا مع الغير فالفرد رغم كونه جزءا من المجتمع الا ان له خصوصياته
الاستنتاج:
الذاكرة من طبيعة نفسية فهي ملكة سيكولوجية ( نفسية)تتاثر بعوامل اجتماعية و عضوية
.................................................. .......

التخيل :
بختلف الانسان عن سائر المخلوقات كونه يعيش ثلاثة ابعاد فهو يعيش حاضره و يتذكر ماضيه و هذا الماضي او الحاضر اذ لم يعجبه يقوم بتحريك خياله و يبني و يبدع في هذا الماضي او الجاضر و من هذا نقول ان التخيل هو قدرة الفكر على استحضار الاشياء و الصور و تركيبها تركيبا حرا في الذهن ابن سينا يعرف التخيل انه" القدرة على التصرف في الصور بالتحليل و التركيب " اما" لالاند" فقد عرف التخيل انه :" التخيل ملكة تركيب ما ليس واقعيا " و نستنتج من التعريف ان التخيل يختلف عن الذاكرة لانه لايدل على استرجاع الماضي بتفاصيله و هو قد يتعلق بالمستقبل كما يختلف عن الادراك لان مدار الادراك محصور في الواقع بينما التخيل يتجاوز الواقع .

*انواع التخيل :** التمثيلي: وهو التخيل الذي يتم فيه استرجاع الصور و تمثيلهاذلك انه استرجاع شبيه بالذاكرة الحسية و هذا النوع من التخيل هو استرجاع الصور دون ملابساتهاالزمانية و المكانية و هذا التخيل نستعمله في الصور المتشكلة من الانطباعات الحسية .
** الابداعي: و فيه يتم تركيب صور بشكل لا واقعي و بدلالات مبتكرة و يصاحب هذا النوع من التخيل التيقظ الذهني و الفاعلية الشديدة للفكر.
**شوط الابداع: ** شروط اجتماعية( موضوعية): ان المجتمع هو من يصنع المبدعين لذلك يرى "دوركايم" ان الافراد هم صنيعة المجتمع فحاجة الانسان الى الماكلو الملبس هي التي دفعت الانسان الى الابداع اذ لا يمكن تصور بحوث و من تمت ابداعات في غياب المشكلات فالحاجة ام الاختراع.
**نقد: لو سلمنا بهذا الموقف لكان كل افراد المجتمع مبدعين بينما يتبث ان القلة القليلة لا لا يستحسن ابداعات المبدعين اذ لا تعرف قيمتها الا بمرور الزمن .
** الشروط النفسية ( الذاتية ): فالانسان المبدع موهوب بالفطرة ملهم تتداعى عليه الافكار بشكل تلقائي كما انه على حد التعبير"ريبو": بانه من اهم شروط الابداع الطابع النفسي أي ان كل عمل ابداعي يتضمن عناصر وحدانية فدات المبدعين ونفسيتهم كلها تلعب دورا في ظهور الابداعات .
**نقد: لماذا بعض الموهوبين و حتى العباقرة لا يستطيعون الابداع في غيرها فهدا دليل على اهمية البيئة الاجتماعية .
** الاستنتاج**:
لحصول الابداع في شتى الميادينيجب ان تتوفر الموهبة و القدرة الذاتية و التي يشجعها وينميها المجتمع.
*** الخلاصة***: لا يعيش الانسان مطلق الحاضر ذلك انه لايحتاج في فهمه و التكيف معه في خبراته الماضية "الذاكرة" كما يحتاج الى قدرة تمكنه من التعامل مع الواقع ضمن طابع وجداني أي اما بتجميل هذا الواقع او بتشنيعه و هذا لايتاتىالا بالتخيل فالانسان حتى يدرك العالم الخارجي الاكلا الوظيفتين رغم ما يظهرمن اختلاف بينهماذلك ان الذاكرة تاخد طابع الماضي في الوقت الذي لا يعترف فيه التخيل او الزمان او المكان فالعلاقة بينهما جدلية تجعلهما في تفاعل دائم من اجل تحقيق تكيف الانسان مع واقعه.










