الفقه وأصوله - الصفحة 5 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الفقه وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-20, 03:46   رقم المشاركة : 61
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول قاعدة : ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب )

السؤال:

أشكلت علي قاعدة " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " فقد وجدت عند شراحها أنهم قصدوا شيئا أشبه بالقياس ( كآيات الظهار ) . لكن أری أن مشايخنا يستخدمونها بعيدا عن هذا فيستخدمون مثلا قوله عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) في مواضع النهي عن البدعة ، بينما الآية تختص بالغنائم

. وقوله : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة ) في أمور عامة ، بينما التهلكة المرادة في الآية هي ترك الجهاد والأمثلة في هذا كثيرة .


الجواب :

الحمد لله


نص الأصوليون والفقهاء على قاعدة هامة ، وهي أن " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " وهذه القاعدة متفق عليها عند جماهير أهل العلم ولم يخالف فيها إلا القليل .

جاء في " المحصول " للرازي (3/125) :

" فالحق أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , خلافا للمزني وأبي ثور ؛ فإنهما زعما أن خصوص السبب يكون مخصصا لعموم اللفظ " انتهى .

لكن إن كان اللفظ العام قد ورد على سبب خاص ، فإن دلالته على خصوص السبب تكون قطعية , فلا يجوز إخراج السبب عن عموم اللفظ , جاء في " المسودة في أصول الفقه " (1/ 132) : " إذا ثبت أنه يؤخذ بعموم اللفظ ، ولا يقصر على خصوص السبب ، فإنه لا يجوز إخراج السبب بدليل تخصيص ، فتكون دلالته عليه قطعا " انتهى .

وهذه القاعدة التي سألت عنها هي من القواعد المهمة , وعدم اعتبارها يؤدي إلى هدم كثير من نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة , خذ مثلا قوله تعالى : ( إِنّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) ، فقد نزلت هذه الآية ، فيما ذكره جمع من المفسرين في فتح مكة ، عندما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة ثم رده عليه .

جاء في " تفسير ابن كثير " (2/340) :

" ( إِنّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) قال : نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ، فدخل به البيت يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه الآية فدعا عثمان إليه ، فدفع إليه المفتاح ، قال : وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة ، وهو يتلو هذه الآية : فداه أبي وأمي ، ما سمعته يتلوها قبل ذلك " انتهى .

فهل يقال : إن العبرة هنا بخصوص السبب ، وأنه لا يجوز الاستدلال بالآية الكريمة على أداء كل أمانة من الأمانات , وهل هذا إلا هدم واضح لنصوص الوحي المعصوم ؟ .

لكن هناك أمران ينبغي ملاحظتهما عند تطبيق هذه القاعدة :

الأول : أنه يفرق بين ورود العام على سبب خاص ، فإن ذلك لا يخصصه على الصحيح , وبين دلالة السياق والقرائن على تخصيص العام فإن ذلك يخصصه , وقد نبه على ذلك العلامة ابن دقيق العيد رحمه ، فيما نقله عنه تاج الدين السبكي رحمه الله ، فقال : " يجب أن يتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم , وبين ورود العام على سبب ، ولا تجري مجرى واحد

, فإن مجرد ورود العام على سبب لا يخصصه ، وأما السياق والقرائن فإنها الدالة على المراد ، وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات . قال : فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا تحصي , وانظر قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس من البر الصيام في السفر ) من أي من القبيلين هو منزله عليه "

، قلت [ أي السبكي ] : ومن النظر إلي السياق : ما في " فروع الطلاق " من " الرافعي " : أنه لو قال لزوجته : إن علمت من أختي شيئًا ، ولم تقوليه : فأنت طالق . فتنصرف إلى ما يوجب ريبة , ويوهم فاحشة ، دون ما لا يقصد العلم به كالأكل والشراب " انتهى من " الأشباه والنظائر " للسبكي (2/135) .

الثاني : أن اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب ، فيما إذا لم يكن هناك معارض , أما إذا وجد معارض ، فينبغي حمل اللفظ على خصوص السبب , وفي ذلك يقول السبكي رحمه الله تعالى في " الأشباه والنظائر " (2/136) : " إذا عرفت أن الأرجح عندنا اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب ، فلا نعتقد أن ينسحب العموم في كل ما ورد وصدر ؛ بل إنما نعمم حيث لا معارض .

وفي المعارض أمثلة : منها : حديث النهي عن قتل النساء والصبيان ، أخذ أبو حنيفة بعمومه وقال : المرأة المرتدة لا تقتل ، وخصصناه نحن بسببه = فإنه ورد في امرأة مقتولة مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فنهى إذا ذاك عن قتل النساء والصبيان = لحديث : ( من بدل دينه فاقتلوه ) وغيره من الأدلة .

ومنها : حديث أنس رضي الله عنه : ( ليس من البر الصيام في السفر ) : ورد في رجل قد ظلل عليه من جهد ما وجد ، وقد تقدم الكلام فيه " انتهى .

ثم اختتم السبكي رحمه الله الكلام على هذه القاعدة بتنبيه يوضح محل الوفاق ومحل الخلاف في اعتبار هذه القاعدة ، فقال " تنبيه : قدمنا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والخلاف في ذلك : إذا لم تكن هناك قرينة تعميم ، فإن كانت فالقول بالتعميم ظاهر كل الظهور ، بل لا ينبغي أن يكون في التعميم خلاف " انتهى من " الأشباه والنظائر " (2/136) .

من هنا يتضح أن استدلال أهل العلم بقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/7 على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل أمر , وترك ما نهى عنه في كل نهي – ومن ذلك البدعة – استدلال في محله ، ولا يتعارض هذا مع كون الآية وردت في خصوص الفيء .

وكذلك استدلالهم بقوله تعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة /195 على النهي عن إيراد النفس موارد الهلكة والعطب استدلال في محله ، وإن كانت التهلكة المقصود في الآية هي ترك الجهاد وعدم بذل المال في سبيل الله تعالى , وإلا فهل يقول عاقل ، فضلا عن عالم إن ترك النفقة والجهاد إلقاء بالنفس في التهلكة منهي عنه في الآية الكريمة , وأما ركوب البحر وقت هياجه مع عدم أخذ الأسباب

أو التردي من شاهق = ليس من قبيل الإلقاء بالنفس في التهلكة ، ولا يدخل تحت عموم الآية الكريمة ؟! هذا مما لا يتصور .
والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 15:11   رقم المشاركة : 62
معلومات العضو
أبو عبد الرحمان 1978
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمان 1978
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أخي الطيب










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 05:23   رقم المشاركة : 63
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الرحمان 1978 مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك أخي الطيب

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات




اسعدني وجودك الطيب مثلك
وفي انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك



.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 05:30   رقم المشاركة : 64
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



حكم العامي إذا تضاربت عليه أقوال العلماء ,
وحكم من نزلت به نازلة ولم يجد كبار أهل العلم ليستفتيهم


السؤال:

سألت من قبل عن ماذا أفعل عندما أسأل سؤالا وأجد أكثر من عالم كل منهم له رأي مختلف في الإجابة , ووصلت من قبل لرأى أعتقد أنه موجود في موقعكم للشيخ ابن العثيمين أو غيره , لا أتذكر بالضبط , الجديد في الأمر أني عندما بحثت مرارا عن (ماذا تفعل عند اختلاف العلماء) وجدت أن العلماء أصلا مختلفين في هذا ,

فمنهم من يقول : "اسأل واحد من الناس الثقات العدول المتسمين بالورع والأمانة وخذ برأيه " , ووجدت من يقول : " خذ بما في مصلحتك , المهم أن يكون رأي واحد من العلماء " ، ووجدت من يقول : " لا تسأل أكثر من عالم " , ووجدت من يقول : اسأل أكثر من تثق في علمهم , ولم أجد مثلا من يتكلم في "

ماذا تفعل عندما لا تجد كبار العلماء لتسألهم " وهذا طبعا هو الحال في الواقع , لأنه من الصعب جدا الوصول لأحد العلماء الكبار لتفهم منه أو تشرح له مشكلتك , المهم أني من وجهة نظرى أنه إذا لم يكن هناك "قاعدة" غير مختلف عليها اطلاقا , تنظم هذه العملية " ماذا تفعل مع اختلاف العلماء " ,

فليس هناك دين من الأساس , لأنه تقريبا علي حد علمي أن كل المسائل فيها أكثر من رأي أو معظمها , أنا انتظر أن تردوا علي برد لا يختلف معكم أي عالم آخر أو فقيه اسأله في هذا الموضوع وهذا ما سأفعله إن شاء الله وسأنتظر أيضا أن من أسأله غيركم لا يختلف معكم أو مع من سأسأله من بعده .


الجواب :

الحمد لله

أولا :

إذا نزلت بالشخص العامي نازلة احتاج أن يعرف حكم الله تعالى فيها فيجب عليه أن يقصد أعلم وأورع من يعرفهم من أهل العلم الثقات الذين لا يتساهلون في الفتوى , فيسأله عن حكم الله تعالى في نازلته , فإن أخبره فعليه أن يعمل بفتواه , وبرهان ذلك قول الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/43 ، وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه , بمعنى أنه يلتزم بما أفتاه به العالم الذي سأله ، وبذلك الأمر تتوحد عليه جهة الفتوى ويسلم من الاختلاف والتضارب .

ولا يجوز للإنسان إذا استفتى عالماً واثقًا بقوله ، أن يستفتي غيره ؛ لأن هذا يؤدي إلى التلاعب بدين الله وتتبع الرخص ، بحيث يسأل فلانًا، فإن لم يناسبه سأل الثاني ، وإن لم يناسبه سأل الثالث وهكذا حتى يصل إلى شخص يفتيه بما يشتهي وما يريد , وهذا لا شك من الضلال المبين ، لأن السائل في هذه الحالة يكون متبعا لهواه وليس متبعا لشرع الله
.
ثانيا:

إذا نزلت نازلة بأحد العوام ولم يجد كبار أهل العلم ليسألهم ، فلا حرج عليه أن يقصد من هو دونهم في العلم فيسأل أحد طلاب العلم النابغين النابهين الذين يتقون الله تعالى ويعمل بفتواه , فإن فعل هذا من باب الضرورة، وفي نيته أنه إذا التقى بعالم أوثق منه في علمه ودينه سأله، فهذا لا بأس به .

ثالثا:

من لم يتوافر لديه فرصة لاستفتاء العلماء ولا طلاب العلم مشافهة ، فعليه أن يراسلهم لاستفتائهم ، أو يراسل بعض المواقع الموثوقة المشتهرة بالفتوى , وقد صارت المراسلة بفضل الله سهلة ميسورة في هذا الزمان الذي يسر الله سبحانه فيه التقنيات الحديثة في الاتصالات .

والنصيحة للسائل : ألا يكثر من تطريق الاحتمالات العقلية ، والإيرادات والشبهات ؛ فانظر يا عبد الله فيما تبين لك من دين الله : فاعمل به ، فالمحكم من دين الله وكتابه ، هو أصله ، وأساسه ، ومعظمه ، وما أشكل عليك فكله إلى عالمه ، واعلم أنه لا حجة لأحد على رب العالمين ، بل لله الحجة البالغة على خلقه ، سبحانه .

وقد قال الله تعالى : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/256 ، وقال تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التوبة/115 ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) الشورى/6 .

فاسأل من تثق في علمه ودينه واعمل بما أفتاك به ، فذلك هو ما كُلفت به شرعا ، أما اختلافات العلماء ، فهذه يبحث فيها أهل العلم ولا مدخل للعامي فيها .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 05:34   رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يسأل عن فتوى للإمام أحمد تخالف ما عليه
مذهبه من وجوب مسح الأذنين في الوضوء


السؤال:

ذكرتم في الفتوى رقم 115246 ما نصه " وقال الخلال : كلهم حكوا عن أبي عبد الله فيمن ترك مسحهما عامدا أو ناسيا , أنه يجزئه ; وذلك لأنهما تبع للرأس , لا يفهم من إطلاق اسم الرأس دخولهما فيه , ولا يشبهان بقية أجزاء الرأس , ولذلك لم يجزه مسحهما عن مسحه عند من اجتزأ بمسح بعضه " . ما السبب وراء فتوى الإمام أحمد هذه ، مع أن أصل مذهبه ينص على وجوب مسح الأذنين ؟


الجواب

الحمد لله

أولاً :

قد ينقل عن الإمام الواحد كالأئمة الأربعة وغيرهم عدة اجتهادات في المسألة الواحدة ، وهنا يختلف أصحابه وأتباعه في اختيار أحد هذه الأقوال والاجتهادات ، ووصفه بأنه هو مذهب الإمام ، ولهم في ذلك قواعد وضوابط ، فيحاولون الجمع بين الأقوال أولا ، فإن تعذر وعُلم التاريخ ، فبعضهم يجعل القول الأخير هو المذهب ، وبعضهم يجعل الأول ، فإن لم يعلم التاريخ ، فإنه يرجح بين الأقوال ، ومن طرق الترجيح : أن القول الموافق لقواعد المذهب هو المذهب .

قال ابن بدران رحمه الله :

" وَقد يكون لَهُ (يعني : الإمام أحمد) فِي الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة رِوَايَات ، ثمَّ إِنَّك تنظر فِي كتب الْأَصْحَاب فتجد غالبها مَبْنِيا على قَول وَاحِد ، وَرِوَايَة وَاحِدَة أخذك الشوق إِلَى أَن تعلم كَيفَ كَانَ تصرف الْأَصْحَاب فِي ذَلِك ؟ وَمَا هِيَ طَريقَة المرجحين لإحدى الرِّوَايَات على الْأُخْرَى ... .

لَا يخفاك أَن الْأَصْحَاب أخذُوا مَذْهَب أَحْمد من أَقْوَاله ، وأفعاله ، وأجوبته ، وَغير ذَلِك ؛ فَكَانُوا إِذا وجدوا عَن الإِمَام فِي مَسْأَلَة قَوْلَيْنِ : عدلوا أَولا إِلَى الْجمع بَينهمَا بطريقة من طرق الْأُصُول ، إِمَّا بحمل عَام على خَاص ، أَو مُطلق على مُقَيّد ، فَإِذا أمكن ذَلِك : كَانَ الْقَوْلَانِ مذْهبه .

وَإِن تعذر الْجمع بَينهمَا وَعلم التَّارِيخ ، فَاخْتلف الْأَصْحَاب : فَقَالَ قوم : الثَّانِي مَذْهَب ... وَقَالَت طَائِفَة : الأول ، وَلَو رَجَعَ عَنهُ ...

فَإِن جهل التَّارِيخ ، فالمذهب أقرب الْأَقْوَال من الْأَدِلَّة ، أَو قَوَاعِد مذْهبه " انتهى من " المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل " (ص/126) .

وانظر: "المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" (1/291) للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله .

ولهذا يفرق بين المذهب الاصطلاحي ، والمذهب الشخصي .

فالمذهب الاصطلاحي للإمام : هو ما اختاره أصحابه ، وعولوا عليه ، وجعلوه هو المذهب ، وقد يكون الإمام أفتى بخلافه ، أو لم ينقل عنه قول في هذه المسألة بعينها .

أما المذهب الشخصي : فهو نص الإمام ، واختياره الشخصي .

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

"وهناك فرق بين المذهب الشخصي الذي يدين به الإمام لله عزّ وجل ، وبين المذهب الاصطلاحي :

فالمذهب الاصطلاحي : قد لا يكون الإمام قاله، أو قال بخلافه، وهو ما اصطلح عليه أتباع هذا الإمام أن يكون هو مذهبهم، مثل أن يختاره أئمة من أتباعه، ويقولون: إذا اتفق فلان وفلان من أئمة أتباعه على كذا فهو المذهب، أو إذا كان أكثر الأتباع على هذا فهو المذهب، لكن المذهب الشخصي يختلف ، فهو ما يدين به لله عزّ وجل، وقد يكون موافقاً لما قيل: إنه المذهب اصطلاحاً، وقد يكون مخالفاً" انتهى .

الشرح الممتع (12/41) .

ثانياً :

مسألة مسح الأذنين في الوضوء ، تعد من تلك المسائل التي تعددت فيها الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله .
فقد جاء في " مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني " (ص/14) :

" قُلْتُ لِأَحْمَدَ : إِذَا تَرَكَ مَسْحَ أُذُنَيْهِ نَاسِيًا يُعِيدُ الْوُضُوءَ ؟ قَالَ لَا ؛ لِأَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ ، قُلْتُ : إِذَا تَرَكَهُ مُتَعَمِّدًا ؟ قَالَ : هَذَا أَخْشَى أَنْ يَنْبَغِيَ لَهُ أَنْ يُعِيدَ " انتهى .

وذكر المرداوي رحمه الله روايتين عن الإمام أحمد في وجوب مسح الأذنين ، فقال :

"إحْدَاهُمَا : لَا يَجِبُ مَسْحُهُمَا بَلْ يُسْتَحَبُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ : وَهِيَ الْأَشْهَرُ نَقْلًا" . ثم ذكر من اختارها من علماء الحنابلة ، ثم قال : "وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : يَجِبُ مَسْحُهُمَا ، نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ . انْتَهَى" ثم ذكر من اختارها أيضا ثم قال : "وهو المذهب على المصطلح"

انتهى من " تصحيح الفروع " (1/181) .

وبناء على هذا ؛ فمذهب الإمام أحمد الاصطلاحي ، وهو ما اختاره أكثر أصحابه : هو وجوب مسح الأذنين في الوضوء .
وهذا لا يمنع أن يكون للإمام أحمد قول آخر في المسألة .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 05:40   رقم المشاركة : 66
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم التلفيق والتنقل بين المذاهب
إذا كان لاتباع الحق دون اتباع الهوى


السؤال:

هل يحرم التلفيق إذا كان في اتباع الحق والأقوى دليلا ، وليس في اتباع الهوى ؟

فقد كنت أصلي وأرى أن الإفرازات لا تنقض الوضوء ، خصوصا عند خروجي من البيت وعدم مقدرتي على الوضوء ، لاعتقادي بقوة أدلة من قال بعدم النقض ، وليس اتباعا للهوى . وعلمت أن ابن حزم قال ذلك ، وكنت أمسك يد أبي أو أخي ، ولا أتوضأ ، اتباعا لمذهبي ( الحنفية) ، ومذهب ابن حزم يقول بالنقض إذا لمست يد أبي أو أخي .

مع العلم أني قرأت عن الشيخ ابن العثيمين أنه يرى أنه إذا كانت هذه الإفرازات مستمرة : لا يجب الوضوء لكل صلاة ، ويرى أن لمس يد المحرم ونحوه لا ينقض الوضوء . ولم أستطع معرفة قول ابن حزم إلا مؤخرا ، فلم أجد كتبا لمذهبه إلا قبل فترة قليلة فهل صلاتي سابقا صحيحة ؟


الجواب :


الحمد لله


أولا:

لتلفيق في اللغة: مصدر لفَّق , يقال: لفق بين الثوبين : لأم بينهما بالخياطة , ولفق الحديث: زخرفه وموَّهه بالباطل فهو مُلَفَّق .

وأما في الاصطلاح : فهو القيام بعمل واحد يجمع فيه بين عدة مذاهب ، بحيث لا يمكن اعتبار هذا العمل صحيحا في أي مذهب من المذاهب .

جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية "(13 / 293) :

" الْمُرَادُ بِالتَّلْفِيقِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ : أَخْذُ صِحَّةِ الْفِعْل مِنْ مَذْهَبَيْنِ مَعًا ، بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلاَنِهِ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُفْرَدِهِ .
وَمِثَالُهُ : مُتَوَضِّئٌ لَمَسَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً بِلاَ حَائِلٍ ، وَخَرَجَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ ،كَدَمٍ ، مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ، فَإِنَّ هَذَا الْوُضُوءَ بَاطِلٌ بِاللَّمْسِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَبَاطِلٌ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَلاَ يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ تِلْكَ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَلاَ يُنْتَقَضُ أَيْضًا بِاللَّمْسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، فَإِذَا صَلَّى بِهَذَا الْوُضُوءِ ، فَإِنَّ صِحَّةَ صَلاَتِهِ مُلَفَّقَةٌ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا " انتهى .

وقد اختلف العلماء في حكم هذه الصورة : فذهب بعضهم إلى عدم الجواز , بل حكى البعض الإجماع على فساد هذا العمل وبطلانه .

جاء في " الدر المختار وحاشية ابن عابدين " (1 / 383): "الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ" انتهى.

وذهب بعضهم إلى الجواز , جاء في " الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي "(1 / 20):

"وَبِالْجُمْلَةِ : ففِي التَّلْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ طَرِيقَتَانِ : الْمَنْعُ ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَصَارِوَةِ , وَالْجَوَازُ ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَغَارِبَةِ وَرُجِّحَتْ " انتهى .

والقول بالجواز هو الراجح , جاء في " مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (1 / 391): " وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ وَأَخْتَارُهُ : الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي التَّلْفِيقِ ، لَا بِقَصْدِ تَتَبُّعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصَ فَسَقَ ، بَلْ حَيْثُ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا ، خُصُوصًا مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يَسْعُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ .

فَلَوْ تَوَضَّأَ شَخْصٌ ، وَمَسَحَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِهِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ ، فَوُضُوءُهُ صَحِيحٌ بِلَا رَيْبٍ ، فَلَوْ لَمَسَ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ، جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُضُوءَ هَذَا الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ ، وَلَمْسَ الْفَرْجِ غَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِذَا قَلَّدَهُ فِي عَدَمِ نَقْضِ مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، اسْتَمَرَّ الْوُضُوءُ عَلَى حَالِهِ بِتَقْلِيدِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَهَذَا هُوَ فَائِدَةُ التَّقْلِيدِ .

وَحِينَئِذٍ ، فَلَا يُقَالُ: الشَّافِعِيُّ يَرَى بُطْلَانَ هَذَا الْوُضُوءِ بِسَبَبِ مَسِّ الْفَرْجِ ، وَالْحَنَفِيُّ يَرَى الْبُطْلَانَ لِعَدَمِ مَسْحِ رُبْعِ الرَّأْسِ فَأَكْثَرَ ؛ لِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ مُنْفَصِلَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ تَمَّ صَحِيحًا بِتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ ، وَيَسْتَمِرُّ صَحِيحًا بَعْدَ اللَّمْسِ بِتَقْلِيدِ الْحَنَفِيِّ ، فَالتَّقْلِيدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِمْرَارِ الصِّحَّةِ ، لَا فِي ابْتِدَائِهَا ، وَأَبُو حَنِيفَةَ مِمَّنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ وُضُوءِ هَذَا الْمُقَلِّدِ قَطْعًا، فَقَدْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِيمَا هُوَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ" انتهى.

أما أن يُقلد الشخص مذهباً في مسألة ما ، ويقلد مذهباً آخر في مسألة أو مسائل أخرى غيرها ، فهذا ليس من التلفيق .
جاء في "

الموسوعة الفقهية الكويتية " (13 / 294) :

" أَمَّا الأخْذُ بِأَقْوَال الأئِمَّةِ فِي مَسَائِل مُتَعَدِّدَةٍ فَلَيْسَ تَلْفِيقًا , وَإِنَّمَا هُوَ تَنَقُّلٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ ، أَوْ تَخَيُّرٌ مِنْهَا" انتهى .
وهذ جائز ، إذا لم يكن الدافع للفعل مجرد اتباع الهوى والشهوات , لأنه لا يلزم أحدا من الناس أن يأخذ بقول إمام من الأئمة ، يقلده دون غيره في كل ما يقوله .

وفي ذلك يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في "

إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4 / 202) :

"وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا قَطُّ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ رَجُلٍ مِنْ الْأُمَّةِ ، بِحَيْثُ يَأْخُذُ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا وَيَدْعُ أَقْوَالَ غَيْرِهِ . وَهَذِهِ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ حَدَثَتْ فِي الْأُمَّةِ ، لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَهُمْ أَعْلَى رُتْبَةً وَأَجَلُّ قَدْرًا وَأَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَنْ يُلْزِمُوا النَّاسَ بِذَلِكَ ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبِ عَالِمٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ، فَيَالَلَّهِ الْعَجَبُ، مَاتَتْ مَذَاهِبُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَذَاهِبُ التَّابِعِينَ

وَتَابِعَيْهِمْ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَبَطَلَتْ جُمْلَةً ، إلَّا مَذَاهِبَ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ فَقَطْ ، مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ وَالْفُقَهَاءِ ، وَهَلْ قَالَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، أَوْ دَعَا إلَيْهِ ، أَوْ دَلَّتْ عَلَيْهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ كَلَامِهِ عَلَيْه " انتهى.

بقيت صورة أخرى ذات صلة بهذه المسألة ، وهي: أن يُقلد الشخص مذهباً في مسألة معينة ، فإذا تكررت معه نفس المسألة ، أخذ فيها برأي مذهب آخر ، وهذه الصورة جائزة إذا كان الدافع اتباع الحق ؛ مثل أن يتبين له أن الحق مع هذا القول الذي جاءه متأخرا , أما إن كان الدافع اتباع الهوى فلا يجوز , وفي ذلك يقول العلامة ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في " مجموع الفتاوى " (20 / 220) :

" مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا ، ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لِعَالِمِ آخَرَ أَفْتَاهُ ؛ وَلَا اسْتِدْلَالَ بِدَلِيلِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ ، وَمِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ ، وَعَامِلًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ ، فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ؛ فَهَذَا مُنْكَرٌ...

وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا ، ثُمَّ يَعْتَقِدَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَا حَرَامٍ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَيَعْتَقِدَهَا أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ، ثُمَّ إذَا طَلَبْت مِنْهُ شُفْعَةَ الْجِوَارِ اعْتَقَدَهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً ، أَوْ مِثْلَ مَنْ يَعْتَقِدُ إذَا كَانَ أَخًا مَعَ جَدٍّ : أَنَّ الْإِخْوَةَ تُقَاسِمُ الْجَدَّ ،

فَإِذَا صَارَ جَدًّا مَعَ أَخ اعْتَقَدَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ ، أَوْ إذَا كَانَ لَهُ عَدُوٌّ يَفْعَلُ بَعْضَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَشُرْبِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلِعْبِ الشِّطْرَنْجِ , وَحُضُورِ السَّمَاعِ ، أَنَّ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَدِيقُهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَا تُنْكَرُ .

فَمِثْلُ هَذَا مُمْكِنٌ فِي اعْتِقَادِهِ حِلُّ الشَّيْءِ وَحُرْمَتُهُ ، وَوُجُوبُهُ وَسُقُوطُهُ ، بِحَسَبِ هَوَاهُ ؛ هُوَ مَذْمُومٌ بِخُرُوجِهِ ، خَارِجٌ عَنْ الْعَدَالَةِ ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ.

وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ مَا يُوجِبُ رُجْحَانَ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ ، إمَّا بِالْأَدِلَّةِ الْمُفَصَّلَةِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهَا وَيَفْهَمُهَا ، وَإِمَّا بِأَنْ يَرَى أَحَدَ رَجُلَيْنِ أَعْلَمَ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْآخَرِ ، وَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ فِيمَا يَقُولُهُ ، فَيَرْجِعُ عَنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِمِثْلِ هَذَا , فَهَذَا يَجُوزُ ، بَلْ يَجِبُ , وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد عَلَى ذَلِكَ" انتهى.

ثانيا:

الواجب على العامي الذي لم يتأهل للنظر أن يرجع في أمر دينه ، والنوازل التي تواجهه ، إلى أهل العلم الثقات ، فيسألهم ، ويصدر عن كلامهم . قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الأنبياء/43-44 .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم

وأن أعلى أنواعه : العلم بكتاب الله المنزل ؛ فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم ، وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله ... "

انتهى من "تفسير السعدي" (441).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " واجتهاد العامة : هو طلبهم العلم من العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم "

انتهى من "جامع الرسائل" (2/318) .

فإذا سأل العامي العالم الذي يثق في علمه وورعه ، فأفتاه ؛ فعليه أن يتبع فتواه , ولا يترك قوله إلى قول غيره لمجرد اتباع الهوى والأخذ بالأيسر , فإن هذا من تتبع الرخص المذموم

أما إن ترك قول مفتيه إلى قول غيره من أهل العلم ، لا لمجرد الهوى واتباع ما تشتهيه نفسه , بل لأمر ديني ، مثل أن يتبين له رجحان قول الآخر على ما قاله الأول , أو ترك قول العالم إلى من هو أعلم منه وأورع ، فهنا : لا حرج عليه , بل يجب عليه ذلك كما سبق بيانه .

وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين : إما لرجحان دليله - بحسب تمييزه - ، وإما لكون قائله أعلم وأورع : فله ذلك وإن خالف قوله المذهب" .

انتهى من" مجموع الفتاوى( 33 / 168 ) .

وقال رحمه الله :

" إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني ، مثل أن يتبين رجحان قول على قول ، فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله : فهو مثاب على ذلك ، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه ، ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله ؛ فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال ..." .

انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 223 ) .

ثالثا:

الإفرازات التي تخرج من المرأة طاهرة على القول الراجح , ولكن خروجها ينقض الوضوء على القول الراجح أيضا , بل هو قول جماهير أهل العلم خلافا لابن حزم , فإذا كانت هذه الرطوبة تنزل من المرأة باستمرار ، فإنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ولا يضرها نزول هذه الرطوبة بعد ذلك ، ولو كانت في الصلاة ، وإذا شق عليها الوضوء لكل صلاة ، لكونها في مكان لا تستطيع فيه الوضوء ، فلها أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين صلاتي المغرب والعشاء ، فتصليهما في وقت إحداهما ، بأن تتوضأ وضوءً واحداً وتصلي الصلاتين معاً .

رابعا:

لمسُكِ لمحارمِك لا ينقض الوضوء ؛ لأن الراجح من أقوال أهل العلم أن لمس الرجل للمرأة - ومثله لمس المرأة للرجل - لا ينقض الوضوء مطلقا ,

خامسا:

أما صلاتك السابقة التي أديتها مقلدة لمذهب من يقول بعدم بطلان الوضوء بهذه الإفرازات : فهي صلاة صحيحة ؛ لأنك فعلتها متأولة صواب ذلك ، مقلدة لبعض أهل العلم المجتهدين .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 05:43   رقم المشاركة : 67
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يجوز للمسلم اختيار القول الأسهل من أقوال العلماء

السؤال


عندما يكون هناك خلاف بين العلماء حول مسألة ما, أسمع الكثيرين من الناس يقولون: "حسنا, بما أن في المسألة خلاف, فسأختار أسهل الآراء بالنسبة لي". فهل هذا الفهم صحيح؟ إذا كان الجواب بلا, فكيف يمكن للشخص أن يختار رأيا ليأخذ به في الأمور الخلافية؟.


الحواب

الحمد لله


ليس بصحيح أن يختار المسلم أسهل الأقوال ، لأنه بهذه الطريقة يتنصَّل من التكاليف الشرعية أو جُلِّها ، لأنَّ أغلب المسائل العلمية مختلفٌ فيها سوى الأركان ، وقديماً قالوا _ من تتبع الرخص فقد تزندق _ وعلى الشخص أن يختار من أقوال العلماء أرجحها من حيث الدليل إن كان أهلاً للنظر والموازنة ، وإن لم يكن فعليه أن يُقلِّد أوثق العلماء في نفسه علماً ، وديناً ، وورعاً .

الشيخ عبد الكريم الخضير









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 05:48   رقم المشاركة : 68
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يجوز للعامي أن يأخذ بمذهب معين من باب الرخصة ؟

السؤال:


أنا مذهبي مالكي ، وأحب فتاة حباً صادقاً ونظيف ونزيه يخلو من كل ما هو محرم صدقوني أحبها حبا جما ، ولما فكرت في خطبتها فاجئوني بأنها أختي من الرضاعة الغير مباشرة يعني أرضعتها المرأة التي أرضعتني ، ولذلك فكرت في مسألة ، وهي مع حبي وعشقي الشديد لها ، هل يجوز لي أن أترخص بأحد المذاهب كمذهب الشافعي الذي يشترط في ثبوت الرضاعة 5 رضاعات ، و4 شهود وأتزوجها ؟


الجواب :


الحمد لله

أولاً :

سبق الكلام في الموقع أن الرضاع المُحَرِّم هو ما كان خمس رضاعات فأكثر ؛ لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ) رواه مسلم (1452) .

كما سبق في الموقع – أيضاً – ترجيح القول بقبول شهادة امرأة واحدة في إثبات الرضاع ؛ وذلك لما روى البخاري (5105) عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : " تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء ، فقالت أرضعتكما ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : تزوجت فلانة بنت فلان ، فجاءتنا امرأة سوداء ، فقالت لي : إني قد أرضعتكما ، وهي كاذبة ، فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه قلت : إنها كاذبة ، قال : ( كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْك ) ".

وينظر : " نهاية المحتاج " للرملي (7/185) ، " الموسوعة الفقهية الكويتية " (22/254) .

ثانياً :

نص أهل العلم رحمهم الله : على أن العامي ليس له أن يتخير من المذاهب وأقوال أهل العلم ما يوافق هواه ، من باب الترخص .

قال الشاطبي رحمه الله : " ليس للمقلد أن يتخير في الخلاف ، كما إذا اختلف المجتهدون على قولين ، فوردت كذلك على المقلد ، فقد يعد بعض الناس القولين بالنسبة إليه مخيراً فيهما ، كما يخير في خصال الكفارة ، فيتبع هواه وما يوافق غرضه دون ما يخالفه ، وربما استظهر على ذلك بكلام بعض المفتين المتأخرين ، وقواه بما روى من قوله عليه الصلاة والسلام : ( أصحابي كالنجوم ) ، وقد مر الجواب عنه ، وإن صح

فهو معمول به فيما إذا ذهب المقلد عفوًا ؛ فاستفتى صحابيا أو غيره فقلده فيما أفتاه به ، فيما له أو عليه ، وأما إذا تعارض عنده قولا مفتيين ، فالحق أن يقال : ليس بداخل تحت ظاهر الحديث ؛ لأن كل واحد منهما متبع لدليل عنده يقتضي ضد ما يقتضيه دليل صاحبه ، فهما صاحبا دليلين متضادين ، فاتباع أحدهما بالهوى اتباع للهوى ، وقد مر ما فيه ؛ فليس إلا الترجيح بالأعلمية وغيرها ، وأيضًا فالمجتهدان بالنسبة إلى العامي ، كالدليلين بالنسبة إلى المجتهد ؛ فكما يجب على المجتهد ، الترجيح أو التوقف ؛ كذلك المقلد ، ولو جاز تحكيم التشهي والأغراض في مثل هذا ؛ لجاز للحاكم وهو باطل بالإجماع .

وأيضاً : فإن في مسائل الخلاف ضابطًا قرآنيًا ينفى اتباع الهوى جملة ، وهو قوله تعالى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول ) النساء : 59 ، وهذا المقلد قد تنازع في مسألته مجتهدان ؛ فوجب ردها إلى الله والرسول ، وهو الرجوع إلى الأدلة الشرعية ، وهو أبعد من متابعة الهوى والشهوة ؛ فاختياره أحد المذهبين بالهوى والشهوة مضاد للرجوع إلى الله والرسول ....
.
وأيضاً : فإن ذلك يفضي إلى تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي ، وقد حكى ابن حزم الإجماع على أن ذلك فسق لا يحل "

انتهى من " الموافقات " (5/79-82) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

: " إذا جوز للعامي أن يقلد من يشاء ، فالذي يدل عليه كلام أصحابنا وغيرهم أنه لا يجوز له تتبع الرخص مطلقاً " .

انتهى من " المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام " (2/258) .

فعلى هذا ، إذا كان قد حصل منكما رضاع من تلك المرأة ، وكان ذلك الرضاع خمس رضاعات فأكثر ، فأنتما أخوان من الرضاع ، لا يجوز لكما الزواج ، ويكفي في ثبوت وقوع ذلك الرضاع شهادة امرأة واحدة ، على القول الراجح .

وأما ما ذكرت من حبك لهذه الفتاة ، فليس بهذا تنتهك حرمات الله ، ولا تتبع رخص الناس ، وأقوال المفتين ، بل هذا يقطع عنك بطلب الحلال من غيرها ، وعند سواها مثل ما عندها من أمر النساء ، فلا يستهوينك الشيطان بذلك .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 05:56   رقم المشاركة : 69
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل الواجب تقليد علماء البلد أم يجزئ تقليد أي عالم ؟

السؤال:

كنتم قد ذكرتم في إحدى الفتاوى أنه على العامي أن يقلد علماء بلده ، ونقلتم قولا للشيخ محمد بن عثيمين يؤيد هذا القول ، وسؤالي هو : أنا مصري ، وأقيم غالب السنة في السعودية ، فهل بناء على هذا القول لا يجوز لي تقليد إلا العلماء المصريين ؟ وهل يجوز لي تقليد علماء غير مصريين مثل الشيخ محمد بن عثيمين ؟ مع العلم أن أقوال العلماء في البلد الواحد تختلف كثيرا .

الجواب :

الحمد لله

المسائل الفقهية على نوعين:

النوع الأول:

مسائل تكتسب صفة محلية ، ولها علاقة بقضايا داخلية ، ولا تخرج عن سياقها الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي الذي وردت فيه ، كمثل الحديث عن حكم المشاركة في المجالس النيابية في بلد معين ، أو حكم الاقتتال الدائر في بلد آخر ، أو إعلان دخول رمضان والعيد ، أو حكم الحجاب وغطاء الوجه ، أو حكم قيادة النساء للسيارات ؛ حيث ارتبطت هذه المسألة بظروف مواجهة الغزو الثقافي والفكري ...

ففي هذه المسائل ونحوها نقرر أن الذي ينبغي على السائل أن يكون سؤاله ، وتقليده لعلماء البلد ، لسبب واضح شرعي ومعقول ، وهو أن علماء البلد أقدر على فهم الظروف المحيطة بالمسألة ، وأعرف بسياقها ، وأدرى بعلاقاتها المحلية ، وأقدر على فهم جميع المعطيات المرتبطة بها ، ولذلك غالبا ما يكون عالم البلد أدرى بها وأفقه .

وهذا أمر مجرب ومشاهد في جميع القطاعات ، فالسياسي أدرى بشؤون بلده ، بحكم اطلاعه اليومي على مجريات الأمور فيها ، وكذلك التاجر في المدينة أعرف بمداخل التجارة وخفاياها ، بخلاف الغر الطارئ عليها من الخارج ، وكذلك المفكرون والمثقفون يبحثون عن المختصين في شؤون بلادهم .

ولهذا كانت الجامعات ومراكز الدراسات العالمية عبر التاريخ المعاصر حريصة كل الحرص على تخصيص الباحثين الذين يركزون بحثهم في شؤون بعض البلاد ، كي تكتمل لديهم الصورة عن ذلك البلد بشكل أوضح وأجلى ، فيتخذون القرارات الأنسب في التعامل مع القضايا المتعلقة بذلك البلد محل البحث والدراسة .

ومن قبل ذلك كله كان المحدثون يقولون : الشيخ أعرف ببلديِّه ، وأعلم بمرويات بلده ، وكان كثير من الرواة إذا حدث عن شيوخ من غير أهل بلده ، يكثر منه الوهم والغلط ؛ لذلك قال حماد بن زيد رحمه الله : " بلديُّ الرجل ، أعرف بالرجل " رواه الخطيب في " الكفاية " (ص175).

أفلا يكون في ذلك مقنع أو حجة للحث على تقليد علماء البلد ، الذين هم أعلم بظرفهم من غيرهم !!

ومن هذا القسم أيضا تلك المسائل التي استقر العمل بها في أحد البلدان بمذهب إمام معين ، فالأولى بالناس مراعاة ذلك المذهب المستقر ، ما أمكن ذلك ، لمنع أسباب الاضطراب والتنازع بين الناس .

فمثلا : ليس من الحكمة أن أفتي الناس بتقليد مذهب أبي حنيفة في بلاد المغرب التي يشتهر فيها المذهب المالكي الذي نشأ الناس عليه ، وتعلموا من فقهه وأحكامه ، فإذا ما قلد العامي هناك مذهبا آخر غير المشتهر ، فإنه غالبا ما يؤدي إلى إحداث النزاع بينه وبين مجتمعه ومحيطه ، خاصة في القضايا التي تتعلق بالحقوق والمعاملات ، كالزواج والطلاق والبيوع وغيرها .

ففي جميع ما سبق نقول : الأولى تقليد علماء البلد ، ولا ننكر وجود الاستثناء في بعض الأحيان.

النوع الثاني:

المسائل الفقهية المجردة من محيط مكاني أو زماني ، والنوازل العالمية التي لا تختص ببلد دون آخر ، وإنما هي محل بحث وسؤال من قبل الجميع ، ولا ترتبط بها أحداث تؤثر في الحكم فيها ، كما أنها ليس لها معطيات خاصة تقتضي جوابا خاصا في حكمها .

كمثل بيان وجوب الصلاة والصيام وأركان الإسلام ، وبيان أحكام الربا والبيوع المنهي عنها ، وتقرير أحكام التقنيات الطبية الحديثة مثلا ، أو التكييف الفقهي لما يسمى الصكوك الإسلامية ، ونحو ذلك من القضايا النظرية العامة ، دون التنزيلية الخاصة .

وهذا النوع من المسائل هو الأكثر ، خاصة في عصرنا عصر " القرية الصغيرة " كما يقولون إن العالم كله آل إليه .

ولهذا فلا حرج على المقلد فيها أن يأخذ بقول الأعلم ، والأوثق في نفسه ، ولو كان من غير أهل بلده ، ويجوز له تقليد من يثق في علمه وديانته ، ولو لم يكن يحمل " جنسيته "، بل هذا هو الذي ينبغي في شأنه .

فمواقع الإفتاء عبر الإنترنت وبرامج الفتوى عبر الفضائيات كثيرة والحمد لله ، ولو قلنا بعدم جواز تقليد العالم إلا من أهل بلدك ، لحرم الناس هذا الخير العميم ، ولخالفنا منطق الإسلام الذي هو رسالة إلى العالم كافة ، والذي دعا أيضا إلى التوحد والتعاون على البر والتقوى .

فضلا عن أن الحجر في هذا النوع من المسائل يقيد مطلق قول الله سبحانه : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون ) النحل/43.

ولكن لا ننسى أن نستثني ما إذا كان تقليد غير علماء البلد سيؤدي إلى فتنة أو اضطراب وتشويش ، كما سبق التمثيل عليه في الفتوى بمذهب الحنفية مثلا في البلاد التي يشتهر بها المذهب المالكي ، ونحو ذلك من الأمثلة العملية التي يعلم العلماء مفسدتها على ساحة الفتوى الشرعية .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:

" بعض أهل العلم يقسم الناس من حيث التلقي إلى ثلاث مراتب : مرتبة الاجتهاد وهم العلماء ، ومرتبة الاتباع وهم طلبة العلم ، ومرتبة التقليد وهم العوام . فما رأي فضيلتكم في هذه القسمة ؟

فأجاب:

نعم . الناس يختلفون ، فمنهم من يصل إلى درجة الاجتهاد ، ومنهم دون ذلك ، ومنهم من يكون مجتهداً في مسألة من المسائل ، يحققها ويبحث فيها ، ويعرف الحق فيها دون غيره ، ومن الناس من لا يعرف شيئاً .

فالعامة مذهبهم مذهب علمائهم ، ولهذا لو قال لنا قائل : إنني أشرب الدخان ؛ لأن في البلاد الإسلامية الأخرى من يقول : إنه جائز ، وأنا لي حرية التقليد .

قلنا : لا يسوغ لك هذا ؛ لأن فرضك أنت هو التقليد ، وأحق من تقلد علماؤك ، ولو قلدت من كان خارج بلادك أدى ذلك إلى الفوضى في أمر ليس عليه دليل شرعي .

ولو قال : إنه سيحلق لحيته ؛ لأن من علماء الأمصار من قال : لا بأس بذلك ، نقول له : لا يمكن ، أنت فرضك التقليد ، لا تخالف علماءك .

ولو قال : أنا أريد أن أطوف على قبور الصالحين ؛ لأن من علماء الأمصار من قال : لا بأس بذلك ، أو قال : أريد أن أتوسل بهم إلى الله ، وما أشبه ذلك . قلنا : لا يمكن هذا ، فالعامي يجب عليه أن يقلد علماء بلده الذين يثق بهم .

وقد ذكر هذا شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ، وقال : العامة لا يمكن أن يقلدوا علماء من خارج بلدهم ؛ لأن هذا يؤدي إلى الفوضى والنزاع .

ولو قال : أنا لا أتوضأ من لحم الإبل ؛ لأنه يوجد من علماء الأمصار من يقول : لا يجب الوضوء منه ، ولقلنا : لا يمكن ، يجب عليك أن تتوضأ لأن هذا مذهب علمائك وأنت مقلد لهم .

لكن العامي إذا استفتاك فأفته بما تراه أنه الراجح ، وإذا كان الراجح يخالف ما عليه الناس ؛ فأفته به سراً ، ما دامت المسألة اجتهادية وليس فيها نص ، وقل له : هذه فتوى بيني وبينك .

أما إذا كان الذي عليه الناس مخالفا للنص ؛ فأفته علناً ولا تُبالِ ، لكن لا تذكر له الخلاف ، فإن العوام يقولون : إذا أردت أن تحيِّر فخيِّر ، ولهذا دائماً نقول للطلبة : لا تبينوا الخلاف للعامة فتذبذبوهم ، ونقول : أيضاً لمن يعرف القراءات السبع : لا تقرأ بها أمام العامة ؛ لأنك لو قرأت بقراءة أخرى غير التي في المصحف عندهم ، شوش عليهم ذلك ". انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (32/ 20، بترقيم الشاملة آليا).

ويقول الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله:

" إذا كان القول المعتمد في بلد من البلدان حمل الناس على القول الأحوط ، هذا إذا افترضنا أنهم على حد سواء ، مع أن المسألة في الحجاب ليست الأقوال مستوية ، النصوص صريحة في وجوب تغطية الوجه والكفين .

إذا فرضنا أن المسألة على حد سواء ، الأدلة متعادلة ، واعتُمد قول ، وأُفتي به في بلد من البلدان ، لا شك أن هذا القول هو المعتمد ، وأن الذي يثير غيره ، لا سيما إن كان القول الآخر تترتب عليه آثار عملية مؤثرة سلبية ، فإنه لا حظ له من النظر ، بل ينكر على من أفتى به " انتهى من " شرح الموطأ " (35/ 8، بترقيم الشاملة آليا).

والخلاصة:

أنك في المسائل من النوع الأول تقلد فيها العلماء في البلد الذي تقيم فيه ، فهذا هو المقصود بعلماء بلدك ، يعني : علماء البلد الذي تقيم فيه ، ولو كنت أجنبيا عنه ؛ وليس في البلد الذي جئت منه ، أو بلد المولد الأصلي .

أما المسائل من النوع الثاني : فتحرص فيها على تقليد الأعلم والأتقى والأورع ، ولو كان في غير بلد إقامتك .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 06:05   رقم المشاركة : 70
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم استفتاء علماء بلد غير بلدها في مسائل الطلاق

السؤال:

أنا مصرية ، فهل يجوز الاستماع لشيوخ دولة أخرى في مسألة الطلاق ؟


الجواب :


الحمد لله

الواجب على العامي ، أو طالب العلم الذي لم يتأهل للنظر : أن يرجع في أمر دينه ، والنوازل التي تواجهه إلى أهل العلم الثقات ، فيسألهم ، ويصدر عن كلامهم ، قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل /43، 44 .

قال القرطبي رحمه الله في "تفسيره" (2/212) :

" فرْض العامِّي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها ، لعدم أهليته ، فيما لا يعلمه من أمر دينه ، ويحتاج إليه : أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده ، فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه ، لقوله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه ، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس" انتهى .

وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :

" وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم ، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل ؛ فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة ، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله ... "

انتهى من "تفسير السعدي" (441).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله" : واجتهاد العامة هو طلبهم العلم من العلماء ، بالسؤال والاستفتاء ، بحسب إمكانهم " ا

نتهى من "جامع الرسائل" (2/318) .

ويلزم العامي في استفتائه أهل العلم أن يقصد منهم من عُرِف بالعدالة والاجتهاد ، وتحرِّي الحق والصواب ، دون من عرف بالتهاون ، وتتبع الرخص ، واتباع الهوى ، فقد نص أهل العلم على عدم جواز استفتاء المتساهل في الفتوى .
قال النووي رحمه الله تعالى : " يحرم التساهل في الفتوى ، ومن عُرِف به :

حَرُم استفتاؤه فمن التساهل : أن لا يتثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر ؛ فإن تقدمت معرفته بالمسؤول عنه : فلا بأس بالمبادرة ، وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة . ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة ، والتمسك بالشبه ، طلبا للترخيص لمن يروم نفعه ، أو التغليظ على من يريد ضره " انتهى من "

آداب الفتوى والمفتي والمستفتي " (1 / 38) .

وقال ابن حمدان الحنبلي رحمه الله :

" يحرم التساهل فِي الْفَتْوَى ، واستفتاء من عرف بذلك ، إِمَّا لتسارعه قبل تَمام النّظر والفكر ، أَو لظَنّه أَن الْإِسْرَاع براعة " .

انتهى من " صفة الفتوى والمفتي والمستفتي " (ص31).

فالواجب إذن استفتاء العالم العدل الثقة ، وسواء كان هذا العدل في بلد المستفتي ، أو غيرها من البلدان ، ما دام صورة السؤال واضحة مفهومة ، ولغة السائل بينة في مراده بالنسبة للمستفتي ، لا يتوقف فهم النازلة ، ولا فهم مراد السائل من سؤاله على كونه من أهل البلد ، أو عارفا بلغتهم .

فإن استفتاه : أخذ قوله وعمل به ، ولا يجوز له حينئذ أن يترك قوله ويذهب إلى غيره لمجرد التشهي ، واتباع الهوى ، وتتبع الرخص ؛ فإن هذا تلاعب بدين الله ، واتباع لشهوات النفس الأمارة .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 06:10   رقم المشاركة : 71
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الاستدلال بما حكاه القرآن من أقوال في قصص السابقين

لسؤال:

كيف أفهم ما يؤيد ربنا من الآيات تشريعيا : قال الله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (يوسف 28) أريد أعرف ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) هو على سبيل نقل الأخبار فقط ، أو النقل والتأييد ؟


الجواب

:
الحمد لله


بداية لا بد أن ننبه إلى أن الآية الكريمة ( إن كيدكن عظيم ) ليست في مقام التشريع ، ولا تحمل حكما شرعيا ، وسواء قلنا إن المقام مقام إخبار فقط ، أو هو مقام إخبار وإقرار .

وإنما وردت في سياق تبين عزيزِ مصر أن ما وقع ليوسف في قصره ، إنما وقع من كيد النساء ، وحيلتهن في قلب الحقائق ، وإلقاء التهم على الآخرين ، فحكى الله عز وجل قوله : ( فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) يوسف/28.

روى ابن أبي حاتم في " التفسير " (7/2130) عن محمد بن إسحاق قال :

" لما رأى أطيفير [اسم العزيز] قميصه قُد من دبر ، عرف أنه من كيدها ، قال : ( إنه من كيدكن ، إن كيدكن عظيم )"

انتهى . وانظر " جامع البيان " (16/59) .

ومحل الشاهد في مثل هذه المواقف ينظر فيه إلى الموقف المحكي ، أو الكلام المروي ؛ فإن وجد فيه رد هذا الكلام المحكي ، وإبطاله : فأمره واضح ؛ وإلا ، فلا بد أن يوجد في القرائن والسياق ما يستدل به على رده ، إن كان مردودا .
فإن لم يوجد رد الكلام المحكي ، لا تصريحا ، ولا باعتبار سياق الكلام وقرائنه ، فذلك دليل على صحة الكلام المحكي ، وأنه لا مناقضة فيه للمشروع .

وإن كان "الاحتجاج" بمثل هذا الكلام ، له مقام آخر .

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :

" كل حكاية وقعت في القرآن ؛ فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها - وهو الأكثر - رد لها ، أو لا:

فإن وقع رد ؛ فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه .

وإن لم يقع معها رد ؛ فذلك دليل صحة المحكي وصدقه .

أما الأول فظاهر ، ولا يحتاج إلى برهان ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) [الأنعام: 91] فأعقب بقوله : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ) الآية [الأنعام: 91] .

وقال تعالى: ( وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ) [الفرقان: 4] فرد عليهم بقوله : ( فقد جاءوا ظلما وزورا ) [الفرقان: 4] إلى آخر ما هنالك . ومن قرأ القرآن وأحضره في ذهنه ، عرف هذا بيسر .

وأما الثاني ؛ فظاهر أيضا ، ولكن الدليل على صحته من نفس الحكاية وإقرارها ، فإن القرآن سمي فرقانا ، وهدى ، وبرهانا ، وبيانا ، وتبيانا لكل شيء ، وهو حجة الله على الخلق على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم ، وهذا المعنى يأبى أن يحكى فيه ما ليس بحق ، ثم لا ينبه عليه .

ومن أمثلة هذا القسم جميع ما حكي عن المتقدمين من الأمم السالفة مما كان حقا ؛ كحكايته عن الأنبياء والأولياء ، ومنه قصة ذي القرنين ، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام ، وقصة أصحاب الكهف ، وأشباه ذلك .

ولاطراد هذا الأصل اعتمده النظار ؛ فقد استدل على أن أصحاب الكهف سبعة وثامنهم كلبهم ، بأن الله تعالى لما حكى من قولهم أنهم : ( ثلاثة رابعهم كلبهم ) [الكهف: 22] ، وأنهم : ( خمسة سادسهم كلبهم ) [الكهف: 22] ، أعقب ذلك بقوله : ( رجما بالغيب ) [الكهف: 22] ؛ أي : ليس لهم دليل ولا علم غير اتباع الظن ، ورجم الظنون لا يغني من الحق شيئا . ولما حكى قولهم : ( سبعة وثامنهم كلبهم ) [الكهف: 22] ؛ لم يتبعه بإبطال ، بل قال : ( قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ) [الكهف: 22] ؛ دل المساق على صحته دون القولين الأولين.

ومن تتبع مجاري الحكايات في القرآن عرف مداخلها ، وما هو منها حق مما هو باطل .

وقال تعالى : ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ... ) إلى قوله : ( وكلا آتينا حكما وعلما ) [الأنبياء: 78] ؛ فقوله : ( ففهمناها سليمان ) [الأنبياء: 79] تقرير لإصابته عليه السلام في ذلك الحكم ، وإيماء إلى خلاف ذلك في داود عليه السلام ، لكن لما كان المجتهد معذورا مأجورا بعد بذله الوسع قال : ( وكلا آتينا حكما وعلما ) [الأنبياء: 79] ، وهذا من البيان الخفي فيما نحن فيه .

قال الحسن : والله لولا ما ذكر الله من أمر هذين الرجلين ؛ لرأيت أن القضاة قد هلكوا ، فإنه أثنى على هذا بعلمه ، وعذر هذا باجتهاده .

والنمط هنا يتسع ، ويكفي منه ما ذكر ، وبالله التوفيق " .

انتهى باختصار من " الموافقات " (4/158-166).

ولهذا قال الإمام ابن كثير رحمه الله في الآية التي ذكرت عدة "أصحاب الكهف"
:
" فَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى الْأَدَبِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَتَعْلِيمِ مَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ، ضَعَّفَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثِ ، فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ إِذْ لَوْ كَانَ بَاطِلًا لَرَدَّهُ كَمَا رَدَّهُمَا، ثُمَّ أَرْشَدَ عَلَى أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى عِدَّتِهِمْ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ ، فَقَالَ فِي مِثْلِ هَذَا: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} فَإِنَّهُ مَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ ، مِمَّنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} أَيْ: لَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ فِيمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلَا تَسْأَلْهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا رَجْمَ الْغَيْبِ. فَهَذَا أَحْسَنُ مَا يَكُونُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ

: أَنْ تَسْتَوْعِبَ الْأَقْوَالَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ ، وَأَنْ تُنَبِّهَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا وَتُبْطِلَ الْبَاطِلَ ، وَتَذْكُرَ فَائِدَةَ الْخِلَافِ وَثَمَرَتَهُ ؛ لِئَلَّا يَطُولَ الْنِزَاعُ وَالْخِلَافُ فِيمَا لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ ، فَتَشْتَغِلُ بِهِ عَنِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ ، فَأَمَّا مَنْ حَكَى خِلَافًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ أَقْوَالَ النَّاسِ فِيهَا فَهُوَ نَاقِصٌ ، إِذْ قَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ فِي الَّذِي تَرَكَهُ ، أَوْ يَحْكِي الْخِلَافَ وَيُطْلِقُهُ وَلَا يُنَبِّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْأَقْوَالِ، فَهُوَ نَاقِصٌ أَيْضًا. فَإِنْ صَحَّحَ غَيْرَ الصَّحِيحِ عَامِدًا فَقَدْ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ،

أَوْ جَاهِلًا فَقَدْ أَخْطَأَ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَصَبَ الْخِلَافَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ ، أَوْ حَكَى أَقْوَالًا مُتَعَدِّدَةً لَفْظًا وَيَرْجِعُ حَاصِلُهَا إِلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ مَعْنًى، فَقَدْ ضَيَّعَ الزَّمَانَ، وَتَكَثَّرَ بِمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، فَهُوَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ."

انتهى، من "تفسير ابن كثير" (1/9).

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" هنا قاعدة وهي : إذا جاء في النصوص ذكر أشياء ، فأنكر بعضها ، وسكت عن بعض ؛ دل على أن ما لم ينكر فهو حق ، مثال ذلك قوله تعالى : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) [الأعراف: 28] ، فأنكر قولهم : ( وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ) ، وسكت عن قولهم: ( وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا ) ؛ فدل على أنها حق ، ومثلها عدد أصحاب الكهف ، حيث قال عن قول : ( ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ )، وسكت عن قول : ( سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) [الكهف:22] "
.
انتهى باختصار من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (10/ 1099) .

ولأجل ما تقرر من مراعاة السياق ، وفهم ما هو مقرر مقبول ، مما هو مردود مرذول ، قال القرافي رحمه الله : " وقال بعض العلماء : كُلُّ قصةٍ مذكورةٍ في كتاب الله تعالى فالمراد بذكرها: الانزجارُ عما في تلك القصة من المفاسد التي لابَسَها أولئك الرَّهْط ، والأمر بتلك المصالح التي لابسها المحكي عنه

انتهى من " نفائس الأصول " (9/3832).

وليست هذه المسألة هي ذاتها مسألة " شرع من قبلنا " هل هو شرع لنا أم لا ، وذلك أن قول عزيز مصر ( إن كيدكن عظيم ) ، ليس شرعا ولا عبادة ، ولم يكن هذا "العزيز" صاحب شرع ودين إلهي أصلا ، ولذلك لا يصح تنزيل كلام الأصوليين عن شرع من قبلنا تحت هذه المسألة .

وكلام الإمام الشاطبي رحمه الله الذي سبق نقله يتحدث عن هذه المسألة خصوصا ، مسألة القصص القرآني وضوابط الاستدلال به ، وقد عرض في وسطه لقضية " شرع من قبلنا "، فعلق عليها الشيخ عبد الله دراز رحمه الله بقوله :
" هذا نوع آخر غير ما ذكر في صدر المسألة ؛ فإن الأول ليس من الشرائع ، وهذا من الشرائع ، وما في حكمها ، وما دخل عليها من تحريف ، وغير ذلك " انتهى.

والحاصل مما سبق : أن قول عزيز مصر : ( إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم )، ورد في سياق القصص القرآني من غير نكير ولا إبطال ، وهو كلام مقبول في نفسه ، لكن في سياقه الخاص ، بمعنى أنه كان خطابا لنساء معينات حاضرات ، فوجه الكلام إليهن ، باعتبار ما فعلن وقلن ، فقال العزيز لهؤلاء النسوة : ( إن كيدكن عظيم ) ؛ نظرا لما فعلته امرأة العزيز من الحيلة للتخلص من فضيحتها ومعصيتها .

وهكذا يكون حال كل امرأة ، تحتال لتقلب الحق باطلا ، أو الباطل حقا ، فتتوسل بالحيلة والكيد ، لتغيير الحقائق ، وتعويض ما جبلت عليه من ضعف النفس .

يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله – في معرض ذكر ما يستنبط من قوله تعالى : ( فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ )-: " عظمة كيد النساء ، وذكره تعالى ذلك غير منكر له ، مع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنكن لأنتن صواحب يوسف)"

انتهى من " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " (13/ 244).

وليس في هذا دليل على أن جميع نساء العالمين : كيدهن عظيم ، ولا أن جميع النساء يحتلن لقلب الحق باطلا ، وقلب الباطل حقا .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 06:15   رقم المشاركة : 72
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل الصوم عند الخروج للدعوة مع جماعة
التبليغ يضاعف أجره سبعين مرة ؟


السؤال :


قالت لي جماعة التبليغ أن أجر صيام رمضان حال الخروج للدعوة في سبيل الله يتضاعف إلى سبعين مرة ، فهل هذا صحيح ؟


الجواب :

الحمد لله


أولا :

الذي يظهر : أن من قال ذلك من هذه الجماعة ، إنما تأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري (2840) ، ومسلم (1153) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) .

ومعنى " في سبيل الله " : اختلف فيها أهل العلم على قولين :

القول الأول : " فِي سَبِيلِ اللَّهِ " : أي طاعة لله تعالى وإخلاصا له ورغبة في ثوابه .

وهذا القول هو اختيار الإمام أبو العباس القرطبي ، شارح مسلم ؛ حيث قال رحمه الله تعالى :

" ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) أي : في طاعة الله ، يعني بذلك : قاصدا به وجه الله تعالى .

وقد قيل فيه : إنه الجهاد في سبيل الله "

انتهى من" المفهم " ( 3 / 217 ) .

وهذا القول هو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى ، قال :

" هذا معناه ، واللَّه أعلم ، في سبيل اللَّه : يعني في طاعة اللَّه ، أي من صام يوماً يبتغي وجه اللَّه والدار الآخرة ، فله هذا الأجر العظيم ، وهو من أسباب بعده من النار ، والسلامة من دخول النار ، والصيام من أفضل الأعمال ، ومن أفضل القرب ، وهو جُنّة للعبد من النار إذا صامه ابتغاء وجه اللَّه ، لا رياءً ولا سمعة ، ولا لمقصود آخر ، بل ابتغاء وجه اللَّه ، فله هذا الأجر العظيم "

انتهى من " الإفهام في شرح عمدة الأحكام " ( 1 / 429 – 430 ) .

القول الثاني : " فِي سَبِيلِ اللَّهِ " : أي في الجهاد ، لأن هذا هو الغالب في إطلاق " سبيل الله" ، في نصوص الشريعة على الجهاد .

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :

" إذا أطلق ذكر "سبيل الله" : كان المشار به إلى الجهاد " .

انتهى من " كشف المشكل من حديث الصحيحين " ( 3 / 153 ) .

وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى :

" فيه فضيلة الصّيام في سبيل اللّه ، وهو محمول على من لا يتضرّر به ، ولا يفوّت به حقّا ، ولا يختلّ به قتاله ولا غيره من مهمّات غزوه . ومعناه : المباعدة عن النّار ، والمعافاة منها . والخريف : السّنَة . والمراد : سبعين سنة " .

انتهى من " شرح صحيح مسلم " ( 8 / 33 ) .

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى :

" قوله " فِي سَبِيلِ اللَّهِ " : العرف الأكثر فيه : استعماله في الجهاد ، فإذا حمل عليه : كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين - أعني عبادة الصّوم والجهاد -
.
ويحتمل أن يراد بسبيل اللّه : طاعته كيف كانت . ويعبّر بذلك عن صحّة القصد والنّيّة فيه . والأوّل: أقرب إلى العرف "

انتهى من " احكام الأحكام " ( 2 / 36 - 37 ) .

وهذا القول ـ أن المراد به الجهاد ـ : هو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :

" الصيام في سبيل الله يعني : الصيام في الجهاد في سبيل الله ؛ لأن الصيام مع الجهاد فيه مشقه ، فلهذا كان جزاء من صام فيه وهو مجاهد في سبيل الله : أن يباعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً "

انتهى من " فتاوى نور على الدرب " ( 11 / 2 ) .

فالحاصل :

أن الصوم " في سبيل الله " محتمل لأحد معنيين : الصوم في الجهاد ، يعني : في قتال الكفار ، أو : من صام طاعة لله ، قاصدا به وجه الله تعالى .

ولعل الأقرب في هذه الفضيلة الخاصة : أنها خاص بحال الصائم في قتال الكفار ، من غير أن يضيع واجبا عليه ، أو يفرط في مقام الجهاد الذي أقامه الله فيه .

ثانيا :

إذا عرف ذلك فإن " في سبيل الله " : ليس هو من الجهاد ، بحسب الاصطلاح الخاص في الشرع ، وهو قتال الكفار .
لكن لا شك أن من خرج في الدعوة إلى الله تعالى على علم وبصيرة ، متبعا الكتاب والسنّة في أسلوب دعوته وما يدعو إليه ، مجتهدا في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في سنته

والتوقي عن باب البدع والمحدثات ، لا شك أن مثل هذا على خير عظيم ، وهو قائم بعمل من أجل الأعمال والقربات ، سواء كان قيامه في ذلك بمفرده ، أو مع آخرين يعينونه على ذلك ، وسواء كان ذلك في بلده ، أو خارجا عن بلده ، وإنما المدار في ذلك متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في سنته ، والاجتهاد في تبليغ شريعته .

قال الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت /33 .

فإذا انضاف لهذا النشاط الدعوي الصوم ، فإنه يكون جامعا لعدة من الخيرات في زمن واحد ، لكنه لا يدخل في معنى : صيام يوم في سبيل الله ، على القول الذي يرى أن المراد بذلك جهاد الكفار .

وأما على القول الآخر ، وهو أن المراد به : الصيام ، مع حسن القصد ، وإخلاص النية ، فهذا لا يحتاج أن يشترط فيه : أن يكون ذلك في أثناء قيامه بذلك العمل الدعوي .

وأما الدندنة على أن "الخروج في سيبل الله" بحسب العرف الخاص لجماعة التبليغ والدعوة" ، هو "الخروج في سبيل الله" الذي ذكر في النصوص الشرعية ، فهو خطأ بين ، وتأويل باطل للنصوص الشرعية بحسب العرف الخاص والاصطلاح الحادث ، الذي لم يكن معروفا ، بهذا التنظيم الخاص ، والعرف الخاص ، على عهد الوحي ، وفي زمن النبوة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" ومن لم يعرف لغة الصحابة التي كانوا يتخاطبون بها ويخاطبهم بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وعادتهم في الكلام ، وإلا حرف الكلم عن مواضعه ، فإن كثيرا من الناس ينشأ على اصطلاح قومه وعادتهم في الألفاظ ، ثم يجد تلك الألفاظ في كلام الله أو رسوله أو الصحابة ، فيظن أن مراد الله أو رسوله أو الصحابة بتلك الألفاظ ما يريده بذلك أهل عادته واصطلاحه ، ويكون مراد الله ورسوله والصحابة خلاف ذلك . وهذا واقع لطوائف من الناس من أهل الكلام والفقه والنحو والعامة وغيرهم "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 1 / 243 ) .

وقال ابن القيم رحمه الله:

" فالاختلاف والإشكال والاشتباه إنما هو في الأفهام ، لا فيما خرج من بين شفتيه – أي من النبي صلى الله عليه وسلم - من الكلام ...

وينضاف إلى ذلك تنزيل كلامه – أي كلام النبي صلى الله عليه وسلم - على الاصطلاحات التي أحدثها أرباب العلوم من الأصوليين والفقهاء وعلم أحوال القلوب وغيرهم ، فإن لكل من هؤلاء اصطلاحات حادثة في مخاطباتهم وتصانيفهم ، فيجيء من قد ألف تلك الاصطلاحات الحادثة وسبقت معانيها إلى قلبه فلم يعرف سواها ، فيسمع كلام الشارع ، فيحمله على ما ألفه من الاصطلاح ، فيقع بسبب ذلك في الفهم عن الشارع ما لم يرده بكلامه ، ويقع من الخلل في نظره ومناظرته ما يقع .

وهذا من أعظم أسباب الغلط عليه ..." .

انتهى من "مفتاح دار السعادة " ( 3 / 1596 - 1597 ).

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 06:17   رقم المشاركة : 73
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جماعة التبليغ ما لها وما عليها

السؤال

ما حكم الجماعات التي تقضي أربعة أشهر وأربعين يوماً في مختلف أنحاء العالم لدعوة المسلمين إلى واجباتهم الدينية ؟.

الجواب


الحمد لله


" جماعة التبليغ " من الجماعات العاملة للإسلام ، وجهدها في الدعوة إلى الله لا يُنكر ، ولكنها مثلها مثل كثير من الجماعات تقع في أخطاء ، وعليها ملاحظات ، ويمكن إجمال الملاحظات بما يلي مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأخطاء تختلف في الجماعة نفسها بحسب البيئة والمجتمع الموجودة به ، ففي المجتمعات التي يظهر فيها العلم والعلماء وينتشر مذهب أهل السنة والجماعة تقل أخطاؤهم إلى حد بعيد ، وفي مجتمعات أخرى قد تزيد هذه الأخطاء ، فمن أخطائهم :

1. عدم تبني عقيدة أهل السنة والجماعة ، وذلك واضح في تعدد عقائد أفرادها بل بعض قادتها .

2. عدم اهتمامهم بالعلم الشرعي .

3. تأويلهم للآيات القرآنية ونقلهم لمعانيها على غير مراد الله تعالى ، ومن ذلك تأويلهم لآيات الجهاد بأن المقصود بها " الخروج للدعوة " ، وكذا الآيات التي فيها لفظ " الخروج " ومشتقاته إلى الخروج في سبيل الله للدعوة .

4. جعلهم الترتيب الذي يحددونه في الخروج متعبَّداً به ، فراحوا يستدلون بالآيات القرآنية ويجعلون المقصود منها ما يحددونه من أيام وأشهر ، ولم يقتصر الأمر على مجرد الترتيب بل ظل بينهم شائعاً منتشراً مع تعدد البيئات وتغير البلدان واختلاف الأشخاص .

5. وقوعهم في بعض المخالفات الشرعية من نحو جعلهم رجلاً منهم يدعو أثناء خروج الجماعة للدعوة إلى الله ، ويعلقون نجاحهم وفشلهم على صدق هذا الداعي والقبول منه .

6. انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بينهم ، وهذا لا يليق بالذي يتصدى للدعوة إلى الله .

7. عدم كلامهم عن " المنكرات " ، ظناً منهم أن الأمر بالمعروف يغني عنه ، ولذا نجدهم لا يتكلمون عن المنكرات الفاشية بين الناس مع أن شعار هذه الأمة – وهم يرددونه باستمرار – { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران / 104 ، فالمفلحون هم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وليس فقط من يأتي بأحدهما .

8. ما يقع من بعضهم من الإعجاب بالنفس والغرور ويؤدي به ذلك إلى ازدراء غيره – بل والتطاول على أهل العلم ووصفهم بأنهم قاعدون ونائمون - ووقوعه في الرياء ، فتجده يتحدث أنه خرج وسافر وانتقل وأنه رأى وشاهد ، وهو يؤدي إلى وقوعه فيما لا يحمد مما ذكرنا .

9. جعلهم الخروج للدعوة أفضل من كثير من العبادات كالجهاد وطلب العلم ، مع أن ما يفضلونه عليه هو من الواجبات أو قد يصير واجباً على أناس دون غيرهم .

10. جرأة بعضهم على الفتوى والتفسير والحديث ، وذلك واضح في كونهم يجعلون كل واحد منهم يخاطب الناس ويبين لهم ، وهو يؤدي إلى جرأة هؤلاء على الشرع ، فلن يخلو كلامه من بيان حكم أو حديث أو تفسير آية ، وهو لم يقرأ في ذلك شيئاً ، ولم يسمع أحداً من العلماء لينقل عنه ، وبعضهم يكون من المسلمين أو المهتدين حديثاً .

11. تفريط بعضهم في حقوق الأبناء والزوجة ، وقد بيَّنا خطر هذا الأمر في جواب السؤال رقم ( 3043 ) .

لذا فإن العلماء لم يجوزوا الخروج معهم إلا لمن أراد أن يفيدهم ويصحح الأخطاء التي تقع منهم .

ولا ينبغي لنا أن نصد الناس عنهم بإسقاطهم بالكلية بل علينا أن نحاول إصلاح الخطأ والنصيحة لهم حتى تستمر جهودهم وتكون صائبة على وفق الكتاب والسنة .

وهذه فتاوى بعض العلماء في " جماعة التبليغ " :

1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز :

فإن جماعة التبليغ ليس عندهم بصيرة في مسائل العقيدة ، فلا يجوز الخروج معهم إلا لمن لديه علم وبصيرة بالعقيدة الصحيحة التي عليها أهل السنّة والجماعة حتى يرشدهم وينصحهم ويتعاون معهم على الخير لأنهم نشيطون في عملهم لكنهم يحتاجون إلى المزيد من العلم وإلى من يبصرهم من علماء التوحيد والسنَّة ، رزق الله الجميع الفقه في الدين والثبات عليه .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / 331 ) .

2. قال الشيخ صالح الفوزان :

الخروج في سبيل الله ليس هو الخروج الذي يعنونه الآن ، الخروج في سبيل الله هو الخروج للغزو ، أما ما يسمونه الآن بالخروج فهذا بدعة لم يرد عن السلف .

وخروج الإنسان يدعو إلى الله غير متقيد في أيام معينة بل يدعو إلى الله حسب إمكانيته ومقدرته ، بدون أن يتقيد بجماعة أو يتقيد بأربعين يوماً أو أقل أو أكثر.

وكذلك مما يجب على الداعية أن يكون ذا علم ، لا يجوز للإنسان أن يدعو إلى الله وهو جاهل ، قال تعالى : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة } ، أي : على علم لأن الداعية لابد أن يعرف ما يدعو إليه من واجب ومستحب ومحرم ومكروه ويعرف ما هو الشرك والمعصية والكفر والفسوق والعصيان يعرف درجات الإنكار وكيفيته .

والخروج الذي يشغل عن طلب العلم أمر باطل لأن طلب العلم فريضة وهو لا يحصل إلا بالتعلم لا يحصل بالإلهام ، هذا من خرافات الصوفية الضالة ، لأن العمل بدون علم ضلال ، والطمع بحصول العلم بدون تعلم وهم خاطئ.

من كتاب " ثلاث محاضرات في العلم والدعوة " .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-23, 06:23   رقم المشاركة : 74
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



معنى قول الفقهاء في شيء: إنه غير جائز،
وهل يشمل ذلك المحرم والمكروه؟


السؤال :

عندمـا نقول " لا يجـوز شرعاً " فما هي درجة هذا الحكم ؟

بمعنى هل الغير جائز يقارب المكروه أكثر ؟

أم يقارب المحرّم ؟ وهل فعل الغير جائز يتساوى عقابه مع عقاب المكروه والمحرّم ؟

أريد نُبذة مختصرة عن هذا الأمر .


الجواب :

الحمد لله

كثير من الفقهاء يطلقون عدم الجواز على المحرم والمكروه ، بمعنى : أنهم يقولون في المحرم : لا يجوز ، ويقولون في المكروه أيضا : لا يجوز ، وإن كان استعمال هذه الكلمة عندهم في الحرام أكثر من استعمالها في المكروه ، جاء في " التقرير والتحبير " لابن أمير الحاج (3 / 288): " لا تنافي بين غير الجائز والحرام ؛ لأن غير الجائز إما مساوي الحرام أو أعم منه " انتهى ، وفي كتب الشافعية عند الكلام عن مسألة حكم الاستنجاء باليمين ذكروا أنه لا يجوز ثم فسر بعضهم عدم الجواز بالكراهة

جاء في " المجموع شرح المهذب " (2 / 110): "

....... وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَحْرِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ ، وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ أَدَبٌ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ لَيْسَ مُبَاحًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ

بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ رَاجِحُ التَّرْكِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ لَا يَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَهِيَ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ . فَإِنْ قِيلَ: هَذَا غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ ، قُلْنَا : هُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَا يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ " انتهى .

وقال الإمام الشافعي – رحمه الله –

في صلاة الكسوف لا يجوز تركها وفسره بعضهم بالكراهة ، جاء في " الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع " (1 / 189): " وَأما قَول الشَّافِعِي فِي (الْأُم) لَا يجوز تَركهَا فَمَحْمُول على الكَرَاهِيَة لتأكدها ليُوَافق كَلَامه فِي مَوَاضِع أخر ، وَالْمَكْرُوه قد يُوصف بِعَدَمِ الْجَوَاز "

انتهى ، وفي " المجموع " أيضا (8 / 257) : " وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الْمَكْرُوهَ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَيُفَسَّرُ الْجَائِزُ بِمُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ " انتهى .

[ومستوى الطرفين هو المباح الذي لم يأمر به الشرع ولم ينهى عنه] ، وفي " أسنى المطالب في شرح روض الطالب " (1 / 285) : " وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ" انتهى.

وبعض الفقهاء يجعل المكروه من باب الجائز ، ويخص عدم الجواز بالمحرم فقط ، جاء في "

بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب " (1 / 397) :

" والجائز في اللغة : العابر، وفي الاصطلاح يطلق على معان : على المباح الشرعي ، وعلى ما لا يمتنع وجوده شرعا ، فيتناول الواجب والمندوب والمكروه " انتهى ، فيؤخذ من هذا : أن غير الجائز هو الحرام .

وخلاصة الجواب : أن العالم إذا قال : لا يجوز ، فالظاهر والأكثر استعمالا أنه يريد الحرام ، وقد يستعمل بعض العلماء أحيانا هذا اللفظ بمعنى المكروه .

أما عقاب من فعل شيئا غير جائز فيتوقف على معناه ، فإن كان حراما فإن فاعله يستحق العقاب إلا أن تتداركه رحمة الله وعفوه ، وأما المكروه فلا عقاب على فعله ولا إثم ، جاء في " مواهب الجليل في شرح مختصر خليل " (6 / 304) : " لَا مَأْثَمَ فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُه "

انتهى ، وفي " سبل السلام " (2 / 516) : "

فعل المكروه تنزيها لا يقتضي نقص شيء من الثواب " انتهى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-23, 06:30   رقم المشاركة : 75
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أقوال الفقهاء في الجمع بين الصلاتين بسبب الثلج
وحكم اتباع الاجتهادات التي ثبت مخالفتها للسنة المطهرة


السؤال :

ما حكم الجمع بين الصلوات في الثلج ؟ وما قول العلماء في هذه المسألة ، وخصوصاً الإمام أبي حنيفة؟ وهل يتبرأ العلماء من أولئك الذين يتبعون أي اجتهاد لهم ، يظهر لاحقاً أنه خلاف السنة ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا: اختلف العلماء في حكم جمع الصلوات لأجل الثلج :

ففي المذهب الحنفي : عدم جواز ذلك ؛ لأنهم يضيقون جدا في أمر الجمع بين الصلوات ، حتى إنهم لا يجيزون الجمع بين الصلوات إلا في عرفة بين الظهر والعصر ، وفي مزدلفة بين المغرب والعشاء لمن كان محرما بالحج ، قال الكاساني

في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (1 / 126):

" قال أصحابنا: إنه لا يجوز الجمع بين فرضين في وقت أحدهما إلا بعرفة والمزدلفة ؛ فيجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة، اتفق عليه رواة نسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله، ولا يجوز الجمع بعذر السفر والمطر" انتهى.

وأما المالكية : فيجوز عندهم الجمع بين المغرب والعشاء خاصة لأجل الثلج ، بل هو سنة عندهم .

جاء في " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " (1 / 231): " الجمع ليلة المطر سنة ماضية، والأصل الحقيقة، وقد فعله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء - رضي الله تعالى عنهم - وفعلهم لا يطرأ عليه نسخ، وأُلحق بالمطر : الثلج والبَرَد " انتهى.

وجاء في " الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني " (1 / 190):

" فالمطر سبب للجمع بين المغرب والعشاء ، على القول المشهور ؛ بشرط أن يكون وابلا ، أي كثيرا ، وهو الذي يحمل أواسطَ الناس على تغطية الرأس ، وسواء كان واقعا أو متوقعا ، ويمكن علم ذلك بالقرينة. ومثل المطر : الثلج والبرد " انتهى.

مع التنبيه على أن الجمع - عند المالكية - إنما يختص بأهل المساجد غير المقيمين فيها.

جاء في " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني " (1 / 231):

" وإنما يطلب ذلك الجمع في حق أرباب المساجد ، الساكنة بغيرها ، رفقا بهم في تحصيل فضل الجماعة لهم ، من غير مشقة زائدة بسبب ذهابهم قبل شدة الظلام اللاحقة لهم إن صبروا لغيبوبة الشفق، ولذلك لا يجمع أرباب المساجد المعتكفة بها ، إلا تبعا لمن منزله خارج عن المسجد ، كالمجاورين بالأزهر المنقطعين به

لا يجمعون إلا تبعا للإمام الذي منزله خارج عن المسجد ، وأما لو كان الإمام من جملتهم : لوجب عليه استخلاف من منزله خارج عن المسجد ، ويتأخر المعتكف يصلي مأموما تبعا" انتهى .

وأما الشافعية فيجوز - في المعتمد عندهم - الجمع بين الصلاتين في المطر والثلج ، إذا كان الثلج يذوب ويبل الثوب ، جاء في " المجموع شرح المهذب " (4 / 381): "قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ : فِي الْمَطَرِ . وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ ، وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ : لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا .

وَالْمَذْهَبُ : الْأَوَّلُ ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَدِيمًا وَجَدِيدًا ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ . قَالَ أَصْحَابُنَا: وَسَوَاءٌ قَوِيُّ الْمَطَرِ وَضَعِيفُهُ ، إذَا بَلَّ الثَّوْب .

قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ إنْ كَانَا يَذُوبَانِ وَيَبُلَّانِ الثَّوْبَ : جَازَ الْجَمْعُ ، وَإِلَّا : فَلَا . هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ . وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهًا : أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالثَّلْجِ ، وَإِنْ لَمْ يَذُبْ ، وَلَمْ يَبُلَّ الثِّيَابَ .

وَهُوَ شَاذٌّ غَلَطٌ. وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ خَرَّجَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ اتْبَاعًا لِاسْمِ الْمَطَرِ . وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ ، أَوْ بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ اسْمَ الْمَطَرِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى " انتهى.

ولكن من فقهاء الشافعية من أجاز الجمع في الثلج إذا كان قطعا كبارا ، جاء في " أسنى المطالب في شرح روض الطالب " (1 / 245): " نَعَمْ ؛ إنْ كَانَ الثَّلْجُ قِطَعًا كِبَارًا : جَازَ الْجَمْعُ بِهِ ، كَمَا فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ ، وَفِي مَعْنَاهُ : الْبَرَدُ " انتهى.

وأما الحنابلة : فيجوز الجمع عندهم للثلج في المغرب والعشاء خاصة ، وبعضهم يجعل الظهرين في ذلك كالعشاءين في جواز الجمع ، جاء في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2 / 337): " قوله (والمطر الذي يبل الثياب) . ومثله: الثلج والبَرَد والجليد . واعلم أن الصحيح من المذهب: جواز الجمع لذلك من حيث الجملة ، بشرطه، نص عليه، وعليه الأصحاب. وقيل: لا يجوز الجمع. وهو رواية عن أحمد.

تنبيه: مراده بقوله " الذي يبل الثياب "

: أن يوجد معه مشقة، قاله الأصحاب. ومفهوم كلامه: أنه إذا لم يبل الثياب ، لا يجوز الجمع. وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه جمهور الأصحاب. وقيل: يجوز الجمع للطلِّ. قلت: وهو بعيد. وأطلقهما ابن تميم. قوله (إلا أن جمع المطر يختص العشاءين، في أصح الوجهين) . وهما روايتان، وهذا المذهب بلا ريب. نص عليه في رواية الأثرم. وعليه أكثر الأصحاب، منهم أبو الخطاب في رءوس المسائل ، فإنه جزم به فيها.

والوجه الآخر: يجوز الجمع كالعشاءين. اختاره القاضي، وأبو الخطاب في الهداية، والشيخ تقي الدين وغيرهم " انتهى
.
مع التنبيه على أن الحنابلة قد اشترطوا شروطا لجمع التقديم

جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 8):

" (ويشترط للجمع في وقت الأولى) ظهرا كانت أو مغربا، وهو جمع التقديم (ثلاثة شروط) أحدها: (نية الجمع عند إحرامها) : لأنه عمل فيدخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الأعمال بالنيات» ، وكل عبادة اشترطت فيها النية اعتبرت في أولها ، كنية الصلاة . ولا تشترط نية الجمع عند إحرام الثانية. (وتقديمها)

أي الأولى (على الثانية في الجمعين) أي جمع التقديم والتأخير، فلا يختص هذا الشرط بجمع التقديم (فالترتيب بينهما) أي المجموعتين (كالترتيب في الفوائت ، يسقط بالنسيان) ، لأن إحداهما هنا تبع لاستقرارهما ، كالفوائت. والثاني: (الموالاة فلا يفرق بينهما) أي المجموعتين ؛ لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة

ولا يحصل ذلك مع التفريق الطويل (إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف) لأن ذلك يسير وهو معفو عنه، وهما من مصالح الصلاة، والشرط الثالث: (أن يكون العذر) المبيح للجمع من سفر أو مرض ونحوه (موجودا عند افتتاح الصلاتين) المجموعتين (و) عند (سلام الأولى) لأن افتتاح الأولى : موضع النية ، وفراغها وافتتاح الثانية : موضع الجمع " انتهى باختصار .

والراجح من أقوال أهل العلم : جواز الجمع بين الصلوات بسبب الثلج لمن كان يقصد المسجد ليصلي فيه جماعة وكان يتأذى بهذا الثلج في طريقه ، ويشق عليه إتيان المسجد للجماعة .

جاء في " المجموع شرح المهذب " (4 / 381): " وَالْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الثَّلْجِ وَغَيْرِهِ : يَجُوزُ لمن يصلى جماعة فِي مَسْجِدٍ يَقْصِدُهُ مَنْ بَعُدَ ، وَيَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ" انتهى

ثانيا :

الحجة والبرهان في قول النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقوله صلى الله عليه وسلم - وحده - هو الحجة بنفسه لما ضمن الله سبحانه له العصمة من الخطأ والزلل ، أما غيره مهما بلغت منزلته وعلا قدره فهو عرضة للخطأ والغلط ، ولذا فإن الأئمة الأربعة - على علو منزلتهم وغزارة علمهم وعمق فهمهم - كانوا ينهون الناس عن اتباع أقوالهم هكذا مجردة دون حجة أو دليل ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (2 / 139): "

وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم ، وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة؛ فقال الشافعي: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل، يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري " انتهى. وقد كان الأئمة رضوان الله عليهم يتبرؤون من أقوالهم واجتهاداتهم إذا خالفت قول الرسول صلى الله عليه وسلم ويصرحون أن مذهبهم هو اتباع حديث رسول الله إذا ثبتت صحته ، وهذه جملة من أقوالهم:

قال ابن عابدين في حاشيته (1 / 67):

"مَطْلَبُ: صَحَّ عَنْ الْإِمَامِ (أبي حنيفة ) أَنَّهُ قَالَ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي " انتهى.

وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى : " إنما أنا بشر، أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكلما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه "

انتهى من " جامع بيان العلم وفضله " (1 / 775) .

وقال النووي رحمه الله :

" وصَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعُوا قَوْلِي. وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ وَاتْرُكُوا قَوْلِي ، أَوْ قَالَ: فَهُوَ مَذْهَبِي وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَقَدْ عَمِلَ بِهَذَا أَصْحَابُنَا (الشافعية ) فِي مَسْأَلَةِ التَّثْوِيبِ وَاشْتِرَاطِ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَب "

انتهى من " المجموع شرح المهذب " (1 / 63).

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى " لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الثوري ولا الأوزاعي، وخذ من حيث أخذوا "

انتهى من " إعلام الموقعين عن رب العالمين " (2 / 139).

ثالثا:

مما سبق يُعلم أن كل قول أو رأي أو مذهب ثبت مخالفته لقول النبي صلى الله عليه وسلم : فلا يجوز اتباعه ، والأئمة الأعلام متبرئون منه وراجعون عنه ، قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله " أجمع الْمُسلمُونَ على أَن من استبان لَهُ سنة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحل لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد "

انتهى من إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار " (1 / 58)

وقال أيضا " كل مَا قلت ، وَكَانَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلاف قولي ، مِمَّا يَصح : فَحَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى ؛ فَلَا تقلدوني" انتهى من " مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول " (1 / 58).

وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى " فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول وعرفه : أن يبينه للأمة وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره ، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة، فإن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظَّم ويقتدى به من رأي معظَّم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ.

ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد - لا بغضاً له ، بل هو محبوب عندهم، معظَّم في نفوسهم - لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليهم، وأمره فوق كل أمر مخلوق. فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره

: فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أولى أن يقدَّم ويتَّبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفوراً له، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالَف أمرُه إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه، بل يرضى بمخالفة أمره ومتابعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ظهر أمره بخلافه. كما أوصى الشافعي: إذا صح الحديث في خلاف قوله؛ أن يتبع الحديث ويترك قوله "

انتهى من " الحكم الجديرة بالإذاعة " (1 / 34).

والله أعلم.









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سؤال وجواب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:13

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc