خارطة الطريق....نظرة من مكتب السيد الوزير

[Su2013]

زرت صبيحة اليوم العاصمة,ليس بغرض السياحة للأسف بل بصفتي ضحية من ضحايا الإرهاب البيروقراطي...بعد أن استخرجت الوثيقة التي جعلتني أقود لمدة فاقت 9 ساعات وسط العواصف الثلجية و السيول المطرية...اخترت استكمال الصبيحة في أحد المقاهي..دخلت و كان النادل قد قدم لي لائحة المشروبات و هي تطول ولا تنتهي..اخترت ماءا و كوبا من العصير..وأحضر لي النادل كوب العصير و الماء و كابوتشينو* لم أطلبه,ضحكت ببساطة لأن هذا يذكرني حتما بما يفرضه علينا تلاميذ "جوزيف غوبلز" و هم في خريف العمر,يأخذوننا شعبا و بلدا رهائن لأرائهم و أهوائهم الشخصية,في الشهر الفارط هزت سلسلة من الإضرابات المتتالية قطاع النقل الجوي وسببت تأخيرات كبيرة و الهدف كان الطاقم الذي يرأس مؤسسة النقل الجوي..لكن بدل الاستجابة أو على الأقل "الأخذ و الجذب" ولو مجاملة و نفاقا مع المضربين بدل هذا قرر القائمين على القطاع التضحية بالجميع و بسمعة المؤسسة,حيث اتجهت بعض المطارات لإجبار الشركة على إمضاء تعهد بأنها لن تتأخر وفي حالة التأخر تدفع غرامات مالية أو تمنع كليا من دخول تلك المطارات (مثل ما حدث في الصين)...وانتهى الإضراب في قاعات المحاكم ووصل الأمر ببعض المضربين إلى رفع ملفاتهم والتسول من "الإمارات" إلى "القطرية" إلى "أيغل ازيور" بعد أن تم طردهم..كل شيء في سبيل ابن عمي المديرالعام للشركة والشعار يموت الجميع لكي يعيش الفرد...اليوم نفس الواقع لكن هذه المرة في قطاع جد حساس..التعليم (ولأن التربية علامة حصرية يختص بها البيت و المجتمع),في هذا القطاع الحيوي خزان كبير من المناضلين و الكفاءات و الإطارات و الأساتذة المكونين..ومن الطبيعي لا وبل من "الصحي" جدا أن يعرف قطاع بهذا الحجم حركات احتجاجية و إضرابات كلها تندرج ضمن الممارسة النقابية "النبيلة"..وبالتحديد في بعض من ولايات وسط البلاد قدم ويقدم الأساتذة قضية واضحة ومطلب موحد مفاده إزاحة مديري التربية شخصين أو ثلاث أشخاص في أقصى تقدير ربما..مطلب قوبل بسياسة تصعيد "عنيفة" و خطاب "طفولي بلغة ركيكة" لم نفهم منها لا عامية و لا فرنسية و لا عربية..سياسة التصعيد تنبأ عن انعدام حس المسؤولية حيث تريد أن تبقي على ثلاث أشخاص "قامت هي بتعيينهم" و تقبل الإهانة والسب و الشتم و التنكيت و بل تقوم بالتضحية و طرد أكثر من 500أستاذ و إدخال شباب "الآل أم دي" مباشرة و بشكل عشوائي إلى المؤسسات التعليمية...إنها بكل بساطة عقدة "السلطة" والتسلط لمن لا سلطة له..انه مرض خبيث وفتاك من أخطر أعراضه "معزة ولو طارت",نفس الشيء ينطبق على مسؤولي باقي القطاعات الذين يفشلون...ثم يفشلون وسوف يفشلون... لكنهم يصرون على البقاء بل وعدم الاعتراف بالأخطاء ويحاولون جاهدين إلصاق المسؤولية عند حلول الكارثة بأي كان....مرة بالصحافيين و مرة أخرى بالجيران و تارة يتهمون الموساد و تارة أخرى هنري ليفي..و من الوارد جدا أن يخرج علينا وزير ليتهم شخصية كرتونية شريرة بتدبير مؤامرة خطيرة ضد أمن البلاد...نعم إنها نفس ترهات المؤامرة و الهوس بالأمن..المهم كل العالم مخطئ و كل أستاذ مخطئ و كل طالب مخطئ و كل قوانين الاقتصاد و الأسس المنطقية خاطئة..نعم كل القواعد تبطل أمام هؤلاء "التكنوقراطيين" علماء العصر...و أبدع هؤلاء في وصف الحقيقة إذ توصلوا إلى خلاصة مفادها أننا أفضل من نيويورك في الاقتصاد و أفضل من السويد في التزويد بشبكة المياه و أحسن من باريس في المستشفيات و أقوى من اسطنبول في السياحة ونصدر الأنترنت لقارة افريقيا بأكملها (معجزات و كرامات عيش تسمع و تشوف)....لكن حتما وسط كل هذا الإحباط والسوداوية التي قد يراها البعض في واقعنا يوجد شيء مميز شيء يجمع ولا يفرق شيء يغني عن آلف مقال و مليون كلمة لا أجد أفضل من الرؤية الكاملة إنها "صورة داخل إطار" تملأ الشوارع والقاعات والإدارات..ماذا عني..أنا في النهاية شربت الكابوتشينو الذي كان شديد المرارة وعند الدفع اعتذر النادل و أوضح لي بأنها تعليمات...دفعت نصف الثمن بعد مفاوضات, وأخذت وثيقتي الثمينة وانطلقت إلى مشاغلي و ناظري مشدود إلى لوائح أسعار الملابس والسلع التي قد لا نراها مجددا بسبب وقف الاستيراد,انطلقت إلى مشاغلي و أنا أردد داخل نفسي "وما شأني أنا بوزير أو بإضراب...." أنا مجرد مواطن بسيط "يدفع ثمن شيء لم يطلبه"..أنا مجرد شاب واحد من الملايين ممن يخوضون في ماراثون أولمبي جائزته "الخبزة".انتهى المقال و لم تنتهي الكلمات.