قديم 2011-04-21, 16:40   رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

هل العادة تدل على التكيف والإنسجام أم أنها تؤدي إلى إنحراف في السلوك

المقدمة:

يتعامل ويتفاعل الإنسان مع العالم الخارجي بما فيه من أشياء مادية ترمز إلى الوسط الطبيعي وأفراد يشكلون المحيط الإجتماعي . يتجلى ذلك في سلوكات منها المكتسبة بالتكرار وهذا ما يعرف بالعادة , فإذا كنا أمام موقفين متعارضينأحدهما يربط العادة بالسلوك الإيجابي والأخر يصفها بالإنحراف فالمشكلة المطروحة :
هل العادة تدل على التكيف والإنسجام أم أنها تؤدي إلى إنحراف في السلوك ؟

التحليل :
عرض الاطروحة الاولى:
يرى أصحاب هذه الأطروحة أن تعريف العادة يدل على أنها ظاهرة إيجابية أنها توفر لصاحبها الجهد والوقت والمقارنة بين شخصين أحدهما مبتدئ والآخر متعود على عمل ما يثبت ذلك,( كالمتعود على استخدام جهاز الإعلام الآلي ) تراه ينجز عمله في أسرع وقت مع إتقان عمله كما وكيفا .
وتظهر إيجابيات العادة على المستوى العضوي فالعادة الحركية تسهل حركة الجسم وهذا واضح في قول آلان " العادة تمنح الجسم الرشاقة والمرونة " . ومن الأمثلةالتي توضح إيجابيات العادة أن مكارم الأخلاق وكظم الغيظ إنما تنتج عن التكرار .
لذلك أطلق عليها علماء الإجتماع مصطلح العادات الأخلاقية . ليس هذا فقط بل هناك عادات فكرية مثل التعود على منهجية معالجة مقالة فلسفية أو تمرين في الرياضيات, وملخص هذه الأطروحة أن التكيف مع العالم الخارجي يرتبط بالعادة ولولاها لكان الشيء الواحد يستغرق الوقت بأكمله لذلك قال مودسلي :" لولا العادة لكان في قيامنا بوضع ملابسناوخلعها ، يستغرق نهاراكاملا "

النقد:
إن طبيعة الإنسان ميالة إلى الأفعال السهلة التي لا جهد فيها لذلك ترى كفة الأفعال السيئة أرجح من كفة الأفعال الإيجابية.

عرض الأطروحة الثانية :
ترى هذه الأطروحة أن العادة وظيفتها سلبية على جميعالمستويات فهي تنزع من الإنسان إنسانيته وتفرغه من المشاعر وكما قال برودوم " جميع الذين تستولي عليهم العادة يصبحون بوجوههم بشرا وبحركاتهم آلات"[/COLOR] . ومن الأمثلة التوضيحية أن المجرم المتعود على الإجرام لا يشعر بالألم الذي يلحق ضحاياه . وعلى المستوى النفسي ,العادة تقيد حركة الإنسان وتقتل فيه روح المبادرة, وكلما تحكمت العادة في الإنسان نقصت وتقلصت حريته واستقلاله في القرار . وخلاصة هذه الأطروحة أن العادة تعيق التكيف حيث يخسر الإنسان الكثير من قواه الجسدية والعقلية وكماقال روسو " خير عادة للإنسان ألا يألف عادة"

النقد:
إذا كان للعادة سلبيات فإن لها أيضا إيجابيات.

التركيب :

لا شك أن هناك في الحياة عادات يجب أن نأخذها ونتمسك بها ، وأن هناك عادات يجب تركها . فالذي يحدد إيجابية أو سلبية العادة هو الإنسان . وكما قال شوفاليي " العادة هي أداة الحياة أو الموت حسب استخدام الفكر لها " . ومن الحكمة التحلي بالعادات الفاضلة والتخلي عن العادت الفاسدة وفق قانون التحلية والتخلية وهذا واضح في قول توين "[COLOR="Red"] لا يمكن التخلص من العادة برميهامن النافذة وإنما يجعلها تنزل السلم درجة درجة". [/COLORوصاحب الإرادة هو من يفعل ذلك .

الخاتمة :

ومجمل القول أن العادة أحد أنواع السلوك الناتجة عن تكرار الفعل،وقد تبين لنافي مقالنا أن هناك من أرجع التكيف مع العالم الخارجي إلى العادات الفاضلة , وهناك من نظر إلى العادة نظرة سلبية بإعتبار المساوئ التي جلبتها إلى الإنسان وكمخرج منالمشكلة المطروحة نستنتج:
العادة قد تكون سلبية وقد تكون إيجابية حسب توظيف الإنسان لها.










قديم 2011-04-21, 16:47   رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

أدعية للمداكرين فقط
اللهم إني أسالك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بدكرك وقلوبنا بخشيتك وأسرارنا بطاعتك إنك على كل شيئ قدير وحسبنا الله ونعم الوكيل ....
اللهم إفتح لي أبواب حكمتك وانشر علي رحمتك وامنن علي بالحفظ والفهم سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
ربي إشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
الإستحضار الأول الدرس.
اللهم استودعك ما اتعلمه فارده إلي عند حاجتي إليه ولا تنسينه يارب العالمين .
بعد المداكرة .
اللهم إني أستودعك ماقرأت وما حفظت وما تعلمت فرده إلي عند حاجتي إليه انك على كل شئ قدير وحسبنا الله ونعم الوكيل.
عند التوجه إلى الإمتحان.
اللهم إني توكلت عليك وسلمت أمري إليك ولامنجى ولا ملجأ إلا إليك.
عند دخول اللجنة.
ربي أدخلني مدخل الصدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.
اللهم يا سامع الصوت و يا كاسي اللحم عضاما بعد الموت اعتق رقابنا من النار اللهم وفقنا و ارحمنا برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم لا سهلا الا ما جعلته سهلاو انت تجعل الحزن اذا شئت سهلا اتمني من صميم قلبي النجاح لي و للجميع امين ادعو معي اخوتي في الله اختكم في الله










قديم 2011-04-21, 20:49   رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

هل تتحقق العادلة الإجتماعية في ضل التفاوت أم المساواة؟؟؟
مقدمة: (طرح المشكلة):الإنسان بحكم طبيعته الإجتماعية والإنسانية لا يكتفي بذاته بل يحتاج إلى غيره أنه يتبادل معهم المشاعر والأفكار والأشياء من منطلق أنه كائن أخطائي وجدير بالبيان أن العدل هو أشرف القيم الأخلاقية غير أن تطبيقه في أرض الواقع إلى تناقض غير الآراء بين أطروحة التفاوت والمساواة وهنا يحق لنا طرح المشكلة من خلال التساؤل التالي: هل يا ترى العدالة الإجتماعية الحقة تبنى على مبدأ التفاوت أم المساواة؟؟
التحليل: (محاولة حل المشكلة):
عرض الأطروحة الأولى: يرى أنصار التفاوت بزعامة أفلاطون والكسيس كاربل أن العدالة الإجتماعية يكمن شرطها في إحترام التفاوت بين الناس وقصدوا ذلك التفاوت في التركيبة العضوية والقدرات العقلية والأدوار الإجتماعية وبيان ذلك أن الناس يختلفون بالولادة في قدراتهم ومواهبهم الجسمية والعقلية فمنهم الضعيف ومنهم القوي ومنهم الذكي ومنهم الغبي. فمن الظلم أن نبوئ الغبي أو الغير الكفء منصبا إداريا ممتازا يتوقف عليه نظام بعض الشؤون الإجتماعية أو غيرها وبالتالي منحه مقابل ذلك جراءات وإمتيازات عالية. تعود هذه الأطروحة إلى أفلاطون الذي رأى أن العدالة تتحدد بإعتبارها فضيلة تنضاف إلى فضائل ثلاث هي: العفة والشجاعة والحكمة. فالعدالة حسب هذا الأخير هي أن يؤدي كل فرد الوظيفة المناسبة لقواه العقلية والجسدية والنفسية وهي تتحقق على مستوى النفوس حيث يحدث إنسجام بين القوى الشهوائية والعقلية لدى الإنسان فالضامن الوحيد لتحقيق العدالة هو الدولة التي تملك سلطة القانون ولذلك قال في كتابه الجمهورية: "يتحقق العدل في المجتمع عندما تقوم كل طبقة بالأدوار المنوطة بها والمتناسبة مع مواهبها" وفي العصر الحديث نظر الجراح الفرنسي (ألكسيس كاريل) إلى العدالة الإجتماعية من منظور علمي حيث رأى أن النظام الطبيعي مبني على فكرة الطبقات البيولوجية وهي ضرورية لخلق توازن غذائي وتوازن بيئي والنظام الإجتماعي العادل هو الذي يحترم التفاوت قال في كتابه (الإنسان ذلك المجهول): "في الأصل ولد الرقيق رقيقا والسادة سادة حقا واليوم يجب ألا يبقى الضعفاء صناعيا في مراكز الثروة والقوة... لا مفر من أن تصبح الطبقات الإجتماعية مرادفة للطبقات البيولوجية" وحجته في ذلك أن هذا النظام يسمح لأصحاب المواهب من الإرتقاء في السلم الإجتماعي سواء الذين يمتلكون القدرات البدنية أو العقلية ومن الأنظمة الإقتصادية الحديثة التي جعلت من التفاوت أساسا لتحقيق العدالة الظام الرأسمالي لأن التفاوت يكرس الحرية ويشجع المنافسة ويسمح بفتح المبادرات الفردية ويوسع مجال الإبداع يقول آدم سميث "دع الطبيعة تعمل ما تشاء" وفي تفسير ذلك قال في كتابه(بحوث في طبيعة وأسباب رفاهية الأمم): "المصلحة العامة متضمنة في المصلحة الخاصة والتنافس شرط العدالة الإجتماعية" إذ لا يجب مساواة الفرد العبقري المبدع بالفرد العادي الساذج. ولا العامل المجد البارع بالعامل الكسول الخامل, بل لا بد من الإعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه لأن ذلك يبعث على الجهد والعمل.
النقد: من حيث الشكل نلاحظ أن هذه الأطروحة ركزت على مبدأ التفاوت وتجاهلت مبدأ المساواة ومن حيث المضمون نرد عليهم بأن الواقع يثبت أن الناس يختلفون في قدراتهم العقلية والجسمية لكن هذا ليس مبررا يجعل التفاوت مبدأ ضروريا لتحقيق العدالة لأنه يول الطبقية والإستغلال والتمييز العنصري وكل ذلك يتنافى مع روح العدالة ومع القيم الإنسانية والأخلاقية.
عرض الأطروحة الثانية: على النقيض من الأطروحة الأولى يرى بعض الفلاسفة والعلماء أن العدالة الإجتماعية الحقة يجب أن تتأسس على المساواة, على إعتبار أن العدالة الإجتماعية تعني المساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات وأمام القانون يدافع عن هذه الأطروحة فلاسفة القانون الطبيعي وفلاسفة العقد الإجتماعي وكذا أنصارالمذهب الإشتراكي وما يؤكد ذلك أن الأفراد حسب فلاسفة القانون الطبيعي كانوا يعيشون في حالة الفطرة وكانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة فيما بينهم, ومارسوا حقوقهم الطبيعية على قدم المساواة لذلك فالأفراد سواسية وعليه فالعدالة يقتضي المساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات بحكم طبيعتها المشتركة ومادام الناس متساوون في كل شيئ فما على العدالة إلا أن تحترم هذه المساواة لذلك قال الخطيب الروماني شيشرون: "الناس سواسية لا يوجد شيئ أشبه بشيئ من الإنسان بالإنسان لنا جميعا عقل ولنا حواس وإن إختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلم" أما فلاسفة العقد الإجتماعي فيؤكدون ان إنتقال الإنسان من المجتمع الطبيعي إلى المجتمع السياسي تم بناء على تعاقد وبما أن الأفراد في المجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة. لم يكونوا ليقبلوا التعاقد ما لم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين لهم. فالمساواة شرط قيام العقد وبالتالي فالعقد قائم على عدالة أساسها المساواة بين الجميع في الحقوق والوجبات. وهذه الأفكار تجسدت عند أصحاب المذهب الإشتراكي من خلال التركيز على فكرة (المساواة الإجتماعية) التي هي أساس العدالة الإجتماعية وهذا ما أكد عليه (فلاديمير لينين) بقوله: "الشيوعية نظام إجتماعي لا طبقي له شكل واحد الملكية العامة لوسائل الإنتاج والمساواة الإجتماعية الكاملة بين أفراد المجتمع" ومن الذين رفضوا التفاوت ودافعوا عن المساواة الفيلسوف (برودون) الذي رأى أن مصدر الحقوق هو الجهد وليس التفاوت الوراثي فقال: "هناك علة ضرورية لا مفر منها في التفاوت الجسمي والعقلي بين الناس فلا يمكن للمجتمع ولا للضمير الحد منها لكن من اين لهذا التفاوت المحتوم أن يتحول إلى عنوان النبل بالنسبة للبعض والدناءة للبعض الآخر".
النقد:إن كانت هذه الأطروحة تبدو للوهلة الأولى وكأنها مستساغة ومقبولة إلا أنها لا تصمد أمام النقد وتعارض نفسها لتنهار بسرعة وهي غير قادرة على الوقوف والمحاجة فمن حيث الشكل نرد عليهم بأن المساواة المطلقة وهم ولا وجود لها في أرض الواقع ومن حيث المضمون نرد عليهم بالقول صحيح إن المساواة تقضي على الطبقية والاستغلال. إلا أنها في نفس الوقت تقتل المبادرات الفردية وتقضي على روح الإبداع وتشجع الناس على الخمول والكسل حيث تبث فيهم روح الإنكال ولعل هذا هو السبب الذي سارع في إنهيار الأنظمة الإشتراكية.
التركيب: (الفصل في المشكلة):يتحدد مفهوم العدل لغة على أنه الإنصاف وعدم الظلم أما في الاصطلاح الفلسفي فالعدل له مفهوم عميق أنه "مجموهة من القواعد التي تحدد الحقوق والواجبات" وإذا كان من السهل تعرف العدل والتبشيرية والمطالبة بتطبيقه فإنه من الصعب تحديد الكيفية والشروط اللازمة لتحقيقه وهذه مشكلة للفصل فيها نقول العدالة الإجتماعية الحقة معادلة طرفها الأول التفاوت وطرفها الثاني المساواة حسب مجالات الحياة وفي مجال الحقوق أمام المحاتم لا بد من المساواة وفي مجال القدرات والحاجات الإجتماعية لا بد من التفاوت ولن يتحقق هذا وذاك إلا في ظل إرتباط العدل بالأخلاق وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب للناس ما تحب لنفسك تكن أعدل الناس" هذا الحل التوفيقي تأخذ به أغلب المجتمعات الراقية في سلم الثقافة والحضارة.
الخاتمة: (حل المشكلة):صفوت القول وكتلخيص عام نقول أن مشكلة العدل بين التفاوت والمساواة تدرج ضمن محور الحقوق والواجبات والعدل ولها علاقة بمجال أوسع ألا وهو الأخلاق النسبية والأخلاق الموضوعية وقد إتضح لنا أن أطروحة التفاوت شرطت إحترام الفرقات الفردية بين الناس على المستوى العضوي والعقلي والإجتماعي كما أقر ذلك أفلاطون ونيتشه والإتجاه المعاكس قضت أطروحة المساواة هذا الشرط ودافعت عن المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات أمام القانون و










قديم 2011-04-23, 16:01   رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

استغفر الله واتوب اليه










قديم 2011-05-17, 17:57   رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
علال92
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

marciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii










قديم 2011-05-17, 22:46   رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
souad_02
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية souad_02
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii










قديم 2011-05-30, 20:50   رقم المشاركة : 58
معلومات العضو
ام ايمان16
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ام ايمان16
 

 

 
الأوسمة
وسام العضو المميّز لسنة 2011 مبدع في خيمة الجلفة 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علال92 مشاهدة المشاركة
marciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة souad_02 مشاهدة المشاركة
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
شكرالكم









قديم 2011-05-31, 11:17   رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
nadjet45
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية nadjet45
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










قديم 2011-05-31, 11:45   رقم المشاركة : 60
معلومات العضو
lyzy
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

baraka alahou fiki ekhti










 

الكلمات الدلالية (Tags)
اداة, شعبة, وفلسفة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:30

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc